Zamanin Karyewa: Tarihin Al'ummar Larabawa
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Nau'ikan
الفصل الأول
العراق في القرن السابع للهجرة
اضطربت الحالة العامة في العراق اضطرابا شديدا منذ فجر القرن السابق، واستمر هذا الاضطراب إلى هذا القرن ، ففي القرن الماضي كان الأمر كله بيد الأعاجم من الفرس والأتابكة والترك، ولكنهم كانوا على شيء من معرفة الإدارة والاطلاع على السياسة وخشية الجانب العربي، أما في هذا القرن فقد ساءت حالة أولي الأمر، وبخاصة الخلفاء، إلى درجة أصبح معها من المستحيل بقاء الحكم في أيديهم ولو اسميا؛ لأنهم استسلموا للمماليك والخصيان والجواري الذين سيطروا على قصورهم، وتحكموا فيهم كل تحكم، حتى أصبح الخليفة ووزيره ورجال قصره كالدمى يتلاعب بها المستبدون من الأعاجم. وإن من البديهي أن يكون الخلفاء العباسيون قد أحسوا بالخطر الذي سيجلبه عليهم تسلط الفرس على أمور الدولة؛ ولذلك حاولوا التخلص منهم فجاءوا بالترك وسلطوهم عليهم، وكان هذا بلاء جديدا ومرضا أفتك من المرض الأول دخل جسم الأمة العربية؛ لأن الفرس كانوا قوما ذوي حضارة قديمة وعلم موروث، فلما توطدت أركانهم في الدولة العربية نشروا علمهم، وبعثوا حضارتهم، أما الترك فقوم لم يعرفوا بحضارة، ولا روي عنهم علم موروث، فلما استولوا على زمام أمر الدولة العربية سيطر عليها الجهل، وعمت الفوضى، وفشا الفساد، وأصبح من الطبيعي أن تصل الدولة العربية إلى حالة مزعجة من الفساد.
لقد كان لهولاكو عيون يراقبون وضع الدولة العربية في البلاد ويقدمون إليه الرسائل والتقارير، فيحيط علما بكل دقيقة وجليلة، كما أنه كان من المعقول جدا أن يكون بعض الأمراء والحكام يأتمرون بأمره، وينفذون خططه، كما كان نفر منهم يأتمر بأمره وهو في الظاهر يعمل باسم الخليفة أو وزيره، ولعل أكبر دواعي تمكن المغول في البلاد العراقية بهذه السرعة العجيبة أن الترك المنبثين في كافة الأقطار كانوا يعملون للقضاء على السلطان العباسي، وتوطيد ملك المغول. •••
ذكر جمهور المؤرخين أن المغول قد ظهر أمرهم في أوائل القرن السابع للهجرة حينما استولوا بقيادة زعيمهم «جنكيز خان» على بخارى، وسمرقند، وبلخ، وفتكوا بأهلها المسلمين شر فتك، وكان ذلك في سنة 616-617ه، وقد فعلوا بالأهلين أفاعيل فظيعة من حرق مدنهم، وبقر بطونهم، وهتك أعراض نسائهم، والتمثيل بأطفالهم وشيوخهم، ثم انساحوا إلى إيران فتملكوها بعد أن خربوا العواصم والمدن الكبرى كمدينة «الري» و«أصفهان»، وكثير من مدن إقليمي أذربيجان وخراسان، ثم أخذوا يعدون العدة لغزو العراق، ففي سنة 633ه/1236م هاجموا مدينة «إربل»، وساروا إلى «نينوى»، ولكنهم ردوا على أعقابهم، ثم عادوا في السنة التي بعدها فهاجموا مدينة «إربل» ثانية وحاصروها مدة حتى افتدى أهلها أنفسهم بالمال، ثم عادوا إليها ثالثة في سنة 635ه، ففتكوا بالسكان واحتلوا المدينة ثم ساروا حتى بلغوا تخوم بغداد، فخرج إليهم الجند العباسي وعلى رأسه الأميران شرف الدين إقبال الشرابي ومجاهد الدين الدوبدار فهزماهم، ولكنهما خافا من عودتهم؛ فنصبا المنجنيقات على سور بغداد، وفي أواخر هذه السنة عادت جيوش المغول إلى العراق فوصلت «خانقين»، فلقيها الجيش العباسي وحمي الوطيس، ثم دارت الدائرة على الجيش العباسي، ورجعت فلوله إلى العاصمة بعد أن قتل منه مقتلة عظيمة، وغنم المغول غنائم جمة في كل هذه المعارك، وبخاصة معركة «خانقين»، فقد روى المؤرخان «ابن الغوطي» و«ابن العبري» أنهم قد رجعوا بغنائم كبيرة وأسلاب وفيرة، وأن الأهلين لاقوا منهم بلاء عظيما.
1
وقد استمر المغول في هجماتهم هذه نحو خمس عشرة سنة كاملة يغيرون على البلاد في كل سنة فيفتكون بالأهلين، ويبثون العيون، ويثيرون الذعر، ويعملون على الفت في عضد الدولة، وتخويف أهلها، وإيجاد الشغب بين الناس، ويرجعون بالغنائم والأسلاب، إلى أن تولى أمرهم «مفكوقان» أخو «هولاكوقان» في سنة 648ه/1251م وكان ذا آمال كبيرة، وطموح عظيم، فعزم على القضاء على الخلافة العباسية، والاستيلاء على ممتلكاتها، وأخذ يرتب أموره ترتيبا قويا، وينظم جنده تنظيما عسكريا، ويعمل على تأسيس دولة كبرى بالمعنى الصحيح بعد أن كان الأمراء المغول قبله يسيرون سيرة رؤساء العشائر، وقد تفرس في أخيه «هولاكوقان» أنه يستطيع مساعدته في تدويل قبائله، ونشر سلطانها على العالم، وهكذا كان؛ ففي سنة 651ه/1523م بعث بأخيه هولاكو لفتح إيران والعراق وبلاد الروم، فدخل إيران، وخرب قلعة آلوت حصن الإسماعليين، وقضى على آخر ملوكهم، والمؤرخون يذكرون أنه بينما كان يحارب الإسماعليين بعث رسولا إلى الخليفة يطلب إليه أن يساعده على الإسماعليين، وقد أراد الخليفة إنفاذ جيش لمعونته، ولكن رجال الدولة حالوا دون ذلك، فغضب هولاكو غضبا شديدا، وقال: ما لهذا يدعي أنه خليفة المسلمين ولا يتقدم لحماية عقيدة الإسلام من هؤلاء الملاحدة؟! وعزم منذ ذلك الحين على الفتك بالخليفة، ولما تم له القضاء على الإسماعيليين سار بقواه إلى بغداد في أوائل عام 655ه/1257م، وكان قد أرسل إلى الخليفة المستعصم بالله قبل زحفه على بغداد رسالة يتوعده فيها، ويهدده ويستنكر عدم مناصرته وتسيير جيوشه لمعونته في حرب الملاحدة أعداء الإسلام، فلما وصلت الرسالة إلى الخليفة اضطرب وجمع رجاله، وأخذ يشاورهم فيما يفعل، فاختلف أمرهم، والخليفة متحير لعلمه بفساد بطانته واختلال جنده وتفرق قادته، وعلمه بأن أكثرهم منطو على الغدر والخيانة، وقد تأكدت ظنونه هذه لما بلغه أن حاكم مقاطعة «درتنك»
2
على الحدود الإيرانية، الأمير حسام الدين، قد ذهب إلى هولاكو، وعرض عليه ولاءه، فأعاده إلى مقاطعته، وولاه إياها مع أعمال أخرى، ولما عزم هولاكو الزحف على بغداد تهيب الأمر، ولكنه صمم على ذلك وتوجه إليها، كما بعث إلى قادة الجيوش التي كان بعث بها إلى بلاد الروم أن تغير وجهتها وتسير إلى بلاد الموصل وتحاصرها في الوقت الذي يكون فيه قد حاصر بغداد، وحدد لهم مواعد يلتقون معه فيها حول بغداد، ثم بعث إلى بعض الفرق المرابطة في إيران أن تسير إليه أيضا حتى تجعل بغداد محاطة ب «كماشة» من ميمنتها ومن ميسرتها، وكان ذلك في أواخر المحرم سنة 655ه، ثم إنه سار نحو العراق فدخله من طريق قرميسين (كرمنشاه) في جمهرة كبيرة من القواد والعلماء والأفاضل، وفيهم نصير الدين الطوسي العالم الشهير، والصاحب عطا ملك الجوني العالم الكاتب المعروف.
ولما وصل إلى حدود «حلوان» علم أن الجيوش العباسية قد خرجت للقائه في «بعقوبا»، و«باجسرى» بقيادة الأمير مجاهد الدين أيبك الدواتدار، والأمير فتح الدين بن كر، والأمير قراسنقر القبجاقي، ولما التقى الجيشان حمل المغول حملة صادقة، فتفرق الجند العباسي، وقتل قراسنقر وفتح الدين، وتفرقت الجنود، وهلك قسم كبير منهم غرقا في دجلة، أما ابن الدواتدار فإنه استطاع الرجوع إلى بغداد منهزما ، وأحاط المغول ببغداد في منتصف المحرم سنة 656ه/1258م، وأخذوا يضربونها بالمجانيق حتى ضاق الناس ذرعا بالحصار واشتدت الحالة، وخاف القائد ابن الدواتدار مغبة الأمر فحاول الفرار من دجلة، ولكن المغول أخذوا يقذفونه بقوارير النفط الملتهب حتى اضطروه إلى العودة فعاد إلى بغداد، وأحس الخليفة بسوء العاقبة، فبعث في أواخر المحرم من تلك السنة بابنه الأمير أبي الفضل عبد الرحمن ومعه الوزير، وجمع من عظماء المدينة مع هدايا كثيرة إلى هولاكو، ولكن هذا رفض استقبالهم، وطلب إليهم أن يبعثوا إليه بالخليفة نفسه ليفاوضه، وأمر جنده بالكف عن القتال حتى يسمع من الخليفة، ولكن الخليفة لم يذهب وبعث إليه بابن الدواتدار ومعه سليمان شاه بن برجم وهو من كبار القادة فقتلهما هولاكو، وأخذ الرعب يدب في قلوب البغداديين، وسادت الفوضى في المدينة الجميلة، وعزم الخليفة على أن يخرج هو وأولاده الثلاثة أبو الفضل عبد الرحمن، وأبو العباس أحمد، وأبو المناقب المبارك، في عدد كبير من الأمراء العباسيين والعلويين إلى لقاء هولاكو، وعرض الخضوع عليه، فلما وصلوا إليه أحسن استقبالهم أول الأمر وطيب خواطرهم، ثم طلب إليهم أن يبعثوا إلى الخليفة بأن يأمر الجند بإلقاء السلاح والتسليم، فأمرهم بذلك واستسلمت المدينة، فدخل هولاكو وجنده إليها، وتولوا زمام الأمر فيها، ثم إن هولاكو أمر بوضع الخليفة والأمراء والأشراف في مكان خاص محجورا عليهم، ثم شرعت سيول الجنود تنحدر نحو المدينة، ولما ملئوا شوارعها وأسواقها أمرهم هولاكو بالفتك وقتل الناس، وسلب أموالهم، وهدم بيوتهم.
Shafi da ba'a sani ba