Zamanin Karyewa: Tarihin Al'ummar Larabawa
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Nau'ikan
1
وبعد موت قرا يوسف وقعت الاختلافات بين أولاده وتقارعوا بالسيوف، فاستولى أحدهم وهو «شاه رخ» على «تبريز»، واستقل الإسكندر بمدينة كركوك، واستولى «أسبهان» على بغداد، ثم تلاقى «شاه رخ» والإسكندر في ميادين القتال، وانهزم «شاه رخ» فارا إلى أرض الفرات، أما الإسكندر فإنه رجع إلى خراسان، واستقل بها وببلاد تبريز، وأما «أسبهان» فإنه استولى على بغداد، ووقعت بينه وبين أخيه محمد شاه اختلافات طويلة حتى أقام هو في الجانب الغربي من المدينة في عمارة السلطان أحمد، وأقام أخوه محمد شاه في الجانب الشرقي، واستمرت الحالة على ذلك مدة، والناس يقاسون ويلات من الأميرين حتى اضطر «أسبهان» إلى أن ينسحب ويستقل بلواءي دبالى، والحلة، وما إليهما.
ومما هو جدير بالذكر أن بعض الأمراء الجلايرية قد طمعوا في استعادة سلطانهم بعد موت قرا يوسف ورؤيتهم اختلاف أولاده، ففي سنة 824ه هاجم الأمير أويس الثاني بغداد، ولكنه رد عنها خائبا، وفي سنة 825ه عاد إليها ثانية فهاجمها ورد عنها خائبا، ولكنه استطاع الاستيلاء على الحلة، وفي سنة 827ه هاجم الأمير علاء الدين ابن السلطان أحمد مدينة الحلة، واستولى عليها وطرد الأمير أويس، وفي سنة 830ه عاد السلطان أويس فطرده واستولى على الحلة، وحارب محمد شاه ببغداد وفيها قتل. •••
إلى هذا الأمر صار حال العراق بعد موت قرا يوسف، ولم تمض سنوات قليلة حتى توسعت الأمور اضطرابا، وزادت الانقسامات والفتن بين أولاد قرا يوسف حتى تفانوا، ولم يبق منهم إلا الأمير «أسبهان»، فإنه استولى على أكثر البلاد، ولكنه لم يكن حسن السيرة، وقد لقي العراق منه مثل ما لقي من أخويه، وقد رووا أنه كان مهملا للبلاد، معذبا للناس، مستوليا على أموالهم، ولم تكد البلاد تستعيد شيئا من نضارتها بسبب جودة المواسم حتى أقبل عليها بخيله ورجله ففتك بأهلها، وصادر تجارها في سنة 842ه، وشرع في هذا العام يجمع الأموال ويصادر الرجال ليتوجه بهم إلى قتال الأمير حمزة سلطان البايندرية المعروفين باسم «آق قويونلو»، ولما تم له ما أراد توجه إلى بلاد سنجار لقتال الأمير حمزة فقهره هذا، وفرق جنده، واضطره إلى أن يعود إلى بغداد ليستعد من جديد لقتال البايندرية، فأقام سنة يستعد لهم، ولما تمت له أسباب القوة ذهب إلى بلاد «ماردين» و«إربل» للانتقام من البايندرية ففتك بطائفة منهم، وأنزل بإربل شر البلاء ثم رجع إلى بغداد، وفي هذه الفترة ذاع أمر ظهور المهدي المشعشع في سنة 844ه/1440م في أرض واسط، وكان هذا رجلا يعرف شيئا من السحر وعلم المخاريق، فالتف الأعراب حوله في واسط والخوزستان والحويزة وجزائر البحرين، ولما رأى كثرة تابعيه طمع في التملك وجهز جيشا حارب به حاكم الحويزة وقهره، وتسلط على كافة هاتيك الأصقاع، ثم استولى على البصرة، وانتشرت جماعته التي عرفت بالمشعشعين تنشر دعوتها في العراق كله، حتى خاف الأمير «أسبهان» منه ووجه إليه جيشا تغلب على المشعشع، واستمرت دعوته في الانتشار، ولما مات الأمير «أسبهان» في سنة 848ه/1444م خلا له الجو فازداد نفوذه، وخصوصا حين وقعت الفتنة بين خلفاء «أسبهان» وأمرائه؛ لأن كلا منهم كان يطمع في التملك، كما أن أخاه جهان شاه أراد الاستيلاء على بغداد فوقعت الحروب والفتن بينهم جميعا، وانتشر أمر المشعشع وابنه علي انتشارا عظيما، ووقعت حرب كبيرة بين المشعشع وبين جهان شاه الذي استولى على بغداد في سنة 850ه، ثم استولى على البصرة وطرد المشعشع، وبعد أن وطد جهان شاه ملكه في هاتين العاصمتين رجع إلى تبريز بعد أن أقام في العاصمتين نائبين عنه، وفي سنة 857ه/1454م هاجم علي بن المشعشع بغداد، بعد أن حاصر واسطا والحلة، وقطع نخلهما، وضيق الأمر على أهلهما، وهدم المشاهد والأضرحة، وفي سنة 860ه توجه علي بن المشعشع إلى «مهروز» و«بعقوبا» فنهبهما، وقتل أهلهما، وأسر عددا كبيرا، ثم رجع إلى الحويزة فأقام فيها قليلا، ثم توجه إلى «بهبهان»، فحاصرها وقتل في أثناء الحصار سنة 861ه.
أما أبوه المشعشع، فقد كان يزعم للناس أنه على خلاف مع ابنه وأنه لا يقره على أعمال العنف التي يقوم بها، وأنه يحمد الله على موته؛ لأن دعوته يجب أن تقوم بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالسيف والعنف، وقد استمر المشعشع في دعوته إلى سنة 866ه وفيها مات فخلفه ابنه المحسن، وكان رجلا حازما مدبرا تمكن من الاستيلاء على جزائر البحرين كلها، وعلى أكثر أنحاء بغداد وبلاد البختيارية في فارس.
أما الأمير «أسبهان» فإنه أخذ يقوي نفسه ويعمل على القضاء على المشعشعين حتى اكتسح أكثر نواحي بغداد ، ثم انحدر إلى واسط وهي من معاقلهم فاستولى عليها، ثم عاد ثانية إلى بغداد فحاصرها وفيها أخوه شاه محمد فتغلب عليه، ودخل المدينة وفر أخوه إلى الموصل، وقد لقيت بغداد ما اعتادت عليه من المآسي في مثل هذه المحن المتكررة عليها، ولما وصل شاه محمد إلى الموصل تسلطن فيها وامتد سلطانه إلى بلاد «إربل» وكركوك، ثم طمع في استعادة بغداد من أخيه فتوجه إليها، وقتل في أثناء المعركة، وقد دام ملكه نحوا من ثلاث وعشرين سنة لم يعمل خلالها عملا صالحا، بل خرب البلاد وبخاصة بغداد، قال صاحب «المنهل الصافي»: «كان فاسقا زنديقا، لا يتدين بدين، وأبطل بتلك الممالك شعائر الإسلام، وقتل العلماء، وكان سماطه في رمضان يمد في ضحوة النهار، كما يمد في الإفطار، على رءوس الأشهاد، والويل لمن كان لا يأكل منه، وأبطل صلاة الجمعة والجماعة، وفسدت السابلة، ورحلت الناس عن بغداد فوجا فوجا، وانقطع ركب الحاج من بغداد سنين، ونفرت القلوب، إلى أن غلبه أخوه «أسبهان»، وكان أكفر من أخيه شاه محمد وأظلم، وأولاد قرا يوسف بأجمعهم هم أوحش خلق الله، وفي أيامهم خربت ممالك العراق، وأطراف العجم، ودار السلام، وهدمت تلك المساجد والمعاهد الجليلة، فالله تعالى يلحق بهم من بقي من آخرتهم وأقاربهم؛ فإنهم عار على بني آدم لما اجتمع فيهم من المساوئ والقبائح.»
2
والحق أن صاحب «المنهل الصافي» لم يبالغ في أقواله؛ فقد كان هؤلاء من شرار الحكام، وبخاصة شاه محمد؛ فقد لقيت البلاد منه في عهده كل شر وسوء، كما لقيت من إخوته مثل ذلك، فقد رأينا سوء أعمالهم قبل موت شاه محمد، أما بعد وفاته فإن الأمير «أسبهان» زحف على «إربل» بعد موت أخيه فقاتل صاحبها وهو ابن أخيه علي شاه، وهدم المدينة، ولم يتركها إلا بعد أن ألقى السم في مياهها، ومات من أهلها خلق كثير، ثم إنه رحل إلى الموصل فاستولى عليها في سنة 839ه/1345م، ثم قصد بغداد واستولى عليها، وأخذ ينظم أموره فيها، ومما هو جدير بالذكر أنه أهمل حالة المدينة فعمت فيها الأمراض والأوبئة، حتى قيل: إنه حصل وباء في سنة 841ه/1347م هلك بسببه ناس كثيرون، وكان العمل الوحيد الذي قام به هو تركه المدينة ونجاته بنفسه وبجنده، ولم يرجع إليها إلا بعد أن قضى الوباء على أكثر سكانها، قال المقريزي في السلوك: «وخربت المدينة، ولم يبق بها جمعة ولا جماعة، ولا أذان ولا سوق وجف معظم نخلها، وانقطع أكثر أنهارها بحيث لا يطلق اسم مدينة بعد أن كانت سوق العالم.»
3
وأما الأمير جهان شاه فإنه لم يكن أحسن حالا من «أسبهان»، وقد وقعت الفتنة بينه وبين ابنه بير بوداق «بير بضغ» صاحب بغداد لما بلغه أنه يقسو على الناس، ويجمع أهل الفسق والإلحاد ويقربهم، فكتب إليه ينصحه أن يقلع عن فساده فسخر بالكتاب وبأبيه أمام الرسول، فلما علم الأب بذلك جهز جيشا كبيرا، وزحف على بغداد في سنة 869ه لتأديب ابنه ووقعت بين الاثنين معركة عنيفة قاست بغداد من جرائها ويلات، ولقي سكانها شرا عظيما؛ لأن الحصار دام نحوا من سنة ونصف السنة إلى أن قتل «بير بوداق»، ودخل أبوه المدينة سنة 870ه، ففتك جنده بأهلها، ولم يكن حالهم مع الأب أحسن من حالهم من الابن.
Shafi da ba'a sani ba