Zamanin Karyewa: Tarihin Al'ummar Larabawa
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Nau'ikan
فلما مات وقعت الفتنة في البلاد؛ لأنه لم يكن له ولد، وطمع في الملك بعده خصومه وأمراء مملكته، فقد كان علي باش أمير بغداد طامعا في ذلك، وكان الأمير أربا خان - وهو من كبار رجال الدولة - يحلم بذلك، وهو امرؤ قوي النفوذ والشكيمة، فنادى بنفسه ملكا على البلاد، واستولى على إيران والعراق واشتعلت نار الفتن في البلاد جميعها، وخصوصا حين غلب علي باش على أمره، وذهب إلى السيدة دل شاو زوجة السلطان أبي سعيد وطلب إليها أن تذهب معه إلى بغداد وكانت حاملا، فذهبت معه وأعلن للناس أن الملك ينبغي أن يكون لمن ستلده هذه السيدة، وبعث الدعاة بذلك إلى البلاد، ثم إنه أخذ يضيق على البغداديين وسائر العراقيين، ويطلب إليهم أن يدفعوا إليه الأموال للدفاع عنهم من غارات «أربا خان»، فجمع أموالا جساما، حتى قيل إنه لم يبق مع الأعيان والأغنياء شيئا، ثم سير جيشه إلى مدينة سلطانية عاصمة المغول، وعمت الفوضى في البلاد، وتحكم فيها الفساد والمتمردون، وقطعت الدروب وعمت الفتن ، ثم وردت الأخبار بقتل أربا خان في سنة 736ه، وتسلطن بعده موسى خان، فلم تطل مدته سوى شهرين، وكانت مملوءة بالشرور والثورات.
ويمكننا أن نعتبر أن سلطان المغول قد انقرض بتولي هذا السلطان، وكان ذلك على يد الشيخ حسن الكبير الأبلخاني أمير بلاد الروم، فقد زحف على البلاد العراقية، ووقعت بينه وبين موسى خان وعلي باش معركة كبيرة في تبريز، انتهت بتفرق جند علي باش، وهروب موسى خان، وأسر علي باش وقتله.
11
وهكذا انقرضت الدولة المغولية في العراق والمشرق كله سنة 738ه/1336م، على الرغم من بقاء بعض الأمراء المتغلبة المغول الذين أخذوا يعلنون سلطنتهم واستيلاءهم على بعض بقاع الدولة مثل: سلطان محمد، وطفا تيمور، وصاتي بك، وسليمان خان، وجيهان تيمور، وغيرهم من الأمراء الذين كان لا يدوم ملك أحدهم أكثر من شهرين أو ثلاثة، وقد لقي العراق منهم في هذا القرن فتنا وويلات عظيمة، كما مرت به سنوات قحط شديدات إلى أن توطدت الأمور للدولة الأبلخانية الجلايرية الجديدة على يد رئيسها الشيخ حسن الكبير.
انتظمت أمور هذه الدولة الجديدة بعد القضاء على المغول واستقرار الشيخ حسن الكبير في بغداد وتنصيبه ابنه السلطان أويس حاكما على العراق، ولكن الأمور لم تستتب إلا في سنة 740ه/1339م، فقد استولت الدولة الجلايرية على الحلة وكانت تحت نفوذ الشريف أحمد بن رميثة بن أبي نمي صاحب الحجاز، سلمه إياها السلطان أبو سعيد كما سلمه أمر عرب العراق، فأحسن الشريف أحمد الإدارة فترة من الزمن، ولكنه فوجئ بمجيء الشيخ حسن الجلايري واضطر أن يستسلم إليه، ولكن هذا قتله بعد أن أمنه، وكانت زوجته «دل شاه» بنت دمشق خواجه ملكة العراق، وصاحبة الحل والعقد فيه، وكان أمرها نافذا في الممالك العراقية كلها، وكانت امرأة ذكية تحب فعل الخيرات، وتعطف على أهل العلم والأدب والصلاح، وتعنى بإشادة العمارات، وهي والدة السلاطين: أويس، وقاسم، وزاهد، ودوندي، وقد لعب كل واحد من هؤلاء أدوارا هامة في تاريخ العراق خلال هذه الفترة، وفي عهدهم رجع إلى بغداد بعض رونقها الذي كان لها أيام الدولة العباسية، فقامت العمائر الضخمة وشيدت المدارس الجليلة، وكثر الأدباء والعلماء والشعراء، ومن أشهرهم الخواجة سليمان الساوجي، وكان شاعرا مجيدا بالفارسية والعربية، وقد مدح السلطان أويس واختص به؛ لأنه رباه وعلمه الشعر، وفي ديوان الساوجي هذا كثير من وصف حالة بغداد وأخبار فتوحات السلطان أويس الذي تولى الملك بعد أبيه في رجب سنة 757ه/1356م، وأقام في الملك ثلاث سنوات عمرت فيها البلاد بالمدارس والربط والقصور الفخمة، لولا الطوفان الكبير الذي غرقها في سنة 757ه، وأهلك نحو أربعين ألفا من أهلها.
ومن الأمراء الكبار في هذا العهد الخواجة مرجان بن عبد الله الأولجاني أمير بغداد، وقد كان من أهل الفضل، وقف وقوفا جليلة على أهل العلم، وشاد مدرسة على غرار المدرسة النظامية الكبرى التي بناها الوزير الأعظم السلجوقي نظام الملك، ولا تزال مدرسة مرجان ماثلة إلى يومنا هذا شاهدة بما بلغته في العهد الجلايري من العظمة والرقي، ومن آثار مرجان أيضا دار الشفاء التي شادها لتكون معهدا ومستشفى، كما بنى كثيرا من الخانات والأسواق الضخمة، وقد استمر مرجان هذا في ولايته حتى عصى على السلطان في سنة 765ه، وحاول الاستقلال ببغداد فبعث إليه السلطان من أخضعه فاستسلم وسلم المدينة، ثم عزله السلطان وعهد إلى سلطان شاه بولاية بغداد في سنة 766ه، فدخلها هذا وبعث جنده إلى الموصل فأخضعها، واستمر في بغداد إلى أن مات في سنة 769ه، فطلب مرجان من السلطان أن يعيده إلى ولاية بغداد بعد أن حلف له على الطاعة، فقبل منه وأعاده عليها للمرة الثانية، فسار بالناس سيرة حسنة وأتم ما كان شرع فيه من الأعمال والمشاريع العامة، وحمد الناس له سيرته، وكمل في ولايته الثانية هذه ست سنوات ومات في سنة 774ه/1372م، فوليها بعده الخواجة سرور، ولم يقم فيها إلا أشهرا قليلة حتى أصيبت بالغرق العظيم، فطفا الماء على بغداد وما حولها، وتهدمت أكثر قصورها وآثارها، كما تهدمت الآلاف من دورها، ومات جمع غفير من أهلها، وكانت الخسارة عظيمة، فلما بلغت أخبارها إلى السلطان وهو بتبريز تأثر جدا فسأل أمراءه عمن يريد أن يتولى إيالة بغداد وينقذها من الخراب الذي أحاط بها، ويكون مدة خمس سنوات مطلق اليد في خراجها، على أن يعمرها فقبل الأمير إسماعيل بن زكريا الدامغاني بذلك، ودخلها في سنة 775ه/1373م، وحدب عليها وعطف على أهلها، وحفر الأنهار، ونظم المجاري، واعتنى بالزراعة، ونظم شئون البلاد حتى ازدهرت، وفي هذه الفترة مات السلطان أويس وولي ابنه جلال الدين حسين مكانه في سنة 776ه/1374م، فأقر الأوضاع كما كانت في عهد أبيه، ومرت الممالك العراقية بفترة استقرار لولا حادثتان، أولاهما أن الخواجة بيرام بك ثار في الموصل وتغلب عليها في سنة 777ه/1375م كما تملك بلاد سنجار، وقوي أمره، واشتد بطشه؛ والثانية وقوع فتنة في بغداد في سنة 780ه/1378م ذهب بسببها الأمير الدامغاني قتيلا بسبب ثورة الجند عليه، وقد أسف الناس لمقتله لما كان عليه من الصفات النبيلة والعدل، وإعادة السكينة والرخاء إلى بغداد خاصة، والبلاد العراقية عامة.
ولما قتل الأمير إسماعيل الدامغاني اضطربت الأحوال ووقعت فتن كثيرة بين السلطان حسين وإخوته الطامعين في الملك والسيطرة على بغداد، إلى أن كانت سنة 782ه/1380م فتمت فيها الغلبة للشيخ علي أخي السلطان حسين، وتولى على بغداد قسرا بمعاونة نفر من أهلها؛ لأنه كان أميرا عادلا صالحا على عكس ما كان أخوه السلطان حسين.
وفي هذه الفترة أحب السلطان حسين التقرب من سلطان مصر والشام وأن يقوي نفوذه عنده، فبعث إليه بالقاضي زين الدين علي بن العبايقي الآمدي قاضي بغداد وتبريز، وبالصاحب شرف الدين بن عز الدين الواسطي وزير السلطان، ومعهما نفر من الوجوه والأعيان، ولما وصلوا إلى الديار الشامية أكرمهم أهلها إكراما كثيرا، ولما وصلوا إلى الديار المصرية تلقاهم السلطان برقوق أحسن تلق، وقد قوت هذه الوفادة أواصر المودة بين العراق وبين الشام ومصر وحكامهما. ويذكر المؤرخون أن القاضي زين الدين لما رجع إلى العراق كان يكثر من الثناء على أهل الشام ومصر، ويظهر أن السلطان حسينا لم يفد كثيرا من هذه الوفادة؛ فإن النزاع قد قوي بينه وبين إخوته، فإنهم غاروا من ذلك، وأخذوا يفسدون عليه خططه التي هدف إليها من وراء هذه الوفادة، وفي سنة 784ه/1382م تغلب عليه الأمير أحمد وقتله واستقل بالأمر بعده، ثم انصرف أحمد لقتال سائر إخوته، وابتدأ بقتال الشيخ علي صاحب بغداد الذي نادى بنفسه سلطانا عليها بعد مقتل أخيه السلطان حسين، ووقعت بين الطرفين معارك عديدة قتل فيها الشيخ علي واضطربت حالة بغداد، وتسلط الأوباش والسوقة على المدينة، واجتمع وجوهها وبعثوا إلى أمير يسمى «عادل آغا» وصاحب نفوذ كبير في مدينة تبريز طالبين إليه أن يبعث إليهم واليا يضبط أحوال المدينة وينظم فوضاها، فبعث إليهم بالأمير طورسن ليتولى بغداد، وبقوام الدين النجفي ليتولى وزارة بغداد، فلما وصلا إلى المدينة لم يستطيعا وضع الأمور في نصابها، ولم تتبدل الحالة بل ازدادت سوءا على سوء؛ لأنهما شرعا في جمع الأموال ومصادرة الأهلين، وخصوصا حين بلغ الناس خوف السلطان أحمد من تيمورلنك الذي أخذ نجمه يظهر في هذه السنة، 786ه/1384م، والذي سيطر على المشرق كله من تركستان إلى بخارى وسائر بلاد ما وراء النهر، وأنه متجه الآن لفتح الأراضي الغربية في خراسان وسائر المماليك الإيرانية والعراقية والشامية والمصرية.
وفي سنة 786ه/1384م زحفت جيوش تيمورلنك على تبريز وأذربيجان فاستولى عليهما وفتك بأهلهما، وفر السلطان أحمد إلى بغداد فتخاوف الناس، وتذكروا أيام هولاكو وجنكيز خان، وبينما كان تيمورلنك يريد الزحف على العراق، إذا بالأخبار ترد إليه أن بعض الثوار ظهروا في بلاده، وخرجوا عليه، فرجع إليهم من حيث أتى واستقر هنالك فترة وطد فيها أركانه، وقضى عليهم، ثم عاد إلى العراق فلقيه جيش العراق على ما سنفصله فيما يلي.
الفصل الثالث
Shafi da ba'a sani ba