Zamanin Tashin Hankali: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashe na Takwas)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Nau'ikan
لما ظهرت الحركة الوهابية في جزيرة العرب وقوي أمرها - على ما بيناه سابقا - خشيت الدولة العثمانية من امتداد نفوذها إلى الشام والعراق، والقضاء على النفوذ العثماني فيهما، فطلبت الدولة من واليها على العراق أن يقف أمام الخطر الوهابي، فحاول ذلك مرات ولكنه فشل، فطلبت إلى واليها على الشام أن يعمل على محاربة الوهابيين فلم يفلح كذلك، وطلبت الدولة من واليها على مصر أن يقوم بهذه المهمة، فبعث ابنه طوسون، ثم كتب إلى الدولة يطلب إليها أن تضم إليه ولاية الشام؛ ليستعين بها في حرب الوهابية، ولأن الشام قريبة من «الدرعية» عاصمة الوهابية. ولكن الدولة تنبهت إلى أن طلب محمد علي هذا يخفي وراءه التوسع، فأبت عليه ذلك إلى أن أتم السيطرة على الجزيرة العربية كلها.
وكان محمد علي قد أوجد في مصر جيشا قويا أثبت وجوده في الحملة على جزيرة العرب، وإنما أعد محمد علي هذا الجيش المصري لينفذ به مآربه في إقامة دولة كبيرة تنتظم بلاد العرب كلها، ولكن الدول الغربية وفي طليعتها بريطانية الطامعة بالشرق العربي كله، قد وقفت أمام فكرة محمد علي تحاربها سرا وجهرا.
ولما مات محمد علي سنة 1264ه/1848م خلفه حفيده عباس بن طوسون بن محمد علي، فاستكان للدولة العثمانية، ووضع جيشه تحت تصرفها، وبخاصة في الحرب التي جرت بينها وبين روسية، وقد تلف فيها من أبناء مصر عدد كبير.
ولما مات، خلفه سعيد بن محمد علي في سنة 1270ه/1854م، وكان آخر من ثار سكان الفيوم في عهده لما لاقوه من رجاله من العنف، ففتك بهم شر فتكة، وكانت حركة أهل الفيوم هذه نواة انبعاث الوعي في الشعب المصري ضد حكامه.
ولما مات سعيد، خلفه إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي في سنة 1279ه/1863م، وفي عهده ساءت حالة البلاد اقتصاديا لفساد إدارته وتبذيره، واستولى الفرنسيون والإنكليز على ثروة البلاد، وقبل باستيلائهم على أمور المالية والأشغال العامة وتوليتهما إلى رجلين منهما، ثم استدان من اليهودي روتشيلد مبلغ ثمانية ملايين جنيه ونصف المليون ليعدل ميزان البلاد التجاري، فاستشرى الفساد في مصر، وثار الشعب المصري، ولم تهدأ الثورة الشعبية العارمة إلا بعد أن تخلى عن العرش، فخلفه ابنه محمد توفيق سنة 1296ه/1879م، ولم يكن أحسن سيرة من أبيه، فازداد الوضع الاقتصادي سوءا على سوء، وتعمق تدخل الأجانب في سياسة البلاد والسيطرة على أوضاعها العامة، فكانت الثورة القومية الكبرى التي تولى زعامتها البطل أحمد عرابي؛ وهو فتى قروي أزهري دخل في سلك الجندية، وما يزال يرتقي فيها حتى بلغ رتبة أميرالاي في عهد محمد توفيق، ولما رأى مصالح الأمة قد ديست، وأن روح الاستبداد قد تفشت، وأن الجنود الشراكسة قد استولوا على مقاليد الأمور في مصر عسكريا ومدنيا، وأن وزير الحربية الشركسي (ناظر الجهادية رفقي باشا) قد سلمهم ناصية البلاد، وتعاون معهم على تنحية العناصر الوطنية عن رتب الجيش، ثارت ثائرته هو وإخوانه وتقدموا من محمد توفيق بأمور، منها:
عزل عثمان رفقي من نظارة الجهادية.
وتأليف مجلس نيابي دستوري يعمل على رعاية مصالح الأمة المداسة، ووقف تيار الاستبداد.
ولكن محمد توفيق ورئيس النظار رياض باشا غضبا على أحمد عرابي وإخوانه، فقبض عليهم وقرر محاكمتهم، فهاج إخوانهم في الجيش وخارجه، وأحدقوا بديوان ناظر الجهادية، فاضطر عثمان رفقي إلى أن يفر منه، واضطر محمد توفيق أن يعهد إلى محمود سامي البارودي بنظارة الجهادية، فسكنت الأحوال فترة، ثم ما لبث أن عزله فعادت الثورة من جديد، واضطر محمد توفيق إلى إقالة وزارة رياض باشا وتأليف وزارة برئاسة شريف باشا كان البارودي وزير الدفاع فيها، وأحمد عرابي وكيله. ولم يلبث محمد توفيق أن أقال هذه الوزارة، فعمت البلاد روح الثورة، واضطر محمد توفيق إلى إعادة أحمد عرابي إلى وزارة الجهادية، إلى أن وقعت في الإسكندرية مذبحة كبرى اصطنعها الإنكليز ليتخذوها ذريعة إلى التدخل في شئون البلاد، فضربوا الإسكندرية سنة 1299ه/1882م، واستولوا على التل الكبير بعد عدة معارك بينهم وبين الجيش المصري، ثم دخلوا القاهرة وحلوا الجيش ونفوا أحمد عرابي إلى جزيرة سيلان في سنة 1300ه/1882م حيث مكث 19 عاما، ولم يؤذن له بالعودة إلى أرض الوطن إلا في عهد عباس الثاني في سنة 1319ه، إلى أن توفاه الله سنة 1329ه/1911م بعد أن قام بواجبه القومي خير قيام، وبعث في أمته روح التضحية والإباء على العار والاستكانة.
ولما أعلنت الحرب العامة الأولى، ورأى أبناء مصر تحرك إخوانهم العرب في الجزيرة العربية والشام والعراق للمطالبة بالاستقلال التام، وعانوا من بريطانية أشد الويلات بعد أن أعلنت الحماية في مصر، وأصبح المندوب البريطاني في مصر الحاكم المطلق، وجعلها قاعدة حربية للجيوش الوافدة من أسترالية وأفريقيا الجنوبية، والهند، وكان على تربة مصر أن تقدم المئونة لكل هذه الجيوش بينما يجوع أهلها، ورأوا نحوا من مليون فتى من أبنائها يساقون إلى الخدمة في المعسكرات البريطانية مكرهين، كما رأوا عددا كبيرا من رجالاتهم يساقون إلى النفي والتشريد وفي ظهورهم حراب بريطانية لاعتقالهم في سجون مالطة طوال فترة الحرب، فلما انتهت وانتصر الحلفاء وأعلن الرئيس الأميركي ولسن تأييده لمطالب الشعوب بالحرية وحق تقرير المصير، ورأى الشعب المصري أن حقوقه ما تزال مهضومة، على الرغم من كل تضحياته التي قدمها للحلفاء، أعلن ثورته العارمة الكبرى سنة 1919م، واشتعل القطر المصري كله بنيران الثورة ضد الاحتلال الإنكليزي الظالم، وظلت البلاد في كفاح ونضال؛ حتى عقدت معاهدة سنة 1936م، ولكنها لم تخل من قيود استعمارية ظالمة؛ لأنها: تسلم بوجود قوات أجنبية ترابط في أرضها، مع أن هذا مناف لروح السيادة القومية، وتلزمها ببناء الثكنات والمنشآت للقوى البريطانية.
وتضطرها إلى وضع موانئها البحرية والجوية وجميع طرق مواصلاتها تحت تصرف القوى البريطانية.
Shafi da ba'a sani ba