وأمرهم جميعا أن يشدو على وسطهم نطاق الوفاء وأن يضعوا على وجوههم أقنعة الحياء ، وسأل تلك الجماعة ممن طافوا بأرجاء العالم ، أى طرف من الأطراف غاب عنكم أو سقط منكم ، ولم تطأه قدمكم فقالوا :
لقد طفنا بالشرق والغرب فى بلاد العجم والعرب إلا من نقطة" طبرستان" فارتحل" مهر فيروز" فى نفس ذلك اليوم من" بلخ" وأطلق عنانه إلى طريق" طبرستان" وأرسل الملك من ورائة ذخائر الخزائن حتى بلغ مركز" الطوسان" فلحق به الوالى الذى كان معينا عليها من قبل الملك ، وكان يبذل من المال ما لا حصر له فى جميع نواحى تلك الولاية حتى انقضى عام ونيف دون أن يلوح أثر من سحاب فى سماء الأمل وعجزت حيله فقال ذات يوم :
العز فى استعلاء سرج طمره
لا فى التكاء المتن فوق وساد (1)
وأمر أن يتركوا هناك الفراش والمتاع وركب فى موكب واحد مع عدة أشخاص واتجهوا صوب شاطئ البحر ، وكل نهر كان يعبره كان يترك مراكب الأعوان فيه حتى وصل بجواده فقط حتى حدود ديلم ، وقاد جواده فى النهر حتى غاصت أقدامه فتركه وبمشقة بالغة استطاع أن يصل إلى شاطئ النهر سابحا فلا هو قد رجع ولا هو وصل إلى مراده ، فصار فى تلك الغابات والأدغال ، فكان يتجول حتى وجد ماء نقيا صافيا ففكر أن يكون لهذا الماء المتدفق من عمار فصار على الماء حتى وصل إلى رأس النبع وعلى نحو ما جرى ذكره فى البداية رأى فتاة على نفس الصفات فقال فى نفسه لو كانت جنية فسوف أقتلها ، وإن تكن آدمية فهى غايتى التى أقصدها واستل السيف وصار إلى رأس النبع فلما نظرت إليه الفتاة رأت رجلا جميلا ممسكا سيفا فقالت أيها الشاب من أنت؟ وما اسمك؟ وماذا تفعل هنا؟ فمن العجب أن يكون مثلك فى هذا المكان : فقال مهر فيروز أنا آدمى وأخبرنى عن حالك وأصلك فقالت : أنا آدمية أيضا وموطنى فى هذا المكان ولى من الآباء اثنان أعنى أب وأخاه ولى أم وأخوة كثيرون فقال مهر فيروز إذ لم يكن صعبا عليك فقودينى إلى مشارف مقامكم فخرجت الفتاة بخفة من الماء وصحبته صوب قصدها ودخلت فرأى مهر فيروز مكانا مريحا فقال : اليوم يوم سلو كل فؤاد : اليوم برد حرارة كل الأكباد وسألت الأم عن سبب مجيئها فقصت لها عن أمر مهر فيروز فأمرتها بأن تخرج وتحضره إليها وامتثلت الفتاة إلى ما أمرت به ، فلما رأته الأم أبدت الترحيب والبشاشة به وبعثت
Shafi 83