يخضع لاختبار وتأمل واعتبار وطول ممارسة عما اكتسبه فإن وجد فيه الاستقلال والأهلية يضع اسمه بين أهل الدرجات ، والوزير من صلاح حاله ونور قلبه أخذ يسوق الحديث إلى السلطان من أوله إلى آخره ، فأمر الملك بأن : أولاد السفلة إذا تأدبوا طلبوا معالى الأمور فإذا نالوها ولعوا ببذل الأشراف والأحرار والوضع بأجلة الكبار ، وإنى أصون أعراض الأشراف أن يتناولها السفلة والأشرار : يعنى أن أبناء الأحقار إذا ما تعلموا العلم والأدب والكتابة طلبوا المهام الكبيرة وإذا ما ظفروا بها سعوا إلى ذل الأشراف والأحرار والوضع بأجلة العظماء وإنى أصون أعراض الأشراف من أن يتناولها ألسنة السفلة ، وقد نظم واحد من العظماء هذا المعنى فى شكر أنوشروان.
لله در أنوشروان من رجل
ما كان أعلمه بالدون والسفل
وعند ما سمع الوزير كلام الملك أخبر التاجر وعاد الرجل حزينا ومهموما وجاء إلى بلاط الملك مرة أخرى فى الصباح بكثير من الهدايا وخدمات لا تحصى ووقف فى مقامه ودعاه بدعاء لائق ، لو لم يحظ تمنى الأمس بالقبول وكان طريقه مسدودا ، فلا ذنب لى أن حنظلت نخلاتها ، فماذا يحدث بأخذ نفس المال من العبد وتحضر القدم المباركة التى تطأ مفرق الشمس إلى منزل العبد فأجابه الوزير قائلا : هذا يتعلق بى" ولو دعيت إلى كراع لأجبت" (1) وفى الغداة توجه الوزير وأعيان الملك إلى منزل التاجر ، وكان قد أنفق ببذخ فى تلك الضيافة لكى يبقى اليوم تاريخا ، وعند ما حل الليل بعد ذلك جلسوا إلى مجلس الشراب" وإنما الليل نهار الأديب" وأمر التاجر بأن يحضروا الشمعدان فى مواجهة وزير أنوشروان ويضعوه على الأرض ، وفى الحال أقبلت هرة ورفعت بيديها الشمعة على رأسها فلما رأى الوزير هذه الحالة أدرك أمر التاجر من هذا كله ، لكى يعرفه بكفاءته وأن الحيوان الوحشى الذى فى نفسه الناطقة أصبح مؤدبا
Shafi 62