الجزء الأول: في جغرافية سيناء
مقدمة الكتاب
الباب الأول: في جغرافية سيناء الطبيعية
1 - في حدود شبه جزيرة طور سيناء وأسمائها
2 - في أقسامها وأراضيها
3 - في جبالها
4 - في أوديتها ومياهها
5 - في معادنها
6 - في هوائها
7 - في نباتاتها
Shafi da ba'a sani ba
8 - في حيواناتها
9 - في سكانها
الباب الثاني: في جغرافية سيناء الإدارية
1 - في مدن سيناء وقراها وآثارها
2 - في دير طور سيناء
3 - في المدرسة العبيدية
4 - في طرق سيناء
5 - في آثار سيناء حسب مداتها
6 - في حكومة سيناء وإدارتها
7 - في أجر الإبل في سيناء وقسمة المنافع بين قبائلها
Shafi da ba'a sani ba
8 - في السفر إلى سيناء ولوازمه
الجزء الثاني: في بداوة سيناء
الباب الأول: في لغة بدو سيناء وديانتهم ومعارفهم وزراعتهم وصناعتهم وتجارتهم
1 - في لغتهم
2 - في ديانتهم
3 - في معارفهم
4 - في زراعتهم
5 - في صناعتهم
6 - في تجارتهم
الباب الثاني: في أخلاق البدو وعاداتهم وخرافاتهم
Shafi da ba'a sani ba
1 - في أوصافهم الخلقية
2 - في أخلاقهم
3 - في عاداتهم
4 - في خرافاتهم
الباب الثالث: في قضاة البدو ومحاكمهم وشرائعهم
1 - في قضاة البدو
2 - في محاكمهم
3 - في شرائعهم وأحكامهم
4 - في نقد شريعة البدو وحكومتهم وطرق إصلاحهم
الجزء الثالث: في تاريخ سيناء «القديم والحديث»
Shafi da ba'a sani ba
الباب الأول: في تاريخ سيناء القديم
تمهيد
1 - في تاريخ سيناء في عهد الدول العشرين الأولى المصرية
2 - في تاريخ سيناء مدة تغرب بني إسرائيل فيها
3 - في تاريخ سيناء من بعد الدول العشرين الأولى المصرية إلى الفتح الإسلامي لمصر
4 - في تاريخ مملكة النبط في البتراء وعلاقتها بسيناء قديما وحديثا
5 - في تاريخ دير طور سيناء القديم والحديث
الباب الثاني: في تاريخ سيناء الحديث
1 - في تاريخ سيناء منذ الفتح الإسلامي لمصر إلى عهد الأسرة المحمدية العلوية
2 - في تاريخ سيناء في عهد الأسرة المحمدية العلوية
Shafi da ba'a sani ba
3 - في نظار قلاع نخل والطور والعريش ومحافظيها
4 - في حروب البدو في سيناء
5 - في حادثة الحدود سنة 1906
الخاتمة
تمهيد
خلاصة تاريخ العرب
خلاصة تاريخ سوريا
خلاصة تاريخ العراق
خلاصة تاريخ مصر
صاحب العظمة السلطان حسين كامل سلطان مصر
Shafi da ba'a sani ba
سيناء والحرب الحاضرة (سنة 14-1916)
العلائق التجارية بين مصر وجاراتها في هذا العصر
السوري في مصر
الجزء الأول: في جغرافية سيناء
مقدمة الكتاب
الباب الأول: في جغرافية سيناء الطبيعية
1 - في حدود شبه جزيرة طور سيناء وأسمائها
2 - في أقسامها وأراضيها
3 - في جبالها
4 - في أوديتها ومياهها
Shafi da ba'a sani ba
5 - في معادنها
6 - في هوائها
7 - في نباتاتها
8 - في حيواناتها
9 - في سكانها
الباب الثاني: في جغرافية سيناء الإدارية
1 - في مدن سيناء وقراها وآثارها
2 - في دير طور سيناء
3 - في المدرسة العبيدية
4 - في طرق سيناء
Shafi da ba'a sani ba
5 - في آثار سيناء حسب مداتها
6 - في حكومة سيناء وإدارتها
7 - في أجر الإبل في سيناء وقسمة المنافع بين قبائلها
8 - في السفر إلى سيناء ولوازمه
الجزء الثاني: في بداوة سيناء
الباب الأول: في لغة بدو سيناء وديانتهم ومعارفهم وزراعتهم وصناعتهم وتجارتهم
1 - في لغتهم
2 - في ديانتهم
3 - في معارفهم
4 - في زراعتهم
Shafi da ba'a sani ba
5 - في صناعتهم
6 - في تجارتهم
الباب الثاني: في أخلاق البدو وعاداتهم وخرافاتهم
1 - في أوصافهم الخلقية
2 - في أخلاقهم
3 - في عاداتهم
4 - في خرافاتهم
الباب الثالث: في قضاة البدو ومحاكمهم وشرائعهم
1 - في قضاة البدو
2 - في محاكمهم
Shafi da ba'a sani ba
3 - في شرائعهم وأحكامهم
4 - في نقد شريعة البدو وحكومتهم وطرق إصلاحهم
الجزء الثالث: في تاريخ سيناء «القديم والحديث»
الباب الأول: في تاريخ سيناء القديم
تمهيد
1 - في تاريخ سيناء في عهد الدول العشرين الأولى المصرية
2 - في تاريخ سيناء مدة تغرب بني إسرائيل فيها
3 - في تاريخ سيناء من بعد الدول العشرين الأولى المصرية إلى الفتح الإسلامي لمصر
4 - في تاريخ مملكة النبط في البتراء وعلاقتها بسيناء قديما وحديثا
5 - في تاريخ دير طور سيناء القديم والحديث
Shafi da ba'a sani ba
الباب الثاني: في تاريخ سيناء الحديث
1 - في تاريخ سيناء منذ الفتح الإسلامي لمصر إلى عهد الأسرة المحمدية العلوية
2 - في تاريخ سيناء في عهد الأسرة المحمدية العلوية
3 - في نظار قلاع نخل والطور والعريش ومحافظيها
4 - في حروب البدو في سيناء
5 - في حادثة الحدود سنة 1906
الخاتمة
تمهيد
خلاصة تاريخ العرب
خلاصة تاريخ سوريا
Shafi da ba'a sani ba
خلاصة تاريخ العراق
خلاصة تاريخ مصر
صاحب العظمة السلطان حسين كامل سلطان مصر
سيناء والحرب الحاضرة (سنة 14-1916)
العلائق التجارية بين مصر وجاراتها في هذا العصر
السوري في مصر
تاريخ سينا والعرب
تاريخ سينا والعرب
تأليف
نعوم شقير
Shafi da ba'a sani ba
الجزء الأول: في جغرافية سيناء
مقدمة الكتاب
عرف بعضهم المقدمة بأنها: «الجزء الذي لا يقرأ من الكتاب »، ومع ذلك فلا بد للمؤلف من مقدمة يبسط فيها السبب الذي حمله على تأليف كتابه، والغاية التي توخاها في تأليفه، والطريق التي اتخذها للوصول إلى غايته، وبيان العقبات التي لقيها في طريقه، والاصطلاحات التي جرى عليها في كتابه. وكثيرا ما يرى القارئ نفسه مضطرا إلى قراءة المقدمة؛ لأجل تفهم مراد المؤلف في بعض المواضع. والمقدمة وإن صدر بها الكتاب فإنها آخر ما يكتب فيه، لذلك إذا أريد تخصيص المقدمة بنعت ما فربما كان الأصح أن يقال إنها «آخر ما يكتب من الكتاب.» والآن فإني أحمد الله أنه أعانني على إنجاز هذا الكتاب، وأشرع في مقدمته فأقول:
سيناء حصن طبيعي لمصر:
لقد خصت الطبيعة مصر بأربعة حصون منيعة من الجهات الأربع: البحر المتوسط من الشمال، وشلالات النيل من الجنوب، وصحراء ليبيا من الغرب، وصحراء سيناء من الشرق. وعرفت مصر منذ القديم أهمية سيناء من الوجهة الحربية، فوضعتها تحت السلطة العسكرية، وجميع الدول التي ملكت مصر وسوريا معا ألحقت سيناء بمصر عسكريا وإداريا، ولم تزل الحال على ذلك إلى اليوم، وقد امتدت صحراء سيناء نحو 150 ميلا شرقا وغربا، من الزمان عزم نسل نوح ونحو ضعفي ذلك شمالا وجنوبا، وانقسمت بحسب طبيعة أرضها إلى ثلاثة أقسام كبيرة وهي: (1) بلاد الطور: وهي بلاد جبلية محضة في الجنوب. (2) بلاد التيه: وهي سهل مرتفع فياح جامد التربة في الوسط. (3) بلاد العريش: وهي وهاد من الرمال في الشمال.
وصحراء سيناء واقعة في المنطقة التي يقل فيها المطر؛ لذلك غلب عليها الجدب والقحولة، فهي قليلة المياه، قليلة النبت، قليلة الزرع والضرع والسكان.
مواضيع تاريخ سيناء:
ولم يقم في هذه البلاد في زمن من الأزمان دولة أو أمة جعلت لها شأنا يستحق الذكر في التاريخ؛ فإن موقعها الجغرافي وطبيعة أرضها لا يؤهلانها لذلك، ولم يسكنها منذ القديم إلا عدد محدود من القبائل المتبدية، دأبهم شن الإغارة، بعضهم على بعض، وعلى البلاد المجاورة لهم من الشرق والغرب، وربما لم يزد عدد سكانها في عصر ما عن خمسين ألف نسمة، كما هو في الوقت الحاضر.
ومع ذلك فاسم سيناء في التاريخ أشهر من نار على علم، ولها ذكر جميل في التوراة والقرآن والهيروغليف المصري القديم، وابتدأت شهرتها بمناجم الفيروز والنحاس والمنغنيس التي عدنها الفراعنة المصريون في بلاد الطور من عهد الدولة الأولى إلى عهد الدولة العشرين، وأقاموا في بعض مناجمها هيكلا من أقدم هياكلهم وأنفسها، وما زال أهل سيناء يعدنون الفيروز، والإفرنج يعدنون المنغنيس والنحاس فيها إلى اليوم.
ثم كان مرور بني إسرائيل في سيناء عند خروجهم من مصر على يد موسى النبي، ونزلت «الوصايا العشر» على طور سيناء، فعدها اليهود ثم النصارى والمسلمون من بعدهم من الأراضي المقدسة. ولم تكد النصرانية تنتشر في مصر والشام حتى انتشر الرهبان والنساك حول جبل الطور، وبنوا الكنائس والأديرة، فأصبح الجبل محجا لأهل الشرق والغرب من اليهود والنصارى والمسلمين، وما زال هناك دير يزار إلى اليوم.
Shafi da ba'a sani ba
ثم لما كانت سيناء في طريق مصر إلى الشام وجزيرة العرب، قام فيها منذ أقدم أزمنة التاريخ طريقان تجاريتان حربيتان وهما: «طريق الفرما» على ساحل البحر المتوسط إلى الشام فالعراق، «وطريق البتراء» مخترقا بلاد الطور إلى الحجاز.
ثم بعد الإسلام قام فيها «طريق الحج» مخترقا بلاد التيه إلى الحجاز، «وطريق العريش» مخترقا قطية والعريش إلى الشام فالعراق.
وفي سنة 1906 وقع خلاف بين الدولة العلية والخديوية المصرية على حدود سيناء الشرقية، وتدخلت الدولة البريطانية في الأمر، فتعاظم الخلاف حتى كاد يؤدي إلى حرب، وانتهى الأمر بتعيين الحدود بعمد على طول الخط بين العقبة ورفح.
وعليه فينحصر الكلام على تاريخ سيناء في خمسة أمور وهي: (1) غزوات قبائل سيناء بعضهم لبعض، وللقبائل المجاورة لهم في مصر وسوريا والحجاز. (2) أعمال الفراعنة المصريين في مناجم الفيروز والنحاس والمنغنيس ووقائعهم مع أهل سيناء. (3) تغرب بني إسرائيل في سيناء مدة أربعين سنة. (4) معاهد البلاد الدينية في بلاد الطور والحج إليها. (5) العلائق التجارية والحربية والدينية بين مصر من جهة، والشام والعراق والحجاز من الجهة الأخرى عن طريق سيناء.
فذكر هذه الشئون مع وصف الجزيرة وسكانها وشرائعهم وأخلاقهم وعاداتهم، يتناول جميع مواضيع سيناء تاريخيا وجغرافيا.
أسباب تأليفي تاريخ سيناء:
هذا وكان لي اتصال بسيناء منذ دخلت إدارة المخابرات بوزارة الحربية سنة 1889، وكانت سيناء من قبل ذلك العهد تحت إدارة الحربية، وعليها قومندان يعينه السردار، يقيم في نخل، ويرجع بأحكامه رأسا إلى مدير المخابرات المقيم بالقاهرة، وهو يرجع بأحكامه إلى السردار.
وقد ندبتني الحربية مرارا للذهاب إلى سيناء؛ لأغراض مختلفة تتعلق بإدارة البلاد، واستتباب الأمن والراحة بين قبائلها، فزرت ديرها ومدنها وقراها، وتعرفت بقبائلها وأشهر طرقها، واطلعت على حال أهلها، ولما كانت حادثة الحدود سنة 1906 عينت سكرتيرا للجنة المصرية التي ندبت لتعيين حدود سيناء الشرقية مع اللجنة العثمانية، وكانت سيناء على اتساعها وشهرتها التاريخية وقربها من مصر، مجهولة عند عامة المصريين، وكان تاريخ السودان الذي فرغت من تأليفه سنة 1904 قد لقي عند القراء الكرام إقبالا لم أكن أتوقعه، فحملني ذلك كله على وضع تاريخ لسيناء على مثال تاريخ السودان، فشرعت منذ ندبت مع لجنة الحدود في جمع كل ما أمكن جمعه من الحقائق التاريخية والجغرافية، لا سيما وقد كان من واجبي في اللجنة أن أتحرى تاريخ عرب الحدود، وملكيتهم للأراضي والمياه، وعلاقاتهم الحاضرة والماضية مع مصر وسوريا.
عقبات تأليف تاريخ سيناء:
فما عتمت أن وجدت أن دون جمع الحقائق التاريخية من بدو سيناء عقبات كئودة، وأن العون الذي استمده موسى لاستخراج الماء من صخرة سيناء أعوزني مثله لوضع تاريخ لهذه الصخرة، وأهم العقبات التي وقفت في سبيلي: (1) أن بدو سيناء في غاية الخشونة والجهل، لا تاريخ لهم، ولا علم، ولا شبه علم، بل ليس في بادية سيناء كلها من يحسن القراءة والكتابة. (2) أن أهل القبيلة الواحدة يجهلون كل الجهل بلاد القبائل المجاورة لهم، وليس من يعرف أحوال القبائل كلها من أهل سيناء إلا أفراد قليلون يعدون على الأصابع، ومعرفة هؤلاء لغير بلادهم إجمالية سطحية قلما يصح الاعتماد عليها. (3) أن أكثر مشايخ القبائل في سيناء لا يعرفون من تاريخ قبائلهم وجغرافية بلادهم إلا اليسير، وهذا اليسير لا يمكن الحصول عليه إلا بعد بذل الجهد والحيلة المستلطفة؛ لأن البدو متكتمون إلى الغاية عن الحكام، فلا يمكنونهم من معرفة أحوالهم؛ خوفا من التعرض لأمورهم، وإدخال قانون القرعة إلى بلادهم، ووضع الضرائب على أملاكهم، فكنت في أول الأمر إذا سألت أحدهم عن أي شأن من شئون قبيلته، أراه ينقبض ويظهر الريبة، وينكر كل علم في الشأن المسئول عنه، أو يجيبني جوابا غير سديد، وكنت إذا نفيت عنه الريبة وآنسته في المقال حاول التخلص من الجواب عن كسل أو ضعف همة، وإذا نشطته واستنهضت همته إلى الجواب أجابني بما عن له صدقا أو كذبا.
Shafi da ba'a sani ba
تذليل العقبات:
على أن هذه العقبات التي لم أكن أتوقعها لم تكن لتثنيني عن عزمي، بل بذلت الجهد في تذليلها، فكنت حيثما نزلت أجمع المشايخ والخبراء، وأتلطف في تسقط أخبارهم واستقصاء أحوالهم، مبينا لهم أن ذلك في مصلحتهم، ولم أكن أكتفي بسؤال واحد منهم عن أية حقيقة كانت، ولو أنه اسم مكان، بل كنت أطرح السؤال الواحد على اثنين أو أكثر، وأسأل كلا منهم على انفراد، ثم أجمعهم إذا اقتضى الأمر، وأسألهم السؤال عينه حتى أستوثق من صحة الجواب، فأثبته في يوميتي، كما فعلت في تمحيص حقائق تاريخ السودان. ثم إنه لم تسنح لي فرصة لاختبار البلاد وأهلها بنفسي إلا اغتنمتها، فزرت البدو مرارا في مخيماتهم، وحضرت أفراحهم ومراقصهم وغناهم، وسباقهم على الخيل، واجتماعاتهم العمومية والخصوصية، وجولت في أنحاء الجزيرة في الجهات التي قضت علي المصلحة بالتجوال فيها وفي كثير غيرها، وكنت في أثناء ذلك أبحث عن آثار البلاد القديمة والحديثة، ولا سيما العربية منها، فعثرت على كثير من النقود القديمة، والحصون الأثرية، والحجارة التاريخية الهيروغليفية واليونانية والنبطية والعربية، مما زادني علما بأحوال البلاد وتاريخها القديم والحديث.
هذا، وقد كشف لي البحث في آثارها عن عادة جميلة لأهلها، كانت عونا لي على استطلاع الكثير من أخبارها وحوادثها التاريخية والتقليدية، وذلك أنهم اعتادوا تخليد كل عمل جليل، أو حادث هام حدث في الجزيرة، بأن يقيموا له «رجما»، وهو حجر أبيض أو كومة من الحجارة - «على ماء شهير أو درب جهير» - أو يرسموا بضع دوائر، أو تلما عن جانبيه حفر، وهم يعنون كل العناية بإحياء هذه الرجم والرسوم.
ومن جميل عادات البدو التي اطلعت عليها في أثناء البحث، فمكنني من معرفة الكثير من غزواتهم وحروبهم الحديثة، أنهم ينظمون القصائد في كل غزوة أو حرب شهيرة، ويستظهرونها ويتوارثونها خلفا عن سلف.
وقد دامت مهمة الحدود خمسة أشهر، قضيتها كلها في أرض سيناء وبين أهلها، فما انتهيت من الهمة حتى كان قد اجتمع عندي من الحقائق التاريخية والجغرافية، وأحوال البلاد وأهلها قديما وحديثا، بما يملأ مجلدا كبيرا.
مستندات التاريخ:
فلما رجعت إلى مصر في أكتوبر سنة 1906، باشرت وضع التاريخ الذي عزمت عليه، فوجدت المعلومات التي جمعتها في التاريخ القديم، والأجيال المتوسطة لا تزال قاصرة جدا، فنقبت في كتب الأقدمين والآثار المصرية القديمة في التوراة، وكتابي «فجر العمران» و«جهاد الأمم» للموسيو ماسبرو - العالم الأثري الفرنساوي - وكتاب «مباحث في سيناء» للمستر فلندرس بتري - العالم الأثري الإنكليزي - وفي كتب مؤرخي العرب، كالمقريزي، والمسعودي، واليعقوبي، والهمذاني، وأبي الفداء، وغيرهم، فجمعت منهم حقائق جمة عن تاريخ سيناء القديم.
وبلغني أن في بلدة الطور كتابا يدعى «الأم»، أنشئ في قلعة الطور القديمة، وفيه كثير من أخبار سيناء في القرون التي بعد الألف للهجرة، وكنت أتوق جدا إلى مطالعة الكتب، والمستندات العربية التي في دير طور سيناء الشهير، فاتفق أني ندبت لمهمة إلى بلاد الطور في أبريل سنة 1907، فزرت مدينة الطور والدير، واطلعت على كتاب «الأم» في الطور، وكتب شتى عربية في الدير، وقفت منها على كثير من الحقائق التاريخية في الأجيال المتوسطة، وعدت إلى مصر وانكببت على العمل، فلم تنته سنة 1907 حتى أتممت الكتاب، فجاء في ثلاثة أجزاء كبيرة وهي:
الجزء الأول:
في جغرافية سيناء الطبيعية والإدارية، وفيه ذكر حدودها، وأراضيها، وجبالها، وأوديتها، ومياهها، ومعادنها، وهوائها، ونباتاتها، وحيواناتها، وسكانها، ومدنها، وقراها، وديرها، وطرقها، وآثارها، وحكومتها، وغير ذلك.
Shafi da ba'a sani ba
الجزء الثاني:
في بداوة سيناء، وفيه ذكر لغة أهلها، وديانتهم، ومعارفهم ، وزراعتهم، وصناعتهم، وتجارتهم، وعاداتهم، وخرافاتهم، وقضاتهم، ومحاكمهم، وشرائعهم، وأحكامهم، مع نقد شريعة البدو وحكومتهم وطرق إصلاحهم.
الجزء الثالث:
في تاريخ سيناء القديم والحديث، ويشمل تاريخ السكان الأصليين مع الفراعنة، وتغرب بني إسرائيل في سيناء، ومملكة النبط في البتراء، وتاريخ دير طور سيناء، وتاريخ سيناء في عهد اليونان والرمان، والفتح الإسلامي إلى هذا العهد، وحروب البدو في سيناء في عهد الأسرة العلوية، وتفصيل حادثة الحدود وغيرها.
هذا، وقد جعلت تحت كل جزء أبوابا، وتحت كل باب فصولا، تناولت جميع مباحث التاريخ القديم والحديث والجغرافية، فجاء أوفى كتاب ألف في سيناء في الإفرنجية أو العربية إلى هذا العهد، وقد تفرد عن الكتب الإفرنجية والعربية في المباحث الآتية: (1) الحجارة التاريخية العربية، ومنها الحجارة التاريخية في قلعة صلاح الدين الأيوبي على عين سدر. (2) جل ما جاء في كتب مؤرخي العرب عن سيناء وأهلها. (3) لغة بدو سيناء، وديانتهم، وعاداتهم، وأخلاقهم، وشرائعهم. (4) غزوات أهل سيناء، وحروبهم الحديثة المأخوذة عن رجومهم وتقاليدهم وأشعارهم. (5) كتاب الأم، وكتب الدير العربية.
ولما تم الكتاب على هذا المنوال، وهممت بتقديمه للطبع، عرضت لي موانع لا محل لذكرها هنا، أخرت طبعه إلى شتاء سنة 1914، فأضفت إليه ما جد عندي من الحوادث والمعلومات عن سيناء وأهلها، منذ أواخر سنة 1907، وباشرت الطبع.
الخاتمة:
ولكن لم يتم طبع الجزأين الأولين منه حتى قامت الحرب الغشومة الحاضرة، ودخل الاتحاديون الحرب في جانب الألمان، وجردوا جيشا من سوريا والعراق والحجاز على الإنكليز في مصر عن طريق سيناء، فأوقفت الطبع ريثما تنتهي الحملة، فأجعلها خاتمة الكتاب، ثم خطر لي أن أضمن الخاتمة جميع الحملات التي حملها الغزاة على مصر بطريق سيناء، ثم توسعت في ذلك، فراجعت التاريخ القديم والحديث، وأخذت خلاصة تاريخ مصر والشام والعراق وجزيرة العرب، وكل ما كان بين مصر وجاراتها من الوقائع الحربية والصلات التجارية وغيرها عن طريق سيناء، وأضفت إليه وصف جزيرة العرب، وتاريخ العرب قبل الإسلام وبعده في بلادهم وخارج بلادهم، وحركة السنوسي في الغرب، وتاريخ السوري في مصر، وغير ذلك من المباحث التي أوجبتها الحرب الحاضرة، وجعلت هذه الخلاصة مع وصف الحملة الأخيرة على مصر «خاتمة الكتاب».
وقد كان أكثر اعتمادي في هذه الخلاصة على الكتب الآتية: «فجر العمران» و«جهاد الأمم» للعلامة مسبرو، «تاريخ مصر» للمؤرخ المحقق شارب الإنكليزي، «تاريخ سوريا» النفيس للعلامة المطران يوسف الدبس، «التاريخ القديم» للأستاذ هارفي بورتر الأميركي، «تاريخ العقد الثمين» للعالم الأثري أحمد بك كمال، «تاريخ مصر الحديث، وتاريخ العرب قبل الإسلام» للمرحوم جورج بك زيدان، «تاريخ مصر» للأديبين عمر أفندي الإسكندري، والمستر سفدج الإنكليزي، «تاريخ مصر» للمرحومة هند عمون، «الدروس التاريخية» للمؤرخ المحقق الأستاذ محمد الخضري، «كتاب أشهر مشاهير الإسلام» لرفيق بك العظم، «الرحلة اليمانية» للشريف شرف عبد المحسن البركاني، «الرحلة الحجازية» لمحمد بك لبيب البتنوني، وهو من أنفس ما كتب عن جزيرة العرب قديما وحديثا، وتقارير كثيرة من أهل الخبرة من الشام والعراق والحجاز، عن صفة جزيرة العرب والعلائق التجارية وغيرها بين مصر وجاراتها في هذا العصر.
واشتد طلب الجمهور لتاريخ سيناء؛ لوقوع الحرب فيها، وكانت هذه الحرب قد زادت شغلي في إدارة المخابرات، حتى جعلته أضعاف ما كان عليه قبل الحرب، ولم تترك لي ساعة واحدة من ساعات الفراغ التي كنت أغتنمها لطبع التاريخ، فكنت أكتب الخاتمة وأجهزها للطبع في ساعات الراحة، بل في ساعات النوم، فلما كان شتاء سنة 1915 كنت قد فرغت منها، فقدمتها للطبع هي والجزء الثالث من التاريخ، وكثيرا ما كنت أقدم فصلا للطبع، فتدعوني المصلحة إلى مزايلة القاهرة، فأبعث بإصلاح ما عن لي إصلاحه بلسان البرق، وبقيت على هذا الجهاد حتى قدرني الله وفرغت من التحبير في 31 ديسمبر سنة 1915، ومن الطبع في 27 مارس سنة 1916.
Shafi da ba'a sani ba
أسلوبه:
وقد عنيت عناية خاصة في ضبط عبارة الكتاب، وإحكام وضعه على أسلوب تفهمه العامة، وترضى به الخاصة، وضمنته الكثير من النكات المستملحة، والقصص التقليدية المستظرفة التي تشوق القارئ إلى مطالعته بلا تعب ولا ملل.
رسومه:
وحليته ب 137 رسما من مناظر البلاد وقلاعها، وحيواناتها، وآثارها الشهيرة، ورسوم كثير من مشايخ قبائلها وحكامها، وكبار الموظفين والأعيان ، والأمراء والملوك الذين كان لهم الشأن في تاريخها قديما وحديثا، وقد أخذت بعض هذه الرسوم بنفسي، ولكن أكثرها تكرم به محبو التاريخ ممن ساحوا في سيناء وأخذوا رسومها، أخص منهم بالذكر مع الشكر: الكولونل باركر مدير سيناء الأسبق، والمستر ستن من كبار تجار الإنكليز، وصاحب كتاب «سياحتي على جمل من السويس إلى جبل سيناء»، والدكتور هسكنز المرسل الأميركي صاحب الكتاب النفيس «من النيل إلى نبو»، وكل هذه الصور حفر الخواجة بنيامين صابونجي السوري، وبعضها رسم أخيه مناويل.
خرائطه:
وقد جعلت للكتاب ثلاث خرائط: (1) خريطة سيناء منقولة عن أتم خريطة أصدرتها إدارة المخابرات بلندن، بعد أن نقحتها على قدر المستطاع؛ إذ لم يتم مسح الجزيرة كلها بعد. (2) خريطة مصر والشام والعراق وجزيرة العرب، وهي خريطة تقريبية يقصد بها إعانة القارئ على معرفة أشهر المواقع المذكورة في الخاتمة. (3) خريطة طريق الجيش العثماني إلى القنال.
فهرسه:
وجعلت للكتاب فهرسا للأبواب والفصول، ولم أجعل له فهرسا للمواضيع؛ لأن هذا لا يفيد إلا إذا كان وافيا متقنا كل الإتقان، وهذا العمل يتطلب وقتا وورقا للطبع، وأنا لا أجد هذا ولا ذاك الآن، وربما وفقت إلى عمله بعد الحرب.
اسمه:
وقد سميته باسم موضوعه الأصلي، وهو «تاريخ سيناء»، واسمه مفصلا: «تاريخ سيناء القديم والحديث، وجغرافيتها، وبداوتها، مع خلاصة تاريخ مصر والشام والعراق وجزيرة العرب، وما كان بينها من العلائق الحربية والتجارية وغيرها «عن طريق سيناء»، منذ أول عهد التاريخ إلى اليوم، وبعبارة موجزة: «تاريخ سينا والعرب.»
Shafi da ba'a sani ba
تقدمة الكتاب:
هذا ولما كان صاحب المعالي السردار الحالي وحاكم السودان العام، الجنرال الفريق السر رجينولد ونجت باشا هو المشرف على سيناء بصفته سردار الجيش المصري، وقد اشتهر بحب العرب، ولغة العرب، وبلاد العرب، وكان المروج الأكبر للإصلاح في سيناء والسودان؛ لذلك كله رأيت أن أجعل كتابي هذا تقدمة له، فاستأذنته في ذلك، فتكرم بقبول التقدمة بعبارة دلت «على ثقته بفائدة الكتاب، وحسن إنشائه، وأمل له نجاحا عظيما». وقد بذلت جهدي في أن يكون كتابي هذا جديرا بثقة معاليه، وثقة أدباء هذا العصر الكرام الذين غزرت مادة علمهم، حتى أصبحوا لا يرضيهم إلا الجيد النفيس من التأليف، فإن كنت قد أجدت فذلك فضل من الله، وإلا فعذري قصر الوقت أو قصر الوقت والباع معا، والحمد لله أولا وآخرا.
نعوم شقير
مصر، القاهرة في 27 مارس سنة 1916
الباب الأول
في جغرافية سيناء الطبيعية
الفصل الأول
في حدود شبه جزيرة طور سيناء وأسمائها
«شبه جزيرة طور سيناء» بلغة الشاعر: قنطرة النيل إلى الأردن والفرات، وبلغة الناثر: الوصلة البرية بين أفريقيا وآسيا، وبعبارة أخص هي تلك البادية الشهيرة التي تصل القطر المصري نفسه بقطري سوريا والحجاز، وقد أخذت شكل مثلث قعد على البحر المتوسط وانقلب على رأسه، فدخل كالسفين في رأس البحر الأحمر، وشطره شطرين هما خليج العقبة وخليج السويس.
وشبه الجزيرة في الأصل هي البلاد الواقعة بين هذين الشطرين المعروفة الآن ببلاد الطور، ثم امتدت إداريا فشملت بلاد التيه، ثم بلاد العريش في الشمال، فأصبح حدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الغرب ترعة السويس وخليج السويس، ومن الجنوب البحر الأحمر، ومن الشرق خليج العقبة، وخط يقرب من المستقيم يبدأ من رأس طابا على رأس خليج العقبة، وينتهي بنقطة على شاطئ البحر المتوسط عند رفح. (1) أسماؤها
Shafi da ba'a sani ba
وسنسميها بعد الآن: جزيرة طور سيناء، أو جزيرة سيناء، أو الجزيرة، أو سيناء طلبا للاختصار، أما نسبتها إلى طور سيناء؛ فلأن هذا الطور هو أشهر جبالها، وأما سيناء فلغة «الحجر»، قيل سميت البلاد سيناء لكثرة جبالها، وقيل إن اسم سيناء مأخوذ من سين بمعنى القمر في العبرانية، فسميت البلاد سيناء؛ لأن أهلها كانوا قديما يعبدون القمر، قلت: بل يكفي لنسبتها إلى القمر حسن الليالي المقمرة فيها، فإن صفاء جوها، ورقة هوائها، وسعة أرضها تجعل قمرها أبدع الأقمار.
وقد عرفت سيناء في الآثار المصرية باسم «توشويت» - أي أرض الجدب والعراء - وعرفت في الآثار الآشورية باسم «مجان»، ولعله تحريف مدين، وهو الاسم الذي أطلقه مؤرخو العرب على شمال الحجاز وجنوبي فلسطين، وهي البلاد التي عرفت عند مؤرخي اليونان باسم «أرابيا بترا» - أي العربية الصخرية.
هذا، وقد عرفت في التوراة باسم حوريب - أي الخراب - كما عرفت باسم سيناء، قال بعض علماء التوراة: إن اسم حوريب أطلق على البلاد جملة، واسم سيناء على أشهر جبل فيها، ثم نسي اسم حوريب وسائر الأسماء القديمة، ولم يبق إلى يومنا هذا إلا اسم سيناء.
ولقد كانت سيناء في أكثر العصور التاريخية ملحقة بمصر، مع أن سكانها كانوا منذ بدء التاريخ ولا يزالون من أصل سامي كسكان سوريا، وهي في هذا العهد محافظة من محافظات القطر المصري كما سيجيء تفصيلا. (2) البحر المتوسط
أما البحر المتوسط الذي يحد سيناء من الشمال، فطول شاطئه من بورسعيد إلى رفح نحو مائة وثلاثين ميلا، وطوله على خط مستقيم نحو مائة ميل، وهو شاطئ رملي معرض للرياح الشمالية الغربية التي تشتد في غالب الأحيان، حتى يستحيل على السفن الاقتراب منه؛ لشدة هياج الأمواج، وليس في هذا الشاطئ ما يصلح لأن يكون ميناء للسفن إلا خليجا صخريا صغيرا بين مدينة العريش والشيخ زويد، يدعى الجرف الحصين عند بئر المصيدة، فإنه إذا اعتني به صلح لأن يكون ميناء للسفن الصغيرة.
شكل 1-1: الموسيو ده لسبس فاتح ترعة السويس.
هذا ويدخل من البحر المتوسط في بر سيناء بين العريش والطينة بحيرة عظيمة، تعرف «ببحيرة بردويل» سيأتي ذكرها. (3) ترعة السويس
وأما ترعة السويس التي تحد سيناء الشمالية من الغرب، فهي الترعة التي تصل البحر الأحمر رأسا بالبحر المتوسط، تمتد من مدينة السويس، فتخترق البحيرة المرة، فبحيرة التمساح، فبحيرة البلاح، ثم تحاذي بحيرة المنزلة من الشرق إلى أن تصل البحر المتوسط عند بورسعيد، وطول هذه الترعة 160 كيلومترا، وعرضها مائة متر، وعمقها تسعة أمتار وخمسون سنتيمترا، وأكبر البواخر التي يسمح لها بالملاحة فيها الآن لا تتطلب من العمق أكثر من ثمانية أمتار و53 سنتيمترا، ولكنهم آخذون في توسيعها وتعميقها حتى تصلح لمسير أكبر البواخر.
وللترعة ثلاثة جسور - كباري - متحركة، يعبر بها إلى جزيرة سيناء، أحدها شمالي السويس، والثاني عند الإسماعيلية، والثالث عند القنطرة في طريق العريش.
ولقد كان وصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط أمنية كل ملك عظيم قام على مصر منذ أيام الفراعنة، وكان أول من حقق هذه الأمنية رعمسيس الثاني سنة 1330ق.م، فإنه وسط النيل، ومد ترعة من فرع النيل البليوسي عند تل بسطة إلى السويس، طولها نحو 200 كيلومتر، وعرضها من مائة إلى مئتي قدم، ثم ردمت، فجددها داريوس ملك الفرس، ثم ردمت، وجددها البطالسة، ولم افتتح العرب المسلمون مصر على يد عمرو بن العاص كانت مردومة، فاستأذن ابن العاص الخليفة عمر بن الخطاب وجدد حفرها، فجعل مبدأها مصر العتيقة وأتمها بسنة، وبقيت إلى زمن أبي جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين، فوصل إليه الخبر بأن خرج عليه محمد بن عبد الله من سلالة علي بن أبي طالب بالمدينة المنورة، فكتب إلى عامله على مصر يأمره بسد هذه الترعة، حتى لا تحمل المئونة من مصر إلى المدينة، فسدها وما زالت كذلك إلى اليوم.
Shafi da ba'a sani ba