Tarihin Sarakunan Bani Usmaniya
تاريخ سلاطين بني عثمان
Nau'ikan
ثم إن فروع الجمعية المركزية كانت أولا في الآستانة، ثم انقلبت إلى باريس، ثم إلى سالونيك، ومؤلفة من لجنة إدارية يتعارف أعضاؤها ويجتمعون ، ثم يصدرون أوامر إلى اللجان الفرعية، فإذا عرف أعضاء الإدارة أحدا من العثمانيين توسم فيه الذكاء والميل إلى الحرية وإصلاح المملكة، تدرج في إطلاعه على وجود الجمعية، فإذا طلب الانتظام في سلكها وعده في النظر بطلبه، ثم خاطب اللجنة بشأنه، فإذا قبلته سلمته نمرة يعرف بها من سجلاتها، ودعته للحضور في جلسة سرية يحضرها أعضاء اللجنة متنكرين، فيقسم اليمين على الإنجيل والقرآن والمسدس، ويخرج ولا يعرف غير صديقه الذي أدخله .
وقد نمت هذه الجمعية ودخل في سلكها عدد كثير من ضباط وأمراء العسكرية، وأنشئت لها جملة فروع؛ منها فرع الآستانة تحت رئاسة شفيق بك من كبار الياوران، وفرع في بساماتيا تحت رئاسة الشيخ الناقلي، وفرع في سالونيك، وآخر في بيروت، ثم في دمشق تحت رئاسة شفيق بك العظم، وفرع في رودس، وآخر في مصر.
واشتهر مراد بك الداغستاني أنه من رؤساء هذه الجمعية، وهو كاتب بليغ له مكانة رفيعة بين أرباب الأقلام، ولما أنشأ جريدة ميزان زادت شهرته، ونهضت الجمعية على أيامه حتى بدأت تجاهر بمطالبها، فكتب مراد بك تقريرا في الحالة الحاضرة ورفعه إلى السلطان، فكانت النتيجة تأجج نار الغضب عليه، فانتبهت الجمعية المركزية للخطر المحدق برجالها، وعزم أعضاؤها على مفاجأة مجلس الوكلاء في أثناء اجتماعه بالباب العالي، وخلع السلطان عبد الحميد، وإعادة السلطان مراد أو تولية ولي العهد، وعولوا في تنفيذ طلبهم على كاظم باشا، قائد الفيلق الأول في الآستانة، وبينما هم يتحفزون إلى العمل اعترضهم نجيب باشا، سفير تركيا في مدريد سابقا؛ لأن القوة التي كانت بيد كاظم باشا لم تكن كافية، فأخروا القرار إلى وقت آخر. وهذا التأخير أوجب مناقشات حادة، حتى إن نادر بك، سكرتير الجمعية المركزية، اعترض على التأخر بصوت جهوري، فوصل صداه إلى بعض المتلصصين، فوشى به إلى السلطان، فجمعهم بقوة الضابطة، وأنزلهم في باخرة مع عائلاتهم لتوزيعهم على جهات بعيدة، وهكذا تشتتت هذه الجمعية ولم تقم لها قائمة إلا عندما غضب الداماد محمود باشا، صهر السلطان عبد الحميد، وخرج من الآستانة مع نجليه: البرنس صباح الدين، ولطف الله أفندي، وذلك في شهر ديسمبر عام 1899، واستوطنوا باريس، فالتف حوله رجال الأحرار، وعادوا إلى الاشتغال في قلب دولة الظلم والاستبداد، وظهر في مقدمتهم أحمد رضا بك، وهو رئيس «مجلس المبعوثان» الآن، فإنه نشأ في عهد مصطفى باشا وعالي باشا، وتشرب منهما روح الحرية والوطنية، وهو ابن المرحوم علي بك إنكليز؛ لأنه كان قد تعلم الإنكليزية، ووقف على المدنية الأوروبية. وقد حضر إلى باريس عام 1890، وحرر إلى السلطان لائحة مفصلة مشتملة على وسائل إصلاح الإدارة والمالية والزراعة والتجارة والعدلية، فنقم عليه السلطان عبد الحميد، وخصوصا عندما ترأس شعبة باريس ونشر جريدته (منشورات) بالتركية والعربية.
ثم جددت شعبة مناستير أعمالها، وأخذت تنشر مبادئ الجمعية بين ضباط الجنود، فانتظم فيها كثيرون منهم، وأشهر أعضاء هذه الشعبة طلعت بك ومدحت بك، وكانت المخابرات متصلة بينهما وبين الجمعية المركزية في باريس.
ولما تمكنت الجمعية من انضمام ضباط وأمراء الفيلقين الثاني والثالث المعسكرين في سالونيك ومناستير وأسكوب وأدرنه وأزمير مع ضباط وأمراء الفيلق الرابع المعسكر في أرضروم، أخذت في تأليف العصابات الوطنية في مقدونية؛ لمقاومة كل حركة عدائية. وأول من باشر تأليف العصابات كان نياظي بك البطل المشهور، ثم اقتدى به زميله أنور بك، وكلاهما من الفيلق الثالث، وتبعهما كثير من الضباط، فانتشر كل منهم في جهة من جهات مقدونية وألف عصابة لإعداد الأهالي لقبول روح الحرية والاستقلال، وإعادة «مجلس المبعوثان»؛ لأن الإسلام يأمر بالشورى.
ولما كانت البلاد قد سئمت من الظلم والاستبداد، فقد استقبل الأهالي نياظي وزملاءه بكل ارتياح، وأقسموا لهم اليمين على الإخلاص لهم، وأنهم معهم ضد كل من يقاوم الحرية والإصلاح وإعادة القانون الأساسي.
وقد حاول السلطان كثيرا إمحاق هذه الروح من بلاد السلطنة، ولكن بعد أن أعيته الحيل، وتظاهرت الفيالق الثلاثة بتعضيد رجال الأحرار، جمع الوزراء وشيخ الإسلام والشيخ أبو الهدى وشاورهم في شأن الجمعية، من حيث إعادة القانون الأساسي، فأشاروا عليه جميعا بإعادته.
وفي يوم 24 يوليو سنة 1908، الموافق 2 جمادى الثاني سنة 1326، أصدر السلطان إرادة شاهانية بإعادة «مجلس المبعوثان» الذي صدر به القانون الأساسي سنة 1876، وعينت وزارة هذا العهد الجديد مشكلة من سعيد باشا كجك للصدارة، وعمر رشدي باشا للحربية، ولبث باقي الوزراء في مناصبهم.
وقد أقيمت حفلات فخيمة في سائر أنحاء السلطنة بلغت فيه مظاهرات التآخي بين جميع أصناف الأمة منتهى مظاهرها، وقام الخطباء ونوابغ الشعراء يتبارون في إطراء الحرية، والتغني بالدستور، حيث أجادوا في وصفه بأنه منبت الحرية والمساواة، ومصدر العدالة والمصافاة، وأنه السيف القاطع لأيدي الظلام الواقي من أعساف الحكام، الحاقن للدماء، والدافع للبلاء، وغير ذلك من نفيس القول.
أما السلطان عبد الحميد، فبعد إعلان الدستور، فقد استعمل كل حيلة ودهاء ليؤكد للدستوريين أنه أصبح دستوريا أكثر منهم، وأعلن ذلك مرارا، كما أعلن أنه كان مغرورا بالمقربين إليه، لكنه سعى سرا في تأليف جمعية باسم الجمعية المحمدية، مشكلة من الأشراف والعلماء مرماها بأن الشورى تعم المساواة بالعباد على مبدأ الشريعة المطهرة، فأقبل الناس على الدخول فيها. وفي مدة قليلة تألف لها شعب في عموم الولايات العثمانية، وقامت في أول أعمالها في يوم عيد المولد النبوي الشريف، حيث تجمهر عدد كبير من الصفطاء وعامة الشعب مع أفراد الجنود، وقاموا بمظاهرة كبرى أمام الباب العالي و«مجلس المبعوثان» طالبين إجراء حصول الشريعة، فأحدثت هذه المظاهرة الخوف والاضطراب في الآستانة.
Shafi da ba'a sani ba