Tarihin Jaridun Larabawa
تاريخ الصحافة العربية
Nau'ikan
وترك ثلاثة دواوين شعرية تعد من عيون الشعر، كثير منها محفوظ على الألسنة ولا سيما الأبيات الحكمية منها، وهي في شعره أكثر من أن تحصى. ويسمى أقدم دواوينه «النبذة الأولى»، والثاني «نفحة الريحان»، وآخرها «ثالث القمرين» وقد تجدد طبعها في السنين الأخيرة. ونظم التواريخ الكثيرة التي نقشت على القبور أو علقها على الكنائس والقصور والآثار البنائية. وله خلا ما نظمه في عهد الصبا مما لم يثبته في دواوينه المطبوعة، وهو شيء كثير لو جمع بأسره لزاد على المشهور منه، ومع أنه لا يبلغ طبقة المشهور من شعره فإن الإجادة ظاهرة فيه؛ مما يدل على أنه - رحمه الله - كان مطبوعا على الشعر، فلم يكن يتكلفه ولا يتعمل لأجله، ولا تجد فيه حشوا ولا تعقيدا، وذلك مع حسن اختياره للألفاظ الجامعة بين الجزالة والرقة، واتساع تصرفه في أساليب الكلام مما كان به نادرة وقته. وإذا ضممت هذا إلى ما له من التآليف العلمية وإحكام وضعها وحسن تنسيقها، ثم إلى ما في مقاماته من الإبداع وجريها كلها على سنن واحد من علو الطبقة، مما دل به على قوة ملكته في الصناعة اللسانية وانطباعه على الفصاحة العربية؛ علمت أنه قد انفرد بأمور لا تجدها مجموعة في غيره، وكان في أوائل أمره قد ذاع صيت علمه بين الخاص والعام، فانتدبه السيد أغناطيوس الخامس بطريرك الروم الكاثوليك سنة 1816 ليكون كاتبا عنده في «دير القرقفة» المشيد في قمة كفر شيما، فلبث ناصيف بهذه الوظيفة مدة سنتين حتى نقل البطريرك إقامته إلى الزوق، ثم اتصل بالأمير بشير الشهابي الشهير فقربه إليه وجعله كاتب يده، ومع أنه لبث في خدمته نحوا من اثنتي عشرة سنة؛ أي إلى سنة 1840، وهي السنة التي خرج فيها الأمير بشير من البلاد الشامية فلم أجد له فيه إلا مدائح قليلة، ولعل ذلك لأن شاعره الخاص كان الشاعر الكبير المعلم بطرس كرامة فلم يشأ أن يزاحمه، وبعدما ارتحل الأمير بشير انتقل، رحمه الله، بأهل بيته إلى مدينة بيروت، وأقام بها منقطعا للمطالعة والتأليف والتدريس في «المدرسة البطريركية» للروم الكاثوليك ثم «المدرسة الوطنية» للبستاني وكذلك «المدرسة الكلية» للأميركان، فاشتهر ذكره في جميع البلاد العربية وراسلته أكابر الشعراء من العراق ومصر وغيرهما، وقد طبع ما دار بينه وبينهم في ديوان مخصوص عنوانه «فاكهة الندماء في مراسلات الأدباء» وهو فريد في بابه. ولا ندري أحدا بين حملة الأقلام في الشرق اجتمعت العلماء والأدباء على مدحه كصاحب الترجمة، وللشيخ عبد الهادي نجا الإبياري قصيدة قرظ بها «النبذة الأولى» من ديوان اليازجي، جاء فيها:
هو قاضي البلاغة الفاضل الند
ب الذي ظل في المعارف أوحد
ملك القول من يقسه بقس
فهو لا شك في القياس مفند
ما سمعنا بمثله عيسويا
يتحدى بمثل معجز أحمد
ألمعي لكنه عيسوي
كان أولى بفضل دين محمد
فلما اطلع مارون النقاش على هذه القصيدة لم يتمالك من الرد عليها ظانا أن فيها إهانة لصاحب الترجمة ومساسا لكرامته، فنظم قصيدة على نفس الوزن والقافية بلا علم من الشيخ ناصيف وأرسلها للشيخ عبد الهادي قال فيها:
Shafi da ba'a sani ba