ذلك. ولم يزل على قضاء الأمير هشام إلى أن توفي؛ فأقره ابنه الحكم؛ وكان قد عرف صلابته وتنفيذه الأحكام؛ فاشتد معه، وصار يؤيده، ولا يسمع فيه مقالة طاعن، ويجيز أفعاله، وينفذ أحكامه، وإن وقعت بغير المحبوب منه. وفي كتاب الحسن بن محمد: إن العباس بن عبد الملك المرواني اغتصب رجلا من أهل جيان ضيعته. فبينا هو ينازعه فيها، هلك الرجل، وترك أيتاما صغارا. فلما ترعرعوا، وسمعوا بعدل القاضي مصعب وقضائه، قدموا قرطبة، وأنهوا إليه مظلمتهم بالعباس، وأثبتوا ما وجب إثباته؛ فبعث القاضي في العباس، وأعلمه بما دفعه إليه الأيتام، وعرفه بالشهود عليه، وأعذر إليه فيهم، وأباح له المدافع، وضرب له الآجال فلما انصرمت، ولم يأت بشيء، أعلمه أنه ينفذ الحكم عليه. ففزع العباس إلى الأمير الحكم، وسأله أن يوصى إلى القاضي التخلي عن النظر في قصته، ليكون هو الناظر فيها. فأوصل إليه الأمير ذلك مع خليفة له من أكابر فتيانه؛ فلما أدى الوصية إليه، اشتدت عليه، وقال: إن القوم قد أثبتوا حقهم {ولزمهم في ذلك عناء طويل ونصب شديد، لبعد مكانهم، وضعف حالتهم. وفي هذا على الأمير أعزه الله} ما فيه {فلست أتخلى عن النظر وإنفاذ الحكم لوجهه. فليفعل الأمير بعده ما يراه صوابا من رأيه} فرجع الرسول إلى الأمير بجوابه، فوجم منه؛ وجعل العباس يغريه بمصعب، ويقول: قد أعلمت الأمير بشدة استخفافه وغلطه في نفسه، وتقديره أن الحكم له، ولا حكم للأمير عليه {فأعاد الإرسال إليه بعزمه منه، يقول: لا بد لك من أن تكف عن النظر في هذه القضية، لأكون أنا الناظر فيها} فلما جاءه بعزمته، أمره بالقعود؛ ثم أخذ قرطاسا، فسواه، وعقد فيه حكمه للقوم بالضيعة؛ ثم أنفذه لوقته بالاشهاد عليه. ثم قال للرسول: اذهب إلى الأمير أصلحه الله {فاعلمه أني قد أنفذت ما لزمني إنفاذه من الحق خوف الحادثة على نفسي، ورهبة السؤال عنه. وإن شاء نفذه، فذلك له} يتقلد منه ما شاء {فذهب مغضبا، وحرق كلام القاضي؛ وحكى عنه أنه قال: قد حكمت بالعدل؛ فلينقضه الأمير إن قدر} فاستشاط غيظا، وأطرق مليا، والعباس يهيج غضبه؛ وهم بمصعب، إلى أن تداركته عصمة من الله، ثبتت بصيرته، فسرى عنه، وقال للعباس: إربع على ظلعك! فما أشقاه
Shafi 46