Tarihin Napoleon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Nau'ikan
لم يكن في بادئ الأمر قد فكر في سوى التثبت من إخلاص حليفة مشبوهة، إلا أنه لما رأى الأسرة المالكة تحفر قبرها بظلفها، والشعب يهيج هياجا مخيفا، وكارلوس الرابع وفرديناند يتوسلان إليه الواحد ضد الآخر ليمنحهما عضد فرنسا، خيل إليه أنه يستطيع أن يستفيد في إسبانيا من غير طريق الاستيلاء على الحصون، وأنه قد حانت ساعة تغيير وجه تلك البلاد النبيلة وضمها إلى إمبراطوريته بنشر الأفكار الفرنسية في مدريد، إن باسم كارلوس الرابع، أو باسم فرديناند أو غيرهما حسب ما يقع اختياره، فوجه لهذه الغاية المرشال بسيير على رأس خمسة وعشرين ألف رجل إلى المقاطعات الباسكية ليعضد هناك مونساي وديبون، وأعطى قيادة الحملة لمورات الذي أخذ أركان جيشه إلى بورغوس في أوائل شهر آذار.
لم يكد الشعب يعرف بدنو الفرنسيين من مدريد حتى صرخ «يا للخيانة!» فلم يجد البلاط بدا من الهرب إلى إرنجويز. أما غودوي، الذي صور له في بادئ الأمر أنه خدع نابوليون، فلم يلبث أن شعر بضياع آماله فنصح كارلوس الرابع بأن ينهج نهج أسرة براغانس وأن ينزوي في أميركا الإسبانية. لم يكن الملك يحسن إلا الامتثال لصفيه فعزم على الذهاب إلى إشبيلية بأسرع ما يمكن، إلا أن عدد السفر أسخطت كبرياء الإسبانيين واشتدت وطأة المقت لأمير السلام؛ ففي السادس عشر من شهر آذار انفجر الغضب الوطني وهجمت الجماهير الساخطة على قصر أرنجويز طالبة رأس غودوي. وما هي إلا ساعات قصيرة حتى أحرق قصر الصفي، ولو لم يختبئ هو نفسه في أحد الأقبية لما سلم من موت محقق. أما كارلوس الرابع، الذي كان قد حاول أن يهدئ حدة الشعب بقوله له: إن أمير السلام قد عزم أن يستقيل من جميع وظائفه، فلم يجد بدا من تنازله عن حقه الملكي، ثم نشر إذاعة عمومية أعلن فيها تخليته عن العرش لأمير إستوري الذي اتخذ عقيب ذلك لقب فرديناند السابع، وافتتح عهد ملكه بحجز أملاك غودوي الذي ألقي في أحد السجون لينتظر محاكمة الملك إياه.
لم تكد ضجة هذه الحوادث تصل إلى بورغوس حتى أسرع مورات بالزحف إلى مدريد، التي دخلها في الثالث والعشرين من شهر آذار، على رأس ستة آلاف رجل من حرس ديبون وفرق مونساي. ولما كان من غد ترك فرديناند السابع قصر أرنجويز ليدخل إلى عاصمة إسبانيا، عند هذا تبدل السكون المظلم، الذي استقبل الفرنسيين قبل ذلك، بفرح عظيم لدى قدوم الملك الجديد، وتدفق الشعب جميعه لملاقاته وتحية الأمير الذي أنقذه من نير غودوي الظالم.
أما مورات فأرسل موفدا إلى كارلوس الرابع ليطمئنه إلى حمايته، ولكن الملك القديم لم يفكر في بادئ الأمر بسوى إنقاذ صفيه قائلا: «إن ذنب غودوي إنما هو تعلقه بي مدة حياته، وإن موت صديقي المسكين سيكون سببا لموتي أنا أيضا.» فلم يجد مورات عند ذلك بدا من إعادة غودوي إليه.
أرسل أمير إستوري إلى نابوليون كتابا يظهر له فيه شكره العظيم على إصعاده إلى العرش، ويطلب إليه وضع سلطته الناشئة تحت عضد الاتفاقية الفرنسية؛ فأدرك نابوليون إذ ذاك أن أمير إستوري إنما هو عاجز عن القيام بما يدعو إليه الملك، إلا أن طبائع الشعب الإسباني كانت توحي إليه خوفا وريبة فكتب إلى مورات في التاسع والعشرين من شهر آذار يقول: «لا تعتقد أنك لا تحتاج إلا جيوش وكتائب لتقمع إسبانيا وتضعها تحت سلطتنا؛ فإن ثورة عشرين آذار إنما جاءت أكبر دليل على أن الإسبانيين شعب له جرأته وحماسه ... ثم إن الأريستوقراطية والإكليروس هم أسياد إسبانيا، فإذا مست امتيازاتهم أو خشوا عليها لا يلبثون أن يشهروا علينا حربا عوانا ... إن في إسبانيا اليوم أكثر من مائة ألف رجل تحت السلاح، وهذا لعمري فوق ما تحتاج إليه دولة للوقوف في وجهنا ورمي نواة ثورة داخلية في قلب الملكية ... وها أنذا أعرض أمامك جملة العوائق التي لا تلافى ولا سبيل إلى تجنبها؛ إن إنكلترا لن تدع هذه الظروف تفلت من يدها فهي سوف تستفيد منها لتضاعف عراقيلنا ... وبما أن الأسرة المالكة لم تغادر إسبانيا لتستوطن في الهند، فلم يبق هناك سوى ثورة تستطيع أن تقلب وجه هذه الأمة، وقد تكون ثورة أوروبا التي هي أقل استعدادا من غيرها ... أما أنا فإنني أستطيع أن أفيد إسبانيا إفادة كبرى، ولكن ما هي الوسائل لبلوغ ذلك؟ ...
أأذهب إلى مدريد؟ ... لقد تبين لي أنه من الصعب إصعاد كارلوس الرابع إلى العرش؛ لأن الشعب نزع ثقته من حكومة هذا الملك وصفيه غودوي إلى درجة أنه أصبح من المؤكد أنهما لا يدومان ثلاثة أشهر.
إن فرديناند عدو فرنسا، ولهذا السبب جعلوه ملكا ... ثم إن جلوسه على العرش يساعد التحزبات التي لم تزل تعمل منذ خمس وعشرين سنة على إضعاف فرنسا وملاشاتها ... أما أنا فأعتقد أنه لا ينبغي لنا التهور في شيء وأنه من الحكمة أن نسترئي الحوادث التي ستتوالى ... لقد أعطيت سافاري أمرا بملازمة الملك الجديد لمعرفة ما يجري هناك، وسيتداول وجلالتك الملكية ... ستعملان معا بنوع أن لا يشعر الإسبانيون بالخطة التي سأتخذها. وهذا غير صعب عليكما فستقولان لهم إن الإمبراطور يرغب في تكميل تنظيمات إسبانيا السياسية لتماشي تنظيمات أوروبا ... وإن إسبانيا لفي حاجة إلى خلق حكومة ثابتة وإيجاد نظم تضمن الوطنيين الاختياريين وتعديات الإقطاعية، إلى إيجاد نظم تنعش الصناعة والزراعة والفنون. ستصوران لهم حالة الهدوء والنعمة التي تتمتع بها فرنسا، بالرغم من الحروب التي مرت عليها، وازدهار الدين الذي يعود الفضل في توطيده إلى الاتفاقية التي أمضيتها والبابا. وستبينان لهم الفوائد التي يستطيعون أن ينالوها من تجديد سياسي، وهي النظام والسلام في الداخل، والرعاية والعظمة في الخارج. هذا هو الروح الذي يجب أن تبثاه في جميع الخطب والمناشير التي ترسلانها ... لا تتعجلا خطة من الخطط ... ولا تفكرا في مصالحكما الشخصية فأفكر فيها أنا ... إذ إنه إذا شهرت الحرب خسرنا كل شيء ... فإن مقدرات إسبانيا إنما تتوقف على السياسة والمداولات دون غيرها.»
أراد نابوليون، قبل أن يقف عند عزم، أن يشاهد عن كثب مجريات الأحوال ويجس بنفسه الموقف الخطير، فغادر باريس في اليوم الثاني من شهر نيسان ووصل إلى بوردو في الرابع منه، حيث بقي ينتظر جوزيفين التي وافته في اليوم العاشر.
اتجه الاثنان معا إلى بايون، التي وصلاها في الخامس عشر من الشهر الجاري، فسكنا بعض أشهر قصر ماراك الذي كان معدا ليشهد أعظم حادث سياسي في ذلك العهد. وفي اليوم التالي خف نابوليون للرد على أمير إستوري مؤجلا حكمه في معنى اعتزال كارلوس الرابع، فلم يمنح الابن إلا لقب «جلالة ملكية»، وحدثه عن الخطر الذي يحيط بالأمراء، وعن الانتحار السياسي الذي يرتكبه والعار المعيب الذي يلطخ به جبينه إذا هو انقاد إلى الحط من كرامة أمه برفعه دعوى فضاحة على الصفي غودوي. وفي ختام الكتاب أظهر الإمبراطور رغبته في مقابلة خصوصية؛ إذ إن درس الأشخاص عن كثب، إنما كان ضروريا له؛ ليوقفه عند حقيقة صريحة.
لو هربت الأسرة المالكة إلى المكسيك لسهل الأمر وكان من الهين تجديد النظام في إسبانيا، ولكن بما أن الأمر كان عكس ذلك، وبما أن الفتنة كانت هي المنتصرة، أصبح من الطبيعي وجود ملكين بدلا من واحد ومن الضروري الفض بينهما.
Shafi da ba'a sani ba