أما سكان الهجر الآن - وهم الطبقة الأكثر عدا - فقد ألفوا الزراعة واستعذبوا ثمارها. وهناك الطبقتان الأخريان؛ أي التجار والمطاوعة. أما من الوجهة الحربية فالهجرة تقسم إلى ثلاثة أقسام أخر لتلبية دعوات الحرب الثلاث؛ أي الجهاد، والجهاد مثنى، والنفير. فالذين يلبون الدعوة للجهاد هم دائما مسلحون وعندهم مطايا وشيء من الذخيرة. والجهاد مثنى هو ضعف الجهاد؛ فيجيء كل مجاهد بآخر يردفه ذلوله. هم الذين يلبون الدعوة الثانية والأحرى أن يسموا الرديف. أما القسم الثالث من الذكور فهم الذين يبقون في أيام الحرب في الهجر ليداوموا أعمال التجارة والزراعة، ولا يدعون للحرب إلا إذا اضطر صاحب البلاد إلى الاستنفار العام. من حقوق الإمام وحده أن يدعو إلى الجهاد والجهاد مثنى. أما الاستنفار العام الذي لا يكون إلا للدفاع عن الوطن فهو حق العلماء، ولكن السلطان يكتب إليهم معلنا حاجة البلاد إلى الدفاع، فيبادرون إلى استنفار الناس أجمعين، البدو والحضر والمهاجرين.
قال عظمة السلطان محدثا عن الإخوان: «يجيئوننا في السلم فنعطيهم كل ما يحتاجون إليه من كسوة ورزق ومال، ولكنهم في أيام الحرب لا يطلبون شيئا منا، في أيام الحرب يتزنر الواحد منهم ببيت الخرطوش، ويبادر إلى البندق، ثم يركب الذلول إلى الحرب ومعه شيء من المال والتمر ... القليل عندنا يقوم مقام الكثير عند غيرنا ... كنا نمشي ثلاثة أيام بدون أكل. يأخذ الواحد منا تمرة من حين إلى حين يرطب بها فمه ... نعم كانت الحاضرة أثبت قدما وأشد بأسا من البادية. أما الآن فالبادية المتحضرون، أهل الهجر هم في القتال أثبت من الحاضرة وأسبقهم إلى الاستشهاد.»
ولكنهم فيما ظهر من بسالتهم، وبطشهم، وهول استشهادهم، أورثوا عبد العزيز مشكلا آخر كاد يفسد مشروعه الإصلاحي العظيم. فقد طغى الإخوان وتجبروا فضج الناس. راح الإخوان يحاربون من لم يتحضر من البدو فيكفرون، وينهبون، ويقتلون. «أنت يا بدوي مشرك - والمشرك حلال الدم والمال. أنت يا أبا العقال من الكفار. أنا أخو من طاع الله، وأنت أخو من طاع الشيطان .»
كذلك كان يسطو كل متعصب بالعصابة البيضاء على سواه من العرب، فيعير، ويسب، ويسفك الدماء. وقد انتشرت من جراء ذلك الفوضى في البلاد، وكاد ينقطع حبل الأمن والسلام، فعقد الإمام في سنة 1337
2
مؤتمرا في الرياض للنظر في هذه الأمور، حضره كبار الرؤساء والعلماء، وقرروا بعد البحث ما يأتي: (1)
الكفر لا يطلق على بادية المسلمين الثابتين على دينهم. (2)
لا تفاوت بين لابس العقال ولابس العمامة إذا كان معتقدهما واحدا. (3)
لا فرق بين الحضر الأولين والمهاجرين الأخيرين. (4)
لا فرق بين ذبيحة البدوي الذي في ولاية المسلمين ودربه دربهم، ومعتقده معتقدهم، وبين ذبيحة الحضر الأولين والمهاجرين. (5)
Shafi da ba'a sani ba