Tarihin Nahawun Larabci
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Nau'ikan
مثلما تولد عن دهشة اليونان تركيب نظري دعي فيما بعد بالفلسفة، تولد عن دهشة العرب من القرآن تركيب نظري هو نحو عبد القاهر الجرجاني. يتضح معنى الدهشة فيما لو اعتبرناها المصدر العقلي لنظرية النظم؛ فالجرجاني أورد دهشة العرب وأقوالهم وعلق عليها في مناسبتين على الأقل. صحيح أن الجرجاني لم يحدد ما يعنيه بالانبهار والهيبة والروعة، إلا أننا يمكن أن نفهم الدهشة على أنها ردة أفعال العرب تجاه الخارج عن المألوف، وإلى هذه الدهشة تنتمي ردة فعل الوليد بن المغيرة التي أوردها الجرجاني ردود فعل أخرى ذكرها، ونسبها إلى علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والجاحظ؛ حيث ردود الأفعال تجاه الجليل والعظيم والجميل.
التعبير الذي يستخدمه الجرجاني للدهشة هو الإزعاج في قوله: «والروعة التي دخلت عليهم فأزعجتهم.»
9
بالفعل كما هو الانزعاج الدهشة انفعال غير مستحب، ومزعج، وتعب للمخيلة، وحيرة، وقلق، وحب اطلاع، واضطراب عنيف، ومرض قاس للنفس.
10
لكن الأهم في هذا الذي يبدو موقفا سلبيا من الدهشة هو إيجابي في دلالته على أن التأمل ينشأ بسبب من الدهشة، وأن التأمل في الجميل والعظيم والجميل والرائع يحدث بدافع داخلي تعبر عن حاجة أصلية وأصيلة للفكر البشري، وأن الحاجة إلى المعرفة حاجة إنسانية أساسية، وأن الإنسان يريد أن يفهم بحافز ذهني محض كما فعل الجرجاني حين جعل من النحو كاشفا عن الكلام الجميل والمعجز.
الفرق بين الكلام بعامة والكلام الجميل والكلام المعجز
أعني بالكلام بعامة الكلام الذي يصفه النحو كما هو عند سيبويه، وهو معروف أكثر من الكلام الجميل. أعني بالكلام الجميل الحديث النبوي والشعر العربي في نماذجه العليا، وهذا بدوره معروف أكثر من الكلام المعجز. أعني بالكلام المعجز القرآن، وسوف أستخدم هذه المفاهيم فيما سيلي.
يعرف الكلام بعامة في نمطيته المألوفة في الحياة اليومية، ويكتفى بمعرفته لفائدته العملية. وهي فائدة تكفي البشر لأن يمارسوا حياتهم اليومية. وقد تأسست على هذا الكلام معرفة النحو الوصفية. غير أن الكلام الجميل كالشعر العربي أتاح للنحو العربي مهمة علمية مختلفة؛ لكنها مهمة مرتبطة بمعرفة الكلام بعامة. وعلى حد ما أعلم لم يتساءل أحد قبل عبد القاهر الجرجاني كيف تكون معرفة النحو الوصفية للكلام بعامة قاعدة تحتية لمعرفة الكلام الجميل. سؤال عبد القاهر الجرجاني هو: كيف يمكن أن تنجز هذه المهمة العلمية التي هي من نوع مختلف عن مهمة معرفة الكلام بعامة؟ وفق عبد القاهر الجرجاني تنجز المهمة بأن تتحدد فكرة الكلام الجميل من خلال مستواه اللغوي الذي يأتي فوق المستوى اللغوي للكلام بعامة؛ حيث وظيفة الكلام بعامة هي إنجاز حاجات عملية من غير أي تأويل إلا بما يتعلق بالإنجاز العملي. في مقابل هذا لا يتوقف الكلام الجميل على الإنجاز العملي، إنما يتوقف على الإنجاز الجمالي.
يتكون الكلام بعامة من اللفظ والمعنى، بينما يتكون الكلام الجميل من اللفظ والمعنى والصورة. إن الجهل بالعنصر الثالث؛ أعني الصورة هو عند عبد القاهر الجرجاني سبب الجهل بالكلام الجميل، وقد ترتب على هذا من وجهة نظره الإعلاء من شأن اللفظ. أما العلم بالصورة فهو سبب المعرفة بالكلام الجميل، وقد ترتب على هذا إعلاء شأن اللفظ على أنه الصورة التي تحدث في المعنى، وهو ما يفهم من كلام الجرجاني التالي: «لما جهلوا شأن الصورة، وضعوا لأنفسهم أساسا، وبنوا على قاعدة فقالوا: إنه ليس إلا المعنى واللفظ ولا ثالث، وإنه إذا كان كذلك وجب ... أن يكون مرجع تلك الفضيلة إلى اللفظ خاصة، وألا يكون لها مرجع إلى المعنى.»
Shafi da ba'a sani ba