Tarihin Nahawun Larabci
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Nau'ikan
بعد أن نزل الإسلام وقامت الدولة الإسلامية اتسعت وظيفة اللغة الفصحى لتشمل وظائف غير فنية كالمراسلات والمعاهدات. وبشكل عام كل ما يتعلق بالناحية العملية لتسيير شئون الدولة ورعاية مصالحها ما يجعلها لغة نثر. وقد تكشف اللحن أول ما تكشف في هذه الوظيفة النثرية العملية. وأول إشارة نعرفها هي رسالة أبي موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب.
من جهة أخرى، تظهر أهمية رد فعل الدؤلي على ابنته، ورد فعل الخليفة والوالي في الحكايتين الأخريين حين نقارن رد أفعال هؤلاء برد فعل النبي، حين قال لرجل لحن في حضرته: «أرشدوا أخاكم فقد ضل.» وبرد فعل الخليفة عمر بن الخطاب حين كتب إلى أحد الولاة: «قنع كاتبك سوطا.»
25
مثل هذا الانتقال من التفكير في الناطق إلى التفكير في اللغة عاملا أساسيا في البحث عما يصلح لغة الناطق وليس عما يقوم سلوكه؛ أي التفكير في اللغة، وليس في ناطق اللغة.
الجو الفكري الذي وجد فيه النحو قوام نشأته الأولى
تتواءم فكرة النحو في حكايات نشأته مع المرحلة التاريخية التي نشأ فيها؛ فصيانة اللسان العربي من اللحن فكرة مقنعة في تلك المرحلة التاريخية؛ ذلك أن قوة إقناع فكرة أو عدم إقناعها لا تتوقف على المنطق الذي تعرض به؛ بقدر ما يتوقف على الجو الفكري الذي تجد فيه الفكرة قوام حياتها.
26
ولكي نفهم جو هذه المرحلة الفكري سنعود إلى المرحلة التي سبقتها؛ لنستحضر النبي والقرآن والحديث والأمة والإسلام التي أسبغت المعاني الدينية والثقافية على المرحلة التي سبقت مرحلة نشأة النحو. لقد فوجئ الصحابة بموت الرسول الذي بنى برامج اجتماعية وثقافية تمثل ثورة بكل معنى الكلمة؛ لأنهم لم يفكروا في أنه سيموت ليجهزوا برامجهم.
على أي حال، تصرف الصحابة بما يمليه عليهم الظرف التاريخي؛ فبايعوا أبا بكر الخليفة الأول للدولة الإسلامية. بعد أن رتب أبو بكر الدولة من الداخل رأى ومعه كبار الصحابة أن نشر الإسلام يقتضي تبديل الحكومات المجاورة أو إسلامها، وشرعوا في الفتوحات وهم يحملون فكرا منزلا يتصور العقيدة والسلوك والعدالة الاجتماعية والاقتصادية تحت رعاية خليفة الله وخليفة رسوله. لم يتخل العرب عن لغتهم كما فعل بعض الفاتحين في عصور تاريخية مختلفة، ولم يكتسبوا لغة الشعوب المفتوحة؛ إنما استخدموا اللغة العربية ليبينوا للناس أفكارهم وتصوراتهم عن مفاهيم الإسلام؛ لذلك عمد العرب تعليم لغتهم الشعوب التي أخضعوها. والمهم هنا هو تأكيدهم على القيمة الكونية للغتهم، بعد أن كانت قيمتها فيما قبل قيمة محلية.
بفضل القرآن أصبح للعرب نموذج لغوي مثالي. وهنا يجب ألا نخلط بين الوضع الاجتماعي الرفيع للعربية الفصحى قبل نزول القرآن وبعد نزوله؛ فقد أصبحت الفصحى بعد الوحي اللسان العربي المبين، ولغة تنزيل القرآن، وبذلك لم تعد لغة فصيحة فحسب؛ بل أصبحت رفيعة رفعة التقديس.
Shafi da ba'a sani ba