ثم بعث ابنهَ عبدَ الله إلى عائشة ﵂، وقال: قل لها: يقرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم أميرًا، ويقول لك: إنه لاحِقٌ بربه، أفتأذنين له أن يُدفَن مع صاحبيه؟
فجاء عبد الله إلى عائشة، فاستأذن عليها، فأذنت له، فبلّغها رسالة أمير المؤمنين عمر ﵁، فتأوهت، وبكت، وقالت: لقد كنت أشمُّ رائحةَ رسول الله ﷺ في أبي بكر، فلما مات، كنت أشم رائحته في أمير المؤمنين عمر، مالي وللدنيا أفقِدُ فيها الأحبابَ واحدًا بعد واحد؟ !
ثم قالت له: أبلغْ أميرَ المؤمنين مني السلام، وقل له: ألا إنها كانت ادَّخرت ذلك لنفسها، ولكنها آثرتْكَ اليوم على نفسها.
فلما رجع عبد الله، قال له عمر: ما وراءك يا عبد الله؟ قال: الذي تُحبّ، قد أَذِنت لك عائشة، قال: الحمدُ لله، ما كان شيء أهمَّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قُبِضت، فارجعْ إلى عائشة، فاستأذنها ثانيةً، فربما تكون استحيت مني وأنا حَيّ، فلا تستحيى مني وأنا ميت.
وأوصاهم أن يقتصروا في كفنه، ولا يتغالوا.
وتوفي يوم السبت سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودُفِن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وغسّله ابنُه عبد الله، وحُمِل على سريرِ رسولِ الله ﷺ، وصُلِّي عليه في مسجده، وصلَّى بهم عليه صُهيبٌ، وكبّر عليه أربعًا، ونزل في قبره ابنه عبدُ الله، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.