Tarihin Misra Na Zamani
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Nau'ikan
ثم عمد عمرو إلى بناء جامع على مثال جامع مكة سعة وشكلا، فبناه في الفسطاط قرب حصن بابل، وكان في موضعه خان استولى عليه أحد رجال عمرو عند الفتح، فلما عادوا من الإسكندرية طلب إليه عمرو أن يجعل منزله هذا مسجدا فرضي، وكان النيل يجري بقربه، ثم انحسر عنه بعد ذلك غربا، وأتى عمرو بحجارة ذلك الجامع من بقايا منف العظيمة بينها أعمدة كبيرة من الجرانيت، وقطع هائلة من الرخام أقيمت بها جدرانه، وقد قيل إن القرآن كله كان منقوشا عليها بالذهب.
والجامع المذكور لا يزال إلى يومنا هذا في مصر القديمة يعرف باسم جامع عمرو يصلون فيه الجمعة الأخيرة من رمضان. مساحته 350 قدما مربعا، وقد رمم مرارا بحيث لم يبق من البناء الأصلي إلا شيء زهيد، ومن جملة من جدد في بنائه السلطان المؤيد سنة 814ه، وآخرهم مراد بك، وهذا لم يكن يحاول إلا طمعا بمخبأة أوعز إليه أنها مدفونة في بعض أجزائه كما ساترى، وإذا زرت هذا الجامع رأيته الآن كالخراب، وقد سقطت أعمدته الرخامية التي كانت على الجانبين، وفي صحنه حنفية، وشجرة، وفي أرض ليوانه صهريج.
وفي هذا الجامع كانت تعطى قبالات الأراضي، وهي أن متولي الخراج كان يجلس فية زمان تئين فيه قبالة الأرضين (التزامها) ويجتمع الناس من القرى والمدن؛ فيقوم رجل ينادي على البلاد: صفقات (وكانت صفقة البيع عند العرب: أن يضرب المشتري بيده على يد البائع إن رضي البيع، ثم سمي عقد البيع: الصفقة) وكتاب الخراج بين يدي متولي الخراج يكتبون ما ينتهي إليه مبالغ الكور والصفقات على من يتقبلها من الناس، وكانت البلاد يتقبلها متقبلوها بالأربع سنين؛ لأجل الظمأ، والاستبحار ... وغير ذلك، فإذا انقضى الأمر خرج كل من كان تقبل أرضا وضمنها إلى ناحيته، فيتولى زراعتها وإصلاح جسورها وسائر وجوه أعمالها بنفسه وأهله ومن ينتدبه لذلك، ويحمل ما عليه من الخراج في إبانه على أقساط، ويحسب له من مبلغ قبالته وضمانه لتلك الأراضي ما ينفقه على عمارة جسورها، وسد ترعها، وحفر خلجانها بضريبة مقدرة في ديوان الخراج، ويتأخر من مبلغ الخراج في كل سنة في جهات الضامن والمتقبلين، فكان إذا تأخر من مال الخراج البواقي تشدد الولاة في طلبه مرة وتسامح به مرة، فإذا مضى من الزمان ثلاثون سنة حولوا السنة وراكبوا البلاد كلها، وعدلوها تعديلا جديدا؛ فيزيدون فيما يحتمل الزيادة من غير ضمان البلاد، وينقصون فيما يحتاج التنقيص منها، ولم يزل ذلك يعمل في جامع ابن عاص إلى أن بنى أحمد بن طولون جامعه. (ك) مخابرات بين ابن الخطاب وابن العاص
والمفتتحون أجدر الناس باتباع الرفق بمن أصبحوا من رعاياهم، وقد ضربت عليهم المسكنة بعد أن كانوا أصحاب البلاد، وبيدهم الحل والعقد، والظاهر أن عمرا كان على بينة من ذلك، وقد جرى عليه؛ لأنه كان يتحمل من المصريين، ويمهلهم في دفع الخراج إلى حد أن يوقع فيه مظنة الخليفة، ويحكى أن الخليفة استبطأ الخراج من عمرو فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام الله عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني فكرت في أمرك، والذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، وقد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوة في بر وبحر، وأنها قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكما مع شدة عتوهم وكفرهم، فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدب، ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إلي ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي. لست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي نفرك من كتابي وقبضك، فلئن كنت مجربا كافيا صحيحا إن البراءة لنافعة، وإن كنت مضيعا نطعا إن الأمر لعلى غير ما تحدث به نفسك، وقد تركت إن ابتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إلي ذلك، وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا أن عمالك عمال السوء، وما توالس عليك وتلفف؛ اتخذوك كهفا، وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك فيه، فلا تجزع أبا عبد الله، أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهر يخرج الدر والحق أبلج، ودعني وما عنه تلجج، فإنه قد برح الخفاء، والسلام.
فكتب إليه عمرو:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلام الله عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيه من عمل الفراعنة قبلي، وإعجابه من خراجها على أيديهم، ونقص ذلك منها مذ كان الإسلام، ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر، والأرض أعمر؛ لأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة الأرض منها مذ كان الإسلام، وذكرت أن النهر يخرج الدر فحلبتها حلبا قطع درها، وأكثرت في كتابك وأنبت وعرضت وثربت، وعلمت أن ذلك شيء تخفيه على غير خبر، فجئت لعمري بالمقاطعات المقذعات، ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق، ولقد عملنا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
ولمن بعده، فكنا نحمد الله مؤدين لأمانتا، حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا؛ نرى غير ذلك قبيحا، والعمل شينا، فتعرف ذلك لنا، وتصدق فيه قبلنا. معاذ الله من تلك الطعم، وشر الشيم، والاجتراء على كل مأثم، فامض عملك فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية، والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا، ولم تكرم فيه أخا، والله يا ابن الخطاب لأنا حين يراد ذلك مني أشد غضبا لنفسي، ولها إنزاها وإكراما، وما عملت من عمل أرى عليه فيه متعلقا، ولكنني حفظت ما لم تحفظ، ولو كنت من يهود يثرب ما زدت، يغفر الله لك ولنا، وسكت عن أشياء كنت بها عالما، وكان اللسان بها مني ذلولا، ولكن الله عظم من حقك ما لا تجهل.
فكتب إليه الخليفة:
Shafi da ba'a sani ba