Tarihin Misra Na Zamani
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Nau'ikan
ومشيخة البلد منصب كان يتولاه أحد البكوات المماليك كما يتولون إدارة المديريات، ويقابل محافظة القاهرة اليوم. ولم يكن المنصب بنفسه مهما ولكن تراخي الباشوات واستفحال أمر المماليك جعل لهذا المنصب أهمية كبرى، حتى أفضى النفوذ بتوالي الأيام إلى صاحبه، وصار إليه الأمر والنهي كما ستراه في ما يلي. (13-1) قاسم بك وذو الفقار بك
وكانت المماليك في مصر على حزبين كبيرين يعرفان بالمماليك القاسمية نسبة إلى قاسم بك، والفقارية نسبة إلى ذي الفقار بك. وكان هذان الحزبان لا ينفكان عن المنافسة يحاول كل منهما اكتساب النفوذ له وإذلال الآخر. أما أصل هذين الحزبين ففيه أقوال، منها أنهما ينسبان إلى أخوين هما قاسم بك وذو الفقار ولدي سودون أحد أمراء المماليك في عهد السلطان سليم الفاتح، وأن السلطان سليما هو الذي نشطهما ونشط أحزابهما. وقد ذكر الجبرتي لذلك قصة طويلة لا حاجة بنا إلى ذكرها. وبعضهم يقول: إن هذين الحزبين ينسبان إلى قاسم عيواظ بك الدفتردار وذي الفقار بك الكبير سنة 1050ه، وكان قاسم عيواظ بك رئيس الطائفة القاسمية وذو الفقار بك رئيس الفقارية، وكان لكل من هاتين الطائفتين مناقب مختصة بها. فالفقارية كانت توصف بالكثرة والسخاء، والقاسمية بالثروة والبخل. وشارة الفقارية علم أبيض مزاريقه برمانة والقاسمية علم أحمر.
وكانت هاتان الفئتان قبل تولي حسن باشا في وفاق تام فلما جاء خشي من اتحادهما، فعمد إلى الدسائس فألقى بينهما الشقاق فحصلت بين الطائفتين وقائع دامت ثمانين يوما، فكانوا يخرجون من القاهرة إلى مكان يعرف بقبة العرب يوميا، ويأخذون بالكفاح من شروق الشمس إلى غروبها، ثم يعودون إلى القاهرة فيقضون الليل بسلام في بيوتهم بين نسائهم وأولادهم، ثم يعودون في الصباح التالي إلى المحاربة. ومن الغريب أن هذه المحاربات لم تؤثر في الراحة العمومية مطلقا، فظلت الأشغال جارية في مجراها والحوانيت والمخازن تفتح وتقفل كالعادة. (13-2) مشيخة إسماعيل بك
وانتهت تلك الوقائع بوفاة قاسم عيواظ بك فأسف عليه الناس وبكوه بكاءهم على حاكم عادل أو أب حنون بار. ولم يبق صديق ولا عدو حتى بكاه؛ لأنه كان فضلا عن حكمته وعدله ودعته شجاعا باسلا أبي النفس. فأقاموا ابنه إسماعيل بك مكانه شيخ بلد وصادق الباشا على ذلك لظنه أن إسماعيل لصغر سنه يكون آلة بيده يديرها كيف شاء، فزاد كدر ذي الفقار بك واشتد حنقه لأنه كان ينتظر أن يئول ذلك المنصب إليه.
وكان إسماعيل عاقلا حكيما كوالده عارفا وجه الربح والحق، فسعى في الوفاق مع طائفة الفقارية فاتحدت الطائفتان على الباشا. وكان إسماعيل بك من الجهة الأخرى يظهر الطاعة والرضوخ لأحكام الباشا لأنه رئيسه، لكنه لم ينفك ساعيا سرا في خلعه فكتب عنه إلى الأستانة، ففاز بعزله، فجاء غيره ثم أبدل بآخر فآخر وإسماعيل بك في منصبه والرعية يحبونه إلى ما يشبه العبادة.
ومما يحكى عنه أن أحد تجار القاهرة في أيامه واسمه عثمان باع لأحد القبقجية (لقب يعطى للحرس السلطاني) ثلاثمائة قفة بن إلى أجل مسمى، وكتب عليه بذلك صكا. فقبل الاستحقاق جاء من الأستانة إعلان بخيانة القبقجي والحكم عليه بالإعدام حالا، فجيء به إلى الباشا فقتله ووضع يده على تركته وفيها البن كما هو. فعلم عثمان التاجر بذلك فعرض لإسماعيل بك ما كان من أمر البن، فأجبر الباشا أن يرجع البن لصاحبه قبل كل شيء ففعل، فأصبح عثمان في حال من الامتنان لا يعرف كيف يبينها. فلاح له أن يهديه علبة مرصعة وبضعة قناطير من السكر النقي، فرفض إسماعيل بك تلك الهدية وخاطب عثمان التاجر قائلا: «إذا كان المال الذي حصلت عليه بواسطتي حقا لك فأكون قد فعلت الواجب علي والله يكافئني، فإذا قبلت هديتك أظلم نفسي. أما إذا كان هذا المال ليس لك وإنما حصلت عليه بالحيلة، فقبولي هديتك يعد مشاركة لك بالخيانة، لكنني مع ذلك أقبل السكر الذي حملته إلي على أن تقبض ثمنه من وكيلي؛ لأني سآمره أن يدفعه إليك.»
ويحكى عنه أيضا أنه كان يأدب في ليالي رمضان مأدبات يجتمع إليها العلماء والفقهاء والمشايخ وقراء القرآن، ولم يكن يؤذن لغير هؤلاء في الحضور فيها. فرأى ذات ليلة رجلا بين الحضور عليه ملامح الكآبة واليأس، فأوصى بعض الخدم متى ارفض الاجتماع أن يأتوا به إليه، ففعلوا فلما حضر بين يديه أعطاه مصحفا وأمره أن يتلو عليه سورة. فتوقف الرجل وجلا ثم ترامى على قدمي البك متضرعا وقال: «يعش سيدي البك، إني رجل نجار لا أعرف القراءة، وإنما أتيت إلى هذه المأدبة متنكرا بثوب الفقهاء لأملأ جوفي من الطعام؛ فإني في حالة من الفاقة شديدة.» فأنصفه، ولم يكتف بالإغضاء عن ذنبه، لكنه جعله في عداد خدمته وجعل لعائلته راتبا معينا. وصار هذا النجار بعد ذلك من أصدق الخدمة وأكثرهم غيرة وهمة.
وما زال إسماعيل بك شيخا للبلد 16 سنة تقلب في أثنائها على مصر عدة باشوات كانوا اسما بلا مسمى. وكان لحسن سياسته قد أوقف الفقاريين عن كل حركة؛ لتظاهره أنه على وفاق معهم فلم يجعل لهم فرصة يتحدون بها عليه. على أنه ارتكب خطأ واحدا آل إلى قتله. وذلك أن أحد المماليك الفقارية واسمه ذو الفقار أيضا كان له عقار يقوم بنفقات عائلته فاختلسه منه أحد المماليك القاسمية (من مماليك إسماعيل بك)، فرفع ذو الفقار دعواه إلى شيخ البلد إسماعيل بك فلم يصغ لطلبه وقضى بالعقار لمملوكه.
فشق ذلك على ذي الفقار فرفع دعواه إلى زعيم الفقارية ويقال له شركس بك. وكان خصما لإسماعيل بك بالفطرة فسار إلى الباشا وخاطبه بشأن تصرف إسماعيل بك. وكان في قلب الباشا حزازات من الحسد عليه فوافقه على الإيقاع به ثم قال له: «ليس لك وسيلة أفضل من أن تبعث أحد مماليكك وتأمره بقتله، وأنا أجعل له جميع ما يتركه من المال والنساء مكافأة لأتعابه.»
فوافقه على رأيه وعين لتلك الفعلة أول يوم يجتمع فيه الديوان، وأمر مملوكه ذا الفقار أن يستعد لإجرائها فقبل اعتمادا على وعد الباشا. ففي اليوم المعين جاء ذو الفقار إلى الديوان وفيه إسماعيل بك، فتقدم إليه وقبل يده قائلا: «أرجو أن تأمر بإرجاع عقاري إلي.» فأجابه إسماعيل بك: «سننظر في طلبك هذا.» فألح عليه فانتهره فاستل خنجرا ماضيا بقر به بطنه فتدفقت أمعاؤه ومات لساعته في وسط الديوان، فهجم رجال الباشا وقتلوا كل من كان هناك من رجال إسماعيل ولم ينج منهم إلا سريع العدو، هكذا كانت نهاية حكم إسماعيل بك سنة 1136ه، فنقلت جثته إلى بيته ثم دفنت بجانب جثة أبيه بجوار باب اللوق.
Shafi da ba'a sani ba