Tarihin Misra Na Zamani

Jurji Zaydan d. 1331 AH
212

Tarihin Misra Na Zamani

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

Nau'ikan

وأما برقوق فهو ابن مرتد شركسي اسمه أنس من قبيلة كسا استملك في شركاسيا، وقيد إلى القرم فاشتراه رجل مسلم يقال له: عثمان، وجاء به إلى مصر سنة 762ه وباعه للأمير يلبغا فجعله في عداد مماليكه، إلا أن نباهة برقوق وجماله ومهابته استلفتت انتباه سيده، فبالغ في ترقيته حتى أدخله في بطانته، ولقبه بالشيخ إشارة إلى براعته بالفقه وسائر العلوم الإسلامية، وجعله في مصاف الأمراء، وكان يلقب بالعثماني واليلبغاوي، وما زال في خدمته إلى أن قضى الله على يلبغا بما قضى، وتشتت مماليكه، فبقي برقوق وأمير آخر يقال له بركة؛ لأنهما كانا في السجن، ثم أطلقا فدخلا في خدمة منجك صاحب دمشق. ثم عادا إلى مصر بطلب الملك الأشرف شعبان، فتمكن برقوق بوسائط مختلفة من الحصول على رتبة باش أمير ياخور، وقيادة ألف رجل، فأصبح من الذين يطمعون في نيابة الملك فتولاها، ولقب بأتابك الجيوش، وتولى رفيقه بركة رئاسة الأعمال (المديريات) وما زالت الحال كذلك حتى خلع الملك الصالح حاجي. فتمكن برقوق بمساعدة أحزابه أن يتسلق كرسي الملك في 19 رمضان سنة 784ه كما رأيت. (2) سلطنة الملك الظاهر برقوق (من سنة 784-801ه/1382-1398م)

فأقر الخليفة المتوكل على الله تولية برقوق، وبايعه جميع القضاة والمشايخ والعلماء والأمراء، ولقبوه بالملك الظاهر، وهو لقب أعظم من حكم مصر من دولة المماليك الأولى نعني به ركن الدين بيبرس البندقداري، وأول شيء خالف فيه أسلافه أنه أبطل حمل القبة والطير على رأس السلطان عند توليه، وأبطل ما كان يعمل في يوم النيروز أول السنة القبطية، ومما كان يعمل في ذلك اليوم بالديار المصرية أنه كان يجتمع السواد الأعظم من الناس الأسافل فيقفون على أبواب الأكابر من أعيان الدولة، فيكتب أمير النيروز وصولا بالجمل الثقال، وكل من امتنع عن الإعطاء من الأكابر سبوه سبا قبيحا، ولا يزالون قائمين على بابه حتى يأخذوا منه ما يقرون عليه من الدراهم بحسب ما يقرره عليه أمير النيروز. فيأخذون منه ذلك غصبا ويمضون، وكان ذلك السواد الأعظم العياق يقفون في الطرق ويتراشون بالماء المتنجس، ويتراجمون بالبيض النيئ في وجوههم، ويتصافعون بالأنطاع والأخفاف، ويقطعون الطريق حتى يمتنع الناس من الخروج إلى الأسواق، وتغلق في ذلك اليوم أيضا أسواق القاهرة ودكاكينها، وكل من ظفروا به في الطرق سبوه.

وكان تيمور لنك القائد التتري الشهير إذ ذاك قد ملأ الأرض بافتتاحاته حتى سمع دويها في سوريا؛ إذ جاء يهدد حدودها، فنهض إليه برقوق في جيش عظيم فأوقفه عند حده، لكنه لم يكد يتخلص منه حتى ظهر له عدو في بيته، نعني به الخليفة المتوكل على الله، فإنه دعا إلى خلع برقوق، فالتف حوله دعاة عديدون، فاجتمع برقوق بالمشايخ والأئمة والعلماء، وأجمع معهم على خلع الخليفة فخلعه، وحبسه في القلعة سنة 787ه ونصب عمرا أخا إبراهيم ولقبه بالواثق بالله.

ثم توفي الواثق في 19 شوال سنة 788ه فنصب أبا يحيى زكريا عمر بن الخليفة المستنصر بالله، وهذا لم يلبث طويلا؛ لأنه أساء إلى السلطان برقوق فخلعه في جمادى الأولى سنة 791ه وأعاد المتوكل على الله، لكنه ندم بعد ذلك لما رأى من سعيه في خلعه، فحاول تنزيله ثانية فلم يستطع؛ لأن المتوكل كان قد تواطأ مع أحد الأمراء المسمى منطاش على خلعه، ووافقهما سائر الأمراء ورجال الدولة فخلعوه بعد أن حكم ست سنوات وسبعة أشهر وبضعة أيام، وأرسلوه منفيا إلى قلعة الكرك منفى السلاطين في تلك الأيام، واستقدموا السلطان حاجي آخر سلاطين دولة المماليك البحرية وهو الذي خلعه برقوق. فبايعوه في 6 جمادى الأخرى سنة 791ه، وكان يلقب بالملك الصالح فأبدله بالملك المنصور، لكنه لم يهنأ بهذه التولية الثانية؛ لأن المتوكل ومنطاش بعد أن سعيا في توليته ندما فأنزلاه، وأعادا برقوق في 4 صفر سنة 792ه فتعلم برقوق هذه المرة كيف يستبقي الملك في يده، فبادر حالا إلى المنصور حاجي وأماته، وقتل كل من كان على دعوته منعا لدسائسهم. ثم عمد إلى الخارجية فوطد الأمن في أنحائها، ولم يكن يثق بمقاصد أعوان الخلفاء فدخل في أحزابهم يتحد تارة مع هؤلاء، وطورا مع هؤلاء؛ ليدوم الشقاق بينهم فلا يتفقوا على خلعه.

شكل 12-1: تيمور لنك القائد التتري.

وفي سنة 794ه أهداه قرا يوسف أمير فارس مدينة تبريز فبعث إليه برقوق خلعة، وفوض إليه أن يفتتح ما استطاع من المدن على أن يكون واليا عليها. لكنه ما لبث أن جاء القاهرة في السنة التالية مع أحد محالفيه أحمد بن أويس فارين من وجه تيمور لنك، وكانا قد التجآ إلى منويل إمبراطور القسطنطينية فلم يؤمنهما؛ لأنه كان في ريب من أمره مع دولة أخرى قارب صبحها الانفجار، وهي الدولة العثمانية نسبة إلى عثمان الغازي أول سلاطينها، وجرى ذلك في عهد بيازيد بن مراد رابع سلاطين هذه الأسرة الظافرة، وكان قد غزا معظم إيالات المملكة الرومانية الشرقية (مملكة الروم) وأعظمها حتى هدد القسطنطينية، فجاءه التتر من ورائه بقيادة تيمور لنك فأوقفوه عن مقصده، وأصبحت قارة آسيا بين مناظرين عظيمين يتنازعانها، وكل منهما ذو بأس شديد، وهما: تيمور لنك التتري، وبيازيد التركي، فتلاطمت الزوبعتان فارتعدت لهما أفريقيا، واضطربت مصر من دويهما.

وطمحت أنظار هذين الفاتحين إلى مصر، فبعث كل منهما وفدا إلى القاهرة فطلب وفد بيازيد إلى برقوق أن يعاهده على السلم، وإلى الخليفة المقيم في القاهرة أن يقر بيازيد رسميا على سلطنة الأناطول فأجابهم إلى ما طلبوه.

أما وفد تيمور لنك فاتخذوا خطة أخرى؛ لأنهم استعملوا الخشونة والفظاظة في أقوالهم ومطالبهم؛ فطلبوا إليه أن يسلم لهم قرا يوسف وأحمد بن أويس اللذين قد التجآ إليه. فطيب برقوق خاطرهم، وأخذهم بالملاينة، فازدادوا فجورا فأمر بقتلهم. فشق ذلك على تيمور لنك فساق جيشه، وقدم للانتقام فمر بالرها فافتتحها وقتل من فيها، ثم جاء حلب فأنكى فيها. ثم توقف عن مسيره لغرض في نفسه؛ ليسهل عليه افتتاح مصر. فلم يغفل برقوق عن ذلك، فأكثر من الجند والسلاح وتأهب للدفاع أو الهجوم، لكنه لم يكد يتم هذه التأهبات حتى أدركته الوفاة بداء الصرع في يوم الجمعة 15 شوال سنة 801ه وعمره ستون سنة، فأسف عليه الناس أسفا شديدا؛ لما كان من عدله، ويقظته، ورفقه برعيته. (2-1) أعماله

ومن أدلة ذلك أنه خفف ضرائب الحبوب، وأبطل الضرائب التي كانت تؤخذ على الأثمار والفواكه الواردة عن طريق بولاق، وكان كثير التصدق على الفقراء محبا للعلم والعلماء؛ فبنى مدرسة دعاها المدرسة الظاهرية نسبة إليه، وابتنى جامعا لا يزال معروفا باسم جامع السلطان برقوق بجانب جامع الملك الناصر في شارع النحاسين، وكان له ولع خاص في اقتناء الأسلحة والخيول الجياد، والاستكثار من المماليك الشراكسة؛ فنظم منهم فرقة يركن إليها عند الحاجة.

وقد رتب مراتب الدولة في أيامه على هذه الصورة: (1)

Shafi da ba'a sani ba