Tarihin Misra Na Zamani
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Nau'ikan
كانت عاصمة الديار المصرية يومئذ مدينة الفسطاط (بين القاهرة ومصر القديمة الآن) فلما جاء جوهر بجنده سنة 357ه نزل شماليها في البقعة التي تقدم ذكرها، وفيها اليوم الجامع الأزهر، وبيت القاضي، وشارع النحاسين، وخان الخليلي وما جاورها من المنازل والأسواق بين المقطم والخليج الذي ردموه اليوم، وأجروا فوقه قطر التراموي بين جنوبي القاهرة وشماليها.
وكانت تلك البقعة لما عسكر فيها جوهر رمالا يمر بها المسافر من الفسطاط إلى المطرية. فلما فتح جوهر الفسطاط بنى القاهرة في تلك البقعة، وسماها القاهرة المعزية نسبة إلى مولاه، وكانت مربعة الشكل تقريبا؛ يحدها من الشرق الجبال، ومن الغرب الخليج، وطول هذا الحد 1200 متر يسير فيه السور بموازاة الخليج، وعلى بعد 30 مترا منه نحو الشرق، ومن الشمال خط يمتد من الخليج قرب باب الشعرية الآن على موازاة سكة مرجوش إلى الجبل، وطوله 1100 متر، ومن الجنوب خط نحو هذا الطول يبدأ بباب الخلق عند التقاء الخليج بشارع محمد علي الآن قرب محافظة مصر، ويسير شرقا إلى الجبل، ومساحة هذه المدينة بين هذه الحدود 340 فدانا أو 1428000 متر مربع، بنى فيها قصرا سماه القصر الكبير الشرقي شغل خمس هذه المساحة، وشغل ما بقي بالجامع الأزهر والقصر الغربي ومساكن الجند والإصطبلات ونحوها، وقد دللنا على مكانها في الخارطة ببقعة بيضاء، وظلت الأسواق وأماكن البيع والشراء ومساكن الأهالي في مدينة الفسطاط. أما الأرض خارج المدينة حيث الآن الفجالة والظاهر والمهمشة والعباسية والأزبكية والتوفيقية والإسماعيلية وبولاق فكان أكثرها بساتين ومزارع وبركا.
ولم تتسع القاهرة في أثناء مدة الفاطميين إلا قليلا فصارت مساحتها على عهد أمير الجيوش في أواخر القرن الخامس للهجرة 1680000 متر. حتى إذا دالت هذه الدولة، ودخلت مصر في حوزة الأيوبيين، وتملكها السلطان صلاح الدين سنة 567ه أباح للناس سكنى القاهرة، وبنى القلعة في سفح المقطم له ولجنده يعتصم بها من أعدائه؛ لأنه كان يخاف الشيعة الفاطمية على ملكه. فأقدم الناس على بناء المنازل جنوبا خارج القاهرة بينها وبين الفسطاط، وغربا بينها وبين النيل، وأمر ببناء سور كبير يحيط بها وبالقلعة وبالفسطاط جميعا أكمله من جاء بعده فبلغ طوله نحو 24000 متر في شكل كثير الأضلاع، وبلغت مساحة القاهرة ضمنه 1948 فدانا أو 8161600 متر مربع.
وتولى بعد الأيوبيين السلاطين المماليك، وتغير شكل القاهرة في أيامهم، ثم نقصت مساحتها، واستنزف عمرانها في أيام الأمراء والمماليك، ولكنها عادت في زمن الأسرة المحمدية العلوية إلى النهوض فبلغت مساحتها في أواخر أيام محمد علي باشا 9000000 متر مربع، وحدودها من الشرق: الجبل المقطم، ومن الغرب: شارع باب الحديد، وشارع عابدين بخط منحرف نحو باب اللوق، ثم يعود الخط شرقا إلى قرب عابدين، ويسير جنوبا حتى يقطع الخليج قرب باب غيط العدة، ومن هناك إلى باب السيدة زينب، وكان يحدها من الشمال: شارع الفجالة، وما بعده شرقا إلى باب الشعرية فباب النصر وباب الفتوح إلى الجبل، ويحدها من الجنوب: خط ممتد من باب السيدة زينب فباب طولون إلى باب القرافة، وقد دللنا على مكانها في الخارطة بخطوط متقاطعة والقاهرة المعزية في داخلها.
واتسعت مساحتها في عهد الخديويين بعد محمد علي حتى صارت سنة 1880 قبيل الحوادث العرابية 12180000 متر، وأسرعت في الاتساع بعد الاحتلال الإنكليزي حتى صارت مساحتها الآن أكثر من ستة أضعافها قبله وأكثر من خمسين ضعفها لما بناها القائد جوهر بما دخل في حدودها من الضواحي العامرة عاما بعد عام. (1-4) دخول المعز قصره
وفي يوم الثلاثاء 5 رمضان سنة 362ه دخل المعز لدين الله قصره بالقاهرة، وعند دخوله خر ساجدا، ثم صلى ركعتين وصلى بصلاته كل من دخل معه، واستقر في قصره بأولاده وحشمه وخواص عبيده، والقصر يومئذ بهجة وكله تحف ومثمنات، وبعد ذلك بأسبوع أذن بدخول من يريد مقابلته للتهنئة، وجلس في الإيوان فدخل أولا الأشراف، ثم أذن بعدهم للأولياء وسائر وجوه الناس، وكان القائد جوهر قائما بين يديه يقدم الناس قوما بعد قوم، وبعد وصوله بيسير أمر ببناء تربة في القصر الكبير دفن فيها أجداده الذين استحضرهم معه بتوابيت من بلاد المغرب ، وصارت بعد ذلك مدفنا يدفن فيه الخلفاء وأولادهم ونساؤهم، وكانت تعرف بتربة الزعفران، وكان موقعها حيث خان الخليلي الآن. فلما أنشأ الأمير جهاركس الخليلي خانه أخرج ما شاء من عظامهم فألقيت على المزابل.
وفي سنة وصوله عهد ليعقوب بن يوسف بن كلس بخراج مصر، وجميع وجوه الأموال والحسبة والأعشار، وجميع ما يضاف إلى ذلك في سائر الأعمال، ويعقوب هذا كان يهوديا جاء مصر وتقلد بعض مصالحها في أيام كافور الإخشيدي، وأسلم طمعا بالدنيا فأحبه كافور ورقاه، واشترك مع يعقوب في أمر الخراج عسلوج بن الحسن، وكتب المعز لهما سجلا بذلك فجلسا في دار الإمارة في جامع ابن طولون للنداء على الضياع وسائر وجوه الأموال، وحضر الناس للقبالات (الالتزام) وطالبا بالبقايا من الأموال على المتقبلين والمالكين والعمال، واستقصيا بالطلب، ونظرا في المظالم فتوفرت الأموال، وزيد في الضياع، وتزايد الناس وتكاثفوا، وحسنت الأحوال، وكثر ضرب النقود إلى حد يفوق التصديق.
شكل 9-2: الجامع الأزهر من داخله.
ثم ابتنى جوهر جامعا دعاه: الجامع الأزهر، وهو أقدم جوامع القاهرة - إلا جامع ابن طولون - وأكثرها اتساعا، ولذلك لقب بالجامع الكبير، وأقام جوهر في الجامع المذكور بأمر الملك العزيز - الآتي ذكره - مكتبة نفيسة ومدرسة ذاع صيتها في الآفاق، وكان القصد الرئيسي من بناء هذا الجامع: إقامة الشعائر الدينية، وتأييد مذهب الشيعة العلوية؛ لاختلاط السياسة بالدين في الدولة الإسلامية من ذلك العهد، وكانت هذه الشيعة قد قاست الأمرين تحت سلطة العباسيين من قتل ونفي. فلما تأتى لها تغلبها على مصر جعلتها عاصمة دولتها، وأنشأت القاهرة معقلا لجندها، والجامع الأزهر لتأييد مذهبها؛ لأن العامة لا تحكم بمثل الدين، وكان المصريون يومئذ على مذهب الإمام الشافعي؛ لأن هذا الإمام قضى أخريات أيامه بمصر، ومات فيها، وقبره معروف في ضواحي القاهرة، وكان الفاطميون يعترفون بهذا المذهب أيضا، وأما العباسيون فكانوا على مذهب أبي حنيفة. فتوافق الفاطميون والمصريون في المذهب فهان على الفاتحين تأييد سلطانهم، وتوسيع دائرة نفوذهم فقربوا الفقهاء والعلماء، واستقدموهم من سائر أقطار العالم الإسلامي، وأجروا عليهم الأرزاق، وفرقوا فيهم الأموال.
وكانت مجالسهم تعقد في الأزهر على عادة الفقهاء في ذلك العهد فتزاحمت فيه الأقدام، وكانوا كلما ضاق بهم وسعوه بأبنية ينشئونها بجانبه، ويوسعون دوره حتى أصبحت سعته الآن نحو 12000 متر مربع، وكانت أقل من نصف ذلك، وتضاعفت أساطينه مرارا وكان عددها يوم بني 76 أسطوانة متفرقة في أجزائه، وصارت أبوابه تسعة.
Shafi da ba'a sani ba