مقدمة الكتاب
الماسونية
منشأ الماسونية
أقسام تاريخ الماسونية العام
تاريخ الماسونية القديم
الطور الأول: الماسونية1 العملية المحضة
الطور الثاني: الماسونية المشتركة
تاريخ الماسونية الحديث: الماسونية الرمزية
الطور الأول: الإنكليزي
الطور الثاني من سنة 1787 إلى هذه الأيام
ختام
مقدمة الكتاب
الماسونية
منشأ الماسونية
أقسام تاريخ الماسونية العام
تاريخ الماسونية القديم
الطور الأول: الماسونية1 العملية المحضة
الطور الثاني: الماسونية المشتركة
تاريخ الماسونية الحديث: الماسونية الرمزية
الطور الأول: الإنكليزي
الطور الثاني من سنة 1787 إلى هذه الأيام
ختام
تاريخ الماسونية العام
تاريخ الماسونية العام
منذ نشأتها إلى هذا اليوم
تأليف
جرجي زيدان
مقدمة الكتاب
بسم الله فاتحة كل عمل. أما بعد، فقد أصبحت الماسونية لحداثة عهدها في هذه الديار موضوعا لأبحاث القوم على اختلاف المذاهب والنزعات؛ فمن نصير مدافع عن صحة مبادئها مبالغ في وجوب كتمان أحوالها، وعدو مشدد النكير ومختلق الأراجيف عليها، يقول في ذلك أقوالا ما أنزل الله بها من سلطان. وعندي أن السبب في ذلك إنما هو شدة محافظة أعضائها على التستر في أعمالهم، إلى حد أوجب إساءة الظنون واختلاف الأقاويل، على أننا لو نظرنا إلى الحقيقة لما رأينا في المكاشفة ما يشينها؛ إذ ليس بين أعمالها ما يكسبها إلا فخرا، ولا بين مبادئها إلا ما يرفع منزلتها ويفحم من أراد بها شرا؛ لأن مبادئها أشرف المبادئ، وغايتها من أشرف الغايات.
على أننا لم نسع إلى إخفاء تلك المبادئ أو التظاهر بغير تلك الغاية، ولكنا لم ننج من سهام الملام وضروب التعنيف، وقد أصبح الناس لا يعتقدون صدق ما يظهر من أعمالنا، ولو كانت كالشمس وضوحا، بناء على أن وراء تلك الأعمال غاية لا تزال متسترة في خدر الاجتماعات السرية. فعندهم أننا لو أخلصنا النية وأردنا بالناس خيرا، لما كان ثم ما يمنع اجتماعنا جهارا، فيظهر الحق لذي عينين لأن الحق أبلج. والظاهر لدي أن هذه الجمعية لم تؤسس على شعائر يجب أن تبقى محجوبة إلى الأبد، على أن ما لم يزل محجوبا منها ليس بالأمر المهم لدى الجمهور، وإنما هي إشارات ورموز جعلت واسطة يتعارف بها أبناء تلك العشيرة، فيتميزون بها من سواهم، ولعل المانع من التصريح بها أن الناس لم يبلغوا في هيئتهم الاجتماعية مبلغا يؤهلهم من الاطلاع عليها جهارا، ولكن سيأتي زمن لا يبقى فيه بين أبناء تلك الجمعية وسائر الناس حجاب أو شبه حجاب، ومن يعش ير.
ولما كان التاريخ مرآة الأحوال، كانت الطريقة المثلى لتبيان حقيقة غاية هذه الجمعية - بعد ما تقدمت الإشارة إليه - أن نوضح لدى قراء العربية مختصر تاريخها منذ نشأتها إلى هذه الأيام، مع الإشارة إلى ما رافق سيرها من الحوادث في سائر أنحاء العالم على اختلاف الزمان والمكان، واستيفاء الكلام عن كيفية نشأتها. وبناء على ذلك قد أخذت على نفسي القيام بذلك العمل مع علمي بعجزي، وبما يحول دون ذلك من العقبات وتجشم المشاق في جمع أخبار هذه الجمعية، ولا سيما أخبار فروعها الشرقية، لأني قد عنيت إتماما لذلك بمكاتبة سائر جهات المشرق التي اتصل بي شيء عن أحوال الماسونية فيها، فكتبت إلى كثير من الإخوان الغيورين في تلك الجهات من ذوي الاطلاع على ما نحن في صدده، فوردت إلي إفاداتهم وعليها كان اعتمادي في الحوادث الماسونية الشرقية الحديثة. وإني أغتنم هذه الفرصة للثناء على بعضهم جهارا، وهم الذين أذنوا لي بذكر أسمائهم، فمنهم الأخ المحترم نقولا حجي رئيس محفل لبنان سابقا (بيروت)، والأخ المحترم وليم أسعد خياط رئيس محفل فلسطين. أما في تاريخ الماسونية في مصر، فمعظم الفضل عائد لحضرة الأخ الكلي الاحترام سوليتوري افنتوري زولا رئيس أعظم المحافل المصرية سابقا؛ لأني قد استعنت به في استخراج معظم ما ذكرته عن الماسونية في مصر، من الكتب والمنشورات الرسمية المطبوعة في المحفل الوطني المصري.
أما ما بقي من سير الماسونية في أوروبا وغيرها، فقد اعتمدت فيه على أشهر ما كتب في كتب الإفرنج من إنكليز وفرنساويين. ولزيادة التأكيد أذكر للقارئ أشهر الكتب التي استعنت بها في كتابة هذا التاريخ، وهي:
تاريخ الماسونية
تأليف ريبولد
فرنساوي
تاريخ الماسونية
تأليف فندل
إنكليزي
تاريخ الماسونية
تأليف أرنولد
إنكليزي
الشرائع الماسونية
تأليف باتون
إنكليزي
التعاليم الماسونية
تأليف باتون
إنكليزي
الرموز الماسونية
تأليف باتون
إنكليزي
منشأ الماسونية
تأليف باتون
إنكليزي
درجة الهيكليين
تأليف سير بطريق كلكهون
إنكليزي
الماسونية
تأليف هوغ
إنكليزي
أسرار الماسونية
تأليف يوحنا فيلوس
إنكليزي
وقد استعنت فضلا عن هذه التآليف الماسونية بالإنسكلوبيديا الماسونية، وتآليف تاريخية غير ماسونية تعزيزا للموضوع.
فأملي أن تروق خدمتي هذه لدى أبناء اللغة العربية، وليعذروني على ما يلاقونه فيه من النقص، فإنه أول تاريخ للماسونية كتب في اللغة العربية، وأملي بحضرات الكتبة الأفاضل - الذين هم أطول باعا مني - أن يساعدوني لسد ما يلاقونه من الخلل؛ فإن العصمة لله وحده عز وجل.
هذا وإني التزمت في كل ما ذكرت جانب الاعتدال والحيادة ما استطعت، تاركا الحكم في مجمل ما ذكرت إلى نباهة القارئ، ولو ساعدني المقام لأتيت على تفاصيل أعلمها عن الماسونية في المشرق، وعلى الخصوص في مصر وسوريا، فقد رافق سيرها هناك في أول عهد دخولها حوادث قد أشرنا إلى بعضها اكتفاء بالنزر اليسير، وأغضينا عن البعض الآخر لما يحول دون التصريح بها من المحظورات التي نرجو قرب زوالها، يوم لا يحظر على أحد التصريح بما في ضميره، إذ يعرف كل منا حقوقه وواجباته، فلا يتقاعد عن طلب الأولى ولا يأنف من القيام بالثانية.
والله نسأل أن يلهمنا إلى ما فيه خيرنا وإصلاح حالنا، إنه على كل شيء قدير.
الماسونية
ما برحت الماسونية من يوم نشأتها على قدم عهدها عرضة لألسنة القوم، يسلقونها بألسنة حداد ويسومونها ما شاءوا وشاءت الخيلاء من الأمور الصعاب. وقد ساءوا بها ظنا فأرادوا بها سوءا، وهي بحمد ربك راسخة الأصول قويمة العماد حليفة السداد، لا تزيد إلا انتشارا، ولا تدفع إلا أمورا كبارا، ذلك لأن عمادها الفضيلة وغايتها الكمال، ونصراءها أبناء الحرية الذين لا تأخذهم الصيحة ولا هم غافلون.
أيها العقلاء، إن الماسونية تخاطبكم فاسمعوا لها وهذا قولها: «مهلا سادتي أرعوني من فضلكم أذنا صاغية وقلبا واعيا، وأرغب إليكم أن تبقوا حكمكم فيما أقول حتى آتي على النهاية. لقد أسأتم بي ظنا وأردتم بي سوءا، على حين أني لم أنفك منذ القدم مصدرا لتمدنكم وفيئا لأعاظمكم، أجمع شتاتهم وأبذل النفيس في مرضاتهم. ألم أكن مدربة لحكامكم مدبرة لأحكامكم، ساعية في نشر الفضيلة بينكم؟ ألم أردع أقوياءكم حين ظلموا وأنصف ضعفاءكم حين ظلموا؟ كم سقطتم فأنهضتكم! وكم تبعثرتم فجمعت شتاتكم! وكم كنت نصيرة للعدل والمساواة بينكم ولم أتعرض لكم في شيء من دينكم!
وإني في كل ذلك لم أكلفكم أجرا، ولم أغادر من داعيات فلاحكم أمرا، فما ضركم إذا كنت أفعل ذلك سرا أو جهرا؟!
إذا قلت لكم هذه مقاصدي فافهموها، قلتم هذه بهرجة وإن وراء الأكمة ما وراءها، وأبيتم إلا أني حييت لإماتة الفضيلة، واجتمعت لتشتيت السلطة والديانة، فلا أدري كيف أخاطبكم، ولا بأي السبل أتطرق إلى إقناعكم، رغما عن شدة رغبتي في الإخلاص لكم والتقرب منكم، قياما بما تفرضه علي الإنسانية وتأمرني به الواجبات الماسونية.
أراكم تشددون النكير على أن من وراء التستر ما يوجب المظنة، وإلا فالمكاشفة أولى وأحرى. على أني ألتمس لكم على ذلك بعض العذر، سيما وإن كل محجوب مرغوب.
غير أني لا أخفي عنكم أن ليس بين أسراري ما يهمكم استطلاعه، إنما هي إشارات ورموز جعلت واسطة للتعارف بين أبنائي المختارين، فلا يقوى غير المختار على التلبس بالدعوى، فيسترق من حقوقهم المقدسة ما ربما لا يكون له أهلا فيفسد في الأرض، فإذا كثر أمثاله عمت البلوى، وربما آلت إلى انفصام عروتي والعياذ بالله. ولا يفوتكم أيضا أن القوم إذا تعاهدوا على أمر باجتماع الأيدي، يزيد ائتلاف قلوبهم إذا جعلوا بينهم ما يتعارفون به ويكون خاصا بهم.
تلك سنة قد جرى عليها كثيرات من أترابي في الأزمنة الخالية بين سائر الأمم المتمدنة في الهند وآشور ومصر وفينيقية وسوريا واليونان وغيرها. لم يكن دأبهن إلا رفع منار العلم والفضيلة حيث أقمن، وقد لاقين كما لاقيت وألاقي أنا بينكم، وقد ثبتن كما ثبت وأثبت إن شاء الله.
فأنا على بينة من شريف مقاصدي وعظيم فوائدي ، لا شيء يوقفني عن السعي وراءها، ولا أبالي بما يتهمني به المتهمون، أو يقوله القائلون على غير هدى. على أني لم أعدم نصراء من ملوككم وسلاطينكم وعلمائكم وفلاسفتكم وقادة أديانكم.
فما أنا خاشية سطوتكم، ولا أنا راجية نصرتكم؛ إنما أتقدم إليكم بلسان الصدق أن تعتقدوا صدق نيتي فيما أرجوه لكم من الإصلاح في دنياكم، ولله ما وراء ذلك وهو على كل شيء رقيب.» ا.ه.
منشأ الماسونية
للمؤرخين في منشأ هذه الجمعية أقوال متضاربة، فمن قائل بحداثتها، فهي على قوله لم تدرك ما وراء القرن الثامن عشر بعد الميلاد، ومنهم من سار بها إلى ما وراء ذلك، فقال إنها نشأت من جمعية الصليب الوردي التي تأسست سنة 1616ب.م ومنهم من أوصلها إلى الحروب الصليبية. وآخرون تتبعوها إلى أيام اليونان من الجيل الثامن قبل الميلاد، ومنهم من قال إنها نشأت في هيكل سليمان، وفئة تقول إن منشأ هذه الجمعية أقدم من ذلك كثيرا، فأوصلوها إلى الكهانة المصرية والهندية وغيرها. وبالغ آخرون في أن مؤسسها آدم، والأبلغ من ذلك قول بعضهم إن الله سبحانه وتعالى أسسها في جنة عدن، وإن الجنة كانت أول محفل ماسوني، وميخائيل رئيس الملائكة كان أول أستاذ أعظم فيه. إلى غير ذلك من الأقوال المبنية على مجرد الوهم.
والسبب في تفاوت هذه الأقوال وتضاربها طموس التاريخ الماسوني قبل القرون المتأخرة؛ لأن الماسونية كما لا يخفى جمعية سرية، ونظرا لما كان يتهددها من الاضطهادات المتواترة في الأجيال المظلمة وغيرها، كانت تبالغ في إخفاء أوراقها إخفاء، ربما لا يعود يتيسر معه لمن يبقى حيا بعد الاضطهاد أن يكتشفها، هذا إذا لم يعثر عليها المضطهدون ويعدموها حرقا.
ولكنهم نهضوا مؤخرا إلى جمع تاريخ هذه الجمعية، فعثروا على أوراق قديمة العهد أمكنهم الاستدلال منها ومن غيرها - مع ما هو محفوظ في أعمالها الحاضرة من التقاليد - أن يتوصلوا على سبل مختلفة إلى إتمامه، على أنهم مع ذلك لا يزالون في تضارب من حيث منشؤها على ما تقدم.
ولكل منهم أدلة على صحة رأيه لا نرى لها محلا هنا، فضلا عن أنها لا تأتي بفائدة إذا ذكرناها. وقد طالعت جميع هذه الآراء بالتمعن الممكن، وقابلت أدلتها من غث وسمين مستعينا بالاستدلال والاستقراء، مع مراعاة النصوص التاريخية غير الماسونية من قديم وحديث، فوصلت إلى نتيجة أشرحها للقارئ على ما يأتي، وأظنها أقرب إلى الحقيقة، والله الموفق إلى الصواب.
وجد الإنسان على سطح هذه الكرة عرضة للعوامل الكثيرة المحيطة به، والمؤثرة على طبيعته تأثيرات تختلف نوعا ومقدارا باختلاف الزمان والمكان؛ فنتج من ذلك اختلاف الأفراد بالقوة بدنا وعقلا، فامتاز بعضهم بالقوة العقلية، وبعضهم بالقوة البدنية، وامتاز آخرون بالقوة البدنية والعقلية معا.
ولما كان للإنسان احتياجات لا مفر له من السعي وراءها، مع ما طبع عليه من حب الأثرة والسيادة، التجأ الضعيف إلى القوي يستنصره أو يستجير به أو يستشيره في حاجاته، فحصل الاجتماع الإنساني على أبسط حالاته.
والإنسان على فطرته ميال للبحث عن أصل الموجودات وتعليل الحوادث. وأول حادث استوقف تصوراته توالي الليل والنهار؛ فكان يراقب الشمس وهي تسير من الشرق إلى الغرب، ثم تتوارى وراء الأفق، ثم تعود فتظهر في الغد، ثم تسير فتتوارى كالأمس، ثم تعود فتشرق وتتوارى على الدوام، وكان ينظر إلى الأجرام السماوية وكثرة عددها نظر الاندهاش. وكان في أشهر الربيع يرى الطبيعة مكسوة حلة كثيرة الألوان، تبهج النظر وتشرح الصدر، والأثمار كثيرة والأعشاب يانعة، ثم إذا جاء الشتاء تمر عليه أشهر والسماء مطبقة ليلا ونهارا والمطر يتساقط مدرارا، فيمنعه من الجولان سعيا وراء رزقه، ثم ربما رافق ذلك بروق ورعود وصواعق، فكان ينذعر، وربما فر من أمام البرق خشية أن يخطف أبصاره، ومن الرعد لئلا يكون جبلا منقضا عليه من أعالي الجو فيسحقه، ويجعل أصابعه في آذانه من الصواعق، ويهرول طالبا ملجأ في الكهوف والمغر. وهو إذ ذاك في ظلمات من الجهل لا تزيده إلا اضطرابا ودهشة؛ فأجهد فكرته يطلب تعليلا لذلك جريا على ما فطر عليه من حب البحث، فشاور كبيره وعاقله فأجمعوا على أن للشمس والقمر وسائر الأجرام السماوية قوة وسلطة، وهي التي تبعث الأمطار، وتنبت الأثمار، وترسل البرق الذي يخطف الأبصار، ثم تتبعه بالرعد والصواعق إرهابا وتهديدا؛ فعبدوها وتدينوا لها على أساليب تفوق الحصر، والشورى في ذلك والرأي لكبارهم وعاقليهم.
ومعلوم أن تسلط الفئة العاقلة وانقياد الفئة الجاهلة إليها من النواميس الطبيعية المقررة.
فانتشرت هذه العبادة بين أولئك القوم وامتدت إلى نسلهم، فمرت بهم أجيال وهم يضيفون إليها ويحورونها طبقا لما اختبروه من حوادث يومهم وأمسهم. وكان يرافق كل ذلك تقدم في هيئتهم الاجتماعية على مقتضيات بيئاتهم، فوجدت بينهم العلوم والصنائع، فأقيم عليهم نوع من الحكومة تدبر أعمالهم. كل ذلك بتدبير تلك الفئة العاقلة، فوصلوا إلى ما ندعوه بالقبائل، حتى إذا تمصروا وانتظمت هيئتهم وارتقت أفكارهم فكروا في أمر ما كانوا يعبدون، فرأت تلك الفئة العاقلة أن تعبدهم لتلك الأجرام المنظورة ضرب من العبث، فأجهدوا الفكرة فاهتدوا إلى عبادة الإله غير المنظور. على أنهم لم يستطيعوا تصوره إلا بعد أن استنارت عقولهم بالعلم والاختبار، فأصبحوا إذا أرادوا إفهام العامة شيئا من ذلك لا يستطيعون، فلم يتحول هؤلاء عما كانوا يعبدون.
فالأمة في هذه الحال كانت مؤلفة من فئتين كبيرتين تحتهما فئات كثيرة، الفئة الواحدة وهي التي بيدها زمام البلاد دينيا وسياسيا وعلميا وصناعيا، وهم جماعة الحكام والكهنة، وقد تكونان الكهنة والجنود فقط، والفئة الأخرى باقي الشعب من فعلة وخدمة ورعاة وباعة وتراجمة وملاحين، فقد كان في يد هذه الفئة العاقلة جميع علوم ذلك العصر ومعارفه وصنائعه، من بناء وفلك ورياضيات وطب وموسيقى وفلسفة أدبية ودينية وغيرها، وكانت لا تسمح بتعليمها إلا لمن تختبر فيه اللياقة والمقدرة على اكتسابها واستعمالها، ووضعوا لانتقاء اللائقين من الراغبين شروطا وقوانين بالغوا في المحافظة عليها.
ذلك كان شأن الأمم التي تمدنت قديما في مصر والهند وآشور وفينيقية وسوريا واليونان وغيرها، فكانت فيها تلك الفئات من الفلاسفة تدعى غالبا بالكهنة وعلومهم بأسرار الكهانة. وكان بين طرق تعليمهم وشروط قبول الراغبين في الاشتراك معهم من المشابهة، ما يحمل على القول بوحدة أصلهم أو بتفرع جمعياتهم بعضها من بعض.
وإيضاحا لما سيجيء لا بد لنا من ذكر شيء عن أحوال تلك الجمعيات، كل منها على حدة، فنقول ...
الكهانة المصرية
قال هيرودوتس المؤرخ المشهور: إن مصر قبل دخول تعاليم إيزيس وأوزيريس إليها كانت من الهمجية والتوحش على غاية، أما بعدها فساد فيها النظام، وازدهت بالعلم والفضيلة، وارتقت في الدين والشرائع، ولا يخفى أن عهد هذين الإلهين وراء التاريخ المصري القديم بأزمان.
ويستفاد من المصادر التاريخية القديمة أنه كان في مصر عند إبان تمدنها جمعية سرية تدعى «جمعية إيزيس السرية»، وكانت ذائعة الصيت في سائر أنحاء العالم، وكان يقصدها الطالبون من أنحاء شتى، ولم يكن يقبل فيها إلا من علم عنه - بعد التحري التام والشهادات الحسنة - أنه أهل لنوال تلك الأسرار الثمينة. وليس ذلك فقط، فإنهم كانوا يسومونه عند القبول مشقات عظيمة تختلف بين تخويف وتهديد؛ حتى إذا جازها بثبات قالوا إنه تغلب على الشر فيلقنونه الأسرار. وكيفية ذلك أنهم كانوا يأتون بالطالب بعد الإقرار على قبوله، فيمرون به على امتحانات شتى، ثم يوقفونه أمام أحد الكهنة المدعو أوزيريس (وهو عندهم نائب الإله أوزيريس) جالسا على كرسي مرتفع، وبإحدى يديه سوط وبالأخرى عقافة
1
رمزا عن العدالة والإحسان، فيقف الطالب جزعا من هول الموقف، فيسألونه عن سيرة حياته، وكل ما عمله وكابده ويدققون عليه كثيرا، فإذا لم يروا في سيرته ما يمنع إتمام قبوله يسلمونه إلى قائد متنكر، على رأسه غطاء كرأس الكلب يسير به في أتياه من الطرق تغشاها الظلمات، إلى أن يصل إلى مجرى من الماء، فيقف به وفي يده كأس فيه ماء، ويخاطب الطالب قائلا: «أيها الراغب في مؤاخاتنا، الساعي وراء السداد الأعلى، هذا هو ماء النسيان تجرعه ينسك جميع ما مر بك من الأدناس والنقائض، فتصير أهلا لاقتبال الفضيلة والحق والصلاح التي ستتشرف بنوالها الآن.» فيشرب، ثم يتقدم به إلى أماكن أشد ظلاما وإرهابا من ذي قبل، فيزيد وجلا، ثم ينبثق النور بغتة، وينسم الهواء المنعش مضوعا بالروائح العطرية، ثم يسمع الترنيمات الموسيقية المطربة تضرب نغم الانتصار؛ إشارة إلى انتصاره على تلك التجارب المهولة، ثم يلقن الأسرار المقدسة وتتلى عليه العلوم والمعارف، ويحسب من ذلك الحين في عداد سعاة الكمال، ثم يرقى في سلك تلك الجمعية بموجب دستورها.
مجمع الإلوسينيا
نشأ في تراسيا (اليوم بلغاريا وروملي) نحو الجيل الرابع عشر قبل المسيح، ومؤسسه أورفيوس التراسي، وكان من عائلة ملوكية وذا قوى عاقلة شديدة مع عزم وثبات، تلقن العلم في الجمعية الإيزيسية السرية في مصر، واختلط بسائر طبقات البشر إتماما لاختباره، ولما عاد إلى بلاده جعل يعلم أبناء وطنه، وكانوا على جانب من الهمجية، فطفق يخطب في الأسواق ويعلم جهارا في الأحراش والجبال على الجماهير الكبيرة ويحثهم على الفضيلة. ويقال إن هذا الرجل العظيم هو المؤسس الأول للتمدن اليوناني، ثم بعد وفاة أورفيوس رأى تلامذته ومن كان على دعوته أن يجعلوا تعليمهم الشعب على أسلوب الجمعية الإيزيسية، فبنوا لهم مجمعا في إلوسيس من أعمال اليونان دعوه «مجمع إلوسينيا». وقد اشتهر هذا المجمع في تلك الأعصر بالعلم والصناعة والفلسفة على أنواعها، وكانت تلقن فيه العلوم سرا، ولم يكن يقبل في سلك هذا المجمع إلا المنتخبون والذين يجمع على أنهم لائقون، فإذا أقروا على قبول طالب يغمون عينيه جيدا ثم يقودونه في طرق معوجة، فيخال له أنه صاعد متلمسا على آكام، وكأن تحت أرجله أرضا وعرة تخدش أخمصيه، ثم يتراءى له أنه منحدر في منحدرات من الأرض تنتهي بأودية أو أحراش غضة يعسر المرور فيها، ثم يسمع أصواتا مرعبة يخال له أنها زئير أسود وفحيح أفاعي. ولا يزال يشعر بمثل ذلك حتى يأتي على نهاية الطواف الأول، فيرفع الحجاب عن عينيه، فيشاهد أمامه ما لا يزيده إلا اضطرابا؛ إذ يرى أرضا قفرا مظلمة يضيء فيها قبس ضعيف النور يزيدها رهبة، ويرى حوله أسرابا من الوحوش الضارية من أسود ونمور وضباع وثعابين تتهدده، وكأنها تهم للوثوب عليه، ثم يرى برقا ويسمع أصوات الرعود القاصفة، ويشعر بالزلازل والعواصف الشديدة، فيخال أن السماء ساقطة على الأرض، وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وبينما هو في تلك المشاهد المرعبة لا يبدي حراكا، يرى أمامه بابا كبيرا من الحديد مكتوبا عليه ما معناه: «إن الذين يبغون منتهى الكمال وأعالي البركة لا بد لهم من تطهير أنفسهم بالنار والهواء والماء.» ولم يكد يقرأ هذه الكلمات حتى ينفتح الباب بغتة، فيدخل ذلك الطالب إلى متسع من البناء مظلم لا يسمع فيه إلا تأوهات وزفرات وأنين، كأنما هناك مئات من البشر يتوجعون لعذابات أليمة يقاسونها. وبينما هو في اضطراب من هول ذلك الموقف، لا يدري إذا كان ما يراه حقيقة أم حلما، يفتح من على يمينه بابان من الحديد كبيران، تنبعث منهما مجار من الهواء حارة، كأنها صاعدة من الحميم، ترافقها لهب عظيمة تكاد تخطف بصره ثم يغلقان بغتة، ثم يلتفت إلى ورائه فيرى هوة لا قرار لها، تنبعث منها ريح سموم ترافقها أصوات توجع ينفطر لها القلب، وإذا أمعن نظره في قرار تلك الهوة يشاهد الخطاة المتوجعين يقاسون ألوان العذاب، ثم يرى من على يساره بحيرة تغشاها الغيوم، تتطهر فيها الأنفس التي خطاياها لا تستوجب التطهير بالنار أو الهواء.
وبعد تلك المشاهد المرعبة يقاد الطالب إلى الدرجة الثالثة من الامتحانات، فيفتح أمامه باب آخر من الحديد فيدخله وقائده، فيسمع صوتا مرعبا وكلمات كأنها قصف الرعد، فيقف لاستماعها، وإذا هي: «هأنذا أطلع هذا الأجنبي على سر من أسرارنا، فأصغ إلي يا نسل سيلانا، فإني أتلو عليك حقائق مهمة.» ثم يوجه الخطاب إلى الطالب قائلا: «انظر إلى الطبيعة الإلهية، إلى الصمد الأعلى، تأمله بلا انقطاع، اقمع نفسك وطهر قلبك، وإذا مررت في طرق العدالة ومأمن الحق أعجب بمدبر الكائنات، ذلك الفرد الكائن بذاته الذي قد وهب الحياة لكل الأحياء.»
ولما يتم القائل كلامه ينقلب المنظر من الرعب إلى الأمن، فيظهر النور، فيرى الطالب كل ما يستدعي تسكين جأشه، ثم يقاد إلى رجل جالس على مرتفع يراد به رئيس ذلك المجمع، فيلقنه الأسرار وحوله 24 رجلا في لباس أبيض يرتلون التراتيل المقدسة.
مجمع الكبراء
يظهر أن منشأ هذا المجمع قديم العهد جدا، وتعاليمه كانت منتشرة في سائر المدن القديمة كفينيقية والهند ومصر وسوريا واليونان وغيرها، حتى قيل إنها أصل لجميع تعاليم المجامع السرية القديمة في العالم، ولا يجتمعون إلا ليلا.
فالذي يقرون على إدخاله بينهم كانوا يمتحنونه امتحانات شبيهة بالامتحانات المتقدم ذكرها. وكان على الطالب أيضا عند الإقرار على قبوله أن يغتسل أولا بالماء والدم، ثم يقدم ثورا أو كبشا ضحية، ثم يتقدم إلى الامتحانات المرعبة، وبعد ذلك يلقن التعاليم السرية، ثم يعمد بالماء كما يفعل المسيحيون، ويعطى اسما جديدا منقوشا مع علامة أخرى رمزية على حجر أبيض صغير، فيحفظه الطالب كطلسم مقدس وينقله معه إلى حيث توجه؛ إشارة إلى كونه عضوا في ذلك المجمع، فيعرفه سائر الأعضاء في سائر الأنحاء ويعاملونه معاملة الأخ.
وقد كانت تعاليم هذا المجمع منتشرة في سائر مدن سوريا، ولا ريب أن حيرام ملك صور كان أحد كبار الكهنة فيها.
وقد كانت هذه التعاليم معروفة في أيام المسيح في اليهودية؛ ولذلك نرى في رؤيا يوحنا اللاهوتي، الإصحاح الثاني عدد 17، ما يشير إلى شيء من ذلك حيث يقول: «من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس. من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن الخفي، وأهبه حصاة بيضاء منقوشا عليها اسم جديد لا يعرفه أحد غير الذي يأخذه.»
وكانت تعرف هذه الجمعية في ذلك العهد باسم طائفة الأسينيين، وقد ذكرها يوسيفوس مطولا وذكر كثيرا من تعاليمها ومبادئها. ولا نعلم ما الداعي لإغفال السيد المسيح ذكرها مطلقا، مع أنه تكلم كثيرا عن طائفتي الصديقيين والفريسيين المعاصرتين لها.
ومن تعاليم هذه الجمعية ومبادئها الانقطاع عن الملذات، وقمع الشهوات، والتقشف في العيش وكره الغنى، والمساواة في الأرزاق والممتلكات، وأعضاؤها لا يستقرون في سكن، فقد يسكن الواحد في مدن كثيرة. وإذا اجتاز أحدهم من بلد إلى آخر يلاقي حيث توجه من أبناء جمعيته من يكون له أخا مساعدا ونصيرا، ولذلك لا يحملون في أسفارهم شيئا من احتياجاتهم إلا الأسلحة لدفع الأعداء إذا باغتوهم، فأقاموا في كل مدينة من يعتني بمسافريهم ويدبر لهم ما يحتاجون إليه من حاجيات العيش والنقل، وكانوا إذا لبسوا لباسا لا يغيرونه إلا متى فني من الاستعمال. والبيع ممنوع بينهم، فإذا احتاج أحدهم ما بيد الآخر يأخذه منه عفوا. وهم شديدو التورع في الدين إلى ما يفوق التصديق، ففي الصباح لا يذكرون شيئا من حطام هذه الدنيا؛ لأن ذلك رجس في اعتقادهم، لكنهم يتلون من الصلوات ما كانوا تعلموه من أجدادهم، فإذا كان الضحى يذهب كل منهم إلى عمله، فإذا كانت الساعة الخامسة يجتمعون مرتدين بألبسة بيضاء للاغتسال بالماء البارد، وبعد الاغتسال يلتئمون في منتدى خاص بهم لا يسمح لأحد من الخوارج الدخول إليه، فإذا كان العشاء هموا إلى العشاء وتناولوا الطعام بعد أن يباركه أحد كهنتهم.
وكانوا معروفين بالأمانة، ويعتبرون القسم شرا من الجريمة؛ لاعتقادهم أن من لا يركن لقوله بغير قسم يستوجب القصاص.
وهناك مجامع كثيرة كانت تبث تعاليمها ومبادئها سرا على الأساليب المتقدم ذكرها منها.
تعاليم فيثاغورس
الذي عاش في الجيل السادس قبل المسيح. أخذ العلم عن الكهنة المصريين في الجمعية الإيزيسية السرية، ومن سحرة وعلماء الكلدانيين، ومن جمعية الكبراء المتقدم ذكرها في فينيقية، وزار لهذه الغاية أيضا اليهودية وسوريا وكريت وسبارطا والسي وفليوس، ثم عاد إلى وطنه ساموس من أعمال اليونان، ونظم مجمعا لتعليم العلوم والآداب التي اكتسبها في تلك السياحة الطويلة، وجعل طريقة تعليمه على مثال سائر المجامع، وكان على الطالب قبل التقدم إلى الامتحان أن ينقطع عن الكلام من سنتين إلى خمس سنوات. ثم انتقل فيثاغورس إلى كروتونا وجعل يبث تعاليمه هناك، ومنها امتدت إلى أنحاء شتى من العالم، فغيرت فيه ورقته إلى أوج من العمران. ومن العلوم التي كان يعلمها فيثاغورس الرياضيات والموسيقى والفلك والفلسفة واللاهوت وعلم الإنسان.
ومن أمثال ما تقدم:
تعاليم الإسكندينافيين وجمعياتهم السرية
نشأت هذه التعاليم نحو سنة 50 قبل الميلاد في حدود آسيا الغربية، وانتشرت إلى أنحاء أوروبا، فغيرت هيئتها الاجتماعية، وكانت مصدرا لتمدنها بعد ذلك بأجيال.
وكيفية نشوئها أن دولة الروم بعثت جيشا في الجيل الأول قبل الميلاد لمحاربة الملك ميتريداتس الذي لم يبق غيره من ملوك أوروبا على غير دعوة الروم، وكان قد التجأ إلى أحراش سكيثيا والتف حوله كثير من القبائل البدوية؛ ظنا منه أنهم يقوون على نجدته في محاربة الروم، لكنه بعد الامتحان تحقق خيبة الأمل ووقع هو ومن معه في سلطة الروم، فأخذ الروم بعضا من جيش عدوهم يستخدمونهم في قضاء حاجاتهم، وكان في عداد أولئك أحد عظماء الكهنة المدعو أودن «واسمه الحقيقي سيغ»، فكان يكابد من مشاق الذل ما كان يثير منه حب الموت ويكرهه بالحياة، على أنه كان كاظما غيظه صابرا لبلواه، لولا أن قائد الجيش الرومي لم يصفعه مرة، فإنه عند ذلك لم يعد يستطيع الصبر على الذل، فهاجت فيه خواطر حملته على احتمال المخاطر في سبيل الانتقام؛ ففر من خدمة الجيش وهام على وجهه في القفار، ثم جعل ينتقل من أمة إلى أمة يبث تعاليمه بينهم، وكان فصيحا بليغا وحازما حكيما، فانقادت جميع الشعوب إلى تعاليمه، فكبرت أحزابه ولقب حينئذ بأودن، وهو اسم إله التيوتينيين في ذلك العهد، وكان مقامه في مدينة تدعى اسغار بجوار بحر قزيين، ومنها امتدت سطوته إلى أوروبا شمالا وغربا، فأخضع جميع من مر به من الأمم وأقام عليها نوابا من بنيه.
ثم سار إلى إسكندينافيا مارا في سيمبريا، وتدعى الآن هولستين، فأخضعها وأخضع كثيرا غيرها حتى انتشرت سلطته على كل الشمال، فعهد أمور الملك لأولاده بعد أن وضع لهم قوانين جديدة وحور القوانين القديمة، وانقطع هو إلى التعاليم السرية المقدسة، ولم تمض مدة حتى انتشرت هذه التعاليم في سائر أنحاء إسكندينافيا، ودخل في عداد تلامذته جميع عظماء وحكما تلك البلاد، فدخلت تلك الأنحاء في دور جديد من التمدن.
وكان يشترط على الطالب شروط تشبه شروط الجمعيات المتقدم ذكرها، ومتى قبل يلقن العلوم والمعارف على سبيل الاستجواب.
وتفرع عن هذه الجمعية جمعيات أخرى زادتها انتشارا، وكان من ضمن تعاليمها وجوب الوجود وخلود النفس. واشتهر بعض هذه الجمعيات بعدم خوفها من الموت ، فإن أعضاءها كانوا يستقبلونه بترحاب.
جماعة الهرمنداد في إسبانيا
نشأت هذه الجمعية في كستيل وليون سنة 1295 بعد الميلاد، وكانت غايتها التعاون على اتقاء مظالم الحكام في ذلك العهد ومقاومة العسف والعتو، ففازت وانتشرت مبادئها هذه واستنارت البلاد بها، وكانت وثيقة الارتباط بين أعضائها يدافعون بعضهم عن بعض ما استطاعوا، فإذا شكى أحدهم ظلما لا ينفكون عن الظالم حتى يقتصوا منه ضعف ما ارتكب. وعظم شأن هذه الجمعية حتى أيام فرنديناد وإيزابلا من ملوك إسبانيا، فاعتنى الملوك برعايتها، فتحول اهتمامها إلى تنظيم البلاد وحفظ النظام فيها، فكانت أقوى نصير للحكومة.
ومن أمثال هذه الجمعيات السرية القديمة كثير في العالم، ووجودها في مقدمة كل تمدن قديم وحديث دليل على شدة احتياج البشر إليها، فانتشار العلم والفضيلة على طريق الجمعيات السرية أمر طبيعي، والبشر منقادون إليه بالفطرة.
ومن العناية أن هذه الجمعيات تظهر في كل عصر بما يحتاج إليه ذلك العصر من الدين والعلم والصناعة، فارتقاء الهيئة الاجتماعية تابع لارتقائها، وهي دعامة العمران حيث وجد.
ولا نظن أحدا يجادلنا في احتياج البشر لمثل هذه الجمعيات السرية، وفي أن العلم لا ينمو وينتشر إلا بواسطتها، على أننا لا نحتاج إلى شديد عناء في إقناعهم إذا أصروا على الجدال؛ كيف لا وإن من أشهر الأديان الحديثة المتدينة لها أكبر دول الأعصر الأخيرة ما لم ينم وينتشر إلا باتباعه خطة تلكم الجماعات من التعاليم والتبشير سرا، مع الاحتراس والتشديد في انتقاء من رغب الالتحاق بها.
الديانة المسيحية
هذه الديانة المسيحية - ولا نزيدكم علما بشأنها - من هيئتنا الاجتماعية الحاضرة، فإنها لم تتأيد دعوتها إلا بما اتبعته من طرق التعليم السري، فقد كانت في بادئ نشأتها أشبه بإحدى الجمعيات السرية التي سبقتها، ولم تكن تسلم أسرارها إلا لمن يطلبها، ويبرهن على شدة رغبته في الحصول عليها، وعلى صدق نيته بها وطاهر إخلاصه في اكتسابها، بعد أن يتعهد بالقسم أن لا يكاشف بأسرارها غير المستحقين.
وكانت تلك الأسرار مراتب متفاوتة يتدرج فيها الطالب مرتبة بعد أخرى، بموجب قانونها وعلى حسب استحقاقه، بعد تجارب شديدة على مثال ما تقدم في جماعات الأعصر الخالية. ولم يكن لأصحاب المراتب الأولى أن يطلعوا على شيء من أسرار المراتب الأخيرة ولا يعكس، ولم يكن بين جميع المسيحيين من يعرف جميع تعاليم الديانة المسيحية إلا الذين جازوا المراتب كلها، فكانوا يجيزون لمن أرادوا الحضور في مجامعهم العمومية لاستماع شيء من مواعظهم، وكانوا يلقبونهم بالموعوظين، فهؤلاء متى تلي عليهم بعض الصلوات والأعمال مما لا شيء من الأسرار فيه، كتلاوة فصل من الكتاب أو ما شاكل، يناديهم الكاهن أن يخرجوا، ويبقى المسيحيون يتمون الصلاة «ما يسمونه أحيانا بالكلام الجوهري»، وهذا معنى قول الكاهن في معظم كنائس المسيحيين بعد تلاوة فصل من الكتاب المقدس: «اخرجوا أيها الموعوظون، اخرجوا ليس أحد الموعوظين، بل كافة الموعوظين، والبثوا أيها المؤمنون ... إلخ».
ولا يزال أولئك الموعوظون يترددون إلى الكنائس على ما تقدم إلى أن يرتد أحدهم فيطلب الاعتماد، فيجربونه التجارب اللازمة، حتى إذا رأوا منه رغبة وإخلاصا عمدوه ودعوه «مؤمنا». «وللمؤمنين» الحق بالاشتراك في الصلاة الربانية، ولهم وحدهم أن يقولوا «أبانا الذي في السموات» إلخ.
ثم يرتقي المؤمن بالاستحقاق إلى درجة «المستنيرين»، ولهؤلاء الحق في استطلاع أسرار الديانة المسيحية التي عليها مدار تعاليمها، وكانت لها امتيازات أخرى.
ومن هذه المرتبة يرتقي المسيحي إلى مرتبة «الكاملين»، وهم الذين يحق لهم الاشتراك بالعشاء الرباني.
وكان للمسيحيين غير ذلك من الشئون، مما يستدل منه على أن الديانة المسيحية كانت تنشر تعاليمها في بادئ أمرها على مثال الجمعيات السرية، منها: (1)
أن تعاليمها كانت تبلغ سرا بعد إخراج الموعوظين على ما تقدم. (2)
أنها كانت تستعمل في احتفالاتها ملابس بيضاء، ولا سيما عند العمادة. (3)
كانت لها علامات سرية مخصوصة، منها الاسم الجديد الذي يعطونه للمعتمد حديثا منقوشا مع علامة أخرى رمزية على حجر أبيض، كما كان يفعل الأسينيون على ما تقدم. وأشهر علامة استعملها المسيحيون إشارة الصليب، وقد أكثروا من استعمالها حتى أدخلوها في كل أحوالهم، فهم يرسمونها عند التحية، وعند النوم، وعند النهوض من النوم، وعند الدخول إلى الكنيسة وفي الخروج منها، وفي غير ذلك، ومن هذا القبيل قول بعضهم «المسيح قام»، وكانت عبارة التحية بين المسيحيين في الأزمنة السالفة. (4)
أنه كان بين المسيحيين روابط شديدة تربطهم بعضهم ببعض، وقوانين تقضي بوجوب مساعدة أحدهم الآخر بكل ممكن. وقد كان ذلك مشهورا بينهم إلى حد يفوق التصديق، فإذا سافر أحدهم إلى حيث لم يكن يعرف أحدا، لا يلبث أن يصل حتى يرى إخوانا ينتظرون أمره في كل ما يشاء، ولمثل ذلك فتحت الأديرة في البلدان، وطلب من المسيحي أن يتوجه إلى الدير، وفيه من الأقوات والنزل ما يضمن راحته، فضلا عما يلاقي من الاستئناس بمن هو مرتبط بهم بعهود مقدسة. (5)
أن غايتها رفع منار الفضيلة، وترقية شأن الهيئة الاجتماعية. وبالحق إنها قد بلغت مما أرادت شأوا عظيما.
فالديانة المسيحية كانت في بادئ أمرها متخذة سبل الجمعيات السرية في نشر تعاليمها.
النتيجة
فقد تبين أن الطريقة المثلى لنشر العلم والفضيلة إنما هي الجمعيات السرية المنظمة على مثل ما تقدم، فضلا عن أن وجود مثل هذه الجمعيات في الأعصر الخالية في سائر العالم المتمدن دليل على أن ذلك أمر طبيعي في جسم العمران. وقد تقدم عليه من الأمثلة ما يكفي، فلا تعاب الماسونية في اتباعها مثل تلك الخطة.
وإذا تأملت بما مر ذكره من الجمعيات وكيفية نشوئها، وتشابه تعاليمها ومبادئها، وأساليب التعليم فيها، مع علمك بإغفالنا كثيرا من أمثالها؛ يترجح لديك القول بوحدة أصلها أو بتفرعها بعضها من بعض.
فالماسونية إذا لم تكن أحد تلك الفروع، فهي لا شك في أول نشأتها منسوجة على منوالها؛ لأن الذين سعوا إلى تأسيسها واهتموا في نشر تعاليمها لا يخلو أن يكونوا على بينة من تلك التعاليم أو خلوا منها، ولا يتأتى لمن كانوا على الفرض الثاني أن يقدموا على مثل هذا العمل. فالمؤسسون إذن من فئة العلماء، وهم لا يقدمون على ما تقدم إلا وهم على شيء من أمر الجمعيات السرية وقوانينها وأساليب تعليمها، لكي يتهيأ لهم تنظيم مثل هذه الجمعية، فلا يخلو أن يكون هؤلاء أعضاء جمعية أو جمعيات سرية وجدت في العصر الذي أسست فيه تلك الجمعية أو قبله. فالماسونية إذن قد نسجت على منوال الجمعيات السرية القديمة، هذا إذا لم نقل إنها فرع من فروعها، أو استمرار إحداها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
أقسام تاريخ الماسونية العام
يقسم تاريخ الماسونية العامة إلى قسمين: قديم وحديث، أو ماسنوية عملية «أو حقيقية» وماسونية رمزية.
وتاريخ الماسونية القديمة أو الماسونية العملية على طورين:
الطور الأول:
الماسونية العملية المحضة من سنة 715 قبل الميلاد إلى سنة 1000 بعده.
الطور الثاني:
الماسونية المشتركة من سنة 1000 إلى سنة 1717 بعد الميلاد.
وتاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية على طورين:
الطور الأول:
من سنة 1717-1783.
الطور الثاني:
من سنة 1783 ولا يزال.
تاريخ الماسونية القديم
الطور الأول: الماسونية1 العملية المحضة
من سنة 715ق.م-1000ب.م
كانت الماسونية في هذا الطور مقصورة على بناء الأبنية وما شاكلها، ولم يكن يقبل فيها إلا الذين يمارسون صناعة البناء بأنفسهم، ولا بأس إذا كانوا فوق ذلك على شيء من العلوم والآداب والفضيلة. على أنهم كثيرا ما كانوا يمارسون هذه الفضائل رسميا في اجتماعاتهم كما سترى. (1) مهد الماسونية ومؤسسها
إن مهد هذه الجمعية رومية، وأول اجتماع التئم تحت اسم البناية كان في سنة 715ق.م بأمر نوما بومبيليوس وتحت عنايته. وتفصيل ذلك أن رومية بعد موت بانيها «روملس» أصبحت في احتياج لمن يحكم فيها وينظم أحوالها، لا سيما وقد كان فيها من الأحزاب المتناظرة في طلب التبوء ما كان يخشى معه أن تنحط سطوتها، فتذهب فريسة المطامع والانقسام.
وبعد التداول في الأمر أقر السراة ورجال الدولة على أن يختاروا لهم ملكا من غير أبناء ملتهم، وأن يكون صابنيا.
وكان في ذلك العهد في صابنيا «من إيطاليا» رجل من الأشراف يدعى نوما بومبيليوس من الفضل والتقوى على جانب عظيم، وكان محبا للعزلة، كارها لما يسعى إليه الناس حبا بالسلطة والأثرة، عاملا على كبح شهواته، وكانت له زوجة تحب ما يحب وتكره ما يكره، فعاشا ثلاثة عشر عاما في «كورس»، ثم قضت نحبها فأسف نوما عليها كثيرا، فزاد كرها في الدنيا ورغبة في العزلة، فغادر المدينة وألف القفار وأوى إلى الكهوف، جاعلا نصب عينيه ألا ينفك عن التعبد والتقوى وتعديد صفات الآلهة، والتردد على الينابيع المقدسة.
فأقر الرومانيون على انتخابه ليحكم فيهم، فأنفذوا إليه اثنين من سراتهم ليبلغوه ما كان من إجماع الشعب على انتخابه، فقال لهم: «إني ممن يؤثرون هذا القفر على قصور رومية، فضلا عن أن السلطة - ولا سيما على الشعب الروماني - لمن الأمور الصعاب، فقد كان لي أن أعتبر بما صار إليه روملس وأنتم تعتقدون أنه سلالة الآلهة، فكيف بي وأنا رجل لم أعتد سياسة الملك، وربما إذا داهمكم سوء من عدو لا أقوى على دفعه، إنما أنتم في احتياج إلى رجل باسل اعتاد الغارات ودفع النازلات.» فأخذ الرسولان يستنهضان شعائره إلى إنقاذ رومية من نزاع الأمة، وأنه إذا فعل ذلك إنما يفعله إرضاء للآلهة التي اختارته، وما زالا على مثل ذلك حتى أجاب الطلب. فنهض للحال وذبح للآلهة ثم سار إلى المدينة، وذهب توا إلى رابية طاربيس ليستخير الآلهة، فجلس على حجر موليا وجهه الجنوب، وجعل على رأسه غطاء، ورئيس العيافة وراءه جاعلا يده اليمنى فوق رأسه مصليا، فنظر نوما إلى السماء متيمنا، فإذا ببعض الطيور مارة، فتفاءل الجميع واعتبروا ذلك دليلا على استحسان الآلهة ذلك الانتخاب، ثم سار نوما إلى البناء المعد له وأخذ في سياسة الملك وتوطيد الأمن، فوسع المدينة ومد أسوارها.
وكان هذا الملك يعتقد بإله واحد واجب الوجود غير متغير وغير منظور، ولا ريب أنه كان عضوا لإحدى الجمعيات السرية المقدسة في ذلك العهد، لأن مثل هذا الاعتقاد كان معدودا من التعاليم السرية لا يباح به إلا لمن يستحقه على ما مر بك. ويظهر من شدة التقوى والزهد اللذين كان عليهما نوما، أنه كان من المتعمقين في تلك الأسرار، ولعله كان من الكهنة العظام، ومما يؤيد ذلك أنه منع الرومانيين من تمثيل آلهتهم بصورة رجل أو بهيمة، وجعل قرابينهم محصورة في الخبز والعسل والخمر واللبن، ثم شاد المعابد ونظم الكهنة وأكثر من الاحتفالات الدينية، وبنى هيكلا للإله جانس رب الفطنة والتدبير، وأمر أن يغلق هذا الهيكل في أيام السلم ويفتح في زمن الحرب. وحرم الآباء حق التسلط المطلق على أولادهم بعد الإرشاد، واعتنى بأمر الحراثة اعتناء خصوصيا، فأقام لها دواوين خاصة بها، وفرض على الأهالي الاعتناء بها، وكان يعاقب الذين يهملونها.
ومما يهمنا ذكره هنا أنه جعل للصناعة في رومية شأنا مهما، فقسمها إلى حرف وطوائف، وجعل لكل حرفة تمثالا، وأعطى الجميع امتيازات، وسمح لكل طائفة أن تملك عقارا وأن تذخر مداخيلها في صناديقها تنفقها في سبيل احتفالات مقدسة تقيمها في أوقاتها. وكان في جملة تلك الطوائف طائفة البنائين، جعلها جماعات على نظام جماعات الديونيسيين الذين كانوا منتشرين قبل ذلك العهد بأجيال في سوريا ومصر وفارس والهند، وبنى لها مدارس مختصة بها دعاها «مدارس البنائين»، وعهد إليها وحدها بناء الهياكل الدينية، وما تحتاج إليه الدولة من القلاع والأسوار والمحلات العمومية. وجعل لهذه المدارس قوانين خصوصية وامتيازات لم تعط لغيرها، وجعل لها أن تضع شرائع لنفسها، وأن تقيم المعاهدات فيما بينها، وهي معافة من سائر أنواع الضرائب. وجعل على كل فئة من أولئك البنائين رئيسا دعاه «الأستاذ»، وتحته معاونون «منبهون» وكتبة وأمناء الخزنة وأصحاب الختم وغير ذلك. وكان لهم أطباء مخصوصون وخدمة من بينهم، وكانوا يفرقون الأعطيات شهريا، وكان عدد أعضاء كل مدرسة أو جمعية محدودا بحسب القانون ومعظمهم من اليونانيين. وكانوا يحافظون على أسرار صناعتهم وأشغالهم محافظة تامة، ويستعملون الرموز والإشارات، وكانوا يدعون بعضهم بعضا إخوة.
فكانت الدولة إذا أرادت بناء الهياكل أو القلاع أو الأسوار عهدت ذلك إلى جماعة من تلك الجماعات، فترسل من أعضائها فئة فيها من كافة عملة البناء، يقيمونه على أحسن أسلوب من الهندسة والمتانة والجمال. فكانوا إذا انتدبوا إلى بناء الهيكل مثلا، تذهب الفئة المنتدبة لذلك من البنائين، ويبنون لأنفسهم بيوتا من الخشب قريبة من محل البناء يأوون إليها في ساعات الاستراحة، وهناك يلتئمون بصفة رسمية ، يتداولون فيما كان من شغل نهارهم ويوزعون شغل الغد فيما بينهم، ويكرسون من قد سبق الإقرار على قبولهم، وكل ذلك يقرر بأغلبية الآراء.
وكانوا منقسمين إلى ثلاث فرق: (1)
التلامذة. (2)
الرفاق. (3)
الأساتذة.
وهي درجات يرتقي فيها العضو بالاستحقاق، وكانوا يقيمون فيما بينهم العهود الوثيقة المؤيدة بالأيمان أن يساعدوا بعضهم بعضا. أما رؤساء اجتماعاتهم «المحافل»، فكانوا ينتخبون كل خمس سنوات ويلقبون بالأساتذة.
وكان الإخوة البناءون لا يبتدئون في أشغالهم إلا بعد تقديم بعض الفروض الدينية، ونظرا لاختلاف نزعاتهم ومعتقداتهم كثرت أسماء آلهتهم؛ فاتفقوا إذا صلوا أن تكون صلواتهم باسم «مهندس الكون العظيم» إشارة إلى أن هذا الكون بناء عظيم، فخالقه مهندس عظيم.
وكان تكريس الطالبين المختارين في هذه الجماعات مقصورا على تلاوة بعض الفروض الدينية، ثم يبلغونهم واجباتهم ويفسرون لهم بعض الرموز، ويعلمونهم إشارات التعارف بعد القسم على كتمانها. ومثل ذلك في ترقية التلامذة إلى رتبة الرفاق، إلا أن هؤلاء يتعلمون فوق ذلك كيف يستخدمون المربع والفادن.
أما في ترقية الرفاق إلى درجة الأساتذة، فإنهم كانوا يقيمون الاحتفالات المقدسة والامتحانات المرهبة بما يشبه طريقة المصريين القدماء.
وجماعة البنائين على انحصار مهنتهم في البناء، كانوا لا يتركون علما من علوم العصر إلا أتقنوه وبرعوا فيه وعلموه في محافلهم، بحيث إنهم فاقوا سائر الجماعات الأخرى في العلم والفضل، فانتشروا في أنحاء كثيرة من العالم، وكانت لهم كلمات وإشارات يتعارفون بها.
وكان انتشار هذه الجماعات تابعا على الغالب لانتشار سطوة الدولة الرومانية، ولا سيما الفئات التي كانت منوطة ببناء الحصون والاستحكامات والمستشفيات والجسور والترع وما شاكل، وكانت تدعى «أخويات» إحداها «أخوية»، وكانت تستخدم في مثل هذه الأبنية العساكر وفعلة آخرين من غير جمعياتهم، فبلغت هذه الجمعية درجة عظيمة من العلم والأدب وصناعة البناء، وصار لها شأن عظيم عند الدولة الرومانية، وكانت ترافقها حيث حلت منتصرة، فأصبحت دعامة هيئتها الاجتماعية علما وعملا. وما زالت هذه حالتها حتى سقوط الدولة الرومانية وتسلط البرابرة، فانحطت وضعفت سطوتها، وما زالت تحاول النهوض حتى انتشرت الديانة المسيحية في أوروبا، فعادت هذه الجمعية أو الجمعيات إلى رونقها واتسع نطاقها. (2) الماسونية في عهد الدولة الرومانية
ففي سنة 710ق.م عهد نوما بومبيليوس إلى جماعة البنائين بناء سور المدينة، ثم أمر بتتميم بناء هياكل الشمس والقمر وزحل وغيرها من المعبودات. وكان روملس والصابنيون قد شرعوا فيها، فعهد هو إلى البنائين إتمامها، ولما أتموها عهد إليهم بناء هيكل لكل من الفضيلة والأمانة وروملس وجانس، وكان نوما يعتبر هذا الإله على الخصوص، وبنى غير ذلك من الأبنية الهائلة.
وفي أيام أنكس ماركس كثر الشعب الروماني فاتسع نطاق رومية، فعهد إلى البنائين بناء سور آخر خارج الأول، ثم بعد ذلك عهد إليهم بناء مينا بحرية في أوستي لتقوية التجارة، وبناء كثير من المراكب البحرية.
وفي أيام تركوين سنة 610ق.م بنى البناءون هياكل عديدة للآلهة جوبتير ويونون ومنارڤا، وعهد إليهم بناء سور وترعة تحت الأرض.
وفي أيام سرفيوس طوليوس سنة 580ق.م بنوا هيكل ديانا وغيره. وما زالت البنايات تشاد حتى سنة 451؛ إذ وضعت الشرائع الرومانية في 12 لوحا، في اللوح الثامن منها شيء يتعلق بجماعة البنائين.
وفي سنة 390ق.م هدمت بعض بنايات رومية بسبب غارة الغاليين عليها وحرق بعضها، وفي 385 رممت وبنيت معابد وبنايات أخرى.
وفي سنة 285ق.م بعد استيلاء الرومانيين على غاليا سيسالبين انتشرت أخويات البنائين «كذا كان اسمهم»، في أقسام كثيرة من تلك البلاد المفتتحة، أخوية في كل مقاطعة. وكانوا يرافقون الجيوش حيث توجهوا لتمهيد السبل وبناء القلع والحصون والخنادق والجسور والترع، شأن فرق المهندسين في جيوش الأمم الحديثة، فإن هؤلاء يرافقون الجيش في الحروب؛ يقيمون لهم الجسور والسكك الحديدية، ويوصلون خطوط المخابرات من تلغرافات وتلفون وإشارات وغير ذلك. وكان الإخوة البناءون يستخدمون العساكر وغيرهم من الفعلة في إقامة تلك الحاجيات الحربية وغيرها، وكانوا على جانب من الانتظام يرأسهم رؤساء عموميون وخصوصيون، وفيهم أرباب الصنائع والعلوم وحقوقهم وامتيازاتهم محفوظة؛ فانتشر بوساطتهم حب الفضيلة والآداب والصنائع الرومانية في سائر البلاد التي افتتحتها الدولة الرومانية، وكانوا يحملون الأمم المقهورة على استعمال الشرائع الرومانية والتخلق بأخلاق الرومان.
وفي سنة 280ق.م بعد غلبة الرومان على القرطجنيين في البحر، بنوا هيكلا لجانوس وآخر للرجاء.
وفي سنة 275ق.م أتم الرومان فتح معظم البلاد الغالية، وأقاموا فيها أخويات البنائين يرممون ما هدم منها، ويقيمون فيها القلع والأسوار، وبعد يسير استولوا على إسبانيا، فأقاموا فيها أخوية، فأسست مدينة قرطبة سنة 225ق.م.
وفي سنة 220ق.م هاجم هانيبال الرومانيين، فهزموه وأقاموا في رومية تذكارا لانتصارهم معبدا لإله سخري.
وما زال الرومان يقيمون البنايات والمعابد في بلادهم والبلاد المفتتحة إلى سنة 101ق.م بعد انتصارهم على التيوتينيين. وكانت بنايات الإخوة البنائين إلى هذا العهد على النمط الأتروري (نسبة إلى أتروريا من إيطاليا) أي أن يقيموها على بساطتها، وإذا أرادوا تزيينها يجعلون فيها تماثيل وأدوات أخرى مغتنمة من أعدائهم، أما بعد هذا التاريخ فصار فيهم ميل شديد إلى تقليد اليونانيين في مبانيهم، إلى أن تمكن ذلك الميل فأهملوا النمط الروماني.
وفي سنة 79ق.م دمرت مدينة هركولانوم، وهي مدينة قديمة العهد بناها الإخوة البناءون، فذهبت فريسة بركان فيزوف.
ومثل ذلك مدينة بومباي، وهذه لم تكن أقل شهرة من هركولانوم، فإنها ذهبت فريسة زلزلة حصلت في تلك السنة، ثم ردم معظمها من متصعدات فيزوف.
وفي سنة 60ق.م تسلط يوليوس قيصر على جميع غاليا الترنسالبانية، وهي الآن فرنسا وبلجيكا وسويسرا، وذلك بعد حرب عشر سنوات. قال بلوتارخس: إن ثمانمائة مدينة غالية دمرت بسبب هذه الحرب. فعهد يوليوس قيصر إلى جميع أخويات البنائين في سائر الأقطار أن يقيموا تلك المدن بمساعدة عساكره، وأن يجعلوها أتقن مما كانت، وأن يجعلوا فيها الهياكل والمعابد، فأجروا ما أمر به وتتبعوا العمل بعد وفاته بأمر من خلفه، حتى أتوا على إتمام ذلك العمل العظيم؛ فكان لديهم مدن كثيرة صار لها شأن، ولا يزال إلى هذا اليوم، منها مون تريف، والريم، وتور، وبوردو، وليون، وڤينا، وطولوس، وباريس، وغيرها من المدن العظيمة، وقد درس بعضها.
وفي سنة 55ق.م حارب الرومان بريطانيا مرارا وتغلبوا على أهلها، لكنهم لم يتسلطوا عليها، وأخيرا أمر يوليوس قيصر أن تتقدم جيوشه في البلاد البريطانية، وأمر الإخوة البنائين أن يرافقوهم ويبتنوا لهم معسكرا محاطا بسور يجعلون في ساحته خنادق ومعابد وبيوتا، ففعلوا ودعوا ذلك المكان «أبوراكم» وهي الآن «يورك»، وهي عظيمة الأهمية في تاريخ الماسونية.
وبينما كان يوليوس قيصر منشغلا بالفتوحات ويهدم هياكل السلتيين والبروديين سنة 50ق.م كان بومبه منشغلا في رومية ببناء المرسح الشهير المصنوع من الرخام الأبيض، وهو من السعة بحيث إنه يسع ثلاثين ألفا من الناس، فبناه الإخوة البناءون وبنوا كثيرا غيره، ثم لما عاد يوليوس قيصر إلى رومية رمم كثيرا من الهياكل وأمر ببناء هياكل جديدة، منها هيكل لمارس، وآخر لأبولون، وآخر للزهرة، وجميع هذه في إيطاليا الحديثة، ولما أتموا ذلك أنفذ منهم فرقة إلى قرطجنة ليرمموها. وما زالت البنايات والمعابد تقام في رومية وما تحتها في أيام يوليوس قيصر ومن خلفه إلى أول التاريخ المسيحي.
ففي سنة 5ب.م كان في رومية بناءون من اليهود، وكانوا تحت حماية الحكومة، وكان مرخصا لهم إقامة المعابد من أيام يوليوس قيصر، فانضم منهم جانب إلى أخوية البنائين ليتيسر لهم استخدام صناعة البناء في بناء معابدهم، فأدخلوا جانبا من الأسرار اليهودية إلى الأخوية.
وفي سنة 50ب.م أخذت أخوية البنائين في الضعف لما طرأ عليها من تغير الحكام واختلاف مشاربهم، فسلب منها كثير من الامتيازات رويدا رويدا؛ ولذلك نرى أن المباني التي أقيمت في ذلك العهد لم تكن قويمة العماد كالتي بنيت قبلها، ومثل ذلك الانحطاط لوحظ في بنايات اليونان أيضا، والسبب في ذلك أن يوليوس قيصر كان قد أرسل عدة من كبار البنائين في فرق من إخوانهم إلى الأنحاء الكثيرة التي افتتحها، لكي ينشروا فيها روح الفضيلة والآداب وحب العدل والإذعان للحاكم. وبالحقيقة إن تعاليم أولئك البنائين كانت تؤثر في عقول هؤلاء الشعوب تأثيرا يعجز عنه سيف يوليوس قيصر.
وبين الرؤساء الأساتذة الذين قاموا في ذلك العهد كوسوتيوس وكايوس وماركس ستاليوس ومينالبوس وسيروس وكلوتيوس وكريسيب وغيرهم، وكان بينهم آخرون امتازوا بأنهم كتبوا شيئا عن علم البناء لكي ينشر على الإخوة البنائين الذين كانوا بعيدين من المدارس المركزية، وهؤلاء المؤلفون هم ڤيترڤيوس يوليو، وڤولڤوتيوس، وفارون، وبوبليوس، وسبتموس.
وفي سنة 54ب.م أحرق نيرون الملك عاصمته، ثم أمر ببناء سرايته المعروفة بقصر الذهب. وفي أيام كلوديوس اتسعت رومية.
وفي سنة 90ب.م بنى البناءون في بريطانيا بأمر القائد إغريقولا استحكامات في خليجي فورث وكليد.
وفي سنة 120ب.م في حكم أوديان كثر بناء الهياكل في رومية، ثم إن هذا الملك الهمام طاف في سائر بلاده الشاسعة الأطراف، وبعد عوده أنفذ فرقة من الإخوة البنائين إلى بريطانيا لتبني سورا كبيرا ممتدا من «تين» إلى خليج «سلوي»، قاطعا جميع بريطانيا من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي؛ وقاية للمستعمرات العسكرية من هجمات الاسكوتلانديين المستمرة. وأنفذ فرقة إلى إسبانيا لإتمام الهياكل التي كان شرع في بنائها أوغسطوس، وأقام هياكل كثيرة في أفريقيا ولا سيما في جزائر الغرب وتونس، ولم تحرم آسيا أيضا من مثل تلك البنايات. إلا أن اليونان أحرزت القسم الأكبر من الاعتناء في أمر البناء، فأقيمت فيها هياكل لجوبتير وبانهلينيان وبانثيون، والأول من هذه الهياكل قائم على 122 عمودا.
ولما سقطت الجمهورية الرومانية سنة 130ب.م سقطت معها جميع الجماعات العلمية والصناعية، التي كان أقامها نوما بومبيليوس وخسرت كل امتيازاتها، إلا أن أخوية البنائين نظرا لحب أولي الأمر للمجد والفخر وداعيات الترف أبقوا لها امتيازاتها كما كانت تقريبا؛ كل ذلك لينشطوا صناعة البناء، فيبني لهم البناءون القصور والهياكل والتماثيل الهائلة لتحفظ ذكرهم إلى الأجيال الآتية بعدهم.
وفي سنة 140ب.م أنفذ أنطونين جماعة من البنائين إلى بريطانيا لتبني سورا منيعا؛ وقاية من الاسكوتلانديين الذين لم ينفكوا عن مهاجمة مستعمرات الرومان. ونظرا لعظم ذلك المشروع احتاج البناءون إلى استخدام الوطنيين في بنائه، فأدخلوا في أخويتهم عددا من رجالهم.
ومن آثار الإخوة البنائين التي أقيمت بأمر أنطونين قلعة بعلبك الشهيرة، فإنها في الأصل هيكلان أقامهما هذا الملك لعبادة الشمس، وكيفية ذلك أن جماعة من الإخوة البنائين - وهم من بقايا جماعات رومية - هاجروا إلى تلك الأصقاع في أيام اضطهاد نيرون ودميسيان وتراجان للديانة المسيحية، وكانوا في جملة من تابعها، فغادروا رومية طلبا للنجاة، ثم لما جاء على الأحكام من رفع الاضطهاد عنهم عادوا إلى بلادهم. (3) انتصار الماسونية للديانة المسيحية وما قاسته في سبيل ذلك
وفي سنة 166 اعتنق الديانة المسيحية كثير من الإخوة البنائين في رومية وجاهروا بالانتصار لها، فشق ذلك على الإمبراطور مارك أورال، فاقتفى آثار أسلافه فأعاد الاضطهاد وشدد النكير، فهاجر كثيرون من غاليا وغيرها والتجئوا إلى بريطانيا حيث لاقاهم هناك إخوانهم وأكرموا مثواهم.
أما البناءون المتنصرون في رومية فكانوا يأوون الكهوف والمقابر فرارا مما كان يتهددهم من المخاوف والاضطهادات، فنجوا من الإعدام الذي كان محكوما عليهم به، ولم تمض عليهم عشر سنوات من الاضطهاد تحت حكم مارك أورال حتى جعلوا المدافن التي كانوا يأوون إليها هياكل بديعة الصنعة مزينة بأنواع النقوش، وأقاموا مذابحها على قبور الذين استشهدوا منهم في سبيل الدين. ثم زاد عدد الشهداء حتى إنهم كانوا يبنون فوق مدافنهم الكنائس العظيمة، وبالغ البناءون في الانتصار للديانة المسيحية حتى إنهم نسوا ذواتهم ومالهم في سبيلها، فكانوا يعرضون بأرواحهم للقتل والاضطهاد الذي كان يتزايد يوما فيوما، كل ذلك انتصارا لما كانوا يعتقدون فيه الصواب والحق.
ولا نظنهم كانوا يفعلون ذلك إلا رغبة في نصرة الحق ونشر المبادئ الصحيحة؛ تخلصا من عبادة الأوثان المزعجة التي كانت سائدة في ذلك العهد. وسترى أنهم تابعوا سيرهم في هذا السبيل، بحيث إنه لم يعد لدينا ما يمنع قولنا إنهم كانوا أقوى وسيلة لنشر الديانة المسيحية في تلك الأعصر المظلمة.
وفي عهد الإمبراطور طيت سنة 180ب.م استؤنف الاضطهاد، وبالغ هذا الإمبراطور في ذلك حتى أباح دماء كل من عرف عنه الانتماء أو الانتصار لتلك الديانة، فأقام في البنائين القتل والأسر، ولم ينج منهم إلا الذين أتيح لهم الفرار إلى المشرق، فانحطت صناعة البناء في رومية.
وفي عهد الإمبراطور إسكندر سافار سنة 193 عادت تلك الصناعة إلى شيء من الظهور؛ لأن ذلك الإمبراطور كان منشطا لها، وكان يدافع عن المسيحيين سرا، فرمم عدة هياكل قديمة كانت على وشك الدمار، وكان في نيته إقامة معبد للمسيح، لكنه أوقف عن عزمه بدعوى الشعب أنه إذا فعل ذلك إنما يكون ساعيا إلى خراب سائر الهياكل.
وفي سنة 200ب.م سعى هذا الإمبراطور إلى بناء سور جديد في بريطانيا شمالي السور القديم حماية لأملاكه فيها، غير أن البنائين الرومانيين لم يكونوا كفئا لإتمام ذلك نظرا لقلة عددهم، فاضطروا إلى التسليم بإنشاء أخوية بريطانية من أبناء تلك البلاد، وأن يجعلوا لهم امتيازات وحقوقا كالتي كانت لهم في سالف الزمن.
وفي عهد الإمبراطورين ديسيوس وفايريوس عاد الاضطهاد على المسيحيين، فعادت صناعة البناء إلى الخمول؛ لأن البنائين كانوا يلتجئون إلى غاليا وبريطانيا، حيث كان الاضطهاد أخف وطأة عليهم. على أنهم لم يروا بدا من العود إلى الكهوف والمقابر اختفاء من وجه المضطهدين.
وفي سنة 260ب.م أنشأ البناءون فروعا لجمعياتهم دعوها بجمعيات الفنون تلبسا لدعواهم، لكي يمكنهم الظهور وممارسة الصناعة، ولا يزال مثل هذه الجمعيات في أوروبا يعرف بجمعيات الصنائع والفنون.
وفي سنة 270ب.م قام البناءون المسيحيون في غاليا وبريطانيا وكرسوا أنفسهم لبناء الكنائس، فأقاموا عددا منها في أماكن مختلفة من غاليا.
وفي سنة 275م بنى الإخوة البناءون بأمر الإمبراطور أورليان هيكلي هليوس وبالمير (تدمر)، وهما مشهوران بعظمهما وإتقانهما؛ لأن أكبرهما قائم على 464 عمودا، بينها من العمد ما هو مصنوع من قطعة واحدة من الرخام، ومجمل العمد التي أقيم عليها الهيكلان وما يلحقهما من الرواقات وغيرها 1450 عمودا. وكان الإمبراطور أورليان صارفا جهده في تنشيط البناية في رومية، وكان من جملة البنائين المشهورين في أيامه كليوداماس وأثيناكوس تلميذا مدارس البناء في بيزانس «القسطنطينية».
وفي سنة 280م استدعى الإمبراطور ديوقليتوس فئة من مشاهير البنائين البريطانيين لإقامة الأبنية في غاليا.
ولما استولى كاروسيوس قائد العمارة الرومانية على بريطانيا في سنة 287، وسمي إمبراطورا عليها، أقر لأخوية البنائين في محل إقامته «سان البان» جميع الامتيازات القديمة الممنوحة لهم من نوما بومبيليوس، ودعاهم من ذلك الحين البنائين الأحرار «فريماسون»، ويزالون يعرفون بهذا الاسم إلى هذه الغاية.
فأزهرت الماسونية في عهد ذلك الملك، إلا أن ألبانوس رئيسها الأكبر في ذلك العهد كان مرتدا، فقادته منيته إلى أن يعظ الإمبراطور كاروسيوس ويرشده إلى الدين المسيحي، فاغتاظ منه وأمر بقطع رأسه، فكان هذا الرئيس الأعظم أول شهداء الماسونية في بريطانيا في سنة 293.
وكانت مدينة يورك من أعمال بريطانيا مرجع المهرة من البنائين، ففي سنة 296 اختارها كونستانس نائب الإمبراطور محطا لرحاله، فجاء بريطانيا ليتملكها بعد وفاة كاروسيوس الذي ذهب فريسة في يد أشد نصرائه. وكان في رومية في سنة 300 خمسمائة هيكل وكثير من الجسور والمراسح والترع والمسلات والتماثيل وغيرها، وكلها من صنع جماعات البنائين.
وفي سنة 303 شدد الإمبراطور ديوقليتوس الروماني وطأة الاضطهاد على المسيحيين كما هو مشهور عنه، وأهرق منهم دماء غزيرة في جميع مملكته، حتى إن مسيحيي بريطانيا الذين كانوا غالبا من أخوية البنائين لم ينجوا من ذلك الاضطهاد، فهاجروا إلى اسكوتلاندا وجزائر أركاديا، ونقلوا معهم الديانة المسيحية وصناعة البناء.
أما بناءو رومية فهاجروا إلى المشرق، والتجئوا إلى المغر والمدافن، وهلك منهم عدد غفير.
الماسونية في القسطنطينية والنمط القسطنطيني
وما زال المسيحيون أو بالحري البناءون في مثل هذا الاضطهاد حتى أيام قسطنطين الأكبر، الذي أمر باتباع هذه الديانة في كل مملكته على الأسلوب الذي رتبه مجمع نيقيا سنة 325، فعاد البناءون إلى بلادهم، وانتشرت تعاليمهم في سائر العالم، ولا سيما في رومية، حيث أقاموا الكنائس العظيمة بأمر قسطنطين المذكور، وأول كنيسة أقيمت سنة 323 كانت في لاتران، ثم بنوا كثيرا غيرها على بقايا الهياكل الوثنية القديمة، من جملتها كنيسة القديس بولس التي أقيمت في الفاتيكان على شكل الصليب.
وفي سنة 330 جعل قسطنطين الأكبر بيزانس سريرا لملكه ودعاها القسطنطينية نسبة إليه، وجمع إليها البنائين ليقيموا معاقلها وحصونها ومعابدها، وأول كنيسة أقيمت فيها كنيسة القديسة صوفيا الشهيرة، ابتدأ في بنائها سنة 326، ثم بنى كثيرا غيرها، وجعل في القسطنطينية مدرسة للبنائين يعلم فيها البناء على النمط الروماني ممزوجا بالنمط العربي، فتولد منهما النمط القسطنطيني، وما زال هذا متبعا إلى الجيل الثامن.
وشغف قسطنطين بعاصمته الجديدة، فنقل إليها جميع ثروات رومية وأثينا ورودس وشيوس وقبرص وسيسيليا، فازدهت وعظمت وطار صيتها.
أما الماسونيون الذين هاجروا إلى سوريا وفلسطين أيام الاضطهاد، فلبثوا فيهما إلى أيام قسطنطين، ولما تولى هذا - وكان من انتصاره للديانة المسيحية ما كان - استخدمهم في بناء الكنائس في تلك الأنحاء، وأول ما أقيم منها كان في أورشليم وبيت لحم، ثم أمر ببناء القبر المقدس في أورشليم وكنائس أخرى في أنطاكية وغيرها.
وانتشرت جمعيات الإخوة البنائين إذ ذاك في الشرق، فملأت سوريا وفلسطين، وبلغت شبه جزيرة العرب إلى ما وراء أملاك الدولة الرومانية.
وكانت هذه الجمعيات تعظم في القسطنطينية أيضا، حتى لم تأت سنة 340 إلا وفي تلك العاصمة 23 كنيسة من صنعها.
انحطاط الدولة الرومانية وتبعثر الماسونية
وكان شأنها مثل ذلك في غاليا تحت حكم الإمبراطور جوليان سنة 360، إلا أنها لم تأت سنة 380 حتى تشتت شملها لما قاست المملكة الرومانية من غزوات الجرمانيين والسكسونيين، ثم غزوات الألينيين وغيرهم، فانحطت الصناعة ولا سيما البناء، فالتجأ البناءون إلى الأديرة، فدخل في أسرارهم الكهنة وتمكنوا فيها عمليا ونظريا.
وفي سنة 410 لم ينفك السكسونيون والبيكت عن سلب راحة الرومانيين في بريطانيا، فهدموا أسوارهم وحصونهم، وما زالوا حتى قهروهم سنة 411، وقال آخرون سنة 426، فاضطر الإخوة البناءون - وكانوا عددا يسيرا من الوطنيين - أن يلتجئوا إلى غاليا واسكوتلاندا، ولكنهم لم ينفكوا حيث أقاموا عن بث مبادئهم ونشر الديانة المسيحية، مع المحافظة على طقوس محافلهم المؤسسة قديما.
ثم إن غزوات الشعوب المدعوين بربرا ما زالت تتوالى على المملكة الرومانية حتى سنة 476، إذ جاءوا على تدميرها وإحراق معابدها، فأصبحت الماسونية لا نصير لها، فهاجر أعضاؤها إلى أنحاء المشرق واليونان ومصر، وقطن قسم عظيم منهم في سوريا.
نهضة الماسونية وانتشارها
وفي سنة 500 قام بعض من بقي في رومية من البنائين وجددوا همتهم، فأنشئوا اجتماعات ونظموا حالتهم، ثم اقتدى بهم من كان في غاليا وأخذوا في تدمير الهياكل الوثنية وبناء الهياكل المسيحية، وكانوا متمتعين بجميع امتيازاتهم القديمة.
وأما الماسونيون الذين أقاموا في سوريا فعظم أمرهم، وشادوا البنايات العظيمة، واتسع صيتهم فبلغ مسامع العائلة الساسانية في فارس، فانتدبت فئة منهم لبناء المعاقل والمعابد والتماثيل على نمط جديد ناتج عن امتزاج النمط الرومانية واليونانية والبيزانتية ، وذلك سنة 530.
وفي سنة 550 أمر الإمبراطور جوستنيان الأول في القسطنطينية فئة من البنائين الأحرار أن يرمموا كنيسة القديسة صوفيا على إثر حريق هد أركانها.
وقد تحولت هذه الكنيسة الآن - بعد أن عرفت بكنيسة أجيا وصوفيا - إلى جامع إسلامي ملوكي، وهو بالحقيقة من أعظم بنايات ذلك العصر.
ومن القسطنطينية انتشرت جماعة البنائين إذ ذاك إلى سائر أنحاء إيطاليا وسردينيا وسيسيليا وجانب من أفريقيا، فشادوا فيها المعابد المسيحية على مثال كنيسة أجيا وصوفيا، وبثوا مبادئ هذه الديانة بين الشعب، غير أن هذه المباني ذهبت جميعها ضياعا في أيام الملوك الإيكونوكلاستيين سنة 726.
وفي سنة 557 جاء إنكلترا القسيس أوستين وكان ماسونيا، ومن غرضه التبشير بالمسيحية في تلك الأصقاع، فترأس على جماعة الماسون هناك واتحدوا معا على العمل على نشر تعاليمهم المقدسة، فانتعشت تلك الجمعية في إنكلترا.
ولم تأت سنة 580 حتى نهض الماسون من غفلتهم في بريطانيا، إلا أنهم لم يكونوا عددا كافيا لبناء جميع البنايات التي اقتضتها حالة البلاد من انتشار الديانة المسيحية بينهم، فكانوا إذا ساروا إلى رومية لاستحضار مواد البناء، يأتون معهم بمن يريد المجيء من البنائين والمصورين والنقاشين ومن شاكلهم من ذوي الصناعات.
وفي سنة 602 تأسست كنيستا كنتربري وروشستر المشهورتان في إنكلترا، وبعد ذلك بسنتين تأسست كنيسة القديس بولس في لندرا، وهي من أعظم كنائس تلك العاصمة، ولا تزال مقصودة من المتفرجين إلى هذا اليوم، وكل من شاهدها يعجب لهول بنائها وإتقانه. وقد أتيح لي زيارتها منذ يسير، فرأيت فيها من دقة الصنع والارتفاع واتساع قاعة الصلاة ما هو جدير بالالتفات، والقوم هناك يصعدون إلى قبتها للتفرج على العاصمة، حيث يراها الناظر دفعة واحدة لأنها من أرفع مبانيها. أما قاعة الصلاة فقد قدرت ما فيها من الكراسي والمقاعد، وما يمكن أن تسعه فوق ذلك، فرأيت أنها يمكن أن تسع عشرة آلاف شخص دفعة واحدة جلوسا بغير ازدحام.
وفي سنة 610 توفي أوستين وكان مفتشا عاما للبنائين الأحرار، ثم عرف بعد ذلك على ما يظن بالقديس أوغسطين.
الماسونية تحت رئاسة الأكليروس
وفي سنة 620 زاد اهتمام الجماعات الماسونية في الأمور الدينية، وكانوا يلقبون بألقاب مختلفة حسب الأماكن التي يقيمون فيها؛ فكانوا يعرفون في إيطاليا مثلا بمدارس المهندسين أو البنائين أو الأخوية الماسونية، وكانوا يعرفون في غاليا باسم الإخوة الماسونيين، أو الإخوة الأحبار، أو الجمعيات الحرة، وفي بريطانيا كانوا يلقبون بالماسون الأحرار إشارة إلى الامتيازات التي أعطيت لهم. وكانت جميع هذه الجماعات يدا واحدة في بث المبادئ الدينية والأدبية، وكانوا يجتمعون في الأديرة يرأسهم في محافلهم رؤساء روحيون، نعني بهم الأكليروس، ومن ذلك الحين أضيف إلى اسم رئيس المحفل كلمة «محترم»، وهو لقب أكليركي كما لا يخفى، ولا يزال الماسون إلى هذا العهد يدعون الأخ الذي يترأس على المحفل الماسوني «الأخ المحترم»، فكانت الأديرة مأوى الماسونيين في حال اضطراب البلاد على إثر ثورة أو حرب أو اضطهاد، وكان ينضم إليهم كثير من القسس والأحبار. واشتهر بينهم كثيرون عرفوا بعد ذلك بألقاب القداسة، ولا تزال تقدم لهم شعائر العبادة إلى يومنا هذا. وأما العالميون من الإخوة فكانوا يشتغلون ببناء المعابد.
وفي سنة 680 كان الماسون الأحرار في بريطانيا بعد وفاة أوستين لا يزالون بغير رئيس، فاهتم بذلك ملك موريس وكان من أعظم نصراء الماسونية، فأقام لهم الأب ويرال مفتشا عاما. (4) الماسون في عهد الخلفاء
أما فئات الماسون الذين جاءوا المشرق، وكان منهم جماعة في القسطنطينية، فإنهم اكتسبوا شهرة عظيمة، وكان يدعوهم الملوك من أنحاء فارس وبلاد العرب وسوريا لبناء المعاقل والمعابد. من ذلك أن الخليفة الوليد بن عبد الملك استعملهم سنة 88 للهجرة في بناء المساجد في المدينة ودمشق وأورشليم، وقد ذكر مؤرخو العرب ما يشير إلى شيء من ذلك؛ فقد ورد في تاريخ العلامة ابن خلدون قوله يصف بناء مسجد المدينة في إمارة عمر بن عبد العزيز: «ثم كتب إليه (إلى عمر بن عبد العزيز) سنة ثمان أن يدخل حجر أمهات المؤمنين في المسجد، ويشتري ما في نواحيه حتى يجعله مائتي ذراع في مثلها وقدم القبلة، ومن أبي أن يعطيك ملكه فقومه قيمة عدل وادفع إليه الثمن واهدم عليه الملك، ولك في عمر وعثمان أسوة. فأعطاه أهل الأملاك ما أحب منها بأثمانها، وبعث الوليد إلى ملك الروم (في القسطنطينية) أنه يريد بناء المسجد، فبعث إليه ملك الروم بمائة ألف مثقال من الذهب ومائة من الفعلة، وأربعين حملا من الفسيفساء، وبعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز، واستكثر معهم من فعلة الشام، وشرع عمر في عمارته.» ا.ه.
2
ومثل ذلك فعل عند بناء مسجدي الشام وأورشليم.
3
وما زالت جمعيات الإخوة البنائين الأحرار تتسع نطاقا في اسكوتلاندا وغاليا حتى نهاية الجيل السابع وبداية الثامن، إلى أيام الفتوحات الإسلامية سنة 718، فانحطت وضعفت شوكتها. حتى إذا جاءت أيام الخلفاء العباسيين وبنيت بغداد، فازدهت تلك العاصمة وصارت إليها الصناعة برمتها، ولا سيما صناعة البناء، وكأن الماسونية انتقلت في ذلك القرن من أوروبا إلى آسيا على إثر التمدن الإسلامي، وأصبحت جماعات البنائين على جانب من الكثرة والصولة في سوريا والعراق وبلاد العرب، فانتظم في سلكها كثير من العلماء والفقهاء والأمراء. ويستدل على شيء من ذلك مما ورد في كتب التاريخ عن كيفية بناء مدينة بغداد؛ فقد جاء في تاريخ ابن الأثير عند تكلمه عن بناء بغداد ما نصه: «وكتب «المنصور» إلى الشام والجبل والكوفة وواسط والبصرة في معنى إنفاذ الصناع والفعلة، وأمر باختيار قوم من ذوي الفضل والعدالة والفقه، وأمر باختيار قوم من ذوي الفضل والعدالة والفقه، وأمر باختيار قوم من ذوي الأمانة والمعرفة بالهندسة، فكان ممن أحضر لذلك الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة، وأمر فخطت المدينة وحفر الأساس وضرب اللبن وطبخ الآجر.» إلى أن قال: «ووكل عليها أربعة من القواد، كل قائد بربع، ووكل أبا حنيفة بعدد الآجر واللبن.»
وقد تقدم فيما مر أن من عادة الإخوة البنائين إذا تألفوا على بناء بلدة أو سور أو ما شاكل، يجعلون منازلهم من الخشب بجوار ذلك البناء، يقيمون فيها للطعام والرقاد وللاجتماعات السرية لتبليغ الإعلامات ومحاسبة العملة وغير ذلك، وكانوا لا يسمحون لأحد من الخوارج أن يطرقهم أو يطلع على أعمالهم، ولا يزالون كذلك حتى يتم البناء، فينصرفون عنه بعد أن ينال كل منهم حقوقه.
فمن مراجعة كيفية بناء مدينة بغداد يستنتج شيء يدل على ما نحن بصدده، وإن يكن بعبارة غير صريحة، من ذلك ما قاله ابن الأثير أيضا ونصه: «وكانت الأسواق في المدينة (بغداد)، فجاء رسول لملك الروم، فأمر الربيع فطاف به في المدينة، فقال: كيف رأيتها؟ قال: رأيت بناء حسنا، إلا أني رأيت أعداءك معك، وهم السوقة. فلما عاد الرسول عنه أمر بإخراجهم إلى ناحية الكوخ، وقيل إنما أخرجهم لأن العرباء يطرقونها ويبيتون فيها، وربما كان فيهم الجاسوس ...» إلى أن قال: «وكان الأستاذ من البنائين يعمل يومه بقيراط فضة والروزكاري بحبتين.»
فما معنى قوله «الروزكاري»؟ قد قلبت كثيرا من القواميس العربية فلم أعثر على هذه الكلمة، ولم أفهم معناها إلا ما يؤخذ من القرينة، فهي إذن كلمة أعجمية، وقد وجدت في المعجمات الفارسية كلمة «روزكار»، ومعناها «الروزكاري» الدنيا أو الزمان أو العالم أو البخت. فإذا كانت نسبة إلى هذه يكون معناها «العالمي» أو «الزماني»، وهو لقب يقصد به «عامة الناس غير الكهنة»، ولا يزال هذا استعماله إلى هذا العهد. فاستعمال هذه الكلمة في معرض التكلم عن البنائين يستفاد منها عامة الناس الذين هم غير الإخوة البنائين. والماسون إلى هذا اليوم يدعون من هو ليس من جمعيتهم بالخارجي أو الأجنبي، وهو يشبه التعبير المتقدم ذكره.
4
فيستنتج من كل ما تقدم أن البنائين الذين بنوا مدينة بغداد كانوا من الإخوة البنائين الأحرار، الذين كانوا منتشرين إذ ذاك في أقاصي المشرق على ما تقدم.
وفي سنة 775 انتقلت صناعة البناء إلى إسبانيا «الأندلس»، وهي إذ ذاك في حكم المسلمين، وكيفية ذلك أن عبد الرحمن الأول لما افتتح قرطبة وجعلها مقاما له أرسل إلى الأمصار الشرقية، ولا سيما بغداد، يطلب منها البنائين لبناء هذه المدينة، فأقام فيها البنايات الشاهقة بين جوامع ومساجد وحصون وما شاكل على شكل البناء القسطنطيني، وأنشأ فيها مدارس للبنائين مع المحافظة على ما لهم من الحقوق والامتيازات. واشتهرت بعد ذلك قرطبة بالعلم والصناعة على العموم، ولا سيما صناعة البناء، وكان الطالبون يقدمون إليها من سائر أنحاء العالم لاكتساب العلوم والصنائع. (5) الماسونية في فرنسا
وفي أيام شارلمان ملك فرنسا الشهير سنة 780 انتشرت الماسونية في فرنسا انتشارا حسنا؛ لأنه كان منشطا للعلم والصناعة والفضيلة، كما هو مشهور عنه، وكان البناءون الأحرار يدعون في أيامه «ناحتي الحجارة». ورمموا كثيرا من الهياكل والتماثيل التي هدمت بسبب هجمات قبائل الدانوا. (6) الماسونية في بريطانيا
وفي سنة 875 في أيام ألفريد الأكبر أشهر ملوك السكسونيين أزهرت الصناعة، ولا سيما البناية، فإنها بلغت شأوا عظيما، فتآلف البناءون على إقامة البنايات التي تقادم عهدها والتي دمرتها يد العدو.
وفي سنة 900 أوصى إدوار ملك السكسونيين بعد ألفريد أن يكون الملك بعده لأخيه اثلوارد وصهره اثرد، وكانا عارفين بصناعة البناء، وهما من الإخوة البنائين الأحرار، بل من رؤسائهم.
فلم تأت سنة 925 حتى إنه لم يعد هناك مدينة واحدة من المدن التي تستحق الذكر في إنكلترا لم تقم فيها مدرسة بنائية حرة. إلا أن الحظ لم يتم لما كان يحصل من الانقسامات المتواصلة؛ مما أوجب الخصام وإشهار السلاح وإقامة الحروب الأهلية.
ومما قاسته الماسونية وخسرته إلى ذلك العهد أوراقها الكثيرة التي كانت محفوظة في مكاتبها، مدونة في لغات شتى من لغات العالم، فإنها فقدتها جميعها حرقا أثناء الحروب مع الدانوا. وكان في جملة أعضاء الماسونية أولستون حفيد ألفريد الأكبر، ولما تولى هذا زمام الملك تعمق في أسرارها وارتقى في درجاتها، وقد فعل مثل ذلك بابنه إدون، فإنه رقاه في أسرارها حتى انتخب أخيرا أستاذا أعظم لها.
ولهذا الرجل «إدون» شأن عظيم في تاريخ الماسونية؛ لأنه جمع إليه في يورك جميع الأوراق التي كانت باقية إلى ذلك العهد مما يتعلق بالماسونية، وجمع إليه رؤساء المحافل من أنحاء العالم بالنيابة عن محافلهم، لكي يستخلصوا مما لديهم من الأوراق والمعلومات قانونا للماسونية يجمع شتاتها ويوحد كلمتها.
فاجتمع ذلك المؤتمر سنة 926 تحت رئاسة إدون هذا، وكتبوا لائحة مبنية على ما كان لديهم من الأوراق الماسونية، وأصبحت مدينة يورك في «إنكلترا» من ذلك الحين مركز العالم الماسوني الحر ومرجع المحافل عموما. وقد دعيت اللائحة التي وضعها ذلك المؤتمر «لائحة يورك»، وثبتها بعد ذلك الملك هنري السادس، ولا تزال تعرف إلى الآن بهذا الاسم. وهاك نص المواد الأساسية لتلك اللائحة:
لائحة يورك (1)
أول واجباتك أن تخلص في احترام الله واتباع شرائع نوح
5
لأنها الشرائع الإلهية التي يجب أن يتبعها كل البشر، وبناء عليه يجب أن تجتنب التعاليم الفاسدة، فلا تكون لك معثرة في طريق الله. (2)
كن مخلصا لسلطانك وأذعن لأوامر حكامك حيثما وجدت. لا تأت خيانة وإذا علمت بمن نواها أعلن القضاء به. (3)
كن نافعا لكل الذين هم حولك، واشدد معهم عرى المحبة والإخلاص والأمانة، بقطع النظر عن معتقداتهم الدينية. (4)
كن مخلصا على الخصوص لأخيك الماسوني وعلمه وساعده في صناعته، ولا تسع إلى ضره، بل عامله بما تريد أنت أن يعاملك الآخرون. وإذا رأيت من أخيك عوجا انصحه، وإذا نصحك أصغ إليه واستفد من مشوراته. (5)
واظب على حضور اجتماعات المحافل، وساعد في البحث في أشغال إخوانك. واكتم الأسرار عمن هم ليسوا من الإخوان الماسونيين. (6)
الأمانة واجبة على كل أخ؛ إذ بدونها وبدون الاستقامة لا تقوم الإخوة، ولأن الصيت الحسن خير العقار الخصب؛ فيجب عليك أن تلاحظ مصالح أستاذك الذي تخدمه بكل ثبات، وأن تنجز ما يعهد إليك من الشغل بكل ذمة وشرف. (7)
أوف ما عليك وبالإجمال لا تأت أمرا يحط من قدر العشيرة الماسونية. (8)
يلزم ألا يعهد شغل لأستاذ ما لم يكن كفئا لإتمامه، وإلا فإن العار عائد على عموم العشيرة. وعلى الأساتذة أن يطلبوا أجورا معتدلة، وتكون كافية للقيام باحتياجاتهم وبما يدفعونه للرفقاء. (9)
لا يجوز لأحد أن يسعى إلى اختلاس الشغل من يد آخر، بل يجب أن يتركه في شغله، إلا إذا لم يكن كفئا للقيام به حق القيام. (10)
لا يجوز لأستاذ من الأساتذة أن يقبل طالبا أجنبيا إلا لمدة سبع سنوات، وألا يدخله في أسرار الماسونية إلا بعد صرف هذه المدة، وبعد مشورة ومصادقة سائر الإخوان. (11)
لا يجوز للأستاذ أو الرفيق أن يقبل عوضا في قبول أحد في الماسونية، إذا لم يكن الطالب حر الولادة وحسن السيرة، ذا أعضاء سليمة وأهلية حسنة. (12)
لا يجوز للماسوني أن يعنف أخاه في شغله، إلا إذا كان أرفع منه في مراتب الماسونية. (13)
إذا عنف المهندس (رئيس المحفل) أحد الأساتذة، أو عنف الأستاذ أحد الرفقاء، فعلى المعنف أن يصغي لما يقال له ويصلح خطأه، ويسير على ما رسم له. (14)
على الماسون عموما أن يذعنوا لرؤسائهم وينفذوا كل ما يأمرونهم به بكل نشاط وغيرة. (15)
وعلى الماسون أن يترحبوا بالرفاق الذين يأتون إليهم من بلاد بعيدة، بعد أن يعطوهم الإشارة الماسونية، وأن يهتموا بمصالحهم، وأن يساعدوا جميع الإخوان عندما يعلمون باحتياجهم إلى المساعدة إذا كانوا على مسافة ربع ساعة. (16)
لا ينبغي لأحد الإخوة الماسون أن يسمح بدخول أحد إلى المحفل، إذا لم يتأكد كونه ماسونيا؛ لكي لا يطلع على صناعة النحت والمربعات والفادن.
هذا وللإخوة البنائين الحق في إضافة ما يجدونه مناسبا من القوانين بإقرار رؤساء المحافل، لكي يكون جميع الإخوان مشتركين بها على السواء.
انتشار الماسونية من إنكلترا إلى العالم
ومن إنكلترا أخذت تنتشر الأخويات الماسونية إلى أنحاء أوروبا والشرق، ففي سنة 930 أرسل هنري الأول ملك جرامانيا يطلب من إنكلترا جماعات من الماسون لكي يبنوا له البنايات العظيمة، منها كنيسة مكدمبرج وغيرها.
وفي سنة 936 أخذ البناءون في إسبانيا في بناء القصر الملوكي المشهور بأمر الأمير عبد الرحمن، وهي سراي قائمة على أربعة آلاف وثلاثمائة عمود من الرخام النقي الثمين، وكيفية ذلك أن هذا الأمير استجلب من بغداد والقسطنطينية جماعات من مهرة البنائين؛ لكي يتعاونوا مع بنائي بلاده في بناء ذلك الأثر الشاهق.
وبعد وفاة الملك أدلستون سنة 960 كثر انتشار البنائين وتفرقهم من إنكلترا، ومضت مدة حكم ادكار ولم ينتج منها عمل يذكر، وكانت إذ ذاك تحت رئاسة «دنستان» بطريرك كنتر بري الذي أصبح بعدئذ القديس دنستان.
فسار جماعة كثيرة من الماسون إلى ألمانيا، واستقرت هناك تحت اسم أخوية القديس يوحنا.
الطور الثاني: الماسونية المشتركة
من 1000ب.م-1717ب.م
لا يخفى أن الجيل العاشر كان أشد وطأة من سائر الأجيال على العالم، ولا سيما على المسيحيين، فإن الناس في أوروبا كانوا في كل يوم ينتظرون انحلال عقدة هذا الكون وانقضاء العالم، ولذلك كانت هممهم تنحط وصنائعهم تبيد يوما فيوما، ولا سيما صناعة البناء؛ فتقهقرت البناية الحرة، ولم يأت عليها آخر القرن العاشر حتى كادت تنحل عروتها، إلا أن المحافل التي كانت تلتئم في جهات لومبارديا وبافي وكوم، كان بين أعضائها بعض الذين اشتهروا بالصناعة والعلم كالفلك وغيره، كما كان شأن الكهنة المصريين، فلما أصاب الماسونية ما تقدم من الخمول لتوقف صناعة البناء، لم يؤثر ذلك فيهم؛ لأنهم استمروا على نشر المبادئ الماسونية وتعليم الصناعة والعلوم عموما على نسق الجمعيات السرية القديمة.
فمن سنة 1003 ابتدأ العالم في دور جديد من التمدن، وبالحقيقة أن التمدن الحديث يبتدئ من هذه السنة، إذ نهض العالم عموما إلى طلب العلم والصناعة، بعد أن رفع من أذهانهم أمر اقتراب الساعة، فأخذوا في ترميم الكنائس وابتنائها من سنة 1005 فما بعد. (1) الماسونية في لومبارديا
وفي سنة 1010 دخل جماعة من الكهنة المسيحيين في مدارس البنائين في إيطاليا لتعلم صناعة البناء المسيحية، وكانت لومبارديا إذ ذاك مركز التمدن، فأنشئت المدارس الماسونية على بقايا مدارس نوما بومبيليوس، ومنح الماسونيون امتيازاتهم وحقوقهم، ودعوا جمعياتهم من ذلك الحين المدارس الحرة أو جمعيات الأحرار، وأشهر تلك الجمعيات جمعية «كوم». واشتهرت هذه الجمعيات بالبناية، حتى إن أشرف ألقاب البنائين كان ما ينسب إليها، وكانت تعاليمهم جميعها سرية وقوانينهم وشرائعهم خصوصية لهم، وكان يأتي البناءون من سائر أنحاء إسبانيا واليونان والمشرق إلى هذه الجمعيات لاكتساب تعاليم جديدة في العلم والصناعة.
ولم تأت سنة 1040 حتى امتلأت إيطاليا من المباني العظيمة من بناء البنائين الأحرار، وكثر عدد هؤلاء، حتى إنه لم يعد هناك من الأشغال ما يشغلهم، فاجتمعوا اجتماعا عموميا قرروا فيه أن يؤلفوا منهم جمعية تجول في الأماكن المنتشرة فيها الديانة المسيحية، لكي يقيموا لها المعابد والكنائس والأديرة، فطلبوا إلى البابا أن يقر لهم على الامتيازات والحمايات الممنوحة لهم قديما، فاستجاب طلبهم وأمر أن تحصر صناعة البناء المقدسة فيهم، وحررهم من جميع الشرائع المدنية والأوامر الملوكية والقوانين البلدية، ومن كل ما هو موضوع على أهالي المدن التي يقيمون فيها، وصادق على هذه الامتيازات جميع ملوك ذلك العصر.
وفي سنة 1060 انتشرت جمعيات البنائين من لومبارديا إلى ألمانيا وفرنسا ونورمانديا وبريطانيا، وجعلوا يرممون ويقيمون المعابد والأديرة والكنائس في سائر تلك البلاد.
ريكاردس قلب الأسد وصلاح الدين الأيوبي
وفي سنة 1155 انتخب الإخوة البناءون ريكاردس قلب الأسد ليكون أستاذا أعظم للمحافل الماسونية في إنكلترا، وكان أستاذا أعظم لجماعات الهيكليين، فقبل الدعوة، وما زال رئيسا للجمعيتين حتى توفي.
ويستلمح من الحادثة المشهورة التي حصلت بين هذا البطل والسلطان صلاح الدين الأيوبي أثناء الحروب الصليبية في سوريا؛ أن هذا الأخير كان على شيء من الماسونية، لأن المعاملة التي عاملها السلطان صلاح الدين لريكاردس حال كونه من أعداء وطنه ودينه، لا يمكن أن تحدث إلا عن ارتباط داخلي أشد متانة من رابطة الوطنية، ألا وهي رابطة الأخوية الماسونية، والله أعلم.
وظهر نحو تلك السنة في أوروبا جمعية من جمعيات البنائين أصلها من سوريا، ولكنها فاقت بدقة صنعها وشهرتها كثيرا من الجمعيات الماسونية في تلك الأعصر.
ولم يأت ختام القرن الثاني عشر حتى أتت الأخوية الماسونية على إتمام عدة بنايات مشهورة في إنكلترا وفرنسا والبلجيك وألمانيا وإيطاليا، لا أرى فائدة في ذكرها.
ونحو سنة 1225 كانت في لومبارديا (من أعمال إيطاليا) مدرسة البناء المركزية في أوروبا، فكان مهرة البنائين يأتون إليها لاكتساب الاختراعات الحديثة في فنهم.
أما بناءو اسكوتلاندا وصناع القسطنطينية وتلامذة مدرسة قرطبة، فكانوا مع براعتهم وتمكنهم من صنعة البناء يقتدون بمدرسة لومبارديا بأمور كثيرة، على أن اللومبارديين أنفسهم كانوا يستحسنون صنعة أولئك ويستفيدون منهم، فمزجوا نمطهم من البناء بنمطهم، فتولد نمط جديد عرف بالنمط الغوتي، وجميع البنايات المقدسة التي بنيت بعد ذلك الحين إلى القرن الخامس عشر كانت على النمط المتقدم ذكره.
وفي منتصف القرن الثالث عشر اهتدى البناءون إلى رسم جديد لبناء الكنائس؛ هو أبدع ما كان معروفا إلى ذلك العهد، وقد أسسوا كنائس ستراسبورج وكولوني وباريس وغيرها على مثاله، ويمتاز هذا الرسم بسعة البناء وتناسب أجزائه.
وفي سنة 1251 استدعى لويس التاسع ملك فرنسا البناء الشهير «أودس دي مونترايل» لبناء الحصون والاستحكامات لمدنية يافا «سوريا»، على إثر الحروب الصليبية، فسار ورافقه عدد من البنائين. (2) الماسونية في بريطانيا
وفي سنة 1272 تم بناء دير وستمنستر في إنكلترا، تحت إدارة الأستاذ الأعظم جيفار بطريرك مدينة يورك.
وفي سنة 1275 التأم مجمع كبير من الماسون في ستراسبورج، وذلك أن كنيسة هذه المدينة أريد تجديد بنائها على الرسم المتقدم ذكره، فانتدب البناءون من أنحاء بعيدة بإيعاز البناء الشهير إروين دي ستاينباك؛ للمداولة في أمر هذه الكنيسة الشهيرة وكيفية رسمها، فابتنوا بقرب الكنيسة بيوتا من الخشب لسكانهم على حسب المعتاد، وهناك كانوا يلتئمون ويفرقون الأجور ويبلغون الإعلامات تحت رئاسة إروين دي ستاينباك المذكور. فكانوا إذا التأمت جلستهم يرأسها إروين جالسا تحت مظلة في يده سيف، وقد وضعوا كلمات ولمسات خصوصية ليتعارفوا بها فيما بينهم، وبعض هذه الكلمات واللمسات مأخوذ عن الإنكليز، وكانوا يستقبلون التلامذة والرفقاء والأساتذة باحتفالات تليق بدرجاتهم، وجميعها رمزي عائد إلى تعاليم البناية الحرة القديمة.
وفي نهاية القرن الثالث عشر، كان عدد المباني التي شرع البناءون فيها والمباني التي أتموها أكبر من التي بنيت في القرن السابق.
وفي سنة 1314 سمي محفل كيلونينغ الذي تأسس سنة 1150 «المحفل الأعظم الملوكي»، بأمر روبرت بروس ملك اسكوتلاندا، تحت شروط أقر عليها الإخوة، منها: (1)
أن الملك روبرت بروس يكون رئيسا أعظم لهذا المحفل مدة حياته. (2)
أن نائبه الذي يحضر الاجتماعات الماسونية العمومية ينتخب من الكهنة أو من الأشراف، وأن ذلك الانتخاب لا يتم إلا بمصادقته.
تحوير لائحة يورك
وفي سنة 1350 أمر إدوار الثالث ملك إنكلترا أن تحور لائحة يورك التي تقدم أنها كتبت سنة 926، فحورت وصادق هو على تحويرها، وأضيفت إليها البنود الآتية: (1)
عند قبول أخ حديث يجب أن تتلى القوانين واللوائح الماسونية. (2)
إن الأساتذة الماسونيين أو أساتذة العمل لا بد من امتحانهم ليعلم إذا كانوا أهلا لخدمة أسيادهم المعتبرين، رفيعهم ووضيعهم؛ كل ذلك محافظة على شرف هذا الفن وعلى صوالح أسيادهم، أعني الذين يعهدون إليهم نجاز أشغالهم. (3)
متى اجتمع الرئيس والمنبهان في محفل، فعلى والي المقاطعة أو حاكم المدينة أو شيخ البلد التي يجتمع فيها المحفل أن يكون عند الاقتضاء قريبا من الرئيس، ليساعده في كبح جماح العصاة ونوال العشيرة الماسونية حقوقها. (4)
إن طالبي مؤاخاة البنائين لا يقبلون إلا بعد أن يتحقق عنهم أنهم ليسوا لصوصا أو حاميي لصوص، وإنهم يجب بعد قبولهم أن يشتغلوا بأمانة يستوجبون من أجلها نوال أجورهم، وأن يحبوا رفقاءهم كأنفسهم، وأن يكونوا مخلصين لملك إنكلترا وللعشيرة الماسونية وللمحفل. (5)
على المحافل أن تبحث في اجتماعاتها عن أعمال الأساتذة أو الرفقاء، فإذا رأوا منهم إخلالا بشيء من البنود المتفق عليها يحاكمونهم. فإذا طلب أحد المتهمين للمرافعة وأبى الحضور، فعلى المحفل إذ ذاك أن يقرر وجوب تجريده من الحقوق الماسونية، وأن يحظر عليه معاطاة صناعة البناء، فإذا أبى إلا معاطاتها، فعلى الحاكم المدني أن يحجز عليه ويسلم كل ممتلكاته إلى الملك، وللملك الخيار في أن يعطيه من محصولاتها ما يحتاج إليه لسد عوزه، أو أن يمنعه من الانتفاع بها بالكلية. وعلى ما تقدم ينال كل ذي حق حقه، بحيث إن الأشغال تسير بكل أمانة وعلى السواء في صنعة البنائين في كل المملكة الإنكليزية، بين الشرفاء والصعاليك.
وفي سنة 1360 انتشرت الماسونية على الخصوص في ألمانيا، فلم تكد تخلو منها مدينة؛ لأن البنائين كانوا حيثما أقاموا كنيسة يقيمون فيها محفلا ماسونيا، وقد أقامت هذه المحافل من بينها محافل عظمى تترأس على أعمالها، وأعظمها محفل كولون، ثم أنشئ محفل ستراسبورج، فكان أحدهما على ألمانيا العليا والآخر على ألمانيا السفلى .
بناء قصر الحمراء في الأندلس
وفي سنة 1380 تم بناء حصن الحمراء وقصرها في غرناطة من بلاد الأندلس، ويعد هذا البناء من أجمل مباني الأندلس «إسبانيا» إلى ذلك العهد، فإن ذلك القصر فريد في بدائعه، وقد بني على نمط روماني كان متبعا في القرن الثالث بعد الميلاد، أما بعد ذلك فلم يكن معروفا عنه شيء، والظاهر أن هذا البناء وغيره من مثله في غرناطة قد بنتها جمعية ماسونية حافظت على ذلك النمط، وكانت في إسبانيا، ثم فقدت أوراقها فلم يصل إلينا منها ما ينبئنا عن خبرها.
تقرير البرلمان
وفي سنة 1425 رفع البرلمان الإنجليزي تقريرا يقضي بإبطال الاجتماعات الماسونية، بدعوى أن الاحتفالات التي كان يقيمها الماسون في اجتماعاتهم السنوية كانت تشوش النظام وتعرقل أعمال العملة عموما ... إلخ. فالتأم الماسون اجتماعا عموميا في يورك سنة 1427، وأقاموا الحجة على ذلك التقرير، ولم تحصل نتيجة.
1
قرار جديد
وفي سنة 1437 في حكم جاك الثاني ملك اسكوتلاندا، اجتمعت الأخوية الماسونية اجتماعا عاما في كيلوينينغ، وقررت «أن الأستاذ الأعظم الذي يقع عليه الانتخاب يدفع للحكومة رسما مقداره أربعة جنيهات من النقود الاسكوتلاندية، عن كل أستاذ ماسوني، ورسما آخر يدفعه عن كل أخ ماسوني حديث؛ وأن سلطة الأستاذ الأعظم تكون نافذة على كل الماسون». وأقام لهم جاك محاكم خصوصية في سائر مدن اسكوتلاندا الرئيسية.
ومنح هذا الملك لغيليوم سانكلار «بارون روسلن» وورثته لقب وحقوق أستاذ أعظم، وما زالت هذه الحقوق لهذه العائلة إلى سنة 1736 عندما أسس المحفل الأعظم في أيدنبرج.
2 (3) انتصار هنري الرابع ملك إنكلترا للماسونية
وفي سنة 1442 انضم هنري الرابع ملك إنكلترا إلى الجمعية الماسونية، ودرس علم البناء واقتدى به جميع كبراء مجلسه، وكان الماسون إذ ذاك يصرحون عند قبولهم الطلبة أن موضوع هذه الجمعية الأساسي إنما هو «معرفة الطبيعة وحوادثها ونواميسها، ولا سيما علم الأعداد والأوزان والمقاييس واكتشاف الكيفية الحقيقية، لتكييف جميع الأشياء لما يناسب الإنسان، وإقامة المساكن والمعابد من كل الأنواع، وأمور أخرى مفيدة». (4) تغيير في موضوع الماسونية
وفي سنة 1459 التأم الماسون في راتسبون «ألمانيا» التئاما بأمر جوبس دوتزنجر رئيس بنائي كنيسة ستراسبورج، بصفة كونه أستاذا للماسون في ألمانيا؛ فتداول الأعضاء بأمور كثيرة تتعلق بالبناء، أهمها المصاعب التي تحول دون إتمام كثير من الأبنية بعد الشروع فيها، فنظروا في لائحة ستراسبورج التي وضعت قبل ذلك الحين بسبع سنوات وأقروا عليها، وهي مؤسسة على شرائع الإنكليز والإيطاليين، وتعرف بعنوان «قوانين ونظامات أخوية ناحتي الحجارة في ستراسبورج».
وفي سنة 1464 التأم الماسون أيضا في راتسبون، وتباحثوا في شئون كثيرة أخصها البنايات الدينية التي انتهت، والتي لا تزال تحت العمل في سائر أنحاء أوروبا، وأقروا على أن يكون لسائر المحافل العظمى
3
حقوق متبادلة في ذلك.
وفي سنة 1469 التأم الماسون في سبير للبحث في أحوال الأخويات الماسونية في الأنحاء المختلفة، وعن الأبنية الدينية التي توقف بناؤها، وعن حقوق المحافل وواجباتها بالنسبة بعضها إلى بعض.
وفي أواخر القرن الخامس عشر بلغت التضحيات في سبيل البنايات المقدسة مبلغا فائق الحد، وأضيف إليها سوء تصرف قادة الديانة المسيحية في ذلك العهد، فنتج فتور تام في الناس، حتى إنهم - فضلا عن عدم شروعهم ببنايات جديدة - توقفوا عن إتمام البنايات التي كانوا شارعين فيها، فقلت بسبب ذلك الأعمال وضاقت الأحوال، وذهب جميع الامتيازات التي جددها الإمبراطور مكسيميليان سنة 1498 للماسونية أدراج الرياح، ففترت همتها على نوع ما. ونظرا لما لها من الفوائد العظيمة خلا الأعمال الصناعية، أخذ بناصرها كثيرون من كبار القوم.
وفي أوائل القرن السادس عشر انتظم في سلكها عدد كبير من العلماء والفلاسفة بصفة أعضاء شرف، وجعلوا يعملون فيها الأعمال الأدبية مغضين عن موضوعها العملي، مع المحافظة على أسرارها ورموزها، وقد كان من اضطهادها في أوائل هذا القرن ما حملها على زيادة التستر.
اضطهادات
وفي سنة 1535 ظهرت في أوروبا جمعيات سرية كثيرة غير الجمعيات الماسونية، فزادت الكهنة كرها للماسونية واضطهادا، فكانوا يشكون منها سرا وجهرا لما رأوا من انتشار تعاليم لوثير، بدعوى أن هذا الرجل كان من جماعة البنائين؛ لأنهم رأوا عددا من الماسون بين دعاته، فشدد الكهنة النكير على الماسونية، وأشاعوا أنها ساعية في الكنيسة فسادا وفي الدولة تقويضا، وأنها إذا لم توقف عند حدها لا تنفك عن الدين حتى تلحقه بالأرض، ولا عن الملوك حتى تسلب ما في أيديهم. وما زال أولئك الكهنة في مثل ذلك، حتى قرروا وجوب اجتماع زعماء الماسونية اجتماعا عموميا تحت رئاسة هرمن الخامس أسقف كولونيا، يبينون فيه كنه غاياتهم ويطلعوه على تعاليمهم، حتى إذا رأى فيها ما يمنع بثها بين ظهرانيهم، يحملهم على نقلها وتعليمها في أماكن أخرى من العالم. فاجتمع ذلك المجمع في 24 يونيو (حزيران) سنة 1535، وأقر على لائحة عمومية تدعى لائحة كولونيا.
وفي سنة 1539 انحلت جمعيات الماسون الأحرار في فرنسا لداعي قلة الأعمال، فحاولوا إعادة تنظيمها على أسلوب علمي لبث العلم والفضيلة. ولما كانت اجتماعاتهم في سبيل ذلك سرية، أوجس الكهنة خيفة منها، فأغروا فرنسيس الأول ملك فرنسا على إيقافها، فأصدر أمره بإبطال كل جمعيات الصناعة.
وفي سنة 1540 قتل توماس كرومويل «كونت ديسكس»، وكان أستاذا أعظم للماسون فانتخب اللورد أندلي مكانه.
وفي أثناء ذلك انتشرت تعاليم لوثير حتى اهتزت لها دعائم الكثلكة، فنتج توقيف البنايات الدينية، فانحطت الماسونية في ذلك القرن كثيرا في سائر الممالك، إلا في إنكلترا.
وفي سنة 1561 ارتابت اليصابات ملكة إنكلترا في مجتمعات البنائين، فأنفذت في 27 ديسمبر (كانون الأول) فرقة من الجنود لحل عقد الاجتماعات الماسونية في مدينة يورك، فلما بلغوا المدينة واستطلعوا حقيقة الأمر رفعوا إلى الملكة تقريرا يبرئ الماسون مما نسب إليهم، وأطنبوا بحسن مقاصد تلكم الاجتماعات، الأمر الذي حمل الملكة على إلغاء تلك الأوامر، وأصبحت بعد ذلك أكبر نصيرة لهم.
وفي سنة 1563 اتخذ الماسون محفل ستراسبورج مركزا لأحكامهم الماسونية بدلا من كولونيا، فكانت تقدم فيه التقارير العمومية وهو ينظر فيها ويحكم بما يتراءى له، ولا استئناف لحكمه.
وفي غرة القرن السابع عشر أزهرت الماسونية في إنكلترا تحت حماية الملك جاك الأول، فانتظم في سلكها عدد غفير من سراة البلاد ورجال الدولة. ومما زادها رونقا انتخاب المهندس الشهير إينيغوجونس أستاذا أعظم لمحافلها، ونشطت فيها على الخصوص التعاليم العلمية والأدبية والروحية، حتى أصبحت كإحدى المجامع العلمية الإيطالية، فزاد عدد الأعضاء غير البنائين العمليين إلى حد لم يعد ممكنا معه البقاء على ذلك الاختلاط.
وفي سنة 1630 أقر ماسونيو اسكوتلاندا لأعقاب بارون دي روسلين حق الإرث في الرئاسة العظمى الماسونية للمحافل الاسكوتلاندية، بمقتضى لائحة ممضية من نوابهم،
4
وهو الحق الذي خول لهذا الرجل العظيم من الملك جاك الأول مكافأة لخداماته العظيمة.
إلياس أشمول
وفي سنة 1646 أصبحت الماسونية في إنكلترا على نوع ما رمزية؛ لكثرة من انتظم في سلكها من العلماء وذوي المناصب الذين ليسوا من البناية العملية على شيء، فأهملت الاجتماعات العملية، وظهر في تلك الأثناء إلياس أشمول عالم الآثار القديمة المشهور، وهو الذي أسس متحف أوكسفورد. وبعد أن انتظم في سلك الجمعية الماسونية اعتنى بتصحيح قوانين جمعية الصليب الوردي، التي أسست في لندرا، وكانت تجتمع في قاعة البنائين الأحرار، وتفصيل ذلك أن هذه الجمعية كانت عاملة في قبول الطالبين على طرق مبنية على أساس تاريخي، وكانت إشارات التعارف فيها تشبه الإشارات الماسونية، فأدخل فيها إلياس أشمول شيئا من التغيير.
ولما تأتى له ذلك لاح له أن يدخل مثل هذا التحوير في الماسونية، فغير في طقوسها، وجعلها من الجهة الواحدة على مثال ما كان متبعا في جمعيات الأنجلوسكسونيين والسوريين، ومن الجهة الأخرى على مثال الجمعيات السرية المصرية، وهي الطقوس التي لا تزال متبعة في سائر محافل إنكلترا إلى هذا العهد.
انتصار شارلس الثاني للماسونية
وفي سنة 1650 اتخذت الماسونية في إنكلترا منزعا سياسيا، وذلك أن ماسونيي إنكلترا - ولا سيما الاسكوتلانديين متشيعي ستبورت - أخذوا بعد قتل شارلس الأول يسعون سرا إلى إعادة السلطة التي كان نزعها كرومويل، وكانوا يجعلون حول مجتمعاتهم ما يجعلهم في مأمن من استطلاع أخبارهم، إلا أنهم نظرا لعلمهم بضعف الطبيعة البشرية، لم يكونوا يطلعون كل ماسوني على مقاصدهم هذه، فجعلوا فوق الدرجات الماسونية التي كانت عندهم درجات أخرى، لم يكونوا يضمون إليها إلا الذين يتأكدون إخلاصهم وميلهم لما هم ساعون إليه.
فتمكنوا بذلك مع تعداد ذوي السيادة والنفوذ بين أعضائهم من تنصيب الملك شارلس الثاني سنة 1660، بعد أن انضم إلى جمعيتهم، وهو الذي دعا الماسونية «الصناعة الملوكية».
وفي سنة 1663 التأم ماسونيو إنكلترا التئاما عاما في مدينة يورك تحت رئاسة شارلس الثاني، وفي تلك الجلسة أقر الملك شارلس الأخ هنري جرمن «كونت سانت البان» على الرئاسة العظمى، وخلع عليه نيشانا من الباث،
5
وأقر أيضا بالمشاركة مع سائر الإخوة على أمور كثيرة تختص بالعشيرة، فوضعوا تنظيمات اقتضتها الحال من الزمان والمكان.
حريق لندرا
وفي سنة 1666 حصل في لندرا حريق هائل دمر نحوا من أربعين ألف بيت، و86 كنيسة، ففتح للبنائين العمليين باب كبير للاشتغال، إلا أن بنائي إنكلترا لم يكونوا بأنفسهم كفئا للعمل، فاضطروا إلى استجلاب البنائين من البلاد الأخرى، فجاء عدة من أولئك وافتتحوا محافلهم في إنكلترا، وكانوا جميعا تحت رعاية المحفل الرئيسي الذي كان تحت رئاسة كريستوف رين مهندس كنيسة القديس بولس الشهيرة، وهو الذي هندس بناء لندرا هذه المرة.
على أن الماسونية العملية كانت في إنكلترا عموما في منحدر من السقوط على إثر الحروب الأهلية التي كادت تذهب بتلك البلاد، إلا أن ذلك الحريق الهائل كان داعيا لتنشيطها ونهوضها.
بذا قضت الأيام بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
وقد ساعدتها أيضا حماية الملك شارلس الثاني كما تقدم.
جاك الثاني والماسون
وفي سنة 1685 أدخل الملك جاك الثاني إلى الماسونية درجة «شفاليه القديس أندريا»، وكان إذ ذاك أستاذا أعظم لطريقة هيرودوم كلوينينغ التي جعلها روبرت بروس - ملك اسكوتلاندا - سنة 1314 مكافأة للماسونيين الذين جاهدوا من أجله.
وكان الملك جاك الثاني على دعوة المذهب الكاثوليكي، لكنه أعطى الحرية التامة لسائر الأديان والمذاهب، وصرح لكل من دعاتها أن يتبع ما يدعوه إليه ضميره ولا يبالي، فنتج من ذلك التظاهر انشقاق بين الطوائف المسيحية ومن ضمنها الماسونية، فكانت إنكلترا إذ ذاك على حزبين عظيمين، وكل منهما كان يحاول التداخل في الأعمال السياسية؛ فالحزب الواحد وهم الماسون الاسكوتلانديون تشيعوا للملك جاك الثاني، وبعبارة أخرى للجزويت، والحزب الآخر كان من الماسون الإنكليز ومن غرضهم خلع ذلك الملك، وكان كل من الطرفين يحاول الفوز لنفسه، وأخيرا فاز الماسون الإنكليزيون وفر جاك الثاني وكثير من الجزويت والأعيان.
غيليوم الثالث والماسونية
وفي سنة 1695 ذبلت الماسونية نوعا لما طرأ عليها من الحوادث السياسية الداخلية، لكنها في أيام غيليوم الثالث كانت تحت رعايته، فعادت إلى رونقها؛ لأنه انتظم في سلكها وترأس عليها مرات كثيرة في محفل همتون كورت.
والماسونية في الجيل السابع عشر لم تبن بناية تستحق الذكر، وقد رأيت كيف أن موضوعها كاد ينقلب من العملي إلى الرمزي لكثرة من انتظم في سلكها من ذوي المناصب العالية، ورجال العلم. على أنها كانت تعمل أفضل الأعمال وأسمى الغايات، ألا وهو تهذيب العقول وبث روح الفضيلة.
وإذا تأملنا قليلا يتبين لنا أن الفضل في كل ذلك للإخوة الذين اشتهروا بالمزايا الشخصية من العلم والفضيلة والهمة، وبعضهم ترأس على أعمال هذه الأخوية في إنكلترا على الخصوص، وسنأتي في آخر هذا الكتاب على ذكر أسماء بعض أولئك الأفاضل، بحسب زمن ظهورهم في العالم الماسوني.
خطوة نحو الماسونية الرمزية
وفي أوائل الجيل الثامن عشر نحو سنة 1703، أخذ عدد الماسون بالتناقص رغما عن اجتهاد الأستاذ الأعظم كريستوف رين؛ فأهملوا الاحتفالات السنوية، وكان في لندرا أربعة محافل قد قاربت السقوط، فارتأى محفل القديس بوليس - ويدعى الآن محفل الآثار القديمة - أن يتخذ أسلوبا جديدا يسترجع به ما خسرته الماسونية بسيرها على الأساليب الأخرى، فأصدر منشورا مآله: «إن الامتيازات الماسونية لن تكون من الآن وصاعدا محصورة في البنائين العمليين، لكنها ستكون مشتركة بينهم وبين من ينتظم في سلك هذه الجمعية من أي مهنة كانت، بشرط أن يكون مصادقا على قبوله بطريقة رسمية قانونية.»
وبالحقيقة إن هذا الأسلوب الجديد أكثر أهمية مما كان يظن واضعه؛ لأن الماسونية انتقلت على أجنحته من نحت الحجارة إلى نحت العقول، ومن بناء البيوت إلى بناء الهيئة الاجتماعية.
إلا أنه لم يمكن تنفيذه حالا؛ لأن الماسونية لم تكن مستعدة لقبوله قبولا تاما، لما كان يحول دون ذلك من الانشقاق بين جماعاتهم وشيخوخة الأستاذ الأعظم، ثم الثورة التي حصلت بسبب جاك ستيورت. وما زال الحال كذلك حتى سنة 1717، عندما كتبت لائحة لندرا كما سيجيء.
تاريخ الماسونية الحديث: الماسونية الرمزية
من سنة 1717 إلى هذه الأيام
قد علمت فيما تقدم ملخص تاريخ الماسونية العملية التي هي أصل الماسونية الرمزية المنتشرة في العالم الآن.
ويبتدئ تاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية من سنة 1717، وقد قيل لها رمزية؛ لأن الأدوات التي تستعمل فيها تختص بالبناء العملي. وقد كان البناءون العمليون يستعملونها في البناء، فلما انتقل موضوع هذه الجمعية من صناعة البناء إلى الفضيلة والعلم كما سترى، حافظوا على أدوات البناء، وعلى كثير من القوانين الأساسية القديمة، لكنهم جعلوا مدلولاتها رمزية يرمزون بها عن أدوات العمران البشري، كالفضيلة والاستقامة والبر وما شاكل.
ويقسم تاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية إلى طورين: إنكليزي وجرماني.
الطور الأول: الإنكليزي
من سنة 1717-1787ب.م
قد دعونا هذا الطور من الماسونية الرمزية إنكليزيا؛ إشارة إلى أن إنكلترا كانت أثناءه مهدها، فيها نشأت ومنها انتشرت، وكانت في كل تلك المدة مصدرا لتعاليمها ومرجعا لأحكامها. (1) تأسيس الماسونية الرمزية
قد تقدم كيف كانت الماسونية في أوائل القرن الثامن عشر من الضعف للأسباب التي ذكرناها هناك، وقد تقدم أيضا أن أعضاءها كانوا إذ ذاك أخلاطا من البنائين العمليين، وفئة أخرى من سراة البلاد ورجالها العظماء، انتظموا في سلكها بصفة أعضاء شرف، ثم تداخلوا فيها، ولا سيما عندما انحطت صناعة البناء على ما مر بك. فسن محفل القديس بوليس لائحة هي «لائحة لندرا»، من مقتضاها قبول كل طالب من أي مهنة كانت، بشرط أن يصادق على لياقته في محفل قانوني.
وما زال هذا المنشور قربيا من زوايا الإهمال حتى أوائل سنة 1717، حينما اجتمع بعض كبار الماسون تحت رئاسة الدكتور ثيوفيلوس ديازاغليه.
1
وكان معه الأخوان جورج باين من علماء الآثار القديمة والدكتور جيمس أندرسون بصفة مساعدين، فتداولوا في أمر إنشاء محفل أعظم باتحاد محافل لندرا الأربعة، وبعد تقرير المواد الأولية والمصادقة عليها اتحدت المحافل.
وفي فبراير (شباط) من تلك السنة اجتمع جماعة من قدماء الماسون في شارلس ستريت «لندرا»، وبعد أن أقاموا أقدمهم رئيسا مؤقتا بأغلبية الأصوات، قرروا لأنفسهم محفلا أعظم هم أعضاؤه، وقرروا إعادة مخابرة المحافل كما كانت، ومثل ذلك الاجتماعات والاحتفالات السنوية، ووجوب انتخاب أستاذ أعظم من بينهم، لبينما يتأتى لهم من يستلم تلك الرئاسة من ذوي السؤدد، حتى إذا كان 24 يونيو (حزيران)
2
من السنة المذكورة اجتمع الإخوة وقرروا بالأغلبية انتخاب مستر أنطوني ساير أستاذا أعظم للماسون، وبعد حين نصب رسميا وسلمت له الطغراي الماسونية وهنأه الماسون، فانتخب كبتن يوسف إليوت والمستر يعقوب لمبول منبهين «محافظين».
هذه الخطوة الأولى التي خطاها الماسونيون نحو الطريقة الرمزية، مع محافظتهم على الأنموذج والقانون الأساسي القديم، ومثل ذلك التقاليد والتسميات التي كانت فيها، مما لا بد منها في بناء الهياكل، إلا أنهم ألبسوها حلة رمزية زادتها رونقا وجمالا، ومكنتها من زيادة الفائدة في جسم العمران.
فانفصلت الماسونية الحرة الرمزية من البناية العملية الحقيقية انفصالا تاما، وأصبحت مواضيعها وأبحاثها أدبية محضة مؤسسة على أقوى دعائم الفضيلة؛ فلم يعد ما يمنعها من الانتشار في سائر أقسام الكرة وبين سائر أصناف البشر على اختلاف نزعاتهم، وأصبحت واجباتها تشييد هيكل العمران وبث روح الفضيلة فيه، وأمست - بدلا من نحت وتهذيب الحجارة - تنحت العقول وتهذب الأخلاق. (2) قرارات ونظامات وكتابات ماسونية
وعند التئام المحفل الأعظم في لندرا تقرر أن المحافل الماسونية لا تفتح إلا ببراءة من الأستاذ الأعظم الذي هو رئيس المحفل الأعظم، وأن فتحها لا ينحصر في مدينة دون أخرى.
فأخذت الماسونية من ذلك الحين تنتشر، فأسست محافل عديدة في ضواحي لندن، وكان رؤساء هذه المحافل ومنبهوها يحضرون إلى اجتماعات المحفل الأعظم، ويقدمون للأستاذ الأعظم تقارير عن أعمالها ويستشيرونه فيما يخطر لهم إدخاله في أعمالهم أو قوانينهم، بحيث إنهم لا يدخلون في الماسونية ما يخالف القواعد المؤسسة قديما.
وجعلوا للمحافل الأربعة التي في لندرا امتيازات تتمتع بها إلى الأبد، ومنعوا سن أي قانون جديد يسلب أحد أعضاء تلك المحافل شيئا من تلك الامتيازات.
وفي اجتماع 24 يونيو (حزيران) سنة 1718 انتخب الأخ جورج باين أستاذا أعظم، ولما تولى ذلك المنصب جعل همه ترقية شأن الماسونية، فعمل على استخراج تاريخ الماسونية، فأمر الإخوان رسميا في إحدى جلسات المحفل الأعظم العمومية أن كل من كان لديه أوراق قديمة من تقارير الماسونية أو قوانينها أو معلومات من نوع آخر تتعلق بالماسونية، فليأت بها إليه؛ فجاء كثيرون منهم بلوائح كثيرة قديمة العهد أكثرها غوتية، فجمعها واستخرج منها التاريخ.
وفي سنة 1719 التأم المحفل الأعظم في الوقت المعين لاجتماعه كل سنة، أي في 24 يونيو (حزيران)، وفي هذا الاجتماع انتخب الأخ توماس ديزاغليه أستاذا أعظم، فانضم إلى الماسونية كثير من الأشراف وأسست محافل جديدة، وهو الذي أدخل شرب سر الإخوان في المأدبات الماسونية.
وفي اجتماع سنة 1720 انتخب الأخ جورج باين للرئاسة العظمى، فجمع الأوامر الرسمية الصادرة من المحفل الأعظم، ونقحها وجعلها على شكل لائحة قوانين مؤلفة من 31 مادة، صادق عليها الأستاذ الأعظم الذي خلفه في السنة التالية، بعد أن تعين الأخ أندرسن لمقابلتها بالمنشورات والتقاليد القديمة وتطبيقها عليها، بحيث إنها تكون صالحة للاستعمال في محافل لندرا وضواحيها. وقد دعيت هذه القوانين بالقوانين القديمة تمييزا لها عن القوانين التي أضيفت بعد ذلك. وفي هذه السنة خسرت الماسونية كثيرا من أوراقها السرية حرقا بيد بعض أعضائها؛ خوفا من إفشائها، لأنهم كانوا قد هددوا بذلك.
وفي جلسة سنة 1721 المنعقدة في كنيسة القديس بولس في لندرا انتخب جون دوك مونتاغيو أستاذا أعظم، وهو أول من انتخب لهذا المنصب من الأشراف، وعين مونتاغيو الدكتور جون بيل نائبا له، وجونس فيلانو «رئيس التشريفات»، وتوماس موريس «وهو بناء عملي» منبهين «محافظين»، وبعد إتمام الانتخاب على هذه الصورة خطب مونتاغيو خطابا في الماسونية.
النظامات الماسونية الحرة
وفي 29 سبتمبر (أيلول) من تلك السنة تعين الأخ أندرسن لتنقيح اللوائح والأوامر والقوانين العمومية الغوتية، وأن يستخرج منها لائحة حاوية ما احتوته القوانين القديمة مع تنويعها على ما يناسب الأحوال. ولم يأت 27 ديسمبر (كانون الأول) من تلك السنة حتى أنهى ما أمر به، فقدم اللائحة إلى لجنة مؤلفة من 14 من علماء الماسون تعينت بأمر الأستاذ الأعظم، للنظر في لائحة الأخ أندرسن وتقرير ما يتراءى لها إلى المحفل الأعظم، فأقرت على استحسانها.
وفي 17 يناير (كانون الثاني) سنة 1723 التأم نواب المحافل التابعة للمحفل الأعظم، فعرضت عليهم اللائحة فصادقوا عليها، ثم طبعت ونشرت تحت عنوان «النظامات الماسونية الحرة».
وقد حدث في خلال ذلك ما يستدل من ورائه على شهامة وكرم أخلاق الماسونية؛ وذلك أن دوك مونتاغيو انتخب في يناير (كانون الثاني) سنة 1722 أستاذا أعظم، وكان في جملة المترشحين لهذا المنصب دوك هوارتن، فساءه ذلك الانتخاب، فجمع إليه جماعة من أحزابه وقرروا تسميته في ذلك المنصب، إلا أن ذلك التعيين لم يكن معتبرا رسميا من المحافل، فعلم الأستاذ الأعظم مونتاغيو، فعقد جلسة رسمية تنازل فيها عن الرئاسة العظمى لمناظره هوارتن حسما للخصام، قائلا: «لا شك أن الأخ هوارتن أليق مني لهذا المنصب؛ لأنه أشد رغبة فيه، فلا ريب أنه يكون أكثر نشاطا وهمة وأعظم فائدة.» أما هوارتن فلما رأى تلك النفس الأبية خجل من سوء تصرفه وارتجع عن مقصده، وندم على ما فرط منه، وأصبح من ذلك الحين أول خاضع لقوانين الجمعية وتقاريرها.
غير أن الجمعية لم تبخسه حقه، فإنها عينته بعدئذ في ذلك المنصب بصفة رسمية بمصادقة 25 محفلا ماسونيا، وعينت ديزاغليو نائبا له.
وفي يوم اجتماع نواب المحافل سنة 1723 كما تقدم، قدم الأخ طمسن بصفة منبه أول نسخة مطبوعة من لائحة النظامات الجديدة، فصودق عليها من عشرين محفلا، فازدادت الماسونية رونقا واتسعت دائرتها، فانضم إليها عدد كبير من الأشراف والتجار ورجال العلم الذين كانوا يرون المحفل الماسوني أفضل منجاة لهم من عالم التقلب والدسائس السياسية وغيرها، فازداد عدد المحافل كثيرا، وكان الأستاذ الأعظم يزور تلك المحافل كل أسبوع ومعه نائبه والمنبهان، وأصبحت لائحة النظامات المشار إليها أعلاه ذات شأن عظيم وأهمية كبرى للماسونية، وخلف دوك هوارتن على الرئاسة العظمى فرنسيس أرل دلكيت، وخلف هذا في سنة 1724 شارلس لنوكس دوك ريتشموند، وهو الذي شكل جمعية الإحسان وموضوعها مساعدة الإخوان الذين جار عليهم الزمن، وكانت هذه الجمعية تنفق عدة آلاف من الجنيهات سنويا ولا تزال في مثل ذلك، وكانت عضدا كبيرا للمحافل الماسونية.
بند إضافي للقانون الأساسي
وفي 27 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1725 اقترح الأخ اللورد بايسلي على المحفل الأعظم إضافة بند واحد على القانون الأساسي من مقتضاه: «أن رئيس المحفل ومنبهيه إذا اجتمعوا مع عدد محدود من الأعضاء، يمكنهم ترقية الأخ التلميذ إلى درجة الرفيق، والرفيق إلى درجة الأستاذ». ولم يكن ذلك مسوغا من قبل إلا للمحفل الأعظم، فوافقوه على اقتراحه، فاتسع نطاق العشيرة، وكانت الماسونية الرمزية لا تزال إلى ذلك العهد محصورة في بريطانيا مسقط رأسها، لكنها إذ ذاك برزت من خدرها.
وفي سنة 1725 تأسس المحفل الأول في باريس، ثم لقبت بالماسونية العامة؛ إشارة إلى اشتمالها على أعضاء من سائر أصناف الناس متحدين على السراء والضراء، متعاونين على بث الفضيلة والعلم.
الدرجات الماسونية
يظهر أن الدرجات الماسونية الرمزية لم تكن معروفة إلى سنة 1720، ولم يكن هناك إلا الدرجة الأولى «التلميذ»، وكانوا يختارون من بين أبناء تلك الدرجة من يترأس عليهم ويدير أعمالهم، وإنما يستفاد من بعض بنود نظامات سنة 1720 أن الثلاث درجات كانت معروفة، إنما لم يكن إلا للمحفل الأعظم أن يرقي إلى الدرجتين الثانية والثالثة. والظاهر أن درجة الأستاذ منحت في بادئ الرأي إلى بعض الأعضاء الذين ترأسوا المحافل من سنة 1717-1720، فكانت لهم بصفة إنعام، أما الدرجة الثانية فأدخلت بعد ذلك لإتمام الثلاث درجات؛ تمثيلا لثلاث درجات الماسونية العلمية.
أما الدرجات العالية فوق الثالثة، فلم تكن معروفة إلى سنة 1744.
وفي سنة 1727 بعد تولي جورج الثاني ملك إنكلترا، اجتمع المحفل الأعظم تحت رئاسة أرل إنشكوين، وقرر أن حقوق الانتخاب في المحفل الأعظم تكون للمنبهين السابقين أيضا، وقد كانت محصورة في الأساتذة العظام السابقين والنواب السابقين.
الأساتذة العظام الإقليميون
وقرروا أيضا في ذلك الاجتماع تعيين أساتذة عظام إقليميين لتأليف محافل عظمى في الأقاليم خارج لندرا، ثم طلب تشكيل محفل في مدريد وتقرر، ثم تعين الأخ جورج بومفريت أستاذا أعظم إقليميا، وهو أول من تقلد هذا المنصب.
وكان على الرئاسة العظمى في سنة 1729 اللورد فيسكونت كنستون، وفي 29 يناير (كانون الثاني) سنة 1730 سلم زمام الرئاسة لخلفه دوك نورفولك لداعي رغبته في التوجه إلى أيرلاندا، فسار إليها فانتخب رئيسا لمحفل أعظم في دبلين، وذلك في 6 أبريل (نيسان) سنة 1731، ولم يكن في أيرلندا محفل أعظم إلى ذلك العهد.
ملابس متوظفي المحفل
وأما ملابس أصحاب الوظائف في المحافل، فقد كانت مجردة من أدوات الزينة حتى أيام الأستاذ الأعظم دوك نورفولك، فهذا أهدى المحفل الأكبر سيف غوستافوس أدلفوس وسيف الباسل دوك برنارد ويمور من فنيسيا، فاستعملهما المحفل بمثابة سيف الأمة. ومن ذلك الحين مال الإخوة إلى استخدام المصوغات في ملبوساتهم؛ ففي سنة 1731 تقرر رسميا أنه لا يجوز لأحد غير الأستاذ الأعظم ونائبه ومنبهيه أن يلبسوا مصاغهم مذهبا، يتقلدونه في أعناقهم بأطواق من الحرير الأزرق، وأن يأتزروا بجلد أبيض عليه حرير أزرق.
انتشار الماسونية وتنقيح القوانين
وفي سنة 1732 كانت الرئاسة العظمى في يد اللورد فيسكونت مونتاغيو فأزهرت الماسونية تحت رئاسته وكثر تأسيس المحافل، فتأسس في سنة واحدة 18 محفلا في لندرا وحدها، و7 محافل في أماكن أخرى من إنكلترا.
وفي سنة 1733 انتخب لهذا المنصب إرل ستراتمور، وكان أحد منبهيه الأخ يوحنا ورد، وهو من الممتازين بالغيرة والهمة الماسونيتين.
وفي نحو أواخر سنة 1733 اتسعت دائرة امتيازات جمعية الإحسان المتقدم ذكرها، بحيث إنها لم تترك للمحفل الأعظم شيئا من السيادة، فقد كان مرخصا لها الاجتماع والبحث في أمور مهمة والقطع بها بدون مشورة أحد، فهي بذلك لم تسلب حقوق المحفل الأعظم فقط، لكنها سلبت أيضا ميزانية المساواة بين الإخوة.
وفي أيام الأخ ستراتمور أسس المحفل الأول في جرمانيا.
وفي سنة 1734 ترأس على المحفل الأعظم إرل كروفورد، وكان شديد الغيرة على الماسونية، فأمر الأخ جيمس أندرسن لينظر في إعادة طبع كتاب النظامات، ولم يتم ذلك إلا في سنة 1738. وفي رئاسة كروفورد عين 3 أساتذة عظام إقليميين في لنكشير ودرهام ونورثمبرلاند.
وفي سنة 1737 تحت رئاسة إرل دارنلي انتظم البرنس فريديك أوف ويلس في سلك الماسونية، وكان غيورا على مصالحها، لكنه توفي سنة 1751، وهو لم يتم كل مساعداته لها.
وفي سنة 1738 أصدرا البابا منشورا ضد الماسونية وهو المنشور الأول.
وفي نحو هذا التاريخ انتشرت الماسونية في جرمانيا وروسيا وأميركا.
وفي سنة 1739 تذمر بعض الإخوة على المحفل الأعظم الإنكليزي، بدعوى أنه أحدث في القوانين الأساسية ، وأنه أبطل الاحتفالات، وغير الطقوس، وأجاز فوق ذلك لمندوبيه افتتاح محافل عظمى إقليمية في المدن التي هي تحت رعاية المحفل الأعظم اليوركي، فنتج من ذلك انقسام بين محافل إنكلترا الشرقية ومحافلها الغربية، وانحاز كثيرون من تابعي المحفل الأعظم الإنكليزي إلى المحفل الأعظم اليوركي،
3
واستحدثوا محفلا أعظم في إنكلترا دعوه «محفل الماسون القدماء»؛ إشارة إلى أنهم أسسوه على الطقس القديم، وصادقت عليه محافل اسكوتلاندا وأيرلندا العظمى، وقطعت مخابراتها مع المحافل المؤسسة على الطقوس الحديثة.
وفي سنة 1740 ازدادت المحافل التابعة للمحفل الأعظم الإنكليزي «ذي الطقس الحديث» عددا ونشاطا، وما زالت الماسونية تزيد انتشارا، وتعاليمها إفادة، وأعضاؤها عددا وقوة حتى سنة 1751، فخافها جماعة الحكام والكهنة وأصدروا في حقها المنشورات والأوامر تترى بين تهديد وترهيب في سائر أقطار أوروبا، وكانت كلما زاد الاضطهاد زادت قوة وثباتا، تدافع بالأمر الممكن منتظرة إحقاق الحق، وهي في كل ذلك لم تنو على أحد سوءا، ولم تقصد بفئة شرا.
ولكن البشر ضعيفون بالطبع، وقد قدر الله أن لا تخلو جماعة منهم ممن ينكرون الحق، وهم يعلمون خيفة أن تمس حقوقهم أو يلحق بهم ضر. فملافاة لما يخشى حدوثه بسبب ذلك التأم المحفل الأعظم الإنكليزي «نعني به الحديث دائما» سنة 1754، تحت رئاسة ماركيز كارنارڤون ونيابة الأخ توماس ماننهام، الذي اشتهر بعلو الهمة والحزم، وكانت المحافل الماسونية في إنكلترا مدونة في سجل عمومي، إلا أن كثيرا منها كان قد أبطل العلاقة مع المحفل الأعظم، وبعضها أبطل الاشتغال كلية، فأصدر ماننهام قرارا باسم الأستاذ الأعظم بتاريخ 27 يونيو (حزيران) سنة 1754 مآله: «أنه يطلب من كل أخ «حسب استطاعته» أن يتحرى بنفسه عن تصرف وأعمال المحافل الفرعية، بأن يحضر اجتماعاتها ويلاحظ أعمالها، ويقدم عنها تقريرا عما يتراءى له، وأن كل محفل لا يقدم بحقه ما يثبت مواظبته على العمل ومحافظته على القانون، يشطب اسمه من السجل الماسوني.»
ثم تقرر تحوير لائحة النظامات وإضافة بعض البنود التي اقتضتها الأحوال، وتعينت لذلك لجنة من الرئيس الأعظم وبعض الإخوة من ذوي الاطلاع والمعرفة.
ووجد المحفل الأعظم بالبحث أن عددا من الإخوة قد أسسوا محفلا على غير سنته، فتهددهم بالشطب فلم يرعووا، فأصدر في حقهم منشورا مآله أن محفلهم هذا يعتبر محفلا غير قانوني، وأن أعضاءه لا يقبلون في محافله بصفة زائرين، وأن جميع الدبلومات الماسونية بعد ذلك يجب أن تكون مختومة بالختم الماسوني وممضية من السكرتير الأعظم.
وبقيت رئاسة المحفل الأعظم بيد كارنارڤون ثلاث سنوات أنشئ أثناءها أربعون محفلا، وتعين تسعة أساتذة عظام إقليميون.
وفي سنة 1758 وقع انتخاب الرئاسة العظمى على اللورد البردود، وما زال عليها إلى سنة 1762، وتشكل في أيامه محافل كثيرة، وتقرر تعيين 13 أستاذا أعظم إقليميا.
وفي سنة 1762 انتخب اللورد فرر للرئاسة ولم يكن مقداما، فتقهقرت الماسونية في أيامه. ويقال إن بعض الإخوة في لندرا حرروا رسميا إلى المحفل الأعظم الاسكوتلاندي يطلبون البراءة لإنشاء محفل تحت رعايته، فكان من سياسة رئيسه أن يرفض طلبهم؛ خيفة أن يتداخلوا بأعمال المحفل الأعظم الإنكليزي.
وفي 8 مايو (أيار) سنة 1764 انتخب اللورد بلاني للرئاسة العظمى، وبقي فيها أربع سنوات، تأسس أثناءها 71 محفلا، وتعين 12 أستاذا أعظم إقليميا.
وفي سنة 1767 تقرر طبع لائحة النظامات طبعة جديدة، وفي هذه السنة دخل الماسونية دوك غلوسستر ودوك كمبرلاند في لندرا، ودوك يورك في برلين.
وفي 27 أبريل (نيسان) 1767 انتخب للرئاسة العظمى دوك بوفروت، وأزهرت الماسونية في أيامه.
محاولة توحيد الماسونية
ومن الحوادث التي حصلت في أيام هذا الأستاذ الأعظم مما يستحق الذكر محاولة توحيد الماسونية، وذلك أن نائب الأستاذ الأعظم كان عالما أن دوك بوفورت يرغب في ذلك التوحيد، فعرض الأمر على المحفل الأعظم وأظهر له عظم الفوائد الناجمة عن ذلك، ثم إنه عمل في ذلك لائحة وعرضها على الأعضاء، فاستحسنوها وصادقوا عليها، ثم أخبرهم أنه التمس من جمعية الإحسان الماسونية أن تجمع مبلغا لبناء قاعة ماسونية للمحفل الأعظم لابتياع الأدوات اللازمة لها من أثاث وملابس ومصاغ وما شاكل، من غير رأسمالها الأصلي، وكانت تلك الطريقة بمثابة الشروع في ذلك التوحيد؛ لأن الدراهم المطلوبة ستجمع من الإخوان الماسونيين على اختلاف نزعاتهم، فأقر المحفل الأعظم على ذلك الالتماس ، وطبعوا لائحة التوحيد وفرقوها في المحافل، فقبل بها 168 محفلا، أما المحافل التي لم تصادق عليها فكانت 43 محفلا، فتقرر وجوب التوحيد بالأغلبية.
وفي سنة 1771 قدمت نسخة من لائحة التوحيد للبرلمان الإنكليزي بواسطة نائب الأستاذ الأعظم شارلس ديلون؛ لكي ينظر فيها ويصادق عليها، وعند تلاوتها للمرة الثانية اعترض عليها أحد أعضاء البرلمان ووافقه بعض الإخوة، فطلب ديلون تأجيل البحث فيها لمدة غير معينة، فحبطت مساعي ديلون وذهبت أدراج الرياح.
بناء قاعة الاجتماع
وفي سنة 1772 انتخب اللورد بيتر للرئاسة العظمى، وفي جلسة الانتخاب عينها تقرر إضافة بعض البنود الثانوية في حفظ الممتلكات الماسونية، وتعينت لجنة للنظر في بناء قاعة ماسونية.
وفي سنة 1773 تقرر فتح باب للمخابرات مع محفل جرمانيا الأعظم في برلين. وفي سنة 1774 أدخلت درجة الرويال أرش «القنطرة الملوكية» إلى إنكلترا.
وفي سنة 1775 أضيف إلى كتاب النظامات بعض البنود.
وفي أول مايو (أيار) من تلك السنة وضع الحجر الأساسي للقاعة الماسونية، وفي السنة التالية تقرر نشر تقويم ماسوني.
وفي 23 مايو (أيار) من هذه السنة تم بناء القاعة المشار إليها، وتكرست رسميا بحضور الأستاذ الأعظم بيتر وعدد غفير من الإخوة باسم الفضيلة والبر والإحسان.
وفي أول مايو (أيار) سنة 1782 انتخب هنري فريدريك دوك كمبرلاند للرئاسة العظمى، ونظرا لغيابه مؤقتا عين إرل أفنغام ليقوم مقامه. وفي هذه السنة انفصل محفل «الآثار القديمة» من المحفل الأعظم الإنكليزي. (3) الماسونية في أيرلندا
يظهر أن الماسونية العملية كانت في أيرلندا قبل أيام الرمزية بأجيال، كما يستدل من الآثار البنائية التي تركتها. أما الماسونية الرمزية فلم تدخلها إلا سنة 1730 عن طريق إنكلترا، وقد تقدمت فيها على نوع ما، ونظرا لقلة أهميتها نغض الطرف عنها؛ إذ ليس من غرض كتابنا التطويل. (4) الماسونية في اسكوتلاندا
قد كانت الماسونية العملية معروفة في اسكوتلاندا، وقد كان لها فيها شأن، كما قد علمت مما مر بك.
أما الرمزية فدخلتها سنة 1736، وكيفية ذلك أنه عند اتحاد محافل لندرا الأربعة إلى محفل أعظم سنة 1717، كانت المحافل العملية لا تزال معروفة في اسكوتلاندا، فلما رأى الاسكوتلانديون ما كان من تقدم المحفل الأعظم الإنكليزي، وانتشار تعاليمه، وقد كان البعض منهم منتظمين في سلك ذلك المحفل؛ رغبوا في إنشاء محفل على مثاله، إلا أنهم لم يكونوا يستطيعون ذلك؛ لأن الرئاسة العظمى عندهم كانت محصورة بالإرث في عائلة سانكلار روسلن، فكان ذلك عثرة في طريقهم، غير أن وليم سانكلار آخر أعضاء تلك العائلة كان رجلا عاقلا غيورا، وكانت الرئاسة العظمى في يده، ولم يكن له أولاد، فخيفة أن تبقى كرسي الرئاسة بعد وفاته خالية جمع إليه أعضاء المحافل في أيدنبرج وضواحيها في 15 أكتوبر سنة 1736، وطلب إليهم أن يختاروا من بينهم أستاذا أعظم يليق بالمنصب بدلا منه، وأنه مستعد أن يتخلى عن كل الامتيازات والحقوق التي له فيه؛ وبناء على ذلك الطلب نشرت دعوات عمومية إلى سائر المحافل في اسكوتلاندا للاجتماع لأجل الانتخاب.
ففي 30 نوفمبر سنة 1736 التأمت المحافل الاسكوتلاندية، وعددها نحو من 32 محفلا، تحت رئاسة محفل كنيسة القديسة مريم، فتلي على الجلسة استعفاء الأستاذ الأعظم، ثم تقدموا لانتخاب من يقوم مقامه، فلم يجدوا أليق منه، ولا سيما بعد أن أظهر ما أظهره من الحمية والغيرة لصالح الماسونية، فوقع الانتخاب عليه ليكون أستاذا أعظم على كل الماسونية في اسكوتلاندا، ولا يخفى أن رئاسته هذه المرة هي غير رئاسته المرة الماضية؛ لتجرده فيها من حقوق الوراثة.
فلما تم الانتخاب على هذه الصورة ارفض الاجتماع، وفي الاجتماع التالي قدمت المحافل الاسكوتلاندية عموما التماسات تطلب فيها لوائح جديدة رسمية لتسير بمقتضاها، فاعتبر المحفل الأعظم تلك الطلبات بمثابة التنازل عن الحقوق القديمة؛ لأن معظمها كان مرخصا لها الاشتغال، وهي منظمة رسميا بحسب قانون الماسونية العملية، فأعطيت لها اللوائح والنظامات الجديدة حسب الطريقة الحديثة، ومن مقتضاها أن يدفع كل من دخل الماسونية رسم تكريس مقداره معين، وأن المبالغ المجموعة تصرف في احتياج الإخوة الذين أثقل عليهم الدهر. أما الذين لا يدفعون ذلك الرسم فلا يكون لهم الحق بالاستفادة من المال المجموع.
وكان من عادة المحافل أن تجتمع في 24 يونيو (حزيران) من كل سنة، فجعلها الاسكوتلانديون في 30 نوفمبر (تشرين الثاني).
وفي سنة 1747 أجيز للأخ إسكندر دريموند، الذي كان قاطنا في اسكندرونه (وهي الفاصل بين سوريا وبر الأناضول)؛ أن يؤسس محافل ماسونية في أي بلد كان من أوروبا وآسيا على سواحل البحر المتوسط، وكان دريموند أول أستاذ أعظم إقليمي من قبل اسكوتلاندا.
وفي سنة 1749 قلت مالية المحفل الأعظم الاسكوتلاندي لما تكبده من المصاريف الباهظة للمحتاجين من أعضائه، إلا أنها عادت إلى القوة بإنشاء محافل جديدة وتثبيت البراءات القديمة للمحافل.
وفي سنة 1752 وضع الحجر الأول لبناء الرويال اكستشنج في أيدنبرج، بحضور الأستاذ الأعظم وجم غفير من الإخوة بالملابس الرسمية، وجعلوا تحت ذلك الحجر ثلاثة نياشين ماسونية، وضعوها الواحد بعد الآخر بيد الأستاذ الأعظم، وكان كلما وضع نيشانا ينطق بعبارة مقدسة، وختموا التدشين عند المساء بمأدبة فاخرة، فكان احتفالا حافلا تتجلى فيه هيبة ووقار الأعمال الماسونية.
وفي سنة 1754 انتخب الأخ جيمس فورب للرئاسة العظمى، والأخ دالرمبل للنيابة العظمى، ولما تم الانتخاب سار نحو 400 من الإخوة بالمشاعيل من كنيسة القديسة مريم إلى المدرسة العليا، وتقرر في هذه الجلسة أن الاجتماعات الاعتيادية للمحفل الأعظم التي تلتئم كل ثلاثة أشهر، تكون في يوم الإثنين الأول من أشهر فبراير (شباط)، ومايو (أيار)، وأوغسطس (آب)، ونوفمبر (تشرين الثاني).
وما زالت الأحوال جارية على ما تقدم إلى سنة 1762، وإذ ذاك عرض بعض الإخوة في لندرا إلى المحفل الأعظم الاسكوتلاندي - وهو برئاسة الأخ شارلس إرل الجن - يطلبون البراءة لإنشاء محفل تحت رايته في لندرا، فلم يقبل طلبهم تخلصا من التداخل في حقوق محفل لندرا الأعظم، وقد تقدم ذلك.
وفي سنة 1778 توفي الأخ وليم سان كلار المشهور - وقد تقدم شيء عنه - فعمل له المحفل الأعظم الاسكوتلاندي احتفالا ماسونيا عظيما، خطب فيه السير فورب خطبة طويلة عدد فيها فضائل هذا الأخ ومناقبه، وحضر ذلك الاجتماع نحو من أربعمائة أخ.
أما قوانين ونظامات محافل اسكوتلاندا فقريبة جدا من نظامات وقوانين المحافل الإنكليزية الحالية، لا تختلف عنها إلا ببعض الأمور، مثل أن المحافل في أيدنبرج وضواحيها لم يكن يجوز لها الاجتماع إلا متى تألفت من واحد وعشرين عضوا فما فوق، أما فيما خلاها فسبعة أعضاء تكفي. (5) الماسونية في فرنسا من سنة 1726-1782ب.م
تأسس أول محفل في فرنسا سنة 1721 في دينكرك، ودعي «المحبة والإخوة» تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي.
وفي سنة 1725 تأسس أول محفل في باريس بسعي اللورد درفانت واترس وأخوين إنكليزيين، ويقال إن هذا اللورد هو أول من أسس محفلا ماسونيا في فرنسا ببراءة رسمية من المحفل الأعظم الإنكليزي، وقد أسس أيضا محافل أخرى.
وفي 12 يونيو (حزيران) سنة 1726 تأسس محفل القديس توما في باريس، تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي أيضا.
وفي سنة 1729 تأسست محافل أخرى في باريس، منها محفل لويس دارجان، ومحفل فنون القديسة مرغريتا الأول، تأسس في 7 مايو (أيار) والآخر في أول أبريل (نيسان).
وفي سنة 1732 تأسس محفل بيسي، ويعرف بمحفل أومون.
وفي سنة 1736 تأسس في باريس محفل أعظم إقليمي تألف من اتحاد أربعة محافل على الطريقة الاسكوتلاندية، وتحت رئاسة البارون دي رمسي.
وفي سنة 1738 تأسس المحفل الأعظم الإنكليزي في فرنسا، والبارون دي رمسي هو أول أستاذ أعظم سمي رسميا فيها.
وكانت الماسونية عند أول عهدها في فرنسا لا يقبل فيها إلا العلماء والأشراف وسراة البلاد الذين اشتهروا بالفضيلة والاستقامة، فكانت معززة لا شيء يكدر اجتماعاتها.
اضطهاد لويس الخامس عشر للماسونية
وما زالت كذلك حتى أجيز للأواسط والأسافل الالتحاق بها، فتطرقت سموم الفساد إلى مادتها، فأتيح لأعدائها الوشاية بها إلى أولي الأمر وذوي السيادة، فوشي إلى لويس الخامس عشر من كاهنه الخاص أنها جمعية مفسدة في الناس، ويخشى على البلاد من شرها، فأصدر منشورا سنة 1737 مآله: «أن المحافظة الكلية على الأسرار الماسونية أوجبت الظن في أن وراءها مقاصد مخيفة، فكل الرعايا الأمناء ممنوعون من التداخل فيها، أو الانضمام إليها». ومنع جميع الأشراف الملتحقين بالماسونية من الحضور في مجلسه، إلا أن هذه الاضطهادات لم تكن إلا لتزيد أولئك الأشراف رغبة في التمسك بحبالها، فكانت المحافل تجتمع سرا وعدد الطالبين يزداد يوما فيوما، وقد أخذ بناصرها على الخصوص أغنياء الإنكليز المقيمون في باريس ، وبالغوا في جسارتهم، حتى إن بعضهم كانوا لا يبالون بالتصريح أن المحفل الأعظم سيجتمع في يوم كذا لانتخاب أستاذ أعظم مثلا، فبلغ البوليس شيء من ذلك، فاغتنم فرصة باغت فيها الإخوة في إحدى جلساتهم في 10 سبتمبر (أيلول) سنة 1737، وقبض على إحدى لوحات «وقائع» جلساتهم ونشرها على العموم، بعد أن فرض عليهم جزاء نقديا دفعوه فورا.
نعم، إن مثل هذه المعاملات لم تكن كافية لإيقاف هذه الجمعية عن الاجتماعات وتبادل شعائر الإخاء، إلا أنها حملتها على السعي وراء تكثير عدد أعضائها، الأمر الذي أوجب تساهلها في انتقاء الطالبين، فكثر فيها الأعضاء الذين لم يكونوا على شيء من مقاصد هذه الجمعية، فساد الفساد، ثم ترأس عليها من لم يكن أهلا للرئاسة، فتنحى عنها الأعضاء العلماء والأشراف، فأمست ألعوبة في أيدي الرعاع وسفلة القوم.
لكنها مع ذلك لم تذعن لأوامر لويس الخامس عشر؛ لأنه ظهر في إحدى الجرائد بتاريخ 12 فبراير (شباط) سنة 1738 أن الجمعية الماسونية احتفلت احتفالا فاخرا في لينفيل في 24 يونيو (حزيران) من تلك السنة، حصل فيه استعفاء الأستاذ الأعظم هرنوستر وانتخاب دوك أوتين بدلا منه.
وكانت أشغال هذه المحافل مشابهة لأشغال المحافل الإنكليزية، ولا تشتغل إلا بالدرجات الثلاث الرمزية.
اضطهاد أحبار رومية للماسونية
ولم ينحصر اضطهاد الماسونية في محل نشأته، لكنه امتد إلى أنحاء بعيدة؛ فإن البابا أكليمندس الثاني عشر شكل مؤتمرا من كرديناليته للبحث في أمر الاجتماعات الماسونية، وفي 28 أبريل (نيسان) سنة 1738 أصدر منشورا شديد الوطأة تهدد فيه الكهنة وغير الكهنة بالحرم إذا انضموا إلى تلك الجمعية، أو أخذوا بناصرها، أو سعوا إلى نشرها في بيوتهم أو في محل أشغالهم، إلا أن هذا المنشور قد ذهب أدراج الرياح في فرنسا، وربما كان ذلك لانتصار فريدريك الأعظم ملك بروسيا لها. ومثل ذلك كان نصيب منشور البابا بنيدكت الرابع عشر.
اضطهادات أخرى واختلال في الأعمال
وجماعة البوليس في فرنسا كانوا قد أنشئوا سنة 1735 جمعية دعوها «جمعية نوح» إشغالا للناس عن الماسونية، وقد حاولوا بتعاليمهم فيها إثبات تسلسل الماسونية من اجتماعات الصليبيين. ثم إن ميشال أندرو رمسي خطب خطابا سنة 1740 حاول فيه إيضاح فائدة هذه الجمعية إيقاعا بالماسونية، وأدخل إليها الدرجات العليا تعزيزا لها وبرقشة على أعين الأشراف من الإخوة، فأحدث علامات وكلمات للتعارف بين الأعضاء، وعلى مثل ذلك نشأت الدرجات العليا في الماسونية، وكان رمسي من أشد منشطيها.
ثم توفي دوك لوتين وانتخب بدلا منه كونت كليرمون بأصوات رؤساء 16 محفلا.
ولا يخفى أن الكونت كليرمون ترأس على الماسونية - وهي على ما علمت من الاحتياج إلى الإصلاح - فجعل يتحرى تحريا دقيقا في انتقاء الطالبين، ويكثر من التشديد في منح البراءات لإنشاء محافل حديثة، واقتصد بقدر الإمكان في النفقات الباهظة التي كانت تبذل في الاحتفالات والولائم، وبالجملة جعل يسعى إلى كل ما من شأنه إصلاح الماسونية وإرجاعها إلى سابق أحوالها من النظام والمواظبة والاستقامة.
ومن جملة ما كان جاريا في المحافل أنهم لم يكونوا يدونون وقائع جلساتهم، وقد كان للرؤساء أن يتصرفوا في إدارة المحفل وماليته كيف شاءوا، وأن يقيموا على كرسي الرئاسة أيا كان لا يلاحظون شيئا من أهليته. فقد كان الفساد سائدا في الماسونية إلى حد أنهم كانوا يصدرون المنشورات والبراءات تزويرا، ويجعلون تاريخها أقدم مما هو بمئات من السنين، فبعض المحافل جعل تاريخ براءته سنة 1500، وبعضهم جعلها أقدم من ذلك، والسبب أن المحفل الأعظم لم يكن يقوى على تنفيذ سلطته، والأستاذ الأعظم الكونت كليرمون لم يكن يجسر على المظاهرة بالعمل في سبيل الماسونية.
سن النظامات والقوانين
وفي نحو سنة 1744 قرر المحفل الأعظم الإنكليزي في فرنسا سن قانون جديد، فعين لجنة من أفاضل الأعضاء فكتبوه، فكان مؤلفا من عشرين مادة، منها 19 مأخوذة من لائحة النظامات الإنكليزية التي كتبت سنة 1723 وسنة 1738 كما تقدم، مع إصلاحها على ما يناسب الزمان والمكان، والمادة العشرون مستحدثة قد وضعت بناء على مقتضى الحال، ونصها:
بناء على ادعاء كثير من الإخوة أنهم أساتذة اسكوتلانديون، وطلبهم بمقتضى ذلك حقوق وامتيازات رسمية في محافل خصوصية، الأمر الذي لم نر له أثرا في السجلات القديمة المنتشرة في كل المحافل على سطح الكرة الأرضية، وملافاة لتفاقم الخطب وحفظا للنظام الذي لا بد منه بين الإخوة البنائين الأحرار، نصرح أن أولئك المدعين لا تقبل دعواهم، ولا يمكن التسليم لهم بما يطلبونه من الحقوق المقدسة إلا بعد اشتغالهم بوظائف معينة في المحفل الأعظم أو المحافل الأخرى الفرعية، وإلا فإنهم لا فرق بينهم وبين التلامذة والرفاق، وليس لهم ما يتميزون به عنهم.
ومثل هذه العبارات تدل دلالة صريحة على أن ما يسمونه بالدرجات السكوتسية لم تظهر إلا في ذلك العهد، وبمراجعة جميع التقارير والمنشورات القديمة لا يوجد لها ذكر، إلا ما لمح إليه رمسي في خطاب ألقاه سنة 1744. وكانوا يسمون هذه الدرجة في الماسونية الدرجة الرابعة.
وعلى مثال ذلك نشأت الدرجات العليا، إلا أن أصل نشأتها بالتدقيق فغير معروف تماما؛ لفقدان الأوراق الماسونية التي كان يمكن الاهتداء بها إلى شيء من ذلك. لكن المظنون أن دعاة عائلة ستيورت، وفيهم الجزويت، كانوا يسعون إلى إعادة هذه العائلة إلى التملك في اسكوتلاندا، فاستنجدوا الماسونية، فأبت خيانة ملكها والسعي إلى استبداله، فلم ير أولئك أولى من أن يجمعوا إليهم من كان على دعوتهم من الماسونيين، وأن يجتمعوا معا في حالة غير حالة الاجتماعات الماسونية الاعتيادية، فاستحدثوا طريقة دعوها بالدرجات العليا، وذلك سنة 1736، وجعلوا يمدون سطوتهم إلى الأنحاء البعيدة، فلم يجدوا لها أنسب من فرنسا؛ لأنها كانت فيها على ما علمت من الانحطاط وسفالة الأعضاء، وقد صادفوا نجاحا لمشروعهم، فأقدم الفرنساويون على الاشتراك في تلك الدرجات، واتفق وجود رمسي الخطيب المشهور هناك، فخطب ونشط تلك الاجتماعات، فازداد الفرنساويون رغبة في الأمر. ثم إن الذين جاءوا بعد ذلك أتموا تلك الاختراعات؛ ففي سنة 1743 اخترعت درجة قادوش في مدينة ليون.
أما درجة الفرسان الهيكليين فكانت في أيام الصليبيين وألغيت سنة 1311، لكنها عادت إلى الظهور في نحو سنة 1740، عندما نفي فرسان مالطا لداعي تهمتهم بالاشتراك مع الماسونيين.
وقس على ما تقدم كثيرا من الدرجات العالية التي استحدثت في الماسونية، وكان لكل منها غرض في حينه، ولذلك ترى بالمقابلة أنها لا تنطبق بعضها على بعض، وربما خالفت في بعض الأحوال مبادئ الماسونية الحقيقية، الأمر الذي يجعل لغير الماسونيين بابا للانتقاد والتنديد.
وقد صادقت هذه الدرجات ترحابا عظيما في فرنسا، ففتح لها الماسون هناك صدورا رحبة، وأغفلوا الدرجات الثلاث الأصلية التي هي بالحقيقة الدرجات الماسونية الحقة، وربما كان ذلك لجهلهم الغرض الشريف المقصود منها؛ فعكفوا على الدرجات العليا، فضربوا الأثلاث وجمعوها، فكانت لهم درجة 9 وهي 3 × 3، ودرجة 33، ودرجة 90، وجعلوا لكل من هذه الدرجات إشارات وكلمات ورموز خصوصية، فرغب الناس في الانضمام إليها، ولا تزال تلك الرغبة شديدة في كثيرين إلى هذا اليوم.
فعلى مثل ما تقدم نشأت الدرجات العليا، ولمثل هذه الغايات أنشئت، على أن ذلك لا يمنع كونها الآن على خلاف ما ذكر؛ لأن الجماعات مؤلفة من الأفراد، فتختلف مقاصدها باختلاف مقاصد أولئك الأفراد.
فإذا كان شأن الماسونية الحرة في فرنسا على ما تقدم، لا نعجب إذا رأينا البوليس يتتبع خطواتها ويجعل في طريقها العثرات، فإنه في 5 يونيو (حزيران) سنة 1744 أكثر من التحريات عن الاجتماعات، فباغت اجتماعا في باريس شتت شمل أعضائه.
وفي سنة 1744-1747 نشرت في حق الماسونية منشورات عديدة تتهمها بالتداخل في الأعمال السياسية والدينية. وعلى هذه المنشورات بني كل ما تبع ذلك من الاضطهاد.
وقد كان من نتائج تلك الاضطرابات في فرنسا تعداد المحافل والمدارس الماسونية، ففي سنة 1754 أسس مجمع
4
من الدرجات العليا على مثل نظام الفرسان الهيكليين، انضم إليه عدة من سراة البلاد ورجال الدولة، وكان يعرف باسم «مجمع كليرمون»؛ لأن اجتماعاته كانت تلتئم في مدرسة كليرمون الجزويتية، وكان للجزويت باع طولى في تأسيس ذلك المجمع.
تسمية المحفل الأعظم الفرنساوي
وكانت محافل فرنسا إلى ذلك العهد تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي القائم في باريس. ففي 4 يوليو (تموز) سنة 1755 أقروا على تسميته «المحفل الأعظم الفرنساوي»، باجتماع الآراء في جلسة رسمية قانونية، وأقروا في تلك الجلسة على قبول لائحة القانون الجديد، وهي تشتمل على 44 مادة، وفيها درجات الاسكوتلانديين، ويستدل من نصوص بعض المواد أن من موضوعها المساعدة في نشر الكثلكة، ونص المادة الثانية يوجب تعميد الطالبين.
وفي سنة 1756 تشكل المجمع الأول الفرنساوي تحت اسم «فارس المشرق»، ومن قوانينه أن أعضاءه يدعون أمراء وسلاطين.
وفي سنة 1758 نشأ مذهب جديد مؤلف من 25 درجة، وتألف منه مجمع دعا نفسه «مجلس شورى إمبراطوري المشرق والمغرب»، وأعضاؤه ملوك وأمراء ماسونيون، وانتشر هذا المذهب في أنحاء كثيرة من أوروبا.
وفي سنة 1763 أخذ بنسمايل رئيس محفل لاكندور في متس في نشر درجات هذا المذهب، وبينها درجة «القنطرة الملوكية» ودرجة «الصليب الوردي» وهي مستحدثة في ذلك الوقت، وقد قال أحد المؤرخين إن هذه الدرجة «يعني الصليب الوردي» ليست شيئا آخر سوى مذهب الروم الكاثوليك منتظما على شكل الدرجة.
اختلافات داخلية
ثم أخذ إمبراطورو المشرق والمغرب وأمراؤهما أن ينقسموا فيما بينهم، فنشأ انقسام المحافل. وملافاة للعاقبة أصدر المحفل الأعظم الفرنساوي أمرا عاليا في 24 أوغسطس (آب) سنة 1766، مآله: مقاومة الدرجات العليا ومجامعها، ومنع المحافل الرمزية من اعتبارها بصفة رسمية، وأرسل هذا القرار إلى المحفل الأعظم الإنكليزي فصادق عليه، وجرت بينهما في سنة 1767 مخابرات رسمية آلت إلى عقد معاهدة مآلها: أن لا يصرح أحدهما بإنشاء محافل فرعية تحت رعايته في البلاد التي هي تحت رعاية الآخر. إلا أن هذه المعاهدة لم تكد تظهر قبل أن تفاقم الخطب في المحافل الفرنساوية، وزاد انقسامها فآل الأمر إلى إنشاء محفل أعظم ثاني. وكيفية ذلك أن كلا من الحزبين بالغ بالقحة، حتى إنه جعل يطعن بالآخر جهارا في المطبوعات العمومية، فتداخلت الحكومة المحلية في المسألة، فأمر المحفل الأعظم جميع المحافل أن تتوقف عن الاجتماع، غير أن ذلك لم يمنع بعضها من الاجتماع سرا؛ فلم تأت سنة 1771 حتى تأسست محافل أخرى، إما من تلقاء ذاتها، أو برخصة من الأستاذ الأعظم، أو بإقرار من رؤساء المحافل الفرعية، فنشأ نحو من 30 محفلا في باريس وأقاليمها، ولا يخفى أن كثيرا من الإخوة في فرنسا كانوا لا يزالون يتذكرون علاقتهم مع إنكلترا، بل كانوا يعتبرون سيادتها عليهم، فأنشئوا محفلا أعظم ثانيا لم يمكث طويلا.
وفي يونيو (حزيران) من تلك السنة توفي الأستاذ الأعظم كونت كليرمون، وهو لم يأت على شيء من الإصلاح. وقبل وفاته تمكن كثيرون من الإخوة القدماء من الأشراف وأعضاء البرلمان من تثبيت المحفل الأعظم الفرنساوي بعض التثبيت، وتقرب كثير من الإخوة المنفيين من المحفل الأعظم بوسائط مختلفة، وأبدوا إخلاصهم وأملهم بإصلاح الأحوال. وفي اجتماع 21 يونيو (حزيران) من سنة 1771 قبل المحفل الأعظم بعض هؤلاء الإخوة وأعادهم إلى حضنه، في اجتماع عقد تحت رئاسة ثلاثة من الإخوة الأساتذة القدماء، وقرروا في ذلك الاجتماع وجوب الإعمال على انتخاب أستاذ أعظم.
تنظيمات جديدة واتفاق المحافل والمجامع
ففي 14 أوغسطس من تلك السنة (1771) انتخب موظفو المحفل الأعظم، وقدم في تلك الجلسة لائحة قوانين مؤلفة من 53 و41 مادة، فتقرر قبولها ووقع عليها النائب الأعظم.
وتختلف مواد هذه اللائحة عن التي كانت قبلها باعتماد طريقة التنويب، واتحاد المحافل في تقرير المسائل العمومية المبنية على القانون.
وفي 17 ديسمبر (كانون الأول) من تلك السنة تقرر تعيين 22 رقيبا أعظم إقليميين، على أن يبقوا في تلك الوظيفة ثلاث سنوات متتابعة. أما واجباتهم فزيارة المحافل، ومراقبة تنفيذ القوانين فيها، مع تعيين مقدار شغل كل منها، وأن يقدموا كل ثلاثة أشهر عند اجتماع المحفل الأعظم تقريرا فيما راقبوه وعرفوه.
وفي 5 أبريل (نيسان) سنة 1772 انتخب دوك شارترس للرئاسة العظمى في المحفل الأعظم، وقد قبل تلك الوظيفة على نية توحيد الدولة الماسونية، ولم تكن مقاصده محصورة في المحفل الأعظم فقط، ولكنها كانت شاملة لمجامع الدرجات العليا التي يرأسها إمبراطورو المشرق والمغرب، وقد تقرر ذلك حسب مرغوبه في 9 أوغسطس (آب) من تلك السنة.
إنشاء الشرق الأعظم الفرنساوي
ولما تم قرار 9 أوغسطس على ما رأيت تعينت لجنة من قدماء الإخوة للنظر في بعض الإصلاحات؛ تخلصا مما كان يخشى وقوعه من الشرور.
وفي 17 سبتمبر من تلك السنة تفرق في المحافل منشور ينسب فيه الانقسام الذي كان حاصلا إلى تطلب الدرجات العليا امتيازات خصوصية، فبحثت تلك المحافل في جلساتها التي انعقدت أثناء سنة 1773 بالمواد التي وضعت بشأن إعادة الامتيازات.
وفي 9 مارس (آذار) التأم المحفل الأعظم تحت رئاسة دوك لكسمبرج، وصادق على تسمية ذلك المحفل الذي تألف من اتحاد الفئتين «المحفل الأعظم الوطني».
وما زال المحفل الأعظم الوطني يجتمع بانتظام. وقد قرر بنودا كثيرة طبعت ومنشورات فيها ملخص أعماله، تفرقت في المحافل في سائر المملكة الفرنساوية، وفيها ما نصه:
إن رؤساء المحافل الباريسية قد بلغتكم تعيين سمو دوك شارترس رئيسا أعظم، والأخ الشهير دوك لكسمبرج مدبرا عاما للماسونية في فرنسا. وبناء على اقتضاء الأحوال قد تعينت لجنة من ثمانية مندوبين بإقرار الرؤساء في باريس، لكي ينظروا في قضية قد مر عليها ستة أشهر وهي في مجال البحث. ثم إن الدعوة التي دعيتموها بالمنشور للاجتماع في اللجنة، فقد حضر مندوبوكم إليها وأظهروا أهليتهم، والتأموا في اجتماع 5 مارس (آذار) سنة 1773. ثم في الاجتماع التالي الذي انعقد في 8 من الشهر المذكور أظهروا قبولهم، وصادقوا على انتخاب سمو الأستاذ الأعظم وحضرة المدبر العام، وقد أقروا مع إخوانهم في باريس على السعي الشديد بما فيه خير العشيرة. وفي 9 منه اجتمع مجلس من نواب الأقاليم تحت رئاسة المدبر الأعظم، وتداولوا مع المندوبين المنتخبين من رؤساء المحافل في باريس، ثم سار سبعة من الإخوة تحت رئاسة المدبر الأعظم إلى الأستاذ الأعظم يطلبون مصادقته فنالوها، فعرضوا على الجلسة القوانين التي كان ألفها مندبو محافل باريس، فتعينت لجنة من تسعة إخوة لتفحصها. ونظرا لشدة غيرة المحترمين في باريس، ورغبتهم في العمل في سبيل النفع العام، قد اجتمعوا في خمسة أقسام لتعيين أربعة عشر مندوبا؛ لينوبوا عنهم في الاجتماع العام، فاجتمع هؤلاء المندوبون مع نواب الأقاليم ونواب باريس بالنيابة عن جميع الماسون الفرنساويين التابعين للمحفل الأعظم الوطني، وقرروا استحسان تلك القوانين اعتمادا على أنها تئول إلى ملافاة التهورات التي كان يظن تطرقها إلى الإدارة السابقة ، وكان غرضهم الأول إقامة الحد، فاستدعوا رؤساء الأقاليم لمشاركتهم في الاستيلاء على حققوهم وامتيازاتهم.
وخشية أن يكون في تجديد انتخاب المتوظفين ما يكدر الاتفاق تركوه للمدبر الأول، الذي له الأفضلية في كل الاجتماعات، ثم نظروا في أمر المالية، وقرروا جمع مبالغ وصرفها في سبيل احتياجات المحافل التي هي تحت المحفل الأعظم الوطني الفرنساوي، وقد كان بين موظفي المحفل الأعظم الوطني المذكور عدد من الأشراف، كالأستاذ الأعظم دوك شارترس، والمدبر الأعظم دوك مونت مرنسي لكسنبرج، والمحافظ الأعظم الكونت بوزنسوا، ونائب الأستاذ الأعظم البرنس روجان، والخطيب الأعظم بارون دي لاشفالري، والمرشد الأعظم البرنس بكناتلي، وهذا الأخير تعين سنة 1770 من قبل المحفل الأعظم الإنكليزي أستاذا أعظم في نابولي وسيسيليا وغيرهما.
وفي 30 أوغسطس (آب) نهض المحفل الأعظم القديم إلى إقامة الحجة، وصرح أن المحفل الأعظم الوطني غير قانوني، وأن الأساتذة المترأسين على المحافل مشتركون معه بذلك، فكان المحفل الأعظم القديم عثرة في طريق المحفل الوطني، ولا سيما بقطع المخابرات؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الإخوة المنضمين إليه حديثا، وكانت الدفاتر والسجلات والمذكرات المهمة لا تزال في مكتب كاتب سر المحفل الأعظم القديم، ولذلك لم يكن في وسع المحفل الأعظم الوطني الإجابة على شيء مما كانت تسأله عنه المحافل من تلك الأوراق.
وقد اجتهد المحفل الأعظم الوطني بوسائط مختلفة مع أعضاء المحفل الأعظم الآخر بين استعطاف وتهديد لكي يسلموا تلك الأوراق، فذهبت كل مساعيه أدراج الرياح، فآل الأمر إلى تداخل الحكومة، فتوجه اللورد لكسمبرج إلى وكيل البوليس، وطلب إليه أن يقبض على أمين ختم المحفل الأعظم ويلقيه في السجن مع كثير من الأعضاء غيره، ولم تكن النتيجة إلا زيادة العداوة بين الجانبين وسقوط كثير من المحافل. ثم أطلق المسجونون وقد زاد إصرارهم على التوقف في تسليم الأوراق.
هذه حالة الماسونية في فرنسا سنة 1773، وقد كانت على مثل ذلك في إنكلترا وجرمانيا.
وقد كانت لائحة القوانين وقرار 5 مارس لا يزالان بدون مصادقة الأستاذ الأعظم دوك شارترس، فتعينت لجنة من أربعة إخوة متوظفين توجهوا لمقابلة الأستاذ الأعظم وطلب مصادقته، فرفض مقابلتهم انتقاما لما سبق في حقه من الاستهزاء عند استلامه زمام الرئاسة، فعادوا إليه ثانية، فرفض أيضا. وما زالوا يسعون إلى غرضهم حتى 14 أكتوبر؛ إذ جاءوا إليه بحيلة تهنئته بمولود له جديد، ولما قابلوه عرضوا ما جاءوا من أجله وطلبوا إليه تعيين يوم مخصوص لأجل تنصيبه، فعين يوم 22 أكتوبر لذلك.
وفي اليوم المعين حصل احتفال التنصيب، وأقسم الموظفون على إخلاصهم، فثبتهم الرئيس الأعظم ثم صادق على اللائحة وسائر القرارات وختمها بختمه.
ومن يوم تنصيب الأستاذ الأعظم أبطل اسم «المحفل الأعظم الوطني»، وعوض عنه باسم «الشرق الأعظم الفرنساوي»، فأخذ من ذلك الحين في تنظيم شئون الماسونية، فقرر أن المحافل التي لا يكون لديها براءة من الشرق الأعظم لا تعتبر قانونية، فاضطر كثير من المحافل القديمة أن تجدد براءتها.
ثم تراءى للإخوة النظر في أمر تحوير الدرجة العليا، وعينوا لذلك لجنة، إلا أن المحافل لم يكن لها رغبة في ذلك، وإنما رغبتهم كانت بالدرجات الرمزية الثلاث فقط، وفي 10 يونيو (حزيران) سنة 1774 قرر الشرق الأعظم إنشاء محافل لقبول النساء.
وكان الشرق الأعظم في بادئ الرأي يلتئم في بيوت بعض الإخوة، ثم استأجروا له بناء كبيرا كان مدرسة للجزويت، وانتقلوا إليه في 12 أوغسطس (آب) سنة 1774.
محافل إقليمية
وفي 22 أكتوبر سنة 1774 قرر الشرق الأعظم الفرنساوي وجوب تأسيس محافل إقليمية فاستشار، فقدمت له لوائح عديدة فاختار منها واحدة، من مقتضاها أن فرنسا عموما تقسم إلى 32 مقاطعة أو إقليم، وعاصمة كل من هذه الأقاليم تكون مركزا للمحفل الأعظم الإقليمي، وهذا المحفل يتألف من رؤساء المحافل الحاليين والسابقين وبعض مندوبي المحافل التي هي في مقاطعته. ولكل من المحافل العظمى الإقليمية الحق بإرسال نائب ينوب عنه أمام الشرق الأعظم، ومن مجتمع هؤلاء النواب تتألف لجنة تنظر في أحوال الماسونية بوجه عام، تنتقد سيرها وتبحث فيما تحتاج إليه من الإصلاح، وتراقب أعمال المحافل وتلاحظ محافظتها على القوانين وتنفيذها لأوامر الشرق الأعظم، ولهذه اللجنة الحق بفصل ما يقع من النزاع بين الإخوة والمحافل، وعليها الاستعداد لتعيين الموظفين في الوقت المعين وللنظر في المذكرات التي تلقى أمامها وغير ذلك. وهي تقابل اللجنة المستديمة في الشرق الأعظم المصري.
فصادفت هذه اللائحة مصادقة الشرق الأعظم، إلا أنها قلما صادقت تنشيطا. فلم ينشأ إلا أربعة أو خمسة محافل إقليمية أقدمها محفل ليون، وأصبح الشرق الأعظم ينظر إلى تلك اللائحة نظر الارتياب. وفي 29 ديسمبر (كانون الأول) سنة 1810 أبطلها.
وقد كان موظفو الشرق الأعظم يلازمون وظائفهم مدة حياتهم، إلا الأستاذ الأعظم، ففي 27 ديسمبر (كانون الأول) سنة 1774 التأم الشرق الأعظم، فاستدعى لكسمبرج ووافقه كثيرون من الموظفين أن يجعل تعيينهم في تلك الوظائف لمدة ثلاث سنوات فقط، وأن للشرق الأعظم بعد ذلك أن ينتخب خلافهم وتقرر ذلك، فقال الأستاذ الأعظم إنه هو أيضا يطلب مثل ذلك في تعيينه، فلم يوافقوه. واحتفالا بذلك الاجتماع واحتراما لذلك القرار أطلق 35 مسجونا من الإخوة الذين سجنوا لتأخرهم في دفع ما كان عليهم من مصاريف بيوتهم وغيرها، وآخرون كانوا تحت طائلة القصاص أفرج عنهم.
وفي 25 ديسمبر (كانون الأول) سنة 1775 حضر الأستاذ الأعظم بنفسه لتكريس محفل لاكاندرو في باريس.
مقاومات ودسائس
ثم إن الماسونية قاست بعد ذلك دسائس كبيرة من جمعيات مختلفة المقاصد، كانت تتلبس بها، منها جمعية «ستريكت أوبسرفانس» يقال إن الجزويت أسسوها لمقاومة الماسونية، وسعوا بها إلى فصم عروتها، ولكنهم لم يأتوا على ما أرادوا. كل ذلك لإغفال الماسونيين مراعاة القواعد الأساسية من قوانينهم.
ومن هذه الجمعيات جمعية أنشأها رجل كان يدعى يوسف بلسمو، ثم دعي كاليوسترو، ودعي أيضا بأسماء وألقاب أخرى كثيرة. ولد في بالرمو من أعمال إيطاليا سنة 1743، ولما شب درس المبادئ الطبيعية من كيمياء وفلسفة طبيعية وغيرها، بعد أن تزوج في رومية بلورنزا المشهورة بالجمال، ثم سافر إلى بطرسبرج وكان يدعي نفسه تارة ماركيس بلليجريني، وتارة الكونت فيلكس، ولكن في الأغلب كان يدعى كونت كاليوسترو، وكان يدعي تارة السحر وطورا استخراج الذهب أو إتيان المعجزات، إلى غير ذلك من الخزعبلات التي كان يتخذها وسيلة لسلب مال الناس؛ فالتف حوله بعض الطلبة وكان ينفث فيهم من تعاليمه، ويشترط عليهم أن لا يأكلوا إلا مآكل معلومة، واشترط عليهم مثل ذلك في الشرب واللباس وسائر حاجيات العيش، ولم يكن ذلك كل ما اقترفه هذا الرجل، فإنه تطرق بمساعيه وما اكتسبه من النفوذ إلى الالتحاق بالماسونية، فقبل سنة 1770 في أحد محافل لندرا على نية أنهم يطلعون منه على شيء من تعاليم جمعية الروسيكروسيان، فتلقى الدرجات الثلاث في ليلة واحدة، وأدخل امرأته معه على أمل أن تكون معضدة له في مقاصده. ثم سار إلى جرمانيا وهناك تعرف بمحفل «ستريكت أو بسرفانس»، فانضم إليه ثم سافر مصحوبا ببعض المنشورات الماسونية التي تحصل عليها ببعض سبل الخداع، وجعل يعلم في الناس تعليما جديدا، واستحدث طريقة ماسونية دعاها «الطريقة المصرية»، أنشأ عليها جمعية انتشرت تعاليمها على الخصوص في فرنسا، وكان هو رئيسها واسمه «الكوفتا الأعظم»، وهو لقب الكهنوت في مصر، وامرأته «الكوفتين العظمى»، وأعضاء هذه الجمعية كانوا يعرفون بالكوفتا والكوفتين؛ لأن الجمعية كانت على فرعين فرع للرجال وآخر للنساء، وكان كاليوسترو يكرس الرجال وامرأته تكرس النساء، وكانت رئيسة محفل النساء تدعى «ملكة شبا».
أما ما كان ينتظره المنتظمون في سلك هذه الجمعية فإطالة العمر، وكانوا ينتحلون للحصول عليه طرقا مختلفة رجالا ونساء، وكان كاليوسترو يستخدم أحيانا حجر الفلاسفة على زعمه، فيحول سائر المعادن إلى الذهب، لكنه لم يكن يحصل درهما من الذهب إلا بعد أن ينفق على تحويله قيمة أربعة دراهم.
وفي سنة 1779 سار إلى كورلاند وأسس فيها عدة محافل، وتوصل إلى مقابلة كاترينا إمبراطورة روسيا بواسطة الكونتس إليزا، إلا أنها لما اتصل بها ما كان من نفاقه، أشهرت أمره بمنشورات ترجمت إلى اللغة الروسية، فعاد إلى فرنسا فلاقى هناك صدورا مفتوحة ترحابا به، وبالغ الفرنساويون في تعظيمه، حتى إنهم كانوا يلقبونه أحيانا بكاليوسترو الإلهي، وكانوا يتبركون بصورته لا سيما الشرفاء، فيجعلونها قلادة في أعناقهم، وصورة امرأته زينة لخواتمهم وسائر مصاغهم وأدواتهم.
وفي سنة 1782 سار إلى ليون، وهناك أسس المحفل المصري الرئيسي، ودعاه «محفل انتصار الحكمة». ومن هذا المحفل نشأت محافل عدة نال بها مالا كثيرا .
فلما رأى الباريسيون ما كان من نفوذ هذا الرجل في ليون، تاقوا بكليتهم إلى استجلابه إليهم، فتمكنوا من ذلك، فلاقى بينهم إكراما عظيما، فحدثته نفسه أن يترأس على كل المحافل الماسونية، لكن حدسه هذا لم يتحقق قبل أن ظهرت خزعبلاته فترصده البوليس، ففر من فرنسا قبل الثورة الفرنساوية وسار إلى لندرا، ومنها إلى رومية، وهناك قبض عليه وأودع السجن في 27 ديسمبر (كانون الأول) سنة 1789. وبعد المحاكمة مدة طويلة حكم عليه بالإعدام، فعفا عنه البابا، فتحول الحكم إلى الأشغال الشاقة مدة الحياة، فتوفي سنة 1795.
السن الشرعي وكلمة الستة أشهر
فملافاة لمثل هذه الحوادث اضطر الشرق الأعظم إلى وضع قوانين جديدة، فالتأم في 21 فبراير (شباط) سنة 1777، وقرر: (1)
أنه لا يجوز للمحافل الماسونية أن تطبع شيئا وتنشره قبل مصادقته عليه. (2)
أن السن الشرعي للأخ التلميذ 21 سنة، وللرفيق 23 سنة، وللأستاذ 25 سنة.
ثم رأى الأستاذ الأعظم بعد ذلك اتخاذ رابط وطيد يمنع تطرق الدسائس إلى العشيرة، فارتأى أن يتفق سرا على كلمة مخصوصة دعاها كلمة الستة أشهر، يتلقنها الإخوة وتستبدل كل ستة أشهر، وبها يمكنه زيادة المحافل، وبواستطها يعرف أنه ماسوني حقيقي، فعرض رأيه على الجلسة فاستحسنته وقررته.
التحاق الفيلسوف ڤولتير بالماسونية
وفي سنة 1778 انضم الفيلسوف الشهير فولتير إلى الماسونية في محفل «التسع أخوات»، قدمه إلى الهيكل فرنكلين وكونت جبلين، وكانت امتحاناته مقصورة على بعض مسائل أدبية مع إغفال الامتحانات الأخرى الاعتيادية، بعد انضمامه بيسير نقل إلى الشرق الأعظم، وكان من أهم أعضائه، وأصبحت المحافل بعد ذلك على رغبة شديدة في الأبحاث العلمية والفلسفية، فلم تكن تنعقد جلسة إلا ويجول فيها الأعضاء بالأبحاث الفلسفية والتاريخية والصناعية، وازدادت رغبتهم في عمل الخير، وكانوا يجمعون في جلساتهم كميات وافرة من النقود تنفق في سبيل البر.
إدخال درجات عليا في الشرق الأعظم
وفي 18 يناير (كانون الثاني) سنة 1788 قرر المحفل الأعظم القديم وجوب نشر أسماء موظفيه في الجرائد بعد الانتخاب، واستمروا عليه بعد ذلك. ثم نشأت محافل أخرى أكثرها ليس من الماسونية بشيء، وكانوا لا يعترفون بسلطة الشرق الأعظم الفرنساوي، فاضطر الشرق الأعظم أن يجعل حدا لسلطته، فصرح لكل محفل أن يتخذ الخطة التي يريدها، فأصبحت سلطته محصورة في المحافل التابعة للطريقة الفرنساوية، وقد فعل ذلك دفعا لما كان موجها نحوه من التهم بمعارضته للجمعيات الأخرى، إلا أنه كان لا يزال ساعيا تحت طي الخفاء إلى تعميم سلطته وتعاليمه.
وفي أثناء ذلك كانت الدرجات العليا آخذة في الانتشار رويدا رويدا، حتى أصبح لها شأن رفيع، فاضطر الشرق الأعظم الفرنساوي إلى التساهل فيما كان مصرا عليه، وأن يقبل الدرجات العليا، فبحث في شأن تحوير نظاماته، إلا أن اللجنة التي تعينت لذلك لم تكن راضية باعتماد الدرجات العليا، فلم تحور شيئا.
وفي سنة 1782 تعينت لجنة تحت اسم «مجلس الدرجات» لتفحص الدرجات العليا فحصا جيدا، وبعد البحث والتحري مدة خمس سنوات عرضت نتيجة عملها إلى الشرق الأعظم، وقررت انتخاب أربع منها، وهي: (1)
درجة «المنتخب». (2)
درجة «شفاليه المشرق». (3)
درجة «اسكوتسيا». (4)
درجة «شفاليه الصليب الوردي».
وانتخابها مبني على أن تعاليمها شبيهة بالتعاليم الماسونية، فصادق الشرق الأعظم على قرار اللجنة، وصرح أن هذه الدرجات الأربع هي الدرجات العليا التي يقبلها الشرق الأعظم تحت رعايته بصفة قانونية.
إلا أن ذلك لم يأت بعواقب حسنة؛ لأن بعض المحافل التابعة للشرق اعتبرت ذلك التصريح بدعة لا طائل تحتها، ورؤساء وأعضاء مجامع الدرجات العليا اعتبروه إباحة لأسرارهم، فكان الرفض متبادلا من الجانين. إلا أن الشرق الأعظم لم يتحول عن خطته، وحمل كثيرين من رؤساء الطرق الأخرى على الاتحاد معه تعزيزا لجانبه، وطلب أن يكون هو المترئس على المحافل الرمزية في فرنسا، وتعهد أن لا يتداخل مطلقا في طرق اشتغالها، ولا يمنعها من التصريح بالتبنية في الدرجات العليا من طرقها. ولم يكن ذلك إلا كالكتابة على الماء، على أنه استفاد من ذلك بأنه قلل عدد أعدائه، وانضم إليه كثيرون من رؤساء الطرق، فكان على موازاة مع المحفل الأعظم الذي جدد شبابه سنة 1781.
وفي سنة 1783 نشر المحفل الأعظم إلى ما تحته من المحافل لائحة تتضمن ما هو مزمع اتخاذه من المشروعات .
وما زال الخصام قائما بين الشرق الأعظم والمحفل الأعظم، إلى أن أتت الثورة الفرنساوية فوضعت حدا لهذه المشاكل، لكنها قسمت أيضا الفرق الماسونية إلى قسمين. (6) الماسونية في جرمانيا من سنة 1726-1782
لم يكن للماسونية أن تظهر وتتأيد في جرمانيا إلا بعد تولية الملك هنوفر في إنكلترا؛ لأن الماسون الجرمانيين لم يكونوا يستطيعون التظاهر بها في جرمانيا لما كان يحول دون ذلك من الاضطهاد والحرمان الشديد، أما بعد تولية هنوفر وما تجدد بين الأمتين من العلاقات التجارية وغيرها، تيسر لهم أن يتظاهروا بعض التظاهر، فكانوا نحو سنة 1730 منتشرين في جرمانيا المركزية وأنحائها الشمالية والغربية، وكانوا حيثما اجتمعوا يشكلون ما يشبه هيئة المحفل ويتبادلون شعائر الإخاء التي كانت تتوقد في أفئدتهم. أما أعمالهم في تلك الاجتماعات، فكانت مقصورة على تلاوة كتاب الشرائع، والمذاكرة في التعاليم الماسونية.
وفي سنة 1733 أجاز الأستاذ الأعظم الأخ اللورد ستراتمور لأحد عشر أخا من الجرمانيين أن يأسسوا محفلا ماسونيا في همبرج، ولكنا لا نعلم ماذا تم من أمره بعد ذلك الحين، إنما الذي نعلمه أنه في سنة 1737 تأسس في تلك المدينة محفل دعي - في سنة 1741 - «محفل أبي شالوم»، وفي سنة 1740 سمي الأخ لوتمان أستاذا أعظم إقليميا ببراءة من المحفل الأعظم الإنكليزي، وترأس على ذلك المحفل. ومنذ سنة 1741 سمي هذا المحفل رسميا محفلا أعظم إقليميا في همبرج وسكسونيا السفلى، وهو أول محفل عرف بهذه الصفة في جرمانيا.
انضمام فريدريك الأعظم وانتصاره للماسونية
ومما زاد الماسونية شرفا ومنعة انضمام ولي عهد بروسيا البرنس فريدريك إليها، الذي صار بعد ذلك الملك فريدريك الثاني أو فريدريك الأعظم، ولولاه ما استطاعت الماسونية النهوض من حضيضها في تلك الديار، ولكنه لما انتظم في سلكها اقتدى به أمراء بلاده وتابعهم كثيرون من الأشراف، ولم تنته حرب السبع سنين حتى أصبحت الماسونية شرفا يتباهى بالانضمام إليها أشراف البلاد وسراتها.
وكان لفريدريك الثاني رغبة شديدة في الفضيلة والعلم وبثهما في رعيته، ولم ير وسيلة أفضل من الماسونية لهذه الغاية، أما تكريسه فكان في مدينة برونسويك بحضور لجنة من محفل أبي شالوم المتقدم ذكره.
ولما تولى الأحكام سنة 1740 زاد رغبة في نصرة الماسونية، فتولى أمر رئاستها في 20 يونيو (حزيران) من تلك السنة في قلعة شارلتنبرج. وفي 13 سبتمبر منها أسس محفلا في برلين دعاه «محفل الثلاثة عوالم»، وأصبح ذلك المحفل سنة 1744 محفلا رئيسيا.
وما زال فريدريك الأعظم على الرئاسة العظمى حتى أثناء حرب السبع سنين، لكنه لم يكن يستطيع معاطاة الأعمال الماسونية مباشرة بنفسه، لما كان يتجاذبه من مشاغل الأمة؛ فاضطربت داخلية المحفل يسيرا، فعين سنة 1747 دوك هلستين بك نائبا للرئاسة، فحور القوانين ونظم محل الاجتماع وضبط المالية.
انتصار إمبراطور النمسا للماسونية
وكما كان فريدريك الأعظم في بروسيا، كان الإمبراطور فرنسيس الأول في أوستريا. ولد هذا الإمبراطور في 8 ديسمبر (كانون الأول) سنة 1708، وانضم إلى الماسونية سنة 1731 في «هجيو»، واسمه إذ ذاك دوك لوثر ينجن، وكان على كرسي الرئاسة دوك شسترفيلد، ثم ارتقى إلى درجة الأستاذ في لندرا وسمي من ذلك الحين الأخ لوثر ينجن.
وكانت امرأته ماريا تريزا تنظر إلى الماسونية نظر الارتياب، إلا أن ذلك لم يمنع انتشارها، فأسست محافل كثيرة في مدن أوستريا وأماكن أخرى.
وكان فرنسيس الأول شديد الميل إلى الفنون الجميلة والكيمياء، فرقى شأنها ونشر الفضيلة وأيد الدين، وكان محبا للفقراء والمساكين، شديد الرغبة في إعالتهم، حتى إنه خاطر بحياة زوجته مرارا لإنقاذ بعض المساكين في حريق ڤينا وفيضان الدانوب. وكان يقدر علم التاريخ حق قدره، فقد كتب إلى وصي ابنه الذي عهد إليه تهذيبه ما نصه: «إن ابني هذا ينبغي أن يدرس التاريخ درسا يكشف له الغطاء عن شرور رؤساء العالم وأغلاطهم، كما يكشف له عن فضائلهم.»
وفي سنة 1737 استولى على دوكية توسكانا، فلم يكتف بإبطال الاضطهاد الذي كان يتهدد الماسونية في بلاده، ولكنه أخذ جانبها وكان من أقوى نصرائها.
إنشاء محافل أخرى في جرمانيا
أما فيما بقي من بلاد جرمانيا فكانت الماسونية أسرع انتشارا؛ فإن أمير بيروت
5
وكان متكرسا في برلين، أسس في مدينته محفلا دعاه «محفل الشمس»، وفي سنة 1744 أسس محفل «فريدريك» في هنوفر، ثم تأسست محافل أخرى كثيرة في دراسدن. وفي سنة 1741 تأسس محفل «مينارڤا الثلاث نخلات» في ليبسك.
وفي سنة 1742 تأسس محفل «الوحدة» في فرنكفورت، ولم تكن المحافل الجرمانية تشتغل إلا بالدرجات الثلاث الرمزية، وكان أساس أعمالها كتاب النظامات الإنكليزي، وإليه وحده كان مرجع أحكامها، على أنهم ما لبثوا بعد حين حتى شعروا باحتياجهم إلى قوانين محلية تسن على مقتضيات ظروفهم. أما الطريقة التي كانوا يشتغلون عليها فهي طريقة بريتشارد، ولم يكن في عداد أعضاء محافلهم إلا الأساتذة، أما من كان دون هذه الدرجة فلم يكن له حق العضوية. وكانت المحافل مستقلة بأعمالها، فيقرر كل منها بما يتراءى له ويستحسنه، فنتج من ذلك تباين في نظاماتها وقوانينها.
وكانت المحافل في نومبرج تفرض على أعضائه أن يقدم الواحد كل سنة مقالة علمية على الأقل. أما في برونسويك فكانت المحافل تنعقد أسبوعيا سنة 1763 وتبحث في مواضيع مختلفة كلها علمية، وفي نحو هذا الزمن انضم إلى الماسونية كثير من سراة البلاد ووجهائها، ولم يكن يشتغل في المحافل إلا الأغنياء لكثرة ما يحتاج إليه العمل من النفقات الباهظة بين مساعدات وولائم وما شاكل، فآل الأمر إلى انحصار الماسونية في الأشراف وذوي الثروة، وحرمان كثيرين ممن هم ذوو لياقة ومعارف. وهذا إجحاف لا يسامحون عليه؛ لأن واجبات الماسونية وأعمالها أشرف من ذلك كثيرا، فضلا عن أن الصف الأوسط من الناس أقدر على حفظ النظام والمحافظة على القوانين من الصف الأعلى.
ثم إن الدرجات الماسونية العليا ما لبثت أن انتشرت في فرنسا حتى انتقلت إلى جرمانيا. وقبل النظر في كيفية دخولها ننظر في كيفية انتشار الماسونية عموما في جرمانيا.
انتشار الماسونية في جرمانيا
كان المحفل الأعظم الملوكي في برلين واسمه «الثلاث عوالم» متبعا في أعماله خطة المحفل الأعظم الإنكليزي، فأسس محفلا دعاه «محفل القهارمة» - وكان مثل هذا المحفل في إنكلترا - لأجل النظر في ضبط مالية المحافل وزيادة مداخيلها، فآل ذلك إلى البذخ في الولائم فنفدت المالية، فتساهل بعض المحافل في اختيار الطالبين والتحري عنهم. فتخلصا من اختلاط المستحقين بغير المستحقين اجتمعت محافل همبرج وفرنكفورت وغيرها، وتباحثت فيما يجب اتخاذه لملافاة الخطب، فاقترح بعض الأعضاء استحداث علامة تتفق عليها المحافل ولا يبيحون بها إلا للمستحقين، فيتعارفون بها فينفصلون من غير المستحقين، واقترح آخرون من محافل فرنكفورت أن يجعل للمحفل الرئيسي ختم تختم به الشهادات، ويجعل على الوجه المخالف لمحل الختم توقيع الأستاذ الأعظم ومنبهيه. وتقدمت اقتراحات أخرى لم يقرروا شيئا منها.
وبما أن ملك البلاد لم يعد يستطيع النظر في أشغال المحافل بنفسه؛ لضيق وقته، ونظرا لوفاة نائبه أصبح المحفل الأعظم سنة 1755 بدون رئيس، فانتخبوا الأخ ڤون رملسبرج للرئاسة، إلا أن هذا الانتخاب لم يصادف مصادقة كل المحافل، فوقع الخلاف بينها، لكن ذلك لم يمنعه من تعاطي تلك الوظيفة بكل نشاط.
ثم أسست محافل كثيرة في إشرسلبن وهوشبرج ودانسك وستتن وغيرها.
ومثل ذلك الاضطراب حصل في محافل هنوفر وفرنكفورت.
حالة جرمانيا في أواسط الجيل الثامن عشر
وفي متوسط الجيل الثامن عشر اتخذت المحافل الجرمانية اللغة الفرنساوية في محافلها؛ لأنها كانت لغة الطبقة العليا من الناس، وكانت تسمى المحافل بأسماء فرنساوية، وكانت اللغة اللاتينية لغة العلماء، أما الجرمانية فكانت لا تزال دونهما من هذا القبيل. وكانت الهيئة الاجتماعية في جرمانيا باحتياج إلى مصلح خارجي لعلومها وتجارتها وعمرانها، ولا سيما في أوائل الجيل الثامن عشر، وقد كان للفرنساويين في ترقية شأن الجرمانيين يد بيضاء، ثم ظهر في جرمانيا أفراد تفردوا بالاجتهاد وحب العلم، فعلموا الشعب ورقوا أفكارهم، ثم جاء فريدريك الأعظم الذي تشرب المبادئ الماسونية، فسعى إلى ترقية شأن أمته بعد أن عرف الداء فوصف الدواء، فأصلح البلاد سياسيا وعلميا، فأطلق حرية التعليم، ونشط الفنون والصنائع، واكتسب ثقة الدول الأجنبية، ويقال بالإجمال إن هذا الرجل العظيم هو الذي أنهض جرمانيا من حضيض الجهل إلى مرتفع من العمران، ونشط الماسونية على الخصوص؛ ذلك لما رأى من مبادئها ما هو أكبر مساعد لمشروعاته.
اضطهادات
على أن الماسونية في جرمانيا مع ما لاقته من انتصار ملك البلاد لها، وإقبال الفئة العاقلة على الانضمام إليها، فإنها لم تنج من اضطهاد رجال الدين، فإنهم نظروا إليها نظر الارتياب فطلبوا إلغاءها؛ فالكاثوليك ظنوها من قبيل بروتستانت إنكلترا، والبروتستانت كانوا يعتبرونها مناقضة لعبادة الله وللديانة المسيحية، بل وللديانة على وجه العموم. واختلق عليها عامة الناس أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، ونسبوا إليها أعمالا سحرية وخزعبلات، فأجمع الجميع على اضطهادها. ومما زاد ارتياب القوم فيها شدة حرص الأعضاء على أسرارهم وإخفاء أوراقهم ومحلات اجتماعاتهم. وقد كان المشهور عن الماسونية أنها لا تشترط على الطالب الاعتراف بشيء مخصوص، فتردد الناس في حكمهم عليها، على أنهم لم ينفكوا عن اعتقادهم أن الماسونيين جميعهم طبيعيون، وأنهم إنما يتظاهرون بالحيادة عن الدين، ولكنهم يحتقرونه باطنا، ونسب إليهم آخرون غير ذلك. على أن الماسونية لم تحرم من كتبة ذلك الجيل غير الماسون من أخذ بناصرها، وبين أنها براء من تلك التهم، واستخرج من قواعدها الأساسية ما أثبت أنها لا دخل لها في أمر الدين على الإطلاق، وبين أن ذلك أشرف المقاصد في توحيد الكلمة.
حل الرموز الماسونية
وقد اشتغل الماسون أنفسهم في جرمانيا طويلا يطلبون حل الرموز الماسونية، ولم يكن لديهم في بادئ الرأي إلا رموز الدرجات الأولى، وقد كانوا في أول أمرهم يجتمعون في المحافل ويستعملون تلك الرموز استعمالا ميكانيكيا، لا يفقهون إلى شيء من غايتها. ثم قام بينهم من أجهد فكرته في حلها، ولما لم يكن لديهم معرفة بتاريخ الماسونية، جعل كل منهم يفسرها على مقتضى ما يقوده إليه عقله، ويبني أقواله على ما اعتاده من الحوادث؛ فكان الكيماوي مثلا يفسرها إلى ما يوافق صنعته، ومثل ذلك الموسيقى واللاهوتي والتاريخي وعالم الآثار القديمة والفيلسوف العقلي والرياضي والفلكي وغيرهم. ولا غرو؛ فإن العشيرة التي تجهل تاريخها تكون عرضة لاختلاف الآراء في أصلها.
الدرجات العليا
وقد ساعد في تشويه وجه الماسونية الجمعيات العديدة التي قامت لمقاومتها، مثل جمعية الفرسان الهيكليين، والجزويت، والروزيكروسين، وغيرهم. ولا ننكر أيضا أنه قامت جمعيات أخرى تشبه كونها فروعا من الماسونية، فأخذت بناصرها وقاومت مقاوميها، منها جماعة الأيلوميناتي «المستنيرين»، وقد انحلت عقدتها في أواخر الجيل الثامن عشر. (7) الماسونية في سائر أنحاء أوروبا وأميركا
وعلى مثل ما تقدم من السبل المختلفة انتشرت الماسونية الرمزية في أنحاء أوروبا وأميركا، وكانت في كل أحوالها لا ديدن لها إلا نشر الفضيلة والعلم. وحبا بالاختصار نذكر البلاد التي دخلتها الماسونية الرمزية في طورها الأول، غير ما تقدم ذكره مع ذكر تاريخ دخولها:
الدنمارك
سنة 1743
بولاندا
سنة 1736
روسيا
سنة 1731
أسوج
سنة 1735
سويسرا
سنة 1737
إيطاليا
سنة 1733
إسبانيا
سنة 1727
بورتغال
سنة 1735
أميركا
سنة 1732
وقد اعترضها في سبيل نشر مبادئها مشاق عظيمة واضطهادات جسيمة، من فئات كثيرة كانت ترى في رفع شأن الماسونية حطة لشأنها. والماسونية مع كل ذلك لم تكن ليتحول عزمها أو تضعف قواها، فكانت تارة تصعد، وطورا تنزل، وطورا تكمن تنتهز فرصة للنهوض.
على أنها لا يسعها إلا الإقرار بما لاقته من الترحاب، في صدور العظماء من الملوك والأمراء ورجال العلم في كل مكان. (8) نظر عام في تاريخ الطور الأول من الماسونية الرمزية
إذا تأملنا بما مر بنا من الحوادث التي توالت على الماسونية بين سنة 1717 و1783، نرى أنها كانت كغيرها من الأجسام الحية في أول أمرها - أي من سنة 1717 إلى سنة 1747 - سريعة النمو في معزل من الأتعاب والمقاومات، فانتشرت واتسع نطاقها واتصلت فروعها بأنحاء العالم المعمور، فاستظل بها عظماء الأرض على اختلاف النزعات بين ملوك وشرفاء وفلاسفة وعلماء وغيرهم، وقد شدوا أزرها ورفعوا شأنها وأحلوها مكانا عليا. أما هي فلم تبخسهم حقهم من الاجتزاء بمنافعها، وقد خدمتهم كما خدموها. وقد كان عليها للتأمين على مستقبل حياتها أن تقرر عدم قبول شرائعها ونظاماتها التغيير، ووجوب الوحدة في الأمور الجوهرية، والمحافظة على القانون الأساسي مع الإباحة لأعضائها الحرية بما خلا ذلك.
فقد أخطأ المحفل الأعظم الإنكليزي من الجهة الواحدة بإهماله وتغافله عن مثل هذه الأمور، وقد ساء التصرف في أمور كثيرة آلت إلى تأخره؛ فمحفل أيرلاندا الأعظم ومحفل سكوتلاندا الأعظم أنشئا بالاستقلال عن محفل إنكلترا الأعظم، بل وبدون علائق حبية بينها، ولم يكن ذلك مناسبا لنموهما ولا لحفظ حياة الجسم الماسوني عموما، فلم تمض مدة يسيرة حتى آل الأمر إلى انقسامات وانشقاقات حلت في عموم العشيرة، وأقام المنشقون محفلا أعظم ثانيا في لندرا، فكان ذلك نماء مرضيا في جسمها.
ثم جاءت الضربات عليها من فرنسا بما كان من أمر الدرجات العليا، وما دعت إليه الحال من اختلاف الأغراض، وما استعمل في التوصل إليها من سبل النفاق والأكاذيب، وما لفق عليها من الأقوال التي ما أنزل الله بها من سلطان، فقالوا باتحاد الماسونية مع جماعة الهيكليين، وأنها وجدت في أيام الحروب الصليبية، وأدخلوا إليها رموزا وتعاليم مستحدثة انتشرت ونمت في جرمانيا وسائر أوروبا وأميركا مشوهة لوجه الماسونية الحقة. فكم من محافل عظمى وغير عظمى نشأت، وكم من مثلها سقطت، وكم من مذاهب مستحدثة انتشرت وقديمة هدمت، وكم من معاهدات أقيمت ونقضت. وقد قبلت في أحضانها كثيرين ممن هم ليسوا أهلا لها، فأفسدوا فيها واستحدثوا في مبادئها أحيانا ما آل إلى المتاعب والقلاقل، وتعريضها إلى الطعن والثلب.
ولكنها أيضا لم تنفك عن نصرة الفضيلة والعلم والقيام بالبر والإحسان وتهذيب الأخلاق. وبالإجمال إنها كانت دعامة الهيئة الاجتماعية وعنوان الكمال، تحمل الفضيلة من بلد إلى بلد، ومن أمة إلى أمة، وكانت تفعل كل ذلك بقدم ثابتة وعزم شديد، غير مبالية بما كان يتهددها من الاضطهاد.
ولا نغفل عما كان للدرجات العليا من التأثير في هيئتها في إنكلترا، لكنها لم تتمكن هناك ما تمكنته في جرمانيا وفرنسا، وإذا نظرنا نظرا عاما إلى حالتها في الأماكن التي احتلتها، نراها كانت تختلف باختلاف الأمة التي هي بين ظهرانيها، فلم يكن ذلك تقصيرا منها أو فسادا في مبادئها، إنما هو من مقتضيات الظروف.
وسترى فيما يأتي عند الكلام عن الطور الثاني أنها عادت إلى حالها من البساطة التي كانت عليها قديما، فإنه طور الإصلاح والتقدم.
الطور الثاني من سنة 1787 إلى هذه الأيام
قد رأيت فيما مر أن الماسونية الرمزية نشأت في إنكلترا وامتدت منها إلى سائر أنحاء أوروبا وغيرها، ولإنكلترا وحدها الفضل في ذلك، إلا أنها لم تتمكن من المحافظة على ما يضمن توحيدها، وما هو غايتها من ترقية التعاليم وتهذيب الأمم في عوائدهم ومبادئهم، ولم تبحث البحث اللازم في تاريخ هذه العشيرة لتتمكن به من إعادة تلك الرغبة في توحيد كلمتها، وكأن ذلك قد ترك عمدا لجرمانيا لتتمه كما سيتضح ذلك فيما يأتي . (1) الماسونية في لندرا من سنة 1787 إلى هذه الأيام
لم يزل الإنكليز إلى سنة 1784 محافظين على قوانين العشيرة وتعاليمها، إلا أنهم أهملوا شيئا من حيويتها حتى أصبح البعض في معزل عن غايتها الأساسية، فتساهلوا في انتقاء الطالبين، فدخل في عنصرها شيء من الفساد، وما زالت إلى سنة 1787 قاصرة في أعمالها على الدرجات الرمزية الثلاث، ولم يكن ثم من الدرجات العليا إلا «القنطرة الملوكية» «رويال ارش»، فأضيف إليها في 4 يناير من تلك السنة درجة هيرودوم.
وفي سنة 1788 تأسست مدرسة بنات الإخوة الماسونيين، وموضوعها تعليمهن وتهذيبهن تهذيبا ماسونيا، وقد كان تأسيسها بمساعي الأخ راسبيني ومساعدة العائلة الملوكية، وعلى الخصوص دوتشس أوف كمبرلند، فدعيت تلك المدرسة «مدرسة كمبرلند الملوكية»، ولم تمض عليها مدة يسيرة حتى اتسع نطاقها وكثر تلامذتها، وتدعى هذه المدرسة اليوم مدرسة البنات الماسونية الملوكية، وهي تحت حماية جلالة ملكة إنكلترا ورئاسة البرنس أوف وايلس، والبرنسس أوف وايلس، وتقبل فيها بنات الماسون من سن ثماني سنوات، وتخرجهن في سن 16 وقد أتممن كل التهذيب والعلم.
وفي فبراير سنة 1790 انتظم في سلك العشيرة دوك كنت وأوغسطس فرديريك، ثم دوك سسكس. ولما توفي دوك كمبرلند انتخب البرنس أوف وايلس في مكانه سنة 1790، ولكنه لم يكرس رسميا في تلك المصلحة إلا في 2 مايو من تلك السنة، ومن ذلك الحين زاد اهتمام الإخوة في المحافظة على القوانين الماسونية واحترام السلطة المحلية، وسادت الحرية، فانتشرت المبادئ الماسونية الحقة التي هي البر والأخوة والاتحاد.
وفي 8 فبراير سنة 1793 أجمع الإخوة في سائر الأنحاء على تقديم عريضة شكر لملك البلاد «إنكلترا»، فقدموها بواسطة رئيسهم الأعظم البرنس لوف وايلس. وفي سنة 1798 تأسست مدرسة ماسونية لتعليم أبناء الماسون، ولا تزال قائمة إلى هذا اليوم في لندرا باسم «مدرسة أبناء الماسون الملوكية»؛ لأنها تحت رعاية جلالة الملكة ورئاسة البرنس أوف وايلس، يدخل إليها الصبيان من سن 7 سنوات، فتقوم بتعليمهم إلى سن 15 سنة، ولهذه المدرسة شأن عظيم الآن في لندرا.
توحيد محفلي إنكلترا العظيمين
وما زالت المحافل في انتظام تحت رعاية البرنس أوف وايلس رئيسها الأعظم، حتى فاقت بعدد أعضائها سائر الأزمنة الماضية، إلا أن الانقسام بين المحفل الإنكليزي الأعظم الحديث والمحفل الأعظم الذي دعوناه القديم، كان لا يزال سائدا إلى أوائل القرن التاسع عشر، وعند ذلك انحلت عروته وتوحد المحفلان، وقد تقدم ذلك التوحيد مقدمات يطول شرحها، نكتفي بأنه تم في 25 نوفمبر سنة 1813 بمعاهدة كتبتها لجنة مؤلفة من ثلاثة من كل من المحفلين، وبعد أن وقعوا عليها صادق عليها المحفلان في أول ديسمبر من تلك السنة، بعد أن حوروا شيئا يسيرا من المادة الخامسة منها، فتألف من المحفلين محفل دعوه «محفل إنكلترا الأعظم المتحد»، وأقاموا احتفاء بذلك الاتحاد في 27 منه احتفالا اجتمع فيه جميع كبار الماسون من إنكلترا، وأرسلت الدعوات إلى محافل أيرلندا واسكوتلاندا، إلا أنه لما لم يكن لديهم من الوقت ما يكفي لتعيين اللجان اللازمة وإرسالها لتنوب عنهم في ذلك الاحتفال، استعاضوا بتحارير تهنئة أرسلوها إلى المحفل المتحد في لندرا، تليت في جلسة التكريس. وفي ذلك الحين انتخبوا دوك سسكس رئيسا أعظم للسنة التالية، بعد أن استعفى دوك كنت، وكانا من أول الساعين في سبيل المصالحة بين المحفلين وتوحيدهما. ثم أعلنت محافل أيرلاندا واسكوتلاندا عما كان من أمر الانتخاب الجديد، ومن ذلك الحين جعل الإخوة يعملون بيد واحدة في الإصلاح والفضيلة والحق، فأصبح كل ما كان من الاختلاف بين الماسون الحديثين والأقديمين في خبر كان.
ثم عكف المحفل المتحد على تحوير القوانين والنظامات، وقد نسي ما كان من التضارب والتحزب، فتفرغ الإخوة إلى العمل الذي تدعوهم إليه أهم واجباتهم.
وفي رئاسة دوك سسكس ازدادت إحسانات الماسونية ومساعيها الخيرية على الخصوص، وما زالت في سعي ونشاط إلى سنة 1829، ثم جعل الفساد يتخللها لما كان يقبل فيها من الطالبين الذين هم ليسوا أهلا للقيام بواجباتها، فاستولى الملل على الأعضاء، فنهض بعضهم من ذوي الهمة وجعلوا من جملة أعمال المحافل في اجتماعاتها إلقاء الخطب الماسونية؛ حثا على الفضيلة وإنهاضا للهمة.
وفي سنة 1834 أصدر الأخ الدكتور كروسفيكس جريدة ماسونية دعاها «فريماسون كوارترلي ريفيو»، ثم أخذ يسعى إلى بناء مستشفى يلجأ إليه المرضى والمعوزون من الإخوة وغيرهم، فجعل يحث المحفل الأعظم على وجوب معاضدة هذا المشروع، وهو إذ ذاك تحت رئاسة دوك سسكس على ما تقدم، لكنه صادف صعوبات جمة، وزد على ذلك افتراءات وردت في حقه بدعوى أنه امتهن الأستاذ الأعظم في اجتماع عمومي، فتعينت له لجنة مخصوصة تتحرى الدعوى، فقررت ما رأته، فحكم عليه بالإيقاف عن الأعمال مدة ستة أشهر، وكان ذلك سنة 1840.
فما كان من هذا الأخ إلا أنه نشر في جريدته مما هو من متصعدات الغضب ما أضر به وزاد الإخوة تعصبا عليه. وفي سنة 1841 عادت ثقة الإخوة لما كانت فيه، فدعوه إلى مأدبة فاخرة وقدموا له هدية شكر. وفي تلك السنة تمكن من وضع أساس المستشفى الذي كان لا يفتر مطلقا عن التحريض على بنائه، إلا أنه بالنسبة لاشتداد المرض عليه لم يجن ثمار غرسه، فتوفي في 25 شباط (فبراير) سنة 1850، أما الماسونية عموما في إنكلترا فما زالت سائرة في نظام تام.
وفي سنة 1836 تمت تصفية دين المحفل الأعظم، وأسست المدارس الخيرية، وكثرت إيرادات الجمعيات الخيرية، وفي سنة 1839 سعى الإخوة إلى إنشاء مكتبة ماسونية.
وفي سنة 1840 حوروا القوانين على مقتضيات الأحوال، وبعد بضع سنين جرت المخابرات بشأن قبول الإسرائيليين الذين يطلبون الانضمام إلى الماسونية وتتضح لياقتهم، وطالت المخابرة بذلك بين محافل جرمانيا من الجهة الواحدة وبروسيا من الجهة الأخرى، أما المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد فلم يكن لديه ما يمنع قبولهم، بدليل أن الماسونية لا تتعلق بفئة دون أخرى من فئات البشر، وإنما هي عمومية يقصد بها النفع البشري العام.
وفي سنة 1844 توفي دوك سسكس، فانتخب أرل زتلاند في مكانه، وكان رجلا حازما صادقا مخلصا محبا للعشيرة، وفي أيامه كثر عدد المحافل، وأقيمت البنايات العظيمة لأجل احتفالات المحافل، وما زال هذا الأرل على هذه الرئاسة إلى سنة 1870. وفي سنة 1868 اجتمع عدة من الإخوة العلماء وأسسوا مجمعا جعلوا مواضيعه منحصرة في الآثار الماسونية والبحث فيها، من حيث ماهيتها وتاريخها وقدميتها وما شاكل، وأن ينشروا كل أعمالهم في جريدة «فري ماسنس مغازين»، ثم يطبعوها على حدة تحت اسم «أعمال مجمع الآثار الماسونية»، وفتحوا بابا للاشتراك في هذا المجمع بصفة أعضاء شرف، بأن يدفع الواحد نصف جنيه كل سنة، أو خمسة جنيهات دفعة واحدة عن كل الحياة.
ولم تأت سنة 1869 حتى تعددت المشروعات الماسونية الخيرية، وتقوت فكثرت إيراداتها. ومن أهم ما كان إذ ذاك أن المحافل ابتنت لأنفسها بنايات تجتمع فيها بدلا من الفنادق والبيوت الخصوصية.
وفي سنة 1870 انتخب للرئاسة العظمى الأخ أرل دي غري، ثم الماركيس أوف ريبون، وما زال هذا على الرئاسة إلى 1874، فانتخبوا لها الأخ الكلي الاحترام سمو البرنس أوف وايلس ولي عهد جلالة ملكة إنكلترا، وهو لا يزال رئيسها إلى هذا اليوم.
موظفو المحفل الأعظم المتحد لسنة 1888
وهاك أسماء موظفي المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد لهذه السنة:
الأستاذ الأعظم
البرنس أوف وايلس ولي العهد
نائب الأستاذ الأعظم
أرل كارنرفون
نائب ثاني
أرل لاثوم
منبه أول أعظم
البرنس ألبرت فيكتور
منبه ثاني أعظم
جنرال فيسكونت واسلي
كاتب سر أعظم
كولونيل شدويل كلارك
سلطة المحفل المتحد الأعظم اليوم
وقد انتشرت سلطة المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد في سائر أنحاء العالم، فنبتت له فروع في سائر الممالك، وجملة المحافل التي أنشئت إلى هذا اليوم تحت رعاية هذا المحفل تبلغ ألفين ومائتين وأربعة وثلاثين محفلا، جميعها رمزية.
وتقسم هذه المحافل إلى ما هو في لندرا عينها، وإلى ما هو في ضواحيها، وإلى ما هو في المستعمرات الإنكليزية كالهند وأوستراليا وغيرهما من المدن، فعدد المحافل التي في لندرا وحدها 350 محفلا، منها 150 محفلا تعليميا، أي لأجل تعليم المبادئ والنظامات الماسونية والتمرين على التقاليد. أما المحافل في ضواحي إنكلترا والمستعمرات الإنكليزية فمنها 83 محفلا إقليميا، وما بقي فمنه 119 في ضواحي إنكلترا، و611 في المستعمرات والمدن الأخرى.
أما المجامع - أي محافل الدرجات العليا - فتعرف بمجامع القنطرة الملوكية، والمجمع الرئيسي لها في لندرا يعرف بالمجمع الأعظم، وتحته مجامع كثيرة في لندرا وضواحي إنكلترا والمستعمرات، يبلغ عددها نحوا من 750 مجمعا، منها 37 في لندرا، و438 في ضواحيها، و185 في المستعمرات والمدن الأخرى. (2) الماسونية في اسكوتلاندا
يقال بالإجمال إن الماسونية أثناء هذه المدة أينعت في اسكوتلاندا، وترأس عليها أفراد من العائلة الملوكية، وأصرت على المحافظة على الدرجات الرمزية الثلاث فقط؛ بناء على أنها هي الدرجات الماسونية الحقيقية، وأن الدرجات العالية داخلة عليها. وفي 30 مايو (أيار) سنة 1803 تم الاتحاد بين محفل اسكوتلاندا الأعظم ومحفل إنكلترا الأعظم. (3) الماسونية في فرنسا من سنة 1784 إلى هذه الأيام
كثرت المجامع الماسونية من الدرجات العليا في أواخر القرن الثامن عشر في فرنسا، فأنشئوا مجمعا أعظم رئيسيا دعوه المجمع الأعظم الفرنساوي، وفي سنة 1787 اتحد هذا المجمع مع الشرق الأعظم.
وما زال الحال كذلك حتى أيام الثورة الفرنساوية. وقد أوقع الناس إذ ذاك بالماسونية ونسبوا إليها المداخلة في أسباب تلك الثورة، على أن الحجة والقرائن أثبتت بعد ذلك أن الماسونية لم تتداخل في شيء من أمر السياسة، إلا من حيث إخماد الثورة وإعالة الأمة والوطن، ولكنها ما برحت - منذ طارت أول شرارة ثوروية - عرضة للاضطهاد والمقاومات، فتوقفت أعمالها وتشتت شمل اجتماعها، حتى آل الخوف بأعضائها إلى تصريح الأستاذ دوك أورليان بقطع علاقاته مع الماسونية بوجه العموم، وكتب بذلك ما يشبه الاستعفاء، وقدمه للشرق الأعظم في 24 فبراير سنة 1793.
وفي أوغسطس من تلك السنة قبل الشرق الأعظم استعفاءه، وأجل انتخاب سواه لجملة أسباب، منها: أن المحافل لم تكن تجتمع إلا نادرا، والاضطهاد كان على معظمه، حتى إن دوك أورليان نفسه وكثيرا من الإخوان ذهبوا ضحية ذلك الاضطهاد. إلا أن الشرق الأعظم كان يجتمع اجتماعات قليلة بين سنة 1793 و1794.
ولم تأت سنة 1795 حتى أصبح الشرق الأعظم اسما بلا رسم، ثم تنوسي فاعتبر منحلا، وأصبحت الماسونية في فرنسا على شفا جرف، إلى أن نهض الأخ روتر وجدد شبابها بسعيه، وكان من أعضاء الشرق الأعظم، وقد قبض عليه متهما، لكنه لم ينفك وهو في السجن عن مخابرة بعض الإخوة الذين عرف فيهم الثبات والحزم، حتى أتيح له الخروج من السجن، فعكف على الاشتغال في الأعمال الماسونية.
وسار على أثره الأخ مراكاديه الغيور، وكان عاملا مع روتر، فعقدا اجتماعا أعادا فيه أعمال الشرق الأعظم، فأحب الإخوة انتخاب الأخ روتر للرئاسة العظمى، إلا أنه لم يقبل الوظيفة، فسمي محترما أعظم، وكان في عزمه أن يجعل جميع الطرق الماسونية تحت رعاية الشرق الأعظم، وأن يضم إليه المحفل الأعظم القديم.
وفي مايو سنة 1799 تمكن من غرضه في ذلك، فكتبت المعاهدة، ولم يعد في فرنسا إلا الشرق الأعظم، فاحتفل بذلك احتفالا عموميا في 28 يونيو من تلك السنة تحت رئاسة روتر.
ولم تأت سنة 1800 حتى أصبح تحت رعاية الشرق الأعظم 74 محفلا عاملا، وفي سنة 1802 صارت 114، فوضعوا لها قوانين جديدة تسير عليها، وطبعوا الدرجات الماسونية الرمزية والعلمية وفرقوها في المحافل للسير بمقتضاها.
وكانت قد انتشرت قبل ذلك الحين في فرنسا تعاليم الطريقة الاسكوتلاندية، وكثر دعاتها وتعددت محافلها، فأنشأت لها محفلا أعظم. وفي ديسمبر سنة 1804 بعد تولية نابوليون الأول بسنة، اتحد هذا المحفل بالشرق الأعظم بمعاهدة رسمية وقع عليها الطرفان، وفي 22 منه تأسس المجلس العالي الفرنساوي.
وقد كان نابوليون بونابرت يظن في الماسونية سوءا منذ كان قنصلا، فلما تولى الملك عين من قبله من سبر غورها وتعاليمها، فعلم صحة مبادئها وعظيم فوائدها، فأجاز لذويه وآله الانضمام إليها. وفي سنة 1805 ترأس عليها ابنه يوسف نابوليون، وجعل نائبا عنه كمباسيريه أحد عظماء الدولة وأصدقاء نابوليون المخلصين، فاتسع نطاق الماسونية واشتد أزرها وتعددت محافلها.
وما زالت كذلك إلى سنة 1814، فصدمتها الحوادث السياسية وزعزعت أركانها، على أنها لم تعدم ممن أخذ بناصرها حالا وأعادها إلى رونقها. وقد كان مركز الرئاسة العظمى خاليا بسبب ذلك الاضطراب، ولما لم يكن من العائلة الملوكية من يشغله عين ثلاثة إخوة بصفة محافظين عظام يقومون بأعمال الأستاذ الأعظم، وجعلوا الأخ روتر نائبا عنهم في الأعمال إلى أن عاد نابوليون الأول من جزيرة البا، فأعادوا رئيسهم السابق عليهم وانتظمت أحوالهم، وذلك سنة 1815.
وفي أوائل سنة 1816 ظهرت في باريس طريقة ماسونية تدعى «مصرايم»، ادعى أهلها أنهم بقية قدماء الإخوة من أيام مصرايم ملك مصر الأول، إلا أن الشرق الأعظم لم يعتبرهم بهذه الصفة. وبعد ذلك ثار جماعة الكهنة في فرنسا على جميع الجمعيات السرية، ولا سيما الماسون والبروتستانت، ونشروا جريدة دعوها «اكلير»، موضوعها أشبه بموضوع بشير الجزويت في هذه الأيام. وفي سنة 1832 انتخب الأخ إسكندر دي لابورد رئيسا على الشرق الأعظم، وفي سنة 1838 قرر الشرق الأعظم أن يعطي نياشين من فضة للإخوة الذين يمتازون بخدامات خصوصية نحو الماسونية، وسعوا إلى بناء بيت دعوه «بيت المساعدة»، وقد تم مشروعهم هذا سنة 1840.
وكان الخلاف لا يزال إلى ذلك الحين متسلطا بين الشرق الأعظم والمجلس العالي، ولم يكن يسمح الشرق الأعظم بقبول زيارة أعضاء المجلس العالي، فسعى الإخوة سنة 1841 إلى توفيق الدولتين، فتمكنوا أخيرا من قبول زياراتهم المتبادلة، ولم يتجاوز اتفاقهم هذا الحد.
وبعد ثورة 1848 جعلت الجرائد العمومية في فرنسا تطعن في الماسونية، بسبب انضمام معظم زعماء تلك الثورة إليها، وشددت عليها النكير، فلم ير الإخوة وسيلة لاكتساب ثقة الحكومة أفضل من أن يرئسوا عليهم أحد الأمراء أعضاء العائلة الملوكية، وكان الشرق الأعظم منذ سنة 1814 خلوا من أستاذ أعظم، فانتخبوا له البرنس لوسيان مورات ابن أخ البرنس لويس نابوليون، وفي ثاني يوم الانتخاب تعينت لجنة من ستة من كبار الموظفين تحت رئاسة الأخ برفبل النائب الأعظم، وساروا إلى البرنس مورات لتبلغيه ذلك الانتخاب فقبل، فعينوا لجنة أخرى للشكر منه واحتفلوا بيوم مخصوص لتكريسه، فاستبشرت الماسونية بحسن استقبال.
وكانت فرنسا إذ ذاك محور الأعمال السياسية في أوروبا، فسعى الإخوة ليجعلوها محور الأعمال الماسونية أيضا، وأن يلتئم فيها كل سنة مؤتمر ماسوني مؤلف من نواب المحافل في سائر أنحاء أوروبا، ففازوا في بادئ الرأي بعقد المؤتمر الأول في 8 يونيو سنة 1855 في باريس، إلا أن ذلك لم يدم طويلا.
ثم إن جراثيم الفساد أخذت تتخلل مبادئ هذه العشيرة، حتى آل الأمر سنة 1862 إلى تداخل القوة الحاكمة، فعين الإمبراطور أحد سردارية جيشه المدعو مانيان رئيسا أعظم على الشرق الأعظم، فاصطلحت شئونها.
ومن مساعي هذا الرئيس أنه طلب من إمبراطور فرنسا أن يعيد للماسون امتيازاتهم القديمة في الانتخاب، ففعل. وفي سنة 1865 وقع عليه الانتخاب للرئاسة العظمى، لكنه توفي قبل الاجتماع الأول، فعين مكانه الجنرال ملينت.
وفي سنة 1867 قرر الشرق الأعظم نظامات جديدة نشرها في المحافل، وفي السنة التالية تأسس في فرنسا 27 محفلا، وما زالت على مثل ذلك رغما عما كانت تقاسيه الماسونية من مقاومات الفاتيكان.
وفي سبتمبر سنة 1876 استحدث الشرق الأعظم الفرنساوي بدعة لم يوافقه عليها شرق من الشروق، ولا محفل من المحافل العظمى، وهي إغفال اسم الجلالة من مستهلات كتاباته وأعماله، خلافا لسائر المحافل الماسونية القائلة بخلود النفس.
فأظهر رأيه هذا في العالم الماسوني، فخطأه الجميع حتى المجلس العالي الفرنساوي، أما هو فلم ينفك عن رأيه، وفي سبتمبر من سنة 1877 قرر وجوب اتباع هذه البدعة في جميع المحافل التابعة له.
والآن في فرنسا الشرق الأعظم والمجلس العالي على الطريقة الاسكوتلاندية سائران الواحد بجانب الآخر، ولهذا الأخير 33 درجة. وللدولة الماسونية الفرنساوية محافل ومجامع فرعية في أنحاء كثيرة من العالم، وعددها معا نحو ستمائة محفل، والرئيس الأعظم لهذه السنة على الشرق الأعظم الأخ دسمون. (4) الماسونية في جرمانيا من سنة 1784 إلى هذه الأيام
إن الماسونية في جرمانيا كانت مقتصرة على المحافل العظمى الإقليمية وما تحتها من المحافل الفرعية.
وفي سنة 1783 تأسس المحفل الأعظم للطريقة الانتخابية في فرانكفورت، باتحاد محفلي فرانكفورت ووزلر العظيمين الإقليميين على إثر مؤتمر ماسوني عقد في ولهلمستاد، ووضع هذا المحفل الأعظم طريقة جديدة رأى فيها الأفضلية دعاها «الطريقة الانتخابية»، وسبب ذلك أنهم رأوا في الماسونية فسادا قد تخللها بتكاثر الشيع من أصحاب الدرجات العليا، فخشوا أن يعم البلاء وتعود العاقبة إلى إهمال الدرجات الرمزية الثلاث التي هي أصلية في الماسونية؛ فاتفق هذان المحفلان ونشرا منشورات إلى المحافل الجرمانية يدعوانها إلى الوفاق معهما في الأمور الأساسية الآتية، وهي: (1)
أن المحافل التي توافق على تلك المنشورات تتعهد بالمحافظة على القواعد الماسونية الأساسية القديمة، ولا سيما ما يتعلق بالدرجات الرمزية. (2)
لكل محفل الحق بحسب استحسانه أن يختار من الدرجات العليا ما يظن فيه الفائدة، مع عدم التحامل على غيرها. (3)
أن جميع المحافل التابعة للمجمع الانتخابي تكون متسلطة ضمن هذه الحدود.
فاستحسن هذه المنشورات كثير من المحافل الجرمانية، فانضمت وتألف منها «المجمع الانتخابي الجرماني»، فتخلصت الماسونية من كثير من الترهات وداعيات الفساد التي كانت قد تمكنت من مخالطتها، ومن ضمن تلك الشروط العود إلى النظامات التي سنها محفل إنكلترا الأعظم سنة 1723.
وفي سنة 1789 أصدر الإمبراطور يوسف الثاني فرمانا يقضي بمنع الاجتماعات الماسونية على الإطلاق، مع التهديد بالقصاصات الصارمة لمن يحاول مخالفة ذلك، وقد كان في سنة 1785 قد منع من اجتماع عدد معلوم من المحافل، ثم منعها جميعها إلا ثلاثة محافل في بروكسيل، إلا أنه هذه المرة عمم المنع. ثم أخذت المحافل بعد ذلك تحاول النهوض منتظرة تغيير الشئون السياسية إلى سنة 1797، وكان بعضها قد نهض والبعض الآخر تأسس حديثا، فاجتمع عدة من كبار الإخوة وقرروا وجوب إعادة المحفل الأعظم الوطني، لكي يكون دعامة للمحافل الجرمانية تعود إليه في تحوير النظامات والطقوس وغيرها، وعرضوا ذلك على المحافل فقبلت وتم مشروعهم.
ثم سعى هؤلاء إلى تمكين الطريقة الاسكوتلاندية القديمة، فاختاروا سبعة من كبار الإخوة المتساويين بالرتب لإحياء «الإدارة الاسكوتلاندية القديمة»، ففعلوا وأسسوا محفلا رئيسيا دعوه «المحفل الرئيسي الأعظم الوطني لممالك بروسيا»، وواجبات هذا المحفل أن يدبر كل ما من شأنه إحياء المبادئ الماسونية الحقيقية أدبيا وماديا، ويؤلف من نواب المحافل الرمزية، ومن واجباته إصدار الأوامر الرمزية ووضع الشرائع والقوانين. وفي أواخر تلك السنة سعى المحفل المذكور إلى وضع تاريخ للأخوية الماسونية وكتاب لتفسير رموزها وغير ذلك.
وفي 26 أكتوبر سنة 1798 أصدرت الحكومة منشورا يمنع كل الاجتماعات السرية من الالتئام، وفي تلك السنة تمكن محفل يورك الملوكي من تثبيت نفسه محفلا أعظم.
وفي سنة 1801 سعى الإخوة إلى إنشاء مجمع ماسوني عام يشمل كل مجامع جرمانيا، وإذا أمكن كل مجامع أوروبا، وكان ذلك بمساعي الأخ فسلر، فتمكن من مرغوبه وتم التعاهد على ذلك مع مجامع برلين وهمبرج وهنوفر.
وفسلر هذا من الإخوة أصحاب الفضل على الماسونية؛ لأنه أثبت لها الدرجات العلمية لتفسير الرمزية.
وتقلبت على الماسونية في جرمانيا أحوال شتى إلى سنة 1824، كانت عند أواخرها في شيء من الضعف، ثم ترعرعت شيئا فشيئا. وفي سنة 1831 سعى الإخوان إلى تأسيس قلم مخابرات ماسوني، وفائدته تمكين العلاقات بين المحافل الماسونية الجرمانية، وفازوا بذلك وجعلوا مركز ذلك القلم ليبسك. ثم فترت همة الإخوة بسبب القلاقل السياسية، وما زالوا في تلك الفترة إلى سنة 1837.
وفي 6 ديسمبر من تلك السنة حصل في جرمانيا عموما احتفال عظيم تذكارا لتأسيس أول محفل ماسوني فيها، نعني به محفل أبي شالوم الذي تأسس 1737 كما مر، وكان لهذا الاحتفال شأن عظيم؛ لأن الإخوة اجتمعوا فيه من أنحاء شتى من العالم الماسوني إلى همبرج، فعادت الروابط بين المحافل العظمى وفروعها إلى أمتن ما يكون، وكان المحفل الأعظم في همبرج في ذلك الاحتفال تحت رئاسة الأخ مورات، وحضر هذا الاجتماع كثير من سراة البلاد وأمرائها، وانضم إليها بسبب ذلك كثير من رجال الأمة بصفة أعضاء شرف.
ومثل ذلك فعل المحفل الأعظم في فرانكفورت تحت رئاسة الأخ كلوس، وخطب في الجمع ما نهض همتهم.
ولما دخلت الماسونية الجرمانية في قرنها الثاني، دخلت في دور جديد، وجعلت تنسى ما كان من الخمول والاضطهاد، وتعيد الروابط وتجدد الهمة.
ففي سنة 1838 قرر المحفل الأعظم في همبرج وجوب حضور نواب المحافل إليه؛ للتداول في مصالح عموم الماسونية.
ثم عادت الروابط بين المحافل العظمى في بروسيا، وجعلوا ينسون ما كان من الاختلافات التي نتجت عن سوء التفاهم.
وفي سنة 1840 انضم إلى الماسونية البرنس وليم بن فردريك الثالث، وتكرس في محفل يورك الأعظم بحضور عدد من أشراف الإخوة، وذلك بعد أن علم بالبحث عن شريف مقاصد هذه الجمعية، فجمع كلمتها ورفع شأنها. وكان المحفل الأعظم الوطني قد حور قوانين سنة 1838، وحورها أيضا مرة أخرى سنة 1841 حسب مقتضيات الأحوال، وأمر بطبعها وتوزيعها على الإخوة الأساتذة، ثم سمحوا بها بعد ذلك لكل من يقبل حديثا.
وفي سنة 1845 تقرر وجوب اجتماع الإخوة الماسونيين من عموم العالم الجرماني في منتدى واحد؛ توطيدا للعلاقات الأخوية، واجتمع الإخوة اجتماعهم الأول في ستاينباخ في أوغسطس من تلك السنة، وتباحثوا بما فيه صالح الماسونية عموما، ثم تبع هذا الاجتماع اجتماعات أخرى في أماكن أخرى بدعوات رسمية لسائر المحافل.
وفي نحو ذلك الحين تقرر عدم المنع من قبول الطالبين من كل الأديان إذا توفرت فيهم الصفات الماسونية المطلوبة، وكان ذلك الإقرار نتيجة جدال طويل في جواز قبول الإسرائيليين في المحافل الماسونية. ثم سعى الإخوة إلى إجراء بعض إصلاحات في عشيرتهم ففعلوا، ثم عقب ذلك انضمام كثيرين من العائلة الملوكية إلى الماسونية، وترأس بعضهم عليها، وسيأتي ذكر هؤلاء في جدول مخصوص في ذيل هذا الكتاب. فكثر حساد الماسونية بسبب ما نالته من مثل هذا الالتفات، وجعلوا يوقعون فيها، لكنها أبت إلا الحزم ففازت، ولم تكن تزيد إلا سطوة وانتشارا؛ ففي سنة 1859 كثر تشييد المحافل، وقام بين الإخوة كتبة ماهرون رفعوا شأنها بكتاباتهم، نذكر منهم الإخوة: سيديل، وكلر، وونزر، وشوبارغ، ومارباخ، ومازدورف، وزيل، وغيرهم، ولم تنته سنة 1861 حتى كثر عدد المحافل، وكانت الماسونية لذلك العهد على جانب من الألفة وشدة الرابطة، ما جعل لها عظيم اعتبار في أعين العالم عموما. وكان من جملة مشروعاتهم الخيرية مستشفى لأجل الفقراء والأيتام والأرامل. وفي سنة 1861 أسسوا الجمعية الجرمانية تجتمع سنويا في أماكن مختلفة، وموضوعها توسيع نطاق المعارف والعلوم الماسونية ونشرها وتوطيد علائق الأخوة، فسعى الوشاة إلى إيقاف الماسونية عن سيرها السريع نحو الكمال، فذهب سعيهم عبثا، ولم يلحق المحافل من ذلك السعي إلا تنشيط قواهم، فقاموا إلى تحوير قوانينهم ونشر تعاليمهم. ثم إن الحوادث السياسية التي حصلت سنة 1866 بين أوستريا وبروسيا شغلتها نوعا، ولما انتهت عادت إلى خطتها فأسست محافل جديدة، وما زالت الجمعية الماسونية الجرمانية تلتئم سنويا للأعمال العمومية إلا في سنة 1866، فإنها لم تستطع ذلك بسبب الحوادث السياسية، لكنها عادت إلى اجتماعاتها فيما بعد؛ ففي سنة 1867 التأمت في ورمس، وفي هذا الاجتماع وضعت بعض القوانين الأساسية ونشرت منشورا بعثت به إلى سائر المحافل العليا في سائر أنحاء العالم، وكنت أود لولا ضيق المقام أن أتي على نصه، إنما أقول إنه مفعم بالإحساسات الأخوية الحرة الحقيقية، وفيه من الحياة للجسم الماسوني ما يحمله على بذل النفيس في سبيل الواجبات المقدسة، وهي تدعو فيه جميع محافل العالم إلى مؤازرتها بالعمل في الفضيلة والخير والسعي نحو الكمال؛ خدمة للإنسانية وقياما بالواجبات الماسونية.
ثم جعلت الماسونية في جرمانيا تنظر في أمر قوانينها ونظاماتها، فحورت بعضا وحذفت بعضا وأضافت بعضا آخر، وما زالت ولا تزال في سعي وراء الكمال، جزاها الله خيرا.
وهاك أسماء المحافل العظمى في جرمانيا: (1)
المحفل الأعظم الوطني ذو الثلاثة عوالم في برلين. (2)
محفل الضواحي الأعظم (برلين). (3)
المحفل الأعظم اليوركي الملوكي (برلين). (4)
محفل الشمس الأعظم «جرمانيا» بيروت.
وتحت هذه المحافل العظمى محافل فرعية تفوق السبعمائة، وجميعها تحت حماية جلالة إمبراطور ألمانيا. (5) الماسونية في باقي أنحاء أوروبا وفي أميركا
وقد كان في الخاطر أن نستطرد القول عن سير الماسونية وحوادثها في سائر بلاد أوروبا وأميركا، إلا أننا نظرا لكون هذا الكتاب مجعولا على الخصوص لتفصيل تاريخ الماسونية في المشرق ولا سيما مصر وسوريا، قد أغفلنا ما بقي من حوادث تلك البلاد، على أن القارئ لا يصعب عليه أن يقيس ما ترك على ما ذكر، فيرى ما يزيده ثقة في صدق نية هذه الجمعية ومعرفة مقدار فضلها على العالم عموما.
ونوجه الالتفات خصوصا إلى الماسونية في أميركا، فإنها امتدت فيها امتدادا عظيما، بحيث إن عدد المحافل فيها بلغ ما ينوف عن العشرة آلاف محفل. (6) الماسونية في سوريا
الماسونية العملية
قد رأيت فيما مر بك أن الماسونية العملية انتشرت في أنحاء سوريا في أوائل التاريخ المسيحي وأوائل الهجرة، وقد بنى البناءون الأحرار بنايات عديدة لا تزال آثارها إلى الآن من الكنائس والجوامع والقلاع والأسوار.
وقد تقدم كيف أنهم كانوا في أول أمرهم يقطنون الكهوف والمغر فرارا من وجه الاضطهاد، ولا يزال الباحثون في الآثار السورية يكتشفون على آثار بنائية في بعض الأماكن تحت الأرض يستدل منها على شيء من ذلك. وقد كان بناءو سوريا مشهورين بدقة الصنعة وجمال النمط، وكثيرا ما كانت الأمم المجاورة كدولة الفرس وغيرها تستدعيهم لبناء المعابد والمعاقل والأسوار. وقد رأيت كيف أن الخليفة المنصور العباسي استدعاهم في جملة البنائين لبناء مدينة بغداد.
ويظهر من مراجعة ما تقدم أن الماسونيين في سوريا لم يكونوا مضطهدين في أيام الدولة الإسلامية كما كانوا في أيام الدولة الرومانية قبلها، لأنك قد رأيت كيف كانوا يستدعونهم من أماكن شتى ويعهدون إليهم بناء المعابد والمدن والمعاقل، وقد انضم إليهم كثيرون من أفاضلهم وعلمائهم.
على أننا نأسف لانقطاع أخبار تلك الأعصر الماسونية عنا، فلا يمكنا تفصيل أحوالها، لكننا نقول بالإجمال إن الماسونية العملية بلغت سوريا في أوائل التاريخ المسيحي، وقد انتشرت فيها وتركت أثرا يشير إلى ذلك. ولا يبرح من بالك أن سوريا ما انفكت منذ ظهور التمدن الشرقي مباء للتعاليم السرية المقدسة، وقد مر بك أن مجمع الكبراء وغيره من المجامع السرية نشأ فيها وامتد منها إلى أنحاء العالم، فكان مصدرا لكثير من التعاليم التي أصبحت من أقوى دعائم التمدن الغربي القديم والحديث.
الماسونية الرمزية في سوريا
أما الماسونية الرمزية فيظهر أنها حديثة جدا فيها؛ لأن أول محفل تأسس في مدينة بيروت كان تأسيسه سنة 1862م تحت رعاية الشرق الأعظم الاسكوتلاندي بشرق فلسطين نمرة 415، وترأس عليه كثير من الإخوة الأفاضل من جملتهم قنصل جنرال دولة إنكلترا، وانتظم في سلكه عدد غفير من أعيان البلاد وسراتها من وطنيين وأجانب، ولا يشتغل إلا بالدرجات الرمزية، أما لغته الرسمية فالفرنساوية.
وفي سنة 1868 توقفت أعماله نظرا لغياب رئيسه وعدم وجود من يقوم مقامه، وما زال نائما إلى سنة 1888، فتجددت له الرخصة ثانية وعاد إلى العمل، وكان لذلك التجديد احتفال عظيم رسمي حضره عدد غفير من الأعضاء من سائر الأنحاء.
وفي سنة 1869 تأسس في بيروت محفل آخر تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنساوي بشرق لبنان، ولغته الرسمية العربية، أما مخابرته مع الشرق الفرنساوي فبالفرنساوية، وإلى هذا المحفل انضم كثيرون من أعيان البلاد وعلمائها ورجال حكومتها على اختلاف مذاهبهم، فكان رابطا لكلمتهم ناهضا لهم على الأعمال الخيرية، فكثيرا ما قدموا على مشروعات عظيمة تعود إلى تأييد الدولة والأمة ورفع شأنهما. وإنما عيبه «كعيب غيره من الجماعات الماسونية» أنه يفعل ما يفعله تحت طي الخفاء، فلا يرى من العالم الخارجي إلا مقاومة واضطهادا يحولان دون إتمام المشروع، فضلا عما يقود إليه الاضطهاد من القنوط وفتور الهمة.
وأشد مقاومي الماسونية في سوريا جماعة الجزويت، وقد أنشئوا لهذا الغرض وغيره جريدة دينية في بيروت دعوها جريدة البشير، وموضوعها مقاومة كل المذاهب والأديان إلا المذهب الكاثوليكي، والإيقاع بكل الجماعات إلا جماعة الجزويت، وليس من غرض كتابنا التكلم عما وراء ذلك.
ولهذا المحفل أعمال خيرية كثيرة وإحسانات تفرقت على المساكين وذوي الأسقام من الإخوة وغيرهم.
ومن غريب ما يحكى أن إحدى الطوائف المسيحية في سوريا أصيبت بنكبة فاحتاجت لمساعدة أهل البر، فقرر محفل لبنان صرف مبلغ من النقود لمساعدتها، فما كان من رؤساء تلك الطائفة إلا أنهم وضعوا حرما صارما على كل من يقبل شيئا من تلك المبالغ، فكف أولئك المحتاجون عن قبول ما هم في أشد الاحتياج إليه، أما المحفل فأغضى عن تلك المعاملة وجعل يسعى في طريق يمكنه بها إيصال تلك المبالغ إلى أولئك المنكوبين، فرأى أن يجعلها في يد أحد أبناء تلك الطائفة غير المتعصبين، وهو يوصلها إلى أصحابها، وهكذا حصل.
فقس على هذا كثيرا من مثله، وتأمل بما أقيم في طريق الماسونية من مثل هذه العقبات التي تخور لها الهمم وتكره من أجلها الأعمال. أما العامة فلا تسأل عما غرس في أذهانهم من الكره والاحتقار لجماعة الماسون، حتى أصبح اسمهم مرادفا لأدنى صفات الاحتقار عندهم، فكانوا إذا أرادوا المبالغة في وصف أحد الكفرة أو المنافقين، لا يجدون أنسب من قولهم «فارماسون» للإفادة عما في ضميرهم، فهي عندهم مرادفة لقولنا كافر منافق مختلس وما شاكل، وكانوا يقولون عن اجتماعات الماسون أقوالا ما أنزل الله بها من سلطان، كلها اختلاق ذوي الأغراض، يموهون بها على عقول السذج تكريها لهم بتلك الجمعية التي ربما كان في مبادئها ما يكشف الغطاء عن خداع أولئك، وكان العامة ينقادون إلى تلك الأراجيف انقياد الأعمى، لما تلبد على أفكارهم من غياهب الجهل والتقاليد مما يحول دون إبصارهم الحقيقة، أما الآن وقد أزهرت سوريا - وعلى الخصوص مدينة بيروت - بالعلم والفلسفة، وتعددت فيها المدارس والجرائد، وانتشرت فيها حرية الأفكار واستنار العامة بالمبادئ الحقيقية، فلم يعد السوريون على ما كانوا عليه من مثل ما تقدم، لكنهم أصبحوا ينظرون إلى الماسونية نظر الاعتبار، وإلى أبنائها نظرهم إلى رجال العلم وأصحاب النفوذ، وبعد أن كان هؤلاء الأعضاء يتسترون في اجتماعاتهم، وإذا سئلوا تجاهلوا، وإذا اتهموا تبرءوا، أصبحوا يفتخرون بذلك اللقب افتخارهم بأشرف الألقاب، وأصبح الخوارج يودون لو أنهم في عدادهم ليجتزئوا من ذلك الشرف. وما ذلك إلا لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، ولا بد من إحقاقه، أما الباطل فكان زهوقا.
أما فيما خلا مدينة بيروت، فقد أقيمت محافل عديدة في دمشق وحمص وحلب وعيناب والإسكندرونة وأنطاكية وأطنة، جميعها أو معظمها تابع للشرق الأعظم الإيطالياني، وكثير منها متعطل عن الأشغال لأسباب مختلفة أخصها الاضطهاد؛ لأن عامة تلك المدن لم يبلغوا درجة من الاستنارة تؤهلهم من إدراك الحقيقة المجردة من الأغراض، ولعلها تبلغها قريبا بإذن الله.
الماسونية في دمشق
دخلت الماسونية الرمزية إلى دمشق بمساعي الطيب الذكر المغفور له الأمير عبد القادر الجزائري، وأول محفل تأسس فيها هو محفل سوريا بشرق دمشق تحت شرق إيطاليا الأعظم، ولا يوجد في دمشق غير هذا المحفل، وقد ترأس عليه كثيرون من أعيان البلاد وأمرائها. وقد لاقى اضطهادا قليلا، إلا أنه تغلب على كل الصعوبات، فثبت بمساعي الإخوة وتنشيطهم. (7) الماسونية في فلسطين
أول محفل ماسوني رمزي في فلسطين تأسس في القدس الشريف في مايو (أيار) سنة 1873 تحت شرق كنادا، ولغته إنكليزية، واسمه محفل سليمان الملوكي الأساسي نمرة 293، ولا يزال عاملا إلى الآن، وهو المحفل الأول والوحيد في فلسطين، وقد كان أوشك السقوط في السنين الأخيرة لولا همة رئيسه الحالي الأخ المحترم وليم أسعد خياط، فإنه قد أخذ على عهدته رئاسة هذا المحفل للأربع سنوات الأخيرة. (8) الماسونية في تركيا
قد علمت أن الماسونية العملية كانت سائدة في القسطنطينية، وأن الإمبراطور قسطنطين باني تلك العاصمة كان من أشد نصرائها، على أنها كانت كذلك قبل عهد قسطنطين، عندما كانت لا تزال تعرف باسم بيزانتين، وكان بين نمط البناء نمط يعرف بالنمط البيزانتيني كما مر بك.
وكان للبنائين في القسطنطينية مدارس وجمعيات، ولهم أمام الحكومة المدنية حقوق وامتيازات. وفي أيام الخلفاء استدعي جماعة منهم لبناء جوامع المدينة وأورشليم وغيرهما، ومثل ذلك فعل المنصور في بناء مدينة بغداد كما قد علمت.
أما الماسونية الرمزية فقد ظهرت في تركيا سنة 1738 في كورفو، تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي، غير أن المعول عليه أن أول محفل إنكليزي تأسس منها كان في كورفو سنة 1837، واسمه محفل فيثاغورس، ثم تأسست بعده محافل أخرى في أماكن أخرى تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد، وتأسس غيرها تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنساوي وغيره، وهاك تفصيل ذلك.
الأستانة
في الأستانة مجلس عال تركي، وهو المجمع الوحيد الوطني، أسسه الأخ الكلي الاحترام البرنس حليم باشا، وهو رئيسه طول الحياة.
أما ما خلا هذا ففيها محفل إقليمي تابع للمحفل الأعظم المتحد، وتحته محافل فرعية في أماكن مختلفة من تركيا، فالتي منها في الأستانة هي: (1)
المحفل الشرقي نمرة 687، تأسس سنة 1856. (2)
محفل البلور نمرة 891، تأسس سنة 1861. (3)
محفل الفضيلة نمرة 1041، تأسس سنة 1864.
وفي الأستانة محافل تابعة للشرق الأعظم الفرنساوي، وهي: (1)
محفل كوكب البوسفور. (2)
محفل المحبة. (3)
محفل النجاح.
وفيها محافل تابعة للشرق الأعظم الإيطالياني، وهي: (1)
سوفرانو كبيتولو إيطاليا. (2)
إيطاليا ريزورتا.
وفيها محفل تابع للمحفل الأعظم الأيرلاندي يدعى: (1)
لانيستر.
أما مجامع الدرجات العليا فاثنان، وهما: (1)
مجمع «ثل» المشرق (اسكوتلاندي). (2)
المجمع الشرقي (إنكليزي).
فيكون مجمل المحافل الرمزية في الأستانة 9، ثلاثة منها تابعة للمحفل الأعظم الإنكليزي المتحد، وثلاثة تابعة للشرق الأعظم الفرنساوي، واثنان تابعان لشرق إيطاليا الأعظم، وواحد تابع لمحفل أيرلاندا الأعظم.
أما مجامع الدرجات العليا فاثنان فقط، الواحد اسكوتلاندي والآخر إنكليزي.
أزمير
أما أزمير، فمحافلها تساوي محافل الأستانة عدا، وهي تابعة لدول ماسونية مختلفة أيضا.
ففيها محافل ستة إنكليزية جميعها تابعة للمحفل الأعظم الإقليمي في الأستانة ، وهذه أسماؤها:
نمرة
تأسس سنة (1) محفل هوميروس
806
1860 (2) محفل النصر
896
1862 (3) محفل القديس يوحنا
952
1863 (4) محفل ديكران
1014
1864 (5) محفل القديس جورج
1015
1864 (6) محفل صهيون
1340
1869
أما المحافل الفرنساوية فغير موجودة في أزمير. أما الإيطاليانية فمنها محفلان تابعان للشرق الأعظم الإيطالياني، وهما: (1)
محفل سوفرانو كبيتولو. (2)
محفل فينيس.
وهناك محفل آخر أيرلندي تابع للمحفل الأعظم الإيطالياني يدعى ستالا يونيا.
أما مجامع الدرجات العليا فمنها اثنان في أزمير، وهما: (1)
مجمع هوميروس (اسكوتلاندي). (2)
المجمع (أميركي).
فيكون مجموع المحافل الرمزية في أزمير تسعة، والمجامع اثنين.
كورفو
في كورفو محفل واحد تابع للمحفل الأعظم الإنكليزي، واسمه محفل فيثاغورس نمرة 447، وقد تقدم ذكره.
ويقال إن في كورفو محفلا أعظم وطنيا، وفيها مجمعا تحت رعاية إنكلترا يقال له مجمع فيثاغورس أيضا.
جزيرة زانته
وهي من جزائر اليونان، وفيها محفل واحد تابع للمحفل الأعظم الإنكليزي المتحد، يدعى كوكب الشرق نمرة 820، تأسس سنة 1861.
أفسس
وفي أفسس محفل واحد إنكليزي يقال له محفل الوسينيان نمرة 978، تأسس سنة 1863.
أما شأن الماسونية عموما في تركيا فشأنها في سائر البلاد، هذا من قبيل العامة واعتقاداتهم، أما من قبيل الدولة فلم تصادف مقاومة رسمية مطلقا، وإن تكن من الجهة الثانية لم تصادف تنشيطا كبيرا، على أن مولانا أمير المؤمنين قد كان في ريبة من أمرها، لكنه علم مؤخرا صحة مبادئها وإخلاصها لجلالته ولسائر الأمة والوطن، وقد تشرفت برضائه عنها. (9) الماسونية في مصر
الطور العملي
كلنا نعلم أن التمدن قديم في وادي النيل، وقد مر بك شيء عن أحوال الجمعيات السرية فيه وعن كيفية تنظيمها وطرق تعليمها وقبول الراغبين فيها، ما يستدل منه أن هذا الوادي الخصب ما برح منذ القدم منشأ للعلم والفضيلة، ومقرا للعلماء والفلاسفة، ومصدرا عاما قد استقت منه سائر الأمم التي تمدنت قديما في سائر أنحاء المشرق والمغرب، ومنه أخذت تلك الأمم تعاليمها السرية وغير السرية وعلومها وصنائعها. وكل الجمعيات السرية التي أنشئت فيها إنما نسجت على مثال جمعياته.
فعلى ضفاف النيل نبت غرس التمدن، ولما تم نموه نبت له فروع في سائر أنحاء العالم، فإذا نظرنا إلى الماسونية نظرا عاما من حيث مبادئها وتعاليمها، نراها قديمة العهد في مصر، وبعبارة أخرى نرى أن التعاليم الماسونية كانت في مصر قبل زمن ظهورها في رومية بأجيال عديدة؛ لأن الجمعيات المصرية السرية كانت تعلم ما يقرب كثيرا من تعاليم الماسونية، وعلى أسلوب قريب من أسلوبها ولغاية مثل غايتها.
ويظهر من الآثار المصرية الباقية إلى هذا العهد أن صناعة البناء والهندسة كانت عندهم على غاية الإتقان، ويستدل من تواريخهم أن الذين كانوا يرسمون تلك الأبنية ويناظرون على بنائها إنما هم فئة من الكهنة، ولم يكونوا يعلمون هذه الصناعة لعامة الشعب، وإنما كانوا يستخدمونهم في نقل الأحجار وقطعها من أماكنها، ويختارون من بينهم من يعهدون إليه نحتها على مثل جماعة البنائين الأحرار، الأمر الذي حمل بعضهم على القول بأن الجمعية الماسونية فرع من الكهانة المصرية، واستدلوا على صدق دعواهم بأدلة كثيرة لا حاجة إلى ذكرها، ولا يمكننا التسليم بما تقتضيه صحتها لأسباب تقدم ذكرها عند كلامنا عن منشأ الماسونية.
وما زالت هذه التعاليم منتشرة في هذا القطر السعيد، ترتفع بارتفاع شأن العلم وتنحط بانحطاطه، حتى أشرقت الماسونية من المغرب وجاءت إلى المشرق على إثر الاضطهاد الديني كما مر، فكان لمصر حظ منها، وكانت لا تزال عملية وغايتها الأولية إقامة المباني والأسوار والقلاع وما شاكل، فعهدت الحكومة المصرية في عهد الخلفاء إلى فئات منهم هندسة وبناء كثير من الجوامع والقلاع والأسوار؛ ففي عهد أحمد بن طولون في أواسط الجيل الثالث للهجرة عهد إلى أحدهم هندسة جامع ابن طولون، الذي لا يزال قائما إلى هذه الغاية في مصر. ومما ذكره المقريزي عن بناء هذا الجامع قوله: «فلما أراد أحمد بن طولون بناء الجامع قدر له ثلاثمائة عمود، فقيل له ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب فتحمل ذلك، فأنكر ذلك ولم يختره وتعذب قلبه بالفكر في أمره، وبلغ النصراني - الذي تولى له بناء العين، وكان قد غضب عليه وضربه ورماه في المطبق - الخبر، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودي القبلة. فأحضره وقد طال شعره حتى نزل على وجهه، فقال له: ويحك ما تقول في بناء الجامع؟! فقال: أنا أصوره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودي القبلة. فأمر بأن تحضر له الجلود، فأحضرت وصوره له، فأعجبه واستحسنه وأطلقه وخلع عليه، وأطلق له للنفقة عليه مائة ألف دينار ... فوضع النصراني يده في البناء ... إلخ.»
1
فتأمل كيف أنه لم يجد في كل مصر من يبني له الجامع على ما أراد إلا رجلا واحدا كان مضطهدا منه ومسجونا بأمره، وقد كانت مصر إذ ذاك مستنيرة بالتمدن الإسلامي وفيها الصنائع والعلوم. أما صناعة البناء فيظهر أنها كانت محصورة في بعض الأفراد، مستكنة في ضمائرهم لا يكاشفون بها أحدا، وبما أن جماعة البنائين الأحرار كانوا قد انتشروا في المشرق نحو ذلك العصر، يرجح أن ذلك البناء كان واحدا منهم، على أننا لم نعلم بوجود جمعية منظمة من أولئك البنائين في مصر، ولعلها وجدت وطمست أخبارها كما طمس أخبار كثير غيرها، والله أعلم.
الطور الرمزي
أما الماسونية الرمزية فلم تظهر في مصر قبل سنة 1798، أي أثناء الحملة الفرنساوية. وتفصيل ذلك أن نابوليون بونابرت لما جاء الديار المصرية وافتتحها، كان في معيته نخبة من رجال فرنسا، وفيهم الجنرال كلابر المشهور، فلما وصلوا القاهرة اتفق بونابرت والجنرال كلابر وعدة من الضباط - وكانوا من الإخوة الماسونيين - على تأسيس محفل يجتمعون إليه، فأسسوه في أوغسطس من تلك السنة في مدينة القاهرة، ودعوه «محفل إيزيس»، وهو يشتغل على طريقة دعاها نابوليون طريقة ممفيس، ولعلهم قصدوا بذلك مقصدا سياسيا؛ لأنهم أدخلوا فيه كثيرا من عمد البلاد ورجالها، والظاهر أن نابوليون بونابرت كان يفعل مثل ذلك حيثما نزل مفتتحا تمكينا لقدمه. ثم لما بارح بونابرت مصر، وقتل الجنرال كلابر، توقفت أشغال المحفل أو بالحري انحلت عراه.
ومما يليق ذكره أن أحد أعضاء هذا المحفل من الوطنيين، ويدعى صموئيل حنس، لما انفصمت عرى محفل إيزيس ما زال ميالا إلى نشر المبادئ الماسونية مغرما بها، ففي سنة 1814 سافر إلى فرنسا وأنشأ في مونت أمبو محفلا على الطريقة الممفيسية في 13 أبريل سنة 1815، بمساعدة الأخ جبرائيل متى مركونيس والبارون دوماس والماركيس دي لاروك وهيبوليت لابرونيه، دعوه «محفل تلامذة ممفيس». وفي 23 مايو (أيار) من تلك السنة كرسوه رسميا. وقد تفرع من هذا المحفل في فرنسا محافل أخرى كثيرة كانت تشتغل على الطريقة الممفيسية، حتى أقيم لها في فرنسا محفل أعظم ومجلس عال، وفيه كل الدرجات العالية.
وفي سنة 1830 جاء مصر بعض الإخوة الإيطاليين وكانوا على الطريقة الاسكوتلاندية، فأسسوا في الإسكندرية محفلا قانونيا جعلوا يجتمعون إليه، إلا أنهم لم يكونوا يستطيعون التظاهر خوفا من الاضطهاد، وما زالوا في المواظبة على العمل حتى كثر عددهم وانتشروا في أنحاء القطر، وكان فيهم جماعة من وجهاء البلاد، فاشتد أزر المحفل بهم ونشطوا للعمل. وفي سنة 1838 تأسس في القاهرة محفل تحت رعاية المجلس العالي الممفيسي الفرنساوي، واسمه مينيس.
وفي سنة 1845 تأسس في الإسكندرية تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنساوي محفل اسمه «الأهرام»، انضم إليه كثيرون من الإخوة الماسونيين من جميع الطوائف والنزعات، وكثر أعضاؤه، وكان يشتغل بعلم الحكومة المحلية لا يخشى اضطهادا ولا يبالي بما يقوله القائلون على غير هدى، ولهذا المحفل بالحقيقة الفضل الأعظم في بث التعاليم الماسونية في القطر المصري، والتحق به قسم عظيم من رجال البلاد من وطنيين وأجانب، وفي جملتهم البرنس حليم باشا ابن ساكن الجنان محمد علي باشا، والأمير عبد القادر الجزائري المشهور بالفضل والحلم وعزة النفس، التي هي الصفات الماسونية الحقة، وقد تمثلت في شخص هذا الرجل. ولا نزيد القارئ علما بما أتاه هذا الأمير في بلاده من البسالة وعلو الهمة والحزم في حربه مع الفرنساويين في الغرب، وما أبداه من كرم الأخلاق والشهامة أثناء حادثة الشام المشهورة، فإنه حمى في كنفه ألوفا من المسيحيين الذين لولاه لهدرت دماؤهم، والناس إذ ذاك فوضى لا سراة لهم. وانضم إلى ذلك المحفل أيضا كثيرون آخرون من ذوي الفضل والهمة لا محل لذكرهم هنا. واشتهر هذا المحفل بالأعمال الخيرية، فكان له صندوق خاص يجمع إليه النقود لأجل عمل البر، وكان ينفقها عشرات ومئات في سبيل الخير العام، ولم تمض على تأسيس هذا المحفل خمس عشرة سنة حتى أصبح عدد أعضائه نحو الألف، وفي جملتهم الأخ الكلي الاحترام سولوتوري افنتوري زولا، الذي أصبح بعد ذلك أستاذا أعظم للشرق الأعظم والمحفل الأعظم المصري كما سيجيء. وفي أواسط سنة 1849 تأسس المحفل الأول الإيطالياني على الطريقة الاسكوتلاندية في الإسكندرية، تحت رعاية المجلس العالي الإيطالياني.
وفي سنة 1856 أنفذ المجلس العالي الممفيسي في فرنسا مندوبا ببراءة رسمية ليقيم في الإسكندرية مجلسا عاليا إقليميا على طريقته، وفوض إليه أن ينشئ محافل فرعية تحت رعايته. وتأسس فيما بين سنة 1859 و1862 محافل أخرى تحت رعاية المجلس العالي الإيطالياني، منها محفل كايوغراكو ومحفل بمباي جميعها في الإسكندرية، وتأسست أيضا محافل أخرى تحت رعاية هذا المجلس في القاهرة، منها محفل أهرامي منف ومحفل الكون وغيرهما.
وقد كانت جميع هذه المحافل في وفاق تام مع محفل الأهرام والفرنساوي المتقدم ذكره.
وفي أثناء تلك المدة أنشأ المجلس العالي الفرنساوي على الطريقة الاسكوتلاندية محفلا نمرة 166 في الإسكندرية، ومحافل أخرى في أماكن أخرى من مصر، ومثل ذلك فعل الشرق الأعظم الفرنساوي، فأنشأ محافل في بورسعيد والسويس والإسماعيلية وغيرها.
وفي سنة 1864 أسس المجلس العالي الإيطالياني في الإسكندرية مجمعا يشتغل في الدرجات العليا، وفوض إليه أن يقيم مجامع أخرى تشتغل بهذه الدرجات إلى درجة 33، وقد فعل فأنشئت عدة مجامع في أنحاء مختلفة من القطر.
فكانت الماسونية في تلك السنة منتشرة في القطر المصري انتشارا حسنا، ولها محافل ومجامع في أكثر الأقاليم المصرية، منها ما هو تحت المجلس العالي الإيطالياني، ومنها ما هو تحت المجلس العالي الفرنساوي، ومنها ما هو تحت الشرق الأعظم الفرنساوي، كلها عاملة على بث التعاليم الماسونية وتهذيب الأفكار.
وفي سنة 1867 أنشأ المحفل الأعظم الإنكليزي في القاهرة محافل رمزية تحت رعايته، منها محفلي الكونكورديا ومحفل البلور، ولا يزال كلاهما حيا يشتغلان في القاهرة، معظم أعضاء ثانيهما من ضباط الجيش الإنكليزي، وبعد ذلك أسست محافل أخرى في جملتها محفل كوكب الشرق .
وفي 4 سبتمبر سنة 1864 اجتمع سبعة من قدماء الإخوة الحائزين على الدرجات العليا، بعضهم إيطاليون وبعضهم سوريون، وقرروا وجوب إنشاء مجلس عال على الطريقة الاسكوتلاندية، وأن يدعوه المجلس العالي المصري أو الشرق الأعظم المصري، ثم حاولوا تنفيذ قرارهم هذا وما زالوا في اجتهاد وسعي إلى سنة 1868، ولم ينجحوا، وتأسست في أثناء هذه المدة عدة محافل إيطاليانية في أماكن مختلفة من القطر المصري.
تأسيس المجلس العالي الممفيسي في الإسكندرية
قد تقدم أن المجلس العالي الممفيسي في فرنسا عهد إلى أحد الأساتذة ببراءة رسمية إنشاء مجلس عال إقليمي على طريقته في الإسكندرية، غير أن ذلك المجلس لم ينشأ فعلا، فلما حاول بعض الإخوة تأسيس المجلس العالي الاسكوتلاندي ولم ينجحوا، رأى الأخ الماركيس دي بورغارد - وكانت تلك البراءة في يده - أن يؤسس مجلسا عاليا ممفيسيا، فجمع إليه ستة إخوة آخرين والتأموا رسميا في الإسكندرية، وقرروا تأسيس ذلك المجلس وتسميته بالشرق الأعظم الوطني أو المجلس العالي لكهنة ممفيس، وأن يكون مركزه في الإسكندرية. وقرروا في ذلك الاجتماع أن يكون الأخ الكلي الاحترام البرنس حليم باشا أستاذا أعظم يترأس أعمال ذلك المجلس، ولم يكد يسمى البرنس المشار إليه في هذا المنصب حتى أوعز إليه أن يبارح القطر المصري حالا لدواع سياسية، فتوقفت أعمال ذلك المجلس.
تأسيس المجلس العالي الاسكوتلاندي
وما زالت الحال كذلك إلى سنة 1871، ففي 8 نوفمبر من تلك السنة اتحد تسعة من الإخوة الذين تقدمت الإشارة عنهم وقرروا الاجتهاد ثانية في تأسيس مجلس عال على الطريقة الاسكوتلاندية، وهو الذي حاولوا تأسيسه قبل ذلك الحين ولم ينجحوا، أما هذه المرة ففازوا لأن البراءة بإنشاء ذلك المجلس كانت في يد أحدهم، وقد تحصل عليها قبل ذلك الحين بسبع سنوات من المجلس العالي الاسكوتلاندي في نابولي؛ فاجتمع هؤلاء الإخوة وقرروا وجوب تأسيس هذا المجلس على الطريقة الاسكوتلاندية إلى درجة 33، ثم اجتمعوا اجتماعا رسميا لتأسيسه وتثبيته تحت رئاسة الأخ دومانيكو شاروني.
توحيد الماسونية المصرية
وفي نحو ذلك التاريخ نهض الأخ الماركيس دي بورغارد إلى إحياء المجلس العالي الممفيسي، ثم تأسس المجلس العالي الفلسفي، ثم اتحد هذان المجلسان والمجلس العالي الاسكوتلاندي في 15 سبتمبر من السنة التالية، فتألف من اتحداها جميعا الشرق الأعظم الوطني المصري، وهو الدولة الماسونية المصرية وتحته الطريقة الممفيسية والطريقة الاسكوتلاندية. ولم تمض مدة وجيزة حتى أصبحت المحافل الوطنية المصرية تحت رعاية الشرق الأعظم المصري عديدة، وسترى في ذيل هذا الكتاب جدولا شاملا لجميع المحافل التابعة للشرق الأعظم المصري مع أعدادها. وبعد تثبيت الشرق الأعظم عمدوا إلى انتخاب أستاذ أعظم يرأس أعماله، فوقع الانتخاب على الأخ الكلي الاحترام زولا المتقدم ذكره، فقبل على شرط أن تكون مدته لثلاثة أشهر فقط ليختبر الأعمال، وبعد مضي المدة المذكورة علم بصعوبة المركز، ولكنه قبل الانتخاب الثاني واستلم زمام الرئاسة على الشرق الأعظم في 21 مارس سنة 1873.
حماية أمير البلاد
الحمد لله أن الماسونية ما انفكت منذ نشأتها متمتعة بحماية ولاة النعم حيث أقامت، وما ذلك إلا لثقتهم بصحة مبادئها ولعلمهم بإخلاصها للأمة والوطن والدولة، وعلى الخصوص الماسونية الرمزية. فقد رأيت فيما مر بك ما لاقت من حماية ورعاية ملوك أوروبا وغيرهم، وقد علمت أيضا أن من عظماء أولئك الملوك من لم يكتفوا بوضع حمايتهم عليها، لكنهم شرفوها بالانضمام إليها والاشتغال بها والترؤس على أعمالها.
ومن الرجال العظام الذين شرفوا هذه العشيرة بحمايتهم، ورعوها بعين عنايتهم، سمو الخديوي السابق إسماعيل باشا الأفخم، وكيفية ذلك أن الأخ الأستاذ الأعظم مثل بين يدي سموه في 29 أبريل سنة 1873 بالنيابة عن الشرق الأعظم وقدم واجب العبودية، وأعرب عما لهذه العشيرة من المقاصد الحسنة، وبين أنها في احتياج كلي لحماية أمير البلاد، فتعطف سموه إذ ذاك وصرح بالحماية مشترطا عليها أن لا تتعاطى أمرا مخالفا لصالح الأمة والدولة والوطن، وأن لا تتداخل في السياسة إلا إذا دعيت أو دعي بعض أعضائها من أمير البلاد أو من حكومته للمساعدة فيما يعود إلى الصالح العام، فعلى المدعو إذ ذاك أن يلبي الدعوة بما في وسعه حالا.
فتعهد الأستاذ الأعظم بالشرف أن الماسونية لا تسير إلا كما اشترط سموه، وعلى ذلك تم التعاضد بين الحكومة المدنية والدولة الماسونية، وأصبحت القوتان يدا واحدة في ترقية شأن الأمة ورفع منار الفضيلة.
إنشاء المحفل الأعظم الوطني المصري
وقد كان الشرق الأعظم المصري قائما على الطريقتين الممفيسية والاسكوتلاندية، أما الطريقة الممفيسية فلم تكن الدول الماسونية تعتبرها أصولية قانونية، وقد بنت على عدم اعتبارها إياها عدم اعتبارها للشرق الأعظم برمته، ولا سيما المحافل العظمى الإنكليزية والأيرلندية والاسكوتلاندية ومعظم المحافل العظمى الأميركانية. فتشاور الشرق الأعظم المصري في الأمر، فأقر على إغفال الطريقة الممفيسية وحفظ الطريقة الاسكوتلاندية، بحيث تكون وحدها دعامة الدولة الماسونية المصرية، ولم يكن إلى ذلك العهد في مصر محفل أعظم رمزي، مع أن المحافل الرمزية الفرعية كانت قد تعددت، فأقروا على تأسيس محفل أعظم تكون له السيادة والسلطة على سائر المحافل الرمزية الفرعية، وجعلوا سلطة المجالس العليا محصورة في الدرجات العليا. فأعلنوا قرارهم هذا إلى عموم الدول الماسونية في العالم، فاستحسنته وأجابتهم بمصادقتها عليه، وباعتبارها هذا الشرق الأعظم وما تحته من الجماعات الماسونية من ذلك الحين بصفة قانونية رسمية. وقد صدر بإنشاء المحفل الأعظم أمر عال هذا نصه:
أمر عال (نمرة 77)
نحن زولا أستاذ أعظم الشرق الأعظم الوطني المصري، ورئيس الطريقة المستقلة، بعد النظر في الأعمال الإدارية الجارية إلى هذا اليوم في الشرق الأعظم الوطني المصري، وبالنظر لإجماع المحافل الفرعية المصرية على اتخاذ الطريقة الاسكوتلاندية أساسا لأعمالها.
وبناء على رغبتنا في فصل الدرجات الثلاث الرمزية من الدرجات العليا؛ لأنها هي الأساس الحقيقي للماسونية الحقيقية، وفي وضع حد فاصل لكل من المحافل والمجامع الماسونية، وبمراجعة القوانين والشرائع الماسونية المصرية وجميع الشرائع المتعلقة بالطريقة المستقلة، وبناء على ما خول لنا من السلطة، قد أمرنا ونأمر بما هو آت:
المادة الأولى:
أن المحفل الأعظم الوطني الرمزي المؤسس قطعيا سيكون مؤلفا - عدا عن الموظفين العظام المذكورين في المنشور الرسمي - من جميع رؤساء المحافل المصرية، وأما أحواله وأحكامه فتجري مؤقتا بمقتضى القانون المسنون. أما بإدارته وطقوسه فهو مستقل عن سائر المحافل والمجامع الأخرى، وسيكون له أن يشرع بالانتخاب السنوي من سنة 1879، أي بعد ثلاث سنوات من تاريخ هذا الأمر، ويجتمع اجتماعا اعتياديا مرة كل ثلاثة أشهر، أما سلطته فتكون نافذة على جميع المحافل الرمزية المصرية، وكل ما يتعلق بالدرجات الثلاث الرمزية، وليس له سلطة على سواها.
المادة الثانية:
أن المجالس العليا للطريقة المستقلة تكون منفصلة بالكلية بطقوسها وإدارتها عن المحفل الأعظم الرمزي، وعن المحافل الفرعية التي تحته، ولهذه المجالس السلطة بمقتضى قوانينها على المحافل التي هي تحتها بما يتعلق بالدرجات المعروفة بدرجات الكمال، أي من الدرجة الرابعة إلى آخر ما هنالك من الدرجات العليا.
المادة الثالثة:
أن الشرق الأعظم الوطني المصري هو الدولة الماسونية المصرية، وسلطته تشمل جميع الاجتماعات الماسونية من حيث الإدارة فقط، وهو الذي ينوب عنها أمام الحكومة المحلية، وله إدارة صندوق الإحسان العمومي، وعليه القيام بالمخاطبات والمخابرات مع الجماعات الماسونية على وجه العموم، وإليه مرجع الخلاف وفصل الدعاوى، وهو مؤلف من أعضاء ينتخبون عددا متساويا من أعضاء المحفل الأعظم والمجالس العليا للطريقة المستقلة، ورئيسه ينصب بانتخاب الأعضاء من رؤساء المحفل الأعظم والمجالس العليا، وهذا الانتخاب يكون سنويا بعد مضي الثلاث سنوات المشار إليها أعلاه، أي منذ سنة 1879، ويجتمع مرة كل شهر.
المادة الرابعة:
أن القانون المسنون قبل صدور هذا الأمر يكون متبعا وعليه الاعتماد، إلا فيما يخالف نص هذا الأمر.
المادة الخامسة:
أن موظفي المحفل الأعظم والمجالس العليا والشرق الأعظم قد أقروا في مراكزهم بمقتضى الجدول الذي سينشر في المنشور الرسمي إلى الانتخاب الجديد سنة 1879.
المادة السادسة:
قد عينا من قبلنا لجنة لتسن بموجب هذا الأمر العالي قانونا يكون أساسا لجميع القوانين العمومية التي ستنشر بعد مضي مدة الاستعداد للانتخاب الجديد «3 سنوات».
المادة السابعة:
أن هذا الأمر العالي سينشر في المنشور الرسمي الماسوني، ويناط تنفيذه بحضرة نائبنا الأعظم الأخ المحترم ماركيس يوسف دي بورغارد.
كتب في مجلس الشرق الأعظم، في 8 مايو سنة 1876 من التاريخ الدارج.
التوقيع
الأستاذ الأعظم ورئيس الطريقة المستقلة
سوليتوري افنتوري زولا
للتنفيذ
نائب الأستاذ الأعظم
يوسف دي بورغارد
السيكريتار الأعظم
فرنسيس فردينان أودي
أمين الختم الأعظم
باندلي ديلباروغلي
فمن تاريخ 8 مايو سنة 1876 أصبحت الدولة الماسونية المصرية المعبر عنها باسم الشرق الأعظم المصري، مؤلفة: (1)
من المجلس العالي للدرجات العليا الاسكوتلاندية، وعلى قوانينه ونظاماته تأسس المحفل الأعظم الوطني المصري كما رأيت في نص الأمر. (2)
من المحفل الأعظم الوطني المصري، ولا يشتغل إلا بالدرجات الرمزية. (3)
من الطريقة الممفيسية، ولم تكن معتبرة من الدول الماسونية الأجنبية، وكانت في الشرق الأعظم اسما بلا رسم.
وبعد أن تم إنشاء المحفل الأعظم على ما رأيت، نشر إلى الدول الماسونية الأجنبية منشورات ينبئها بذلك، فوردت إليه التحارير الرسمية منها منبئة بقبولها به ومصادقتها على إجراءاته، وهاك جدولا يتضمن أسماء المحافل العظمى والشروق التي صادقت على إنشاء المحفل الأعظم الوطني المصري.
الدول المصرية التي صادقت على إنشاء المحفل الأعظم المصري (1) المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد
لندرا (2) المحفل الأعظم البينا
برن، «سويسرا» (3) الشرق الأعظم نيوجرانادينو
قرطاجنة، أميركا (4) الشرق الأعظم المكسيكي «مكسيكو»، أميركا (5) المحفل الأعظم بنسلفانيا
فيلادلفيا، أميركا (6) المحفل الأعظم لمسسيبي
جكسون، أميركا (7) المحفل الأعظم لألاباما
مونت غومري، أميركا (8) المجلس العالي لبري
ليما، أميركا (9) محفل الشمس الأعظم
بيروت، ألمانيا (10) المحفل الأعظم لاسوج ونروج
ستوكولما، اسوج (11) المحفل الأعظم الثلاثة عوالم
برلين، ألمانيا (12) محفل أماستجيرا الأعظم
جيرا، ألمانيا (13) الشرق الأعظم الهولاندي
أجا، هولاندا (14) الشرق الأعظم البلجيكي
بروكسل، بلجيك (15) المجلس العالي السويسري
لوسانا، سويسرا (16) الشرق الأعظم البرازيلي المتحد
ريودي بايزو، أميركا (17) المجلس العالي الأيرلاندي
دبلين، أيرلاندا (18) محفل نيويورك الأعظم
نيويورك، أميركا (19) محفل رودايلاند الأعظم
بروفيدانس، أميركا (20) محفل أوانا الأعظم
سولتلاك ستي، أميركا (21) محفل نيوهمشير الأعظم
كونكورد، أميركا (22) محفل كولومبيا الأعظم
وشنتون، أميركا (23) محفل ديلوير الأعظم
ويلمنتون، أميركا (24) محفل بنراسكا الأعظم
أوماها ، أميركا (25) محفل أوهيو الأعظم
شنشناتي، أميركا (26) محفل ويسكونسيني الأعظم
ميلوناكي، أميركا (27) مجمع بنسلفانيا الأعظم
فيلادلفيا، أميركا (28) محفل فونتانا الأعظم
هيلانة، أميركا (29) محفل أنويانا الأعظم
أنديانوبوليس، أميركا (30) محفل نيوبرونسيك الأعظم
سان جون، أميركا (31) محفل تيروسنتون الأعظم
أولمبيا، أميركا (32) محفل كوبا الأعظم
هافانا، أميركا (33) محفل كويبك الأعظم
مونتريال، أميركا (34) محفل ميتشيفان الأعظم
جزيرة رابيد، أميركا (35) محفل أركان ساك الأعظم
ينل روك، أميركا (36) محفل داكوتا الأعظم
إيلك بوند، أميركا (37) محفل أيدينو الأعظم
سبرينكفيلد، أميركا (38) محفل لوسبانا الأعظم
نيواورليانس، أميركا (39) محفل أوريجون الأعظم
سالم، أميركا (40) محفل ويومن الأعظم
إيفانستون، أميركا (41) محفل نافادا الأعظم
جولدهيل، أميركا (42) محفل كوفيتيكوت الأعظم
هرتفود، أميركا (43) محفل تيرا انديان الأعظم
كادو
C. N. ، أميركا (44) محفل كوساس الأعظم
وياندوت، أميركا (45) محفل ماين الأعظم
بورتلاند، أميركا (46) محفل ماساشوستس الأعظم
بوستون، أميركا (47) محفل مينوسوتا الأعظم
سانبول، أميركا (48) محفل شمالي المكسيك الأعظم
سانت فه، أميركا (49) محفل شمالي جرسي الأعظم
ترينتون، أميركا (50) محفل شمالي كارلين الأعظم
رايلغ، أميركا (51) محفل جنوبي كارلين الأعظم
شرلستون، أميركا (52) محفل تنيس الأعظم
ناشفيل، أميركا (53) محفل تكساس الأعظم
هوستون، أميركا (54) محفل فارموند الأعظم
روتلاند، أميركا (55) محفل فرجينيا الأعظم
تشموند، أميركا (56) محفل جنوبي فرجينيا الأعظم
شارستون، أميركا (57) محفل كولومبيا البريطانية الأعظم
فيكتوريا، أميركا (58) محفل كولورادو الأعظم
جورج تون، أميركا (59) محفل فلوردا الأعظم
جاكسون فيلد، أميركا (60) محفل ماريلاند الأعظم
بلتيمور، أميركا (61) محفل ماينتوبا البريطانية الأعظم
وينبيج، أميركا (62) محفل جزيرة البرنس إدوارد الأعظم
شارلس فيلد، أميركا (63) الشرق الأعظم الهونجاري
بواديست، «هونجاريا» (64) الشرق الأعظم الأسبانيولي
مدريد، «إسبانيا» (65) الشرق الأعظم اللوسيتاني
لسبون، «برتغال» (66) المجلس العالي لكسمبورج
لكسمبورج، «ألمانيا» (67) الشرق الأعظم الإيطالياني
رومية، «إيطاليا» (68) محفل اسكوتلاندا الأعظم
إيدنبورج، سكوتلاندا (69) محفل أيرلاندا الأعظم
دبلين، أيرلندا (70) محفل الدنيمارك الأعظم الوطني
كوبنهاجن، دنمارك (71) محفل جورجيا الأعظم
اتلاندا، أمريكا (72) محفل كليفورنا
ساكرمنتو، أمريكا (73) محفل ميسوري الأعظم
جفرسون ستي، أمريكا (74) محفل فويا الأعظم
دي مين، أمريكا (75) محفل أيداهو الأعظم (76) محفل كنتوكي الأعظم
فرنكفورت، أمريكا
وفي 8 أكتوبر سنة 1876 التأم المحفل الأعظم وكرس بحضور الموظفين والمندوبين من قبل المحافل العظمى الأجنبية، وفي 2 أوغسطس من السنة التالية صدر الأمر العالي نمرة 126 بتأسيس محفلين عظيمين إقليمين: أحدهما لمصر الوسطي ومركزه طنطا، والآخر لمصر العليا ومركزه القاهرة، وكلاهما تحت رئاسة الأخ المحترم أيكو مونوبولو بصفة أستاذ أعظم إقليمي، أما مصر السفلي فكانت تحت المحفل الأعظم المصري في الإسكندرية، وأنشئت أثناء ذلك محافل وأوقفت محافل.
انتقال المحفل الأعظم الوطني إلى القاهرة
وارتأى بعد ذلك المحفل الأعظم أن يجعل مركزه القاهرة بدلا من الإسكندرية، فقرر وجوب ذلك في جلسة 15 سبتمبر سنة 1877، وبموجب هذا القرار صدر الأمر العالي بذلك، فانتقل المحفل الأعظم إلى القاهرة، واجتمع اجتماعه الأول في 5 مايو سنة 1878، في قاعة محفل الماراتونا تحت رئاسة الأستاذ الأعظم الأخ الكلي الاحترام زولا، ولا تزال القاهرة مركزه إلى هذه الأيام.
فصل في أسماء وأعداد المحافل المصرية التابعة للمحفل الأعظم الوطني المصري
مرتبة حسب زمن إنشائها
نمرة المحفل
محفل محمد علي
1
محفل ممفيس
2
محفل إيزيس
3
محفل طيبة
4
محفل ماركونيس
5
محفل فيلوي
6
محفل أينوديوس
7
محفل الشفق
8
محفل النجاح الإنساني
9
محفل مينارفا
10
محفل الإسينيين الحقيقيين
11
محفل الإسكندرية
12
محفل التوفيق
13
محفل فيثاغورس
14
محفل الإبراهيمية
15
محفل طيبة القديمة
16
محفل الشمس
17
محفل الكون
18
محفل الماراتونا
19
محفل الحقيقة
20
محفل النجاح
21
محفل حياة مصر
22
محفل روح مصر
23
محفل الكمال
24
محفل الثبات
25
محفل الإخلاص
26
محفل الاتحاد
27
محفل الهلال
28
محفل الوداد
29
جميع هذه المحافل أنشئت في القطر المصري وأقامت فيه، وقد تعطل قسم عظيم منها عن الأعمال. وقد كان معظمها في الإسكندرية، أما بعد انتقال المحفل الأعظم إلى القاهرة، فجعلت تتحول الأكثرية إليها، وما زالت حتى لم يبق منها محفل واحد عامل في الإسكندرية، وأصبح معظمها في القاهرة، وبعضها في مصر السفلى، وواحد في مصر العليا قد أنشئ مؤخرا.
المحافل والمجامع الأجنبية في القطر المصري
2
قد أنشئ في القطر المصري محافل ومجامع كثيرة تابعة للشروق والمحافل العظمى الأجنبية، ولا سيما قبل تأسيس الشرق الأعظم الوطني المصري، أما بعد إنشائه فتعطل كثير من تلك الجماعات الماسونية، وهاك أسماء المحافل والمجامع التي لا تزال عاملة مرتبة حسب الدولة الماسونية التابعة هي لها.
المحافل التابعة للشرق الأعظم الفرنساوي
اسم المحفل
مقامه
محفل الأهرام
الإسكندرية
محفل دلف
الإسكندرية
محفل أوبردوك
الإسكندرية
محفل إيجبت
الإسكندرية
محفل طيبة
مصر
محفل العدل
مصر
محفل أصحاب النجاح
مصر
محفل الشمس
مصر
محفل مجمع البحرين
السويس
المحافل التابعة للمحفل الأعظم الإنكليزي المتحد
نمرة
تأسس
محفل ألبرت إدوارد
إسكندرية
1291
1869
محفل زتلاند
إسكندرية
1157
1867
محفل البلور
مصر
1068
1865
محفل كوكب الشرق
مصر
1355
1871
محفل اليونان «معطل»
مصر
1105
1866
محفل الكونكورديا
مصر
1226
1868
المحافل التابعة للشرق الإيطالياني
الكوكب الإسكندري
إسكندرية
نوفا بومبيا
إسكندرية
الشنشتاتو
إسكندرية
السلام
مصر
نور الشرق
مصر
أما مجامع الدرجات العليا فمنها:
مجمع زتلاند
في الإسكندرية
إنكليزي
مجمع البلور
مصر
إنكليزي
مجمع المارك
مصر
إنكليزي
مجمع الروياو ارش
مصر
إنكليزي
مجمع الفسطاط
مصر
إنكليزي
مجمع رعمسيس
الإسكندرية
إنكليزي
مجمع أريوباج
الإسكندرية
إنكليزي
وربما وجد كثير غير هذه من المحافل والمجامع الأجنبية، إلا أنها جميعها معطلة لأسباب مختلفة. (10) لوائح القوانين والشرائع الماسونية من أول عهدها إلى اليوم
لائحة رومية سنة 715 قبل الميلاد
أول الشرائع الماسونية وضعت سنة 715ق.م لمدارس البنائين التي أسسها نوما بومبيليوس في رومية، وهي مندرجة في اللوح الثامن من ألواح الشرائع الرومانية التي ظهرت سنة 451ق.م ويقال لها لائحة رومية.
لائحة سانت البان سنة 290ب.م
وهي الشرائع التي وضعها الأستاذ الأعظم سانت البان بمقتضى لائحة رومية، وهو الذي أدخل الماسونية إلى إنكلترا على ما يقال، وقد ذهب شهيدا بأمر الإمبراطور ديوفليتوس.
لائحة يورك سنة 926ب.م
وهي اللائحة التي تقدم ذكرها، تشتمل على قواعد أساسية للأخوية الماسونية.
لائحة إدوارد الثالث سنة 1250ب.م
وهي عبارة عن لائحة يورك بعد تحويرها تحويرا طفيفا، وإضافة بعض البنود التي تتعلق بحقوق الأساتذة العظام.
لائحة اسكوتلاندا سنة 1429ب.م
وهي منشور يصدق عليه اسم شهادة أكثر مما يصدق عليه اسم لائحة، ويتعلق بالامتيازات والواجبات التي ألحقت بحقوق الأستاذ الأعظم الممنوحة من جاك الثاني إلى وليم سانكلار بارون دي رسلن ولأعقابه سنة 1430، وقد تقدمت الإشارة إليها.
لائحة ستراسبورج سنة 1459-1562ب.م
وهما مؤسستان على لائحة يورك، وقد دعيتا معا قوانين ونظامات أخوية ناحتي الحجارة.
لائحة كولونيا سنة 1525ب.م
وهي عبارة عن شرائع وتعاليم الماسونية الفلسفية، وقد وضعتها جمعية التأمت لهذه الغاية في كولونيا.
لائحة اسكوتلاندا الثانية سنة 1620ب.م
وهذه اللائحة ليست شيئا آخر سوى تثبيت اللائحة الاسكوتلاندية الأولى المتقدم ذكرها، المحتوية على الحقوق والامتيازات التي منحت لوليم سانكلار بارون دي رسلن، وقد ثبتتها محافل اسكوتلاندا.
لائحة لندرا سنة 1717ب.م
وهي اللائحة التي أسست بمقتضاها الماسونية الرمزية، وجميعها تعاليم فلسفية أدبية وعلمية. (11) أهم المؤتمرات الماسونية
مؤتمر يورك سنة 926ب.م
التأم هذا المؤتمر بأمر البرنس ادون بن اثلستان ملك إنكلترا سنة 926، وقرر إعادة النظامات والشرائع الماسونية، فسن لائحة يورك المتقدم ذكرها.
مؤتمر ستراسبورج سنة 1275ب.م
التأم بأمر اروين في ستراسبورج، وبحث في أمر الاستمرار على أعمال كنيسة ستراسبورج، وكان في ذلك الاجتماع جمع غفير من المهندسين والفعلة الألمانيين والإنكليز واللومبارديين، وأقسموا جميعهم على المحافظة على النظامات القديمة.
مؤتمر راتسبونن سنة 1459ب.م
اجتمع بأمر جوبس دونترانجر أستاذ كنيسة ستراسبورج، وبحث أولا في أعمال الماسونية على وجه العموم، فيما يتعلق بالبناية وجمعياتها. ثانيا في الشرائع المستحدثة في ستراسبورج سنة 1452، وصادق عليها.
مؤتمر راتسبون سنة 1464ب.م
اجتمع بأمر محفل ستراسبورج الأعظم، وبحث أولا في الأعمال العمومية. ثانيا في تحديد حقوق المحافل الأربعة، وهي محافل كولونيا وستراسبورج وفينا وبرن. ثالثا في مواضيع مختلفة في تسمية كونراد كوين أستاذا أعظم في كولونيا.
مؤتمر سبير سنة 1469ب.م
اجتمع بأمر محفل ستراسبورج الأعظم ومواضيعه أولا المخابرات بشأن حالة البنايات الدينية التي تمت، والتي لا تزال تحت البناء أو توقف بناؤها. ثانيا حالة الأخوية في إنكلترا وغاليا ولومبارديا وألمانيا. ثالثا علاقات المحافل بعضها ببعض.
مؤتمر كولونيا سنة 1525ب.م
اجتمع بأمر هرمن أسقف كولونيا للبحث في أمر التشكيات والأخطار التي كانت تتهدد الماسونية.
مؤتمر بال سنة 1562ب.م
اجتمع بأمر محفل ستراسبورج الأعظم، ومواضيعه: أولا النظر العام في حالة البناية والأخوية. ثانيا البحث في أمر الخلاف الذي كان قائما بين المحافل التابعة لمحفل ستراسبورج الأعظم وتسويته. ثالثا الإقرار على القوانين التي حورتها اللجنة المعينة بأمر ذلك المحفل الأعظم بتاريخ سنة 1563.
مؤتمر ستراسبورج سنة 1564ب.م
التأم بأمر محفل ستراسبورج الأعظم للبحث أولا في تسوية الخلاف بين المحافل تسوية نهائية، والإقرار على أن كل ما يحدث من الخلاف فيما بعد يعرض على محفل ستراسبورج الأعظم، وهو ينظر فيه ويحكم بما يتراءى له ولا استئناف لحكمه. ثانيا في استمرار الاتحاد. ثالثا في أمور أخرى.
مؤتمر لندرا سنة 1717ب.م
التأم بأمر محافل لندرا الأربعة التي كان يرأسها محفل القديس بولس القديم، وقد قرر المصادقة على ما قرره ذلك المحفل في اجتماعه سنة 1703، وملخصه أن الحقوق الماسونية لن تكون من ذلك الحين محصورة بفئة البنائين العمليين، وإنما تمنحها لكل من يصادق على لياقته في محفل قانوني، وبنى المؤتمر على هذه المصادقة تأسيس الماسونية الرمزية، وأول محفل أعظم سمي لها محفل إنكلترا الأعظم المؤلف من اتحاد المحافل الأربعة.
مؤتمر دوبلين سنة 1729ب.م
اجتمع بإيعاز محافل دوبلين لتثبيت الماسونية على الدعائم التي أقيمت لها في إنكلترا سنة 1717، ولتأسيس محفل أعظم لأيرلاندا، فتأسس وانتخب له اللورد فيكونت كنستون أستاذا أعظم.
مؤتمر أيدنبورج سنة 1726ب.م
التأم بأمر البارون سانكلار دي رسلن رئيس أعظم الماسون في اسكوتلاندا، وكان محفلهم الأعظم في كيلوينينغ، وقد طلب البارون عقد هذا المؤتمر ليتنازل فيه عن حقوقه الوراثية للرئاسة العظمى، وعن جميع الامتيازات التي منحت لعائلة رسلن سنة 1430 بأمر الملك جاك الثاني، وليؤسس الماسونية بعد ذلك على القواعد الحديثة. فاجتمع في ذلك المؤتمر نحو من 32 محفلا، وأسسوا محفل اسكوتلاندا الأعظم الحديث، وانتخبوا البارون المشار إليه رئيسا له سنة 1737.
مؤتمر هاي سنة 1756
اجتمع هذا المؤتمر بإيعاز محفل هاي الرئيسي الملوكي لأجل تأسيس محفل أعظم وطني للولايات المتحدة تحت رعاية محفل إنكلترا الأعظم، وقد قرروا ذلك بأمر عال صادر من 13 محفلا، وهي المحافل التي التأمت في ذلك الاجتماع، وانتخب البارون أرسن بيرين أستاذا أعظم.
مؤتمر برونسويك سنة 1775
التأم بأمر فردينان دوك بروتسويك للنظر في بعض الإصلاحات، ولحل عقد كثير من الطرق التي كان كل منها يدعي الأفضلية لنفسه.
مؤتمر ويلهلمستاد سنة 1782
التأم هذا أيضا بأمر فردينان، ومواضيعه: أولا إصلاح الماسونية على وجه العموم. ثانيا تنقيح قوانينها وطرقها ومذاهبها، وبعبارة أخرى البحث في هل الماسونية جمعية حديثة الوضع أم هي مشتقة من جمعية قديمة؟ وإذا صح الآخر فما هي الجمعية المشتقة هي منها؟ وهل للماسونية رؤساء عموميون؟ ومن هم؟ وما هي مزيتهم؟ وهل وجدت الماسونية للإفادة أم للتعليم؟ فهذه المسائل وضعت أمام هذا المؤتمر، وقد بحث فيها أثناء ثلاثين جلسة ولم يأت على حلها، وقد شفت اجتماعات هذا المؤتمر عن تحوير في عدة من المذاهب السرية وإنشاء الطريقة الانتخابية.
مؤتمر باريز الأول سنة 1785
التأم بأمر أعضاء محفل الأصدقاء المتحدين في باريز، وموضوعه استلفات الانتباه إلى المذاهب التي استخدمت في الماسونية وألحقت بها ضررا بليغا، وتنقيحها بإغفال ما هو دخيل ولا فائدة منه، وبعد البحث لم تحصل نتيجة.
مؤتمر باريز الثاني سنة 1787
اجتمع بأمر المحفل المذكور لإعادة النظر فيما سبق النظر فيه في المؤتمر السابق، وبعد البحث الطويل لم يمكنهم حل المشاكل على ما كانوا يريدون.
هذه أهم المؤتمرات التي التأمت منذ نشأة الماسونية إلى هذا العهد، وقد أغفلنا كثيرا غيرها لعدم أهميتها بالنظر للماسونية بوجه العموم. (12) فصل في أسماء الإخوة الماسونيين الذين امتازوا بالعلم والفضل أو بالمراكز السياسية والأدبية، من أول التاريخ المسيحي إلى هذا العهد
سنة ب.م
فتريفيوس بوليو مهندس روماني مؤلف
10
كايوس وماركوس ستاليوس مهندس روماني
50
اببالوس قسيس ومهندس
292
أوغسطين «القديس أوغسطين» قسيس ومفتش عام للماسونية في بريطانيا
610
بنيت رئيس كهنة ويرال «مفتش عام»
611
الوا «اليوم القديس الوا» أسقف نوايون ومهندس
660
فيرول «اليوم القديس فيرول» أسقف ليمورج ليموج ومهندس
680
دلمك أسقف رودس ومهندس
690
سوتين «اليوم القديس سوتين» ومهندس بريطانيا
876
الفريد الأعظم ملك الأنجلوسكسونيين
872
اثرد صهر الملك إدوارد
900
اثلوارد ابن الملك إدوارد
910
اثلستون ملك الأنجلوسكسونيين
926
ادون بن اثلستان
940
دونستان «اليوم القديس دونستان» بطريرك كانتربري وأستاذ أعظم
959
إدوارد المعترف ملك إنكلترا
1410
هنري الأول ملك إنكلترا
1100
إدوارد ملك إنكلترا
1135
إسكندر الثالث ملك اسكوتلاندا
1150
هنري الثاني ملك إنكلترا
1155
ريكاردس قلب الأسد أستاذ أعظم
1160
روبرت بروس ملك اسكوتلاندا
1314
إدوارد الثالث ملك إنكلترا
1327
إدوار الثاني ملك اسكوتلاندا
1329
روبرت الثالث ملك اسكوتلاندا
1390
هنري الرابع ملك إنكلترا
1398
هنري الخامس ملك إنكلترا
1412
جاك الأول ملك اسكوتلاندا
1424
جاك الثاني ملك اسكوتلاندا
1427
جاك الثالث ملك اسكوتلاندا
1458
إدوارد الثالث ملك إنكلترا
1470
هنري السابع ملك إنكلترا
1485
جاك الرابع ملك اسكوتلاندا
1488
كردينال وولسي أستاذ أعظم
1509
جاك الخامس ملك اسكوتلاندا
1613
روفائيل سانزيو المصور المشهور
1520
جاك الأول ملك إنكلترا
1605
باكون الفيلسوف الإنكليزي
1629
شارلس الأول ملك اسكوتلاندا وإنكلترا
1649
إلياس اشمول من علماء الآثار القديمة
1646
شارلس الثاني ملك اسكوتلاندا وإنكلترا
1660
جاك الثاني ملك اسكوتلاندا وإنكلترا
1685
جورج الأول ملك إنكلترا
1714
صموئيل كلارك فيلسوف إنكليزي
1729
فرنسيس الأول كراندوك دي توسكانا
1731
فريدريك وليم ولي عهد بروسيا «ثم صار فريدريك الأعظم»
1738
لورد ريمون
1739
بارون دي رمسي
1740
لورد بيرون
1746
شارلس إدوارد ستيوارت
1747
جورج الثالث ملك إنكلترا
1766
فلوتير الفيلسوف الشهير
1775
هريكورت رئيس برلمانت باريس
1785
يوسف بلسمو مؤسس الطريقة المصرية
1791
جستاف الثالث ملك اسوج
1792
جستاف الرابع ملك اسوج
1793
فريدريك وليم الثاني ملك بروسيا
1797
جورج واشنطون مؤسس جمهورية أميركا
1799
إسكندر إمبراطور روسيا
1803
سان مرتين فيلسوف فرنساوي
1803
البرنس يوسف بونابرت
1805
عسكري خان عم إمبراطور العجم
1808
شارلس ملك اسوج
1810
هيكل الفيلسوف الألماني المشهور
1831
البرنس أوف ويلس ولي عهد إنكلترا
1874
ختام
قد رأيت فيما مر بك من أطوار الماسونية ما مر عليها من أيام البؤس والنعيم، وما رافق سيرها أثناء ستة وعشرين قرنا ونيف من اضطهاد قادة الأديان ومقاومة أولي الأمر، وما قاسته في سبيل نصرة مبادئها الحقة من المشاق وشق الأنفس، ولا نزيدك علما أنها لم تحرم في كل حال ممن كان يأخذ بناصرها ويسعى إلى تأييد مبدئها، من ولاة الأمور ورجال الدين، الذين أخذوا على أنفسهم إدارة سياستها والترؤس على أعمالها، إلى أن بلغت ما هي عليه الآن من سعة النطاق وتعميم الانتشار، فأصبحت محافلها لا تعد إلا بعشرات الآلاف، ويبلغ عدد المنتظمين في سلكها نحوا من خمسة عشر مليونا، وبينهم الملوك والفلاسفة والعلماء ورجال الفضيلة على اختلاف التبعات والنزعات.
ولا يليق بنا أن نختتم هذا المختصر من تاريخها قبل أن نبين شيئا من أسباب ذلك الاختلاف على مقتضى ما يقودنا إليه القياس ويجلوه لنا الاختبار، وقياما بواجب الإخلاص والحرية التي هي أفضل دعائمها الثلاث.
وكما أننا نعتقد بصحة مبدأ هذه الجمعية الشريفة، يجب أيضا أن نعترف بما أقيمت عليه الأديان الصحيحة من المبادئ الحقة والتعاليم المقدسة، التي رقت شأن الهيئة الاجتماعية وهذبت عقول أفرادها، ولا يفوتنا أيضا أن الذين أخذوا على أنفسهم بث تلك المبادئ وتعليم تلك التعاليم - مع ما يعلمون بما يحول دون ذلك من خشونة الطبيعة ووعرة المسلك - هم من نخبة الأنام المخلصين في العمل، لا يهمهم إلا تعضيد كل مشروع أقيم لما أقيموا من أجله.
لكننا لا نتغافل عن أن الطبيعة البشرية ميالة بكليتها إلى الفساد، وأن الكمال معدوم منها، فقد يكون بين نصراء المبادئ الدينية من قد جهلوا أو تجاهلوا السبيل الذي يجب أن يسلكوه، والغاية التي هم سائرون إليها، كما أننا لا ننكر مثل ذلك في نصراء الماسونية، الذين هم كسائر البشر عرضة لجواذب الأميال الطبيعية، التي لم تبق على فئة من الناس إلا وتخللت أعمالها، فقلما نجا عمل منها.
فإذا تذكرنا هذه الحالات في البشرية، تتجلى لنا الأسباب التي من أجلها قامت الاختلافات والمقاومات بين نصراء الدين ونصراء الماسونية، وإلا فما معنى اضطهاد رجال الدين للماسونية أمس وانتصارهم لها اليوم. ألم يكن ذلك لاختلاف في طبيعة القابضين على زمام الفئتين؟ أما إذا كان الاختلاف متطرقا إلى مبادئ وتعليم تينك الفئتين، لوجب اختلافهما دائما، ولما اتفق توافقهما يوما. فإن مبادئ كل منهما واحدة على اختلاف الزمان والمكان، وأما المغير فالرجال الذين يتولون بث تلك المبادئ.
على أننا لو تتبعنا سير كل من تينك الفئتين على حدة، لرأينا لكل منهما أزمنة تتأيد فيها مبادئها وتنتشر تعاليمها، ويكون فيها روح العمران، وأزمنة تنحط إلى الحضيض وتكون أول مفسد لجسم هذا العمران. ولو جئنا إلى تعاليمها ومبادئها لرأيناها هي هي في الحالين مسطورة لم يلحقها تغيير البتة.
فإذا اتضح ما تقدم لا نعجب لما قام ويقوم بين رجال الدين والماسونيين من الأخذ والرد بين تفنيد وتعيير وإنكار وإثبات، وإنما يطلب من كل من الجانبين أن يسلم بما هو الحق، سواء كان في جانبه أو في الجانب الآخر.
فقد اتهم بعض رجال الدين الماسونية بالكفر، وأنها إنما تسعى لهد أركان الدين وتشتيت شمل الفضيلة، أما نحن فمع إجلالنا هذه الجمعية عن تلك التهمة، ومع يقيننا أنها براء منها، لا يسعنا الإنكار أن بين أعضائها أفرادا قليلين ربما تصح عليهم تلك التهمة، وقس عليه ما ربما يقوله الماسون في رجال الدين.
على أننا نخطئ إذا جعلنا مقابلة بين مبادئ هاتين الفئتين؛ لأننا بمقابلتنا نثبت على نوع ما أن المبادئ الماسونية مناقضة أو مخالفة لمبادئ الدين، والحال خلاف ذلك؛ إذ ليس بين الأمرين تناقض ولا تخالف كما قد علمت مما مر بك؛ لأن الفئتين ساعيتان معا نحو غاية واحدة، إنما كل منهما ساع إليها من جهة، وعلى سبيل مخالف لما تسعى إليه الأخرى، فيظهر لغير المتمعن أنهما متخالفتان وهما على وفاق تام.
فحبذا اليوم الذي نقترب فيه من الكمال، فيمكننا إدراك حقيقة واجباتنا، ونتعلم كيف نعترف بقصورنا ونذعن للحق ولو كان علينا.
تاريخ ظهور الماسونية الرمزية في كل من الممالك الآتي ذكرها:
أوروبا
سنة
إنكلترا
1717
أيرلندا
1720
اسكوتلاندا
1721
فرنسا
1721
بلجيكا
1721
هولاندا
1725
جبل طارق
1726
إسبانيا
1728
همبورج
1730
أسوج
1731
نابولي
1731
توسكانا
1732
روسيا
1732
فلورانسا
1733
البورتغال
1733
سويسرا
1736
سردينيا
1737
ساكسونيا
1738
بافاريا
1738
بروسيا
1738
أوستريا
1738
تركيا
1738
بولونيا
1739
مالطا
1741
دنمارك
1742
رومية
1742
بوهيميا
1744
هونجاريا
1744
نروج
1747
غورنس
1753
جرسي
1753
هنوفر
1754
آسيا
سنة
بنغال
1727
بومباي
1728
تركيا
1738
مدراس
1752
سيلان
1771
سورات
1771
جزائر برنس دي غال
1780
غرناطة
1780
العجم
1800
بونديشري
1820
سوريا
1862
أوسيانيا
سنة
يافا
1730
سومطرا
1772
نيوغال الجنوبية
1828
نيوزيلاند
1840
أفريقيا
سنة
رأس الرجاء الصالح
1733
شطوط رأس الرجاء
1736
غمبيا
1736
جزيرة بوربون
1774
جزيرة فرنسا
1778
جزيرة القديسة هيلانة
1798
مصر
1798
سيراليون
1819
سينيغال
1822
جزائر كناريا
1823
جزائر الغرب
1830
أميركا
سنة
كندا
1721
ماساشوستس
1733
جورجيا
1734
كارولين الجنوبية
1736
نيويورك
1737
سان كريستوف
1738
مارتينيك
1738
انتيغوا
1742
جامايكا
1743
الجزيرة الملوكية
1745
سان فنسان
1745
بورتوريكو
1746
سان دومينكو
1746
بنسلفاينا
1753
بارباد
1750
غاديلوب
1751
سان أوستاش
1753
الثالوث
1760
اسكوتلاندا الجديدة
1762
غرناطا
1764
فرجينيا
1764
الأرض الجديدة
1765
غيان الهولندية
1770
برمود
1771
لوسيانا
1780
ماري لاند
1781
كارولين الشمالية
1778
فرمونت
177
القديس توما
1815
هوندوراس
1819
كوبا
1821
دومينيك
1822
برازيل
1822
هايتي
1823
كولومبيا
1824
المكسيك
1825
غيانا الفرنساوية
1827
نيوغال الجنوبية
1228
نيوزيلاند
1840
Shafi da ba'a sani ba