إهداء
مقدمة
تمهيد
مارون النقاش
المسرح في مصر
دار الأوبرا الخديوية
يعقوب صنوع والحقيقة الغائبة
ريادة مسرحية مجهولة لمحمد عثمان جلال
الفرق المسرحية العربية
الفرق المسرحية الصغرى
المسرح المدرسي
النقد المسرحي
نماذج من المسرحيات العربية
المصادر والمراجع
إهداء
مقدمة
تمهيد
مارون النقاش
المسرح في مصر
دار الأوبرا الخديوية
يعقوب صنوع والحقيقة الغائبة
ريادة مسرحية مجهولة لمحمد عثمان جلال
الفرق المسرحية العربية
الفرق المسرحية الصغرى
المسرح المدرسي
النقد المسرحي
نماذج من المسرحيات العربية
المصادر والمراجع
تاريخ المسرح في العالم العربي
تاريخ المسرح في العالم العربي
القرن التاسع عشر
تأليف
سيد علي إسماعيل
إهداء
إلى زوجتي الحبيبة
إلى ابنتي الكبرى ... ابتسام
إلى ابنتي الصغرى ... أميرة
أهدي إليكم هذا الكتاب من أرض الكويت التي شهدت تواجدكم فيها فترة قصيرة تمنيت أن تطول.
د. سيد علي إسماعيل
مقدمة
الحديث عن تاريخ المسرح العربي، في القرن التاسع عشر، حديث شيق، يستمتع به كل قارئ ودارس. فالشخصية العربية تحن دائما إلى معرفة تاريخها الأدبي والسياسي والفني، وتسعى إلى هذه المعرفة بكل جهد دون كلل أو ملل. وظل القارئ العربي أسيرا لبعض الكتابات القليلة التي تطرقت إلى الحديث عن تاريخ المسرح في العالم العربي، خصوصا في القرن التاسع عشر. وهذه الكتابات، رغم قلتها، إلا أنها غطت معظم المعلومات المتاحة في هذا التاريخ. هكذا أيقن الناس، وأنا منهم بالطبع. بل إن من يتطرق على إعادة كتابة تاريخ المسرح العربي في هذه الفترة، كأنه يتطرق إلى الكتابة عن المستحيل.
وأحمد الله عز وجل، على أنني خضت ذلك المستحيل في هذا الكتاب، كما خضته من قبل ثلاث مرات. ففي المرة الأولى، كتبت أول كتاب - في المكتبة العربية - عن إسماعيل عاصم (1840-1919)، أحد الرواد المسرحيين العرب، وجمعت فيه كل إنتاجه المسرحي، فضلا عن إنتاجه في الشعر والمقامة والمقالة الصحفية. وقبل صدور هذا الكتاب، كان هذا الرائد من المجهولين؛ لذلك نعته بأشهر مجهول في تاريخ المسرح العربي. وفي المرة الثانية، استطعت أن أجمع خمس مخطوطات مسرحية، للأديب العربي الموسوعي محمد لطفي جمعة (1886-1953)، ونشرتها لأول مرة، مع نقد وتحليل لها. وآخر محاولاتي في خوض المستحيل، كان كتاب «الرقابة والمسرح المرفوض». ذلك الكتاب الذي يعد أول كتاب في المكتبة العربية عن الرقابة المسرحية، لما فيه من وثائق وتقارير رقابية، منذ عام 1923، تنشر لأول مرة في العالم العربي.
ومن الجدير بالذكر أنني في هذه المحاولات، كنت أبحث وأنقب في الدوريات القديمة وأنبش في الوثائق والمخطوطات، حتى استطعت الحصول على معلومات جديدة، لم يتطرق إليها أحد من قبل، فخرجت هذه المحاولات قوية، ولاقت استحسان معظم من قرأها. وهذا الاستحسان في ظني، راجع إلى الجديد والطريف في هذه الكتب.
وعندما تصديت إلى الكتابة عن تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر، وضعت في اعتباري محاولات الأساتذة الأجلاء، ممن سبقوني في الكتابة عن هذا الموضوع. تلك المحاولات التي هيمنت على المكتبة العربية بأسرها ... وهنا صممت على أن يكون كتابي هذا، هو المحاولة الرابعة ... أي أضمنه أشياء جديدة لم يتطرق إليها أحد من قبل، كمحاولاتي السابقة.
ولعل القارئ يقع في حيرة من أمره ويتساءل: ماذا يمكن أن يضاف إلى تاريخ المسرح العربي، خصوصا في القرن التاسع عشر؟! ورغم ثقتي بأن هذه الحيرة ستتلاشى عند القارئ شيئا فشيئا، كلما توغل في قراءته لصفحات هذا الكتاب، إلا أنني سأوجز بعض الأمور الجديدة التي جئت بها في هذا الكتاب، ولم تكن معروفة من قبل.
فمثلا حديثي عن منطقة الأزبكية بالقاهرة، تلك المنطقة التي اشتهرت بوجود الأوبرا في القرن الماضي، سيجد القارئ أنها أيضا كانت تزخر بمسارح أخرى سمعنا عنها، ولم نقرأ عن نشاطها وتاريخها، مثل مسرح الكوميدي الفرنسي، ومسرح حديقة الأزبكية، والسيرك، والأبيودروم. والقارئ سيجد حديثا مفصلا يكتب لأول مرة عن هذه المسارح. بل سيجد أيضا تاريخا وثائقيا جديدا، ينشر لأول مرة أيضا، عن الأوبرا نفسها، رغم شهرتها وتاريخها. هذا بالإضافة إلى إعطاء بعض الفرق المسرحية حقها، وبعثها من جديد بالصورة اللائقة كجوق السرور، الذي اعتبرته بعض الكتابات الحديثة من الفرق الصغرى، رغم أنه كان من أكبر الفرق المسرحية العربية في القرن الماضي. ولم يتوقف الجديد في هذا الكتاب عند هذا الحد، بل تطرق إلى الشخصيات المسرحية، مثل محمد عثمان جلال، الذي أثبت أنه أول رائد مسرحي مصري في الكتابة المسرحية، من خلال نشر وثيقة مسرحية له في عام 1871.
أما أهم جديد جئت به في هذا الكتاب، فكان الحديث عن «يعقوب صنوع»؛ ذلك الرائد المسرحي الأول للمسرح العربي في مصر، كما هو معروف وراسخ في الأذهان ... بل إنه أكثر الرواد شهرة لما كتب عنه حتى الآن. وسيندهش القارئ عندما أقول له: إنني في دراستي عن صنوع - في هذا الكتاب - أنكرت ريادته، ووضعت شكوكا كثيرة حول نشاطه المسرحي في مصر، تلك الشكوك التي وصلت في النهاية إلى حد إنكار نشاطه المسرحي برمته في مصر.
وأخيرا أتوجه بالشكر إلى مؤسسة المرجاح للنشر والتوزيع بدولة الكويت، على اهتمامها وجهدها في طبع هذا الكتاب لأول مرة في الكويت. كما أتوجه بالتحية إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، الذي أصبح مؤسسة فنية علمية، تفخر بها دولة الكويت على كافة المستويات.
دكتور سيد علي إسماعيل
الكويت في: 28 / 9 / 1998
تمهيد
(1) مسرح الحملة الفرنسية
عرف العالم العربي المسرح الحديث عن طريق القطر المصري في عهد نابليون بونابرت، عندما احتل مصر في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. فقد كان معه بين رجال البعثة العلمية الفرنسية اثنان من كبار الموسيقيين، يسمى أحدهما «ريجل» والثاني «فيلوت». وفي رسالة كتبها بونابرت إلى حكومة الدريكتوار يومئذ طلب فرقة من الممثلين. ووصلت الفرقة وبدأت التشخيص في منزل كريم بك ببولاق. وقد عثر بعض الباحثين على رسالة كتبها مسيو فيلوتو إلى الجنرال مينو وكان حينئذ بالإسكندرية قال له فيها: كلفت بأمر جناب القائد العام أن أسألك بأن تبذل الجهد في مساعدتنا على إتمام مرسح التشخيص الذي تقرر إنشاؤه هنا، فأرجوك أن ترسل إلينا كل ما عندك من الأوتار والعدد الفرنساوية.
وسمي المرسح الأول في مصر «مرسح الجمهورية والفنون»،
1
ويحفظ لنا التاريخ اسم مسرحيتين تم تمثيلهما به، وهما: رواية «الطحانين» ورواية «زايس وفلكور» أو «بونابرت في القاهرة». وقد اشترك في تشخيص المسرحية الثانية أغلب علماء فرنسا بمصر. وبعد أن غادر نابليون مصر لحق به ريجل وبقية رجاله،
2
بعد أن وضعوا اللبنة الأولى للمسرح الحديث في مصر، وفي العالم العربي. وعلى الرغم من أن تاريخ هذه اللبنة موغل في القدم، إلا أن بعض الصحف الفرنسية - التي كانت تصدر في مصر في تلك الفترة - احتفظت لنا ببعض الإشارات التي تؤرخها وتوثقها.
وكانت جريدة «كورييه دوليجيبت
COURIER DE L’EGYPTE » أول جريدة حاولت الترفيه عن جنود الحملة الفرنسية في مصر؛ وذلك بنشرها إعلانات عن نواد وملاه اجتماعية، كي ترغبهم في الاشتراك فيها من أجل التسلية. ففي عددها الثالث عشر في عام 1798، نشرت إعلانا عن ناد للاجتماعات بالقاهرة، قالت فيه: «نظرا لأن الفرنسيين الموجودين الآن في القاهرة، يحسون بحاجتهم إلى مكان للاجتماع، يستطيعون أن يجدوا فيه بعض الراحة خلال ليالي الشتاء الطويلة، فإن المواطن دارجيافل
DARGEAVEL
قد تكفل بالقيام بمشروع ناد خاص، يقدم لهم فيه كل ملذات المجتمع، وذلك بعد أن حصل على موافقة القائد العام. ووقع اختياره على منزل وحديقة واسعة في حي الأزبكية يستطيع الفرنسي أن يجد فيه بعض الترفيه. وربما يكون فوق ذلك وسيلة لجذب سكان البلاد ونسائهم إلى الدخول في مجتمعاتنا، وتعليمهم عن طريق غير مباشر العادات والأذواق والمودات الفرنسية.»
3
ولم تقتصر الجريدة على نشر هذا الإعلان فقط، بل أتبعته بإعلانات كثيرة عن وسائل الترفيه ذاتها. فنشرت إعلانا عن جمعية للتمثيل في القاهرة تقوم يوم 30 من شهر فريمير سنة 8 جمهورية [الموافق 20 / 12 / 1800] بتمثيل مسرحيتين إحداهما لفولتير والأخرى لموليير. ووالت النشر عن حفلات هذه الجمعية في كل مناسبة لها. وكتبت ذات يوم أن المواطنين أوديفير
AUDIFFERT
وهانج
HANNIG
قاما في القاهرة بتأليف فرقة موسيقية في إحدى الصالات الجميلة الفسيحة، وتعزف الفرقة كل عشرة أيام، إلا إذا كانت ستمثل في اليوم ذاته إحدى المسرحيات؛ ففي هذه الحالة تؤجل الفرقة الموسيقية حفلتها. وواصلت الإعلان عن حفلات هذه الفرقة، ووصفت هذه الحفلات في كثير من أعدادها.
4
وفي هذا الوقت تأتي إلينا أقدم إشارة عربية عن مسرح الحملة الفرنسية ، وهي ما ذكره الجبرتي في تاريخه ضمن حوادث شهر شعبان، وبالتحديد في يوم الحادي عشر منه عام 1215ه [الموافق 29 / 12 / 1800] عندما قال: «وفيه كمل المكان الذي أنشأه بالأزبكية عند المكان المعروف بباب الهواء وهو المسمى في لغتهم بالكمدي؛ وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال ليلة واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل، وذلك بلغتهم ولا يدخل أحد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة.»
5
وهذه الإشارة تناقلتها أكثر الكتب التي تحدثت عن تاريخ المسرح العربي، علما بأنها لم تتحدث عن أي شيء آخر في هذا المجال، أو تفاصيل هذه الإشارة. وبالبحث استطعنا الوصول إلى الوصف التفصيلي لحديث الجبرتي، من خلال وصف جريدة كورييه دوليجيبت عندما قالت: «أدت الفرقة المسرحية في يوم 10 الجاري مسرحية «فارس مدينة تيونفيل»
LE DRAGON DE THIONVILLE
ومسرحية «الأصم»
LE SOURD ، ويعتزم القائد العام توسيع قاعة المسرح لكي تستوعب ضعف عدد المتفرجين الذين يمكن أن تستوعبهم الآن. وإذا كان لدينا متسعا فائضا على صفحات هذه الجريدة كنا قد تكلمنا في العدد رقم 50 منها عن سلامة ذوق المواطن «فوفى»
FAUVY
الضابط في سلاح المهندسين، والجهود التي بذلها في زخرفة هذه القاعة الجميلة.»
6
وتتوالى إشارات جريدة كورييه، حتى تصل إلى وصف تفصيلي لإحدى المسرحيات الممثلة، قائلة: «أدت الفرقة المسرحية في يوم 25 مسرحية «المحامي باتلان والطحانين»
L’AVOCAT
وهي أوبرا صغيرة حديثة ألفت في مصر. كلمات المواطن «بالزاك»
BALZAC
عضو لجنة الفنون. الموسيقى للمواطن «ريجيل»
RIGEL
عضو المجمع. التمثيلية عبارة عن فهم خاطئ يستغله منافس لبث الخلاف بين عشيقين وينتهي أمرها برد ابنة أحد الطحانين إلى شاب في مستوى والدها مع القضاء على آمال موثق عجوز يهيم بحبها. إن في هذه التمثيلية شيئا من السذاجة في انتصار الحب البريء والعودة إلى المساواة. لقد أعجب الحاضرون بالموسيقى كثيرا لأن ألحانها عذبة وذوقها جميل. وفي اعتقادنا أن المؤلف الذي أنتج للمرة الأولى مسرحيات من هذا النوع سوف يرضي الجمهور بمواهبه ويعوضه عن أب كان مشهورا ومذهلا بحق ... لقد شهد هذه المسرحية عدد كبير من الوجهاء والأتراك في القاهرة، كما شاهدها كثير من المسيحيين والسيدات الأوروبيات.»
7
وإذا كانت إشارة الجبرتي، تعد أول إشارة لعربي تحدث عن المسرح الفرنسي وهو في مصر، فإن ما ذكره الطهطاوي في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، في فترة تواجده في فرنسا (1826-1831)، يعد الإشارة الثانية لكاتب عربي تحدث عن المسرح الفرنسي أيضا، ولكن وهو في فرنسا. ويجب علينا أن نقر بأن الطهطاوي، هو أول عربي تحدث عن تفصيلات المسرح الغربي، قبل أن يتحدث عنها الرائد الأول للمسرح العربي «مارون النقاش» في كتابه «أرزة لبنان». فالطهطاوي تحدث عن شكل المسارح بما فيها من إضاءة وبنوارات، ومكان الأوركستر والكواليس ووظيفتها، وأيضا خشبة المسرح والديكور وكيفية تغيير المناظر حسب الموضوع الممثل، وكذلك عن الإعلان المسرحي ووظيفته، وأخيرا عن أنواع التمثيل وبالأخص البانتومايم.
يقول الطهطاوي في كتابه تحت عنوان «في متنزهات مدينة باريس»: «... فمن مجالس الملاهي عندهم محال تسمى «التياتر» و«السبكتاكل» وهي يلعب فيها تقليد سائر ما وقع. وفي الحقيقة إن هذه الألعاب هي جد في صورة هزل، فإن الإنسان يأخذ منها عبرا عجيبة. وذلك لأنه يرى فيها سائر الأعمال الصالحة والسيئة، ومدح الأولى، وذم الثانية، حتى إن الفرنساوية يقولون: إنها تؤدب أخلاق الإنسان وتهذبها، فهي وإن كانت مشتملة على المضحكات، فكم فيها من المبكيات ... وصورة هذه «التياترات» أنها بيوت عظيمة لها قبة عظيمة، وفيها عدة أدوار كل دور له «أود» [بنوارات] موضوعة حول القبة من داخله. وفي جانب من البيت مقعد متسع [خشبة المسرح] يطل عليه من سائر هذه «الأود» بحيث إن سائر ما يقع فيه يراه من هو في داخل البيت، وهو منور «بالنجفات» العظيمة. وتحت ذلك المقعد محل للآلاتية [الأوركستر]، وذلك المقعد يتصل بأروقة [الكواليس] فيها سائر آلات اللعب، وسائر ما يصنع من الأشياء التي تظهر، وسائر النساء والرجال المعدة للعب، ثم إنهم يصنعون ذلك المقعد كما تقتضيه اللعبة، فإذا أرادوا تقليد سلطان مثلا في سائر ما وقع منه، وضعوا ذلك المقعد على شكل «سراية» [الديكور] وصوروا ذاته، وأنشدوا أشعاره ، وهلم جرا. ومدة تجهيز المقعد يرخون الستارة [فترة الاستراحة] لتمنع الحاضرين من النظر، ثم يرفعونها ويبتدئون باللعب. ثم إن النساء اللاعبات والرجال يشبهون العوالم في مصر [الراقصات] ... ومن العجائب أنهم في اللعب يقولون مسائل من العلوم الغريبة والمسائل المشكلة ويتعمقون في ذلك وقت اللعب، حتى يظن أنهم من العلماء ... واللعبة التي تظهر تكتب في ورق [الإعلان] وتلصق في حيطان المدينة، وتكتب في التذاكر اليومية ليعرفها الخاص والعام ... وبالجملة فالتياتر عندهم كالمدرسة العامة، يتعلم فيها العالم والجاهل. وأعظم «السبكتاكلات» في مدينة باريس المسماة «الأوبره» وفيها أعظم الآلاتية وأهل الرقص، وفيها الغناء على الآلات والرقص بإشارات كإشارات الأخرس [البانتومايم]، تدل على أمور عجيبة، ومنها «تياتر» تسمى: كوميك فيغنى فيها الأشعار المفرحة. وبها «تياتر» تسمى: «التياتر الطليانية» وبها أعظم «الآلاتية»، وفيها تنشد الأشعار المنظومة باللغة الطليانية.»
8 (2) أقوال الرحالة
ومن البدايات المسرحية في العالم العربي، من خلال مصر أيضا، أقوال الرحالة،
9
وأهمهم على الإطلاق إدوارد وليم لين، الذي رصد لنا أول مسرحية، بصورة تفصيلية لفرقة المحبظاتية. وأهمية هذه الإشارة ترجع إلى أنها أول نص لمضمون مسرحية منشور من قبل لين في كتابه «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم» فيما بين عامي (1835-1838).
يقول إدوارد وليم لين: «يسر المصريون كثيرا بالعروض التي يقدمها المحبظون؛ وهم مهرجو المهازل المبتذلة. ويؤدي هؤلاء مهازلهم عامة خلال الاحتفالات التي تشبه الأعراس وحفلات الختان في منازل كبار القوم ... ويقتصر الممثلون على الصبية والرجال، أما المرأة فيقوم بدورها رجل أو صبي متنكرا في زيها. وسأعرض للقارئ نموذجا عن أحد عروضهم التي قدموها أمام الباشا منذ فترة وجيزة خلال احتفال أقامه بمناسبة ختن أحد أولاده ... واقتصرت شخصيات المسرحية على الناظر وشيخ البلد وخادمه وكاتب قبطي وفلاح مدين للحكومة وزوجته وخمسة أشخاص آخرين، مثل اثنان منهما دور طبالين وثالث عازف مزمار وظهر الاثنان الباقيان في دور راقصين.
دخل الناظر وعازف المزمار حلبة التمثيل بعد أن مهد لدخولهما هؤلاء الخمسة بتطبيلهم وتزميرهم ورقصهم. وسأل الناظر: «كم يبلغ دين عوض بن رجب؟» فأجابه الخمسة الذين يمثلون دور الفلاحين البسطاء: «اطلب من النصراني أن ينظر في سجله.» وكان الكاتب النصراني متمنطقا «دواية» كبيرة ومرتديا ثياب قبطي ومعتمرا عمامة سوداء، فسأله شيخ البلد: «كم هو المبلغ المكتوب ضد عوض بن رجب؟» فأجابه الكاتب: «ألف قرش.» فعاد الشيخ يسأله: «وكم دفع حتى الآن؟» فرد عليه الكاتب: «خمسة قروش.» فالتفت الشيخ إلى الفلاح قائلا: «لم لا تحضر المال يا رجل؟» فيجيبه الفلاح: «لا أملك قرشا منه.» فتعجب الشيخ: «لا تملك قرشا واحدا! اطرحوه أرضا.» فطرحوه وأحضروا قطعة أحشاء منتفخة تشبه كرباجا كبيرا وانهالوا يضربون الفلاح ضربا مبرحا. فراح يصيح بالناظر بصوت متهدج: «وشرف ذيل الحصان يا بيه! وشرف سروال زوجتك يا بيه! وشرف عصبة زوجتك يا بيه!» ولكن استنجاده ذهب أدراج الرياح، فضرب طوال عشرين دقيقة ثم زج به في السجن.
ثم ننتقل إلى مشهد الفلاح وزوجته التي أتت لزيارته تسأله: «كيف حالك؟» فيجيبها المسكين: «اعملي معروفا وخذي كشكا وبيضا وشعيرية إلى منزل الكاتب النصراني واستدري عطفه عله يطلق سراحي.» فأخذت الزوجة الأغراض في ثلاث سلات إلى منزل الكاتب، وسألت بعضهم: «أين هو المعلم حنا؟» فأتاها الجواب: «يجلس هناك.» فتوجهت إليه، وقالت له: «يا معلم حنا! أرجو أن تقبل مني هذه الهدية وتفك أسر زوجي.» - ومن هو زوجك؟ - الفلاح المدين بألف قرش. - أحضري عشرين أو ثلاثين قرشا، وادفعيها رشوة إلى شيخ البلد. فانصرفت المسكينة وعادت إلى شيخ البلد ومعها المال المطلوب. فسألها الشيخ: ما هذا؟ - خذها رشوة وفك قيد زوجي. - حسنا، اذهبي إلى الناظر.
فخرجت ورسمت جفونها بشيء من الكحل وحنت يديها بالحناء الحمراء، وانطلقت إلى الناظر. وألقت عليه التحية قائلة: عمت مساء يا سيدي. - ماذا تريدين؟ - أنا زوجة عوض المدين بألف قرش. - وماذا تريدين؟ - زوجي في السجن وأتوسل إليك لتطلق سراحه.
وراحت توزع ابتساماتها بينما كانت تتحدث إلى الناظر حتى تظهر له أنها لا تسأله هذه الخدمة دون أن تمنحه مقابلها مكافأة. وحصل الناظر بالفعل على مكافأته وحصلت هي على حرية زوجها. وقد مثل هؤلاء الخمسة هذه المسرحية أمام الباشا حتى يتنبه لمسلك المسئولين عن جمع الضرائب.»
10 (3) الوثائق
ومن الوثائق المهمة التي بين أيدينا، وثيقتان في عهد سعيد باشا، تتحدثان عن بدايات الفن المسرحي في مصر والعالم العربي. الأولى في 28 / 1 / 1858، وهي تتحدث عن وليمة ستقام في القلعة بأمر سعيد باشا، وكانت المعية السنية قد طلبت من «كنيك بك» أن يحضر فرقة تشخيصية للقيام ببعض التمثيل البهلواني لضيوف هذه الوليمة. والوثيقة الثانية كانت في 2 / 2 / 1858، وفيها نجد أمرا من المعية السنية إلى كنيك بك بمنع حضور المشخصين؛ لأن الحفلة اقترب موعدها، هذا بالإضافة إلى أنها ليست من الفخامة بمكان.
11
ومثل هذه الوثائق تؤكد بشكل قاطع أن القصور الخديوية كانت تحضر إليها الفرق التمثيلية، قبل أن يتوسع في هذا الأمر الخديو إسماعيل، كما هو معروف.
مارون النقاش
كان مارون النقاش، أول من خطر له إدخال فن التمثيل المسرحي في العالم العربي. وقد ولد مارون في مدينة صيدا بلبنان عام 1817 وتوفي في طرطوس عام 1855، وله من العمر 38 سنة. ويستفاد مما دونه عنه أخوه نقولا النقاش أنه كان منذ نشأته ولوعا بالعلم محبا للخلوة. وفي الثامنة عشرة من سني حياته كان ينظم الشعر الطلي البعيد عن التعقيد والركاكة. وأتقن علم الأرقام ومسك الدفاتر والقوانين التجارية؛ فكان موضع ثقة التجار في حل مشاكلهم وتصريف أمورهم. وأتقن اللغات التركية والإيطالية والفرنسية. وعين رئيسا للكتاب في جمرك بيروت وعضوا في مجلس التجارة.
ثم اشتغل بالتجارة وطاف مدن الشام، وحضر إلى الإسكندرية في سنة 1846 وزار القاهرة، ثم سافر إلى إيطاليا فأدهشه مسارحها وما يمثل فيها من الروايات. فلما عاد إلى بيروت ألف فرقة مسرحية من أصدقائه، ودربهم على تمثيل رواية «البخيل». فلما أتقنوها دعا إلى حضورها القناصل والأعيان في منزله بالشارع المعروف باسمه في حي الجميزة ببيروت سنة 1848. وفي سنة 1850 مثل رواية «هارون الرشيد» المعروفة باسم «أبي الحسن المغفل». وكان حاضروها نخبة من الوجهاء وأهل الفضل من الوطنيين والأجانب. وقد شجعه الجميع وأثنوا على همته، فرأى أن ينشئ مسرحا خاصا إلى جانب بيته. فتم له ذلك بفرمان سلطاني. وممن عاونوه في التمثيل بشارة مرزا وخضرا اللبناني وحبيب مسك وعبد الله كميد ونقولا نقاش وسعد الله البستاني. (1) أول خطبة عن التمثيل
لما احتفل بتمثيل أول رواية - في العالم العربي - من روايات النقاش في سنة 1848، وقف مارون النقاش خطيبا بين الحاضرين وألقى خطبة بدأها بحمد الله، وأشار إلى نهضة البلاد، وسبب نهوض الغربيين وعلى انحطاط الشرقيين بأسباب أربعة، وهي: (1)
أنهم أنانيون لا يدركون ماهية المصلحة الوطنية العامة. (2)
التواكل والكسل. (3)
التعجل في اقتطاف ثمار الغرس. (4)
الخجل الممتزج بالكبرياء، والحياء المختلط بالتجبر.
1
وبعد أن شرح كل واحد من هذه الأدواء والعلل طفق يشرح ما وعاه صدره من حركة التمثيل في أوروبا. وإليك أيها القارئ النص الكامل لهذه الخطبة العظيمة، والتي تعد أول وثيقة عن المسرح العربي، بصفة عامة، وعن التمثيل في لبنان بصفة خاصة: «أحمدك يا من نشرت النصيحة والحذر، من طي التقليدات والحكايات، وعلمت عبادك الجد والعبر، على نفقة الهزل والروايات، حمدا من عبد ساح بحب الوطن، والتمس من جودك إيهاب الفطن؛ لأنك أنت المعين المفيد، والمعزي الفريد ... وبعد، فيقول المحتقر طبعه وذكاه، المفتقر لمساعدة مولاه، مارون بن إلياس النقاش، أفاض الله على روحه غيث الإغاثة والإنعاش: إنني إذ لاحظت أهالي بلادنا مبتدئة بالنجاح، ومتقدمة يوما فيوما إلى الفلاح، فأيقنت أن المراحم الإلهية، قد نظرتها بعين العناية الأزلية، وافتقدتها بتلك المواهب الاعتيادية لأجل ترجيع مجدها، وإعادة عزها وسعدها. غير أني مع ذلك أرى أن أهالي البلاد الإفرنجية، لم تزل راجحة على أهالي هذه البلاد العربية، فائقة بالعلوم والفنون، والترتيب والتمدن والشئون، فعند ذلك أطمعني الأمل، بجهد المطالعة والعمل؛ لعلي أقف على حقيقة تفاوتهم العظيم، وأكشف غشا الحجاب عن فقرنا المستديم. على أننا نحن أحق بهذا الإعزاز، وكان الأولى أن نكون نحن المالكين هذا الامتياز؛ لكوننا نحن الأصول وأولئك الفروع، وهم السواقي ونحن الينبوع، فبعد عناء ونصب، وكد وتعب، قد وقفت على أسباب نزع فخارنا، وسلب مجدنا واعتبارنا، كما أنني قد وقفت أيضا على أسباب دوام الحالة التي نحن فيها، وعدم رجوع الماء إلى مجاريها. فالأسباب الأولى أعرضت عن إظهارها، وعدلت عن إخبارها؛ هربا من الإسهاب والتطويل، وحذرا من القال والقيل. والأسباب الثانية لا بد أن أذكر شيئا منها، وأروي بالاقتصار حديثا عنها؛ لكي نتقرب إلى ما يجدي تقربه، ونتجنب ما يقتضي تجنبه.
وهذه هي الأسباب، لتكون أنموذجا لذوي الألباب؛ السبب الأول: هو تركنا حب الوطن والمقام، وعدم تفتيشنا على النفع العام؛ لأن كلا منا لا يفتكر إلا بنفسه، غير مهتم بأبناء جنسه، مع أن الأورباويين بحبهم لوطنهم وبلادهم، يبذلون نفوسهم فضلا عن مالهم وجهادهم. الثاني: هو حالة تهاونا وكسلنا وعدم غيرتنا؛ لأنه يوجد بحمده تعالى بهذا الأوان، جمهور عظيم من التلامذة الأعيان وجهابذة المعاني والبيان، مزينين بالنجابة والفصاحة، مكللين بالبراعة والملاحة، متقنين اللغات والعلوم، مزهرين في سماء المعارف كالنجوم، ولكنهم مع ذلك كل منهم يتنعم ويكتفي بتوفيقه، ويتكل معتمدا على رفيقه، ويلقي الحملة مستندا على صديقه، مع أنه كان المتوج عليهم أن لا يدفنوا ما وزن الله إليهم، بل يشرع كل واحد بفتوح ومباشرة، ليسهل الحمل عند المكاثرة. الثالث: هو فرط استعجالنا، وعدم صبرنا واحتمالنا، فإن كلا منا لا يريد أن يزرع اليوم أشجارا، إذا لم يتحقق أنه في غد يأكل منها أثمارا. والحال أن الأغراب يبتدئون في بلادهم بأعمال، مع عدم قابليتها للنهاية قبل مرور جملة أجيال، فلو كنا سالكين في طريقتهم، ومتشبهين في حقيقتهم، لكنا نكون الآن متنعمين بمتروكات آبائنا، ومورثين النعم والراحة لأبنائنا، الأمر المرضي للمولى الجليل، والمفيد الاسم والذكر الجميل. والسبب الرابع والأخير: هو خجلنا الممتزج بالتكبر، وحياؤنا المختلط بالتجبر؛ لأنكم يا ذوي العلوم والمعرفة، ومعشر الفهم والفلسفة، تخافون أن تخترعوا أمرا فلا يطرب، أو تترجموا كتابا فلا يعجب، فيقعدكم الزعل، ويمنعكم الخجل. ولكنني على نوع ما أعدكم مجبورين، وبعدم إظهار علومكم معذورين؛ لأن الأورباويين لحسن تصرفهم، وجودة تثقفهم وتلطفهم، عندما ينظرون أحدا من أقوامهم، مبتدعا قضية لنفع عامهم، فيرغبونه لإتقان ذلك المراد، ويتعصبون على مساعدته والإنجاد، فإن نجح وساد فينال إكليل المكافأة ويطنبون بمدحه والشكر، وإن عجز وعاد ، لا يفترون من دوام المساعدات ويقيمون عنه الحجج والعذر، فيزداد عندهم بهذا الوجه التقدم العظيم، ويتراكم في ديارهم النمو العميم. وإنما أهل هذه البلاد، والبعض ممن عليهم الاعتماد، فبالصد قد عودوا مواضيع أقوالهم، على ثلب وإعابة تأليفات أمثالهم، فمنهم من يشين ويتهكم ومنهم من يدين ويتحكم، فيجرحون المصنف بسيف التوبيخ والخجالة، وينسبونه إلى البرودة والبطالة، ويعيرونه بأنه أسرف زمانه بالتصانيف، وأضاع أيامه بالتأليف، وإن سمعوا بأمر ومصير، فيرتاحون على حجة العجز والتقصير، ومن قبل التجربة يحكمون بأنه في بلادنا لا يصير. وإن نظروا تأليفا فلا يلتفتون إلا إلى زخرفة الكلام، ولا ينقحون إلا على النثر والنظام، مسلوبين من الحسد والغرض، حتى إنهم يتركون الجوهر ويتمسكون بالعرض، مظنين باستهزائهم وإخراقهم للغير، أن ينالوا الفخر والخير، وليس الواقع كما يتوهمون، ولا الصيت بالتنكيت كما يزعمون، فإذا كان من العدل أن تظهروا الجراعة وتبينوا ما عندكم من البراعة، وتقدحوا النار من زنادها، وتعيدوا الأرواح إلى أجسادها.
وها أنا متقدم دونكم إلى قدام، محتملا فداء عنكم إمكان الملام، مقدما لهؤلاء الأسياد المعتبرين، أصحاب الإدراك الموقرين، ذوي المعرفة الفائقة، والأذهان الفريدة الرائقة، الذين هم عين المتميزين بهذا العصر، وتاج الألباء والنجبا بهذا القطر، ومبرزا لهم مرسحا أدبيا وذهبا إفرنجيا مسبوكا عربيا. على أنني عند مرورى بالأقطار الأوروباوية، وسلوكي بالأمصار الإفرنجية، قد عاينت عندهم فيما بين الوسايط والمنافع التي من شأنها تهذيب الطبائع، مراسحا يلعبون بها ألعابا غريبة، ويقصون فيها قصصا عجيبة. فيرى بهذه الحكايات التي يشيرون إليها، والروايات التي يتشكلون بها ويعتمدون عليها، من ظاهرها مجاز ومزاح، وباطنها حقيقة وصلاح، حتى إنها تجذب بحكمتها الملوك من أعلى أسرتهم، فيأتونها ويفوزون بحسن سياستهم ومسرتهم، وإذ كانت هذه المراسح تنقسم إلى مرتبتين، كلتاهما تقر فيهما العين؛ إحداهما: يسمونها بروزه، وتنقسم إلى كومديا ثم إلى دراما وإلى تراجيديا، ويبرزونها بسيطا بغير أشعار، وغير ملحنة على الآلات والأوتار. وثانيتهما: تسمى عندهم أوبره، وتنقسم نظير تلك إلى عبوسة ومحزنة ومزهرة. وهي التي في فلك الموسيقة مقمرة.
فكان الأهم والألزم بالأحرى ، أن أصنف وأترجم بالمرتبة الأولى لا الأخرى؛ لأنها أسهل وأقرب، وفي البداءة أوجب. ولكن الذي ألزمني لمخالفة القياس، وممارستي هذا المراس؛ أولا: لأن الثانية كانت لدي ألذ وأشهى، وأبهج وأبهى. ومن عادة المرء ألا يجود مما بيديه، إلا على ما مالت نفسه إليه. والمنصف حيثما يكون مناه، يطفح نحوه جود قريحته ونهاه. ثانيا: حيث ظن المرء بالناس، كظنه بنفسه بلا التباس، فترجحت آرائي ورغبتي وغيرتي، أن الثانية تكون أحب من الأولى عند قومي وعشيرتي؛ فلذلك قد صوبت أخيرا قصدي، إلى تقليد المرسح الموسيقي المجدي، فإن استصوب ساداتي فعلي، وساعدوني بحكمتهم على جهلي، ومدحوا ما يتقدم لديهم، وينجلي عليهم، فأنسب ذلك لحسن أخلاقهم، وأعده من لطفهم ومزاقهم، وإلا فلا أنسب الذنب إلا لشقواتي، وجزاء وتأديبا لغباوتي؛ لأني أكون اقتحمت ميدانا لست من رجاله، وركبت فرسا لست من أبطاله. ولكني مع ذلك أرجوهم لكي ينبهوني عما فرط، ويرشدوني بمعزل إلى إصلاح الغلط؛ لأن هذا الفن بحر زاخر، وفلك دائر، لا سيما أن المشتركين معي، للتشكل بهذا المظهر اللوذعي، الذين ساعدوني على هذا العمل، ووافوني وأنجدوني لبلوغ الأمل، لم يزالوا متجددين ومبتدئين بفعله، ولم يمر عليهم قبلا مظهر كمثله، فلا يخلو الأمر من أنهم يقعون في بعض ورطات، ويشجبون على بعض سقطات، يشعر بها من له المطالعة، على دقايق هذه الحقائق الساطعة، ولكنهم بالحقيقة معذورون نظرا لبداءتهم، وعدم وجود إمام كاف لهدايتهم، خصوصا نظرا لافتقارنا إلى المحلات اللائقة، والكواسم والطواقم
2
الموافقة. ومع ذلك فلي أمل متين، بحسن شئمكم الرهين، بأنكم لو رأيتم أعمالي غير كاملة، وأفعالي غير عاملة، فلا يقعدنكم الازدرا والملل، ولا يمنعنكم الضجر والزعل، بل كل من كان منكم لبيبا وغيورا وعنده إلمام بهذه الأمور، يتشجع ويزيد على تأليفي هذا المهان، تأليفا آخر ذا شأن.
على أن الذين ستأخذهم بعدى الحماسة، وتحثهم النخوة والفراسة، ويؤلفون أو يستخرجون أشياء بهذا الصدد، ملتمسين من الله العون والمدد، فإنهم سيفوقون علي بلا شك ولا إشكال؛ لأن الجوهر لا يظهر إلا بإعادة الصقال، لكون الإفرنج من ساعة كشفهم هذا الكنز المنجلي، لم يكن عندهم مثل مراسح ميلانو ونابولي، بل رويدا رويدا ابتدءوا بالتقدم، ومع مرور الزمان نالوا هذا التعظيم، فأنتم أيضا ستنظرون عند كثرة تكرارها، منافع تعجم الألسن عن وصف مقدارها؛ لأنها مملوءة من المواعظ والآداب، والحكم والإعجاب، لأنه بهذه المراسح تنكشف عيوب البشر، فيعتبر النبيه ويكون منها على حذر. وعدا اكتساب الناس منها التأديب ورشفهم رضاب النصايح والتمدن والتهذيب، فإنهم بالوقت ذاته يتعلمون ألفاظا فصيحة، ويغتنمون معاني رجيحة؛ إذ من طبعها تكون مؤلفة من كلام منظم، ووزن محكم، ثم يتنعمون بالرياضة الجسدية، واستماع الآلات الموسيقية، ويتعلمون إن أرادوا مقامات الألحان، وفن الغنا بين الندمان، ويربحون معرفة الإشارات الفعالة، وإظهار الإمارات العمالة، ويتمتعون بالنظارات المعجبة، والتشكلات المطربة، ويتلذذون بالفصول المضحكة المفرجة، والوقايع المسرة المبهجة، ثم يتفقهون بالأمور العالمية، والحوادث المدنية، ويتخرجون في علم السلوك ومنادمة الملوك؛ وبالنتيجة فهي جنة أرضية، وحافلة سنية، فأرجوكم أن تصغوا لها وتسمعوا، وهذا ضرب منها فتمتعوا.» (2) فصل في الكلام عن المراسح والروايات وكيفية تشخيصها بوجه العموم
إننا قبل أن نبتدئ بتحرير الروايات حسبما وعدنا بفاتحة كتابنا الحاضر وجدنا من الصواب أن نتكلم يسيرا على هذا الفن، ونأتي بكل إيجاز بما من شأنه أن ينبه أفكار من أراد تشخيص رواية ما؛ لأننا لو أردنا أن نتكلم عن هذه الخصوصات باتساع وإسهاب لكان يلزمنا لذلك كتاب مخصوص حجمه لا أقل من هذا، فنقول:
اعلم أن وجود هذا الفن في العالم هو قديم جدا، حتى قال بعض المؤرخين إنه من زمن أبينا إبراهيم، وإن ظننا ذلك مبالغة فلا نقدر أن نشك بما أجمعت عليه آراء المؤرخين بأنه من زمن الرومانيين وقبل مجيء سيدنا المسيح بأجيال عديدة، وإنما في أوائل الأمر كانوا يشخصون الروايات بخلاف أسلوب؛ أي إنهم في وسط النهار كان يجتمع البعض ويركبون خيولهم ويمرون بالأزقة والشوارع بإشارات وحكايات وتقليدات بها مواعظ وإنذار، حيث يقلدون مثلا السكر أو البخل ... وهلم جرا، ومن بعد ذلك صاروا يجتمعون بمحلات مخصوصة، وما زالوا يتفننون ويتقدمون إلى أن اتصل إلى ما اتصل إليه الحال بالأوروبا الآن حتى وجدت عندهم المراسح الشهيرة ذات الأكلاف والزينة المفرطة وعلى ما قيل إن بعضها يكلفهم عشرة مليونات فرنقا
3
وبعضها أقل وبعضها أكثر حتى بالغ بعضهم إلى خمسين مليون فرنقا وبناؤها منه على شكل بيضاوي، ومنه غير ذلك، وبها الغرفات العديدة والساحات المتسعة إلى المتفرجين ومحل مخصوص إلى الملك ومحلات أخر إلى أكابر الدولة والأمرا. وبها طواقم وأواني وثريات تدهش النظر، وبهذه المراسح العظيمة يبرزون روايات ملحنة وغير ملحنة، فالملحنة منها عدد قطع الموسيقة بها نحو مائتين قطعة واللاعبون أحيانا يبرزون بالمرسح بعدد لا أقل من ذلك بل أكثر، والمشخصون المذكورون نظرا إلى التكرار فقد برعوا بهذا الفن غاية البراعة حتى إن بعضهم يأخذ أجرته من صاحب المرسح مائة ألف فرنكا عن أربعة شهور، كما نقلوا عن راحيل الشهيرة التي ماتت من عهد قريب وخلافها. وإذا أرادوا أن يشخصوا لك بحرا فتتوهم كأنك بوسط هيجانه، أو برقا ورعودا فحالا تأخذ على رأسك وشاحا ليلا يصيبك المطر، أو حرشا فحالا تشعر بالوحشة وتطلب الاستئناس ... إلخ. أعني أن الوسائط الصناعية التي تقدمت عندهم لأعلى درجة مع المال الكثير الذي بين أيديهم يخولانهم لاختراعات وإبراز أشيا التي إذا نظرناها نظنها سحرا، وعلى هذا القياس فالذي شخصناه نحن في بلادنا ما كان سوى كالرمز فقط وكالظل بالنسبة إلى الحقيقة، وإنما نظرا لكونه بداءة مع عدم وجود الوسائط بين أيدينا نظير أولئك، فلا نعتد بضاعتنا من الدون بالنسبة إلى تلك، وحتى ذات الأوروباويين الذين شاهدوا رواياتنا أقروا بفضلها، ومع كونهم أغراب اللغة فكانوا يفهمونها جيدا وينسرون بها، وهذا أكبر شاهد على حسن سبكها وبراعة التلامذة الذين شخصوها. ومع ذلك نتأمل مع الزمن والوقت أن تتصل بلادنا إلى أعلى درجة في التمدن والغنى، وبالتتابع ينجح هذا الفن بها ويزهر كالأوروبا؛ لأننا كما تكلمنا بخطابنا الحاضر، نرى التقدم والنجاح آخذين مبدأ حسنا ولله الحمد بنظر وعناية الدولة العلية أبد الله أركانها. وهذا الأمر ظاهر مثل الصبح، فعلينا أن نطرح الكسل ونتعلق بأذيال العمل متوكلين على الله سبحانه وتعالى. وقد بقي علينا إذن أن نتكلم أيضا شيئا ما عما يخص ذات المرسح والمشخصين؛ لأنه قد خطر على بالي جملة تنبيهات أريد أيقظ بها فطنة القاري، فأقول:
اعلم كما أن الرواية تنقسم إلى جملة فصول هكذا أيضا كل فصل ينقسم إلى جملة أجزاء؛ فالفصل هو حد يفصل الرواية ويقسمها عدة أقسام، من واحد إلى خمسة (وإن وجد أكثر فيكون نادرا جدا لا يعول عليه، وأما الروايات المحزنة ما نظرت منها لا أقل ولا أكثر من خمسة فصول)، وفي نهاية كل فصل يصير تنزيل الستار الحاجب بين محل التشخيص وبين حاضري الرواية. ومحل التشخيص هذا يسمى عند الإفرنج شينه، والبنك الذي تطؤه المشخصون يسمى بانكو شيناكو، وتقسيم الرواية إلى فصول عديدة يوجد له لزوم كلي؛ أولا: لكي يأخذ المشخصون - أي اللاعبون - قسما من الراحة، حيث لا بد من إعطا فرصة مناسبة بين الفصل والفصل، ومثل ذلك المتفرجون. ثانيا: المعنى الكائن بنهاية كل فصل هو ذاته يطلب التقسيم كما سترى. ثالثا: بالرواية المضحكة والعبوسة يضطرون لذلك؛ حيث أحيانا يشخصون الفصل الأول في بيروت مثلا، والثاني بحلب، والثالث في بيت فلان، والرابع بالحرش الفلاني ... وهلم جرا، وقل وندر ببعض الروايات أن ينتقلوا هذا الانتقال بنفس الفصل بواسطة تغيير الستارات. وأما الروايات المحزنة فهي مستثناة عن هذا التغيير؛ حيث تتشخص الواقعة بمحل واحد بدون تغيير بكل الفصول. رابعا: يلتزمون أحيانا أن يشخصوا الفصل الأول بالنهار والثاني بالليل، (وعادتهم بتفريق الفصل إن كان حدوثه ليلا بتستير أنوار الشينة بخشبة أو نحو ذلك)، أو الفصل الأول اليوم والثاني بعد شهر أو سنة ... إلخ، فجميع هذه الأسباب وخلافها توجب إيجاد الفصول.
وأما الأجزا فهي عبارة عن تغيير عدد المشخصين زيادة كان أو نقصا، مثلا حينما ابتدأ الفصل كان موجودا بالمرسح شخص واحد؛ يوسف، فدخل إليه إبراهيم فصار الموجودين اثنين فهذا التغيير يسمونه جزءا، وبعد هذا دخل سليم فصار تغيير جزء آخر ثم خرج من المرسح أحدهم ، فهذا أيضا يسمونه جزءا ويعددون هذه الأجزا إلى نهاية الفصل. وتقسيم هذه الأجزا يقتضي اعتبارها من المشخصين جدا ليعرف كل منهم وقت دخوله وخروجه من المرسح. كما أنني أحرص كل الاحتراص على ملاحظة جهات العبور والخروج، وكل شخص يعرف جيدا الجهة التي يجب عليه أن يدخل منها والناحية التي ينبغي أن يخرج منها بكل جزء، وأيقظ أيضا فطنة المشخصين بأنه قبل بداءة كل فصل ينبغي على كل منهم أن يبحث ويتفطن عما يلزم أن يكون معه بذلك الفصل مثل مكتوب أو عقد أو فنار وما شابه ذلك ويحضر ذلك واضعا كل شيء بمحله حتى إذا ما جاء وقته يجده ولا يقع بالخجل أمام الجمهور، وقاكم الله من ذلك! وأما الشينه؛ أي هيئة المحل الذي يتشخص إلى الجمهور، أعني بيت فلان تاجر أو سراية فلان أمير ينبغي تتلاحظ قبل بداءة كل فصل، ويصير إظهارها بالتشخيص الممكن به إقناع النظر أن هذا هو المحل الفلاني مع وضع الأثاث والأواني اللازمة، وهذه لا تزاد ولا تنقص شيئا طالما التشخيص كائن في ذات المحل. والبانكو شينكو؛ أي التخت الخشب الذي توقف عليه المشخصون بحالة تشخيصهم الرواية يعجبني أن يكون ارتفاعه عن الأرض نحو ذراع أو ذراع ونصف بحسب اتساع وضيق المحل، وهكذا عرضه وطوله يكون بالنسبة إلى ذلك، ومن الأمام أوطى من الورا مقدارا مناسبا بالتدريج؛ لكي بهذه الواسطة ينظرون جيدا جميع الحاضرين بالسوية. وهذا التخت ينبغي أن يكون متينا قويا، وعند الاقتضا يمكن تغطيته بالحصر أو البسط والأقمشة.
خامسا: قال لي رحمه الله مرارا إن طلاوة الرواية ورونقها وبديع جمالها يتعلق ثلثه بحسن التأليف وثلثه ببراعة المشخصين والثلث الأخير بالمحل اللائق والطواقم والكسومة الملائمة. وبناء على ذلك نتكلم الآن قليلا عما يخص الأمر الثاني الذي هو عندي مهم جدا؛ وهو حسن التشخيص. وقولي الآن إنما هو إلى أصحابنا الذين ما حضروا التشخيص إلا ما ندر، وهم مبتدئين بهذا الفن، فينبغي لهم أن يتقنوا التشخيص بكل ما يلزم إظهاره من الإشارات الحسية والانفعالات النفسانية متصورين أن هذا الشيء الواقع مزاحا إنما هو حقيقة. هذا هو الأمر المهم بهذه الصناعة؛ لأن المشخص البارع عند الإفرنج حينما يكون دوره يقتضي له إظهار الانفعالات النفسانية المؤلمة كالغيظ والغضب ... إلخ، فيظهره بنوع حسي حتى إن البعض منهم يؤثر ذلك على صحتهم، حتى يفضى بهم الأمر بعد ذلك لمعاطاة العلاجات والأدوية لزوال المرض الذي يستحوذ عليهم من جرى ذلك. ونحن الآن لا نطلب من أصحابنا الوصول لهذه الدرجة بل نرجوهم الانتباه لذلك قليلا، وأشور عليهم ألا يزيدوا الحد أيضا بتكثير الإشارات والانفعالات، بل الموافق أن يكون كل شيء سائرا طبيعيا بالاعتدال كما لو كان الحادث الواقع أكيدا، حتى لا يضيع رونق الرواية وتعب المؤلف؛ لأنه إذا لم تحسن الإشارات فالرواية هي كالعدم. ولأجل إيقاظ فطنتهم قد وضعنا أحيانا بعض كلمات بنفس الرواية تدل على الحركة التي ينبغي أن تظهر من اللاعبين، كالخوف والاستهزاء ... إلخ، وعلى زكاهم حسن التصرف. أما المرحوم أخي المصنف قال: أما أنا فلا أستحسن هذه الإشارات، بل إنما أنا على رأي موليير (أشهر المؤلفين بهذا الفن) الذي قال: إن من لا يحسن تشخيص روايتي بدون إشارات تدل على ما ينبغي عمله فالأحسن أن لا يشخصها. والقصد بذلك ظاهر أن المعنى هو ذاته ينبه اللاعب للحركة اللازمة، وإني أنصح المشخصين وأوصيهم بألا يبدا منهم أقلها كلمة أو حركة أو إشارة أو لمس يشين الأدب؛ لأن هذه المراسح جعلت لاكتساب الآداب وليس النقايص. كما أنني أرجو من نباهة المشخصين أيضا باستثناء وقوفهم أو جلوسهم بالمرسح أن يلاحظوا جيدا؛ ليلا يعطون ظهورهم إلى الجمهور، لأن هذا شيء معيب في هذا الفن. (3) تنبيه
اعلم أن مؤلف الرواية عند الإفرنج لا يلتزم بتلحينها؛ حيث إن التلحين يختص بمعلم الموسيقة. فالمؤلف إذن يؤلف ويدفع كتابه إلى معلم الموسيقة، وذاك يلحن تلك الرواية بالألحان التي تناسب كل قطعة منها، ويتيسر له ذلك بأوفر سهولة؛ نظرا للقواعد والروابط الكتبية التي عندهم بهذا الفن، وإنما من حيث الحظ من الموسيقة لم يزل في بلادنا متأخرا . ويحتاج لعلم الألحان كد وتعب جزيل؛ لأنه لا توجد ولا رابطة للألحان سوى السمع والقياس على لحن ما من ألحان الأغاني الأخر. فلهذا رحمه الله احتمل أتعابا جزيلة من هذا القبيل؛ لأنه أخذ عليه أمر التلحين أيضا، ولا يخفى ما اقتضى لذلك من الاعتنا والتعب والتدقيق، حيث يجب أن الألحان توافق المعنى من حيث التوسل مثلا أو التهديد أو التذلل أو الحماسة ... إلخ، فيلزم لكل معنى لحن يناسبه حيث لا يوافق اللحن الذي يظهر منه النفور أو الغضب بمحل التوسل أو بألفاظ ذات تذلل ... إلخ.
ومع ذلك جميعه تلك الألحان التي ربطها عليها وإن تكن معروفة من كاتبه ومن أكثر التلامذة الذين اعتادوا على تشخيص رواياتنا، إلا أنها ربما تكون مجهولة عند الغير خاصة نظرا لقدميتها وعدم اشتهارها الآن. والعادة معلومة في بلادنا أنه بكل وقت تظهر أغاني جديدة وتترك السابقة حتى تصير كأنها منسية عند العموم؛ ولهذا فالاعتنا بذكرها الآن وترتيبها لا نعده أمرا كافيا للحصول على المرغوب، وإنما فضلنا هذه الإفادة القليلة عن تركها إتباعا لقول القايل: ما لا يدرك كله لا يترك كله، بنوع أنه إذا أراد أحد يشخص رواية ما فعلى كل حال يستعين بما سنحرره بهذا الخصوص على قدر الإمكان. وبناء على ذلك، وضعنا بكل فصل أرقاما من الواحد فصاعدا تجاه كل قطعة من الرواية وشرحنا بآخر الرواية بفصل مخصوص أنغام وألحان تلك القطع، فالرابطة إذن هي ظاهرة بأنه طالما لا يتغير الرقم فاللحن يكون هو هو.
إن المؤلف رحمه الله لم يدقق على ضبط الكلام العربي بالرواية الآتية، بل التفت إلى المعنى فقط. وقد ذكر ذلك أيضا برواية «الحسود السليط»؛ حيث قال إن رواية البخيل تعجبه من حيث ما حوته من الأمور المضحكة فقط وأنه لم يلتفت إلى ضبط عربيتها، فإذن نرجو كل من طالعها أن لا يلاحظ على ذلك ويعذر المؤلف؛ حيث إنها الرواية الأولى، وعدم الضبط الحاصل ببعض كلامها ليس هو عن عمد معرفة المؤلف رحمه الله، بل ربما كان عن قصد ليعطي جرأة إلى الآخرين ويألفوا بهذا الفن، ولولا ذلك أيضا ما كنت داعيكم تجاسرت على تأليف رواية «الشيخ الجاهل» المشحونة من غلط القواعد العربية؛ حيث إني ألفتها قبل ما التقطت ما التقطته من القواعد العربية، ومن شك بقولي فعليه أن يراجع رواية «الحسود السليط» بكل تدقيق فيعلم قدرة المؤلف بالعربية وقواعدها رحمه الله.
متى قلنا عن الرواية رواية مضحكة فهي الكوميدية؛ «وذلك لكي نستغني عن الألفاظ الإفرنجية»، ومثل ذلك حينما نقول رواية عبوسة فهي الدراما، ورواية محزنة فهي التراجيدية، وعندما نزيد لفظة ملحنة فهي بلا ريب الأوبرا. وإنما الأوبرا تقسم إلى قسمين؛ منها كلها ملحنة، ومنها شعر ونثر وتلحين. فإذن عندما تكون الرواية كلها ملحنة فنشير عنها بقولنا كلها ملحنة، وعندما لا تكون كلها ملحنة فنكتفي بالقول عنها إنها ملحنة. واعلم أنك سترى بالرواية الأسماء هكذا، مثلا: قراد هند «فالقصد بذلك أن الكلام الآتي هو من قراد إلى هند»، ومثل ذلك حينما نقول: أم ريشا عيسى، «فيكون الخطاب من أم ريشا إلى عيسى وهلم جرا»، وعندما نقول مثلا: الثعلبي ذاته، «فيكون كلامه لذاته كإنسان يخاطب ذاته بذاته يقصد بذلك أحيانا ألا يسمعه الأشخاص الآخرون وهم أيضا يوهمون الحاضرين أنهم غير سامعين مع كونهم سامعين، وسمعهم هذا لا ينافي عند مؤلفي هذه الصناعة.»
وعندما نقول مثلا: جوقة قراد: قراد جوقة، «فيكون الخطاب من الجوقة إلى قراد ومن قراد إلى الجوقة أيضا بوقت واحد وإن يكن الكلام واحدا؛ هو لأن أحيانا كثيرة الأشخاص يلحنون سوية كلاما واحدا ويكون لكل منهم قصد أو يكون القصد واحدا، وأحيانا أيضا يلحنون سوية ولكن كل منهم يكون كلامه مختلف عن الآخر، لا بل أحيانا يكون ضد الآخر ... إلخ.»
إن وجود هذه العلامة «...» تدل على الانتقال من معنى إلى معنى أو التفكير لإيجاد كمالة المعنى أو قطع الكلام من شخص ثاني وابتدا كلام جديد منه.
4
وإذا تطرقنا إلى نشاط مارون النقاش المسرحي، نجد أنه قدم مسرحية «البخيل» في بيته عام 1848، ودعا إليها قناصل البلدة ووجوهها، وفي بيته أيضا قدم مسرحيته الثانية «أبو الحسن المغفل» أو «هارون الرشيد»، وقد وصف لنا الرحالة الإنجليزي هذا الحفل بقوله: في بداية سنة 1850 قدم مارون النقاش مسرحيته، وقامت بتمثيلها عائلته - وهي عديدة الأفراد - وكان موضوع الرواية المعلن عنها «هارون الرشيد وجعفر» وهي مكتوبة ببيان عربي رفيع، تتخللها أشعار تنشد إنشادا ... أما المسرح فقد أقيم أمام البيت وكان على المثال الذي نحرص على تحقيقه في قاعاتنا التمثيلية. باب في الوسط تعلوه كوتان، وعلى جانب منه نافذتان، وكانت الكواليس في آخر الفناء ... كان هؤلاء قد شاهدوا في أوروبة أن المسرح له أنوار أمامية، وتقوم في مقدمته «كوشة» للملقن، فتوهموا أنها من لوازم المسرح الضرورية، فألصقوها حيث لا حاجة إليها ... أما الأزياء، فقد كانت تبدو، على الأقل، مطابقة للتاريخ. أما أدوار النساء فقد قام بها شبان ... نجحوا تماما في تنكرهم. ولما لم يكن بين الممثلين نساء، لم تقع عيني على امرأة بين الحضور، ولا في النوافذ المفتوحة المطلة على الحديقة ... وبالرغم من أن الحفلة كانت طويلة، بل طويلة جدا، لم يغادرها أحد من الحضور، بل كنت ترى على وجوههم أمارات البشاشة والمرح ... وما كاد الستار يسدل حتى رفع ثانية ليحيي الممثلون النظارة ويشكروهم، لا لأن أحدا من النظارة دعاهم إلى ذلك ... كان في التمثيل بعض الارتباك، كما كان الغناء رديئا، ولكن إخراج المسرحية، من الناحية الفنية، كان موفقا وقد دلت على مواهب كامنة عند المؤلف ... وبعد هذه المسرحية ... وبعد ما رآه مارون من التشجيع، حصل على فرمان عال بإنشاء مسرحه، الذي أقيم بجوار بيته خارج السور.
5
وكانت المسرحية الثالثة والأخيرة، التي كتبها النقاش، عبارة عن معالجة جديدة لمسرحية «طرطوف» لموليير أيضا، وقدمها بعنوان «السليط الحسود».
وكان مارون النقاش يؤلف المسرحية ويلحنها تلحينا يلائم مواقفها المختلفة. وقد وصف عمله ابن أخيه سليم النقاش، الذي حمل رسالته فيما بعد إلى مصر، قائلا: وقد جعل في هذا الفن تغييرا غير قليل، من أدخله إلى بلاد الشرق في اللغة العربية، وهو المرحوم عمي مارون النقاش. فإنه حين ساح في أوروبا ودوخ أقطارها، رأى حال الروايات عندهم، وما تجني منها بلادهم من الفائدة والانتفاع، فحملته الغيرة الوطنية والحمية السورية على إدخاله إلى بلاده. فعاد إليها وألف روايات لا ينتظر مثلها من مؤلف في فن لم يكن يعرفه غيره من أبناء وطنه، على أنه لا يستغرب من مثله. ولما رأى عدم ميل أبناء وطنه إلى هذا الفن المفيد نظرا لعدم معرفتهم بمنافعه، زاده فكاهة فجعله في الرواية الواحدة شعرا ونثرا وأنغاما، عالما أن الشعر يروق للخاصة، والنثر تفهمه العامة، والأنغام تطرب. ولا حاجة إلى ذكر ما تكبده من المصاعب والأتعاب في بادئ الأمر، حتى حمله الإعياء إلى القول في إحدى رواياته: إن دوام هذا الفن في بلادنا أمر بعيد. على أنه أجهد نفسه في جعل رواياته أدبية محضة؛ قاصدا بذلك تهذيب أبناء وطنه، فأتى بالمطلوب من الروايات؛ لأنها إنما تفيد إذا كانت أدبية، ترغب في الفضائل وتنهى عن الرذائل.
ومات مارون النقاش عام 1855، وهو أول المقتبسين من المسرحيات الفرنسية، وعمره لا يتجاوز ثمان وثلاثين عاما. ولقد أثر موت النقاش في تطور المسرح العربي، فلم يحرم المسرح من كاتبه الأول فقط، بل تحول المسرح الذي بناه بجوار بيته إلى كنيسة.
6
ومن الملاحظ أن شهادات المعاصرين لمارون النقاش تدل كلها على أصالة مسرحياته. ويمكننا أن نضيف إلى ذلك أنها لو لم تكن بهذه الأصالة لما حازت على ذلك النجاح في مدينة كانت العروض القادمة من أوروبا تفشل فيها.
كان فضل مارون النقاش بكل المقاييس عظيما؛ لأن عرضه ظل لسنوات كثيرة معيارا فريدا للمسرح العربي، سواء في النص الدرامي، أو في مبادئ الإخراج، وأصبح التوجه نحو الأدب المسرحي والمصادر الأدبية للبلاد الأخرى أمرا معتادا بالنسبة لأغلب الأشخاص الذين جاءوا بعده. فلم يقم هؤلاء بتعريب الموضوع ونقل مكان الأحداث إلى البلاد العربية فقط، ولم يبدلوا أسماء الشخصيات ويعدلوا النصوص الأصلية فحسب، بل كتبوا على أساسها أعمالا جديدة تماما تستجيب لأهداف وذوق المؤلف والجمهور العربيين.
7
وإذا كان القطر اللبناني شهد ميلاد الفن المسرحي في العالم العربي ، فإن القطر المصري كان الأسرة والبيت الذي ربى ورعى هذا الطفل، حتى أصبح شابا يافعا قويا، وما زال حتى الآن يرعى كل ميلاد لفن جديد على المستوى العربي.
المسرح في مصر
(1) الأزبكية
يعتبر المعز الأتابكي أزبك بن الظاهري، هو منشئ الأزبكية في عام 880ه، التي نسبت إليه. فقد كانت أرضا خربة لا يوجد بها غير مزار سيدي عنتر، وسيدي وزير، وقام بعض الملوك بحفر خليج إليها من فم الخور، وصار يعرف بخليج الذكر ضمن متنزهات القاهرة. وبني على ذلك الخليج قنطرة الدكة، وكان عليها دكة للمتفرجين ليجلسوا عليها، وكانت تعرف أيضا بقنطرة التركمان؛ لأن الأمير بدر الدين التركماني كان عمرها على خليج الذكر. واستمرت هذه البقعة إلى سنة 655ه، فتلاشى أمرها وصارت هذه البقعة خربة مقطع طريق مدة طويلة لا يلتفت إليها.
واستمر الحال على ذلك حتى جاء أزبك، وكان سكنه قريبا منها، فبنى في الأزبكية القاعات الجليلة والدور والمقاعد وغير ذلك، ومهدها وصارت بركة، وبنى حولها رصيفا متقنا محيطا بها، وأجرى إليها الماء من الخليج الناصري حتى تم له ما أراد. ثم شرع الناس في البناء عليها فبنيت القصور النفيسة الفاخرة والأماكن الجليلة، وتزايدت العمارات بها إلى سنة 901ه وصارت بلدة مستقلة، وأنشأ بها الأتابكي أزبك الجامع الكبير، ثم أنشأ حول الجامع البناء والربوع والحمامات وما يحتاج إليه من الطواحين والأفران وغير ذلك من المنافع. ولما تمت عمارتها أنعم السلطان قايتباي على أزبك بأرضها، بعد أن كانت وقفا على خزائن الإسلام. ثم سكن أزبك في تلك القصور إلى أن مات، وبه ذكرت الأزبكية.
وبعد أن صارت مدينة مستقلة بكيانها العمراني، امتدت إليها يد الإهمال فتلاشى أمرها مرة أخرى وخربت، حتى جاء عثمان كتخدا في عام 1145ه، فأعاد بناءها من جديد، فبدأ ببناء الصهريج والمسجد بالأزبكية بجوار مدفن الشيخ أبي طاقية الذي كان بجوار المسجد. لكن في فترة تواجد الحملة الفرنسية، تهدم بعض المسجد فنقلوا الشيخ من مدفنه هذا. وبعد خروجهم عمروا المسجد وقامت شعائره.
وفي هذا العام تم بناء مسجد الخواجا قاسم الشرايبي الذي بالرويعي المدفون فيه الآن السيد علي البكري، ثم بنى بها الشيخ زين الدين البكري منزله وأخذت الناس من حينئذ في العمارة بها حتى صارت نزهة للناظرين إلى سنة 1213ه؛ أي وقت دخول الحملة الفرنسية، فحصل بها تخريب. وبقيت على ذلك حتى سكن بها المرحوم محمد علي باشا ببيته الذي بالأزبكية، وهو بيت أيوب بك الكبير، وأصله بيت علي بك الغزاوي، فبدأت الأزبكية في العمران من جديد، فكثرت فيها المباني المنتظمة على الأساليب الجديدة، وتجددت القصور والبيوت التي حولها على هذا النظام البديع، وتجددت فيها العمائر العمومية الجميلة؛ تقليدا للبلاد الأوروباوية. ومما زاد في تحسينها فتح السكة الجديدة.
1
وامتدت يد الإهمال لآخر مرة في عمر الأزبكية، بعد عهد محمد علي، حتى جاء مؤسسها ومعمرها وبانيها الحقيقي الخديو إسماعيل؛ وذلك عندما عاد سنة 1867م من زيارته لمعرض باريس، بعد أن بهرته التحسينات الجارية في العاصمة الفرنسية، فأقدم على الأزبكية لتكون على شاكلتها. وبالفعل تم له ذلك في مدة قصيرة، لا تتناسب مع ضخامة ما تم إنجازه بالفعل. فخرجت الأزبكية نزهة من أجمل المتنزهات، ومكانا بديعا يخلب الألباب، تنيره الأنوار الغازية، وتزينه الفسقيات. وأقبل الخديو على الحي المحيط بالحديقة، فجعل ينتزع ملكية منازله الخشبية مقابل تعويضات، ويهب الأرض التي كانت قائمة عليها هبة إلى من شاء التعهد بإقامة مبان فخمة عليها. وبعد أن أوصله بالموسكي شرقا، تحول إلى غربيه، فأزال ما كان يعرف بباب الجنينة - وهو باب كان قائما على مدخل ذلك الحي، في نهاية الطريق الواصل ما بينه وبين بولاق - واختط إلى جنوبيه بميل نحو غرب الأحياء البديعة الآن بأحياء التوفيقية وعابدين والإسماعيلية، بعد أن أقام، في طرف الأزبكية الجنوبي، المسرحين الفخمين، وهما مسرح الكوميدي الفرنسي ودار الأوبرا الخديوية الذي أقام أمامها تمثالا برونزيا لأبيه إبراهيم باشا.
2
الخديوي إسماعيل.
والحقيقة أن تمثال إبراهيم باشا الموجود حاليا بميدان الأوبرا،
3
وتمثال محمد علي الكبير الموجود حاليا بميدان المنشية بالإسكندرية - أو كما كان يسمى في ذلك الوقت بميدان القناصل - قد تم صنعهما في آن واحد، وبالتحديد في عام 1868 بأمر من الخديو إسماعيل. وقد قام بتصميمهما الفنان الفرنسي «كورديه» متعهد هندسة توزيع المياه بالقاهرة في ذلك الوقت، وتكلفا 400 ألف فرنك.
4
وخير ختام لإتمام مظاهر المدنية الحديثة بمدينة القاهرة، وبالأخص منطقة الأزبكية
5
في عهد الخديو إسماعيل، ما قاله بيردسلي قنصل أمريكا في تقريره لوزارة الخارجية الأمريكية في 15 / 9 / 1873، عندما قال: «بلغ التجميل والتبديل في القاهرة من بضع سنوات، مدى يصعب على الأجنبي تقدير طبيعته ومداه حق التقدير ... ومنذ ست سنوات لم يكن الحيز الواقع بين القاهرة والنيل وبولاق إلا أرضا واسعة منخفضة، تغمرها مياه الفيضان ... وهذا الحيز اليوم هو الحي الجديد الجميل، ويسمى بحي الإسماعيلية تكريما لسمو الخديو. وقد ردم ... وقد خططت فيه طرق واسعة ... تحف بها الأشجار ومنحت الأرض بالمجان لمن يتعهد بأن يقيم عليها بناء معين الرسم. وهكذا أنشئت مدينة جديدة تماما تتألف من أبنية رائعة، تمتد من المدينة القديمة إلى ضفاف النيل فكأنها نشأت بفعل من السحر. كانت البقعة الشاسعة المعروفة باسم الأزبكية، تقوم على جوانبها مجموعات من الدور الأوروبية، يتألف منها الحي الإفرنجي ... وقد استحالت اليوم إلى حديقة عمومية رائعة الجمال ذات ممرات رملية وطرق ظليلة ومروج خضراء. ومما يأخذ فيها بالألباب، بحيرة صناعية هي آية في الجمال، وتحف بهذه الحديقة أبنية أخاذة المنظر منسقة على طراز واحد ... وشيد الخديو مسرحا كبيرا جدا للأوبرا الإيطالية وآخر أصغر منه للكوميديا الفرنسية. وبنيت حنفيات عمومية كبيرة ومساجد وقصور عديدة. وفي كل النواحي نشاهد آيات النشاط والتحسين، تذكر نشاط الغرب أكثر مما تذكر عادات الشرق.»
6
ومن الملاحظ أن جميع الكتابات التي تحدثت عن الأزبكية، أو عن مسارحها، لم تتحدث إلا عن مسرح الكوميدي الفرنسي، ودار الأوبرا الخديوية. واعتبرت هذه الكتابات أن هذين المسرحين هما وسيلتا الترفيه الوحيدتين في مصر في ذلك الوقت، وبالأخص للجاليات الأجنبية. والحقيقة أن الخديو إسماعيل أقام عدة منشآت ترفيهية أخرى بخلاف ذلك في منطقة الأزبكية. فقد أقام سيركا وملعبا للخيول - الأبيودروم - أو ملعبا للجمباز. وبعد أن تمت هذه المنشآت تم الإعلان عنها جميعا بإعلان في 21 / 11 / 1870، هذا نصه:
إعلان لجميع الناس وكل من أراد التروح والائتناس
ابتداء اللعب في التياترات أي الملاعب الإفرنجية الكائنة بالأزبكية من الساعة 8 وربع «أفرنكية» من المساء (أي على نحو الساعة 3 من الليل عربية)، وهذا بيان أثمان المحلات لمن أراد من أبناء العرب وحضرات الذوات الكرام ذوي الميسرات أن يغتنمن هذه الفرصات ويقتسم حظ هذه الخيرات قبل الفوات. 10 فرنك على الكراسي المتقدمة وراء طقم الموسيقى، 7 على الكراسي المتأخرة، 65 الخلوة الأرضية [يقصد البنوار]، 75 الخلوة من الدور الأول، 53 الخلوة من الدور الثاني، 2 المجلس على المدرج في الدور الثالث.
7
وبعد هذه الإطلالة السريعة على منطقة الأزبكية بما تم فيها من عمران ووسائل ترفيه، يجب علينا أن نتوقف عند تفصيلات تأريخية وتوثيقية بما يخدم موضوعنا، عن تاريخ التمثيل والترفيه في هذه المنطقة؛ لذلك سنتحدث عن حديقة الأزبكية، وملاعب الخيل والسيرك والجمباز، وأخيرا المسارح. (1-1) حديقة الأزبكية
أما حديقة الأزبكية فبعد تشجيرها وتزيينها وتنويرها بالغاز،
8
صدر أمر الخديو بتعيين موسيو باريليه الفرنسي ناظرا لها ولكافة المتنزهات الأخرى. وإذا كان التاريخ أثبت أن الخديو إسماعيل أنفق من مال الدولة أموالا طائلة لجعل القاهرة صورة أخرى من باريس؛ مما أدى إلى أزمة مالية استمرت سنوات طويلة، فإن هذا الإنفاق تمثل بصورة واضحة في أمر تعيين باريليه! فناظر حديقة الأزبكية باريليه كان يتقاضى راتبا سنويا قدره 30 ألف فرنك فرنسي، بالإضافة إلى منزل لإقامته، وأيضا 90 ألف فرنك فرنسي كتعويض لتركه العمل في باريس، بالإضافة إلى 20 ألف فرنك فرنسي نظير خدمته في مصر من تاريخ حضوره من فرنسا.
9
وكانت الحديقة في أول أمرها - كمتنزه - مباحة للناس في الليل فقط،
10
وفي عام 1871 أبيحت لهم في النهار، وكان هذا الأمر من الأمور المهمة لدرجة الإعلان عنه في الجريدة الرسمية، عندما قالت: «أبيحت للمتنزهين في النهار حديقة الأزبكية البهية التي هي من جملة الإصلاحات التنظيمية البلدية العمومية.»
11
ومن الأمور المعهودة في هذا الوقت أن الفرق الموسيقية الأجنبية، وبالأخص الإنجليزية، كانت تعزف قطعا موسيقية في حديقة الأزبكية طوال الليل، للتسرية عن المتنزهين.
12
أما القيمة الحقيقية لحديقة الأزبكية فكانت تتجلى في الاحتفالات الرسمية للمناسبات الكبرى، سواء للجاليات الأجنبية أو للمصريين، كالاحتفال بعيد الملكة فيكتوريا ألكساندرين، من قبل الجالية الإنجليزية في مصر في يونيو 1887،
13
واحتفال الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو التي أسهبت جريدة المقطم
14
في وصفه قائلة: «كانت جنينة الأزبكية أمس شعلة من نار بل سماء مرصعة بالكواكب والأنوار، وقد احتشد فيها ألوف من الناس يمتعون الطرف بمجالي الزينة الباهرة ومظاهر الرونق والبهاء، وأقيمت عند مدخلها البحري قوس نصر رسم على واجهتها إلى جهة الباب صورة فتاة في مقتبل العمر وزهرة الشباب رمزا إلى الجمهورية الفرنسوية، وكتب على الواجهة الثانية بأحرف من نور «14 يوليو». وقد قسمت الحديقة إلى فسحات منسقة ومماش رحبة محيط بها الأنوار من كل جانب وتظللها المصابيح المضيئة بالأضواء المختلفة الألوان، ونصب في وسط تلك الفسحات المنيرة سرادق عظيم استكملت فيه معدات الأبهة والكمال، وأقام به حضرة قنصل فرنسا الجنرال يستقبل كبار رجال الحكومة وقناصل الدول الجنرالية ونخبة الزائرين من الوجهاء والأعيان، وكتب أمامه بالنور الكهربائي الحرفان الأولان من لفظ الجمهورية الفرنسوية وبينهما هذه الألفاظ «14 يوليو». وقد وضعت أقواس من النور على مسافات متقاربة ونشرت الرايات الفرنسوية في جميع أنحاء الجنينة ونصب في وسطها سرادق بديع الشكل مزين بالأنوار والرياحين تعلوه الأشجار الباسقة، وعلى مقربة منه الراية الفرنسوية تنبعث منها الأنوار كأنها قبس من نار، وقد أقامت فيه الموسيقى العسكرية تصدح بألحانها الشجية والناس من حولها أزواج متخاصرون يخطرون ويرقصون. وقد وضعت المشاعل والأنوار صفوفا حول البحيرة وانعكست أنوارها في الماء فتراءى للناظر إليها كأن الماء فيها قد تحول إلى نور. وفتحت أبواب التياترو مجانا لكل من يريد حضور الرواية الوطنية التي مثلت فيه. ولما أزفت الساعة الحادية عشرة أشعلت الألعاب النارية وأطلقت الأسهم في السماء فسمع لها أصوات هائلة أشبه بهزيم الرعد العاصف. وكانت تنبعث الأنوار على أشكال مختلفة في الفضاء وتسقط بألوان بديعة تروق الناظر وتشوق الخاطر. وقد انقضت الليلة على تمام السرور والحبور واستمر الناس يتمتعون بمسراتها إلى أن تبلج وجه الصباح، ثم انصرفوا جميعا يثنون ويشكرون.»
15
أما بالنسبة للاحتفالات المصرية في حديقة الأزبكية، فكانت تتمثل في احتفالين بصفة خاصة، الأول الاحتفال بعيد الجلوس السلطاني، والآخر احتفال الجمعيات الخيرية، والمحافل الماسونية.
16
والاحتفال بعيد الجلوس كان يتخذ في الحديقة أشكالا خاصة، مثل عزف الموسيقى العسكرية، وإقامة السرادقات الخاصة بالغناء للمطربين، ومن أهمهم الشيخ يوسف المنيلاوي وعبده الحامولي ومحمد عثمان، بالإضافة إلى تمثيل بعض الفرق لمسرحيات تتناسب مع مناسبة الاحتفال.
17
وإذا أردنا أن نتحدث عن احتفالات الجمعيات الخيرية في حديقة الأزبكية، سنجد أن «الجمعية الخيرية الإسلامية» لإعانة الفقراء تأتي في المقام الأول لما لها من رعاية خديوية، وحضور من قبل الخديو وزوجته وبعض الأمراء كالأمير محمد علي. وفي احتفالات هذه الجمعية نجد الغناء من أشهر المطربين، والألعاب النارية والبهلوانية والسيماوية والمزمار البلدي وتمثيل الروايات ... إلخ هذه المظاهر.
18 (1-2) السيرك
وإذا تركنا حديقة الأزبكية إلى أماكن الترفيه الأخرى بخلاف المسارح، سنجد السيرك أو ملعب الجمباز الذي أقيم بجوار دار الأوبرا الخديوية،
19
وملعب الأبيودروم أو ملعب الخيول، وقد صممهما وبناهما المهندس فرانس
20
الفرنسي بمنطقة الأزبكية ضمن المنشآت الترفيهية، بأمر من الخديو إسماعيل. وكانت أدوات ملعب الخيول والسيرك يتم استيرادها من أوروبا كأطقم الخيول وأدوات الجمباز.
21
وتم افتتاح السيرك في 25 / 10 / 1869 - قبل افتتاح الأوبرا بخمسة أيام - تحت إدارة الخواجة تيودور رانسي. وتم الإعلان عن هذا الافتتاح بإعلان هذا نصه:
إعلان
من ملعب بهلوان الخيل الفرنساوي بالأزبكية سنة 1286 «تحت إدارة الخواجة تيودور رانسي»
في يوم السبت 11 رجب وفي كل ليلة من الساعة ثمانية إفرنجي بعد الغروب يجري بمحل ملعب البهلوان المذكور ملاعيب عظيمة خيلية مسلية ومضحكة وجمبازية يلعبها جميع الأسطاوات الشهيرة المركب منها طقم الملعب الخيالي الفرنساوي المذكور أعلاه وتفتح مكاتب شراء تذاكر التفرج على الألعاب المذكورة الساعة سبعة ونصف إفرنجي بعد الغروب.
أثمان تذاكر الدخول
5 فرنق: المحل من الدكك المخصوصة، 3 فرنق: المحل من الدرجة الأولى، 1 فرنق: المحل من الدرجة الثانية، وتفتح مكاتب شراء التذاكر بالنهار أيضا من الساعة واحدة إفرنجي إلى الساعة 4 بعد الظهر ، وفي يومي الأحد والخميس من كل أسبوع يجري نهارا؛ وذلك للعائلات التي لا يمكن حضورها للتفرج بالليل وابتداء الألعاب النهارية الساعة 3 إفرنجي بعد الظهر.
22
ولم يقتصر السيرك على عرض العروض البهلوانية فقط، بل تطرق إلى فن البانتومايم، والرقص الشعبي، وبدأ يعلن عن برنامجه التمثيلي، مع ذكر أفراد فرقة البانتومايم، وهم: فلسبي وفرسدريق وكريويست وسالون والآنسة آنا، وهذا ما نلاحظه من صورة الإعلان الآتي المنشورة على الغلاف الأخير من مجلة «وادي النيل»
23
في 3 / 12 / 1869.
وعلى الرغم من نجاح السيرك في أول أعوامه، إلا أنه خسر خسارة فادحة في العام التالي - عام 1870 - مما جعل الخديو إسماعيل يصدر أوامره إلى نظارة المالية بتحمل هذه الخسارة.
24
ولكن الخديو أصر بعد ذلك على استمرار وجود السيرك، فشيد فيه لوجا خديويا خاصا به في عام 1872، بناه الخواجا بادويس،
25
كما عين دافيد جيليوم مديرا له خلفا لرانسي المدير القديم، وأصدر أوامره إلى وكيل نظارة المالية بإعطاء جيليوم إعانة مالية تصرف له على ثلاثة أقساط، كل قسط بمبلغ 42500 من الفرنكات الفرنسية.
وحاول جيليوم أن يطور في برنامج السيرك، فاستقدم فرقة للسيرك الأوروبي في أبريل 1872. وفي يناير 1874 استقدم فرقة كاملة من الأستانة جاءت ضمن أوامر المعية السنية الخديوية في 20 / 1 / 1874 عندما أمرت قائلة: «من مأمور مصالح السنية بإسكندرية أحمد إلى مهردار الخديوي. يعرض أنه أنزل من الباخرة طنطا 36 نفرا بين جنباز (بهلواني) وعازف وراقص مع آلاتهم وأدواتهم وأمتعتهم وسيرسلون غدا بقطار الركاب؛ وذلك بناء على أسفار مأمور أمور الإدارة السنية بالأستانة.»
26
ولكن السيرك في عهد جيليوم فشل أيضا كما فشل في عهد رانسي؛ مما أدى إلى إهماله، لدرجة أن المحافظة أمرت بفك السور الحديدي المركب حوله وتركيبه في سراية عابدين.
27
ويتوقف السيرك سنوات طويلة، تصمت أمامها الوثائق والأخبار، حتى تأتينا أول إشارة - منشورة - عن أول سيرك مصري، وهو سيرك الحلو الشهير. الذي سار على نهج السيرك القديم، في تقديم الألعاب البهلوانية والتمثيل المسرحي. ففي 3 / 1 / 1889 قالت جريدة القاهرة تحت عنوان «تياترو الحاج علي الحلو الشهير»: «يشتمل هذا التياترو المستكمل أنواع المحاسن على ما يستوجب سرور من يشرفونه بالحضور لرؤية ألعابه المتعددة المتنوعة الأساليب. وهو مؤلف من رجال بارعين في فن التشخيصات والألعاب الحديثة ويختم بفصل هزلي عجيب جدا. ومن ألعابه المشهورة وضع الموائد فوق السلك بانتظام غريب والمشي في الهواء بأسرع حركة وتلفف الكل ومشاعل النيران أثناء ذلك. ومن تشخيصاته البديعة حروب السودان الأولى ووقائع سواكن السالفة، وكل هذه الأعمال بانتظام تام يسر الناظرين. وفي آخر تشخيص الوقائع المذكورة تطلق المدافع إتماما للرونق، وفي جميع الفصول تصدح الموسيقى بأطرب الألحان بإدارة حضرة البارع المتفنن الشهير محمود أفندي أحمد المشهور بالصول. وقد انحاز إليه فريق من المغاربة المشهورين بخفة الحركات ودقة الألعاب. ومقر هذا التياترو في المولد الحسيني بجوار جامع الشنواني. وبالجملة فالتشخيصات المتنوعة والألعاب العديدة التي يجريها كل ليلة في المولد المذكور لا يفي بوصفها غير العيان، ولقد نال من إقبال العموم على الحضور إلى مراسحه الشائقة ما استوجب الثناء على أعضائه البارعين.»
28
أما السيرك القديم الذي افتتح في الأزبكية، فقد تحول في نهاية القرن التاسع عشر إلى مسرح تقام فيه المسرحيات الأجنبية من قبل الفرق الأوروبية. والإشارة الوحيدة على ذلك جاءت بها «جريدة المؤيد»
29
في 5 / 2 / 1899، عندما قالت: «يمثل مرسح الخيل مساء الغد رواية جديدة شهيرة تسمى «سكولوستيكو»، وهي رواية تمثل وقائع حربية مهمة اعتنى بتحضيرها جناب البارع الخواجة سلامون بحر الشهير، الذي أتقن فن التمثيل من زمن بعيد ونال عظيم الثناء من عدة مديري أجواق تياترية. فلا غرو إذا أقبل العموم على مشاهدة تمثيل هذه الرواية البديعة مع بقية الألعاب المدهشة التي اشتهر بها هذا المرسح.»
30 (1-3) الأبيودروم «ملعب الخيل»
وإذا تركنا السيرك، سنجد ملعبا آخر هو الأبيودروم، أو ملعب الخيل، الذي كان يبنى في نفس وقت بناء مسرح حديقة الأزبكية والأوبرا الخديوية في عام 1869. وقد وضع الخديو إسماعيل مبلغا كبيرا قدر بخمسين ألف ليرة إسترلينية في البنك النمساوي المصري بالإسكندرية، تحت حساب الإنفاق على بنائه.
31
ويجب أن نلاحظ أن الأبيودروم كان يطلق عليه ملعب الخيل، وأيضا السيرك كان يطلق عليه نفس الاسم؛ لذلك نبهت مجلة وادي النيل على هذا الأمر في 13 / 1 / 1871 قائلة: «عن قريب جدا يجري افتتاح محل الملاعب الخيلية المسمى باسم «الأبيودروم» المستجد بالشارع الجميل الموصل إلى قصر النيل من المحلة الإسماعيلية، وهذا خلاف المحل الآخر المسمى باسم «السيرك»؛ أي ملعب البهلوان على الخيل الكائن بجوار تياترو الأوبيره الكبيرة.»
32
وفي يناير 1871 تم افتتاح الأبيودروم في مناسبة الاحتفال بعيد تولي الخديو إسماعيل منصب الخديوية، وتم افتتاح الملعب للجمهور مجانا في هذا اليوم احتفالا بهذه المناسبة السعيدة.
33
وفي يوليو من نفس العام تم تنويره بالغاز من قبل المقاول جنوار بمبلغ 66795 فرنكا فرنسيا. وفي 29 / 12 / 1872 تمت أعمال صيانة وإصلاح به.
34
وبعد هذا التاريخ صمتت الوثائق والصحف اليومية أمام أخبار هذا الملعب، ولا نعلم على وجه التحديد مصيره حتى الآن، وربما تحول هو الآخر إلى مسرح، كما تحول السيرك من قبله.
وإذا كان السيرك والأبيودروم من المنشآت الترفيهية الحكومية في منطقة الأزبكية، فقد كانت هناك أيضا منشآت ومسارح أهلية خاصة في نفس الزمان والمكان. فعلى سبيل المثال نجد قاعة سانتي بحديقة الأزبكية، وعرضت فيها الجمعية الخيرية الإسرائيلية حفلتها الراقصة في 1 / 11 / 1897،
35
وكذلك نجد مسرحا خاصا لفن الفنتوش - أي الأراجوز - يسمى «صولد جرس كلوب»، وكان يقع قرب حديقة الأزبكية في عام 1897. ولم يقتصر هذا المسرح على تقديم فن الأراجوز فقط، بل كان يقدم فقرات جمبازية وصورا متحركة - شرائط سينما - لمناظر منها شارع برودواي بنيويورك، ورقص إسباني.
36
وبخلاف هذا المسرح، نجد مسرح السكاتنج رنج الواقع بالقرب من حديقة الأزبكية أيضا، وكان في هذا القرن يعرض حفلات تمثيلية للفرق المسرحية الكبرى، وحفلات طرب خاصة بالمطربة ملكة سرور، وأخيرا عرضا للصور المتحركة «السينماتوغراف».
37
وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ظهر مسرح آخر هو تياترو فاريتيا وكان يعرض فيه الأستاذ كاريدي أعماله السحرية وبعض أشكال التنويم المغناطيسي.
38 (1-4) مسرح الكوميدي الفرنسي
إذا تطرقنا إلى الحديث عن المسارح الكبرى بمنطقة الأزبكية، سنجدها ثلاثة: مسرح الكوميدي الفرنسي، ومسرح حديقة الأزبكية، وأخيرا دار الأوبرا الخديوية. ويعتبر مسرح الكوميدي الفرنسي أول مسرح يقام في منطقة الأزبكية، وقد بدأ الخديو إسماعيل إنشاءه في 22 / 11 / 1867، وتم افتتاحه في 4 / 1 / 1868 تحت إدارة الخواجا منسي. وسرعة إتمام هذا المسرح لفتت أنظار المؤرخين مثل إلياس الأيوبي فقال في ذلك: «... فكان إنشاؤها، وتأسيسها، وتجهيزها، وإقامة أول تمثيل فيها - كل ذلك تم في ظرف شهر واثني عشر يوما. ومع أنها كانت، في بادئ أمرها، عبارة عن بناء خشبي، فإن إبرازها إلى الوجود بمثل هذه السرعة لم يكن يخلو من شيء يعجب له إعجابا كبيرا. فزيادة على ما استوجبه من الدقة المدخلان اللذان عملا فيها: أحدهما حديدي على الشمال للخديو، والآخر حديدي كذلك على اليمين للحرم المصون وأميرات البيت المالك، فإن داخل ذلك المسرح كان فخما جدا، مزينا بأبهى الرسوم، وباديا على كل شيء فيه بذخ فائق، لا سيما في كل ما كان يتعلق بلوج الخديو والألواج الثلاثة المغطاة المعدة لأميرات أسرته.»
39
ويعتبر تاريخ ونشاط هذا المسرح من الأمور المجهولة تماما في تاريخ المسرح في العالم العربي. وهذا راجع إلى ندرة المعلومات عنه، إلا أنني استطعت أن أحصل على بعضها، ومنها ما يلي:
في 24 / 3 / 1869 تم إجراء تمثيل مسرحي بهذا المسرح كإعانة للفقراء وتم تحصيل الإيراد الذي بلغ 2200 فرنكا فرنسيا.
40
وفي 30 / 4 / 1869 تمت فيه ليلة موسيقية من قبل الموسيقي الإيطالي «باسم البيانو» من خلال قصيدة غنائية في مدح الخديو ألقيت باللغة الإيطالية والتركية والعربية، وحضر الخديو هذه الليلة.
41
وفي سبتمبر 1869 أبلغ مأمور أشغال الخاصة الخديوية بالإسكندرية، المعية السنية بوصول ثلاث بواخر فرنسية وإنجليزية وإيطالية إلى ميناء الإسكندرية، بها بعض الفرق المسرحية للعمل بمسرح الكوميدي الفرنسي.
42
وفي موسم (1870-1871) نشرت مجلة «وادي النيل» في 21 / 10 / 1870 أول أسماء لعروض مسرح الكوميدي الفرنسي، يستطيع الإنسان الحصول عليها في وقتنا الحاضر، بل إن هذا النشر، هو الوحيد عن هذا المسرح ضمن جملة الأخبار المنشورة عن المسارح المصرية والعربية في ذلك الوقت.
والخبر يقول: «في أمس ... حصل افتتاح موسم التياترات ... وكان ابتداء العمل في تلك الليلة بملعب الكوميدية (أي الملاعب التخليعية المضحكة) وأول ما لعب فيها قطعة تسمى بما معناه «الموافق والمخالف» ثم تلاها تخليعة ممتزجة بأدوار سائرة ومعاني دائرة تسمى باسم «كروك بول» وهي أشبه بما يسمى على لسان العرب بالثعلب. وختم المجلس بلعبة ثالثة تسمى بما معناه «موال فرنتنيو» وهي عبارة عن تصوير ملاعب تياترية يتخللها تلحينات موسيقية، وكل ذلك مما لا يمكن تعريفه بمجرد الوصف والبيان بل لا بد من مشاهدته بالعيان. ذكر بالجرنال المسمى باسم البروجرام، وهو جرنال التياترات المصرية المطبوع بمطبعة الخواجة دلبوس دموريت الكائنة بالأزبكية، أن يوم الجمعة هذا أي ليلة السبت القابل بطالة، وفي ليلة الأحد التالي ستلعب بملعب الكوميدية المذكورة لعبة أخرى تسمى باسم «فرننده»، وأخرى تسمى باسم «جاووث ومينار وشركائهما» وثالثة تسمى «أسرار الصيف» وكلها من تأليف مشاهير المخلعين الأوروباويين وكبار الموسيقيين المشهورين.»
43
وفي 24 / 10 / 1870 حضر الخديو إحدى الحفلات المسرحية بمسرح الكوميدي وكان يصفق بيديه تشجيعا للممثلين؛ مما لفت هذا التصرف أنظار بعض كتاب الصحف والمجلات في ذلك الوقت فأثبتوه في كتاباتهم.
44
وفي 19 / 6 / 1872 نجد أمرا رسميا من عمر لطفي محافظ مصر إلى مهردار الخديو عن تقرير المسيو جران بشأن ترميم مسرح الكوميدي الفرنسي، ويطلب منه عرض هذا الأمر على الخديو إسماعيل.
45
ومن المؤكد أن الخديو إسماعيل كان مولعا بحفلات الرقص الأوروبية بصفة عامة - وبالراقصات بصفة خاصة - لدرجة أنه كان يحضر حفلاتها دائما سواء في الأوبرا أو في الكوميدي الفرنسي. لذلك نجده يصدر أوامره من سراي عابدين إلى محافظ مصر، يأمره بإبقاء فرقة الراقصات التابعة لمسرح الكوميدي الفرنسي - بعد أن أنهت موسمها - بالأوبرا لمدة 15 يوما بداية من يوم 1 / 4 / 1875 وصرف 14512 فرنكا للفرقة نظير ذلك.
46
وأهم أحداث التاريخ في ذلك الوقت فيما يتعلق بمسرح الكوميدي الفرنسي، كان في مارس 1869؛ أي بعد افتتاحه بشهرين تقريبا. وهذا الحدث ذكرته جميع الصحف في ذلك الوقت وخصوصا «جريدة الجوائب» التي قالت في 3 / 3 / 1869: «منذ أيام وقعت واقعة غريبة وحادثة مستبشعة عجيبة ... وهي أنه وجدت تحت الكرسي المعد لجلوس الحضرة الخديوية بمحل التياترو المصري آلة يقال لها «ماشين الفرنال» ممتلئة بارودا وأجزاء جارحة، فعلم من قرائن الأحوال أن ذلك ليس إلا سوء قصد من خائن غبي ذي حقد يريد منفعة نفسه بإضرار الناس، وقد خيب الله قصده وكشف بلطفه سره وصده وسلم تلك الحضرة السنية من المقاصد الخبيثة الدنية، وشكل قومسيون مخصوص مؤلف من مأمورين من الحكومة وحضرات قناصل فرانسا والإنكليز وأوستريا وإيطاليا للبحث، بحضور حضرة مأمور الضبطية بالتدقيق عن فاعل تلك الفعلة الشنيعة وداس دسيسة هاتيك الآلة الفظيعة. وحجز «ميناس» ناظر ذلك التياترو ومن سيء به الظن من خدمته، وها هو جار السؤال لهم واستكشاف الحال ... وبظهور هذا الخبر بادر إلى سراية الجيزة كل معتبر من حضرات العلماء الأعلام والمأمورين الفخام وقناصل الدول المتحابة وكثيرين من أمراء الأهالي والأجنبيين لتهنئة الجناب الخديوي بالسلامة الجديدة.»
47
وأرقت هذه الحادثة الخديو؛ لأنه ظن أنها مكيدة من عمه حليم باشا المنفي، بسبب خلافهما على وراثة الخديوية بعد صدور فرمان نظام الوراثة الجديد، الذي نص على تولي الخديوية لأكبر أبناء الخديو إسماعيل، لا لأكبر أبناء محمد علي باشا. وانتهى التحقيق في هذه المؤامرة، باكتشاف أن القنبلة كانت وهمية لا يصدر منها إلا صوت فرقعة، وأن مدبرها منسي مدير المسرح الذي اعترف «بأن المسألة كلها لعبة دبرها هو، لتتخذ شكل مكيدة، فيكون له فخر اكتشافها ومغنم المكافأة الثمينة التي كان لا بد من إعطائها له. غير أن إسماعيل لم ترق في عينه تلك اللعبة، ولولا تداخل قنصل فرنسا، بتأثير ممثلة من ممثلات الجوقة كان مغرما بها، لخسف بذلك الأرمني السمج الأرض، أو نفاه على الأقل إلى فازوغلو؛ ذلك البلد الذي لم يكن أحد يعود منه. ولكن تداخل القنصل الفرنساوي عمل عمله؛ فجرد منسي بك من رتبته ونياشينه فقط، وطرد من البلاد، وأنذر بالإعدام إذا تجاسر على العود إليها.»
48
والوثائق - التي بين أيدينا - تؤكد ما جرى لمدير المسرح، ففي 1 / 5 / 1869 أصدر الخديو إسماعيل أمره بفسخ عقد الخواجا منسي وصرف جميع مستحقاته.
49 (1-5) مسرح حديقة الأزبكية
يعتبر مسرح حديقة الأزبكية - رغم شهرته الكبيرة - لغز الألغاز في تاريخ المسرح المصري؛ وذلك لأننا لا نجد له أية إشارة تتحدث عنه بصورة صريحة! فلا نعرف مكانه على وجه التحديد، ولا نعلم عن أموره الإدارية أي شيء على الإطلاق، بل لا نعلم تاريخ بنائه أو افتتاحه، وكل ما نعلمه بعض الإشارات اليسيرة من خلال أخبار الفرق المسرحية التي عرضت عليه أعمالها المسرحية، أو الجمعيات التي أقامت به احتفالاتها الخيرية. وبسبب هذا التعتيم على هذا المسرح وقع الكثير منا في خطأ الخلط بينه وبين مسرح الكوميدي الفرنسي، الذي قيل عنه في كتابات كثيرة إنه مسرح حديقة الأزبكية! وفي السطور القادمة سنكشف النقاب عن حقيقة هذا المسرح، مع تاريخ تفصيلي له ولنشاطه الإداري والفني.
مسرح حديقة الأزبكية.
لقد تحدثنا فيما سبق عن مسرح الجمهورية والفنون، الذي بني في الأزبكية أيام الحملة الفرنسية، وعرفنا أنه هدم أثناء ثورة القاهرة، ولم نسمع عنه بعد ذلك. وعندما جاء الخديو إسماعيل وأراد إعادة بناء الأزبكية بصورة حضارية - كما مر بنا - فكر في إعادة بناء مسرح حديقة الأزبكية ضمن المنشآت الترفيهية التي تحدثنا عنها، وعهد بذلك إلى المهندس فرانس، الذي بنى الأبيودروم والسيرك. فاختار هذا المهندس نفس مكان مسرح الجمهورية والفنون. ومن المؤكد أن هذا المسرح كان قائما في ذلك الوقت على هيئة أنقاض - أو أطلال - تدل على مكانه، فأراد الخديو إحياءه من جديد.
والدليل على ذلك وثيقة محفوظة بدار الوثائق القومية، تحمل أمرا من الخديو إسماعيل في 6 / 5 / 1869، بتنفيذ هذا المشروع، وتنص على: «أمر كريم منطوقه هذه المقايسة الفرنساوي تتعلق بالأشغال المقتضى إجراها بمحل التياترو القديم بالأزبكية بمعرفة فرانس بك بمبلغ تسعة وخمسين ألف فرنك وخمسمائة خمسة وخمسين فرنك، وبما أن المصاريف التي تتعلق بهذه العملية عايد سدادها في المالية فلأجل هذا يلزم حصرها بحساب مخصوص بالخاصة بمفردها وبانتهاها وإتمامها يتقدم لطرفنا مجموع عنها ليصدر أمرنا إلى المالية بقبول المصاريف وسدادهما، إنما المقصود عدم تجاوز تلك المصاريف عن الذي تقدر بالمقايسة المذكورة وأما في وجهة المبالغ اللازم صرفها الآن في الخاصة لإجراء هذه العملية سنخطركم عن الجهة التي تأخذوها منها وأصدرنا أمرنا لكم للمعلومية والإجراء بموجبه (في الجيزة).»
50
وهذا الخبر يؤكد أن مسرح حديقة الأزبكية بدئ البناء فيه في مايو 1869، وفي نفس مكان مسرح الجمهورية والفنون - أيام الحملة الفرنسية - والدليل على ذلك وجود عبارة «محل التياترو القديم بالأزبكية» في الوثيقة السابقة.
51
وعلى الرغم من أن بناء مسرح حديقة الأزبكية بدأ مع بناء الأبيودروم والسيرك، إلا أن الأخيرين افتتحا قبله كما مر بنا. ولعل السبب في ذلك راجع إلى أن الكوميدي الفرنسي قد تم افتتاحه قبله، ثم تم افتتاح الأوبرا الخديوية بعد ذلك بقليل، وهما مسرحان للتمثيل؛ مما جعل القائمين على الأمر يؤجلون إتمام بناء مسرح الحديقة إلى ما بعد ذلك، وبالأخص في 1 / 5 / 1873، وهو تاريخ افتتاح مسرح حديقة الأزبكية تحت إدارة أنريكو سانتيني كما تؤكد الوثائق.
52
وهذه الوثائق تؤكد أيضا أن هذا المسرح كان نشاطه محدودا - بالمقارنة بينه وبين نشاط مسرحي الكوميدي والأوبرا - منذ افتتاحه حتى عام 1880. ولكن بعد ذلك عانى من مصاعب كثيرة أوردها مديره سانتيني في عدة مذكرات لنظارة الأشغال العمومية، ومنها إلى مجلس النظار، تلك المذكرات المحفوظة بدار الوثائق القومية، ولأهميتها نلخصها فيما يلي:
في عام 1881 قام سانتيني ببناء عدة لوجات في مسرح الحديقة، الذي كان قاصرا على المقاعد الأرضية فقط، ولكن أعمال البناء تأخرت؛ مما فوت عليه فرصة الانتفاع بموسم هذا العام. وفي عام 1882 لم ينتفع سانتيني أيضا بموسمه بسبب الثورة العرابية، لدرجة أنه كان متعاقدا مع فرقة مسرحية أوروبية للتمثيل في المسرح في موسم هذا العام، ولكنها أمام الثورة عادت إلى بلادها على نفقته، فتكبد سانتيني خسائر جسيمة؛ لذلك تقدم بمذكرة لنظارة الأشغال في 29 / 10 / 1882 طلب فيها إعفاءه من أجرة المسرح المقررة عليه. وفي 21 / 2 / 1883 تقدم بمذكرة أيضا لإعفائه من أجرة التياترو أسوة بمحلات وأكشاك ومنشآت حديقة الأزبكية، طبقا لقرار مجلس النظار الذي أعفى هذه المنشآت من دفع الأجرة المقررة عليهم بسبب الثورة العرابية في الفترة من 11 / 6 / 1882 إلى 30 / 9 / 1882، ولكن قرار مجلس النظار طبق على جميع المنشآت عدا مسرح الحديقة. وفي عام 1884 تم إغلاق المسرح بسبب وباء الكوليرا في مصر. وبسبب هذه المذكرات كلها، رفع ناظر الأشغال العمومية مذكرة في 2 / 2 / 1884 إلى مجلس النظار طلب فيها إعفاء سانتيني من دفع أجرة المسرح عن المدة من 1 / 6 / 1882 إلى 31 / 5 / 1883.
53
وفي يونيو 1885 تقدم سانتيني بإحدى مذكراته إلى نظارة الأشغال أيضا، التي فحصتها ورفعتها إلى مجلس النظار في 24 / 9 / 1885، قائلة فيها: «ورد لهذه النظارة إفادة من الموسيو سانتيني مستأجر التياترو الصغير بجنينة الأزبكية يذكر فيها أنه نظرا للمعاكسة التي حصلت لأشغال التياترو عهدته من عامين للآن بسبب إعطاء تياترو الأوبره الخديوية مجانا لجملة قومبانيات تياترية، وبسبب الإقدام على عمل تياترات أخرى مثل تياترو البوليتامه الذي يشتغل طول السنة بدون تصريح من الحكومة وبسبب الموسيقى العسكرية الإنجليزية التي تعزف في كشك الجنينة المذكورة مرتين في الأسبوع مدة الصيف؛ كل ذلك قد أضر بأشغال تياترو الأزبكية ضررا جسيما. ويذكر أيضا إن إعطاء تياترو الأوبره إلى من يطلبه من قومبانيات تياترية بدون دفع أدنى شيء من المصاريف ينشأ عنه نقص في عدد المتفرجين فيحرم بذلك من الأرباح التي يمكنه تحصيلها من تشغيله؛ ولهذه الأسباب يسترحم تنقيص الأجرة أو إعفاءه منها بالكلية بشرط أن يأخذ على عهدته جميع مصاريف صيانة التياترو المذكور.»
54
وبعد عرض ما جاء في مذكرة سانتيني، وافقت نظارة الأشغال على إعفائه من دفع تكاليف أعمال بناء الدور العلوي للمسرح - اللوجات - ولم توافق على تخفيض الأجرة المقررة. وقالت في حيثيات هذا الأمر: «والمتراءى لنا أنه يعسر على المستأجر مع الأرباح التي ينتظر تحصيلها من هذا التياترو الصغير تسديد المبلغ المطلوب، سيما وأن الأوجه التي أوضح عنها لا تخلو من الصحة وتستحق المراعاة. وهذه النظارة ترى من جهة أخرى أنه لو صار تنقيص أجرة التياترو؛ فإنه يترتب على ذلك طلب باقي مستأجري محلات الجنينة تنقيص إيجاراتهم أيضا، وهذا مما لا يوافق؛ ولذلك فإنها تستصوب بقاء الأجرة المتفق عليها بالقونتراتو على ما هي عليه إنما بالنظر لكون هذا التياترو هو من المنافع العمومية وأن إدارته بمعرفة الموسيو سانتيني كانت للآن على ما يرام وبالنظر لكون الطبقة العليا [اللوجات] التي أنشئت في سنة 1884 بناء على طلب الموسيو سانتيني المذكور وتعهد بدفع تكاليفها هي من ضمن أبنية التياترو وستبقى ملكا للحكومة فتلتمس هذه النظارة من المجلس إعفاء الموسيو سانتيني من دفع مبلغ 26342,20 قرشا السابق صرفه من النظارة للمقاول عند إتمام الطبقة العليا المذكورة.»
55
وتمت الموافقة على هذا الرأي من قبل مجلس النظار في 9 / 11 / 1885، وأيضا إعفاء سانتيني من أجرة التياترو من 11 / 9 / 1887 إلى 10 / 1 / 1888.
56
وفي عام 1889 تقدم سانتيني بمذكرة أخيرة من أجل إعفائه من أجرة المسرح عن عام 1888، فتقدمت نظارة الأشغال بمذكرة توضيحية في 9 / 1 / 1889 إلى مجلس النظار قالت فيها: «نظرا لما يتحمله سانتيني من المشاق لإرضاء من يطيب لديهم حضور تشخيص الروايات في القاهرة ... وما تجلبه موسيقى جيش الاحتلال وموسيقى الجيش المصري على ذلك التياترو من العطلة ... ومع كون الحكومة لا تساعده بشيء كما تساعد غيره من أصحاب الامتياز في تياترو الأوبره الخديوية فتعيرهم ذلك التياترو والملبوسات التي فيه مجانا. والآن قد التمس الموسيو سانتيني المذكور أن يعفى من أجرة تياترو الأزبكية عن العام الماضي (1888). أما لجنة التياترات ... فقررت ... أولا: أن لا يؤخذ من المسيو سانتيني إلا ألف فرنك أجرة التياترو عن سنة 1888 وعلى هذه الأجرة يستمر الدفع إلى انقضاء مدة الامتياز المذكورة آنفا. ثانيا: أن يعطى الموسيو المذكور امتيازا آخر مدته خمس سنين ابتداء من 30 يونيو الآتي سنة 1889 «وهو اليوم الذي تنقضي فيه مدة امتيازه الحالي» إلى أول يونيو 1894 بأجرة سنوية قدرها ألف فرنك تدفع مقدما.»
57
وقد جاء قرار مجلس النظار في 23 / 1 / 1889 بالموافقة على تخفيض الأجرة، وعدم تجديد العقد المبرم مع سانتيني لمدد أخرى، إلا بعد دفع الأجرة المستحقة عليه.
58
وتصمت الوثائق بعد ذلك عن ذكر سانتيني، ومن المؤكد أنه ترك المسرح بعد ذلك، ولم يجدد له عقد امتيازه؛ لأنه إذا استمر لكان استمر حتى عام 1894 على اعتبار التجديد في العقد، كما نصت المذكرة السابقة. والدليل على ذلك أيضا أن مدير مسرح الحديقة في عام 1891 كان «توني بارون مرلانشون». وهذا الأمر نجده في جريدة المقطم في 22 / 4 / 1891، عندما قالت: «رفع حضرة الموسيو توني بارون مرلانشون عريضة إلى نظارة الأشغال العمومية طلب فيها أن تعطيه الحكومة مساعدة مالية قدرها عشرة آلاف فرنك لتأليف جوق يمثل في تياترو الأزبكية في أيام الصيف روايات من نوع الأوبريت والأوبراكوميك، وقد نظرت لجنة التياترات في هذا الطلب فاستكثرت المبلغ المطلوب ورأت أنه يمكن للحكومة أن تعطي الجوق المذكور ما يدخل عليها في السنة من أجرة تياترو الأزبكية وقدره ألف فرنك فقط، وقد عرضت رأيها هذا على لجنة المالية لتبدي ملاحظاتها في هذا الشأن.»
59
هذا ما يتعلق بتأريخ وتوثيق الأمور الإنشائية والإدارية لمسرح حديقة الأزبكية في القرن التاسع عشر. أما فيما يتعلق بنشاطه الفني، سنلاحظ أن هذا النشاط ينقسم إلى نوعين؛ الأول: عرض المسرحيات، والآخر: إقامة الحفلات الغنائية والموسيقية، وحفلات الألعاب البهلوانية والسيماوية.
فأول إشارة طريفة عن التمثيل في هذا المسرح كانت في 8 / 7 / 1886، عندما قالت جريدة القاهرة تحت عنوان «تياترو الأزبكية»: «بلغنا أن في ليلة أمس قبل أن يبتدي التشخيص في تياترو الأزبكية تخاصم كل من مسيو تالامانكا أحد المغنيين في المرسح المذكور وبين مغني آخر، وأدى الحال أن ضرب الثاني الأول في صدره بسكين فجرحه جرحا بليغا؛ لأن السكين وصلت إلى قصبة الرئة. وفي الحال ألقي القبض على الجاني بمعرفة البوليس وسلم للقنصلات التابع لها.»
60
وأهمية هذا الخبر رغم طرافته، تتمثل في أن هذا المسرح كان لا يرقى إلى مستوى المسارح الأخرى كالكوميدي الفرنسي والأوبرا؛ فمثل هذه المشاحنات لا نجدها في هذين المسرحين.
وفي 5 / 5 / 1887 عرض مسرح حديقة الأزبكية مسرحية «عجائب البخت».
61
وفي 9 / 7 / 1887 مثل الجوق الإيطالي مسرحية «أنيلا دي ماسيمو» واختتم العرض بفصل مضحك بعنوان «أنا في انتظار العروسة».
62
وفي 10 / 11 / 1887 مثلت جمعية المعارف مسرحية «تأثير العشق على الملكة بلقيس» إعانة منها لمدرسة النجاح التوفيقية.
63
وفي 12 / 11 / 1887 مثل جوق ستوديا نتنيه إسبانيول إحدى رواياته، بعد أن مثلها فيما سبق أمام السلطان العثماني، وقيصر روسيا وشاه العجم وإمبراطور ألمانيا والنمسا وإيطاليا ورئيس فرنسا.
64
وفي 24 / 5 / 1888 مثلت مسرحية «عواقب الأمور في حكم المقدور»
65
من تأليف مرقص جرجس شقيق ميخائيل جرجس صاحب جوق السرور الشهير. وفي 5 / 10 / 1888 تم تمثيل مسرحية «هند بنت النعمان».
66
وفي أغسطس 1898 حضرت فرقة المسيو كرستيان الفرنسية، وقررت عرض أعمالها في مسرح الحديقة لمدة عشرين ليلة تبدأ يوم 25 أغسطس،
67
ومثلت في عرضها الأول مسرحية «الغيورة»، ثم توالت عروض المسرحيات، ومنها: «مدرسة الأرامل» من تأليف جورج أوهني، و«لرفيل»، و«بنهاتن»، و«القبطان تك»، و«واجون لي»، و«بلانشت»، وآخر مسرحية لهذه الفرقة كانت «الزوجة العنيدة» في 21 / 9 / 1898.
68
وفي 31 / 10 / 1898 مثلت فرقة إسكندر فرح مسرحية «أنس الجليس» في مسرح الحديقة وقام بالبطولة سلامة حجازي والمطربة ملكة سرور.
69
وفي 28 / 12 / 1898 مثلت أيضا مسرحية «الاتفاق الغريب» في الليلة الخيرية التي أقامتها جمعية الرابطة الأخوية.
70
وفي يونيو 1899 مثل الجوق الإيطالي مسرحية «لافيل ده ثامبور ماجور» في حفل جمعية التلامذة المتخرجين من مدارس الفرير، وخصص دخل هذه الليلة لمساعدة طلاب القسم المجاني بالمدارس.
71
أما بخصوص الحفلات التي أقيمت بمسرح حديقة الأزبكية، فنجد منها: حفلة موسيقية لجوق السوديانتيه إسبانيول في 12 / 11 / 1887،
72
واستمر هذا الجوق لعدة أيام حتى كانت ليلته الأخيرة في 17 / 11 / 1887، وبعدها سافر إلى أقاليم مصر لتقديم فقراته الموسيقية، فذهب إلى الزقازيق والمنصورة والإسماعيلية.
73
ومن الحفلات السيماوية والبهلوانية والشعوذة، حفلة يوم 26 / 12 / 1890 بقيادة السيماوي بكر، التي وصفتها جريدة المقطم قائلة: «لعب السيماوي المشعوذ الشهير الموسيو بكر أول مرة أمس في تياترو حديقة الأزبكية، بحضور محفل معتدل فأجاد في اللعب بما حير الحاضرين وأبدى من خفة اليد ما سر الناظرين، وأغرب وأجاد في ختام التمثيل بتنويم فتاة بارعة الجمال وتيبيسها حتى أمست كالخشبة وإيقافها على عمود من الحديد مرتكزة على نقطة قرب مرفقها وكل جسدها معلق في الهواء. إلى غير ذلك من الصور التي أدهشت من حضر وكانت ذكرى لمن ذكر، وما منهم من خرج إلا وهو يقول إن مثل هذه المناظر جديرة بالنظر.»
74
واستمر هذا السيماوي في تقديم فقراته الشيقة في مسرح الحديقة حتى ليلة 11 / 1 / 1891، عندما أخفى حصانا أمام أعين الحاضرين.
75
وبسبب حفلات السحر والشعوذة التي كانت محببة لدى الجمهور في ذلك الوقت، تعاقد المسرح مع الساحر الفرنسي ميليدس، الذي عرض في الفترة من 6 إلى 18 / 2 / 1891 مشاهد السحرة والجن وبدائع العلوم الخفية، وجعل لها عنوانا في إعلانات المسرح وهو «أسرار الجحيم ».
76
وفي 6 / 10 / 1892 عرض السيماوي كازنوف الفرنسي ألعابه الغريبة أيضا في حفل الجمعية الخيرية الإسلامية.
77
وفي 12 / 3 / 1893 أقام الأستاذ بوكوليني ألعابا من فن الجمباز في مسرح الحديقة.
78
وفي 2 / 10 / 1897 عرض جوق أخوان براندي ألعابا من الأراجوز الميكانيكي،
79
واستمر هذا الجوق في تقديم فقراته كل ليلة حتى يوم 19 / 10 / 1897.
80
وفي 23 / 12 / 1897 أقيمت حفلة موسيقية من قبل جوق الموسيو ألكسيادي في مسرح الحديقة، وبرعت الطفلة اليونانية هيلانة كتساروس في استنباط وتركيب الألحان.
81
وفي 2 / 3 / 1898 أحيت المطربة ملكة سرور ليلة طرب بالمسرح.
82
وأهم ليلة أقيمت في مسرح الحديقة في نهاية القرن التاسع عشر، كانت ليلة الجمعة الموافق 4 / 3 / 1898. وهي ليلة خيرية حضرها جم غفير من أعيان الدول، وقد وصفتها جريدة المقطم تحت عنوان «ليلة من أبهج الليالي» قائلة: «... اتفقت جناب اللادي كرومر وعقيلات قناصل الدول الجنرالية على إقامة حفلة خيرية تحت رعاية صاحبتي الدولة والعصمة والدة الجناب العالي والحرم المصون مساء الجمعة الآتي في تياترو الأزبكية؛ لإعانة اليتامى اللواتي يتعلمن في مدرسة الراعي الصالح والراهبات الفرنسيسكانيات. ومما هو حقيقة بالذكر ويهم أن يعلمه أهل التيه والكبر أن الأكابر الذين أشرنا إليهم لا يأنفون أن يقفوا أمام الجمهور موقف الممثلين والمغنين والراقصين واللاعبين في المراسح رأفة بالفقير وحبا بالخير والبر وسيمثلون في تلك الليلة رواية إنكليزية من نوع الكوميديا، ويكون جناب المستر رتل رود ثاني جناب اللورد كرومر في الوكالة البريطانية من الممثلين فيها، وكذلك جناب السيدة الفاضلة مسز رود قرينته وجناب المستر غورست مستشار الداخلية. ويمثل أيضا جناب الموسيو جاك قطاوي وأنيس بك نوبار ومدام إمبلون رواية أخرى. ويمثل حضرة العقيلات قرينات الموسيو دورينو ورالي ورنل رود وقطاوي وهراري بك الصور الحية، ويلعب جناب المستر وكس وكيل نظارة المالية وجناب الكونت دي سريون مدير شركة قنال السويس بالسيوف. ويرقص ويغني كثيرون ويتراجمون بالأزهار ويلعبون الألعاب العديدة التي تقر النواظر وتسر الخواطر؛ طمعا بجمع الإحسان لليتامى ...»
83
هذه بعض الإشارات عن حفلات وعروض مسرح حديقة الأزبكية، أوردناها على سبيل المثال؛ لأن اسم هذا المسرح سيتردد كثيرا أثناء حديثنا عن عروض ونشاط الفرق المسرحية الكبرى والمغمورة والجمعيات أيضا في الصفحات القادمة . وإذا كنا قد بدأنا بالحديث عن هذا المسرح قبل الحديث عن الأوبرا الخديوية، رغم أن الأوبرا افتتحت قبله؛ فذلك لأن هذا المسرح شرع في بنائه قبل الشروع في بناء الأوبرا؛ أي إن المنهج التاريخي فرض علينا ذلك الترتيب.
دار الأوبرا الخديوية
هناك مراجع كثيرة تحدثت عن الأوبرا الخديوية في القرن التاسع عشر، ولكنها اختلفت في تاريخ افتتاحها وفي أول عرض لها، هل هو أوبرا عايدة أو أوبرا ريجوليتو؟ كما أن هذه المراجع صمتت صمتا غريبا عن نشاط الأوبرا بعد افتتاحها، وكأن الأوبرا أقيمت من أجل عايدة فقط؛ لأن هذه المراجع تحدثت بعد عايدة عن ظهور يعقوب صنوع ثم عن قدوم الفرق الشامية! وفي هذا الجزء سنأتي بحقائق - من خلال عدة وثائق - لم يسبقنا فيها أحد حتى الآن. وسنقسم الحديث عن تاريخ الأوبرا في القرن التاسع عشر إلى ثلاثة أقسام؛ الأول: بناء الأوبرا، والثاني: الأمور الإدارية، والأخير: النشاط الفني. (1) بناء الأوبرا
تحدثنا الوثائق التي بين أيدينا، عن بداية بناء الأوبرا من خلال أمر من قبل الخديو إسماعيل إلى المهندس أفوسكاني
1
مسئول بناء الأوبرا في 9 / 5 / 1869، هذا نصه: «أمر كريم منطوقه: قد أمرنا الخواجة أبوسكاني بأن كامل طلباته وأشغاله التي تلزم فيما يتعلق ببناء محل التياترو الجاري إنشاؤه بمعرفته بالأزبكية يطلبها ويحرر عنها إلى علي رضا بك في ياوراتنا؛ حيث إنه صار إحالة تأدية تلك الطلبات لعهدته. كما وأمرنا المومأ إليه بذلك وبإجراء باقي الأشغال اللازمة هناك الغير داخلة مقاولة الخواجة أبوسكاني المذكور وبهذا صارت تلك الأشغال جميعها منوطة بالبيك المومأ إليه ولا يكن إلى المقاول طلب شيء في جهتكم كما عرفناه بذلك، وعلى هذا ينبني أن ترتبوا مع البيك الموما إليه الكتاب والمخزنجي اللازمين لمأمورية هذه وواحد كاتب أفرنكي أيضا. وتكون إقامته هو والكتاب المحكي عنهم في الأود الموجودة بجهة سراي القبة الخضرة لقربها في محل العمل وملاحظة الأشغال. وأصدرنا أمرنا هذا لكم بما ذكر للإجراء بموجبه كما هو مطلوبنا (في الإسكندرية).»
2
وتتوالى بعد ذلك الأوامر من أجل سرعة إنجاز العمل، كأمر الخديو في 14 / 5 / 1869 بسرعة إحضار الأخشاب اللازمة لبناء الأوبرا من خلال إيصالات تؤخذ من محمد بك الفتابلي.
3
وفي 8 / 6 / 1869 أصدر الخديو أوامره من عابدين بضم المبالغ الخاصة بإضاءة الأوبرا بالغاز
4
إلى أمره السابق ببنود صرف إضاءة الكوميدي الفرنسي، والسيرك والأبيودروم وسراي الأزبكية بميزانية المالية.
5
وانتهى البناء الهيكلي للأوبرا في أول سبتمبر 1869، وبقيت لوازم التحضير والتجهيزات الأخيرة. ففي 19 / 9 / 1869 وصلت باخرة إنجليزية من مرسيليا تحمل 117 صندوقا من الموبيليا، وصندوق ورق، و14 صندوقا للنباتات، و13 صندوقا لبعض المركبات وعجلاتها، وخمسة صناديق لأدوات تركيب الغاز، و25 للشموع. وتم إرسال هذه الصناديق في قطار من ميناء الإسكندرية إلى القاهرة في 21 / 9 / 1869. وفي 24 / 9 / 1869 قال مأمور أشغال الخاصة الخديوية بالإسكندرية، لرياض باشا بأنه استلم طرودا أخرى خاصة بتجهيزات الأوبرا من باخرة فرنسية تابعة لشركة بازين. وفي 27 / 9 / 1869 وصل إلى الأوبرا 76 طردا جديدا. وفي 4 / 10 / 1869 وصلت تجهيزات جديدة للأوبرا من فرنسا، هي: 33 صندوقا للموبيليا والنجف، وخمسة صناديق للنباتات، و30 للشمع، وثمانية لعجل المركبات.
6
وكان العمل يسير على قدم وساق من أجل إنهاء تجهيز الأوبرا، ليتم افتتاحها أثناء الاحتفال بفتح قناة السويس. وبالفعل تم العمل وافتتحت الأوبرا في أول نوفمبر 1869. وبعد الانتهاء من احتفالات قناة السويس وعودة الملوك والأمراء إلى بلادهم، عاد الخديو مرة أخرى إلى الأوبرا ليتمم ما كان ناقصا بها؛ لأن من المؤكد أن إنهاء الأوبرا في هذه المدة القصيرة، التي لم تتجاوز ستة أشهر، لم يكن على المستوى المطلوب.
ففي 23 / 11 / 1870 أصدر الخديو أوامره إلى نظارة المالية بصرف 219 كيسا من حسابه الخاص لإنهاء الأعمال المتبقية بالأوبرا. وفي 22 / 7 / 1871 وافق محافظ مصر على قيام ذوكارللي بالقيام بأعمال النقوش والزخرفة بالأوبرا. وفي 11 / 3 / 1872 تم صرف 377 فرنكا للخواجا بنتالي ثمن حديد لستائر الأوبرا،
7
وصرف أموال أخرى لتوريد أصناف جديدة من الخشب والحديد.
8
وفي 22 / 5 / 1872 أحضر المسيو فينول أقمشة هندية للأوبرا بعشرة آلاف فرنك. وفي اليوم التالي تم صرف 1396 فرنكا ثمن فوانيس الغاز لإضاءة الأوبرا من قبل الخواجا قرنفيل. وفي 19 / 6 / 1872 قدم المسيو جران تقريرا للخديو إسماعيل بإنهاء جميع الأعمال السابقة.
9
دار الأوبرا في طورها الأول.
واستمرت الأوبرا على هذا الشكل في أداء عملها منذ ذلك التاريخ، دون أن تمتد إليها يد الإصلاح أو الترميم، حتى عام 1881، عندما شبت الحرائق في العديد من مسارح أوروبا؛ مما جعل لجنة التياترات المصرية تتقدم بطلب إلى نظارة الأشغال في 23 / 12 / 1881 طلبت فيه وجوب إضاءة دهاليز الأوبرا بالزيت، لتيسير حركة الجمهور وقت نشوب الحريق كإجراء أمني. وقدرت المبلغ المطلوب لذلك بخمسة آلاف فرنك.
10
وفي 15 / 6 / 1887 قامت الحكومة بتوسيع باب القاعة الأساسية لسهولة خروج المتفرجين في حالة الحريق، بدلا من تكاليف إضاءة دهاليز الخروج،
11
وتكلف توسيع باب القاعة ستة آلاف جنيه.
12
وفي أول أكتوبر 1887، بدأت الحكومة في تفكير جديد لتجنب احتمال احتراق الأوبرا، وذلك بتفكيرها في استبدال نور الغاز بالنور الكهربائي.
13
ولم يدخل هذا التفكير حيز التنفيذ إلا في 18 / 5 / 1890، عندما أرسلت لجنة التياترات مذكرة لنظارة الأشغال بخصوص هذا الأمر، وطلبت منها تقديم العطاءات اللازمة، بعد أن أرفقت مع المذكرة تقريرا حول هذا الأمر من بلوم باشا وفينك باشا وجران بك والميجور بيش والمسيو بسكوال كليمنتي.
14
ورفع محمد زكي ناظر الأشغال مذكرة بهذا الأمر لمجلس النظار في 4 / 9 / 1890، بالموافقة على الإنارة بالكهرباء.
15
ومن الجدير بالذكر أن الاعتمادات المالية المقررة لذلك كانت تشتمل على أمور أخرى بجانب الإضاءة بالكهرباء، كمد أنابيب للمياه [حنفيات الحريق] في جميع أنحاء الأوبرا، وحفر سراديب أسفل الأوبرا لخروج الجمهور في حالة الحريق. وتم تقسيم الاعتمادات المالية إلى قسمين، الأكبر للإضاءة الكهربائية، والأصغر لأنابيب المياه وحفر السراديب. وفي 30 / 9 / 1890 وافقت اللجنة المالية لرئاسة النظار على تكاليف القسم الأصغر، وإرجاء تنفيذ القسم الأكبر فيما بعد. وتمت موافقة مجلس النظار على فتح نوافذ جانبية في أرضية الأوبرا فقط في 1 / 12 / 1890،
16
وهذا يتضح من صورة الوثيقة الآتية:
وبدأ تنفيذ مشروع إضاءة الأوبرا بالكهرباء في 6 / 9 / 1894، عندما تقدمت نظارة الأشغال بمذكرة لمجلس النظار، تعرض عليه العطاءات الخمسة المقدمة في هذا الشأن، وهي: الأول: من المسيو نهمان عن شركة كونتيننتال إديسون بمدينة باريس. والثاني: من المسيو بولا تشك بالإسكندرية. والثالث: من الشركة الكهربائية ببرلين. والرابع: من شركة التنوير العمومية بباريس. والأخير: من كرمنسكي ومير وشركائهما بفيينا. وتمت الموافقة على شركة التنوير العمومية بباريس؛ لتدني أثمانها، وقيامها - فيما سبق - بإضاءة عدة مسارح أوروبية، وأيضا إضاءة صالات الاستقبال بسراي عابدين.
17
وقد تم هذا المشروع بعد ذلك، وكان آخر المشاريع المختصة بالأوبرا الخديوية في القرن التاسع عشر.
الأوبرا في طورها الأخير. (2) الأمور الإدارية
بدأت الأمور الإدارية بتعيين مدير الأوبرا «باولينو درانيت»، الذي تقلد أيضا وظيفة تفتيش التياترات في مصر. وعن هذا الأمر تخبرنا مجلة وادي النيل قائلة في 30 / 4 / 1869: «إن وظيفة تفتيش التياترات (أي الملاعب) هي من أهم الوظائف الملحقة بديوان وزارة الدولة ببلاد فرنسة وكم من مواد دقيقة مما يتعلق بفنون الأدب ومكارم الأخلاق ... ترجع في الحقيقة لأصل هذه الوظيفة الدقيقة. فلذلك حصل لنا غاية السرور بما بلغنا من أن الجناب الخديوي العالي ألفت نظره المتعالي لهذه المادة حسبما هو عنه على الدوام معهود من التشبث لترتيبات الدولة الفرنساوية بالتقليد حيث أناط هذه الوظيفة بالديار المصرية لجناب درانيت بك أفندي. وما أحسن ما وقع انتخابه عليه، وما أجدره بحسن الالتفات له من حيث زيادة انجذاب سائر الناس إليه!»
18
الأوبرا الخديوية في أحد أطوارها الأولى.
مر الموسم الأول من نشاط الأوبرا (1869-1870) دون استيفاء الهيكل الوظيفي الخاص بإدارة الأوبرا بصورة كاملة؛ لذلك قدم باولينو درانيت مدير التياترات كشفا بأسماء باقي الموظفين المراد ضمهم لخدمة الأوبرا، مع تقديراته لرواتبهم، وصدق عليه الخديو إسماعيل في 3 / 5 / 1870.
19
وفي 21 / 4 / 1875 قدم درانيت كشفا بحساب مصاريف الأوبرا والكوميدي الفرنسي عن موسم (1875-1876)، وبلغت مليونا ومائتي ألف فرنك، وهي نفس مصاريف الموسم السابق.
20
وتتوقف الأوبرا - بسبب أزمة الديون وعزل الخديو إسماعيل - وتنقطع أخبارها الإدارية، سواء في الدوريات أو الوثائق حتى 11 / 5 / 1880، عندما تقدمت نظارة الأشغال بمذكرة لمجلس النظار، بخصوص الطلبين المقدمين إليها من لجنة التياترات، لبداية نشاط الأوبرا من جديد. الأول من موسى بك المدير السابق لمصلحة البريد المصرية، والثاني من المسيو لاروز أمين مخازن التياترات.
الأوبرا في أول بنائها.
فموسى بك يريد أخذ امتياز الأوبرا عن هذا الموسم الذي يبدأ من 14 / 11 / 1880 وينتهي في 13 / 3 / 1881، ويتعهد بتقديم روايات إيطالية، وبعض حفلات الباللو، وعشرة أوبرات جديدة. وفي مقابل ذلك يطلب تسليم الأوبرا له مجانا مع جميع أدواتها من ملابس ونوت موسيقية وديكورات. هذا بالإضافة إلى مساعدة الحكومة له بمبلغ 250 ألف فرنك.
أما المسيو لاروز فيطلب امتياز الأوبرا لنفس الموسم أيضا، بجانب قيامه بعمله الحكومي كأمين مخازن التياترات، بالإضافة إلى 10٪ من إيراد الأوبرا. كما طالب أيضا بأن يكون منوطا بإدارة التياترات الخديوية بالقاهرة، بما فيها الكوميدي الفرنسي مع حقه في تأجيره أو تأجير الأوبرا. وفي مقابل ذلك قدم لاروز تصورين لنشاط الأوبرا الفني في حالة حصوله على الامتياز؛ الأول: تقديم روايات كوميدية فرنسية وفودفيل وأوبريت، مع حفلة باللو بها 37 من الراقصات الأجنبيات. والثاني: يقدم فيه البرنامج الأول بدون حفلة الباللو، وفي حالة تقديم الأوبريت، يتعهد بتقديمه بصورة لم يسبق لها مثيل في مصر من حيث الديكور والملابس والأدوات الجديدة، وسيتبرع بهذا كله في النهاية لمخازن الأوبرا.
وثيقة الموافقة على إعطاء امتياز الأوبرا في موسم 1881 / 1880 لمسيو لاروز.
وفي نهاية المذكرة طلبت نظارة الأشغال من مجلس النظار إعطاء القرار اللازم عن الأمور الأربعة الآتية - التي تفحص طلبات ومقترحات لاروز، دون عرض مقترحات وطلبات موسى بك: «الأول: هل يمكن تخصيص كريديتو لإدارة التياترات، وما يكون مقدارها؟ الثاني: هل ينبغي إعطاء إدارة التياترات بالمقاولة أو أن إدارتها تبقى على ذمة الميري؟ الثالث: تتعين أنواع التشخيصات المقتضى إجراؤها من أوبرة طليانية مع باللو أو كوميدية وفودفيل وأوبيريت وباللو فرنساوي. الرابع: هل يجوز في هذه الحالة الأخيرة التسليم إلى مسيو لاروز أمين موجودات التياترات في إدارة ونظارة التياترات على ذمة الميري؟» ومن الغريب أن قرار مجلس النظار في 10 / 10 / 1880 جاء بالموافقة على مقترحات ومطالب لاروز
21
دون النظر بالمثل في مقترحات وطلبات موسى بك.
وهذه الوثيقة تؤكد أن الأوبرا كانت قاصرة على الأجانب فقط - وهو الأمر المعروف لنا جميعا، ولكننا كنا في حاجة إلى دليل يؤكد ذلك. ولم نجد خير دليل على هذا الأمر من هذه الوثيقة، وما أتبعها من وثائق في هذا الموضوع.
وعلى الرغم من أن موسى بك رفض طلبه - أو بمعنى أوضح تم تجاهله ولم يعرض على المجلس - لامتياز الأوبرا في موسم 1880-1881، إلا أنه حاول الحصول عليه في الموسم التالي، فقدم طلبا جديدا لعلي باشا مبارك ناظر الأشغال العمومية في 1 / 2 / 1881، قال فيه: «أتشرف بأن ألتمس من سعادتكم أن تطلعوا على المشروع طيه، وإن تفضلتم بالتصديق عليه يجري رؤيته مجلس النظار. وبودي أن الحكومة قبل أن تقبل أي إنسان كان، تعرض جميع المشروعات المرسولة إليها بالنسبة لتياترو الأوبيره على جمهور من آل الخبرة يكون مستعدا لذلك وأن تعطي حقا للمناقضة الأكثر أرجحية لصالح مصلحة القطر ... (توقيع موسى بك).»
22
وفي 21 / 3 / 1881 تقدم الموسيو أرنست ويلكنسون بطلب آخر لعلي مبارك من أجل استغلال كافة التياترات في الأزبكية عن موسم 1881-1882، وتمت الموافقة على هذا المشروع، ولم يتم عرض مشروع موسى بك كما حدث في الموسم السابق، لتبقى الأوبرا في حوزة الأجانب.
23
وفي الموسم التالي (1882-1883)، تقدم الموسيو بارفه الفرنسي بطلب لنظارة الأشغال في 12 / 2 / 1882، لاستغلال الأوبرا في هذا الموسم، وذكر تعهداته في طلبه - في حاله قبوله - وهي: «أتعهد بإدارة التياترو وبدون طلب زيادة إعانة عن المبلغ المخصص لذلك بالشروط الآتية؛ أولا: بأن أعطي في بحر فصل التشخيص الثمانية تشخيصة المعتادة، ويكون ضمنها خمسة وعشرين تشخيصة جديدة بالأقل من التشخيصات التي لم يسبق إعطاها في مصر، مثل أوبرا كوميك وأوبيريت ماعدا الباليه. ثانيا: بأن أنتخب نصف تشخيصات الأوبرا كوميك بالأقل من التي اشتهرت قديما. ثالثا: بأن يكون بطرفي طاقم مشخصين للباليه يكون عدده بالأقل كالموجود الآن، ويكون من الدرجة الأولى. رابعا، بأن يكون طاقم الموسيقى والمغنى مستوفيا وأعظم إتقانا من الطاقم الموجود.»
24
كما ذكر بارفه أيضا - في طلبه - أنه يعمل منذ سنوات عديدة كمغن وممثل في مسارح باريس، لذلك فله القدرة على انتقاء ممثليه - في حالة القبول - من أشهر الممثلين بفرنسا. كما يتعهد بإقامة حفلة باللو ويعطى إيرادها لشيخ الأزهر الشريف، ليوزعه على الجمعيات الخيرية الإسلامية.
25
وفي 21 / 2 / 1882 تقدم أرنست ويلكنسون بطلب لتجديد امتيازه في إدارة الأوبرا عن نفس الموسم، وقدم عدة اقتراحات منها، بث الشعور الوطني في نفوس المصريين بتقديم روايات تاريخية مترجمة إلى العربية، وأيضا روايات تختص بالتاريخ المصري، لتعليم أبناء مصر تاريخهم وتاريخ الشعوب والأمم الأخرى. بل ووصل به الأمر لتقديم اقتراح غريب - في ذلك الوقت - بأن يقدم فرقة تمثيلية مصرية وطنية صميمة، لا دخل للممثلين الأجانب فيها. كما أنه سيشجع المؤلفين المصريين بإعطاء مكافأة مجزية لكل مصري يقدم له مسرحية مؤلفة مصرية. وأخيرا تم رفض هذا المشروع الوطني، وقبول مشروع بارفه في 8 / 3 / 1882 من قبل مجلس النظار.
26
ومن المؤكد أن رفض مشروع أرنست كان بسبب محاولته لصبغ الأوبرا بصبغة مصرية خالصة. والدليل على ذلك أن مجلس النظار وافق على إعطائه الأوبرا كأجنبي في الموسم السابق، ورفض مشروع غريمه المصري موسى بك؛ لأنه قدم مشروعا للفن الغربي لا المصري كما حاول في هذه المرة. أي إن الدولة في ذلك الوقت كانت ترغب في إبقاء الأوبرا شكلا ومضمونا للأجانب وللفن الأجنبي. ومن وجهة نظري إذا عاد الزمن مرة أخرى، ووافق مجلس النظار على مشروع أرنست، لكان تاريخ الحركة المسرحية في مصر تغير تماما؛ لأننا كنا سنقرأ ونسمع عن أول فرقة مسرحية مصرية صميمة في ذلك الوقت، وأيضا كنا سنقرأ أعمالا مسرحية مؤلفة ومترجمة عن التاريخ المصري من قبل المصريين أنفسهم! ولم يبق من هذا الحلم كله إلا هذه الوثيقة التي تؤكد على وجوده في يوم من الأيام!
وفي 27 / 10 / 1884 طلب سانتي وبوني وسوسكينو متضامنين استغلال الأوبرا بما فيها من ملابس وديكورات مجانا، لعرض موسم مسرحي قصير من 36 إلى 54 ليلة مسرحية، وبشرط أن تتكفل الحكومة كافة نفقات الإضاءة. وتمت الموافقة على أن يكون التمثيل لمدة شهر واحد فقط.
27
وفي أواخر عام 1884 تقدم الشيخ القباني وعبده الحامولي بطلب لناظر الأشغال، للتمثيل في الأوبرا في يناير 1885، وتمت الموافقة على ذلك؛ مما شجعهما على تقديم طلب آخر تتكفل فيه الحكومة بثمن الإضاءة أسوة بالأجانب ممن مثلوا في الأوبرا قبل ذلك. وفي هذا الوقت كانت الحكومة قد صرحت لفرقة أجنبية بالتمثيل في الأوبرا ابتداء من أول فبراير 1885.
وثيقة موافقة اللجنة المالية على طلب القباني وعبده الحامولي.
وحتى يوم 24 / 12 / 1884، لم يكن الرد على موضوع الإضاءة قد وصل إلى القباني والحامولي، فخشيا أن يضيع عليهما الترخيص بالتمثيل فقدما طلبا لناظر الأشغال في يوم 24 / 12 / 1884 بصرف النظر عن طلبهما في موضوع الإضاءة. وتمت الموافقة على ذلك من قبل اللجنة المالية في 8 / 1 / 1885.
28
وتاريخ الموافقة هذا يؤكد أن الحكومة أرادت وضع العراقيل أمام تمثيل هذه الفرقة العربية في الأوبرا، التي كافحت - أي الحكومة - طويلا في إبقائها أجنبية الشكل والمضمون؛ لأن هذه الموافقة جاءت بعد ثمانية أيام من قرار الترخيص بالتمثيل، أي إن هذه الأيام لم يحدث بها تمثيل من قبل القباني. ومن المؤكد أيضا أن الحكومة وضعت عراقيل أخرى أمام القباني، لأن جميع الأخبار تؤكد أن القباني لم يمثل في الأوبرا إلا في مارس 1886.
وفي 17 / 4 / 1885 تقدم عبد الرحمن رشدي ناظر الأشغال العمومية بمذكرة لمجلس النظار، عرض فيها عدة طلبات لاستغلال الأوبرا في موسم (1885-1886)، وكان ضمن هذه الطلبات طلب من بوني وسوسكينو الذي وافق عليه المجلس، بل ووافق المجلس أيضا على طلبهما للموسم التالي (1886-1887) في 24 / 2 / 1886. وقد تمت الموافقة الأخيرة لأن بوني وسوسكينو قد اقترحا في طلبهما استقدام فرقة من الراقصات الأجنبيات، فعلم الخديو توفيق بهذا الأمر، وأصدر أوامره بإعطاء امتياز الأوبرا لهما، وذلك من خلال مكاتبة من قبل مارتينو باشا - برغبة الخديو هذه - إلى رئيس مجلس النظار في 17 / 2 / 1886.
29
وكان ضمن الطلبات المقدمة لاستغلال الأوبرا في موسم (1886-1887) طلب من المسيو موجه، وكان عرضه أقرب العروض قبولا من عرض بوني وسوسكينو. ومن المؤكد أن خطاب مارتينو برغبة الخديو - السابقة - لم يعلن عنه في الأوساط الرسمية في ذلك الوقت، بل كان أمرا سريا في مجلس النظار. ومن هنا وجدنا جريدة القاهرة تدلي كل يوم بخبر جديد تحت عنوان ثابت هو «امتياز الأوبرا في السنة الآتية»، فتارة تؤكد على أنه لمسيو موجه، وتارة أخرى تؤكد أنه لبوني وسوسكينو
30
دون أن تعلم أن الأمر قد انتهى وأعطي الامتياز لبوني وسوسكينو بالفعل.
تقرير بوني لرئيس مجلس النظار عن موسم الأوبرا في عام 1886.
ويعتبر موسم (1886-1887) أسوأ موسم إداري في تاريخ الأوبرا الخديوية في القرن التاسع عشر؛ فمعظم الممثلين تأخرت رواتبهم مما أدى بهم الأمر إلى رفع دعوى قضائية في المحاكم ضد بوني وسوسكينو.
31
وفي نهاية عام 1886 تنازل بوني وسوسكينو عن حقهما في امتياز الأوبرا،
32
بعد أن قدم بوني تقريرا لرئيس مجلس النظار عن هذا الموسم المسرحي، مشتملا على الدخل والمنصرف، وعدد الحاضرين للأعمال المسرحية، والفرق التي اشتركت في الأعمال المسرحية. وفي 29 / 12 / 1886 طالبت جريدة القاهرة لجنة التياترات بأن تعطي حق امتياز الأوبرا للممثلين أنفسهم لاستكمال الموسم؛ كي يحصلوا على مستحقاتهم المالية، أو مساعدتهم ماليا.
33
وفي آخر ديسمبر 1886 حكمت محكمة التجارة بإعلان إفلاس بوني وسوسكينو؛ مما جعل الحكومة تسعف الممثلين بمبلغ 27 ألف فرنك، وأقامت لهم حفلة خيرية في الأوبرا في 31 / 12 / 1886 وتبرعت لهم بإيرادها البالغ 7 آلاف فرنك، بالإضافة إلى تبرع الخديو بألف فرنك أيضا. ولكن هذه المبالغ كلها لا تتناسب مع أجر كبار الممثلين فقط البالغ قيمته 55 ألف فرنك؛ لذلك قررت الحكومة غلق الأوبرا وعودة الممثلين إلى بلادهم على نفقة الحكومة.
34
وبسبب هذا الموسم احتاطت الحكومة بعد ذلك في أمور عديدة، حتى لا يتكرر ما حدث. وأهم وثيقة في شأن هذه الاحتياطات، جاءت في 27 / 4 / 1890، من خلال مذكرة نظارة الأشغال إلى مجلس النظار، هذا نصها: «إن هذه النظارة كانت قد عقدت مع المسيو ميناديه في 1889 قونتراتو عن تشغيل تياترو الأوبرا مدة الفصل الواقع بين سنة 1889 و1890. وقد تقرر في هذا القونتراتو أن الجوق يجب قبل قدومه إلى القاهرة أن يمثل في مدينة نابولي. وأنه إذا اتضح للجنة التياترات أن الاستعلامات التي ترد إليها من تلك المدينة عن الجوق المذكور هي غير مرضية فيفسخ القونتراتو وتستولي الحكومة على التأمين البالغ قدره أربعة عشر ألف فرنك وقد حصل ذلك. غير أن المسيو المذكور قد طلب أن يرد إليه هذا التأمين بإفادة حررها عن ذلك في 8 فبراير الماضي. ولما استشيرت لجنة التياترات عن ذلك أجابت بأنه من الموافق رد ذلك التأمين تفضلا عليه به بشرط أن يتعهد بعدم المطالبة بشيء فيما يتعلق بالقونتراتو المعقود معه. وقد استندت تلك اللجنة في إبداء هذا الرأي على أربعة أسباب، وهي؛ أولا: أن المسيو ميناديه المذكور قد بذل ما في وسعه لتأليف جوق من الممثلين مع أن الزمن الذي عقد فيه القونتراتو كان متأخرا. ثانيا: أنه يصعب على أي ملتزم أن يؤلف جوقا من الممثلين الماهرين «ولو في الفصل المناسب لذلك» مع قلة مبلغ الإعانة المخصص من الحكومة. ثالثا: أن المسيو ميناديه قد برهن على مزيد اجتهاده في ذلك، ولا يصح أن ينسب إليه سوء النية. رابعا: أن الحكومة لم تتكبد بسببه خسارة ما. ولكن اللجنة المالية التي عرضت عليها هذه المسألة ترى أن فسخ القونتراتو والاستيلاء على التأمين قد أجريا بحسب الأصول وبمقتضى أحكام القونتراتو نفسه وقد تقرر ذلك بناء على تلغراف ورد من شيخ مدينة نابولي يحظر فيه لجنة التياترات بعدم نجاح ذلك الجوق، وأن شهادة وثيقة مثل هذه يجب أن يترتب عليها قطعا فسخ القونتراتو وفقدان التأمين، وأن ذلك لم يحصل عن إغفال في الأمر أو مباغتة؛ ولذا يقتضي أن يبقى التأمين الذي دفعه المسيو المذكور وقدره أربعة عشر ألف فرنك للحكومة.»
35
وفي 6 / 12 / 1890 أرسلت لجنة التياترات تكليفا إلى بسكوال كليمنتي مدير الأوبرا، أثناء تواجده في أوروبا لقيامه بإجازته السنوية؛ كي يقوم بانتقاء فرقة مسرحية لموسم الأوبرا (1890-1891).
36
وفي المواسم الأربعة من (1893-1894) إلى (1896-1897) أعطت نظارة الأشغال امتياز الأوبرا إلى الموسيو جول ميلون مورفان، والسبب في إعطاء هذه المواسم بصورة لم يسبق لها مثيل، أن العقد المبرم كان يشتمل على بند خاص، هذا نصه: «وإذا أظهرت لجنة التياترات رضاها عن كيفية قيام الموسيو مورفان بتعهداته تجدد تلك الشروط بحكم الأحقية.» لذلك استطاع مورفان أن يجدد عقده تلقائيا طوال هذه المواسم.
37
وفي موسم (1897-1898) أعطي امتياز الأوبرا لفرقة إيطالية،
38
التي حصلت أيضا على آخر مواسم الأوبرا في القرن التاسع عشر، وهو موسم (1898-1899).
39
بسكوال كليمنتي.
وانتهى القرن التاسع عشر والأوبرا الخديوية تتكون إدارتها من: المدير «بسكوال كليمنتي»، وسكرتير المحاسبة «فيكتور بيلور»،
40
وأمين المخازن «فورتناتو برونو»، وترزي الملابس «أدريان فومات»، والعاملات: «هلانة طلماس - أديل كوسة - ليونتن فرنسسكيني - سيزارين ميل»، والمعاون «منصور غانم»، والملاحظ «ألفونس جراناتو»،
41
والفراشين: «أحمد الكومي - محمود أحمد - محمد علي - عبد الله سيد - أحمد علي - محمد علي - حسن موسى».
42 (3) النشاط الفني
يستطيع أي قارئ - بكل سهولة - أن يقرأ عن نشاط الأوبرا الفني في القرن التاسع عشر، في أي مرجع تحدث عن هذا الأمر. والسهولة هنا مرجعها أن أخبار الأوبرا في هذه المراجع قليلة جدا لا تتعدى تاريخ افتتاحها وأول عرض بها لا سيما أوبرا عايدة. هذه هي البداية المدونة في جميع المراجع؛ لأننا بعد ذلك نقرأ فيها عن يعقوب صنوع، ويوسف الخياط ومسرحيته «الظلوم»، التي بسببها أخرجه الخديو إسماعيل من مصر. ثم تصمت المراجع بعد ذلك حتى تتحدث عن الفرق الشامية ونشاطها في الأوبرا، كفرقة القباني وسليمان القرداحي وإسكندر فرح ... إلخ.
هذه هي المعلومات المتاحة في جميع المراجع والكتب المتداولة بين أيدينا. وكما قلت - فيما سبق - إن هذه المعلومات تعطي للقارئ انطباعا أن الأوبرا تم تشييدها وافتتاحها من أجل أوبرا عايدة فقط. وبمعنى أوضح لا نجد أية أخبار عن نشاط الأوبرا منذ افتتاحها حتى قدوم الفرق الشامية إلى مصر. لذلك جهدت نفسي في البحث والتقصي حتى استطعت أخيرا أن أحصل على معلومات مهمة
43
تغطي بعض المواسم الأولى للأوبرا، وبالأخص موسمها الأول وتغطية كاملة عن ليالي الافتتاح الأولى، من خلال بعض الدوريات التي صدرت بمصر في ذلك الوقت. وأخيرا توصلت إلى تغطية شاملة لبعض الحفلات والعروض المسرحية المقامة في الأوبرا طوال القرن التاسع عشر، مع ملاحظة إبعاد حفلات وعروض الفرق المسرحية الكبرى، وكذلك عروض الفرق المغمورة، وأخيرا حفلات وعروض الجمعيات، خوفا من التكرار؛ لأنني سأتحدث عنها في أماكن مستقلة في هذا الكتاب.
وإذا أردنا أن نتحدث عن نشاط الأوبرا الفني، لا بد لنا أن نبدأ منذ ليلة الافتتاح، تلك الليلة التي اختلفت في تحديدها معظم المراجع، فجاء الافتتاح فيها في أيام كثيرة منها يوم 1، 10، 16، 24، 29 نوفمبر 1869. كما تمثل الاختلاف أيضا في عرض افتتاح الأوبرا، هل هو أوبرا عايدة أو أوبرا ريجوليتو؟ وآخر الاختلافات كان في أسماء من حضروا هذا الافتتاح من ملوك وأمراء أوروبا، وبالأخص إمبراطورة فرنسا أوجيني.
وهذه الاختلافات، أو تضاربها كان بسبب صعوبة الحصول على الوثائق التي كانت محفوظة بمكتبة الأوبرا القديمة قبل احتراقها في 29 / 10 / 1971. ومن حسن الحظ أن هناك دورية لم يلتفت إليها معظم النقاد والكتاب، وهذه الدورية أرخت وتحدثت بصورة حاسمة عن هذه الأمور وفي وقتها، ألا وهي مجلة «وادي النيل»، التي تعد أول مجلة سياسية أدبية في مصر، لصاحبها الشاعر عبد الله أبي السعود أول معرب لأوبرا عايدة.
صورة غلاف مجلة «وادي النيل».
وهذه المجلة وصفت في يوم الجمعة 5 / 11 / 1869 ليلة افتتاح الأوبرا قائلة: «في ليلة الإثنين الماضي [الموافق 1 / 11 / 1869] حصل أول الافتتاح مع غاية النجاح لنوع التياترو المسمى بالأوبيره (بضم الهمزة في أوله يليها واو ساكنة ثم باء موحدة فارسية مفخمة؛ أي ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية). وكان قبل ذلك قد افتتح نوع التياترو المسمى باسم تياترو الكوميدية (أي ملعب التخليعات المضحكة). وقد تشيد لكل منهما مكان مخصوص بالعناية الخديوية بالمحلة الجديدة المسماة باسم الإسماعيلية من الأزبكية. وبعد العشاء بنحو ساعة من تلك الليلة، كان الجناب الخديوي العالي قد شرف هذا المكان بحضرته. وجلس في الحجرة الخديوية المعدة فيه لإقامته فيما بين حضرة الأمير الإيطالياني المسمى باسم لودوق داووست، وحضرة لادوشيس دووست زوجته. إذ كان كل منهما جليسه في تلك الليلة الأنيسة. وتم بذلك الفرح والسرور لسائر الحضور حيث كانوا يجهرون جميعا على عدة مرات للحضرة الخديوية العلية بطول الحياة. وقد انكشفت الستارة أولا عن تلحين قصيدة أغاني باللغة الفرنساوية كان قد نظمها بعض أدباء الأمراء الإفرنجيين في مدحة الحضرة الخديوية. وقد زان هذا المنظر الجميل صورة أعلى ذاته البهية، موضوعة في وسط المجلس على دكة علية، يحيط بها من اللاعبين واللاعبات ما يتصور في ذاتهم بطريق الرموز الإشارية صورة العدل والحلم والشهرة وغير ذلك من الأوصاف الجميلة التي تعود على ذاته الجليلة بالمدح ويطول منها الشرح.»
44
ونلاحظ في هذا القول أن المجلة وصفت كيفية نطق كلمة الأوبيره أي الأوبرا ؛ لأنها لفظة جديدة على الشعب العربي في ذلك الوقت. ثم نجدها أيضا تقول عن وصف دار الأوبرا بأنه ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية. وكلمة ملعب هي مرادف لكلمة تياترو أو مرسح في ذلك الوقت. أما كلمة تخليعات فالمقصود منها عدم التحكم في حركات الجسد مما يعطي إحساسا للمشاهد بالضحك؛ لأن التمثيل في ذلك الوقت كان في نظر الناس نوع من الخلاعة والتهتك. أما محلة الإسماعيلية بالأزبكية، فهي حاليا منطقة «وسط البلد» التي تمتد من ميدان الأوبرا حتى ميدان التحرير، الذي كان يسمى ميدان الإسماعيلية. واسم المنطقة والميدان مشتق من اسم الخديو إسماعيل الذي بناهما. وكان لا يقطن محلة الإسماعيلية إلا الأعيان والجاليات الأجنبية. وعندما تولى الخديو توفيق حكم مصر، بنى منطقة التوفيقية المجاورة للإسماعيلية تشبها بما فعله الخديو إسماعيل.
كما نلاحظ أيضا في هذا الخبر أمرين مهمين؛ أولهما: أن الأمير الإيطالي وزوجته هما فقط الذين حضرا افتتاح الأوبرا. وقبل حصولنا على هذا الخبر، كنا نقرأ أن الذين حضروا الافتتاح هم: إمبراطورة فرنسا أوجيني، وإمبراطور النمسا، وسفير إنجلترا، وسفير روسيا، وولي عهد بروسيا، وأمير وأميرة هولندا ... إلخ. والحقيقة أن هؤلاء لم يحضروا افتتاح الأوبرا كما هو معروف، ولكنهم حضروا افتتاح قناة السويس في 17 / 11 / 1869، ولو كانوا حضروا افتتاح الأوبرا لسارعت المجلة بذكر أسمائهم، كما سارعت بذكر وصف حضورهم لافتتاح القناة بصورة دقيقة في أعدادها التالية.
والأمر الآخر يتمثل في أن افتتاح الأوبرا كان محددا بقصيدة غنائية من قبل المنشدين والمنشدات وهم واقفون حول صورة للخديو إسماعيل. ولم يكن الاحتفال كما هو معروف بأية أوبرا تمثيلية. أي إن الأوبرا افتتحت بقطعة غنائية لا بأوبرا عايدة ولا بأوبرا ريجوليتو كما هو مدون في جميع المراجع الحديثة.
وإذا كنا قد أثبتنا أن افتتاح الأوبرا كان في 1 / 11 / 1869 بقطعة غنائية، إلا أن أوبرا ريجوليتو تم عرضها في اليوم التالي، أي يوم 2 / 11 / 1869. ومن الطريف أن هذه الأوبرا لم يكتمل عرضها؛ إذ حدث حريق أثناء العرض أدى إلى فرار الممثلين. وهذه الحقائق تنقلها لنا المجلة في عددها التالي في 12 / 11 / 1869 قائلة: «إن من الأخبار التي يقول المصغي لها إذا سمعها الحمد لله الذي قدر ولطف، أنه بينما كان الجناب الخديوي المعظم قد شرف مكان تياترو الأوبيره «ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية»، الكائن بالمحلة الإسماعيلية بالأزبكية. وكان كل من اللاعبين واللاعبات يبدي ما عنده من المهارة ويظهر برهان ما لديه من البراعة والشطارة في اللعبة المشهورة عندهم باسم «لاريجواليته» في ليلة الثلاثاء الماضي «28 رجب» [الموافق 2 / 11 / 1869]، وإذا بثورة من الغاز الموقد في مكان التياترو المذكور، قد قامت وكأن القيامة قد قامت. حيث فزع سائر الحضور وانقطع سلسال الحظ والسرور. وكان أول من أبق من خوف النار وقال إن الغنيمة في الفرار، أبناء الفن؛ إذ لم يسعهم غير الخروج من ذلك الكن. وترتب على ذلك حصول اختلاط واختباط والوقوع من الهباط واللياط في مثل ما ذكره الأديب الحريري لمناسبة وقوع المجاعة في دمياط. وانقطع اللعب وأعقب ذلك الطرب نوع آخر من الطرب مع ما كان يحصل من طرف بعض المتثبتين منهم من الصياح بالتطمين. وما حصل على الخصوص من لدن الجناب الخديوي العالي من التصري بالتأمين حيث خرج من حجرة الخديوية المعدة لإقامته العلية. إذا كان قد شرف مكان تياترو الأوبيره المصرية وجعل بنفسه يطمن الناس ويصيح بأعلى صوته على الثبات والسكون بأنه لا بأس.»
45
وهذا الخبر يؤكد أن أوبرا ريجوليتو لم يتم عرضها على الوجه الأكمل، بسبب الحريق الذي اندلع وقت تمثيلها، كما يؤكد أيضا أن الخديو حضر بمفرده هذا العرض ولم يحضر معه أية شخصية أجنبية من ملوك وأمراء أوروبا، وإلا كانت المجلة ذكرت اسمه، ووجدت في ذلك الأمر مادة صحفية طريفة تستحق النشر.
وتتوقف الحركة التمثيلية في الأوبرا الخديوية بسبب احتفالات افتتاح قناة السويس، ثم تعود في 19 / 2 / 1870، بعرض أوبرا سميراميس، وقد خصص إيرادها للعاملين بالأوبرا، وتوضح مجلة وادي النيل هذا الأمر قائلة: «... وإن شاء الله تعالى فيما بعد نذكر للراغبين زيادة تفصيل، كما هي عادة كتبة الغازيتات [أي الدوريات من مجلات وصحف] فيما يتعلق بزبدة [خلاصة] لعبتها. ولربما أدرجناها على سبيل الأنموذج لهذه التأليفات الأدبية في صحيفة وادي النيل بكليتها إذا وفق الله سبحانه وتعالى فيما بعد لترجمتها ... ولأجل شدة تشويق المتفرجين ... زيد على لعبة سميراميس هذه فرجة جديدة تسمى بحاوية الثعبان. وهي عبارة عن جماعة من رقاصين التياترو يرقصون رقص السودان والبنات المغنيات من قبيل ما يعرف باسم العوالم المصريات، يجتمعون في ميدان التياترو ويعملون صورة فرح للملكة سميراميس المذكورة. وتأتي معهم الحاوية فتحصل حركات متنوعة وملاعيب مبتدعة. ثم تعذب الحاوية ثعبانها فيعضها فترقص كالمصاب بالجنون حتى تقع على الأرض.»
46
وهذا الخبر على وجه الخصوص يحمل لنا عدة معلومات مهمة وجديدة في نفس الوقت. ومن هذه الأمور، أن أوبرا «سميراميس» هي أول أوبرا تعرض بصورة كاملة منذ افتتاح دار الأوبرا، إذا وضعنا في الاعتبار أن الافتتاح كان بقطعة غنائية موسيقية، وأن أول عرض لأوبرا ريجوليتو لم يتم بصورة كاملة. والأمر الثاني، عدم معرفتنا من قبل أن أوبرا سميراميس عرضت في هذا التاريخ؛ لأن المعروف أنها مثلت بتياترو حديقة الأزبكية في 7 / 4 / 1905.
47
والأمر الثالث يتعلق بالأمل في نشر ترجمة المسرحية، وهذا الأمر يعكس لنا مدى اهتمام الصحافة الأدبية بهذا الفن الجديد الوافد إلينا من الغرب. وبكل الأسف لم تتم الترجمة، وبالتالي لم يتم النشر، ولو كان حدث هذا لكنا حصلنا على أول نص مسرحي منشور في مصر. والأمر الأخير يتمثل في إدخال الاستعراض في عروض الأوبرا، وهذا وإن دل، فإنما يدل على أن المسرح الاستعراضي واكب النشاط المسرحي في مصر منذ ظهوره.
وفي 28 / 2 / 1870 وفت المجلة بوعدها، فأثبتت ملخصا - في عدة صفحات - لأوبرا سميراميس كتبه محمد أنسي، ومن أقواله فيه: «... وهي بدعة حسنة وطريقة للتربية العمومية مستحسنة، من حيث ما يترتب عليها من تفتيق الأذهان وتصوير أحوال الإنسان للعيان، حتى تكتسب فضائلها، وتجتنب رذائلها إلى غير ذلك من الفوائد الجميلة والعوائد الجليلة. ويا ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية، حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية ... إن أصل مبنى هذه اللعبة على حادثة تاريخية وقصة واقعية في بلاد آسية ... قبل ظهور عيسى عليه السلام بنحو ألفي عام بمدينة بابل التي هي كرسي مملكة العراق المسماة ببلاد الأسيرية. وحاصل هذه القصة، أن الملكة سميراميس كما هو في كتب التواريخ القديمة منصوص، كانت قد سمت زوجها الملك نينوس ملك بلاد الأسيرية باتحادها مع رجل من أهل بيت الملك يقال له الأمير أسوريوس؛ طمعا في الاستبداد بالملك وطاعة لشهواتها، ولقصد أن يتزوج بها الأمير المذكور ويشاركها في سرير الملك. وكان للملك نينوس المغدور ولد منها يسمى نيناس، فلما دنا أجله وتحقق أن الذي قتله هو زوجته بتواطئها مع ذلك الأمير، أخفى ولده هذا وأشاع أنه انفقد من بعد أن أوصى إليه أن يأخذ بثاره ... [إلخ الملخص] وتخلل ذلك من الأقوال على لسان كل أحد بلسان من صوره من اللاعبين واللاعبات، ما يظهر للعيان صور الشهوات كأنها مشاهدات. ومعنى ذلك كله تقبيح القبائح وتنقيح النصائح من أن الغدر مآله ذميم والانقياد للهوى مرتعه وخيم، وأن القاتل لا بد وأن يقتل، والظالم وإن أمهل لا يهمل، فتأمل!
وأما ما أضيف إلى هذه اللعبة التياترية من الزيادة لتشويق المتفرجين وابتهاج المبتهجين، فقطعة الرقص المسماة بقطعة حاوية الثعبان. وهي عبارة عن أن جماعة من رقاص التياترو تزيوا بزي الحبشة «في قديم الزمان»، وآخرون بزي الغوازي المصريات، ورقصوا جميعا كرقص العوالم البلديات تماما بتمام، حتى ظن الحاضرون أنهن رقاصات بلديات. وجاءت راقصة أخرى وهي المسماة بحاوية الثعبان وبيدها ثعبان حقيقي، وأبدت معه من أنواع الرقص وفنون الملاعيب ما يعد في الواقع ونفس الأمر من الصنع العجيب والبدع الغريب. حتى عجب لذلك سائر المتفرجين وخرجوا مبهوجين (توقيع: محمد أنسي).»
48
وأهمية هذا الملخص، يتمثل في: أولا: أنه أول ملخص منشور عن عرض من عروض الأوبرا في ذلك الوقت؛ مما يعكس لنا نظرة الصحف والأدباء لهذا الفن، هذا بالإضافة إلى أن فائدة التمثيل - في نهاية الملخص - جاءت بنفس المفهوم الحضاري الذي ننادي به الآن. ثانيا: تمني المجلة تعريب نصوص المسرحيات المعروضة في الأوبرا لاكتمال الفائدة. والحقيقة أن هذا التعريب جاء بعد ذلك بقليل وتحديدا في عام 1871، عندما عرب أبو السعود - صاحب المجلة - أوبرا عايدة. ثالثا: ذكر الآثار الإيجابية المترتبة على مشاهدة المسرحية، حيث ذكرت المجلة العبرة المستفادة من مشاهدة هذه الأوبرا. رابعا: الإتيان بالوصف التفصيلي للاستعراض الراقص في الأوبرا، وهذا الوصف يعد أيضا أول وصف لاستعراض مسرحي منشور في مصر. خامسا: اسم الأديب محمد أنسي محرر هذا الجزء، وهو نجل أبي السعود صاحب المجلة، وكان من الأدباء المترجمين في هذا العصر، وأمله الذي لم يتحقق في ترجمة المسرحيات المعروضة في الأوبرا بمجلة «وادي النيل»، استطاع تحقيقه في مجلة «روضة الأخبار»
49
بعد ذلك عام 1878، عندما ترجم الروايات الفرنسية.
وبنفس الأسلوب السابق، قامت المجلة بنشر عرض شامل لملخص ونقد أوبرا «فاوست» لجوته، التي عرضت بالأوبرا. والجديد في هذا الملخص أن الذي كتبه لم يكن أبا السعود أو ابنه محمد أنسي، كما سبق، بل كان «بيريت» أحد النقاد الأجانب، وأرسله إلى المجلة فنشرته في 4 / 3 / 1870.
50
ومن الجدير بالذكر أن النشر تم بصورة مطولة جدا، يصعب إدراجه هنا بأي حال من الأحوال، إلا أن قيمته تتمثل في أن قصة فوست لجوته عرفها الشعب المصري منذ عام 1870، وهذا التوثيق يخالف اعتقادنا بأن هذه القصة دخلت مصر عن طريق ترجمتها في عام 1929 من قبل محمد عوض. علما بأنها عرضت في الأوبرا مرة أخرى في عام 1886 عن طريق جوق بوني وسوسكينو.
51
أما عن آخر عرض بالأوبرا الخديوية في موسمها الأول فكان في 15 / 4 / 1870 بعرض مسرحية «الملكة كرينولين»، وفي ذلك تقول المجلة: «قد كانت ليلة الجمعة الماضية آخر ليلة لعب فيها في ملعب التياترو بمصر القاهرة اللعبة المشهورة باسم «الملكة كرينولين» وبها اختتام موسم التياترو في هذا العام. وعسى أن يسعى من عام قابل في الاستعداد لإجراء هذه التصويرات اللعبية باللغة العربية، حتى يطلع على هذه البدعة الأدبية الجديدة ويتمتع بهذه المتعة العصرية المفيدة من سائر أهل مصرنا الخواص والعوام .»
52
ويبدأ الموسم الثاني للأوبرا في أكتوبر 1870، وأهمية هذا الموسم على وجه الخصوص ، تتمثل في أن أسلوب لصق الإعلانات على الجدران، وتوزيع البروجرامات على الصحف وعلى الجمهور، أصبح من أساليب الدعاية المتبعة. ففي 21 / 10 / 1870 نشرت مجلة وادي النيل بروجراما كاملا عن عروض الأوبرا منذ بداية الموسم،
53
ونشرت في 28 / 10 / 1870 نص أول إعلان للأوبرا لصق على الجدران باللغة الإيطالية، قائلة: «شاهد كل إنسان في هذه الأيام الحاضرة بشوارع مدينة القاهرة معلقا على الحيطان والجدران صورة إعلان يتميز للعيان بغرابة شكله ويستوقف المارة ببداعة طبعه وشغله ... مع كونه لم يفهم من ألفاظه ... وذلك أنه مطبوع باللغة الإيطاليانية على فرخ ... طويل عريض وشكل من حروف الطبع غريب مستقبض. يتضمن أنه بأمر الحضرة الخديوية العلية سيفتح اللعب في تياترو الأوبرا الكائن بالأزبكية في يوم الأحد الآتي أول شهر نوفمبر القابل، بتصوير اللعبة المشهورة عند الطوائف الأوروباوية باسم «لافاووريته» أي «المحظية». وهي عبارة عن قطعة تياترية من نوع القطع المسماة باسم «درام» (أي قصيدة شعرية تتضمن تصوير بعض الوقايع التاريخية بطريقة مضحكة أو مبكية)، منقسمة إلى أربعة فصول، يتخللها ألحان موسيقية مع بعض تخليعات أخرى مسلية، ورقص وعزف من بعض القيان؛ أي الراقصات الأفرنكيات وغير ذلك من الفنون ... وقد أدرجنا هنا مضمون هذا الإعلان مع بعض تفصيل وبيان ليعرف منه كل أحد حقيقة المقصود. ويقف فيه على بيت القصيد ويهرع إليه كل من يريد.»
54
الحديث عن أول إعلان مسرحي كما ذكرته المجلة.
وفي 18 / 1 / 1871 عرضت الأوبرا باليه «براهما»، وأسهبت المجلة في عرض الموضوع ومغزاه، وكانت هذه الحفلة بمناسبة عيد تقليد الخديو إسماعيل للأريكة الخديوية.
55
ومن المؤكد أن الأوبرا الخديوية لم تقتصر في بداية نشاطها الفني على عرض المسرحيات أو الموضوعات الأجنبية فقط، بل تطرقت إلى الموضوعات الدينية الشرقية. ففي عدد المجلة المؤرخ في 24 / 2 / 1871 وجدنا إعلانا للأوبرا تعتزم فيه عرض أوبرا «موسى عليه السلام»،
56
وكان هذا الإعلان آخر عهدنا بنشاط الأوبرا التمثيلي في مواسمها الأولى بناء على ما لدينا من أعداد مجلة «وادي النيل».
57
إعلان عايدة في موسم 71-1872.
الموسيقار فردي .
ومن الجدير بالذكر أن أوبرا «عايدة» مثلت في 24 / 12 / 1871، بعد أن وضع قصتها التاريخية ماريت باشا، وصاغها نظما فرنسيا الشاعر كاميل دو لوكل مدير الأوبرا كوميك في باريس، وبعدئذ نقلها إلى النظم الإيطالي الشاعر أنطونيو جيزلنزوني، ليوقعها الموسيقار «فردي» ولتناسب الفرقة الإيطالية التي قامت بتمثيلها في القاهرة ليلة عيد الميلاد في 24 ديسمبر 1871.
58
وبعد انقطاع كبير لنشاط الأوبرا، بسبب الديون المصرية، وعزل الخديو إسماعيل، وتولي ابنه محمد توفيق، يعود النشاط مرة أخرى للأوبرا في 22 / 11 / 1881، عندما عرض مديرها لاروز أول رواية لمسرح الطفل في مصر، تعتمد أساسا على فن البانتومايم.
59
وفي 1 / 12 / 1881 عرض رواية «رافاس» لأول مرة بالأوبرا وكانت في حضور الخديو توفيق،
60
الذي حضر أيضا عرض المسيو والنبي في 6 / 1 / 1882،
61
وعرض أوبريت «ديابل أكاتو» في 30 / 1 / 1882.
62
وفي 27 / 2 / 1883 عرضت الأوبرا أوبريت «جيروفلة جيروفلا»، وفي 2 / 3 / 1883 «لاجراند دوسيشي»، وفي اليوم التالي له «سان فبرج» وأيضا «لاز نفور دون فيلا جوا».
63
ومنذ عام 1886 بدأت الأوبرا نشاطا فنيا ملحوظا، ففي يناير قدمت الجمعية الخيرية اليونانية رواية تشخيصية مساعدة منها للفقراء،
64
وفي فبراير تم تمثيل رواية من أجل إعانة مدرسة النجاح التوفيقي،
65
ورواية أخرى خصص إيرادها للمكاتب المختلطة.
66
وفي 20 / 2 / 1886 مثلت الأوبرا رواية «تي موسكينيه» وأبدعت فيها المطربة بيرتي والممثل ريتشارد. ومع نهاية فبراير تم تمثيل رواية «كلوش دي كورنفيل» ورواية «عايدة».
67
وفي 1 / 3 / 1886 أقيمت حفلة باللو بالأوبرا خصص إيرادها للأيتام،
68
وفي اليوم التالي مثلت «عايدة»،
69
وفي اليوم الثامن أقيمت حفلة باللو للأيتام أيضا.
70
وفي 14 / 4 / 1886 أقام محيي الدين الدمشقي حفلة لإعانة المدرسة الخيرية برمل الإسكندرية، فقدم ستة فصول بانتومايم.
71
وفي أول نوفمبر مثل جوق بوني وسوسكينو رواية «اليهودية»،
72
وفي 8 / 11 / 1886 رواية «فاوست»،
73
وفي 13 / 11 / 1886 رواية «مذبحة البروتستانت» بطولة المطربة مارتيني،
74
وفي 20 / 11 / 1886 رواية «لامتيون»،
75
وفي 6 / 12 / 1886 رواية «لاترافياتا» بطولة مارتيني أيضا،
76
وفي 23 / 12 / 1886 رواية «بوكات».
77
وبدأ عام 1887 بحفلة خيرية تحت رعاية الكونت داوناي وزير فرنسا في القاهرة، وخصص دخلها لصندوق الفقراء والمساكين الفرنسيين في مصر.
78
وفي اليوم التالي أقامت جمعية الروم الكاثوليك حفلة تنكرية للفقراء أيضا.
79
وفي 10 / 2 / 1887 أقيمت حفلة باللو لإعانة المدارس الإيطالية في مصر وكانت بحضور ولي عهد إيطاليا.
80
وفي 17 / 3 / 1887 أقامت جمعية الأرمن باللو تحت رعاية زوجة الخديو.
81
وفي أول نوفمبر 1887 مثلت بالأوبرا رواية «جان فرجرون»،
82
وفي 27 / 12 / 1887 رواية «الطواف حول الأرض» التي حضرها الخديو وزوجته وكبار رجال الدولة.
83
وفي عام 1888 بدأ الجوق التركي تمثيل رواياته بالأوبرا،
84
بعد أن عقدت معه نظارة الأشغال عقدا بإمداد الأوبرا بفرقة قوامها 30 من الممثلين والممثلات، على أن يلقوا تمثيلهم باللغة التركية.
85
وفي 21 / 2 / 1889 أقامت جمعية الإحسان الفرنسية ليلة خيرية لمساعدة الفقراء الفرنسيين في مصر.
86
وفي 20 / 1 / 1890 شاهد الخديو بالأوبرا تمثيل المستر هولدن بالتماثيل الخشبية (خيال الظل).
87
وفي 16 / 2 / 1890 أقامت الجمعية الخيرية الفرنسية بالأوبرا ليلة خيرية تحت رعاية الكونت دوبيني قنصل فرنسا.
88
وفي 6 / 3 / 1890 تم تمثيل رواية تحت رعاية الخديو خصص دخلها للمستشفى الأوروبي.
89
وفي 14 / 3 / 1890 حضر بالأوبرا عبد الرحمن باشا رشدي سر تشريفاتي الخديو حفل الجمعية الخيرية الإيطالية.
90
وفي 21 / 1 / 1892 حضر الخديو تمثيل «عايدة» بالأوبرا،
91
وفي اليوم التالي أقامت الجمعية الخيرية الفرنسية ليلة خيرية للفقراء.
92
وفي 27 / 1 / 1893 أقامت الجالية الإيطالية ليلة من أجل الجمعية الخيرية الإيطالية.
93
وفي يناير 1894 أتم جوق المسيو مورفان تقديم مسرحياته بالأوبرا، وسافر إلى الإسكندرية لتقديمها على مسرح زيزينيا.
94
وفي 19 / 1 / 1894 عرضت رواية «ابنة مدام أنجو».
95
وفي 12 / 1 / 1896 مثلت الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك رواية «عايدة» وحضرها الخديو.
96
وفي 9 / 4 / 1896 أقامت الجمعية الأرثوذكسية ليلتها الخيرية فتم تمثيل رواية «بطل كستيليا»، وقام عبده الحامولي بالغناء بين الفصول.
97
وفي 18 / 4 / 1896 مثلت رواية «شاه الأدب وفذلكة الطرب».
98
وفي 6 / 1 / 1897 حضر الخديو تمثيل أوبرا «عايدة»،
99
كما حضر في 10 يناير الليلة الخيرية لجمعية الروم الكاثوليك مع كبار رجال الدولة وقناصل الدول الأجنبية.
100
وفي 19 / 1 / 1897 أقامت الجالية الفرنسية ليلة خيرية للفقراء الفرنسيين.
101
وفي 27 / 1 / 1897 أقيمت ليلة خيرية خصص دخلها للفقراء الأرمن تحت رعاية اللورد كرومر والميجور كنوس قائد جيش الاحتلال في مصر.
102
وفي 1 / 4 / 1897 مثلت فرقة الموسيو بوركه الفرنسية رواية «المسيو بواريه وصهره» وفي اليوم التالي مثلت رواية «العشاق».
103
وفي 6 / 4 / 1897 مثلت فرقة الآنسة مارسيل جوسيه الفرنسية رواية «فروفرو» بطولة الممثل كوكلن.
104
وفي 23 / 4 / 1897 مثلت الجمعية الخيرية المارونية رواية «مظالم الآباء» تأليف خليل كامل.
105
ومن 27 أبريل إلى 5 / 5 / 1897 أقيمت ثلاث حفلات مسرحية بالأوبرا تحت إدارة إسكندر شلهوب، خصص دخلها للإعانة العسكرية الشاهانية والمدرسة الحميدية.
106
وفي 20 / 11 / 1897 مثل الجوق الإيطالي بقيادة الموسيو لويجي رواية «أوتلو» [عطيل]، وقد حضرها الخديو،
107
كما حضر تمثيل رواية «لوسيا دلاميرمور» في 25 / 11 / 1897،
108
ورواية «ريجوليتو» في 9 / 12 / 1897،
109
ورواية «مانون ليسكو» في 23 / 12 / 1897.
110
وفي 9 / 1 / 1898 مثلت جمعية التمثيل الفرنسية رواية «سافو»،
111
كما مثل جوق الأوبرا في 5 / 3 / 1898 رواية «مدام سان جين»، وفي 7 / 3 / 1898 رواية «دندون».
112
وفي 1 / 4 / 1898 مثلت فرقة إسكندر فرح رواية «السيد» في احتفال الليلة القبطية الخيرية.
113
وفي 19 / 4 / 1898 أطرب عبده الحامولي جمهور الأوبرا في ليلة الجمعية الخيرية المارونية.
114
وفي 1 / 12 / 1898 مثل الجوق الإيطالي رواية «أوتلو».
115
وفي 4 / 1 / 1899 مثلت مدام ألانودا روزا الممثلة الإيطالية رواية «زوجة كلود»، وفي اليوم التالي مثلت رواية «كنزنية»،
116
وفي 13 / 1 / 1899 مثلت رواية «مدام أو كاميليه».
117
وفي 16 / 2 / 1899 أقامت الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك ليلتها الخيرية برئاسة فريد بك بابازوغلي تحت رعاية الخديو.
118
وفي 19 / 2 / 1899 مثل الجوق الإيطالي رواية «بوهيم».
119
وفي 5 / 4 / 1899 أقامت الجمعية الخيرية للروم الأرثوذكس ليلتها الخيرية فمثل فيها جوق إسكندر فرح رواية «السيد» بطولة المطربة مريم مراد.
120
وبعد، فهذه إطلالة سريعة على نشاط الأوبرا الفني منذ افتتاحها حتى نهاية القرن التاسع عشر، من خلال بعض الحفلات التمثيلية والليالى الخيرية قمنا بانتقائها من أخبار وإعلانات الدوريات الكثيرة التي صدرت في هذا القرن. وكما قلنا إن هذا النشاط يعتبر نموذجا بسيطا؛ لأن نشاط الأوبرا الحقيقي سيتضح لنا فيما بعد عندما نتحدث عن الفرق الكبرى والفرق المغمورة والجمعيات الفنية.
وقبل أن ننهي حديثنا عن الأوبرا، يجب علينا أن نختتم هذا الجزء بالحديث عن شخصية مهمة، ظهرت واختفت دون سابق إنذار، وهي شخصية مدير الأوبرا والتياترات المصرية «باولينو درانيت باشا»، لما لهذه الشخصية من أهمية في تاريخ المسرح بصفة عامة، وتاريخ الأوبرا الخديوية بصفة خاصة. (3-1) باولينو درانيت باشا
اسم تردد عدة مرات في الصحف المصرية والعربية لما لصاحبه من منصب كبير كمنصب مدير الأوبرا والتياترات في مصر. ومن الغريب أن هذه الصحف وغيرها صمتت عن ذكر هذا المدير منذ منتصف عام 1879. ولم يعلم أي باحث أو دارس للمسرح العربي أي شيء عن نهاية هذا الرجل حتى صدور هذا الكتاب! أو لماذا توقفت الصحف عن ذكره، وهو أول مدير للمسارح المصرية، وبخاصة الأوبرا؟!
والحقيقة التي يجهلها كل إنسان عن نهاية باولينو درانيت، موجودة بوثائق حصلت عليها من ملف خدمته الوظيفية.
121
تلك الوثائق التي أوضحت السبب في الصمت المطبق الذي خيم على نهاية هذا الرجل، وأظهرت لنا ما أغفله التاريخ عن نهاية أول مدير للتياترات المصرية، وأول مدير للأوبرا الخديوية.
باولينو درانيت باشا.
تقول الوثائق إنه بدأ عمله في مصر - في عهد محمد علي باشا - بوظيفة ضمن أشغال الأجزخانة بمستشفى الجهادية بأبي زعبل، وبمدرسة الطب تحت رئاسة المسيو فيجاوي في 1 / 12 / 1831. ثم رقي إلى مساعد بمدرسة الطب في 27 / 4 / 1833. والتحق بخدمة معية سعيد باشا برتبة ميرلاي في عام 1853 حتى 29 / 12 / 1859. وفي سبتمبر 1867 أنعم عليه الخديو بنيشان عال عثماني من الرتبة الثالثة. وعندما اهتم الخديو إسماعيل ببناء المسارح، عين درانيت مديرا للمسارح في مصر. هذا مجمل بعض الوثائق عن بداية العهد الوظيفي لدرانيت. أما نهاية هذا العهد، تلك النهاية المجهولة فسأورد وثائقها بصورة كاملة لأهميتها:
الوثيقة الأولى في 9 / 8 / 1879:
من جناب درانيت باشا بمدينة نابولي إلى سعادة إسماعيل باشا أيوب ناظر الداخلية: قبل قيام ركاب سعادة إسماعيل باشا من المحروسة في 30 / 6 / 1879، شرفني بأن حرر لي تلغرافا للحضور لديه في مدينة نابولي. وعندما شرف ركاب المشار إليه بها حجزني لخدمته. وفي حال امتثالي لذات هذا البرنس، وردت لي إفادة سعادتكم في 16 / 7 / 1879 الماضي، التي بها تشعروني بالرفت. مع أني أتجاسر بأن أعرض على سعادتكم أنه عندما تشرفت بالدخول في خدامة الحكومة المصرية في سنة 1246 مضت مدة خمسين سنة تقريبا لحد الآن وأنا في خدامات نافعة للحكومة المصرية ومستقيمة. ولم يحصل لي أدنى انقطاع في المدة المذكورة على طولها. وفي أثناء هذه المدة صادفني السعد بكوني خدمت مدة خمسة عشر سنة ذات الأمير الكبير جنتمكان المرحوم محمد علي باشا الشهير. الذي ينبغي أن يتأسف على فقده دوما لكونه مؤسس الديار المصرية التي هي بالنسبة إلينا الوطن الثاني. وإن هذه الخدامات الأخيرة صارت في معلومية جنتمكان المرحوم عباس باشا الذي استنسب لديه مكافأتي عنها وقت أن كنت أديت خدامات في سنين قليلة. فسمح لي من تلقاء نفسه بإعطائي معاش كامل في الماهية وفي التعيين. وبناء على ما تشرفت بعرضه على فطنة سعادتكم ألتمس في علو عنايتكم معاملتي في ترتيب معاش لي بموجب لائحة المعاشات كأسوة باقي مستخدمي الحكومة. وصدور أمركم إن استحسنتم بترتيب معاش لي من ابتداء أول أغسطس الجاري. بما أن انفصالي من الخدامة كان من تاريخ 30 يوليو الأخير. ولو لوقي بعدالة سعادتكم أرجوكم أن تقبلوا تشكراتي في المبدأ والنهاية.
الوثيقة الثانية في 14 / 12 / 1879:
من درانيت باشا لعطوفتلو ناظر المالية: تشرفنا بورود خطابكم في 22 نوفمبر الذي به عرفتونا أنه طبقا لقوانين المعاشات لا يمكنكم قبول طلبنا في هذا الموضوع. وقبلا سعادتكم أعلنتونا رفتنا من الخدامة بغير ما توضحوا لنا عن الأسباب التي أوجبت سعادتكم لذلك. ولا يمكنا أن نخفي على سعادتكم بأننا لم وجدنا محل شاهد لهذه التصرفات التي اتخذتموها نحو شخصي الذي بأتعابه خدم الحكومة المصرية بغاية الصداقة والأمانة ما ينوف عن الخمسين سنة. ولكننا مشاهدين نفسنا معامليني كإنسان الذي فعل مخالفات وتعديات جسيمة فيما يختص بأشغاله. فخاطب سعادتكم متعشميني بأن تعرفونا الأسباب التي بمقتضاها صار رفتنا من مصالحنا. خصوصا ونحن القوانين التي تقضي بعدم ترتيب المعاش الذي طلبناه من سعادتكم.
الوثيقة الثالثة في 14 / 3 / 1880:
من درانيت باشا لعطوفتلو رياض باشا ناظر المالية: قد تشرفنا بأن نرسل لعطوفتلو إفادة مؤرخة من نابولي 14 ديسمبر الماضي. التي بها أعرضنا مسألة ترتيب معاشنا وصار تسليمها لكم من ابن شقيقتنا المسيو ألكسندر زينتزوس المقيم بمصر. وبحيث صار مضى الآن ثلاثة شهور من دون ما يرد لنا جوابا عن ذلك. فنتخذ الحرية بأن نوصل لسعادتكم يمينه نسخة إفادتنا المذكورة متعشميني بأن تجاوبونا على المسائل التي سبق عرضها منا لسعادتكم بخصوص القضية التي تهمنا.
الوثيقة الرابعة في 28 / 6 / 1880:
مالية ناظري عطوفتلو أفندم حضرتلري: بتذكرة الوارد في يوم تاريخه يرام الإفادة عنه. معلوماتنا فيما أوضحه سعادة درانيت باشا أن توجهه ليلا برا كان في عهد الخديو السابق وبإذنه. وأن ذلك بعلم عندنا. وحيث الوارد بفكرنا هو أنه في العهد السابق كان الباشا المومأ إليه حضر بطرفنا ذات يوم يقصد الوداع. وأخبرنا أن ابنته حاصل لها عيا وضروري من سفريته معها إلى أوروبا. وكان هذا قبل توجه الخديوي السابق من هذا الطرف بمدة لست مفتكرها جيدا وأظن أنها نحو شهر ونصف. فلزم تحريره للإحاطة بذلك أفندم (توقيع خيري باشا). [تأشيرة أسفل الوثيقة تقول] ولو أن الشهادة ليست صريحة إلا أن المعلوم لنا بأن الخديوي السابق قد صرح شفاها لدرانيت باشا بالتوجه لأوروبا وعلى ذلك فلا يكن مانع في إجراء اللازم نحو ترتيب المعاش للمومأ إليه بحسبما يستحق. وقيد معاش المومأ إليه يكون اعتبارا من تاريخ رفته (توقيع رياض باشا).
الوثيقة الخامسة في 21 / 7 / 1880:
إعلان ... قسم القضايا ... السكرتارية العمومية: صار الاطلاع على أوراق المكاتبات المتعلقة بالمعاش المتطلب ترتيبه لسعادة درانيت باشا، وعلى مذكرة قلم المعاشات. فأما عن رفته: من حيث إن استخدامه كان بدون قونتراتو ورفت بمقتضى أمر عالي. ومن المعلوم أن الحكومة لها الحق في رفته كغيره الذين بدون قونتراتات متى أرادت. ومن وقت رفته أعلنه بالرفت فهذا كاف. وعن مطلبه ترتيب المعاش. فولو أنه خدم الحكومة زيادة عن الأربعين سنة المحددة باللايحة كما اتضح من كشوفات مدد خدامته التي صار الاستحقاق عليها. إلا أنه من حيث المومأ إليه معترف في خطابه الوارد لنظارة المالية بتاريخ 9 / 8 / 1879 أنه سافر إلى نابولي بناء على تلغراف ورد له من الخديوي السابق للحضور إليه في مدينة نابولي وذلك بدون إذن الحكومة. ومن حيث بمقتضى منطوق بند 2 من ذيل قانون معاش سنة 1271 أن مستخدم الحكومة إذا توجه إلى جهة خارجة عن الحكومة سواء استمر بتلك الجهة أو حضر منها فإنه إذا طلب معاشا لا يجاب إلى ذلك. ولا يترتب له شيء من المعاش في حالة حياته ولا لعياله بعد مماته. وكذلك منصوص أيضا في بند 11 من اللايحة المذكورة أن كلا من أصحاب المعاش يتمتع بحيازة معاشه المرتب له في أية جهة من الجهات الواقعة في داخل دايرة الحكومة المصرية. وإذا توجه إلى جهة أخرى خارجة عن دايرة الحكومة المصرية بدون إذن يقطع معاشه المرتب له. فبناء على هذه الأسباب يشهد الواضع اسمه وختمه فيه أن درانيت باشا وإن كان يستحق على موجب من خدامة بموجب القانون معاش كامل باعتبار شهري 6000 قرش على حسب الماهية التي كانت مرتبة له لغاية الرفت. إلا أنه بموجب القانون نفسه لا يستحق شيء من هذا المعاش نظرا لتوجهه خارج الحكومة بدون أمرها واستخدامه بدون أمرها أيضا في خدمة الخديوي السابق بعد انفصاله من الخديوية. هذا ما تراءى لنا والأوراق عن طيه (توقيع بوريلي أوكتاف ناظر قسم القضايا المالية).
الوثيقة السادسة في 27 / 7 / 1880:
من نظارة المالية لسعادة درانيت باشا بمدينة نابولي. نتشرف بأن نعرفكم بأن أفوكاتي مستشار المالية دعي لإعطاء رأيه بخصوص الرفت الذي حصل لكم. وبخصوص مسألة المعاش المتطلبين ترتيبه وحرر مذكرة، ومنها علم بأنه بحيث إن استخدامكم كان بدون كونتراتو فالحكومة لها الحق في رفتكم كغيركم. وفي خصوص ترتيب المعاش فوإن كنتم تستحقون بموجب القانون نظرا لمدد خداماتكم البالغة زيادة عن الأربعين سنة معاشا كاملا على حسب الماهية التي كانت مرتبة لكم عند رفتكم إلا أنه بمقتضى البند الأول والثاني من لايحة معاشات 1271 فلا تستحقون شيئا من هذا المعاش نظرا لتوجهكم خارج الحكومة المصرية بدون إذن لكي تستخدموا بمدينة نابولي طرف سمو أفندينا الخديو السابق طبقا للأمر الصادر لكم تلغرافيا من سموه. واقبلوا منا تأكيد اعتبار الفايق (توقيع وكيل المالية بلوم).
الوثيقة السابعة في 9 / 2 / 1881:
من سعادة درانيت باشا لدولتلو أفندم ناظر الداخلية: بناء على الإفادة الصادرة لدولتكم منا ورد لنا إفادتكم الرقيمة 27 / 7 / 1880 تعرفونا بها بأن أفوكاتي مستشار المالية دعي لإعطاء رأيه بخصوص الرفت الذي حصل لنا. وبخصوص أحقية طلبنا بالمعاش وتراءى له عن رفتنا بأن الحكومة لها الحق في رفتنا كغيرنا الذين بدون كونتراتو متى أرادت. ونحن تطلبنا ترتيب المعاش فلو إن كنا نستحق معاشا كاملا على حسب الماهية التي كانت مرتبة لنا عند رفتنا نظرا لمدد خداماتنا المتجاوزة عن الأربعين سنة إلا أنه بمقتضى البند الأول والثاني من لايحة معاشات سنة 1271ه لا نستحق شيئا من هذا المعاش؛ نظرا لتوجهنا خارج الحكومة المصرية بدون أمرها واستخدامنا بنابولي طرف سمو الخديو السابق بناء على الأمر الصادر لنا منه تلغرافيا. فردا لإفادة دولتكم المنوه عنها نفيد بأنه من خصوص رفتنا فلا يوجد لنا اعتراض بذلك بما أنه عرفتونا بأن الحكومة لها الحق برفت مستخدميها الذين بدون كونتراتو.
وأما من خصوص ما نسبتموه إلينا بتوجهنا خارج الحكومة المصرية بدون إذن لكي نستخدم بنابولي طرف سمو الخديوي السابق، فيجب علينا بأن نقول ونعرض لدولتكم ما يأتي: وهو أنه في 22 / 4 / 1879 حيث كنا مقيمين بمصر ورد لنا تلغرافا من مدام درانيت تعرفنا به بأنه حصل رمد لابنتنا؛ وبناء على ذلك سافرت عائلتنا من كفر الدوار وتوجهت الإسكندرية فأعرضنا هذا التلغراف لجناب الخديوي السابق لكي يصرح لنا بمقابلة عائلتنا بإسكندرية. فجنابه ليس فقط سمح لنا بالتوجه للإسكندرية بل صرح لنا بالتوجه بأوروبا مع عائلتنا وبالإقامة بها لحين شفاء ابنتنا. وهذه المقابلة كانت بحضور سعادة بارو باشا. وفي اليوم ذاته ودعنا كل من أصحاب السعادة خيري باشا وعمر باشا عزمي وخلافهم الذين أعرضنا لهم عن حالنا ويمكنهم أن يشهدوا عن ذلك عند الاقتضاء. فبناء على هذا الأمر سافرنا من القطر المصري نحو آخر شهر أبريل سنة 1879 إلى مدينة ميلانو لمعالجة ابنتنا. فيتضح من ذلك بأن توجهنا خارج الحكومة لا ينبغي أن يكون حجة لعدم ترتيب المعاش بما أنه حصل بمقتضى أمر سمو الخديو.
ثم طرأت حوادث شهر يونيو 1879 وبناء عليها التزم سمو إسماعيل باشا بالتوجه خارج القطر المصري. فسفر سموه حصل عندما كنا بالإجازة وورد لنا حينئذ تلغراف بالتوجه لنابولي لاستقبال جنابه فيظهر لنا بأن هذا هو السبب في عدم ترتيب المعاش وبالنتيجة نلتمس من دولتكم بأن تسمحوا لنا بإعطاء الإيضاحات عما ذكر. وهو أولا بأن التلغراف البادي ذكره كان صادر لنا من سعادة عبد الجليل بك سكرتير جناب الخديوي الحالي بتاريخ 30 / 6 / 1879. فإن كان هذا التلغراف محرر لنا بأمر سمو الخديوي إسماعيل باشا نفسه إلا أنه بحيث كان صادر من سكرتير الحضرة الخديوية؛ فينبغي أن يكون ذلك لنا علامة بأنه حصل برضا الجناب العالي نفسه.
ومن جهة أخرى جاء جناب إسماعيل باشا لنابلولي بخدمه الذي صار تعيينهم من الجناب الخديو ولده. فلا يمكننا إذن مطلقا بأن نتأخر عن الأمر الصادر لنا تلغرافيا من سعادة سكرتير الجناب الخديو واحتراماتنا لجلالة والده. ومع ذلك فإننا امتثلنا للتلغراف المنوه عنه باستقبال سمو إسماعيل باشا بنابولي وتأديتنا له الخدمات اللازمة في هذه الجهة بدون أن نقبل من سموه أدنى مكافأة وبدون أن نستخدم طرفه. وبحيث علمنا بعد وصوله لنابولي بخمسة عشر يوما بأنه أمر سعادة طلعت باشا بأن يرجو الحضرة الخديوية بإبقائنا بوظيفتنا وبالتصريح لنا بالإقامة مدة ما بنابولي طرف والده. فالتمسنا من سموه بعدم الإجراء بمقتضى الأمر المذكور وبأن يسمح لنا بالرجوع لمصر. ولكن لم أمكنا بأن نسافر بما أنه صدر الأمر برفتنا في 16 / 7 / 1879. فإن كان والحالة هذه توجهنا من القطر المصري في شهر أبريل 1879 كان بمقتضى إذن لجناب الخديو. وإن كانت الاحترامات والخدمات التي أديناها لجناب إسماعيل باشا بنابولي كانت مفروضة علينا بموجب التلغراف الصادر لنا من سعادة سكرتير الحضرة الخديوية. فلا نرى على أي وجه نسبتم إلينا بأننا توجهنا خارج الحكومة المصرية بدون أمرها. فعلى هذا استمرينا بخدامة جناب الخديو السابق لغاية شهر أبريل الماضي بدون مقابل. فبناء على ذلك نلتمس من دولتكم إعطاء الأوامر اللازمة بقيد معاشنا طبقا للقوانين، أفندم (توقيع درانيت باشا).
وأخيرا تم صرف المعاش المقرر لباولينو درانيت بإيطاليا، وكان يرسل إليه بانتظام. وهكذا تخبرنا الوثائق بنهاية هذا الرجل التي كانت مجهولة للجميع حتى اليوم، لدرجة أن أهالي الإسكندرية على وجه الخصوص، لا يعلمون من هو باولينو، ذلك الاسم المسمى به أحد شوارع الإسكندرية الرئيسية حتى الآن.
يعقوب صنوع والحقيقة الغائبة
كانت الصدفة وحدها وراء تفكيري في كتابة هذه الدراسة عن يعقوب صنوع؛ وذلك عندما انتهيت من كتابي الأول «إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب»، وأيضا كتابي الأخير «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر». ففي الكتاب الأول تتبعت تاريخ ونشاط إسماعيل عاصم المسرحي في معظم الوثائق والملفات المخطوطة بدار الوثائق القومية، ودار المحفوظات العمومية بالقلعة في مصر، ومعظم الدوريات التي صدرت طوال فترة حياته (1840-1919).
1
أما في الكتاب الثاني، فقد قمت بالعمل نفسه، متتبعا تاريخ الشخصيات والفرق والأنشطة المسرحية في مصر طوال القرن التاسع عشر.
2
وتمثلت الصدفة في عدم وجود أية إشارة تدل على أن يعقوب صنوع قام بنشاطه المسرحي المعروف في مصر! بل إن ما وجدته من حجج وبراهين وأسانيد ووثائق، أكدت أنه لم يكن في يوم من الأيام رائدا للمسرح المصري، كما هو معروف أيضا. ورغم أهمية هذه الصدفة، إلا أنني تمهلت في الكتابة عنها، حتى قمت بقراءة وجمع معظم ما يتعلق بهذا الموضوع. (1) صحف صنوع وتاريخه المسرحي
على الرغم من كثرة الكتابات العربية التي صدرت عن صنوع كمسرحي، إلا أنها لم تتطرق - في معظمها - إلى تاريخه المسرحي من خلال صحفه. بل تطرقت إلى هذا التاريخ من خلال مذكراته فقط. مع أن هذه المذكرات ما هي إلا تفصيل لما أورده صنوع بنفسه في صحفه. لذلك سنبدأ بتتبع تاريخ صنوع المسرحي كما جاء في صحفه، مع تفنيد لمعظم ما جاء في هذا التاريخ.
أول إشارة كتبها صنوع في صحفه عن نشاطه المسرحي، كانت في 17 / 4 / 1878 من خلال إحدى المحاورات، عندما قال أبو خليل لأبي نظارة: «وأسست لنا تياترو عربي وصنفت لك مقدار ثلاثين كوميدية من قريحتك نثر وأشعار وحرقت فيها دم قلبك وعلمت أبناء الوطن التشخيص بكل مهارة في التياترو ...»
3
وعلى الرغم من أن هذه المعلومات معروفة للجميع، وتكررت عند جميع من كتبوا عن صنوع، إلا أنها معلومات جاءت من مصدر وحيد وهو صنوع نفسه، ولم يقره فيها أي ناقد أو كاتب ممن عاصروه في هذه الفترة، كما سنبين ذلك في موضعه. هذا بالإضافة إلى أن هذه الإشارة جاءت من خلال إحدى المحاورات؛ أي من الممكن اعتبارها نوعا من الهزل، تبعا لأقوال صنوع في محاوراته عموما.
جزء من إحدى صفحات صحف صنوع المخطوطة في مصر.
ومهما يكن من أمر اعتبار هذه الإشارة، سواء جد أو هزل، إلا أن أهميتها الكبرى، تتمثل في نشرها في صحف صنوع في مصر، لا في باريس. وهذا يعني أن يعقوب صنوع كتبها وهو مطمئن لصحتها. بل إن من يقرؤها لا يظن مطلقا أنها معلومات خاطئة! وبالرغم من ذلك فإن الشك يحيطها! لأن أعداد هذه الصحف - الخمس عشرة - الصادرة في مصر فقدت وأعاد صنوع كتابتها مرة أخرى في عام 1889. والنسخة المعادة (المخطوطة)،
4
هي التي وصلتنا في وقتنا الحاضر. ومن المرجح أن يعقوب صنوع غير فيها وزاد معلومات جديدة لم تكن في النسخة الأصلية المطبوعة، خصوصا أخباره المسرحية.
والدليل على ذلك أن يعقوب صنوع نشر في عدد جريدته الصادرة بباريس في 21 / 10 / 1889، مخاطبة كان قد نشرها في عدد من أعداد صحيفته الأولى في مصر. وهذه المخاطبة أرسلها له أحد الأصدقاء بمصر وفرح بها صنوع - على حسب قوله - لندرة وجود هذه الأعداد وصعوبة حصوله على أية نسخة منها.
5
وهنا نتساءل: لماذا وصلت إلينا جميع صحف صنوع الصادرة في باريس بصورتها المطبوعة، ولم تصلنا أعداد صحيفته الصادرة في مصر في نفس الصورة المطبوعة لا المخطوطة؟! الاحتمال الأرجح أن يعقوب صنوع حصل على هذه الأعداد بصورة من الصور بعد عام 1889، ووجد أن بها أشياء تناقض ما قال به بعد ذلك، فأراد أن يغير موقفه بتغيير ما جاء في هذه الأعداد النادرة.
والإشارة الثانية من قبل صنوع أيضا عن مسرحه، جاءت عندما أصدر أول أعداد صحيفته في عامها الثالث، بباريس، قائلا في تقديمه لهذه السنة: «صحيفة أسبوعية أدبية علمية بها محاورات ظريفة ونوادر لطيفة ومواعظ مفيدة ومقالات فريدة وقصايد عجيبة وأدوار غريبة، مديرها ومحررها الأستاذ جمس سانوا المصري مؤسس التياترات العربية في الديار المصرية.»
6
وإذا كانت الإشارة السابقة جاءت من خلال إحدى المحاورات، إلا أن هذه الإشارة جاءت بصورة صريحة. ومن المحتمل أن الداعي لقول صنوع بأنه مؤسس التياترات العربية في الديار المصرية، راجع إلى أنه أول من نشر اللعبات التياترية باللغة العربية في صحفه؛ لأنه قبل هذه الإشارة نشر أكثر من عشر لعبات تياترية،
7
لذلك نصب نفسه مؤسسا للمسرح المصري. وهذا الاحتمال سنؤكده في موضع آخر من هذه الدراسة.
وبعد أن وضع صنوع إشاراته السابقة التي دلت - تبعا لأقواله - على وجوده كمسرحي في مصر، جاءته فرصة كبيرة لتثبيت هذا الوجود، عندما قام الخديو توفيق بعزل أبيه إسماعيل من منصبه. وفور هذا التغيير قام صنوع باختلاق قصص وهمية عن علاقته بالخديو إسماعيل، نشرها في صحفه بباريس في مقال كبير. ومن أهم هذه القصص، قصة ريادته للمسرح المصري، وإنشاء أول مسرح عربي له في مصر بمساعدة الخديو إسماعيل نفسه.
8
وهذه القصة اعتمد عليها كل من كتب عن صنوع بعد ذلك من النقاد، وكأنها أمر مسلم به، دون تفنيد أو مناقشة.
ومن الغريب أن موضوع مساعدة الخديو لصنوع في إنشاء أول مسرح عربي له في مصر، لم يقل به صنوع قبل عزل إسماعيل، رغم أن المناسبات كانت كثيرة لإثارة هذا الأمر وغيره من القصص التي اختلقها في هذا المقال! والسؤال الآن لماذا ذكر ونشر صنوع هذه القصص بعد عزل الخديو إسماعيل، ولم يذكرها وينشرها قبل ذلك وهو آمن في باريس؟ والإجابة تتمثل في أن يعقوب صنوع اختلق علاقته بإسماعيل ونشرها بعد عزله؛ كي يضمن عدم الرد عليه.
جزء من المحاورة المنشورة في صحف صنوع بباريس.
بعد ذلك أطلق صنوع العنان لخياله - غير مكتف بما اختلقه من أوهام - فقال في عام 1887 - من خلال إحدى محاوراته - إنه أنشأ تياترو عربي للمصريين، وفي مدة عامين عرضت فرقته المسرحية اثنتين وثلاثين مسرحية، مثلت بعضها في قصر النيل أمام الخديو إسماعيل، الذي منحه لقب «موليير مصر».
9
ووصل الأمر بصنوع إلى إيهام الصحفيين في باريس بهذه الأقوال، فأوردوها وزادوا عليها، فأخذها صنوع بدوره ونشرها في صحفه.
ومثال على ذلك ما قاله أوجين شينيل محرر جريدة الفولطير في نهاية عام 1890: إن يعقوب صنوع «قد أبدع التياترات العربية بمصر القاهرة وعمل فيها اثنين وثلاثين قطعة من كوميدية بفصل إلى خمسة فصول. ونال بذلك اسم موليير المصري ... وذلك خلاف ما كتبه بهذه اللغة من الروايات التي ثلاثة منها شخصت بالتياترات العظيمة الإيطاليانية ببلاد الشرق وواحدة بجنواه بشمال إيطاليا وحازت شهرة فائقة.»
10
والملاحظ على قول هذا الصحفي، أنه استقى معلوماته من صنوع نفسه، فخدع بها، وزاد عليها أشياء غير حقيقية. فمثلا قوله بأن مسرحيات صنوع الإيطالية الثلاث تم تمثيلها «بالتياترات العظيمة الإيطاليانية ببلاد الشرق»! وهذا الوصف لا ينطبق إلا على الأوبرا الخديوية في مصر؛ لأن الأوبرا، هي المسرح الوحيد العظيم في البلاد الشرقية الذي يعرض المسرحيات الإيطالية في هذا الوقت. ولم نجد أية إشارة - كما سنبين ذلك في موضع آخر - تدل على أن يعقوب صنوع مثل أو مثلت إحدى مسرحياته في الأوبرا. وبالرغم من مبالغات صنوع الكبيرة، إلا أنه لم يقل بذلك الأمر! ولكن الصحفي توهم أن يعقوب صنوع له مكانة مسرحية كبيرة، تبعا لأقوال صنوع عن نفسه؛ مما جعله يضيف إلى مقالة مسألة تمثيل مسرحيات صنوع في الأوبرا الخديوية، وكأنها أمر واقع لا بد أنه حدث، طالما أن لصنوع هذه المكانة الرائدة.
11
ولم يبق أمام صنوع - لإثبات ريادته للمسرح العربي في مصر - إلا أن يضع بعض الأحداث الثانوية في تاريخه المسرحي لإيهام القراء بهذا التاريخ. وذلك عندما وضع تاريخه في قالب درامي تحت عنوان «موليير مصر وما يقاسيه»، وهي المسرحية الوحيدة المطبوعة له باللغة العربية في لبنان عام 1912. وفي مقدمتها قال: «... الآن رخصوا لي أن أقص عليكم يا كرام، ما قاسيته في إنشاء التياترو اللي أسسته منذ أربعين عام، على أيام إسماعيل اللي في ذلك الزمان. كنت عنده من أعز الخلان. تارة تضحكوا، وتارة تبكوا. وتارة تشكروا، وتارة تشكوا. من الرواية الآتي شرحها يا حضرة القاري، ترسو على حقيقة التياترو العربي وكيفية أفكاري. الرواية دي أمام ذواتنا الكرام، صار لعبها ليلاتي مدة شهرين تمام. حتى إن أذكى الشبان على ظهر قلبهم حفظوها. وعملوا عليها سهرات وأمام أحبابهم لعبوها.»
12
وعندما ذكر صنوع أشخاص المسرحية، قال عن نفسه: «جمس: منشئ ومؤسس التياترو العربي عام 1870 ميلادية.» وهذا التاريخ هو أول تاريخ يثبته صنوع لإنشاء مسرحه. أما المسرحية فهي سجل لتاريخه المسرحي. ومن هذا التاريخ يعلم القارئ - بالإضافة إلى ما سبق - أن يعقوب صنوع مثل أمام الخديو في قصر النيل، كما عرض بعض رواياته في مسرح الكوميدي الفرنسي بالأزبكية، وأعطاه الخديو مسرح حديقة الأزبكية مجانا، وأن مسرحه دام سنتين، واضطهده علي باشا مبارك ورفته من وظيفته كمدرس بالمهندسخانة، وحقد عليه درانيت باشا مدير الأوبرا. أما أسماء مسرحياته فمنها: الحشاش، البربري، البورصة، أبو ريضة البربري، الصداقة، القواص وشيخ البلد وراستور.
13
هذه هي الخطوط الرئيسية لمجمل تاريخ صنوع المسرحي، كما سرده بنفسه. ذلك التاريخ الذي توارثه النقاد والكتاب جيلا بعد جيل، منذ وفاة صنوع 1912، حتى وقتنا الحاضر. لدرجة أن أي ناقد أو كاتب، لا يستطيع أن يكتب عن بدايات المسرح العربي في مصر، دون ذكر ريادة صنوع المسرحية التي بدأت في عام 1870. هذا هو الواقع ... ولكن هناك حقيقة غائبة تعصف بهذا الواقع الراسخ في تاريخ المسرح المصري. وللوصول إلى هذه الحقيقة يجب علينا الرجوع إلى المصادر والمراجع، التي أرخت للحركة المسرحية المصرية منذ عام 1870، لنتعرف على حقيقة نشاط صنوع المسرحي. (2) صنوع وتاريخ المسرح المصري
تعتبر مجلة «وادي النيل»، أول دورية مصرية اهتمت بالنشاط المسرحي في مصر. وإذا تتبعنا أقوال هذه المجلة منذ عام 1870 - أي منذ بداية نشاط صنوع المسرحي - سنجدها تتحدث عن تفاصيل دقيقة لهذا الفن، منها على سبيل المثال مقال للناقد «محمد أنسي»، نشرته المجلة في فبراير 1870 عن عرض مسرحية «سميراميس» بالأوبرا الخديوية، قال فيه: «... وحضرها جم غفير وقوم كثير من التجار الأوروباويين والأهالي المصريين، ولا سيما من حضرات الباشوات والبكوات وغيرهم من غواة التياترات. وبذلك علم أن ذوقية الملاعب التياترية قد أخذت في الانتشار بالديار المصرية، في هذه الحقبة العصرية. وهي بدعة حسنة، وطريقة للتربية العمومية مستحسنة، من حيث ما يترتب عليها من تفتيق الأذهان، وتصوير أحوال الإنسان للعيان. حتى تكتسب فضائلها، وتجتنب رذائلها، إلى غير ذلك من الفوائد الجميلة، والعوائد الجليلة. ويا ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية، حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية؛ فإنها من جملة المواد الأهلية التي أعانت على تمدين البلاد الأوروبية، وساعدت على تحسين أحوالهم المحلية.»
14
وبناء على هذا القول نتساءل: لماذا يتمنى كاتب هذا المقال وجود مسرح مصري يعرض المسرحيات باللغة العربية؟ ألم يكن صنوع موجودا في هذا التاريخ، تبعا لأقول صنوع نفسه ومن كتب عنه، أنه بدأ نشاطه المسرحي عام 1870! بل إن هذا العام في تاريخ صنوع له أهمية خاصة؛ لأنه عام بداية نشاطه المسرحي!
ومن الملاحظ أن هذا التمني من قبل الناقد، يجعلنا نشك في عدم وجود صنوع كمسرحي في هذا الوقت؛ لأن الناقد «محمد أنسي» - هو ابن أبي السعود أفندي معرب أوبرا عايدة - من المهتمين بالكتابة والترجمة المسرحية، عندما مارسها في جريدة «روضة الأخبار» في عام 1878. أي لا يستطيع هذا الناقد المسرحي إنكار يعقوب صنوع كمسرحي سابق عليه، بل إن يعقوب صنوع نفسه كان على علاقة بمحمد أنسي، بدليل أنه كتب عنه في صحفه.
15
وبناء على ذلك نقول: لماذا تجاهل هذا الناقد وجود صنوع كمسرحي؟!
وإذا كان قول هذا الناقد يمكن الرد عليه - من قبل القارئ - بأنه نشر في بداية عام 1870، وهو نفس عام بداية صنوع كمسرحي كما زعم، فمن الجائز أن بداية صنوع المسرحية كانت في منتصف أو آخر هذا العام. والرد على هذا الاحتمال يأتي أيضا من خلال جريدة وادي النيل، عندما نشرت في نوفمبر وديسمبر من عام 1870 مقالة طويلة - نشرت في عددين على مدار عدة صفحات - عن عرض مسرحي بعنوان «أدونيس» أو «الشاب العاقل المجتهد في تحصيل العلم الكامل»، أقيم في مدرسة العمليات - أي مدرسة الهندسة - من قبل بعض الطلاب؛ أي إنه عرض للمسرح المدرسي. وقد أسهبت المجلة في حديثها عن هذا العرض، فنجدها تتحدث عن موضوع المسرحية ومغزاها الأخلاقي والتعليمي، كما تحدثت عن مؤلف المسرحية، وأخيرا أثبتت قائمة بأسماء الممثلين من الطلاب المصريين وأدوارهم في المسرحية.
16
وبناء على ذلك نقول: لماذا اهتمت المجلة بسرد هذه المقالة الطويلة عن عرض مسرحي أقيم داخل أسوار إحدى المدارس، ولم تذكر أية إشارة عن عرض من عروض صنوع المسرحية، خصوصا عروضه في قصر الخديو؟! ولماذا لم تذكر أي خبر عنه كمسرحي أو عن فرقته المسرحية، طوال عام 1870؟! تساؤلات كثيرة تزيد شكوكنا في وجود صنوع كمسرحي في هذا العام الذي زعم أن بدايته كانت فيه.
وإذا نظرنا إلى عام 1871، وهو العام الثاني لنشاط صنوع المسرحي - كما قال - لوجدنا وثيقة مهمة، عبارة عن بداية نشر أول مجموعة مسرحية في مصر. وهذه الوثيقة نشرتها مجلة «روضة المدارس المصرية» على مدار ثلاثة أعداد بدأت في أبريل 1871، وانتهت في يوليو من نفس العام.
17
وهي عبارة عن كتاب بعنوان «كتاب النكات وباب التياترات» لمحمد عثمان جلال. وهذا الكتاب من الآثار المجهولة لهذا الرائد المسرحي،
18
الذي قال في مقدمته: «... لا أزال أجهد نفسي، وأعمل يراعى وطرسي، حتى أجمع كتابا لم يسبقني إليه أحد، ولم يكن ظهر في هذا البلد. ثم لا أزال أطوف حول جزيرة العرب، وأغوص في بحر الأدب، حتى أعرف مده من جزره، وآتي منه بأنفس دره. وأنسج مما غزلته الأقلام، وأحيك بعض ما وشاه الكلام، حتى أقدم صنعة صنعا، وأرصع تاج كسرى، وأنقش ديباج خيوى؛ لعله أن يكون شيئا يهدى، أو فرضا يؤدى.»
غلاف كتاب النكات كما نشر في المجلة.
ومن الجدير بالذكر، أن هذا القول يدل دلالة مباشرة على أن عثمان جلال من الرواد الأوائل في الكتابة المسرحية المصرية. وإذا كان يعقوب صنوع قد ظهر قبله لكان أشار إليه في هذه المقدمة. علما بأن يعقوب صنوع - تبعا لأقواله - كان في أوج شهرته في هذه الفترة، بالإضافة إلى رعاية الخديو له! أي إن عثمان جلال، في هذا الوقت، لا يجرؤ على نكران صنوع بهذه الصورة. وإذا قال قائل: إن عثمان جلال لم يذكر يعقوب صنوع لأنه المنافس الوحيد له في الكتابة المسرحية، سنرد عليه قائلين: ولماذا لم يرد صنوع على زعم عثمان جلال وينشر هذا الرد في نفس المجلة التي نشرت أجزاء من الكتاب على مدار ثلاثة أشهر، طالما أن له الريادة في هذا الفن؟! علما بأنهما تاريخيا - إذا سلمنا بأقوال صنوع عن نفسه - مارسا الكتابة المسرحية في نفس الوقت. وعلى ذلك نقول: إن إنكار عثمان جلال لنشاط صنوع المسرحي - في هذه الوثيقة المنشورة - يزيد شكوكنا أكثر في وجود صنوع كمسرحي في هذا العام أيضا.
وتبعا لأقوال صنوع ونقاده، إن نشاطه المسرحي استمر لمدة عامين، حتى أوقف الخديو إسماعيل هذا النشاط، بإغلاقه مسرح صنوع في عام 1872. بعد ذلك مباشرة كون صنوع جمعيتين أدبيتين تم إغلاقهما من قبل الخديو أيضا. وهنا توسط أحمد خيري باشا لصنوع عند الخديو إسماعيل، واستطاع أن يقنعه بأن يعقوب صنوع مواطن شريف جدير بتقدير الوطن، وبالفعل قبلت الوساطة. ويعقب صنوع على ذلك بقوله: «ومنذ ذلك اليوم أخذت أقضي سهراتي في قصر عابدين مقر الخديوية، فتعرفت بجميع وزراء إسماعيل، وقد كلفني معظمهم بتعليم أولادهم الفرنسية والإنجليزية. وهكذا عدت ابتداء من ذلك التاريخ إلى ما كنت عليه من قبل؛ أي شاعر البلاد.»
19
وتصل العلاقة بين الخديو وصنوع إلى درجة أن الخديو كلفه بالسفر في عام 1874 إلى أوروبا في رحلة سياسية سرية، لم يفصح صنوع عنها، «وإنما يذكر أنه أدى المهمة على خير ما تؤدى المهمات الشبه رسمية، وأنه حين عاد إلى مصر عكف على كتابة تقرير مفصل متضمنا أشياء كثيرة لم يشر إليها أبو نظارة وهو يروي تاريخه.»
20
وظلت هذه العلاقة الحميمة بين صنوع والخديو حتى عام 1878، عندما أصدر صنوع جريدته المشهورة في مصر، فساءت العلاقة بينهما، كما هو معروف من أقوال صنوع ونقاده. وما يهمنا من هذه الحقبة التاريخية أن يعقوب صنوع كان يحتل مكانة كبيرة عند الخديو إسماعيل، قبل عام 1874 وحتى عام 1878، تلك المكانة التي جعلته من أشهر الشخصيات المصرية في هذه الفترة، تبعا لأقواله وأقوال نقاده.
والمنطق يقول إن هذه المكانة - إذا كانت حقيقية - لا يستطيع أي إنسان أن ينكرها. فعلى سبيل المثال، إذا جاء شخص مصري ليقيم مسرحا عربيا في هذه الفترة، التي يتمتع فيها صنوع بهذه الشهرة الفائقة، ولم يشيد بجهوده المسرحية السابقة، لكان صنوع أطاح به، لما يتمتع به من مكانة عند أولي الأمر، ولا سيما الخديو نفسه. ومن العجيب أن هذا الأمر حدث بالفعل في عام 1875، ولم يأت من مصري، بل جاء من لبناني يطلب المعونة من الخديو لإدخال فن المسرح العربي إلى مصر لأول مرة في تاريخها، ناكرا ومتجاهلا تاريخ صنوع المسرحي؛ ذلك التاريخ الذي لم يؤكده أي إنسان حتى الآن، إلا يعقوب صنوع نفسه.
ففي عام 1875 نشر سليم خليل النقاش مسرحيته «مي»، وفي مقدمتها قال: «لما كانت ديار مصر مستوية على عرش التقدم بين الأمصار ... اتخذت مع الملتجئين إلى بابها نعم سبيل ... واهتديت بسنا الأفضال والإجلال إلى باب يخفق فوقه لواء المجد والإقبال. وهو باب ... أفندينا الخديو المعظم ولي النعم إسماعيل ... بأن أخدم عظمته بإدخال فن الروايات في اللغة العربية إلى الأقطار المصرية ... فأنعم علي بالقبول.»
21
وفي يوليو 1875 قالت مجلة «الجنان» تحت عنوان «الروايات العربية المصرية»: «... إن الحضرة الخديوية السنية قد اهتمت بإنشاء روايات عربية ... في مصر القاهرة ... لذلك صممت على إنشاء الروايات العربية ... فصدرت إرادتها السنية بأن يقوم جناب سليم أفندي نقاش بترتيب روايات عربية وتنظيمها على نسق موافق للنسق الأوروبي. وسليم أفندي ... أتى ببراهين كافية أقنعت جناب درانيت بك مدير الروايات المصرية بأهليته وحذقه فصدرت الإرادة الخديوية السنية بأن يقوم بعمل الروايات العربية ... والذهاب بجوق المشخصين إلى مصر القاهرة في الخريف القادم.»
22
وفي أغسطس 1875 قال سليم النقاش، تحت عنوان «فوائد الروايات أو التياترات»: «... لما تعرفت ببعض أعيان مصر الكرام بسطت إليهم أمري وأطلعتهم على ما بسري فأوعزوا إلي أن ألتجئ إلى المراحم السنية الخديوية فهي ملجأ الراجي ومنية الراغب ومأمول الطالب، ففعلت. وهكذا بلغت فوق ما تمنيت من أفضال جنابه العالي وأحسن إلي بقبول طلبي؛ وذلك بأن أدخل فن الروايات باللغة العربية إلى الأقطار المصرية، فعدت إذ ذاك لأجهز في بيروت جماعة للتشخيص، وألفت بعض روايات، وبعد جمع الجماعة باشرت دراسة الروايات فأتقن أكثرها وعما قليل يتم إتقانها كلها فأسير بالجماعة لأجري هذه الخدمة في الديار المذكورة.»
23
وفي أكتوبر 1875 قالت أيضا مجلة «الجنان»، تحت عنوان «الروايات الخديوية التشخيصية»: «... نشرنا جملة طويلة عن الروايات التشخيصية الخديوية العربية التي سلم إنشاؤها إلى جناب الأديب البارع سليم أفندي خليل النقاش ... ولولا موانع الهواء الأصفر لكان سليم أفندي المومأ إليه والمشخصون والمشخصات في مصر القاهرة منذ شهر أيلول للابتداء في التشخيص في ذلك الشهر.»
24
وهذه المقتطفات أدلة قوية على أن سليم خليل النقاش، هو أول من أدخل فن المسرح العربي في مصر، لا صنوع. وإذا كان لصنوع أي نشاط مسرحي، لكانت هذه المقتطفات أشارت إليه؛ لما يتمتع به في هذا الوقت من مكانة مرموقة عند الخديو، ذلك الخديو الذي لجأ إليه سليم كي يقوم بمهمة إدخال الفن المسرحي باللغة العربية لأول مرة في مصر.
هذا بالإضافة إلى أن سليم النقاش في ذلك الوقت، كان يطرق كل باب حتى يصل إلى مراده بالدخول إلى مصر لإقامة المسرح العربي بها، فمن غير المعقول أن ينكر الرائد الوحيد في مجال نفس الفن الذي يريد إدخاله إلى مصر! وهذا ينطبق أيضا على الصحف التي أكدت ريادة سليم وأنكرت ريادة يعقوب صنوع، تلك الصحف التي كان من المفروض عليها أن تمهد السبيل لدخول سليم إلى مصر تمهيدا طبيعيا، بأن تذكر جهود صنوع الرائد الأول. ولكنها سلكت الطريق المعاكس بأن أنكرت يعقوب صنوع وأثبتت أن سليم النقاش هو أول من أدخل الفن المسرحي العربي إلى مصر.
وأخيرا يأتي سليم إلى مصر، وتستقبله الإسكندرية استقبالا حافلا، أخبرتنا به جريدة «الأهرام» في ديسمبر 1876، تحت عنوان «الروايات العربية».
25
ومن الغريب أن الجريدة في حديثها عن سليم، لم تذكر أية إشارة لوجود صنوع كمسرحي! رغم أن المنطق يقول: إذا كانت مجلة «الجنان» اللبنانية تحدثت عن ريادة سليم، وأنكرت ريادة صنوع من قبل عصبيتها لابن من أبنائها، فمن المفروض أن تحذو جريدة «الأهرام» حذوها. أو على أقل تقدير تذكر سليم النقاش مع الإشارة إلى جهود من سبقه في مصر كصنوع. علما بأن جريدة الأهرام نفسها ذكرت أخبار صنوع كصحفي في مناسبة تالية في عام 1878، وأيضا لم تشر إلى جهوده المسرحية.
26
هذا بالإضافة إلى أن يعقوب صنوع كان على علاقة وطيدة بجريدة الأهرام ومؤسسيها، عندما كان في مصر، وأيضا حافظ على هذه العلاقة بعد سفره إلى فرنسا.
27
كما أن يعقوب صنوع تربطه علاقة صداقة بسليم خليل النقاش نفسه، وعلى معرفة تامة بنشاطه الأدبي والفني وهو في مصر. بدليل أنه مدحه وكتب عنه في صحيفته الصادرة في مصر قبل سفره إلى فرنسا.
28
والسؤال الآن: أين يعقوب صنوع وتاريخه المسرحي من هذه الأدلة التي تثبت أن سليم النقاش هو أول من أدخل الفن المسرحي باللغة العربية إلى مصر؟!
حديث ومدح صنوع لأديب إسحاق وسليم النقاش في صحيفته المصرية.
وتبعا لأقوال صنوع ونقاده، أنه خرج من مصر في عام 1878 إلى فرنسا، وظل بها حتى وفاته عام 1912. وطوال هذه الفترة وهو في عداء كبير مع حكام مصر - من خلال صحفه - وخصوصا في فترة حكم الخديو إسماعيل وابنه توفيق. وإذا كنا لم نجد أية إشارة عنه في الصحف المصرية كمسرحي قبل سفره، فمن المنطقي ألا نجدها بعد سفره، أثناء حكم إسماعيل وتوفيق بسبب هذا العداء. أما فترة حكم الخديو عباس - بداية من عام 1892 - فكانت فترة وفاق بينه وبين صنوع، أثبتها صنوع نفسه في صحفه ومذكراته.
صورة الخديو عباس كما ظهرت لأول مرة في صحف صنوع محاطة بخطاب العفو.
ففي مارس 1892 نشر صنوع صورة الخديو عباس محاطة بنص خطاب، وجد صنوع فيه أهمية وصلاحا للشعب المصري وله شخصيا، حيث إن هذا الخطاب به نص عفو الخديو عن المصريين المنفيين.
29
وفي مايو 1896 نشر صنوع مقالة كتبتها عنه جريدة «الحاضرة التونسية»، قائلة: «... فإنه [أي صنوع] وإن كان يشدد النكير على إسماعيل باشا وابنه المرحوم توفيق فلم يأل جهدا لتأييد سلطة سمو الجناب العباسي ويرشده لأقوم طريق.»
30
وقال المؤرخ الصحفي فليب دي طرازي: «في سنة 1901 زار الشيخ أبو نظارة سمو الخديوي عباس الثاني في مدينة ديفون بفرنسا. فأوعز إليه الخديوي بالرجوع إلى وادي النيل متمتعا بالحرية التامة. لكن شيخنا رفض إجابة الطلب طالما القطر المصري مقيدا بالاحتلال الإنكليزي.»
31
ويؤكد المؤرخ أن الخديو عباس منح يعقوب صنوع لقب «الوطني المخلص».
32
وبناء على ذلك، يجب علينا أن نتعرف على الأقوال التي أرخت للمسرح المصري، منذ تولي الخديو عباس الحكم؛ أي منذ بداية علاقته الحميمة بصنوع، لنتعرف على صنوع كمسرحي في ضوء هذه العلاقة.
في عام 1893 كتب عبد الله النديم مقالة بمجلة «الأستاذ»، تحت عنوان «فريق التمثيل العربي»، أرخ فيها لبدايات المسرح العربي منذ أولاد رابية وخلبوص العرب، ومرورا بالشوام أمثال إسكندر فرح، حتى وصل إلى الشيخ سلامة حجازي،
33
دون أية إشارة تذكر عن صنوع. علما بأن النديم كان على علاقة صداقة بصنوع منذ عام 1882، عندما تبادلا الأحاديث الصحفية المادحة في صحف صنوع نفسه،
34
تلك الصحف التي نشرت عدة مقالات لعبد الله النديم.
35
وبناء على ذلك نقول: لماذا أنكر النديم تاريخ صنوع المسرحي، طالما المقال يتحدث عن بدايات المسرح العربي في مصر؟! خصوصا وأن النديم مارس النشاط المسرحي تأليفا وتمثيلا منذ عام 1881 من خلال مسرحيتيه «العرب» و«الوطن وطالع التوفيق».
36
ومن الغريب أن هذا الإنكار يأتي في وقت كانت الألفة قائمة بين الخديو عباس وصنوع!
وفي عام 1894 نشرت جريدة «السرور» مقالة تحت عنوان «التشخيص العربي»، بدأتها بمقدمة طويلة عن تاريخ المسرح العربي، فتحدثت عن فضل مارون النقاش في إدخال هذا الفن إلى الأمة العربية، ثم أكدت في حديثها على أن سليم النقاش هو أول من أدخل هذا الفن إلى مصر. وانتهت المقالة دون أية إشارة تذكر عن تاريخ صنوع المسرحي.
37
وفي عام 1895 طبع الكاتب المسرحي محمود واصف
38
مسرحيته «عجائب الأقدار»، وفي مقدمتها قال: «... لا يخفى أن فن التشخيص بلغتنا العربية ... لم يدخل إلى بلادنا المصرية إلا منذ عهد قريب على يد طيب الذكر سليم أفندي النقاش صاحب جرائد مصر والتجارة والعصر الجديد والمحروسة ويد شريكه ورفيقه المأسوف عليه أديب إسحاق وبعد أن تركاه وانقطعا إلى تحرير جرائدهما تنبهت إليه الأفكار وتحركت الخواطر، فقام حضرة الأديب يوسف أفندي الخياط وألف جوقة لتشخيص الروايات بالإسكندرية والمحروسة ...»
39
وفي عام 1904 كتب كامل الخلعي كتابه «الموسيقى الشرقي»، وفيه كتب ترجمات عديدة لأعلام الفن المسرحي، أمثال القباني وسليمان الحداد وسليمان القرداحي وسلامة حجازي وإسكندر فرح، دون أية إشارة عن صنوع.
40
وفي عام 1906 أكدت مجلة «الشتاء» ريادة سليم النقاش في إدخال الفن المسرحي باللغة العربية إلى مصر، دون أي ذكر لوجود صنوع كمسرحي.
41
وفي عام 1893 بدأ جرجي زيدان في نشر فصول عديدة عن تاريخ الأدب العربي، في مجلته «الهلال». وفي عام 1911 جمع هذه الأجزاء ونشرها في كتاب مستقل بعنوان «تاريخ آداب اللغة العربية». وعندما تحدث عن التمثيل العربي في مصر، تحدث عن قدوم سليم النقاش وأديب إسحق ويوسف خياط، وريادتهم لهذا الفن في مصر،
42
دون ذكر لصنوع، رغم أن جرجي زيدان كان معاصرا له! وبناء على ذلك نتساءل: لماذا أنكر جرجي زيدان وجود صنوع كمسرحي، رغم شهرة زيدان في مجال التاريخ والأدب والصحافة، خصوصا عندما يكتب كتابا يؤرخ فيه للتمثيل العربي في مصر؟!
وفي عام 1912 كتب سليمان حسن القباني كتابا بعنوان «بغية الممثلين»، أرخ فيه للحركة المسرحية في مصر فتحدث عن نابليون ومسرحه بالأزبكية «مسرح الجمهورية والفنون»، وعن إنشاء الخديو إسماعيل لدار الأوبرا، حتى وصل في تأريخه إلى سليم النقاش، ومن ثم إلى الأجواق الحالية - في هذا الوقت - مثل: جوق سلامة حجازي، وجوق جورج أبيض، وجوق سليم عطا الله، وجوق أحمد الشامي، وجوق محمود وهبي، وجوق إبراهيم حجازي، وجوق محمد الكسار، وأخيرا جوق عبد العزيز الجاهلي.
43
وطوال هذا التاريخ لم نجد أية إشارة عن وجود صنوع كمسرحي.
وفي يناير 1912 كتبت جريدة «الأخبار» مقالة تحت عنوان «حول التمثيل»، قالت فيها: «... نحن الآن على أبواب نهضة تمثيلية راقية نرجو أن تثمر غرسا صالحا وثمرا حلوا، وإنني لا أرى بدا والحق أولى بالإثبات من إسداء الشكر للسوريين الذين خدموا فن التمثيل وكانوا السبب في وصوله إلى ما وصل إليه بالاشتراك مع إخوانهم الوطنيين والعمل معهم. وهيهات أن ننسى الأديبين الكبيرين المرحومين سليم النقاش وأديب إسحاق اللذين أخرجا فن التمثيل إلى عالم الوجود في مصر، وهما اللذان لا تزال الروايات التي عرباها ومثلاها تمثل إلى الآن، مثل: «عائدة» و«أندروماك» و«شارلمان» ...»
44
وهكذا نجد أن جميع الأقوال السابقة، التي أرخت لبدايات الحركة المسرحية في مصر، منذ عام 1893 حتى عام 1912 - عام وفاة صنوع - تلك الفترة التي تمتع فيها صنوع باحترام الخديو عباس، لم تذكر أية إشارة - ولو ضئيلة - تؤكد أن لصنوع تاريخا مسرحيا في مصر في يوم من الأيام. بل إننا لم نجد أية إشارة عنه كمسرحي منذ بدايته المسرحية - تبعا لأقواله في عام 1870 - وحتى وفاته في عام 1912. والسؤال الآن: كيف دخل اسم صنوع في تاريخ المسرح المصري، رغم كل ما أوردناه من أدلة وبراهين تشكك في عدم وجوده كمسرحي؟!
الحقيقة أن أول من ذكر اسم صنوع في تاريخ المسرح المصري، ونصبه رائدا فيه هو المؤرخ الصحفي الفيكونت فليب دي طرازي، في كتابه «تاريخ الصحافة العربية» عام 1913. وذلك عندما كتب جزءا كبيرا عن حياة وأعمال صنوع، قائلا عن دوره كمسرحي: وفي «سنة 1870 أنشأ أول مرسح عربي في القاهرة بمساعدة الخديوي إسماعيل الذي منحه لقب «موليير مصر» ونشطه على عمله وشهد مرارا تمثيل رواياته. فألف صاحب الترجمة حينئذ اثنتين وثلاثين رواية هزلية وغرامية منها بفصل واحد، ومنها بخمسة فصول لم يزل صداها يرن في آذان الشيوخ على ضفاف النيل.»
45
وهذه العبارة كانت الباب الذي فتح على مصراعيه أمام جميع من كتب من النقاد العرب عن صنوع كمسرحي بعد ذلك، فانهالت المقالات والكتب الضخمة بناء على هذه العبارة فقط. علما بأن فليب طرازي لم يكتب تاريخ صنوع من خلال مراجع أو مصادر مختلفة، بل كتبه من خلال صحف صنوع نفسه، التي أهداها له صنوع قبل وفاته، واعترف المؤرخ بذلك في نهاية حديثه، قائلا عن هذه الصحف: «وقد أتحف بها قبل وفاته مؤلف هذا التاريخ على سبيل الهدية والتذكار. وهي مجموعة أدبية ثمينة يندر وجود نظيرها عند أحد الشرقيين الذين لا يكترثون عادة لصيانة الآثار القديمة أو النفيسة.»
46
وهكذا استطاع صنوع أن يدخل إلى عالم المسرح العربي موهما طرازي بأنه الرائد الأول لهذا الفن في مصر. فقام طرازي بإثبات هذا الوهم في عقول جميع الكتاب، ممن كتبوا عن صنوع كمسرحي حتى وقتنا الحاضر - كما سيتضح لنا - لأن هؤلاء الكتاب كان اعتمادهم الأساسي على كتاب طرازي، باعتباره أول وأقدم كتاب في البيئة العربية، تحدث عن صنوع كمسرحي.
وبالرغم من صدور كتاب طرازي في عام 1913، إلا أن كتابات عديدة أرخت لبدايات المسرح المصري، ولم تذكر صنوع كمسرحي بعد هذا التاريخ. فعلى سبيل المثال: في عام 1917 وبعد وفاة الشيخ سلامة حجازي مباشرة، نشر جورج طنوس كتابا حوى كل ما قيل في تأبين الشيخ، وقال في مقدمته: «... ظهر التمثيل العربي في هذه الديار. وكانت نشأته الأولى في الإسكندرية على أيدي الأديبين الشهيرين إسحق والنقاش. ثم ترسم آثارهما المرحومان سليمان الحداد وسليمان قرداحي فعرضا على المرحوم الشيخ سلامة احتراف التمثيل.»
47
وهذا التأكيد على ريادة سليم، دون ذكر صنوع، يؤيد الشك في عدم وجود صنوع كمسرحي في مصر؛ لأنه تأكيد جاء من خلال أحد الرموز المسرحية العربية في ذلك الوقت، ألا وهو جورج طنوس صاحب التاريخ المسرحي الكبير.
48
وفي عام 1919 كتب الأديب محمد تيمور مقالة بعنوان «التمثيل في مصر»، قال فيها: «... أتانا التمثيل من إيطاليا عن طريق سوريا وأول من جاءنا به قوم من فضلاء السوريين أمثال سليم النقاش وأديب إسحق والخياط والقباني، وفدوا إلى مصر مقر العلوم والآداب الشرقية لينشروا فيها بذور ذلك الفن الجديد، ولقد نجحوا في بناء أساس ذلك الفن نجاحا كبيرا ... وأنشئوا بأيديهم فن التمثيل في مصر بعد أن كنا لا نعلم من أمره شيئا، هذه هي نتيجة مسعاهم ونحن مدينون لهم بهذه النتيجة.»
49
وهذا التأكيد على ريادة سليم دون ذكر صنوع، جاءنا - في ذلك الوقت - من أحد أقطاب الأسرة التيمورية بما لها من باع طويل في الأدب والثقافة والتاريخ، ألا وهو محمد تيمور، أحد رواد الكتابة المسرحية في مصر. وبناء على ذلك نقول: ألم يكن في هذه الأسرة الثقافية العريقة من عاصر يعقوب صنوع في نشاطه المسرحي - أمثال عائشة التيمورية (1840-1902)، وأحمد باشا تيمور (1871-1930) - ليصحح لمحمد تيمور معلوماته؟!
وفي عام 1925 كتب محمد شكري كتابا بعنوان «مجموعة تياترو». وهو عبارة عن موجز لتاريخ أكثر من مائتي شخصية مصرية وعربية شاركت في الحركة المسرحية، منذ نشأتها في العالم العربي وحتى عام 1925. ورغم هذا الكم الهائل من الشخصيات المسرحية، إلا أن الكتاب لم يذكر يعقوب صنوع بأية إشارة تذكر.
50
علما بأن محمد شكري كان من أهم الشخصيات المسرحية المؤثرة في حركة تاريخ المسرح المصري والعربي في ذلك الوقت.
51
وفي عام 1927 نشرت مجلة «الستار» خطبة تحت عنوان «تاريخ التمثيل العربي»، كان خليل مطران قد ألقاها عام 1920، في احتفال شركة ترقية التمثيل العربي - فرقة عكاشة - بافتتاح تياترو حديقة الأزبكية، جاء فيها: «... أول من خطر له إدخال هذا الفن في لغة الناطقين بالضاد هو المرحوم مارون النقاش لخمسين سنة مضت أو نيف ... أعقب مارون قريب له معروف بين أدباء المحروسة في زمانه هو المرحوم سليم النقاش. وسليم هذا أول من أنشأ فرقة للتمثيل بمصر.»
52
ونلاحظ أن مقام الاحتفال مناسب لذكر صنوع كمسرحي، خصوصا وأن الاحتفال كان بمناسبة افتتاح مسرح حديقة الأزبكية - بعد تجديده - ذلك المسرح الذي بدأ صنوع - تبعا لأقواله - التمثيل على خشبته بعد أن أعطاه له الخديو إسماعيل مجانا. علما بأن المتحدث هو خليل مطران، صاحب التاريخ الطويل في الحركة المسرحية المصرية،
53
كما أنه أول مدير للفرقة القومية عام 1935.
وفي عام 1932 أرخ عبد الرحمن الرافعي لعصر الخديو إسماعيل، وعندما تطرق إلى التمثيل العربي في هذا العصر، قال: «وقد وفد على مصر حوالي 1876 جماعة من الأدباء والممثلين السوريين ومنهم يوسف خياط، فمثلوا على مسرح زيزينيا بعض الروايات.»
54
والملاحظ أن الرافعي في هذا التأريخ، تحدث عن صنوع كصحفي فقط - معتمدا على كتاب طرازي
55 - دون الإشارة إليه كمسرحي! علما بأن الرافعي من المؤرخين الأوائل للعصر الحديث.
وفي عام 1934 نشرت مذكرات أحمد شفيق باشا - الذي عاصر يعقوب صنوع أثناء وجوده في مصر - وفيها تحدث صاحبها عن بدايات المسرح المصري في عهد إسماعيل، من خلال الأوبرا والكوميدي الفرنسي، حتى قال: «... ثم بدأت تفد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح العربي الأهلي، وأولى هذه الفرق هي فرقة «سليم النقاش» وتلتها فرقة «يوسف خياط» التي مثلت في الأوبرا أمام إسماعيل.»
56
ورغم إثبات هذه المذكرات لريادة سليم دون صنوع، إلا أنها تحدثت عن صنوع كصحفي فقط في أكثر من موضع، دون الإشارة إليه كمسرحي.
57
ومن الوثائق المخطوطة المهمة، مخطوطة كتاب للكاتب الأديب المسرحي محمد لطفي جمعة، بعنوان «قطرة من مداد عن المتعاصرين والأنداد» كتب في عام 1944. وهو كتاب يؤرخ فيه المؤلف لمجموعة كبيرة من الشخصيات الأدبية والسياسية التي عاصرها، وكانت له معها مواقف ومقابلات ورسائل متبادلة، ومنها كان يعقوب صنوع. وعندما تحدث لطفي عن صنوع، تحدث عنه كشاعر وصحفي فقط، دون أي ذكر له كمسرحي.
58
ومن الغريب أن لطفي جمعة ذكر مقابلته مع صنوع في فرنسا عام 1910، أثناء حضوره المؤتمر الوطني المصري الثاني؛ أي إنه تحدث وسمع من صنوع، فلماذا أنكره كمسرحي - عندما كتب هذا الكتاب عام 1944 - خصوصا وأن لطفي جمعة من الكتاب المسرحيين القدامى؟!
59
وفي عام 1950 صدر عدد تذكاري لجريدة الأهرام بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاما على إصدارها. وهذا العدد جمع أهم الأخبار التي جاءت في الجريدة منذ صدورها في عام 1875، في شتى المجالات، مع توثيق لها. وفي الجزء الخاص بنشأة المسرح في مصر، جاءت هذه العبارة: «أما التمثيل العربي، فقد حمل لواءه إخواننا السوريون وعلى رأسهم سليم نقاش.»
60
وبناء على منهج هذا العدد، في نقل المعلومات من أخبار الجريدة منذ عام 1875، نقول: إن القائمين على إعداد هذا العدد لم يجدوا أية إشارة تذكر عن صنوع كمسرحي.
61
وفي عام 1950 تحدث د. عبد اللطيف حمزة - من خلال كتابه «أدب المقالة الصحفية في مصر» - عن صنوع كصحفي فقط، دون أية إشارة عنه كمسرحي.
62
ومن الممكن أن يقول قائل: إن هذا الأمر طبيعي؛ لأن الكتاب تأريخ للصحافة وللصحفيين. ولكن الحقيقة أن مؤلف الكتاب كان يتحدث عن جميع الأنشطة لكل صحفي. فمثلا عندما تحدث عن أديب إسحاق كصحفي، تحدث عنه أيضا كمسرحي، من خلال مسرحياته «أندروماك»، و«شارلمان»، و«الباريسية الحسناء».
63
وفعل نفس الشيء، عندما تحدث عن النشاط الصحفي لعبد الله النديم، وأيضا عن نشاطه المسرحي من خلال مسرحيتيه «الوطن»، و«العرب».
64
فلماذا صمت المؤلف عن دور صنوع المسرحي؟! علما بأن كتاب طرازي كان من المراجع الأساسية في هذا الكتاب!
وفي عام 1951 كتب عبد الرحمن صدقي، مقالة كبيرة تحت عنوان «المسرح العربي»، أرخ فيها للحركة المسرحية في مصر منذ افتتاح الأوبرا الخديوية عام 1869، حتى وقت كتابة المقال عام 1951. وقال صدقي في هذه المقالة: «كانت بداية المسرح في مصر الحديثة في الشطر الثاني من القرن التاسع عشر على عهد الخديو إسماعيل. فبأمر هذا المجدد العظيم، كان بناء دار الأوبرا عام 1869 ... ثم كان على يديه مطلع التمثيل العربي ... عام 1876 حين وفدت فرقة للتمثيل العربي من لبنان قوامها سليم النقاش وأديب إسحق ويوسف خياط، فأمدها الخديو بالمال، ورخص لها بدار الأوبرا زمنا في كل عام لتقدم رواياتها للجمهور المصري.»
65
ويجب أن نلاحظ أن عبد الرحمن صدقي في ذلك الوقت، كانت له مكانة مسرحية كبيرة، كوكيل لدار الأوبرا، بما تحويه من مكتبة تراثية، تحمل بين جنباتها أنفس الكتب والوثائق المسرحية. هذا بالإضافة إلى مكانته الأدبية كأديب وكاتب وشاعر.
وبعد هذا المسح لمعظم الأقوال التي أرخت لبداية المسرح العربي في مصر - منذ عام 1870، أي منذ بدأ صنوع نشاطه المسرحي، تبعا لأقواله - نستطيع أن نقول: إن نشاط صنوع المسرحي في مصر يحيطه الشك من كل جانب، ذلك الشك الذي يكاد أن يصل بنا إلى حد إنكار صنوع كمسرحي، وكفى بنا أن نستقرأ هذا المسح مرة أخرى، لنرى أن أقوال المصادر والدوريات والمؤرخين والمسرحيين وأصدقاء صنوع أنفسهم، لم تثبت ذلك النشاط المسرحي لصنوع، ولو بإشارة واحدة. هذه هي الحقيقة الغائبة لهذا الرائد المسرحي الأسطوري.
ولكي نثبت هذه الحقيقة الغائبة، يجب علينا أن نناقش بالنقد والتحليل، الحقيقة المعلنة والمتداولة في كتب ودراسات النقاد، والتي أقرت بوجود صنوع كرائد للمسرح العربي في مصر. وهذه الحقيقة الراسخة حتى الآن ، حمل لواءها مجموعة من الكتاب، أطلقت عليها: «نقاد مسرح يعقوب صنوع». (3) نقاد مسرح يعقوب صنوع
يعتبر الفيكونت فيليب دي طرازي - كما قلنا فيما سبق - أول من كتب عن يعقوب صنوع، وأدخله في تاريخ المسرح العربي. وإن ما كتبه كان الأساس في كل ما كتب عن صنوع بعد ذلك، لدرجة أن بعض الدوريات كانت تكتب عن صنوع من خلال معلومات طرازي نفسه، دون أية إضافة
66
حتى عام 1953، عندما كتب د. إبراهيم عبده أول كتاب عن صنوع بعنوان «أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر».
67
وهذا الكتاب يعد من أهم الكتب التي كتبت عن صنوع كمسرحي؛ لأن مؤلفه استطاع أن يحصل على الصحف والوثائق الكاملة الخاصة بصنوع، بالإضافة إلى مذكراته المخطوطة من ابنته. وفي ذلك يقول: «... وقد شملتني السيدة لولي صنوع بعطفها، ومنحتني مجموعة والدها الصحفية كاملة غير منقوصة ... فضلا عما أهدتني من وثائق وصور وكتب مخطوطة متصلة بهذا الموضوع، تكمل تاريخ أبي نظارة وتجعله حيا قويا جديرا بالنشر في أوسع نطاق وفي مقدمة ذلك تاريخه الذي كتبه عن نفسه بخط يده.»
68
ومن خلال هذه المذكرات استطاع الناقد أن يكتب لنا صورة تفصيلية عن مسرح وحياة صنوع.
يقول الناقد في كتابه - من خلال مذكرات صنوع: «... ثم انصرف أبو نظارة إلى تأليف التمثيليات باللغة الإيطالية فكتب ثلاثا منها عن العادات المصرية لقيت نجاحا كبيرا على المسارح الإيطالية في الشرق، بل لقيت النجاح في بلاد دانتي نفسها ... وكان نجاح تمثيلياته الإيطالية الثلاث حافزا على المضي فيما أهله له طبعه، فعزم على أن يقيم مسرحا قوميا مصريا.»
69
وهذه المعلومات رغم أنها من مذكرات صنوع المخطوطة، إلا أن يعقوب صنوع لم يقلها، بل إن قائلها هو محرر جريدة الفولطير، الذي أضافها إلى تاريخ صنوع، دون سند من صنوع نفسه، الذي استحسنها صنوع بدوره، فأضافها إلى مذكراته، كما بينا سابقا.
70
والدليل على أن هذه المعلومات خاطئة، أنها تؤكد قيام صنوع بالتأليف المسرحي باللغة الإيطالية لثلاث مسرحيات مثلت بالفعل في مصر وإيطاليا. على الرغم من عدم وجود أية إشارة لهذه العروض في الصحف المصرية، أو عن صنوع كمسرحي كما بينا سابقا. والدليل الأكبر على خطأ هذه المعلومات، أنها تؤكد أن هذا النشاط المسرحي تم قبل أن يقيم صنوع مسرحه في مصر. فإذا تذكرنا أن يعقوب صنوع - كما قال - أقام مسرحه عام 1870، فهذا يعني أنه ألف مسرحياته الإيطالية، ومثلت في مصر وإيطاليا قبل هذا التاريخ. وهذا مخالف لما قاله صنوع فيما سبق، ومخالف لكل أقوال الدوريات في هذه الفترة، عن عدم وجود مسرح مصري لصنوع أو عن وجود مسرح متكامل لغيره قبل عام 1870؛ لأن العروض قبل هذا التاريخ كانت تختص بالأوبرا الخديوية ومسرح الكوميدي الفرنسي. وما ينسب للمسرح في مصر قبل افتتاح الأوبرا، كان يتمثل في بعض الظواهر المسرحية، كخيال الظل وأولاد رابية والمحبظاتية والرواة والقصاص ... إلخ تلك الظواهر التي لا ترقى إلى المسرح المتكامل، الذي وصل إليه مسرح صنوع، إذا سلمنا بأقواله عن نفسه.
ثم يقول الناقد: «كان ذلك في سنة 1869 حين فكر يعقوب صنوع في تأسيس مسرح للوطنيين تعرض على خشبته تمثيليات عربية، وكان ذلك حدثا جديدا وابتكارا غريبا، فإلى ذلك الحين لم يكن أحد قد كتب أو مثل على مسرح وطني أمام نظارة أو متفرجين، ويقول المترجم له [أي صنوع] «في القصر أمام باشوات وبيكوات البلاط الخديوي فضحكوا لها من أعماق قلوبهم»، وشجعوه على أن يعرضها في حديقة الأزبكية، وكانت مشهورة بمسرحها القائم في الهواء الطلق.»
71
نخرج من هذا القول بمعلومتين جديدتين؛ الأولى: أن يعقوب صنوع بدأ نشاطه المسرحي في عام 1869 لا في عام 1870، كما قال عن نفسه.
72
علما بأن عام 1869 هو عام افتتاح الأوبرا الخديوية، التي تتبعت عروضها مجلة «وادي النيل» بالنقد والتحليل.
73
بل إن هذه المجلة نفسها تمنت أن ترى هذا الفن المسرحي الجديد يعرض على الجمهور المصري باللغة العربية.
74
فأين عروض صنوع، وأين نشاطه المسرحي من هذه المجلة التي كتبت صفحات طويلة عن عرض مسرحي في إحدى المدارس لا لشيء إلا لأنه كان باللغة العربية؟!
75
أما المعلومة الثانية، فهي عن تشجيع رجال البلاط الخديوي لصنوع، كي يقيم عروضه في مسرح حديقة الأزبكية. ونقول أمام هذه المعلومة: إن يعقوب صنوع لم يقم أي عرض مسرحي على هذا المسرح! لأن مسرح حديقة الأزبكية تم افتتاحه في مايو عام 1873!
76
فكيف يأتي ذكر هذا المسرح في عام 1869؟! علما بأن نشاط صنوع المسرحي - تبعا لأقواله - بدأ في عام 1870 وانتهى في عام 1872؛ أي إن نشاطه المسرحي انتهى قبل افتتاح مسرح حديقة الأزبكية نفسه!
ويستمر الناقد د. إبراهيم عبده ساردا أقواله - من خلال مذكرات صنوع - فيقول: «ويؤرخ لنا أبو نظارة فيما يرويه عن فرقته سيرة المسرح المصري الأولى، وهي سيرة لا يعرفها المصريون، ومن حسن طالع هذا التاريخ أن صاحبه عني بتفاصيله وأتاح لنا أن نقف على كثير من أخباره المستخفية، والتي لم يذكرها مؤرخ من المؤرخين، وهو يحدثنا عن الفرقة التمثيلية العربية الأولى حديثا شائقا فيذكر أن الممثلين الشبان ... كانوا يرتعدون خوفا قبل رفع الستار فرأى زعيمهم - أبو نظارة - أن يشجعهم، فوقف على خشبة المسرح وحوله الممثلون وتحدث إلى النظارة ليعطيهم فكرة عن الفن المسرحي ... ويقص أبو نظارة مدارج النصر التي نالها في عمله، فيذكر أن مسرحه ظل يعمل سنتين عرض فيهما على خشبته اثنتين وثلاثين تمثيلية من تأليفه ...» ثم يقول: «وبعد مضي أربعة أشهر على تأسيس مسرحي، دعاني الخديوي إسماعيل وفرقتي لأمثل على مسرحه الخاص في القصر، وقد مثلت ثلاث روايات وهي: آنسة على الموضة، وغندور مصر، والضرتان ... وبعد أن شاهد الملهاة الأولى والثانية استدعاني وقال لي أمام وزرائه ورجال حاشيته: «أنت مولييرنا وسيخلد اسمك.» بيد أنه عندما شاهد التمثيلية الثالثة الضرتان وكانت تعلن عن مساوئ تعدد الزوجات، وأنه سبب التصدع الذي يحدث في الأسرات بل سبب الجرائم التي تغشاها، تحول سروره إلى غضب ... وبعد أكثر من مائتي عرض لمسرحيات صنوع طلب منه إسماعيل أن يمثل ثلاث قطع في حفلة ساهرة كبرى، وقد نال إعجاب الحاضرين وعلى رأسهم الخديو ... غير أن كبار الجالية الإنجليزية ... مضوا بالدس عند الأمير حتى أقنعوه ... بأن التمثيليات التي يقدمها أبو نظارة تتضمن تلميحات وإيماءات خفية ضد سياسته وسياسة حكومته، وفيها خطر عاجل على نظام الحكم ومقدرات البلاد، فأمر إسماعيل بإغلاق المسرح.»
77
ولنا على هذا الجزء أربع ملاحظات؛ الأولى: تتعلق بقول صنوع بأنه قبل عرضه المسرحي الأول ألقى على الجمهور خطبة، ليعطيهم فكرة عن الفن المسرحي. وهذا القول غريب حقا؛ لأن الجمهور في مصر في ذلك الوقت لا يحتاج إلى هذه الخطبة، لأنه يعرف الفن المسرحي، لوجود دار الأوبرا ومسرح الكوميدي الفرنسي. بل إن الطهطاوي كتب - في عام 1831 - عن المسرح كما شاهده في فرنسا في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز». هذا بالإضافة إلى أن أول من خطب من العرب في الجمهور قبل أول عروضه المسرحية، هو مارون النقاش، وخطبته هذه نشرت عام 1869 في كتاب «أرزة لبنان»،
78
أي قبل بداية صنوع المسرحية.
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بتمثيل صنوع وفرقته المسرحية أكثر من مرة أمام الخديو والوزراء ورجال البلاط والجاليات الأجنبية، لدرجة أن الخديو منحه لقب «موليير مصر». وهذه المعلومة مشكوك في صحتها، ولم تقل بها أية صحيفة في ذلك الوقت. والدليل على ذلك أن الصحف كانت تتبع أخبار جميع الحفلات التي يحضرها الخديو عموما، فما بالنا بعرض مسرحي - لأول فرقة مسرحية عربية - يقام في قصر الخديو نفسه وبحضوره شخصيا مع كبار القوم! فهل حدث مثل هذا تتغافل عنه الصحف في هذه الفترة، وتكتب بتفصيل شديد عن حفل راقص أقيم في قصر الخديو عام 1870؟!
79
والملاحظة الثالثة تتعلق بخبر إغلاق الخديو لمسرح صنوع. وهذا الإغلاق - تبعا لأقوال صنوع - كان في عام 1872. فإذا كانت جميع الصحف لم تنشر إشارة واحدة عن بداية صنوع المسرحية، أو استمرار نشاطه المسرحي من 1870 حتى عام 1872، فعلى أقل تقدير تنشر خبر إغلاق هذا المسرح، خصوصا وأنه أغلق بأمر الخديو. وكما هو معروف أن جريدة «الوقائع المصرية» كانت تنشر كل ما يتعلق بأوامر وتعليمات وتوجيهات الخديو، فلماذا لم نجد خبر إغلاق هذا المسرح في هذه الجريدة أو في أية جريدة أخرى؟!
أما الملاحظة الرابعة، فتأتي من خلال شكوك الناقد د . إبراهيم عبده حول مذكرات صنوع، عندما قال: «ويؤرخ لنا أبو نظارة فيما يرويه عن فرقته سيرة المسرح المصري الأولى، وهي سيرة لا يعرفها المصريون، ومن حسن طالع هذا التاريخ أن صاحبه عني بتفاصيله وأتاح لنا أن نقف على كثير من أخباره المستخفية، والتي لم يذكرها مؤرخ من المؤرخين.»
80
وهنا نتساءل: لماذا لم يعرف المصريون سيرة صنوع المسرحية؟! ولماذا لم يذكر هذه السيرة أي مؤرخ من المؤرخين؟! مع ملاحظة أن قائل هذه العبارة هو د. إبراهيم عبده المؤرخ الصحفي الكبير، الذي كتب عدة كتب عن تاريخ الصحافة المصرية، غطت معظم فترة تواجد صنوع في مصر.
81
وهذا يعني أنه لم يجد في جميع مصادر ومراجع هذه الكتب أية إشارة عن صنوع كمسرحي، وإلا لكان أثبتها في أكثر من موضع في كتابه عن صنوع، بدلا من الاعتماد الكلي على مذكرات صنوع فقط.
وإذا كان اهتمامنا اتجه - فيما سبق - نحو الشك في نشاط صنوع كمسرحي في مصر - من خلال كتاب د. إبراهيم عبده - فإن هذا الشك كان من نصيب حياة صنوع أيضا طوال فترة تواجده في مصر، من خلال نفس الكتاب. تلك الفترة التي غلفها صنوع بأكاذيب ومبالغات أعطت له مكانة كبيرة خدع بها قراءه ونقاده. ولإثبات ذلك سنقوم بتفنيد هذه الأكاذيب والمبالغات؛ لأنها ستؤكد للقارئ شكوكنا حول نشاطه المسرحي.
يقول صنوع - في هذا الكتاب من خلال مذكراته: إن الأمير أحمد حفيد محمد علي الكبير - الذي استخدم والده ورأى فيه الذكاء - أرسله على نفقته ليتلقى العلم في أوربا. «ثم يمضي يعقوب فيقول إنه أمضى عدة سنوات في أوربا فلما عاد نزل قضاء الله في الأمير الكريم الذي أولاه نعمته وفي أبيه أيضا، فوجد نفسه رب أسرة، ليس له مال يغنيه وإن كان له علم بلغات أربع، كانت هي كل رأس ماله الذي تقدم به إلى إحدى المدارس الحرة التي قبلته مدرسا بها ... [و] بعض الشخصيات المدنية والعسكرية التي كانت تحكم مصر في أواخر القرن التاسع عشر تلقت عنه دروسا خاصة أو تتلمذت عليه في المدارس الحرة أو الأميرية، فإنه أمضى بضع سنين مدرسا أول في المهندسخانة وعضوا في لجنة امتحان المدارس الأميرية.»
82
ونستخلص من هذا الجزء أن والد صنوع كان موظفا عند الأمير أحمد حفيد محمد علي، وأن يعقوب صنوع تلقى العلم في إيطاليا في هذه الفترة، وبعد عودته أصبح مدرسا بالمدارس الأهلية وخصوصا مدرسة المهندسخانة، وأن تلاميذه أصبحوا من الحكام. أما فيما يتعلق بعمل والد صنوع عند الأمير أحمد، فلا صحة لهذا الخبر لأن اسم روفائيل صنوع لا وجود له في سجلات ملفات الموظفين طوال القرن التاسع عشر. علما بأن الخادم في قصور الأمراء له ملف في هذه السجلات باعتباره من الموظفين،
83
فما بالنا بوالد صنوع، الذي كان مستشارا عند هذا الأمير، وعند أمراء البلاط الخديوي، بل كان من أصدقاء محمد علي باشا الكبير شخصيا؛ وفي ذلك يقول صنوع: «وأما محمد علي جنتمكان صاحب ذاك العصر ... فكان كامل الرياسة، حدثني عنه والدي رفايل أفندي، وكان من محاسيبه النجيبة، أحاديث عجيبة غريبة، وكان يستشيره في بعض الأمور لصداقته. كذا مع نجله إبراهيم وحليم وحفيده أحمد استمرت علاقته.»
84
أما تلقي صنوع التعليم في أوروبا من قبل هذا الأمير، وعمله بعد رجوعه كمدرس بالمهندسخانة يتناقض مع جزء من مذكرات صنوع المنشورة في صحفه بباريس، عندما قال في عام 1899 تحت عنوان «زهرة من تاريخ وطني الغالي ونبذة من ترجمة حالي»: «... دخلت في مبادئ أمري مدرسة المهندسخانة المشهورة، واقتبست من معلميها الفنون والآداب على أجمل صورة. ومنها انتقلت إلى مدرسة إنكليزية فتحوها بمصر البروتسطان، أتقنت فيها لغة المستر بول الخمران. وتعلق بعد ذلك طالعي بالأسفار، فسرت إلى إيطاليا، وتعلمت لغتها من نثر وأشعار. وعدت وعمري خمسة عشر إلى مصر المحروسة، فوجدتها بولاية سعيد باشا مأنوسة.»
85
وفي هذا الجزء المنشور يعترف صنوع أن سفره لإيطاليا كان من قبل الهواية، ولا دخل للأمير فيه، بل إنه كان تلميذا بالمهندسخانة لا أستاذا بها. والدليل على أنه لم يمارس أية وظيفة حكومية - خصوصا وظيفة مدرس بالمهندسخانة - هو عدم وجود اسمه في قائمة ملفات موظفي الحكومة المصرية في ذلك الوقت، على الرغم من وجود ملف لفراش بالمهندسخانة، لمجرد أنه موظف!
86
جزء من مذكرات صنوع المنشورة في صحفة بباريس.
ومن الممكن أن يقول قائل: إن عدم وجود ملف وظيفي لصنوع، راجع إلى نفيه من مصر من قبل الخديو - كما زعم صنوع في مذكراته كما سنبين ذلك فيما بعد - وهذا أدى إلى شطب اسمه من قائمة الموظفين. والرد على هذا الاحتمال، يتمثل في أن الموظفين المنفيين، لا تشطب أسماؤهم مهما كان الأمر. وأكبر دليل على ذلك وجود الملف الوظيفي للزعيم أحمد عرابي، وأيضا ملفات جميع أعوانه من المصريين المنفيين.
87
وإذا سلمنا بأقوال صنوع بأنه عاد من إيطاليا - عام 1854 لأنه ولد في عام 1839 - وعمل مدرسا بالمدارس المصرية، خصوصا المهندسخانة في عهد سعيد باشا، سنجد أن هذا القول أكبر دليل على كذب صنوع في مذكراته! لأنه اختار أسوأ فترة تاريخية مرت على مصر في نظامها التعليمي، ليقحم اسمه ضمن مدرسيها، وهي فترة تولي سعيد باشا الحكم. وفي ذلك يقول عبد الله النديم عن سعيد باشا: «ألغى ديوان المدارس ومنع إرسال تلامذة لأوروبا وأقفل جميع المدارس ولا ندري أي شيء حمله على ذلك وهو ابن المعارف والآداب وقد ذاق لذة العلوم.»
88
وفي تفصيل أكثر يقول جاك تاجر: «... أما سعيد باشا فإنه ألغى ديوان المدارس في السنة التي تولى الحكم فيها أي سنة 1854، كما ألغى المهندسخانة ... وفي السنة التالية ألغى مدرسة المفروزة ومدرسة الطب بقصر العيني ... [و] لم يفكر مطلقا في إعادة ديوان المدارس؛ مما يدل على إصراره على عدم تنشيط التعليم في البلاد.»
89
وبناء على ذلك نقول: هل بعد إلغاء ديوان المدارس وإلغاء مدارس عديدة أهمها مدرسة المهندسخانة في نفس العام الذي عاد صنوع فيه من إيطاليا، يصر صنوع ونقاده بأنه كان مدرسا بالمهندسخانة في هذا العهد؟!
وإذا كانت شكوكنا أحاطت المجال الأول لعمل صنوع كمدرس، ومجاله الثاني كمسرحي، فإن الشك أيضا يحيط بمجاله الثالث في حياته العملية، وهو رئاسة وتكوين الجمعيات العلمية الأدبية. وعن هذا الجانب يقول د. إبراهيم عبده، من خلال مذكرات صنوع: بعد إغلاق مسرح صنوع «اتجه إلى نشاط ثقافي وطني يلائم ذوقه وحسه، فأسس جمعيتين علميتين أدبيتين، سميت الأولى «محفل التقدم» وسميت الثانية «محفل محبي العلم» وانتخب لهما رئيسا ... وكانت الصحف المحلية تحتفل بنشر أخبار الجمعيتين مفصلة ... ويحدثنا أبو نظارة عن المتاعب التي صادفته في هاتين الجمعيتين ودور الإنجليز في القضاء عليهما فيقول: «وكان تاريخ فرنسا وآدابها من الموضوعات الرئيسية لمحاضراتي؛ مما ضايق الإنجليز الذين كانوا يريدون أن أدعوا لنفوذهم وأشجعه بين أبناء وطني. وقد انتقموا مني ... ونجحوا بوسائلهم الوضيعة وبدسائسهم الرخيصة في أن يلقوا في روع الخديو إسماعيل أن هاتين الجمعيتين إنما هما مركزان للثورة، فما كان منه إلا أن منع التلاميذ والطلبة والعلماء من حضور اجتماعاتنا، واضطرت إلى إغلاق أبوابهما» وهكذا كبت إسماعيل المتنفس الثاني لابن صنوع في سنة 1874.»
90
وإذا نظرنا إلى هذه المعلومات، سنجد يعقوب صنوع قد نشرها في أكثر من موضع في صحفه بباريس باختلاف طفيف، قائلا في عام 1879: «وعملت لي جمعيتين علم للشبان؛ الأولى دعيتها محفل المتقدمين. والثانية جمعية الخلان. وكانوا يحضروا جمعية الخلان ناس عظام ومشايخ الأزهر الكرام ونور العلم الأستاذ الفاضل والفيلسوف الكامل السيد جمال الدين الأفغاني فصيح اللسان وظريف المعاني. وكان هو وهم يتلوا علينا مقالات عظام، درجت أغلبهم في صحيفتها الأهرام. فلما وصل الخبر إلى فرعون [يقصد الخديو إسماعيل] زعق ودبدب كالمجنون وحرج من تحت لتحت على المشايخ والمستخدمين بأنهم لا يجتمعوا ليلا في محافل وإلا يصيروا مرفوتين. فطبعا انقفلت الجمعية الداعية للتمدن والحرية.»
91
وفي عام 1887 قال: «كونت جمعيتين علمي للشبان. ودعوتهما محفلي التقدم وجمعية محبي العلم والأوطان. وكان يحضر جلساتنا ناس عظام من تلامذة المدارس ومشايخ الأزهر الكرام. وكذلك السيد جمال الدين والشيخ محمد عبده وأمثالهم من فلاسفة العرب المشهورين وأذكى شبان طايفة الشوام الفخام وطائفة الإسرائيليين.»
92
حديث صنوع عن جمعيتيه في مذكراته المنشورة في صحفه بباريس.
ونستخلص من هذه المذكرات أمرين، أولهما تكوين صنوع لجمعيتين أدبيتين، نشرت جريدة الأهرام أخبارهما وخطبهما. والأمر الآخر أن أهم شخصيتين في هاتين الجمعيتين هما الشيخ محمد عبده والأفغاني. وعن الأمر الأول نقول: لا وجود لهاتين الجمعيتين في تاريخ مصر في تلك الفترة، أو بعدها. والدليل على ذلك أن جريدة الأهرام لم تنشر خبرا واحدا عن هاتين الجمعيتين - كما زعم صنوع - وإذا كانت ذكرت إشارة واحدة، لكان د. إبراهيم عبده ذكرها في كتابه، خصوصا وأنه اطلع على جميع أعداد جريدة الأهرام منذ صدورها، وكتب عنها كتابا ضخما بعنوان «جريدة الأهرام تاريخ مصر في 50 عاما». ولكان فعل نفس الشيء د. محمد يوسف نجم، عندما تحدث عن صنوع في كتابه «المسرحية في الأدب العربي الحديث»؛ لأن اعتماده الأول في مراجع هذا الكتاب كان على جريدة الأهرام منذ صدورها.
93
هذا بالإضافة إلى أن بعض الكتب التي تحدثت عن الجمعيات الأدبية في مصر في تلك الفترة لم تذكر أية إشارة عن هاتين الجمعيتين.
94
أما فيما يتعلق بعلاقة الشيخ محمد عبده والأفغاني بجمعيتي صنوع الأدبيتين، فإننا لم نجد في تاريخ هذين الشيخين - طوال فترة تواجد صنوع في مصر - أية إشارة عن علاقتهما بصنوع أو بجمعيتيه،
95
وما وجدناه كان على عكس ذلك تماما!
ففي عام 1879 خطب الأفغاني - في مصر - خطبة عامة تحدث فيها عن موضوع «تربية الأمم»، موضحا الأثر الإيجابي للصحف على الأمة العربية، وفيها ذم الأفغاني يعقوب صنوع وصحيفته ذما شديدا، فقام الشيخ محمد عبده بنشر هذه الخطبة، وشرح ما فيها - في جريدة التجارة المصرية - حتى وصل إلى صحيفة صنوع فقال: «... هكذا أفاد هذا الأستاذ [أي الأفغاني] ولقد وقفت على مغزى كلامه وحقيقة مرامه، فأيقنت أنه عنى بذلك جرنال أبي نظارة؛ ذاك الجرنال الهزأة الذي لم يدع قبيحة من القبائح إلا احتواها ولا رذيلة من الرذائل إلا أحصاها. أتى من العبارات ما لا يستطيع السوقة وأدنياء الناس أن يأتوا به، وجعل ديدنه السب والثلب وثلم الأعراض وتمزيق حجاب الإنسانية والقدح في السير الشخصية بما لا يليق أن يتفوه به الصبيان ؛ مما يفسد الأخلاق ويذيب ماء الوجوه خجلا وحياء. على أن ليس فيه نكتة مضحكة ولا لطيفة مسلية ... مع أنه لا يحتوي على سياسة ولا أخبار ولا مضحكات ولا فكاهات، بل هو محض الشتم واللطم ... ولم يكن ذلك من محرر هذا الجرنال الهزء البارد إلا لدناءة الطبع والميل إلى كسب الدنانير والدراهم؛ إذ ينال بهذيانه من زيد أربعين جنيها في الشهر ومن عمر أقل ومن بكر أكثر، وتلك دنيئة تأباها الشيم الكريمة. ولقد تغالى منشئه في الوقاحة حتى أشار في كتاباته وخزعبلاته أن أبناء المجامع المقدسة ذات المقاصد العالية المبنية على محض الأدب والإنسانية هم مشاركوه في عمله هذا. حاشاهم حاشاهم أن تتدانى همتهم لهذه المقاصد السافلة فقد كذب وافترى واعتسف واعتدى.»
96
ولعل هذا القول - المنشور - من الأفغاني ومحمد عبده، يعد دليلا على عدم علاقتهما بجمعيتي صنوع أو بصحفه أثناء تواجده في مصر. وهذا الإنكار يثبت قولنا السابق، بأن أعداد صحف صنوع الصادرة في مصر، تم تغييرها بإضافة أشياء في نسخها المخطوطة - المتداولة بين أيدينا الآن - لم تكن موجودة أصلا في نسخها الأصلية المطبوعة. والدليل على ذلك قيام صنوع بإضافة مخاطبة نسبها إلى الأفغاني الذي أنكر محمد عبده - في قوله السابق - اشتراكه مع الأفغاني في تحرير أي جزء من صحف صنوع في مصر.
ففي عام 1889، وتحت عنوان «إيجاب الطلب» قال صنوع: «ورد لنا كتاب لطيف، من صديقنا رئيس محفل الاتحاد المصري الشريف به يطلب منا بالنيابة عن الإخوان، طبع مخاطبة جرت بين الهرة والإنسان، تلك مخاطبة كنا نشرناها في العدد الخامس عشر من النظارة بمحروسة مصر القاهرة ... فالآن ورد لنا نسخة من ذلك العدد النفيس مرسلة من جناب الرئيس. عدد من جريدتنا الوطنية الحرة، التي فيها مخاطبة بين الإنسان والهرة، النادر وجودها عند محبي الوطن العزيز، وقال إن إشهارها يصلحنا ويضر الإنكليز؛ فأجبناه وفضلنا تلك المخاطبة الجوهرية على الأخبار المهمة الواردة لنا من الديار المصرية. أما مؤلفها فلا حاجة لذكر اسمه لكونه معلوم عند الإخوان؛ وهو أستاذنا الجليل فيلسوف الأفغان.»
97
ولم يكتف صنوع بإيهام الناس بعلاقة الأفغاني به أثناء وجوده في مصر عن طريق هذه المخاطبة، بل قام بتزوير خط الأفغاني، وكتب إهداء على إحدى صور الأفغاني، ليوهم الناس بأن الصورة والإهداء من الأفغاني نفسه؛ دلالة على هذه العلاقة الحميمة. وهذه الصورة نشرها د. إبراهيم عبده في كتابه السابق، كما نشر الإهداء الموقع من الأفغاني، ونصه: «هدية مني إلى الطريف اللطيف حبيبي الشيخ جمس أبو النظارة (توقيع: جمال الدين الحسيني الأفغاني).»
98
والدليل على هذا التزوير من قبل صنوع، يتمثل في أمرين؛ أولهما: أن الخط المكتوب به الإهداء هو خط صنوع نفسه، ذلك الخط الرديء الذي طالما اعترف صنوع في صحفه بأنه «خط رديء»، كلما كتب به عندما يغيب ناسخ صحفه عن العمل.
99
أما خط الأفغاني فهو من أجمل الخطوط نسخا في ذلك الوقت.
100
نموذج من خط صنوع.
أما الأمر الثاني للدلالة على قيام صنوع بالتزوير، أن توقيع الإهداء جاء هكذا: «جمال الدين الحسيني الأفغاني»، علما بأن جميع توقيعات الأفغاني على جميع وثائقه الأصلية المحفوظة بالقلعة، وكذلك وثائقه المنشورة في الكتب
101
كانت تكتب هكذا «جمال الدين الحسيني» دون ذكر لكلمة «الأفغاني».
أما المجال الرابع الذي تطرق إليه صنوع - أثناء تواجده في مصر، بعد قيامه بالتدريس وريادته للمسرح وتكوين ورئاسة الجمعيات الأدبية تبعا لمذكراته - فكان مجال الصحافة. وهذا المجال، هو المجال الوحيد الموثق لعمله في مصر.
102
بل هو المجال الذي عصف بصنوع؛ لأن الخديو إسماعيل صادر جريدته المصرية، ونفاه من مصر إلى فرنسا، وظل بها حتى وفاته عام 1912. هذه هي نهاية صنوع في مصر كما جاءت في صحفه ومذكراته. ولنا ملاحظتان على هذه النهاية؛ الأولى تتعلق بمصادرة جريدة صنوع في مصر من قبل الخديو، والأخرى تتعلق بنفيه من مصر إلى فرنسا.
فأما بخصوص مصادرة الجريدة، نجد يعقوب صنوع يؤكد هذه المصادرة في أكثر من موضع في صحفه المنشورة بباريس.
103
ومن الغريب أن المصادرة جاءت من قبل الخديو! وكما هو معروف أن أية مصادرة لأية صحيفة في مصر، كانت جميع الصحف - وبالأخص الوقائع المصرية - تنشر خبر هذه المصادرة في اليوم التالي مباشرة، مع تعليقات عن أسلوب الصحيفة المصادرة وأسباب مصادرتها، خصوصا وإن كانت المصادرة من قبل الخديو! فهل يتصور القارئ أن خبر مصادرة صحيفة صنوع لا وجود له في أية صحيفة مصرية طوال عام 1878، وما قبله وما بعده؟!
وأكبر دليل على ذلك ما ذكره ناقدنا د. إبراهيم عبده عن هذه المصادرة قائلا: «... وما كان يمكن أن يحتمل إسماعيل وبطانته صحافة من هذا اللون فأغلق جريدة يعقوب ... وقد بقي وحده [أي صنوع] في فرنسا إلى أن زامله أديب إسحق في عهد الخديو توفيق، فقد أغلقت صحيفتاه «مصر والتجارة».»
104
وعندما ذكر الناقد خبر إغلاق صحيفتي أديب إسحاق، وثق هذا الخبر من خلال جريدة الوطن في 22 / 11 / 1879. وهنا نتساءل لماذا لم يوثق الناقد أيضا خبر مصادرة صحيفة صنوع أسوة بصحيفتي أديب إسحاق، علما بأن الناقد من أكبر من أرخوا وكتبوا عن تاريخ الصحافة المصرية؟! والإجابة تتمثل في أن هذه المصادرة لم تتحدث عنها أية صحيفة لأنها كانت من اختلاق صنوع نفسه، وليس لها أي أساس أو تاريخ في مصر.
أما مسألة النفي، فنجد يعقوب صنوع يتناقض أمامها أكثر من مرة. فتارة يقول بنفيه من قبل الخديو، وتارة أخرى يقول إنه سافر أو هاجر من مصر. مع ملاحظة أن هذه الأقوال جاءت من خلال محاوراته ولعباته التياترية في صحفه بباريس.
105
أما قوله الصريح في هذه المسألة فقد ذكره في مقدمة كتابه «البدائع المعرضية بباريس البهية» عام 1899، عندما قال: «... كل إنسان له مشرب لا يشبه الآخر وإن كان من أب وأم واحدة وكان مشربي القيام بالدفاع عن الإنسانية، ولذلك لما لم يرضني الاستبداد الذي كان جار بالديار المصرية هجرت أوطاني واخترت عاصمة باريس مستقرا ومسكنا، وكان إذ ذاك في زمن معرض سنة 1878 مضى عليه عشرون عاما.»
106
وهذا يعني أن يعقوب صنوع لم ينف من مصر، بل سافر إلى باريس بمحض إرادته. هذا بالإضافة إلى أن الصحف في ذلك الوقت لم تأت بأية إشارة أو خبر عن هذا النفي. وبالرغم من ذلك أقر ناقدنا د. إبراهيم عبده بنفي صنوع، رغم شكه الذي عبر عنه قائلا: «إن يعقوب بن صنوع يروي قصة نفيه في بساطة ووضوح، ويميل بي الخاطر إلى تصديق كثير من تفاصيلها، وإن كنت أعتقد أنه بالغ فيما بعد في وصف وداعه وحزن الشعب له.»
107
وعندما يذكر قصة بداية النفي، يقول: «... ويقول صنوع من كتب قصة حياتي من الوطنيين أن أيام سفري من القاهرة والإسكندرية كانت حدثا وطنيا.» ويعلق الدكتور في الهامش على هذه العبارة قائلا: «لم أعثر على مواطن كتب شيئا من هذا الذي يرويه أبو نظارة.»
108
ورغم هذا الشك إلا أن ناقدنا أصر على سرد قصة النفي بصورة تفصيلية من خلال مذكرات صنوع، قائلا: «ويقول صنوع من كتب قصة حياتي من الوطنيين أن أيام سفري من القاهرة والإسكندرية كانت حدثا وطنيا، فقد كانت الجماهير مضطربة على غير عادتها، ولكن الذي أثر في نفسي ... هو وصول القطار إلى المحطات التي تقع بين القاهرة والإسكندرية حيث كان يقف بين الخمس والعشر دقائق، فكانت النساء تحضر الفاكهة ويرفعن أولادهن إلى نافذة العربة لكي أباركهم. وكان الفلاحون يصيحون «لا تسافر وتتركنا بين مخالب شيخ الحارة» وهو الاسم الذي أطلقته على الخديو إسماعيل ... وفي التاسع والعشرين من يونيو 1878 رجاني مواطني المصريون أن أتوجه إلى تمثال محمد علي الكبير الكائن في ميدان القناصل لأتقبل وداع الشعب. إن ذلك المنظر المؤثر لن يمحوه كر الأيام. وأمام عيون جواسيس إسماعيل أخذ سكان المدينة من رجال وسيدات، أغنياء وفقراء، يمرون أمامي صامتين محيين متمنين لي السعادة بصوت خفيض وفي اليوم التالي حوالى الظهر ركبت السفينة «فريسينيه
FREYCINET » التي أقلعت بي إلى مارسيليا. لقد كان المشهد جليلا. وقد أراد الخديو أن يراني بنفسه وأنا أغادر البلاد فمر راكبا عربته وقد أحاط به حراسه، في الوقت الذي نزلت فيه إلى الزورق الذي سينقلني إلى السفينة. ولم تجرؤ الجماهير على الهتاف ب «يسقط إسماعيل» لكثرة عدد رجال الشرطة، فأخذت تصيح «ليحيا أبو نظارة» وتعالت النداءات بعد ذلك «نريد نبوءة منك أيها الشيخ». وأعترف أنني احترت فيما يجب علي أن أقوله، ولكني شعرت كأن وحيا ألهمني ووضع في فمي تلك العبارة: سوف ينفى إسماعيل بعد سنة كما أنفى أنا اليوم. وقد شاءت المصادفات أن تتحقق نبوءتي حرفيا مما جعل الناس في الشرق كله يلقبونني بالولي.»
109
هكذا روى صنوع قصة طريقه إلى المنفى، وكأنه يروي قصة سفر زعيم من الزعماء، أو ولي من الأولياء، أو أحد أنداد الخديو، لدرجة أن الخديو ذهب بنفسه كي يتشفى من صنوع. وشتان بين هذا الوصف، ووصف الشيخ محمد عبده لطريقة نفي الأفغاني - الذي نفي بعد عام واحد من سفر صنوع - قائلا: «أما التخلص من السيد جمال الدين، فكان بنفيه في رمضان سنة 1296ه، فأخذ في الطريق آخر الليل - وهو ذاهب إلى بيته هو وخادمه - وحجز في الضبطية، ولم يمكن من أخذ ثيابه. وبعد أن انتشر ضياء النهار، حمل في عربة مقفلة إلى محطة السكة الحديدية، ومنها ذهب تحت المراقبة الشديدة إلى السويس، ومنها أنزل في البحر ليسافر إلى بمباي.»
110
ولعل فيما سبق نكون قد أثبتنا أن يعقوب صنوع سافر إلى فرنسا ولم ينف كما أراد أن يوهمنا.
وإذا كنا فيما سبق توقفنا بشيء من التأني عند أول كتاب كتب عن صنوع في البيئة العربية، من قبل د. إبراهيم عبده، إلا أننا سنتوقف عند محطات معينة عند باقي النقاد، وتحديدا أمام المعلومات الجديدة التي تطرقوا إليها، عن مسرح صنوع، أو عن حياته في مصر.
ويعتبر د. محمد يوسف نجم الناقد الثالث الذي تطرق إلى الكتابة عن صنوع كمسرحي، في عام 1956، بعد طرازي ود. إبراهيم عبده. وأهم ما ذكره من معلومات عن مسرح صنوع قوله: «وقد وصف لنا محرر الساترداي ريفيو
SATURDAY REVIEW
عمله هذا في عددها الصادر في 26 / 7 / 1876، قائلا: ألم يحاول هو وحده، أن يخلق مسرحا عربيا؟ وإذا قلت هو وحده، فإنني أقرر الواقع؛ لأنه كثيرا ما كان يقوم في هذا المسرح، بأعمال المؤلف والممثل والمدير والملقن، وغير ذلك. وعلينا ألا نسخر من هذا، لأن مسرحياته، ذات الشخصية الواحدة، كانت تحتوي على سيل من الملاحظات، وسلسلة متصلة من الضحك، فضلا عن دموع إنسانية مرة ، جعلت جميع الناس يحرصون على مشاهدتها. فكان الفلاحون يهرعون إليها، وكان الباشوات يترددون عليها، على سبيل التسلية المقرونة بالاستغراب وأخيرا شهدها الخديوي إسماعيل نفسه، فسر بها أيما سرور، حتى إنه عند مغادرته، خلع على جيمس سنوا لقب موليير مصر.»
111
والحقيقة أن د. نجم - في هذا الجزء - لم يلتزم الحرص والدقة في نقل المعلومات، لأنه أثبت أنه اطلع على أصل الجريدة ونقل منها ما نقل! والواقع أنه لم يطلع على أصل الجريدة، بل نقل هذا الجزء من ناقد آخر سابق عليه، لم يشر إليه في هذا الموضع، وهو د. إبراهيم عبده! بل عندما نقل أخطأ في التاريخ، حيث إن عدد جريدة الساترداي ريفيو
SATURDAY REVIEW
لم يصدر في 26 / 7 / 1876، كما ذكر، بل صدر في 26 / 7 / 1879. هذا بالإضافة إلى أن د. إبراهيم عبده قال عن محرر الجريدة - وصاحب هذا المقال - «ربطته الصلات بالمترجم» أي بيعقوب صنوع.
112
وهذا يعني أن الصحفي كتب عن مسرح صنوع بعد سفره إلى فرنسا، لا أثناء وجوده في مصر. ومعلومات هذا المقال جاءت من خلال صنوع نفسه، تبعا لصلاته وصداقته بهذا المحرر. وأيضا جاءت من خلال ما كتبه صنوع عن نشاطه المسرحي في صحفه بباريس قبل صدور عدد جريدة الساترداي.
113
وقام د. نجم بنفس الشيء مرة أخرى، عندما أتى بمعلومات أخرى عن صنوع كمسرحي في مصر، نقلها من مرجع بعنوان
JACQUES CHELLEY, LE MOLIERE EGYPTIEN
وعلق على هذا المرجع في الهامش بقوله: «وقد أرشدنا إليه صديقنا المرحوم الدكتور جاك تاجر، وكان في مكتبة قصر القبة الخاصة. وقد اقتبست منه جانيت تاجر في مقالها عن «طلائع المسرح الحديث في مصر».»
114
وهذا القول يعني أن د. نجم اطلع على أصل المرجع، ولم يعتمد على مقال جانيت تاجر! والعكس هو الصحيح؛ لأن الناقد لم يطلع على أصل المرجع واطلع واعتمد ونقل من مقال جانيت تاجر بما فيه من أخطاء!
فعلى سبيل المثال إن جميع نقول د. نجم كانت فيما بين ص201-207،
115
وهي نفس صفحات مقال جانيت تاجر
LES DEBUTS DU THEATER MODERNE EN EGYPTE
المنشور في «كراسات التاريخ المصري» سنة 1949 بالعدد الثاني من السلسلة الأولى ص192-207، والمحفوظ بمكتبة دير الدومنكن في العباسية بالقاهرة. أما أصل مقال جاك شيلي
JACQUES CHELLEY, LE MOLIERE EGYPTIEN
فنشر بجريدة صنوع في باريس عام 1906.
116
وأي عدد من أعداد صحف صنوع لا تتعدى صفحاته على عدد أصابع اليد الواحدة! فمن أين جاء د. نجم باقتباسات تعدت أرقام صفحاتها المائتين؟!
أما الأخطاء التي جاءت عند جانيت تاجر - تبعا لنقلها من جاك شيلي - ونقلها بدوره د. نجم قوله: «وفي الختام، نورد ما كتبه جول باربييه في جريدة الأزبكية سنة 1873، قال: أيجب علينا أن نتذكر أن الشيخ أبا نظارة، قد قدم في موسمين اثنين، مائة وستين حفلة تمثيلية، ومثل اثنتين وثلاثين مسرحية، كتبها بنفسه، كان من بينها الهزلية والمسرحية ذات الفصل الواحد، والمسرحية العصرية ذات الفصل الواحد، والمسرحية العصرية ذات الخمسة فصول؟»
117
ونلاحظ على هذا القول أمرين؛ أولهما: أن جريدة الأزبكية بدأت في الإصدار عام 1882،
118
فكيف نقبل بأقوال منقولة منها في عام 1873؟! والحقيقة أن جاك شيلي - أو تحديدا صنوع - أراد إيهام القارئ بأن الدوريات في مصر كانت تكتب عنه كمسرحي أثناء وجوده في مصر. أما الأمر الثاني، فيتمثل في ذكر لقب «أبي نظارة» في قول جريدة الأزبكية السابق! فإذا سلمنا بأن هذا القول جاء في عام 1873، فمن أين أتت الجريدة بهذا اللقب في هذا العام، علما بأن لقب «أبي نظارة» لم يشتهر به صنوع إلا في عام 1878، عندما أصدر أول جريدة تحمل عنوان «أبي نظارة»؟! فهذه الأخطاء كانت متعمدة من قبل صنوع، عندما ذكرها عن نفسه، وأخذها جاك شيلي ووضعها في مقاله، ونقلتها جانيت ونقل منها د. نجم.
والحقيقة أن مقال جاك شيلي المنشور بالفرنسية في صحف صنوع بباريس، ما هو إلا ترجمة حرفية لأقوال ومذكرات صنوع نفسه، عندما ألقاها في جمعية تعاون الأفكار عام 1902 بباريس.
119
أي إن جاك شيلي لم يقدم جديدا عن تاريخ مسرح صنوع في مصر، واكتفى بنقل أقوال صنوع. وعندما اعتمدت عليه جانيت تاجر في مقالها، اعتمد عليها د. نجم دون أية إضافة . وهذا يعني أن أقوال صنوع عن مسرحه المزعوم في مصر، هي المصدر الوحيد لكل من تحدث عنه كمسرحي بعد ذلك. ومن الغريب حقا أن د. نجم لم يستطع الحصول على أية إشارة موثقة تفيد قيام صنوع بنشاط مسرحي في مصر قبل سفره إلى فرنسا، وكل ما ذكره ما هو إلا نقول من آخرين كتبوا عن صنوع في صحفه الفرنسية، أو كتبوا عنه بعد سفره من مصر، مثل بول دوبنيير في كتابه «مصر الساخرة: ألبوم أبو نظارة» عام 1886
SATIRIQUE (ALBUM D’ABOU NADDARA) IMPRIMIERE LE FEBVRE, PARIS
1896، على الرغم من أن د. نجم كان اعتماده الأساسي في كتابه على جريدة الأهرام منذ صدورها، وهذا يعني أنه لم يجد أية إشارة في هذه الصحيفة أو غيرها تدل على صنوع كمسرحي في مصر، كما ذكرنا سابقا.
أما الناقد الرابع الذي كتب عن صنوع كمسرحي، فكان يعقوب لنداو في عام 1958. وهذا الناقد عندما تحدث عن بدايات المسرح العربي في مصر، تحدث عن ريادة سليم النقاش المسرحية، منذ وصوله مع فرقته إلى مصر عام 1876. وأيضا عن دور أديب إسحاق ويوسف خياط في إتمام مسيرة هذه الفرقة بعد ذلك، متجاهلا تماما وجود صنوع كمسرحي.
120
وبدون أي تسلسل منطقي نجده يتحدث بعد هؤلاء الشوام عن دور صنوع المسرحي في مصر، ناقلا جميع أقواله من النقاد السابقين كإبراهيم عبده ونجم.
121
وهذا يدل على أن الناقد أنهى كتابه معتمدا على ما بين يديه من مراجع موثقة، تؤكد ريادة سليم النقاش، وفجأة وقع بين يديه بعض المراجع الحديثة ككتابي د. إبراهيم عبده ود. نجم، فاستفاد منهما دون الاهتمام بالتسلسل التاريخي. وقد أكد المترجم هذا الأمر في مقدمة الكتاب.
122
وما يهمنا من هذا الأمر أن لنداو لم يأت في كتابه بإشارة جديدة علينا، تؤكد قيام صنوع بنشاط مسرحي في مصر.
وكان الدكتور أنور لوقا، الناقد الخامس في قائمة النقاد الذين كتبوا عن صنوع كمسرحي في عام 1961. وقيمة ما كتبه هذا الناقد تمثلت في أمرين؛ الأول: حصوله على دفتر - من ابنة صنوع - يضم مخطوطات ست مسرحيات لوالدها، نشرها بعد ذلك د . نجم عام 1963. والأمر الآخر: حصوله على نص محاضرة ألقاها صنوع عام 1902 عن تاريخ مسرحه في مصر ، تلك المحاضرة التي نشرها جاك شيلي في صحف صنوع عام 1906، وتحدثنا عنها سابقا.
وعن الأمر الأول يقول عنه الناقد: «وجدنا أخيرا بين أوراق يعقوب صنوع في باريس نصوص ست مسرحيات عربية كاملة ما زالت مخطوطة، يضمها دفتر واحد، جميل النسخ. وهي بترتيب ورودها في هذا الدفتر: بورصة مصر، العليل، أبو ريدة البربري ومعشوقته كعب الخير، الصداقة، الأميرة الإسكندرانية، الضرتين.»
123
ومن المؤكد أن الناقد لم ير صحف صنوع كي يتعرف على خطه الرديء، وإلا ما كان قال عن مخطوطات هذه المسرحيات «جميلة النسخ»، ومن المؤكد أيضا أن ناسخ هذه المسرحيات إنسان آخر غير صنوع؛ لأنها جميلة النسخ بالفعل، وهذا واضح من صور بعض صفحات المخطوطة المنشورة في مقال الناقد،
124
الذي لم يذكر أن اسم صنوع مكتوب عليها، أو حتى تاريخ كتابتها. فالدفتر ليس به أية إشارة تدل على أنه لصنوع، سوى أن ابنة صنوع أعطته للناقد. وهنا نتساءل: لماذا لم نقل إن هذه المسرحيات لإنسان آخر غير صنوع، خصوصا وأنها مخطوطات غير منشورة وغير مؤرخة، ولا يوجد عليها اسم المؤلف؟! أو على أقل تقدير أنها لصنوع ولكنه كتبها أثناء وجوده في باريس، بدليل أن أسماء هذه المسرحيات لم ترد إلا في مسرحيته «موليير مصر وما يقاسيه» المطبوعة عام 1912.
125
والدليل على هذه الشكوك أن د. نجم عندما نشر هذه النصوص عام 1963، لم يوثق هذه الأمور رغم أنه يقوم بنشر مخطوطات! فمثلا لم يثبت صورا للصفحات الأولى لهذه المسرحيات المخطوطة! ولم يذكر تاريخ كتابتها أو تاريخ تمثيلها! وهنا نتساءل: لماذا لم يقم د. نجم بكل ذلك تبعا لقواعد نشر وتحقيق المخطوطات؟! الحقيقة أنه لم يقم بهذه الأشياء لأنها غير موجودة أصلا في المخطوطة، وكل اعتماده التوثيقي كان من خلال مقال د. أنور لوقا وقوله بحصوله على هذه المخطوطات من ابنة صنوع!
126
أما الناقد السادس في قائمة النقاد الذين كتبوا عن صنوع كمسرحي، فكانت د. نجوى عانوس في كتابها «مسرح يعقوب صنوع» عام 1984.
127
والناقدة في هذا الكتاب تعرضت إلى أمور مهمة وجديدة تختص بمسرح صنوع وحياته، يجب علينا توضيحها بشيء من التفصيل. فمن هذه الأمور قولها عن بداية نشاط صنوع المسرحي: «ولقد اهتم صنوع بالدعاية، فعلقت الإعلانات في الميادين والشوارع العامة لجذب الجمهور إلى مشاهدة المسرحية.»
128
وبالرغم من أن هذه المعلومة منقولة من مرجع سابق،
129
إلا أن الناقدة باعتمادها على هذا المرجع تكون قد أقرت بصحة ما فيه! بل إنها أكدت هذه المعلومة بحوار من مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» لصنوع المطبوعة عام 1912! والحقيقة أن يعقوب صنوع لم يقم في يوم من الأيام بلصق أي إعلان لأية مسرحية من مسرحياته. وأكبر دليل على ذلك أن مجلة «وادي النيل» أسهبت في حديثها عن أول إعلان مسرحي تم لصقه بالفعل على جدران شوارع القاهرة في أكتوبر 1870، قائلة: «شاهد كل إنسان في هذه الأيام الحاضرة بشوارع مدينة القاهرة معلقا على الحيطان والجدران صورة إعلان يتميز للعيان بغرابة شكله ويستوقف المارة ببداعة طبعه وشغله ... وذلك أنه مطبوع على فرخ من الكاغد طويل عريض وشكل من حروف الطبع غريب مستقبض يتضمن أنه بأمر الحضرة الخديوية العلية سيفتح اللعب في تياترو الأوبرا الكائن بالأزبكية في يوم الأحد الآتي ... بتصوير اللعبة المشهورة ... باسم «لافاووريته» أي «المحظية» وهي عبارة عن قطعة تياترية من نوع القطع المسماة باسم «درام» منقسمة إلى أربعة فصول يتخللها ألحان موسيقية مع بعض تخليعات أخرى مسلية ورقص وعزف من بعض القيان وغير ذلك من الفنون التي تسلي قلب كل محزون ... وقد أدرجنا هنا مضمون هذا الإعلان مع بعض تفصيل وبيان ليعرف منه كل أحد حقيقة المقصود ويقف فيه على بيت القصيد ويهرع إليه كل من يريد.»
130
فأين إعلانات صنوع من هذه المجلة التي تحدثت كثيرا عن شئون المسرح، كما بينا سابقا؟! علما بأن هذه المجلة كانت تصدر بمساعدة الخديو إسماعيل شخصيا؛ لأنها كانت تخدم أفكاره وتوجهاته بإخلاص تام،
131
ذلك الخديو الذي شجع يعقوب صنوع في إقامة مسرحه ومنحه لقب «موليير مصر»، على حد أقوال صحف ومذكرات صنوع! هذا بالإضافة إلى أن هذا الإعلان تم لصقه في أكتوبر 1870؛ أي في أول أعوام نشاط صنوع كمسرحي، وفي فترة وفاقه مع الخديو إسماعيل، كما زعم صنوع في مذكراته ... وعلى هذا الأساس نقول: لماذا تجاهلت الصحف المصرية إعلانات مسرحيات صنوع، خصوصا الصحف الموالية للخديو ... صديق صنوع؟! الواقع أن هذا التجاهل لم يكن مقصودا، بل كان تجاهلا طبيعيا لعدم وجود إعلانات لمسرحيات صنوع.
والأمر الثاني الذي تعرضت إليه الناقدة في كتابها، كان موضوع رفت صنوع من المدارس الملكية في مصر، وأن هذا الرفت كان بسبب كره علي مبارك - ناظر المعارف - لفن المسرح، الذي بدعه المدرس صنوع. وهذه المعلومة أخذتها الناقدة من حوار جاء في مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه». وعلقت على ذلك الحوار قائلة: «لقد قاد علي مبارك حركة الهجوم على صنوع، وأقنع الخديوي إسماعيل أولا بإعفائه من التدريس لأبناء البلاط الملكي، ثم بإغلاق مسرحه.»
132
ورغم أن أساس المعلومة واه؛ لأنه جاء من خلال حوار في مسرحية، ولم يأت من خلال أقوال صريحة في صحف ومذكرات صنوع، إلا أن الناقدة سلمت به وبنت تفسيرا له قائلة تحت عنوان «لماذا هاجم علي مبارك صنوع؟»: إن سبب هجوم علي مبارك «اقتناعه بأن فكرة المسرح لا تناسب البيئة المصرية المحافظة، ولأنه هو نفسه كان محافظا، فربما رأى - كغيره من الناس حينذاك - في إقامة مسرح عربي بمصر بدعة من البدع التي تصرف الناس عن العمل الصالح، وتبيح وقوف الأنثى إلى جانب الرجل، تطارحه علانية الغرام أو يطارحها الحب والهيام ... وربما كان هجوم علي مبارك على مسرح صنوع مرجعه إلى أنه كان قد كون فكرة مسبقة تنكر أي قيمة لهذا اللون من النشاط الفني العربي. ذلك أنه شاهد عرضا لفرقة أولاد رابية الجوالة فلم يرض عنه، وهاجم هذه الفرقة؛ ومن ثم فقد راح يحمل على أي نشاط فني عربي يمت بصلة إلى التمثيل. وربما تذكر علي مبارك عروض هذه الفرقة عندما شاهد مسرحيات صنوع فوجد بينهما تشابها، فهاجم مسرحيات صنوع.»
133
والرد على الناقدة يتمثل في أن رفت صنوع من المدارس المصرية - تبعا لأقوال صنوع - جاء من قبل الخديو ولا دخل لعلي مبارك فيه.
134
وإذا كان لعلي مبارك أي دخل في هذا الرفت لكان صنوع ذكره واستغله، عندما أمطر وزراء إسماعيل وتوفيق بوابل من السب والذم، خصوصا علي مبارك نفسه!
135
أما تفسير الناقدة بأن علي مبارك اضطهد مسرح صنوع، لأن المسرح عموما عند علي مبارك بدعة من البدع، فالرد عليها يأتي من علي مبارك نفسه، عندما تحدث في عام 1882، عن المسرح حديثا واعيا بجمال وقيمة هذا الفن، خصوصا فرقة «أولاد رابية»، عندما قال معلقا على حديث صديقه الأجنبي عن المسرح الإنجليزي: «لولا ما ذكرت من كمال انتظام التياتر وحسن أحواله وأنه من مواضع التربية العمومية وتهذيب الأخلاق لخطر في البال أن ما يحصل به من التقليد والتمثيل والألعاب المتنوعة من قبيل ما يكون في بلادنا من ألعاب الطائفة المعروفة بأولاد رابية.»
136
وقول علي مبارك هذا، يحمل بين سطوره دليلا قويا على عدم وجود صنوع كمسرحي في مصر؛ لأن علي مبارك عندما سمع عن صفات المسرح الإنجليزي من صديقه، لم يجد شبيها لهذا المسرح في مصر غير طائفة «أولاد رابية»! فإذا كان لصنوع وجود كمسرحي لكان ذكره بدلا من أولاد رابية، تلك الفرقة التي لا ترقى إلى مستوى مسرح صنوع في مصر، كما وصفه صنوع في أقواله ومذكراته!
هذه هي أقوال النقاد ممن تحدثوا عن صنوع كمسرحي في مصر، قمنا بتفنيدها ومناقشتها، كما قمنا بنفس الشيء أمام كل من تحدث عن تاريخ المسرح في مصر، دون الإشارة إلى وجود صنوع كمسرحي. بل إن يعقوب صنوع نفسه وهو في باريس، أكد لنا تلك الشكوك حول نشاطه المسرحي في مصر، عندما بدأ منذ أغسطس 1878، وحتى مارس 1879 في نشر رسالة في صحفه بباريس، عن ظلم الخديو إسماعيل، كتبها الشيخ يوسف الشفعاني.
137
ففي الفصل الرابع من هذه الرسالة، تحدث الشيخ عن تصرفات الخديو في منطقة الأزبكية، تحت عنوان «في ذكر شيء مما قلد به دول أوروبا من الإصلاحات والعادات والمشارب كتنظيم المجالس وتسهيل الطرق والشوارع وإنشاء التياترات والملاعب»، قائلا: «والذي حمل الخديو على نشر الفواحش واستحلال المحارم إنما هو ما جبل عليه من حب الفسوق والفجور وانتهاك محارم الله تعالى؛ ولهذا أنشأ في مصر جملة تياترات وملاعب باسم التمدن والحرية. والحال أن الذي حمله على إنشائها فسقه وفجوره لا غير فجعلها كالأشراك لصيد النساء ولهذا جعل مصارفها من قبل الحكومة وما يحصل من مدخولها يصرف لأصحاب الملاعيب، والمعاشات الوافرة فيها إنما هي للنساء لأنهن المقصودات بالذات.»
138
ويلاحظ على هذا القول، أن يعقوب صنوع أدرجه بنفسه وفي جريدته ناسيا متناسيا أن الحديث بما فيه من طعن، يتجه نحو منطقة الأزبكية، الذي أقام فيها مسرحه، تبعا لما جاء في مذكراته! بل إن الحديث يعمم التياترات والملاعب في عصر إسماعيل؛ أي إن مسرح صنوع كان منهم. فلماذا لم يحذف صنوع هذا القول من هذه الرسالة المطولة؟! أو على أقل تقدير يعلق عليه إذا كانت الرسالة لغيره. أما إذا كانت هذه الرسالة من موضوعات صنوع الأدبية، كما رجح ذلك د. إبراهيم عبده
139 - فإنها تعتبر دليلا قويا على كذب صنوع بأنه مؤسس المسرح المصري، وتؤكد شكوكنا في نشاطه المسرحي في مصر عموما. فمن غير المعقول أن يكتب أو ينشر رائد مسرحي هذه الأقوال التي تدينه وتدين الفن المسرحي في مصر، أثناء نشاطه المسرحي، إذا كان لهذا النشاط وجود! (4) صنوع المخادع
ومما سبق، وبناء على شكوكنا التي أحاطت نشاط صنوع المسرحي، يجب علينا إنهاء هذه الدراسة بالإجابة على هذين السؤالين: لماذا أقحم صنوع اسمه في تاريخ المسرح المصري، ونصب نفسه رائدا له؟ ولماذا غلف ذاته بهذه المكانة الكبيرة أثناء وجوده في مصر، عندما أوهم القراء بأن له علاقة صداقة حميمة بالخديو إسماعيل والخديو توفيق، وبكبار القوم أمثال: خيري باشا؟ الحقيقة أن يعقوب صنوع قام بكل ذلك بسبب سفره إلى فرنسا. وبمعنى آخر، إذا ظل صنوع في مصر ولم يسافر إلى فرنسا ما كان قام بهذه الأمور كلها. ولنبين ذلك تفصيليا فيما يلي:
أولا:
أقحم صنوع اسمه في تاريخ المسرح المصري، ونصب نفسه رائدا له، بسبب ما نشره من مسرحيات قصيرة أطلق عليها «اللعبات التياترية»، الذي بدأ في نشرها بعد سفره إلى فرنسا بفترة قصيرة. وهذه اللعبات كانت تأتيه من مصر إما بصورتها المنشورة في صحفه، أو بعد قيامه بإعداد لها. وبعد نشره لمجموعة من هذه اللعبات توهم أنه من كتاب المسرح المصري، أو أنه أول من كتب هذا اللون المسرحي، فنصب نفسه رائدا للمسرح المصري بأكمله. وهذا الوهم كان مقصودا من قبل صنوع؛ لأنه إذا أوهم أهل فرنسا بأنه رائد للمسرح المصري، سيعطي لنفسه مكانة مرموقة، هو في أشد الحاجة إليها ليبني على هذه المكانة دورا ونشاطا له في فرنسا.
والدليل على ذلك أن يعقوب صنوع قبل أن ينشر أول لعباته التياترية في صحفه بباريس، نشر «إعلانا» في 22 / 9 / 1878، قال فيه: «المرجو من حضرات المطلعين على صحيفتنا من إخواننا أهل القطر المصري الكرام وأصحابنا أهل سورية والعراق والجزاير والهند وتونس وساير البلاد العربية أن من يرغب نشر نبذة مفيدة أو نادرة لطيفة بأي معنى كانت فليرسل بها إلينا إلى عنواننا المحرر بذيله، فإننا نبادر بإدراجها في الصحيفة ونتشكر فضل من يكرموا علينا بها وإن شاء ذكر اسمه أو أخفاه فله الخيار في ذلك فإننا نصنع كمراده على شرط إظهار إرادته إما بكتم اسمه أو بإشهاره.»
140
وبفضل هذا الإعلان نشر صنوع أول لعباته التياترية في صحفه بباريس في 8 / 10 / 1878. وهذه اللعبة لم يقم صنوع بتأليفها، بل قام بإعداد لها، لأن موضوعها جاءه في خطاب من صعيد مصر. وفي ذلك يقول صنوع لأبي خليل: «إنما أنا التاني، جاني جواب من الصعيد وفيه نادرة عجيبة يظهر منها أن الفلاح صبح جدع، فصنفت لك منها لعبة تياترية أدرجها في النمرة ذاتها وأدعيها: التقدم والنجاح في جسارة الفلاح.» وبعد نشر اللعبة جاء هذا الحوار: «أبو خليل: يسلم فمك يا بو نضارة آدي الحكايات اللي تتلذ منها أولاد بلدنا لأنهم يشخصوها في البيوت ويحصل منها تأثير عظيم. أبو نضارة: أهو كلما أسمع نادرة أعملها لعبة بالصفة دي.»
141
واعتراف صنوع في هذا القول، بأنه يأخذ النوادر من غيره، يؤكد الشك في كتابات صنوع المسرحية. مع ملاحظة أنه كان يخلط في أسماء هذه الكتابات، فتارة يسميها لعبات وتارة أخرى يسميها نوادر أو محاورات.
142
أي إن اللعبة التياترية عند صنوع تتساوى مع النادرة والمحاورة. وعلى ذلك نقول: هناك احتمال كبير بأن اللعبة السابقة هي نفسها النادرة التي وصلته في الخطاب فقام بنشرها كما هي، دون أي مجهود كتابي منه.
صورة الإعلان.
هذا بالإضافة إلى أنه لم يقل في هذا المقام رغم مناسبته، إنه مؤسس التياترات المصرية، كما أوهمنا بعد ذلك. فمن المنطقي عندما ينشر صنوع ولأول مرة إحدى لعباته - أو مسرحياته - في بيئة ثقافية جديدة عليه كباريس، أن يذكر جهوده المسرحية السابقة في مصر، لما في ذلك من شهرة ومكانة يحتاجها صنوع في هذا الوقت بالذات. والحقيقة أن يعقوب صنوع لم يذكر جهوده المسرحية السابقة في مصر، إلا بعد أن حصل من آخرين على عدة ألعاب تياترية، هي التي شجعته على إيهام القراء بعد نشرها بأنه رائد مسرحي، ومن هنا أقحم موضوع هذه الريادة في مذكراته.
ودليلنا على ذلك أن الإعلان الذي كان السبب في نشر أول لعبة تياترية نسبت إلى صنوع في صحفه بباريس، كان السبب أيضا في نشر معظم الألعاب التياترية بعد ذلك. فقد كرر صنوع نشر هذا الإعلان في صحيفته، ابتداء من 22 / 9 / 1878 حتى 14 / 10 / 1879. أي ما يقرب من عام واحد، وطوال فترة نشر هذا الإعلان كانت الألعاب التياترية مستمرة في النشر من قبل صنوع، الذي نشر في هذا العام فقط ما يقرب من عشر لعبات تياترية.
143
وفي أثناء هذا العام وجدناه يذكر اسمه في مقدمة الأعداد المشتملة على هذه اللعبات، هكذا «جمس سانوا المصري مؤسس التياترات العربية في الديار المصرية».
144
وأكبر دليل على شكنا في كتابة صنوع لهذه اللعبات، أنه لم يستطع بعد هذا العام أن يكتب سوى أكثر من عشرين لعبة تياترية طوال ثلاثين سنة، من 1880 حتى 1909.
145
مع ملاحظة أن يعقوب صنوع نشر بعض الألعاب التياترية وصرح بأن نصها من آخرين؛
146
أي إنه قام بدور الناشر فقط. والعجيب أن أسلوب ومنهج هذه اللعبات يتفق تماما مع أسلوب ومنهج باقي اللعبات، المنسوبة إلى صنوع، ويصل هذا الاتفاق إلى درجة التماثل والتطابق التام. بل إن معظم الألعاب التياترية المنشورة، تتضمن أحداثا تدور في القرى والنجوع والمناطق النائية في مصر، ولم تكن أحداثا عامة منشورة في الصحف، أو معروفة للجميع؛ أي إن هذه الأحداث لا يستطيع أن يكتب عنها إلا من عاصرها فقط، فكيف استطاع صنوع أن يعايش هذه الأحداث ويكتب عنها بتفصيل دقيق في لعباته، وهو في باريس؟!
وهكذا استطاع صنوع أن يدخل إلى عالم الكتابة المسرحية، من أوسع أبوابه، عندما نشر ألعابا تياترية من مؤلفين عرب مجهولين، نسب أغلبها إلى نفسه. وبعد أن اطمأن إلى ذيوع اسمه ككاتب مسرحي - من خلال صحفه - كتب مذكرات أوهم فيها قراءه بهذه الريادة، واستغل هذا الوهم كثيرا أمام الصحفيين، والكتاب وكبار القوم في الدول الأخرى ممن كتبوا عنه كمسرحي بعد ذلك، أمثال جاك شيلي، وبول دوبنيير، وإيرين جندزير، وأوجين شينيل، ومحرر جريدة الساترداي ريفيو، بالإضافة إلى النقاد العرب، كما مر بنا.
ثانيا:
أما فيما يتعلق بقيام صنوع بإحاطة شخصيته بهالة كبيرة من المكانة المرموقة، بحديثه في صحفه ومذكراته، عن علاقاته الحميمة بالخديو إسماعيل والخديو توفيق، وكبار القوم أمثال خيري باشا. فإن هذا التصرف من قبل صنوع - بالإضافة إلى زعمه بالريادة المسرحية - كان مقصودا بعد سفره إلى فرنسا؛ كي يوهم القراء والمحيطين به، بأنه كان شخصية مرموقة في مصر. وهذه المكانة ساعدته كثيرا في تكوين علاقات وثيقة ببعض الصحف الأجنبية، وببعض الشخصيات العامة والسياسية التي كانت في عداء كبير مع السلطة الحاكمة في مصر، أمثال الأمير حليم الذي اغتصب الخديو إسماعيل حقه الشرعي في الخديوية، ونفاه من مصر.
والذي يثبت أن هذه العلاقات من أوهام صنوع ومزاعمه، ما أثبتناه سابقا، عن علاقته بالخديو إسماعيل وحديثه عن هذه العلاقة بعد عزل إسماعيل، كي يضمن عدم الرد عليه. وقد فعل صنوع نفس الشيء، عندما تحدث عن علاقته بالخديو توفيق بعد وفاته مباشرة، قائلا: «قد عرفت المرحوم توفيق من مبدأ شبوبته واستمريت أتردد عليه إلى سنة 1878 ... وكم من مرة كان يطلب مني ترجمة الجرائد الإنكليزية مثل التيمس وغيره التي كانت في سنة 1877 و1878 ... وذات ليلة في أواخر سنة 1878 كم شهر قبل تنازل أبيه إسماعيل عن الخديوية. اجتمع لديه بالسلاملك في سراية العباسية رؤساء الحزب الوطني قصدا بالممارسة في أحوال القطر والطريقة في إنقاذه من ظلم إسماعيل باشا ... وفي شهر يونيو سنة 1879 تولى بدل أبيه. ثم وبعد قليل وصلني جواب من أحد أتباعه يدعوني إلى العودة إلى مصر وقال إن العدو قد رحل، فدرجت مكتوبه في جرنالي وأجبته بقولي نعم أعود إلى وطني لكن أريد أولا أرى سلوكك، فإن كان خلاف مسلك والدك فلا بأس أتوجه إلى القاهرة وأقبل الأعتاب.»
147
وهكذا يتحدث صنوع عن علاقته الوهمية بالخديو توفيق بعد وفاته، ويسهب في مزاعمه عن هذه العلاقة، واثقا من عدم الرد عليه! لأن تكذيب هذه العلاقة، لا يأتي إلا من خلال الخديو توفيق المتوفى! ولكن بإمعان النظر في هذه المزاعم، نستطيع الرد عليها. فمثلا حديثه عن صداقته بتوفيق التي استمرت حتى عام 1878، حديث كاذب لأن هذا العام تحديدا كان عام نفي صنوع - تبعا لأقواله في مذكراته - من قبل الخديو إسماعيل والد صديقه توفيق! فهل يعقل أن يصادق الأمير عدو أبيه الخديو، ويحافظ على هذه الصداقة؟! وهل يعقل أن الخديو إسماعيل كان يسمح لعدوه صنوع بأن يحضر إلى قصره ليجالس ابنه الأمير ويترجم له الصحف؟! وهل الأمراء - في ذلك الوقت - في حاجة إلى حضور صنوع لقصورهم ليترجم لهم الصحف؟! فأين قلم الترجمة بالديوان الخديوي الذي يقوم بهذه المهمة؟! هذا بخلاف حديث صنوع عن اجتماع رؤساء الحزب الوطني، وكأنه كان معهم، رغم أن هذا الاجتماع، كما ذكر كان قبل عزل إسماعيل بأشهر معدودة في أواخر عام 1878، ونسي صنوع تماما أنه في هذا الوقت كان في باريس.
أما حديثه عن خطاب توفيق له بعد توليه منصب الخديوية، فحديث كاذب أيضا لا أساس له من الصحة؛ لأن يعقوب صنوع أكد أن هذا الخطاب نشره في صحفه، على الرغم من عدم وجود هذا الخطاب في جميع صحف صنوع الصادرة من عام 1878 إلى عام 1909. وهل يعقل أن الخديو توفيق يراسل يعقوب صنوع واصفا أباه إسماعيل بالعدو؟! وهل يعقل أن توفيق طلب من صنوع العودة إلى مصر، ورفض صنوع هذه العودة إلا بعد أن يرى سلوك صديقه الخديو؟! ولماذا يرى سلوك الصديق، رغم صداقته له منذ الشبوبية؛ أي إنه يعلم خصال وصفات الصديق، ولا حاجة لاختبار هذه الصداقة؟!
أما علاقة صنوع بأحمد خيري باشا، فهي علاقة صداقة حميمة تحدث بها صنوع في مذكراته. ونعلم من هذه العلاقة، أن خيري باشا - كبير أمناء الخديو - هو أول من ساعد يعقوب صنوع في إنشاء مسرحه، عندما عرض على الخديو إسماعيل أول مسرحية له. وهو أيضا رسول السلام بين صنوع والخديو إسماعيل بعد غلق جمعيتي صنوع الأدبيتين. وقد نجح خيري باشا في هذه المهمة لما بينه وبين صنوع من صداقة حميمة. وهو أخيرا الذي عرض على صنوع رشوة من قبل الخديو إسماعيل كي يشي بأسماء شركائه من أعداء الخديو. وقد اختاره الخديو لهذه المهمة من قبل صداقته لصنوع.
148
وإذا كنا قد شككنا - فيما سبق - في نشاط صنوع المسرحي في مصر، وكذلك في تكوينه لجمعيتيه الأدبيتين، فما موقفنا أمام خيري باشا الذي جاء اسمه مرتبطا بهذين النشاطين؟! الحقيقة أن علاقة صنوع بخيري باشا، علاقة وهمية اختلقها صنوع، وصرح بها بعد وفاة خيري باشا في عام 1887. ودليلنا على ذلك، أن أحمد خيري باشا الذي ذكره صنوع بأنه كبير أمناء الخديو، عندما ساعده في بداية نشاطه المسرحي، في عام 1870، والذي أعاد علاقة الخديو به مرة أخرى بعد إغلاق جمعيتيه الأدبيتين في عام 1874، وهو متقلد وظيفة كبير أمناء الخديو؛ لم يكن في هذين التاريخين كبيرا لأمناء الخديو، ولم يكن في القاهرة أصلا. فقد حصلنا على الملف الوظيفي لأحمد خيري باشا، ووجدناه تقلد عدة وظائف حكومية بداية من عام 1853، وهي: موظف بديوان كتخداي، ومترجم بقلم تركي، وأيكنجي قلم تركي، وكاتب تركي تفتيش قبلي، وموظف بمجلس الأحكام ، ورئيس قلم تركي، وناظر المعارف العمومية في عام 1882. أما وظيفة «رئيس الديوان الخديوي» فتقلدها من عام 1884، وحتى وفاته في 15 / 6 / 1887.
149
ومن المؤكد أن علاقة خيري باشا بصنوع - تبعا لأقواله - كانت أثناء تقلد الباشا للوظيفة الأخيرة، منذ عام 1884. فكيف ذلك وصنوع في باريس منذ عام 1878؟! وكيف كان خيري باشا كبيرا لأمناء الخديو في عام 1870، و1874، عندما ساعد صنوع في أقواله السابقة، تبعا لصداقته؟! ففي هذين العامين كان خيري باشا كاتبا تركيا بتفتيش منطقة وجه قبلي، أي غير موجود في القاهرة! مع ملاحظة أن وظيفته ككاتب - في ذلك الوقت - لا ترقى به إلى التعامل مع الخديو بالصورة التي وصفها لنا صنوع!
والحقيقة أن يعقوب صنوع لم يذكر اسم خيري باشا ووظيفته صراحة في مذكراته إلا بعد وفاة خيري باشا؛ كي يضمن عدم الرد عليه، كعادته دائما في حديثه عن علاقاته بالحكام وبكبار القوم. وهكذا استطاع صنوع أن يوهم الجميع بهذه العلاقات الكبيرة مع الشخصيات المرموقة؛ كي يعطي لنفسه مكانة كبيرة يستطيع من خلالها أن يجد له دورا بارزا في مجاله الصحفي بباريس، ويوطد علاقاته بكبار الشخصيات الأجنبية والسياسية في أوروبا، خصوصا الأمير حليم.
وبالفعل استطاع يعقوب صنوع أن يخدع العالم العربي عموما، والمصري خصوصا بأنه رائد للمسرح المصري، وصاحب شخصية سياسية مرموقة، تربطها علاقات قوية بحكام مصر ورجال دولتها. وأحكم هذا الخداع بمذكرات وأقوال صحفية تلقفتها الأقلام العربية، وساعدته بقصد وبغير قصد في تثبيت هذه الأوهام والمزاعم في عقولنا حتى الآن ... هذه هي الحقيقة الغائبة عن هذا الرائد المسرحي المزعوم.
ولعلني بهذه الدراسة أكون قد نجحت في كشف النقاب عن المكانة الحقيقية لهذا الرائد، وأثبت أنه المصدر الوحيد لكل ما قيل عنه من قبل النقاد، أو على أقل تقدير أكون قد استطعت تفنيد بعض مزاعمه. ولا أبغي من هذه الدراسة سوى أن تكون نواة أو بداية لإعادة دراسة هذه الشخصية بمنظور آخر، غير منظورها الثابت في أذهاننا، والمتوارث من قبل النقاد والكتاب حتى الآن.
ريادة مسرحية مجهولة لمحمد عثمان جلال
أجمع معظم النقاد والكتاب ممن كتبوا عن محمد عثمان جلال،
1
بأن آثاره المسرحية تمثلت في خمسة كتب مطبوعة؛ أولها: مسرحية «الشيخ متلوف» المنشورة في عام 1873. وثانيها: كتاب «الأربع روايات من نخب التياترات» وطبع في عام 1890، وهو يجمع أربع مسرحيات هي: الشيخ متلوف، والنساء العالمات، ومدرسة الأزواج، ومدرسة النساء. والكتاب الثالث «الروايات المفيدة في علم التراجيدة» وطبع عام 1893، وهو يجمع ثلاث مسرحيات هي: «أستير»، و«أفيجينيا»، و«الإسكندر الأكبر». والكتاب الرابع به مسرحية «الثقلاء» وطبع عام 1896. والخامس والأخير به مسرحية المخدمين وطبع بعد وفاته في عام 1904.
ورغم هذا الإجماع إلا أننا بعد قراءة هذا الجزء، سيتضح لنا أن لعثمان جلال أعمالا مسرحية أخرى مجهولة، نشر بعضها، وتحدثت الصحف عن البعض الآخر، في عامي 1870 و1871. وهذا الكشف الجديد، من الممكن أن يؤدي إلى إعادة ترتيب التاريخ المسرحي المصري مرة أخرى؛ لأن آثار هذا الرائد المجهولة كانت تغطي نفس فترة ظهور يعقوب صنوع، بل إن آثار محمد عثمان جلال لها ما يؤكدها ويوثقها ويؤرخ لها في هذه الفترة، بعكس يعقوب صنوع الذي لم نتعرف على نشاطه المسرحي، إلا من خلاله هو شخصيا، كما بينا فيما سبق.
وقبل الحديث عن هذه الأمور، يجب علينا أولا أن نعرف من هو عثمان جلال. فمن الثابت أنه كتب تاريخ حياته - قبل وفاته - في كراسة قدمها حفيده إبراهيم جلال - القاضي بسوهاج - في عام 1916 لمجلة «الأدب والتمثيل»، التي نشرت منها جزءا، قالت فيه: «ولد المرحوم محمد عثمان بك جلال في قرية وناء
2
في قسم بني سويف بالقرب من البهنسا في 1243ه [1828م]. وقد تعلم في مدرسة الألسن، وعين في سنة 1260ه [1844م] عضوا بقلم الترجمة العلمية. ثم في الديوان العالي بمرتب 100 قرش في الشهر أيام حكم المرحوم محمد علي باشا. ثم لما تولى سعيد باشا أخذه كلوت بك ليترجم بمجلس الطب ... ثم اشتغل بترجمة العيون اليواقظ، وما زال يتنقل من ديوان إلى ديوان في هذه الوظيفة حتى تولى الخديوي إسماعيل فانتخب لديوان الواردات وترقى إلى رتبة بكباشي 1279ه [1862م] وكان مع كثرة أشغاله يعنى بترجمة ما يلذه فترجم عدة كتب كلها مطبوعة. ثم ترجم «الشيخ متلوف» نظير «ترتوف»، مع التزام نظمه كأصله عملا بإشارة المرحوم علي باشا مبارك ناظر المدارس وقتئذ، وكان ذلك في منتصف حكم المرحوم إسماعيل باشا أي في بدء عهد النهضة التمثيلية، وظل على هذا المنهج من العناية بالأدب وهو يتدرج في مراتب الحكومة إلى أن كان آخر عهده قاضيا بالمحكمة المختلطة. وكانت وفاته يوم 3 شعبان سنة 1315ه [28 / 12 / 1898] وله من العمر اثنان وسبعون سنة.»
3
أما المؤرخ عبد الرحمن الرافعي فيبين لنا بعض التفصيلات عن حياته، وعن آثاره الأدبية، قائلا: إنه تلقى العلم في مدرسة القصر العيني (عندما كانت مدرسة إعدادية)، ثم في مدرسة أبي زعبل، ثم في مدرسة الألسن «وبدا عليه الميل إلى الشعر والأدب والتعريب، وكان ميالا إلى الفن الروائي، يجيد التعريب فيه مع تمصير ما يعربه أحيانا، وله كتاب «العيون اليواقظ» وهو تعريب شعري لروايات لافونتين ومواعظه، ويعد هذا الكتاب أعظم آثاره الأدبية وأشهرها، وعرب رواية «بول وفرجيني» عن الفرنسية، ووضع كتاب «التحفة السنية في لغتي العرب والفرنسوية» منظومة، وعرب بعض الروايات التمثيلية، منها «ترتوف» لموليير، عربها بتصريف وأسماها «الشيخ متلوف» بعد أن أسبغ عليها مسحة مصرية، وقد مثلت هذه الرواية على المسارح في مصر، وله أرجوزة في رحلة الخديو سنة 1880. أدرك المترجم عصر محمد علي وخلفائه إلى أوائل عهد عباس الثاني، وشغل مناصب عدة في الحكومة، وآخر ما تولاه منها منصب القضاء في المحاكم المختلطة سنة 1881 وأحيل إلى المعاش سنة 1893.»
4 (1) اكتشاف بداية التعريب
من الثابت - مما سبق - أن عثمان جلال كتب ونشر مسرحية «الشيخ متلوف» في عام 1873، وهي أول مسرحية له تاريخيا. ولكن عدد 58 من مجلة «وادي النيل» الصادر في 14 / 11 / 1870 يقول لنا: إنه عرب مسرحيتين قبل هذا التاريخ، بل وطبعهما في مطبعة إبراهيم المويلحي، وهما «لابادوسيت» و«مزين شاويله». وقصة هاتين المسرحيتين تأتي في المجلة المذكورة في باب الحوادث الداخلية، تحت عنوان «بدعة أدبية وقطعة تعريبية». وفيها نجد مأمور الضبطية قد أرسل رسالة إلى أبي السعود أفندي، قال فيها: «عزتلو أبو السعود أفندي: من حيث إن حضرة العمدة الفاضل السيد إبراهيم المويلحي قد كان سببا قويا لإطلاع أبناء وطنه بواسطة صرف ماله وأفكاره في ترجمة وطبع ألعاب التياترات، وما ذاك إلا لغرض نشرها مجانا من قبله على كل من لا يدري في اللغات الأجنبية من أبناء وطنه، فمن ذلك قد استحق أن يذكر بجرنال وادي النيل حيث لكل مجتهد نصيب، ولا شيء أفخر ممن تكون أفعاله في تقدم أبناء جنسه وبناء عليه لزم تحريره بأمل درجه بالجرنال المذكور بحسب ما يستحق حتى لا يضيع أجر عمله وواصل لحضرتكم نسختين من ذلك الأولى والثانية.»
وبعد نشر هذا الخطاب بالمجلة عقب عليه أبو السعود، حتى وصل في تعقيبه إلى الحديث عن المسرحيتين فقال: «... وتصفحنا قطعتي التياترو المترجمتين من أصلهما باللغة الإيطاليانية المبعوثتين لنا برفقة خطاب سعادة مأمور الضبطية فإذا هما مجلدتان صغيرتان وكراستان في الثمن مطبوعتان حسبما هو مكتوب في آخرهما وكما هو غيبا يعلم (بمطبعة السيد إبراهيم المويلحي بالخليج المرخم) ولم يكتب عليهما اسم مترجمهما حتى كانت ترجع مسئولية الترجمة عليه ويعود فخرها إليه ويكون الحكم على ذلك العمل كما هي العادة هو عين الحكم عليه. والظاهر أن الذي ترجمهما هو حضرة أخينا الفاضل محمد عثمان أفندي المترجم الآن بديوان الجهادية.»
5
ومن الواضح أن مأمور الضبطية - أو على الأصح أبا السعود - أراد أن يوضح للقارئ في هذه الفترة أن إبراهيم المويلحي قد نسب تعريب هاتين المسرحيتين لنفسه، بعد أن سلب حق محمد عثمان في تعريبهما. والحقيقة أن إبراهيم المويلحي لم يسلب حق محمد عثمان؛ لأن الاثنين، أي المويلحي وعثمان، شريكان في مطبعة واحدة،
6
وهي المطبعة التي طبعت المسرحيتين، كما طبعت الكثير من الكتب التراثية في ذلك الوقت مثل «تاج العروس»، و«أسد الغابة»، و«رسائل بديع الزمان»، و«سلوك الممالك» و«ألف باء» وغيرها من كتب التاريخ والأدب والفقه. هذا بالإضافة إلى أن في عام 1869 اتحد إبراهيم المويلحي مع محمد عثمان لإنشاء جريدة مصرية، هي «نزهة الأفكار»، التي منعها الخديوي بعد إصدار عددين فقط منها.
7
وبناء على ذلك فلا يهم وضع اسم محمد عثمان على المسرحيتين، طالما هو شريك للمويلحي في أعمال المطبعة والجريدة، فالمهم هو رواج مطبوعات هذه الشركة. هذا بالإضافة إلى أن محمد عثمان كان له اهتمام كبير بتعريب المسرحيات بعد ذلك، بخلاف المويلحي الذي لم يهتم بهذا الجانب من الأدب.
8
إبراهيم المويلحي.
والسر وراء إثارة هذا الأمر من قبل أبي السعود أفندي، هو الحقد على المويلحي الذي أصدر جريدة «نزهة الأفكار»، التي نافست مجلته «وادي النيل»، التي كانت تفخر بأنها الجريدة الأدبية الوحيدة في مصر؛ أي إن التنافس في المجال الصحفي كان السبب الأساسي في إثارة هذا الجدل حول من ترجم هاتين المسرحيتين. وما يهمنا من أمر هذا الجدل أن محمد عثمان ترجم مسرحيتين من الإيطالية عام 1870، الأولى بعنوان «لابادوسيت»، والثانية بعنوان «مزين شاويله».
وللأمانة العلمية يجب أن ننبه على أن أبا السعود ذكر كلمة «الظاهر» عندما قال: «والظاهر أن الذي ترجمهما هو حضرة أخينا الفاضل محمد عثمان أفندي.» وهذه الكلمة رغم أنها تفيد الشك، إلا أنها تفيد السخرية والتهكم من قبل أبي السعود بالنسبة للمويلحي. والدليل على ذلك أن عثمان جلال والمويلحي لم يعقبا على هذا الأمر في مجلة «وادي النيل»، أو في أية جريدة أخرى بعد ذلك. وفي عدم التعقيب دليل على صدق ما قاله أبو السعود.
وإذا أخذنا بعكس هذا اليقين، سنجد أن مقدمة المسرحية الأولى، والمنشورة بالجريدة أيضا، تتفق كل الاتفاق مع مقدمات عثمان جلال في كتبه المسرحية،
9
سواء في اللغة والأسلوب أو في المعنى والمضمون. فقد قال في هذه المقدمة: «قد جبل الإنسان على حب الاطلاع على أحوال الأمم الماضية من أمور وقعية وغير وقعية. وكان ذلك لا يدرك إلا بالتواريخ والسير والحكايات. غير أن القول لا يؤدي عين الواقعة كليا. كما أن المشبه لا يعطي حكم المشبه به من كل وجه ما لم يكن تقليدا. والتقليد لا يكون إلا باستعمال أشخاص ينوبون عن رجال الواقعة. وهذه الأحوال لم تكن عندنا بل نظرناها عند غيرنا من الأوروباويين الذين اتخذوا التياترات وجعلوها سببا قويا لتمدن بلادهم. فإن التمدن عبارة عن تربية النفس وتهذيبها باتباع ما يستحسن من الأخلاق. ولا يتم لها ذلك إلا باطلاعها على أخبار الأولين وسير الأمم المتقدمين. وحيث إنها وجدت في بلادنا وكثر الراغبون لها ولم يمنع البعض من الوصول إليها إلا أنها باللغات الأورباوية، وأن بعض المتفرجين يتخذون مترجمين والترجمة الشفاهية في الواقعة الحالية لا تؤدي جل المقصود؛ عزمنا على نقلها بلغتنا حرفا بحرف كي يكون الناظر على بصيرة مما يراه.»
10
ومما سبق يتضح لنا أن محمد عثمان جلال بدأ تعريبه للمسرحيات بصورة عملية في نوفمبر 1870؛ أي بعد عام من افتتاح الأوبرا الذي كان في نوفمبر 1869. وإن دل هذا، فإنما يدل على أن عثمان جلال كان مواكبا في نشاطه المسرحي النظري، كمترجم ومعرب، للنشاط المسرحي العملي في مصر. ومن المحتمل أن المسرحيتين المعربتين، «لابادوسيت»، و«مزين شاويله» كانتا ضمن المسرحيات الممثلة في الأوبرا قبل تاريخ تعريبهما.
وإن لم يقتنع القارئ بكل الأدلة التي أوردناها فيما سبق - رغم وضوحها - لإثبات نسبة تعريب هاتين المسرحيتين لعثمان جلال، فإليه نسوق هذا الدليل الدامغ، أو النص المسرحي المنشور بصورة مبتورة في مجلة «روضة المدارس المصرية» عام 1871، والمنسوب صراحة لمحمد عثمان. (2) اكتشاف النص المجهول
كانت مجلة روضة المدارس تقع تحت إشراف الشيخ رفاعة الطهطاوي، وتصدر من ديوان المدارس، ويباشر تحريرها ابنه علي فهمي رفاعة. وقد صدر العدد الأول منها في 17 / 4 / 1870. وكانت هذه المجلة معرضا للكتب تنشرها على هيئة ملازم أو فصول في قسم خاص بها يسمى قسم الكتب. وفي العدد الثالث من السنة الثانية الصادر في 5 / 5 / 1871 بدأت المجلة في نشر «كتاب النكات وباب التياترات» بقلم محمد أفندي عثمان المترجم بديوان الجهادية. وظلت المجلة تنشر ملازم هذا الكتاب طوال ثلاثة أعداد من 5 / 5 / 1871 حتى 6 / 7 / 1871.
11
والأجزاء المنشورة عبارة عن صفحة غلاف الكتاب، والمقدمة، وعشر صفحات من مسرحية بعنوان «الفخ المنصوب للحكيم المغصوب». ولأهمية هذه الوثيقة بالنسبة لتاريخ المسرح المصري بصفة عامة، وللريادة المجهولة لمحمد عثمان جلال بصفة خاصة، نوردها بكاملها كما جاءت في المجلة، قبل الحديث عنها. (2-1) الوثيقة
كتاب النكات وباب التياترات بقلم محمد أفندي عثمان المترجم بديوان الجهادية، ألفه برسم روضة المدارس المصرية سنة 1288ه [1871م].
صورة صفحة المقدمة. (2-2) المقدمة
ليس القصد من هذا الكتاب ولا الدخول في ذلك الباب مجرد سرد ما ورد من النكات وما قيل أو سمع من المضحكات، بل جل المرام مراعاة ما فيه الفائدة من الآداب، وما يؤدي استماعه إلى التحصيل والاكتساب؛ فإن شجرة العلم إذا نشرت فروعها على المتظلل وعكفت بأوراقها على الطالب المتأمل، ولم يكن عندها ماء نكات جاري ولا نسيم مفاكهة ساري، ضاقت أنفاسه، وارتجت رأسه. ومن ثم ترى أغلب المتبحرين في الحكم، وسائر فلاسفة الأمم، تحتال على درج الأدب في ثياب النكات، وتجلي العلوم في حلل المضحكات. وإن المفلق من المدرسين، والمتقن من العلماء والمهندسين، لا بد له مما يروح به الأذهان، ويداوي بذكره الأرواح والأبدان، فيسوق ما يروق ويحكي ما يذكي، ويبسط ما يبسط. واعلم أن روضة المدارس علومها كثيرة، وبحار مسائلها غزيرة. فمن احتاج ذهنه إلى الترويح، وتاقت نفسه لأن تستريح، قابله في طريقه من هذا الكتاب حديقة، وجنة مجاز أطرب من جنة حقيقة، تغرد فيها أطيار المجون، وتجري من تحتها أنهار الفنون والشجون، فتجلس منه المخيلة، تحت مخادع مظللة، وقطوف مذللة. ويرتوي ذهنه الصادي من عذب المفاكهة، وتتنقل أفكاره من فاكهة إلى فاكهة.
هذا، ولقد التزمت أن أجمع مما أراه من التياترات الأوروباوية، ما احتوى على النكات الشهية. فإن الكتب التي من هذا القبيل، في كل جيل، ما جعلت إلا لتهذيب الأخلاق، وتذكية العقول على الإطلاق. فلا تنظر للمضحك منها بنظر ساخر، فما هو إلا قول شاعر، وفعل ساحر. وإياك أن تنزلها منزلة الهذيان، وتلبسها ثوب الهوان! فإن أوروبا بتمامها، ما كان السبب في تقدمها وإقدامها إلا أنها اتخذت من التياترات سلما فرقت به إلى عنان السما، لأنهم اكتسبوا منها الجراءة، وجبروا على معرفة الكتابة والقراءة. فقربوا بواسطتها كل بعيد، وعرفوا سديد الأمور وغير السديد. وتحاشوا ما يزري بمكارم الأخلاق، ويعين المرء على حب النفاق. كل ذلك خوفا من أن تقلد فيها أفعالهم فيجتنبوا، وتعرض على الأمة أعمالهم فيناقشوا ويحاسبوا، حتى أنفوا ارتكاب الرذائل، وتحلوا بشعار الفضائل. وإن كتبها من أدق المؤلفات نثرا ونظما، وأصعبها قراءة وفهما. فناهيك بترجمتها وإخراجها عن أصلها، ونقلها إلى عوائد غير أهلها، فإنها تعجز النحرير، وتعضل الشيخ الكبير.
ولولا أن سعادة مدير المدارس أمرني، وعلى تعريبها جبرني، لما تجاريت على الأمر الجلل، ولا تعرضت لصعود هذا الجبل. لكن بهمة هذا المدير المبارك، الذي في مجده لا يشارك، الراقي بعلومه أوج الشرف، الراقم بيراعه مجموع التحف والطرف، لا أزال أجهد نفسي، وأعمل يراعي وطرسي، حتى أجمع كتابا لم يسبقني إليه أحد، ولم يكن ظهر في هذا البلد. ثم لا أزال أطوف حول جزيرة العرب، وأغوص في بحر الأدب، حتى أعرف مده من جزره، وآتي منه بأنفس دره. وأنسج مما غزلته الأقلام، وأحيك بعض ما وشاه الكلام، حتى أقدم صنعة صنعا، وأرصع تاج كسرى، وأنقش ديباج خيوى؛ لعله أن يكون شيئا يهدى، أو فرضا يؤدى. وعساه أن يخطر بالمسامع الكريمة، ويتشرف بالعرض على ذي المعاطف الرحيمة، من بدل ما حل مصر بخصوبة، وغير مالحها بعذوبة، وشيد ما تهدم من أركانها، وعمر ما تخرب من بنيانها، ذي السيف الصقيل، والظل الظليل، سعادة أفندينا وولي نعمتنا الشهم إسماعيل، فإنه الأول من أسباب التعليم، والآخر من دواعي التمدن والتقدم. نشأت بهمته المدارس فحسن شأنها، واجتهدت ببركته شيوخها فأفلح شبانها. أمد الله أيامه بالدوام، وسخر لخدمته الليالي والأيام، وحفظه وحفظ أنجاله الكرام، ببركة النبي عليه الصلاة والسلام. (2-3) الفخ المنصوب للحكيم المغصوب (وهي على ثلاثة أبواب وخمسة وعشرين فصلا)
رجال اللعب
يونس:
أبو زهرة.
زهرة:
بنت يونس.
خليل:
عاشق زهرة.
إبراهيم:
زوج فطومة.
فطومة:
زوجة إبراهيم.
عامر:
جار إبراهيم.
عبد الله:
خادم يونس.
خالد:
زوج خضرة مرضعة عند يونس.
خضرة:
زوجة خالد ومرضعة عند يونس.
مهلهل:
أبو جمعة (فلاح).
جمعة:
ابن مهلهل (فلاح).
والملعب في محل يشبه بلاد الفلاحين.
الفصل الأول (إبراهيم وزوجته فطومة )
إبراهيم :
لا ... لا ... أنا قلت لك إني ما أسمع كلام أحد ... وأنا الكلمة كلمتي ... لأني رجل البيت.
فطومة :
وأنا أقول لك إنك لازم تمشي على كيفي ... لأني ما تزوجتك لأجل أسمع رذايلك.
إبراهيم :
يا سلام ... مساكين المتزوجين ... وحقيقة صح قول المثل ... إن النسا حبايل الشيطان.
فطومة :
ما شاء الله ... وبقيت تعرف الأمثال ... وأصحاب الأمثال.
إبراهيم :
معلوم ... أنا أعرف كل شيء ... حتى إن بياعين الخشب يعرفوا أن كتب الحكمة كلها في مخي ... ولا تركت كتاب صعب إلا وعرفت سره.
فطومة :
دم يخطف المجانين كلها.
إبراهيم :
دم يخطف الشراميط كلها.
فطومة :
الله يقطع اليوم والساعة اللي خطبوني لك فيها.
إبراهيم :
الله يقطع اليوم والساعة اللي حطيت إيدي في يد الفقي على كتب كتابك.
فطومة :
إيش وصلك تكون جوزي ... أنت ما تحمدش ربنا اللي راضية بك ... حقيقة يقولوها في الأمثال ... راضية بالهم والهم ما هو راضي بي.
إبراهيم :
صحيح ... أحمد الله على أول ليلة دخلت عليك فيها ... لكن خلي الكلام مستور ... أحسن أقول على اللي شفته في أول ليلة.
فطومة :
قول ... قول ... تخبي ليه! إن كنت شفت حاجة قول عليها.
إبراهيم :
أنا أقول ... حاشا لله أن أقول شيء ... يكفي إننا عارفين اللي عارفينه ... واحمدي ربنا اللي عترتي برجل مثلي.
فطومة :
راجل مثلك ... ليه ... شفت منك إيه ... ما شفت منك إلا الهم والخبص ... يا فلاتي ... يا خاين ... ياللي كلت اللي وراي واللي قدامي.
إبراهيم :
كذابة ... أنا ما أكلته كله ... أنا شربت منه كمان.
فطومة :
ياللي بيعتني حاجتي التي كانت في البيت حتة ورا حتة.
12
إبراهيم :
أنا عملت طيب اللي وفرت عليك التعب في شيل الحاجة دي كلها.
فطومة :
ياللي بيعتني مرتبة النوم.
إبراهيم :
لأجل ما تقومي بدري.
فطومة :
ياللي ما خليت في البيت حاجة.
إبراهيم :
لأجل يبقى العفش خفيف وقت العزال.
فطومة :
ياللي من الصبح للمغرب تسكر وتلعب القمار.
إبراهيم :
لأجل ما أزعلشي.
فطومة :
وأقول إيه لأهلي.
إبراهيم :
قولي اللي يعجبك.
فطومة :
وأعمل إيه في الثلاثة أربعة أولاد اللحم اللي على إيديه دول.
إبراهيم :
حطيهم على الأرض.
فطومة :
وأعطيهم إيه لما كل يوم يطلبوا مني عيش.
إبراهيم :
إسكريهم بالضرب، أنا لما آمل وأسكر أحب إن كل اللي في البيت يكونوا سكرانين مثلي.
فطومة :
وكمان يا سكري بتقول إننا في أمان الله في بيتنا.
إبراهيم :
يا فطومة على مهلك بالله.
فطومة :
لا ... هو أنا ربنا حكم علي دايما بعذابك وخبصك.
إبراهيم :
يا فطومة ... لمي لسانك شوية.
فطومة :
والله اللي يحكمني عليك لأخليك تبطل الخبص ده كله وتلتفت لحالك.
إبراهيم :
يا فطومة ... أنت تعرفي إني ما أتحمل كلام ... وأنا ذراعي ده ماهوش عاجز.
فطومة :
أنت بتخوف مين ... تستجري تمد إيدك عليا؟!
إبراهيم :
أظن جلدك بياكلك ... عوايدك.
فطومة :
بقول لك ما أخفش منك أبدا.
إبراهيم :
الله أعلم إن نصيبك في علقة.
فطومة :
دا كلام فارغ.
إبراهيم :
يا بنت الناس ... أقوم أملص ودانك.
فطومة :
إيش وصلك يا سكري.
إبراهيم :
أضربك والله.
فطومة :
سكران.
إبراهيم :
أضربك.
فطومة :
فشر اللي يضربني.
إبراهيم :
يا فطومة ... أموتك.
فطومة :
إيش وصل واحد زيك يضربني، يا كلب يا غجري يا سكري يا حشاش يا عرص يا حرامي.
إبراهيم :
بقا دغري عاوزة الضرب (ثم يأخذ العصا ويضربها) .
فطومة (تصيح) :
يا دهوتي ... يا دهوتي ... يوه ... يوه!
إبراهيم :
أقول لك الدغري؟ آدي اللي يسكتك.
الفصل الثاني (عامر وإبراهيم وفطومة)
عامر :
يا هوه ... يا هوه ... أعوذ بالله ... ده داده ... الله ينعل أبو العرص اللي يضرب مراته.
فطومة :
أنا بدي يضربني ... وأنت مالك؟!
عامر :
خليه ... يضربك بدم.
فطومة :
وأنت بس مالك ... يا تابت.
عامر :
الحق عليا.
فطومة :
إيش يخصك أنت؟!
عامر :
الحق بيدك.
فطومة :
شوفوا يا إخوانا اللي بده إن الرجالة ما تضربش نسوانها.
عامر :
توبة ... توبة.
فطومة :
عاوز إيه من هنا؟
عامر :
ولا حاجة.
فطومة :
جي تحشر نفسك ليه؟!
عامر :
سد ... الحق عليا.
فطومة :
شوف حالك ... وشوف نفسك.
عامر :
ما فيش كلام.
فطومة :
أنا عاوزاه إنه يضربني.
عامر :
ما فيش مانع.
فطومة :
وبس إيش جابك هنا ... وشغلك هنا إيه (ثم تضربه كفا) .
عامر (يقول لإبراهيم) :
يا أخي ... بالله لا تؤاخذني ... اضربها ... موتها ... زي ما تريد وإن كنت عاوز أساعدك.
إبراهيم :
لا ... مانيش عاوزك تساعدني.
عامر :
بكيفك ... دا كلام تاني.
إبراهيم :
كيفي معلوم ... إن كان بدي أضربها وألا ما أضربها.
عامر :
عظيم قوي.
إبراهيم :
دي مراتي ... موش مراتك.
عامر :
ما فيش كلام.
إبراهيم :
أنت مالكش أمر عليا.
عامر :
معلوم.
إبراهيم :
أنا ما أريد تساعدني.
عامر :
حاضر طيب.
إبراهيم :
دي قلة حيا منك اللي تحشر نفسك في شغل الناس ... أنت ما سمعت المثل اللي قالوه: اللي يحشر نفسه من برا قشرة البصلة ما ينوبه إلا صنتها (ثم يضربه ويطرده) .
الفصل الثالث (إبراهيم وفطومة)
إبراهيم :
معلهش يا ستي ... سد ... ياله بنا نصطلح ... إيدك.
فطومة :
أيوه ... بعدما ضربتني كدا.
إبراهيم :
معلهش ... الحق عليا.
فطومة :
دا مين ... لا والنبي.
إبراهيم :
أما لي يا خيه.
فطومة :
لا ... وحسرة الهم.
إبراهيم :
معلش ... الحق عليا.
فطومة :
سيبني ... خليني في غلبي.
إبراهيم :
سبحان الله ... تزعلي من حاجة فارغة.
فطومة :
كل ده ... وفارغة؟!
إبراهيم :
أبوس راسك ... سد (ثم يبوس راسها) .
فطومة (تقول بصوت عالي) :
طيب سامحتك (وبصوت واطي)
والله لأوريك وأطلع دا كله من عينيك.
إبراهيم :
والله إنك مجنونة اللي تاخدي على خاطرك من كلام فارغ ... والحبايب ما يستغنوش عن حاجات فارغة مثل دي ... وإيه يعني خمس ست عصي بالنسبة للأحباب ... ياله أنا رايح الغابة ... وإن شاء الله أجيب لك ميت حملة حطب.
الفصل الرابع
فطومة (لوحدها) :
طيب والله إن كنت أضحك في وشه ... عمر اللي في القلب ما يطلع ولو حكت الغاسلة رجلي ... ما أنسى الضرب اللي ضربه لي ... والله لأطلعه من عينيه ... أنا يا مره هل بت ما أعرف إزاي ما أخلص ده وده منه ... وبرده اللي أعمله فيه شوية علي عمله فيا.
الفصل الخامس (عبد الله وخالد وفطومة)
خالد (يقول لعبد الله بدون ما يشوف فطومة) :
أما عبارة في الشغلانة اللي وصانا عليها سيدنا ... والله ما أنا عارف نعمل فيها كيف؟!
عبد الله (يقول لخالد بدون ما يكون ملتفت لفطومة) :
أهو إن كان كده ولا كده لازم من طاعة سيدنا في اللي يأمر به ... وإن طابت بنته ... أهي على بختنا ... أهم أخروا جوازها دلوقتي على ما تطيب ... وهل بت ما ينوبناشي ... والله أنا شايف إن سيدنا ما هو راضي به يكون جوز بنته ... ولو كان عنتر عبس.
فطومة (تقول وهي تظن وحدها) :
آه ... ولا يمكنش أشوف لي طريقة أخلص بها تاري.
خالد (يقول لعبد الله) :
وتشويشها ده إيه بس ... اللي الحكما ضاعت مخانتهم فيه.
13
عبد الله (لخالد) :
يمكن تيجي على أهون سبب ... واللي يدور ياما يشوف.
فطومة (تقول وهي بردها تظن إنها وحدها) :
أيوه ... لا بد عن أخذ تاري ... وزي ما تيجي تيجي ... والله عمري ما أنسى الضرب اللي ضربه لي ... وكلما أفتكر فيه تغوص بي الأرض (ثم وهي ماشية تتصادم في خالد وعبد الله فتقول لهم)
ما تآخذونيش يا أسيادي ... أنا ما كنت شايفاكم ... أنا كنت بفتكر في حاجة شاغلاني.
عبد الله :
لا يا ستي ... أهو حال الدنيا كده ... وكل من كان له شغله ملهي فيها.
فطومة :
يا هل ترى يمكنيش أساعدك في الحاجة اللي أنت مشغول بها.
عبد الله :
يمكن يا ستي ... إذا دورنا نلتقي حكيم يوصف دوا لبنت سيدنا ... لأنها المسكينة اللي جاها مسك لسانها ... ولا خلت ولا حكيم إلا لما وصف لها وصفة ... ولكن بردها على حالها ... وأدينا دايرين ندور ... إياك نعتر في حد يعمل لها حاجة ... إياك على الله يكون آن الأوان.
فطومة (تقول بصوت واطي) :
الحمد لله اللي عترني في طريقة أخلص بها تاري من جوزي الملعون ده (ثم تقول بصوت عالي)
والله يا أسيادي إنكم إن لفيتو الدنيا ما تلاقوا زي الراجل ده اللي أنا عارفاه ... لأنه يعرف في كل شيء ... وإن شاء الله يكون آن الأوان.
عبد الله :
من فضلك يا ستي ... دلينا عليه!
فطومة :
أهو ... واقف هناك يكسر في حطب وعامل إنه حطاب ومخبي نفسه في الصنعة دي.
خالد :
عجايب ... يبقى حكيم ويكسر حطب.
عبد الله :
أيوه ... قولي بيكسر في عالم زي بقية الحكما ... هو ماله ومال الحطب.
فطومة :
لا ... لا ... دا راجل جنس تاني ... ولي، ما تعرف ... سحار، ما تعرف! لكن إيده واصلة ... واللي يشوفه يقول إنه ما يعرفش حاجة ... يلبس لبس بطال ... وتشوفه تقول دا جاهل ... ولا يحبش يظهر علمه ... لكن يا سيدي في الحكمة خليه على جنب.
عبد الله :
سبحان الله يا ربي ... لك في ده حكمة وإرادة ... أهو العادة كده ... إن الناس العلما دايما يحبو البعد عن الناس ... ولهم أمور زي الجنان ... مع إنهم معدودين من الأقطاب.
فطومة :
كلامك صحيح ... وخصوصا الراجل ده ... له جنان شكل ... حتى إن الناس يضربوه ويجرجروه غصب عن حبة عينه ... وبرده لازق لطبعه ولا يمكن إذا رحتوا له إنه يقر لكم بإنه حكيم إلا إذا كان كل واحد منكم في يده عصاية ... وكلما أنكر نفسه ... زيدوه بالضرب وهو يقر غصب عنه ... لأننا ما يمكنش نطلبه مرة ونعرف نجيبه إلا بالضرب.
عبد الله :
أما عمري ما شفت جنان زي ده!
فطومة :
صحيح ... لكن بعدين ياما تشوفوا منه من العجايب والغرايب في الحكمة.
عبد الله :
واسمه إيه؟
فطومة :
اسمه اسبدريج ... دا الواحد يعرفه قوام ما يتوهش ... له دقن سوده وعريضة ... ولابس صديري أحمر وسروال أخضر.
خالد :
اللي يلبس أحمر وأخضر ... يبقى حكيم إيه؟
عبد الله :
يا خي فضنه ... إحنه في إيه ... هو من حقه! شاطر كثير زي ما بتحكي!
فطومة :
أهو ... إن شفت عمايله تقول عليه دا سحار ... وأقرب ما يكون ديك النهار كانت واحدة عيانة في حارتنا ... ورفعوا الحكما كلهم يدهم منها وقالوا: ماتت ... ماتت! وحضروا لها الكفن والذي منه ... وبعدين جابوا لها الراجل ده غصب عنه وحط لها نقطة مانيش عارفه ده ... ده ... ده في حنكها ... وما ندرى إلا والولية قايمة من فرشها ... وفضلت تمشي في أودتها ساعة ... زي اللي ما كانتش عيانة بحاجة.
خالد :
يا ستار ... ودا كلام إيه ده؟
عبد الله :
صدق ... يمكن إنها ... نقطة من مية أم حياة!
فطومة :
يمكن ... دا مرة من قيمة جمعتين ثلاثة كان ولد عمره اثني عشر سنة وقع من فوق المادنة ونزل على الأرض ... وكانت تجي راسه على حجر وانكسرت حتتين ... وجابو سيدنا ... ويا ملحق ما دهن له راسه وجتته بمرهم عامله بمعرفته ... ما درينا إلا والولد قام يجري ... ولعب ليلتها البيضة والحجر!
خالد :
يا حامي الحمى!
عبد الله :
لازم إن الراجل ده يكون حكيم مافيش زيه!
فطومة :
ما فيش كلام!
خالد :
والله يا عبد الله إن فاتنا الراجل ده ما نفعنا.
عبد الله :
والله يا ستي إنك صاحبة معروف ... ربنا ما يحرمنا منك.
فطومة :
لكن خلوا في بالكم الكلام اللي قلت لكم عليه!
خالد :
ما لكيش دعوه ... إن كان من جهت الضرب مرحبا به!
عبد الله (لخالد) :
والله يا وليد طبل طبلنا وزمر زمرنا.
الفصل السادس (إبراهيم وعبد الله وخالد)
إبراهيم (يغني من ورا التياترو ويقول) :
ليلي ... ليلي ... ليلي ... يا ليلي!
عبد الله :
أنا سامع واحد بيغني ويكسر خشب.
إبراهيم (يدخل التياترو وفي يده قزازة نبيت من دون ما يكون شايف لا عبد الله ولا خالد ويقول) :
ليلي ... ليلي ... ليلي ... يا ليل! يكفي شغل ... لما أشرب شوية وآخد نفسي (ويقول)
أما الخشب ده ناشف زي العفاريت (ويغني هذا الموال) :
يا قلة الخمر قلبي ما شبع منك
خدت الفتوة وخدت المجدعة منك
عشرين حملة حطب اتكسروا منك
لكن فرغتي قوام ليه بس آه منك!
عبد الله (يقول لوحده بصوت واطي) :
أهو هو بذاته!
خالد (لعبد الله بشويش) :
هو برده ... أنا كمان عرفته بالوصفة!
عبد الله :
قرب بنا منه لما نحققه.
إبراهيم (وهو معبط على القزازة يقول) :
آه يا حبيبتي ... ولكي سدادة لطيفة (وبعدين يغني ويقول)
كل القزايز ... كل القزايز (ثم يرى عبد الله وخالد وهم يتأملوا منه فيقطع الغنا، ولما يشوفهم قربوا عليه واصل وفضلوا يتأملوا فيه يقول)
أعوذ بالله ... دول بيشبهوا علي جد ولا إيه!
عبد الله (لخالد) :
هو بعينه ... هو برده.
خالد (لعبد الله) :
أهو برده ... في المسخة بعينها اللي وصفوها لنا (وعند ذلك يوضع إبراهيم القزازة على الأرض، فيأتي عبد الله بقصد أن يسلم عليه، فينقل القزازة من الناحية التانية، يظن أن عبد الله بده ياخدها، ثم إن خالد يعمل مثل ما عمل عبد الله وإبراهيم ياخد القزازة ويحطها على قلبه ويعمل حركات مضحكة في وضعها ويقول بصوت واطي)
دول بيبصوا لي كده ليه ... هما عاوزين إيه مني دول؟!
عبد الله :
هو أنت يا سيدي اللي اسمك إبراهيم؟
إبراهيم :
وليه السؤال ده؟
عبد الله :
بس باسأل ... موش أنت إبراهيم؟
إبراهيم (يقول لعبد الله وخالد) :
أيوه ... ولا ... بحسب ما أنتم عاوزين مني!
عبد الله :
إحنا ما احناش عاوزين لك إلا كل الخير.
إبراهيم :
إن كان كدا ... أيوه أنا إبراهيم.
عبد الله :
الحمد لله على رؤياك بخير ... يا منور ... واحنا عليك بندور ... لأننا جينا قاصدينك في اللي عاوزينه.
إبراهيم :
إن كان اللي عاوزينه في إمكاني أنا في الخدمة.
عبد الله :
العفو يا سيدي ... اتفضل استريح في الظل لأن الشمس حرقتك.
إبراهيم (بصوت واطي) :
أما دول ناس مليانين ذوق لحبة عينهم (ثم يتقدم في الظل) .
عبد الله :
يا سي السيد ... ما تآخذناش على مجينا لك ... لأن أهل الفضل يستاهلوا السعي على العين والراس ... واحنا سمعنا عنك وعن فضلك.
إبراهيم :
إن جيتوا للحق ... أنا فضلي مشهور في الحطب وتكسيره وعمايل الحزمة اللي ما حدش يطلع من إيده يعملها.
عبد الله :
ما تحكيش كدا.
إبراهيم :
صحيح ... والله إني أول حطاب في الدنيا.
عبد الله :
يا سيدي موش المقصود.
إبراهيم :
وأبيع الحزمة منهم بعشرة قروش.
عبد الله :
بالله ما تحكي لنا في الحطب ده ولا بيعه.
إبراهيم :
والله ما يمكني أبيعها بأقل من كده.
عبد الله :
يا خي إحنا محنا عارفين ما هناك.
إبراهيم :
إن كنت عارف ما هناك أهو أنا ما أنزلش عن السعر ده.
عبد الله :
أنت بتتمسخر علينا وإلا إيه؟!
14
وإلى هنا توقفت المجلة عن النشر. ويجب علينا - قبل كل شيء - طرح هذا السؤال: لماذا توقفت مجلة روضة المدارس عن نشر بقية المسرحية، أو باقي «كتاب النكات وباب التياترات» لمحمد عثمان جلال؟! والإجابة على هذا السؤال تتمثل في أن مجلة روضة المدارس كانت تصدر بإعانة من ديوان المدارس، «وكان يكتب فيها من ينتخب من ذوي المعارف، وينشر فيها ما يستحسن نشره بين الناس من الفوائد العلمية، لأجل توسيع دائرة الأفكار ... [وكانت] تعنى بأخبار امتحانات الطلبة في مختلف المدارس ... من أجل ذلك كانت هذه الصحيفة لا توزع إلا على طلبة المدارس. ولقد أقبل هؤلاء الطلبة على قراءتها إقبالا عظيما ... ثم أخذ ديوان المدارس بعد ذلك يبعث بأعداد هذه المجلة إلى الأعيان والوجوه، في القرى والأقاليم، ويطلب إليهم أن يعملوا على توزيع الصحيفة على أوسع نطاق ممكن.»
15
الصفحة الأولى من المسرحية.
وبناء على أسلوب المجلة ومنهجها العلمي، وتأثيرها في الطلبة، كان لا بد من وقف نشر الكتاب لما به من إخلال لسياسة المجلة، سواء في الأسلوب أو المنهج أو التأثير. فأسلوب المجلة عربي فصيح، أما المسرحية فأسلوبها عامي، ومنهجها الفكاهي الهزلي يختلف عن المناهج العلمية للكتب الأخرى المنشورة في المجلة. أما تأثير المسرحية فمن المؤكد أنه كان ضارا على الطلاب، أكثر من نفعه لمجرد التسلية.
فمن غير المعقول أن يتسلى الطالب في هذا الزمن بقراءة مسرحية تدور حول المشاجرات والمؤامرات الزوجية. هذا بالإضافة إلى الألفاظ العامية التي وصلت إلى حد السوقية والابتذال والسب في أكثر من موضع رغم قلة الجزء المنشور. ولنا أن نتخيل تأثير بعض الكلمات الشاذة والخارجة عن الآداب والتقاليد على الطلاب، مثل: «الشراميط، يا كلب، يا غجري، يا سكري، يا حشاش، يا عرص، يا حرامي». وكأن المجلة منعت نشر المسرحية، أو صادرت طبع الكتاب بصورة دورية، بأسلوب الرقابة على المطبوعات، قبل أن يصدر قانون المطبوعات نفسه في عام 1881. وكأنها قالت لنفسها: لا يمكن أن يوضع مثل هذا الكتاب بجانب الكتب الدينية والتراثية العلمية المؤلفة من قبل أعظم المشاهير، والمنشورة في مجلة روضة المدارس أيضا في ذلك الوقت مثل كتاب «حقائق الأخبار في وصف البحار» لعلي مبارك، و«آثار الأزهار ومنثور الأفكار» لعبد الله فكري، و«القول السديد في الاجتهاد والتجديد» للطهطاوي. والدليل على نكران المجلة لهذا المزلق الذي وقعت فيه، نجد أيضا هذا النكران من قبل بعض النقاد والكتاب ممن أرخوا وكتبوا عن هذه المجلة، أمثال د. عبد اللطيف حمزة، الذي سرد أسماء جميع الكتب المنشورة في المجلة عدا كتاب النكات لمحمد عثمان جلال.
16 (3) الريادة بين صنوع وعثمان جلال
مهما يكن من أمر موقف مجلة روضة المدارس، أو النقاد من كتاب النكات أو مسرحية الفخ المنصوب، إلا أن هذا الكتاب المنشور بعضه في عام 1871، يعد أول إنتاج عثمان جلال المسرحي بصورة صريحة لا تقبل الشك، لا الشيخ متلوف في عام 1873 كما هو ثابت في التاريخ، وفي أذهان النقاد والدارسين. وإذا وضعنا في الاعتبار أن عثمان جلال عرب قبل هذا الكتاب، مسرحيتي «لابادوسيت»، و«مزين شاويله» في عام 1870، يبقى أمامنا الاعتراف بأن عثمان جلال مارس الكتابة المسرحية منذ عام 1870 حتى وفاته في عام 1898. وهذا الاعتراف يجعلنا نعيد النظر في أمرين مهمين؛ أولهما: أن نشاط هذا الرائد بدأ عقب افتتاح الأوبرا؛ أي واكب النشاط المسرحي الحديث في مصر منذ ظهوره، وهذا مخالف لما هو معروف عنه تاريخيا. والأمر الآخر: أن عثمان جلال عرب وترجم المسرحيات إما قبل يعقوب صنوع أو مواكبا له، على اعتبار الأخذ بوجود نشاط مسرحي لصنوع. وأي احتمال من الاثنين فهو في صالح عثمان جلال وضد يعقوب صنوع. (4) بين عثمان جلال ونجيب حداد
وعلى الرغم من قلة الجزء المنشور من مسرحية عثمان جلال «الفخ المنصوب ...» إلا أن موضوعها معروف للجميع، لأنها في الحقيقة مسرحية «الطبيب الجاهل» لموليير. وقد مثلت في أبريل 1886 من قبل فرقة القرداحي. وهذا يدل على أن مسرحية عثمان جلال بصورتها الكاملة كانت موجودة في هذا الوقت.
ففي 13 / 3 / 1886 تقدم سليمان قرداحي بكشف إلى نظارة الأشغال للتصريح له بجملة مسرحيات، ومنها كانت مسرحية «الجاهل المتطبب»،
17
التي مثلتها فرقته بدار الأوبرا في 20 / 4 / 1886 وكانت تحت اسم «الطبيب الجاهل».
18
وفي اليوم التالي نجد جريدة «القاهرة» تؤكد على أن هذه المسرحية لم تمثل من قبل، وفي ذلك تقول: «شخص أمس جوق قرداحي أفندي رواية «الطبيب الجاهل» فكانت مضحكة جدا احتوت على ثلاثة فصول، وهي لم تمثل قبل هذا إلا أن الحاضرين كانوا قليلين بسبب شدة الحر.»
19
ومن الجدير بالذكر أن مسرحية «الطبيب الجاهل» التي مثلت من قبل فرقة القرداحي، هي نفسها مسرحية «الفخ المنصوب ...» لمحمد عثمان جلال، ولم تكن أية مسرحية أخرى لأي معرب آخر. والسبب في إثارة هذا الأمر أن نجيب حداد قد عرب هذه المسرحية تحت عنوان «الطبيب المغصوب».
20
ولكن بكل أسف لا يوجد أي مصدر أو مرجع يقول في أي تاريخ عرب نجيب حداد هذه المسرحية.
ومن الممكن أن يقول قائل: إن نجيب حداد هو صاحب مسرحية «الطبيب الجاهل» التي مثلتها فرقة القرداحي عام 1886، وللرد على ذلك أقول: إن نجيب حداد لم يذكر نشاطه الأدبي إلا في عام 1888 - أي بعد تمثيل المسرحية بعامين - عندما عرب قصة «الفرسان الثلاثة»، التي تعتبر أول عمل أدبي له. وهذه الإشارة نقلتها لنا مجلة «الراوي»
21
في 1 / 6 / 1888 قائلة تحت عنوان «آثار أدبية: رواية الفرسان الثلاثة»: «أهديت إلينا نسخة من هذه الرواية لمعربها الذكي النجيب نجيب أفندي الحداد وقد تصفحناها فرأيناها من أحسن ما عرب وألطف ما روي، فصيحة العبارة مليحة النسق تحرى فيها اتباع الإنشاء العربي بدون أن يخرج فيه عن الموضوع وافتتحها بخطبة أبان فيها فوائد هذا الفن واحتياج بلادنا إليه، فجاءت وافية بالغرض المقصود في الروايات والقصص من ترويض النفوس وتهذيب الأخلاق مع تفكيه العقول وتسلية الخواطر. فنحث الأدباء على مطالعتها والإقبال عليها ونثني على همة معربها متمنين له النجاح والتوفيق.»
22
ومسرحية «الطبيب الجاهل» لموليير، لم يقتصر تعريبها على عثمان جلال ونجيب حداد فقط، بل ترجمها أيضا محمد مسعود تحت عنوان «الجاهل المتطبب» عام 1889، وأيضا تحت عنوان «الطبيب المغصوب» عام 1917،
23
كما ترجمها إلياس أبو شبكة تحت عنوان «طبيب رغما عنه» عام 1933،
24
وأخيرا ترجمها إدوار ميخائيل عام 1952 بعنوانها الشهير «طبيب رغم أنفه». ومثلت من خلال فرقة المسرح العالمي في مصر في موسم 63 / 1964 وموسم 65 / 1966 وأخرجها حمدي غيث.
ومسرحية «الطبيب الجاهل» أو «طبيب رغم أنفه»، هي الثالثة فيما كتبه موليير، وهو يسخر فيها من الطب ويهجو الأطباء، بل وتعتبر هذه المسرحية ألذع ما كتب في هذا المعنى، وأبعدها مدى في النيل من كفاءة الأطباء وسمعتهم. وهو في هذه المسرحية لا يقدم طبيبا ليجري عليه مباشرة ما يريد من أسباب السخرية، كما فعل في مسرحيتيه السابقتين: «مريض الوهم» و«الحب الطبي»، بل عمد إلى أسلوب آخر؛ إذ عقد بطولة مسرحيته هذه على شخصية حطاب تافه، لا يعرف من دنيا الطب غير عشر كلمات من اللغة اللاتينية، حفظها دون أن يفهم معانيها، لطول خدمته مع أحد الصيادلة، ثم هو يجعل هذا الحطاب يدعي حرفة الطب، وينجح في شفاء المرضى. ويهدف موليير من وراء هذا إلى أن يقول إن الطب مهنة ميسورة يستطيع أن يدعيها كل من يريد أن يعمل فيها، وهذه المقولة تحمل ما تحمل من معاني السخرية المريرة، والتهكم اللاذع. وهذا الكره من جانب موليير للطب والأطباء، غير خافية أسبابه، فقد كان موليير يشكو علة الصدر، ولم يفده الطب في شيء؛ لأن الطب في ذلك العهد، كان قاصرا وقليلا. وفوق هذا فقد كان أطباء ذلك العهد، يتعاظمون في مظاهرهم، شأن من يحس نقصا في ذاتيته ... وما كانت هذه الظاهرة لتختفي عن عين هذا الكاتب المتأمل الذي سجل سمات عصره في نماذج بشرية خالدة في الأدب المسرحي.
الفرق المسرحية العربية
(1) فرقة سليم النقاش
يعتبر سليم خليل النقاش - ابن شقيق مارون النقاش الرائد المسرحي العربي الأول - صاحب أول فرقة عربية تزور مصر، وتدخل فيها الفن المسرحي باللغة العربية، وذلك في أواخر عام 1876، بعد أن قام ببعض المحاولات الأولية، لكسب عطف الخديو إسماعيل أولا وعطف كبار الدولة من الأعيان ثانيا.
سليم خليل النقاش.
ففي أوائل عام 1875 حضر سليم إلى القاهرة، وشاهد أحد العروض باللغة الإيطالية في الأوبرا الخديوية، وكان عرض أوبرا عايدة، ولاحظ اهتمام الخديو بها. وعندما عاد إلى بيروت فكر في إدخال هذا الفن إلى مصر باللغة العربية، وعلى الفور قام بتعريب عايدة وطبعها ببيروت في 25 / 4 / 1875.
وبسبب علم سليم - مسبقا - أن الخديو إسماعيل معجب كل الإعجاب بهذه الرواية، نجده يوجه إهداءها له من خلال قصيدة مدح طويلة، ثم قطعة نثرية طويلة أيضا منها هذا القول: «... أي فخر أتمناه لروايتي وأي فوز عظيم، أكثر من تصديرها باسمكم الكريم! وحسبي يا مولاي فيكم نصيرا مجير، فنعم المولى ونعم النصير. ولا عجب أن عد قليل حسنها كثير؛ فقد حوت ذكر مصر القديم وتصدرت بذكر مجد أكبر. ولا غرو بذلك فالشيء بالشيء يذكر. بيد أن مجدكم لم يبق لسواكم ذكرا، ولا لمفاخر فخرا. فقد حويتم من سامي الصفات والمناقب، ما لو صرفت العمر بوصفه لا أقوم بالواجب. وكيف لا يمدحكم اللسان ويهيم في شكركم الجنان، وقد عم ذاكم كل قاص ودان؟! أم كيف لا أسجع في مدح جودكم المطلق ...»
1
وفي المقدمة، وبعد أن شرح فائدة تعريب المسرحيات، تحدث عن سبب تعريبه لهذه المسرحية قائلا: «... ولما أبلغت أن هذه الرواية تروق بأعين مولاي الداوري الأفخم خديو مصر المعظم رأيت أن بها وسيلة طالما تمنيتها لتقديم خدمة لذاته الكريمة التي ملأت الأقطار بأفضالها العميمة، فرغبت في تعريبها ...»
2
ومن المؤكد أن ما جاء في الإهداء والمقدمة، كان سببا مباشرا في حصول سليم للترخيص اللازم له لإدخال الفن المسرحي باللغة العربية في مصر. ولكي يضمن عطف الخديو وكبار الأعيان، قام بطبع رواية «مي» لأول مرة ببيروت في عام 1875 أيضا - وكان قد ألفها في عام 1868 - ووجه إهداءها إلى أحد الأعيان المصريين، وهو الخواجا أنطونياديس بالإسكندرية قائلا له: «مولاي ... إن في إهداء روايتي هذه إلى جنابكم لفوزا ورفعة لها فإن ظفرت لديكم بالقبول وهو أعظم مسئول كنت بالغا فوق ما تمنيت ويكفيني بها نجاحا أن تروق في أعين من يعطي الأشياء استحقاقها، ومن حوى من سعة الفضل والمعرفة ما لا ينكره أحد سواه فأرجو قبولها والالتفات إليها وحسبي ذلك فخرا.»
3
غلاف مسرحية عائدة.
غلاف مسرحية مي.
أما المقدمة فجعلها - بما تحمله من نثر وشعر - قطعة فنية في مدح الخديو إسماعيل تقربا إليه، ومنها قوله: أردت أن «أخدم عظمته بإدخال فن الروايات في اللغة العربية إلى الأقطار المصرية ، وهو الفن الذي أصبح في أوروبا مدرسة الهيئة الاجتماعية. فأنعم علي بالقبول، وجاد بالسؤال وهو خير مجيب ومسئول. فبادرت بطبع هذه الرواية التي هي من النوع المعروف بالتراجيدية ودعوتها برواية مي، وقد كنت ألفتها في بيروت من ثماني سنوات.»
4
وفي يوليو 1875 تحدثت مجلة الجنان، تحت عنوان «الروايات العربية المصرية»، عن تقدم مصر في الفن المسرحي، لا سيما بناء المسارح بها، ولكنها أسهبت كثيرا في عدم فائدة تمثيل الروايات باللغات الأجنبية في مصر. وفي ذلك تقول: «... لأن أكثرية الأهالي لم تتمكن من جني الفوائد الكثيرة واللذة العظيمة الناتجة عن الروايات الجارية في مصر بها، ولذلك صممت على إنشاء الروايات العربية، ولو حالت دون ذلك صعوبات كثيرة فبعد الاجتهاد في ذلك السبيل بضع سنين صدرت إرادتها السنية بأن يقوم جناب سليم أفندي نقاش بترتيب روايات عربية وتنظيمها على نسق موافق للنسق الأوروبي ... فأتى ببراهين كافية أقنعت جناب درانيت بك مدير الروايات المصرية بأهليته وحذقه، فصدرت الإرادة الخديوية السنية بأن يقوم بعمل الروايات العربية.»
5
وفي أغسطس 1875 كتب سليم النقاش مقالا طويلا تحت عنوان «فوائد الروايات أو التياترات» أو «نسبة الروايات إلى هيئة الاجتماع»، تحدث فيه عن فائدة التمثيل المسرحي في خدمة المجتمعات الغربية والعربية، ثم عن شروط المسرحيات الممثلة، وأثرها في تمدن الأمم. ثم تطرق إلى تاريخ المسرح منذ نشأته في اليونان وإيطاليا وفرنسا، وعندما تطرق إلى هذا التاريخ عند العرب، تحدث عن عمه مارون النقاش ودوره في إدخال هذا الفن لأول مرة إلى البيئة العربية.
6
وفي هذا المقال أيضا تحدث سليم عن بداية تفكيره في خوض غمار هذا الفن، وكيف كان طريقه في إدخاله إلى مصر قائلا: «ولما رأيت كثيرين يريدون خوض هذا الفن هرعت إليه ... ولما كانت وسائط بلادنا المادية قاصرة عن إنجاح مطلبه، طمحت بي أفكاري إلى معالجة مقصدي في غيرها وإذ كنت أسمع بما نال مصر من رفعة الشأن ... قصدتها فرأيت الناس يدخلون فيها أفواجا ... وقد كنت أعشق مصر ... إذ عاينت تقدمها تمدنا الذي وضعها في مصاف بلاد أوروبا ، بيد أن أهلها ممتازون عن الإفرنج بما لهم من الرقة ولين الجانب وإكرام الغريب، هذا وإن منهم علماء بلغوا المرتبة العليا في العلوم خصوصا في اللغة العربية ... ويوجد بأهلها كافة ميل إلى تحصيل العلوم ورغبة في مساعدة أهلها، وهذه الرغبة توجد مضاعفة عند حكومتهم، فإن صاحب الشأن الرفيع والمجد المنيع الخديو المعظم بسط - ولا يزال يبسط - يد المساعدة لأهل العلم، ولنا على ذلك شواهد لا تحصى، وكفانا شاهدا ما ناله جناب الأديب الأبرع اللوذعي سليم أفندي البستاني في هذه السنة من الإكرام والمساعدة من فخامته ودائرته السنية، إذ تهافتوا إلى مساعدته بمشروع الإنسكلوبيذيا «دائرة المعارف» ... ولما تعرفت ببعض أعيان مصر الكرام بسطت إليهم أمري وأطلعتهم على ما بسري، فأوعزوا إلي أن ألتجئ إلى المراحم السنية الخديوية فهي ملجأ الراجي ومنية الراغب ومأمول الطالب ففعلت، وهكذا بلغت فوق ما تمنيت من أفضال جنابه العالي وأحسن إلي بقبول طلبي؛ وذلك بأن أدخل فن الروايات باللغة العربية إلى الأقطار المصرية فعدت إذ ذاك لأجهز في بيروت جماعة للتشخيص وألفت بعض روايات. وبعد جمع الجماعة باشرت دراسة الروايات فأتقن أكثرها وعما قليل يتم إتقانها كلها فأسير بالجماعة لأجري هذه الخدمة في الديار المذكورة، ولا بد من القول هنا إن الإفرنج قد بلغوا في فن الروايات درجة لم نبلغها نحن ...»
7
وأخيرا عقد مقارنة بين المسرحيات الغربية والمسرحيات العربية، مبينا أن العربية أفضل من الغربية؛ لأن لغتها مفهومة من قبل الجمهور، بعكس الأجنبية، لأن العربي مهما بلغ أوج المقدرة في اللغات الأجنبية فإنه لا يفهمها على وجهها الصحيح. كما أن العربية أفضل في نوع التطريب؛ لأنها مبنية على قواعد الموسيقى العربية التي تستهوي ميل المتفرج والمستمع العربي. كما تطرق أيضا إلى الفرق بين اللغة العامية والفصحى، لذلك صمم على أن يقدم مسرحياته في مصر بالفصحى، حتى يفهمها الجميع سواء من المصريين أو الشوام.
8
وبعد أن كون سليم فرقته المسرحية في لبنان، أعد العدة للسفر إلى مصر في سبتمبر 1875، ليمثل بها في أكتوبر كما كان مقررا. ولكن أصيبت بلاده بوباء الهواء الأصفر؛ مما جعل المواني المصرية تمنع دخول السفن القادمة من الشام إليها. وأمام ذلك مكثت الفرقة بلبنان ومثلت عدة روايات على سبيل التجربة قبل السفر إلى مصر في محاولة أخرى، فمثلت روايتي «البخيل» و«مي».
9
وعلى الرغم من أن ما سبق يدل على أن الحكومة المصرية قد صرحت لفرقة سليم بالتمثيل في الأوبرا الخديوية، وقررت لذلك شهر أكتوبر 1875، إلا أن هذا الاتفاق تم سحبه لتأخر الفرقة بسبب الوباء، وقررت السفر إلى مصر مرة أخرى في العام التالي 1876، وفي أكتوبر أيضا. ونفهم بعد ذلك أن سحب امتياز الأوبرا من الفرقة لا يمنع الترخيص لها بالتمثيل في مصر. ومن هنا قالت مجلة روضة المدارس في 17 / 11 / 1876 عن الإسكندرية: «إنها في احتياج إلى مكان متقن للتشخيص العربي والإفرنجي، وقد رأينا في السوريين فيها ميلا شديدا إلى الحصول على مشخصين باللغة العربية، ونظن أن من الصواب أن يتفق مشخصو الروايات الخديوية التي لم يتيسر بعد وصولهم إلى مصر مع مشخصين من الإفرنج على استئجار المكان المعد لذلك فيها، ويكون التشخيص ليلة للعرب وليلة للإفرنج.»
10
وهذا معناه أن هناك إعدادا يتم في الإسكندرية لاستقبال الفرقة وتجهيز مسرح لتقدم عليه عروضها المسرحية.
أديب إسحاق.
وأخيرا تحضر فرقة سليم خليل النقاش في نهاية نوفمبر 1876، لتكون أول فرقة عربية مسرحية تأتي إلى مصر بصفة عامة، وإلى الإسكندرية بصفة خاصة. وأوردت لنا خبر هذا الوصول جريدة الأهرام في 1 / 12 / 1876 قائلة تحت عنوان «الروايات العربية»: «لأمر غني عن البيان أن تشخيص الروايات يعد في الوسائل الأولى التي بها أدمجته الهيئة الاجتماعية وأحكم نظامها، وما تم عن هذا المبدأ الحسن من الفوائد الجلية يقصدنا عن الإسهاب في الشرح لتثبيت ما أوردناه، فضلا عن أن جميع البلاد المتمدنة توالي هذا العمل أتم مراعاة وتسهل السبل لإتقانه. وبناء على ذلك يسرنا أن نرى وأبناؤنا نحن العرب شبابا أقدموا إلى ساحة هذا المضمار وخاضوا في جوانبه وتعلموا جميع أبوابه وأدركوا ما أدركوا بحزم اقترن بالثبات وأحكموا ما أحكموا بجهاد قومته الفطنة فرجعوا إلينا فوارس محنكة. وكان ممن نبغ فيهم وحاز قصب السبق بينهم ذاك الفتى اللبيب والحاذق الأديب سليم أفندي نقاش، الذي تلقى هذا الفن عن عمه المرحوم الخواجا مارون النقاش المبدع هذا العلم في الأقطار السورية، ويسرنا الآن أن نعلن بأنه حضر في هذه الأثناء إلى مدينتنا الإسكندرية مع رفقته المؤلفة من رجال ونساء ليقدم للجمهور ثمرة تعبه، مؤملا أن يكون سعيه مشكورا. يوم السبت القادم الواقع في 23 الحالي الساعة 8 ونصف إفرنجية ليلا.»
11
وكان من أبرز أعضاء هذه الفرقة يوسف الخياط.
وعندما جاء سليم إلى الإسكندرية أراد ضم أديب إسحاق إلى فرقته ليساندها بجانب يوسف الخياط، فأرسل إليه، خصوصا وأن أديب إسحاق له تجارب سابقة في المسرح، لأنه عرب مسرحية «أندروماك» لراسين بناء على طلب قنصل فرنسا في الشام، كما ترجم مسرحية «شارلمان» بعد وصوله إلى الإسكندرية وانضمامه إلى الفرقة التي اكتمل شكلها بوصوله.
12
وكانت أول مسرحية مثلتها الفرقة هي «أبو الحسن المغفل» في 23 / 12 / 1876، وقدمت بعدها «السليط الحسود» في 28 / 12 / 1876.
13
وفي 6 / 1 / 1877 مثلت مسرحية «مي وهوراس» في مسرح زيزينيا بالإسكندرية. وكانت التذاكر تباع بمحل بجوار القنصلية الفرنسية بالإسكندرية، وكان هذا المحل يبيع بجانب التذاكر نسخا مطبوعة من المسرحية. أما رواية عايدة فكان يبيع نسخها المطبوعة أيضا الأديب حبيب غرزوزي،
14
الذي أكد أن الفرقة مثلت روايات: هارون الرشيد، والسليط الحسود، والكذوب، ومي، وعايدة، فتحدث عن ذلك وعن سليم النقاش في 11 / 2 / 1877 قائلا: «إن ذلك المدير الماهر أبدى في ذلك التياترو العجب العجاب الذي أعجب ذوي الألباب من الأتراك والإفرنج عموما والمصريين والشاميين خصوصا، ولاعتبار هذا عند الأوروباويين اعتبار مدرسة تهذيب الأخلاق كانوا لا يرون للعرب فضلا في إهماله، فلما رأوا تشخيص مثل روايات هارون الرشيد والحسود والكذوب ومي وعائدة علموا أنهم لم تعقهم فهمها وشهدوا بمكانتهم في النباهة.»
15
وإلى هنا تصمت جميع الدوريات عن ذكر نشاط سليم النقاش المسرحي،
16
الذي لم يستمر سوى ثلاثة أشهر فقط، لنجد الأخبار عنه تتحول من النشاط المسرحي إلى النشاط الصحفي. فتذكر جريدة الوقائع في 10 / 2 / 1878 أنه أصدر في العام السابق جريدة «مصر» بالإسكندرية - مع رفيقه في النشاط المسرحي والصحفي أديب إسحاق - وأنه منذ خمسة أشهر يقوم بترجمة أخبار الحرب بين الروس والعثمانيين.
17
وواصل سليم عمله الصحفي طوال حياته بعد ذلك فأصدر عدة صحف، منها: جريدة «التجارة»
18
في عام 1878 بالقاهرة مع أديب إسحاق، وجريدة «العصر الجديد» وجريدة «المحروسة»
19
مع آخرين في عام 1880. (1-1) يوسف الخياط
أما الضلع الثالث من مثلث الفرقة المسرحية العربية الأولى في مصر، كان يوسف الخياط الذي حمل لواءها - بعد انسحاب الضلعين الآخرين منها إلى الصحافة - فسار معها شوطا كبيرا نجح في استمرارها سنوات طويلة، بعد أن تقلص نشاطها المسرحي على يد سليم وأديب لبضعة أشهر فقط.
بدأت فرقة يوسف الخياط تتكون في عام 1877 من أنقاض وبقايا فرقة سليم النقاش، بعد أن تركها مع أديب إسحاق إلى الصحافة. فمثلت هذه الفرقة رواية «صنع الجميل» بمسرح زيزينيا بالإسكندرية في 29 / 9 / 1877،
20
ومثلت على نفس المسرح رواية «الجبان» في مارس 1878 التي كانت آخر رواياته في هذا الموسم.
21
مسرح زيزينيا بالإسكندرية.
ومع بداية الموسم التالي قالت جريدة الأهرام في 29 / 10 / 1878 تحت عنوان «التشخيص العربي في تياترو زيزينيا»: «إن الجمعية الخيرية بالإسكندرية تقدم مساء الثلاثاء القادم الواقع في 29 أكتوبر سنة 1878 ... رواية يعيد تشخيصها في تياترو زيزينيا بواسطة الخواجا يوسف الخياط وقومبانيته وحبا بصالح الفقراء إذ دخلها إليهم. وهذه الرواية تسمى برواية «الأخوين المتحاربين» المعروفة برواية أبثاسيد تأليف راسين الفرنسوي الشهير ذات ثلاث فصول أعربت على أحسن أسلوب مع التحفظ على وقائعها ومعانيها العجيبة وفوائدها الغريبة. ويتبعها رواية مضحكة ذات فصل واحد ...»
22
وفي فبراير تترك الفرقة الإسكندرية وتأتي إلى القاهرة وتمثل بالأوبرا رواية «الظلوم» في 7 / 2 / 1879، وخصص دخل هذه الليلة للممثلة الأولى بالفرقة.
23
وهذه الليلة على وجه الخصوص أثارت جدلا كبيرا في تاريخ هذه الفرقة المسرحية،
24
مفاده أن الخديو حضر هذه الليلة وشعر بأن يوسف الخياط يرمز بهذه المسرحية إلى ظلمه في الحكم، فأمر بإخراجه من مصر. ولكن جريدة مرآة الشرق
25
تأتي بخبر عن هذه الفرقة في 29 / 3 / 1879 يؤكد أن الفرقة مستمرة في التمثيل، ولم تخرج من مصر، وذلك عندما قالت: «قد بارحنا يوم الإثنين الماضي حضرة الشاب الأديب يوسف أفندي خياط مدير التياترو العربي مع قومبانيته إلى الإسكندرية، وقد فهمنا منه أنه سيستأنف هناك التشخيص، نسأله سبحانه أن يبلغه سلامة الوصول ويوليه كمال التوفيق.»
26
وتنقطع أخبار يوسف الخياط وفرقته، حتى تعود إلينا في أواخر سنة 1881، عندما مثلت الفرقة في ديسمبر بالقاهرة مسرحية «أبو الحسن المغفل»، وأعادت تمثيلها في 5 / 1 / 1882.
27
ثم تنقطع الأخبار مرة أخرى بسبب الثورة العرابية، وتعود في أواخر سنة 1884 لتخبرنا بأن الخياط ألف فرقة جديدة من بعض الشوام والمصريين. وكانت باكورة عملها تمثيل مسرحية «هارون الرشيد» بمسرح زيزينيا في 10 / 12 / 1884،
28
وعلى نفس المسرح أيضا مثلت مسرحية «الظلوم» في 24 / 12 / 1884.
29
وبدأت الفرقة تتنقل وتعرض في أكثر من مسرح، ففي 11 / 1 / 1885 مثلت مسرحية «الكذوب» على مسرح برنتانيا،
30
وفي 16 / 1 / 1885 مثلت مسرحية «الظلوم» على مسرح البوليتياما،
31
ثم عادت مرة أخرى في أول فبراير إلى مسرح زيزينيا وفتحت باب الاشتراك للجمهور في مشاهدة خمس مسرحيات متتالية، فكانت مسرحية «مي وهوراس» باكورة هذا الاشتراك في 5 / 2 / 1885.
32
أما العرض الثاني من هذا الاشتراك، فكان في 7 / 2 / 1885 بمسرحية «شارلمان»، ولأول مرة نقرأ أسماء بعض أعضاء فرقة يوسف الخياط، ومنهم: الشيخ سلامة حجازي، وفتح الله الرباوي، ونجيب شكيب، والشيخ مصطفى عارف، والممثلة هيلانة بيطار. والعرض الثالث كان لمسرحية «الكذوب» في 12 / 2 / 1885،
33
والرابع لمسرحية «الظلوم» في 14 / 2 / 1885، والخامس لمسرحية «الخل الوفي» في 19 / 2 / 1885. وبسبب إقبال جمهور الإسكندرية استمرت الفرقة في تقديم أعمال أخرى، مثل: «أندروماك» في 21 / 2 / 1885،
34
و«شارلمان» في 28 / 2 / 1885،
35
و«العلم المتكلم» وأتبعتها بأحد الفصول المضحكة في 7 / 3 / 1885.
36
وفي 17 / 3 / 1885 قالت جريدة الأهرام: «كما ذكرنا قبل الآن أن جناب البارع يوسف أفندي خياط مدير فريق الروايات العربية وعد بتقديم ثلاث ليال في تياترو زيزينيا بثغرنا قبل ذهابه إلى المحروسة فبلغنا بعد ذلك أن المومأ إليه لما رأى الفرصة بين وقتنا الحاضر وموعد ابتدائه في التشخيص بتياترو الأوبرا الخديوي بالعاصمة غير فسيحة واضطر إلى إعداد المعدات اللازمة للسفر عدل عن تقديم الليالي الثلاث الموعودة، ولكنه أبى إلا أن يدخر طلب الجمهور فصمم على تقديم رواية واحدة هي رواية «عائدة» المشهورة وعين لها مساء يوم السبت القادم ... في تياترو زيزينيا ويعقبها تمثيل الفصل المضحك. وتلك الليلة ستكون ليلة الوداع.»
37
ووصلت الفرقة إلى القاهرة في أبريل 1885، ومثلت رواية «الظلوم» في 10 / 4 / 1885. وفي هذه الليلة أطلعتنا جريدة الزمان
38
على أسماء جديدة لأعضاء فرقة يوسف الخياط، ومنهم: نجيب أنسطاس، والسيدة كاترين، ونجيب طنوس.
39
وواصلت الفرقة حفلاتها بالأوبرا فمثلت في 11 / 4 / 1885 مسرحية «أندروماك».
40
وفي بداية عام 1886 كون الخياط فرقة جديدة بالاشتراك مع مراد رومانو، وعزمت هذه الفرقة على تمثيل عدة حفلات بمسرح زيزينيا بالإسكندرية،
41
وأول رواية كانت «عايدة» في 18 / 2 / 1886،
42
والثانية «أندروماك» في 20 / 2 / 1886،
43
والثالثة «شارلمان» في 25 / 2 / 1886،
44
والرابعة «عايدة» في 27 / 2 / 1886، وكانت هذه المسرحية آخر الحفلات لهذا الموسم.
45
ولمدة عامين بعد ذلك، واصلت الفرقة نشاطها المسرحي في أقاليم مصر. ففي الزقازيق مثلت عدة روايات، منها «عايدة» و«الخل الوفي». وعن هذا الأمر تقول جريدة الأهرام في 28 / 1 / 1887 تحت عنوان «التياترو العربي في الزقازيق»: «شخص جوق حضرة البارع يوسف أفندي خياط مساء يوم الأربعاء الماضي رواية «عائدة» الشهيرة فحضرها سعادتلو مدير الشرقية وعزتلو وكيله وبعض وكلاء قناصل الدول وأعيان البندر من الجنسين. وقد أجاد المشخصون والمشخصات غاية الإجادة فصفق لهم الجميع ونثروا الزهور على المشخصين والمشخصات؛ استحسانا لما أبدوه من رشاقة الحركات ودقة التمثيل وحسن الإلقاء وخصوصا رادمس الذي أدهش العقول ورمفيس رئيس الكهنة الذي أعزب وأطرب بصوته الرخيم وعائدة ابنة ملك الحبشة وأمتريس ابنة فرعون وغيرهم. وإنه ليسرنا أن نرى التشخيص العربي آخذ في التقدم والنجاح وأهالي الشرقية مواظبين على حضور روايات هذا الجوق التام النظام، ولا ريب في أنهم سيوالون الحضور في الليالي المقبلة تنزيها للأفكار وإسعافا لهذا المشروع الجميل. وبلغنا أنه شخص في مساء أمس رواية «الخل الوفي» إجابة لطلب الجمهور فنأمل له التوفيق والنجاح.»
46
وبعد انتهاء الفرقة من رحلتها المسرحية في الزقازيق، ذهبت للعرض في المنصورة، ومنها إلى دمياط والعودة مرة أخرى إلى الزقازيق لتمثل بها عدة حفلات أيضا.
47
وعن رحلة دمياط تقول جريدة الأهرام: «والى جوق حضرة البارع يوسف أفندي الخياط التمثيل ثلاث ليال بعد الأولى وكان في الليلة الثالثة المطر شديدا حتى كاد يقطع السبل إلا أنه لم يعق القوم عن الحضور إلا القليل منهم وهذا أكبر دليل على ما لهذا الجوق من الأهمية وما للدمياطيين من الغيرة على مساعدة المشروعات الأدبية، وأما الليلة الرابعة فمثل بها رواية «تليماك» الشهيرة وسيشخص في الليلة الخامسة مساء الخميس 26 الجاري رواية «فرسان العرب» الشهيرة برواية «عنترة بن شداد». ومن ثم يوالي التشخيص إلى إتمام العشر ليال، وقد وعد بأن يختمها بليلة حادية عشرة يخصص نصف دخلها للمدرسة الأهلية. ولعمري إنها مأثرة تذكر له ويشكر بها. وأخيرا يتوجه إلى الزقازيق حيث يشخص بها رواياته الشهيرة.»
48
وبعد رحلة الزقازيق، ذهبت الفرقة إلى طنطا فدمنهور في مايو 1888،
49
وكانت هذه الرحلة آخر عهد مسرحي لهذه الفرقة
50
إلى أن مات يوسف الخياط في عام 1900. وهكذا تسدل الستار على نهاية أول فرقة مسرحية عربية تزور مصر في القرن التاسع عشر، على اعتبار أن فرقة يوسف الخياط من نتاج فرقة سليم خليل النقاش. (2) فرقة سليمان القرداحي
على الرغم من قلة المراجع الحديثة، التي تحدثت عن سليمان القرداحي وفرقته، إلا أنها اختلفت في أمر بدايته المسرحية. فهناك رأي يقول إن القرداحي جاء من سوريا هو وزوجته، التي أنشأت مدرسة، فكانت تقيم حفلة مسرحية مدرسية كل عام فيها، وبسبب هذه الحفلات حضت زوجها على إنشاء فرقة مسرحية.
51
أما الرأي الآخر فيقول: إن القرداحي كان ممثلا في فرقتي سليم النقاش ويوسف الخياط.
52
ومن الملاحظ أن الرأيين لم يدعما بدليل واحد يؤكد أحدهما حتى صدور هذا الكتاب.
ومن هنا كان علي أن أحسم الأمر. وهذا الحسم وصلت إليه من خلال الأخبار المنشورة في الدوريات القديمة، التي أكدت ووثقت صحة الرأي الأول. فجريدة التجارة عام 1879 نشرت خبرين، الأول يقول إن خرستين قرداحي رئيسة المدرسة القرداحية توجهت إلى بيروت في زيارة عائلية ، وستعود بعدها لاستئناف عملها في الموسم الدراسي الجديد.
53
ومن الممكن أن يمر هذا الخبر على أي قارئ مر الكرام، لأنه لا يفيد شيئا، ولا يدل على شيء؛ لأن من الممكن أن اسم خرستين قرداحي مجرد تشابه في الأسماء. ولكن الخبر الثاني أكد على أنها زوجة القرداحي بالفعل! فالخبر عبارة عن إعلان موقع من سليمان القرداحي نفسه يطالب فيه الأهالي بدفع المستحقات المالية الجديدة لتعليم أبنائهم في العام الدراسي.
54
وتوقيع سليمان القرداحي في نهاية الإعلان يؤكد أنه كان يساعد زوجته خرستين في الأمور الإدارية للمدرسة. ومن هنا يصح الرأي الأول في أن زوجة القرداحي دفعت زوجها لإنشاء فرقته المسرحية.
تكونت فرقة القرداحي في عام 1882 بالإسكندرية ومثلت في مسرح زيزينيا عدة مسرحيات، منها «فرسان العرب» في 25 / 5 / 1882.
55
وتتوقف الفرقة بعد موسم قصير حتى تعود في نهاية عام 1885 بتكوين جديد - بعد أن شارك القرداحي المطرب مراد رومانو في تكوينها - وبدأت تمثل موسما حافلا بمسرح البوليتياما بالإسكندرية.
سليمان القرداحي.
ومن عروض هذا الموسم مسرحية «زنوبيا» في 3 / 1 / 1886،
56
ومسرحية «أستير» وقد أعقبها بفصل مضحك في 7 / 1 / 1886، ومسرحية «هارون الرشيد» في 9 / 1 / 1886،
57
ومسرحية «يوسف» في 14 / 1 / 1886،
58
التي قالت عنها جريدة الأهرام: «شخص جوق قرداحي أفندي ورومانو أفندي مساء أمس رواية «يوسف» فأجاد جميع المشخصين وأحسنوا الإشارة والإلقاء، وخصوصا يعقوب وأولاده وامرأة العزيز حتى استغرقوا الأغراض ووسعوا الناس شرع الإطناب في تمداحهم والثناء عليهم فصفقوا لهم مرارا. وفي الحقيقة فإننا نرى هذا الجوق أخذ في التقدم منهجا مستقيما؛ فهو اليوم خير منه أمس، وقد دلنا ذلك على أن هلال تقدمه سيصير عما قليل بدرا كاملا. غير أننا نرجو من الجمهور الإسكندري أن يقابله بالمبادرة إلى حضور رواياته لتتوفر لديه أسباب هذا التقدم. ولقد عقب تمثيل الرواية فصل بانطوميم مضحك جدا قام بإدارته البارع الماهر في هذا الفن الذي كان يقدم فصول البانطوميم في جوق حضرة الشيخ أبي خليل أفندي القباني فسر جميع الحضور بما شهدوا من رشاقة حركاته. وسيشخص الجوق المذكور مساء غد رواية «عنترة العبسي» بناء على طلب كثيرين من أهل الذوق وهي رواية ذات ثلاثة فصول تنتهي بزفاف عبلة إلى عنترة وتتخللها أدوار بديعة ومناظر مدهشة جادتها سحائب الظرف وهب عليها نسيم اللطف، وكفى بها أنها تعرب عن عزة العرب ومنعتهم وسخائهم ووفائهم، وتظهر خير فضلهم الباهر وشرفهم الزاهي ...»
59
وفي 21 / 1 / 1886 مثلت الفرقة رواية «تليماك»، بعد أن أحدثت فيها عدة تغييرات في المناظر، عما كانت تقدم من قبل فرقة الخياط،
60
ومن ذلك قول جريدة الأهرام: «... وكان منظر نزول جوبيتر مدهشا جدا، إذ ظللته الغمام وارتجت لهيبته صعقات الرعود والبروق، فصفق لهم المشاهدون تصفيق الاستحسان واستعادوهم مرارا.»
61
وفي 23 / 1 / 1886 مثلت الفرقة عدة فصول منتخبة من بعض المسرحيات، وجعلت إيراد هذه الليلة للممثلين.
62
وفي 28 / 1 / 1886 مثلت مسرحية «محاسن الصدف» وأعقبتها بفصل مضحك تحت عنوان «الصيدلي» قام به محيي الدين الدمشقي.
63
وفي 31 / 1 / 1886 مثلت الفرقة أيضا عدة فصول مختلفة من بعض المسرحيات، وقررت السفر إلى القاهرة بعد ذلك.
64
وصلت فرقة سليمان القرداحي إلى القاهرة في فبراير 1886، وعلى الفور نشرت في معظم الصحف الإعلان التالي تحت عنوان «عدنا والعود أحمد»، قالت فيه: «نتشرف بأن نعلن للجمهور أنا قدمنا إلى المحروسة تلبية لنداء كثير من ذوي الأدب وأولي الفضل لنعود إلى إجراء التشخيص، وقد بذلنا ما في الوسع لتحسينه بإكمال المعدات واستيفاء ما يلزم وانتقاء الروايات الجميلة الوضع الرقيقة المعنى، واختيار مشخصين من البارعين الوطنيين ومشخصات على غاية من الأدب والحشمة وحسن الإلقاء. وقد اتخذنا تياترو الأوبرا الخديوي مرسى لتمثيل رواياتنا؛ رعاية لمقام مشرفينا، فنأمل منهم «كما والونا بتشريفهم» في تياترو البوليتياما أن يستمروا على موالاتهم. وقد أنشأنا روايات جديدة جديرة بالتفات ذوي الأدب إليها، وسنشخص ثلاثين ليلة في مدى شهرين ونصف، والابتداء يوم 11 مارس. وتسهيلا لحضرات النبهاء خفضنا أسعار الأوراق ... وزيادة للتسهيل لا نكلف حضرات المشتركين بدفع الأجرة بتمامها مقدما بل النصف فقط والباقي بعد تقديم عشر روايات ... ([توقيع] «رئيس القومبانية: سليمان القرداحي» «مدير التياترو: بوني وسوسكينو»).»
65
وبدأت الفرقة التمثيل في الأوبرا الخديوية لأول مرة في تاريخها، بعد أن حصلت من نظارة الأشغال على الترخيص اللازم لتمثيل مجموعة مسرحيات، هي: «تليماك»، «بجماليون» أو «أستريه»، «ميروبا» أو «على الباغي تدور الدوائر»، «يوسف الحسن»، «فيدر» أو «نكث العهود»، «أستير»، «هارون الرشيد» أو «غرام الملوك»، «زنوبيا» أو «ملكة تدمر »، «الجاهل المتطبب»، «محاسن الصدف»، «سليم وأسما» أو «حفظ الوداد»، «المروءة والوفاء»، «أندروماك»، «ذات الخدر»، «إستاكيوس»، «عنترة العبسي»، «الباريسية الحسناء».
66
وكانت أول مسرحية تعرضها الفرقة في الأوبرا مسرحية «زنوبيا» في 11 / 3 / 1886،
67
وفي اليوم التالي مسرحية «يوسف الحسن»، وفي اليوم الثالث مسرحية «هارون الرشيد»،
68
وفي الرابع مسرحية «حفظ الوداد».
69
ثم توالت العروض بعد ذلك - في أيام معلومة من كل أسبوع، وهي: السبت والأحد والثلاثاء والخميس، فمثلت الفرقة في 18 / 3 / 1886 مسرحية «إستاكيوس»،
70
الذي حضرها الخديو وكبار رجال الدولة ومنهم سير هنري درامندولف. وفي 20 / 3 / 1886 مثلت مسرحية «أستير»،
71
وفي 25 / 3 / 1886 مسرحية «ميروبا أو على الباغي تدور الدوائر».
72
وقد حقق سليمان القرداحي نجاحا كبيرا في عروضه السابقة في الأوبرا الخديوية، مما شجعه على كتابة مذكرة في 25 / 3 / 1886 لرئيس مجلس النظار قال فيها: «مجلس النظار رئيس دولتلو أفندم حضرتلري: لا ريب في أن فطرة دولتكم الشريفة مجبولة بالطبع على الميل لتعضيد المشروعات الأدبية الوطنية؛ تنشيطا لذويها وحبا لتقدم هذا الوطن العزيز، وثقة بذلك أنهي لمعالي فخامتكم أنه لما بلغني أن مجلس النظار قرر للتشخيص العربي في تياترو الأوبرا مدة شهرين أجهدت النفس وبذلت النفيس في تنظيم جوقة وطنية مؤلفة من نخبة المشخصين والمشخصات، فجاءت بحوله وتعالى على ما يرام؛ إذ نالت بما قدمته بين الإسكندرية ومصر ما أكسبتها ارتياح العموم إليها، لكنني لما التمست عقب انتهاء أعمال الجوق الأوروبي أخذ الشهرين المقررين للجوق العربي وجدت لسوء حظي أن الخواجة بوني قد سبقني لأخذهما، فالتزمت أن عقدت معه شروطا على ثلاثين ليلة أدفع له عن كل ليلة ثلاثمائة فرنك سالمة ليده. وحيث إني لاقيت في هذه المهمة أشد المصاعب والأتعاب حتى توصلت إلى إبلاغ الجوق إلى تلك الدرجة المحمودة، أتيت أقرع باب مكارم دولتكم وجليل سجايا فخامتكم ألتمس بعريضتي هذه الإحسان إلي في العام المقبل بالشهرين المقررين للجوق العربي في تياترو الأوبرا لأشخص بهما ثلاثين ليلة على روايات ومواضيع مختلفة ما بين المفرح والمحزن والمطرب والمضحك فيما يحسن وقعه ويعم نفعه وأن نحسن لدى مولاي الأكرم فليكونا هذين الشهرين نوفمبر وديسمبر من هذه السنة أو عقيب التشخيص الأوروبي مارس وأبريل 1887. أدام من ساحة مولاي ملجأ للقاصدين، أفندم. ([توقيع] سليمان القرداحي).»
73
وبعد هذه المذكرة واصل القرداحي تقديم عروضه في الأوبرا، فمثل في 28 / 3 / 1886 مسرحية «تليماك» فحضرها الغازي أحمد مختار باشا، وفي 29 / 3 / 1886 مسرحية «عفة النفس»،
74
وفي 30 / 3 / 1886 مسرحية «زنوبيا ملكة تدمر»،
75
تأليف جورج مرزا محرر جريدة الاتحاد بالإسكندرية.
76
وفي نهاية مارس وأول أبريل طالعتنا الصحف بأن الخديو أمر بإعطاء امتياز الأوبرا في العام القادم لسليمان القرداحي، ولمدة شهرين كطلبه في المذكرة السابقة.
77
وجاء شهر أبريل، وهو الشهر الثاني المخصص لفرقة القرداحي للتمثيل في الأوبرا، فمثلت في 1 / 4 / 1886 مسرحية «محاسن الصدف»،
78
وفي 3 / 4 / 1886 مسرحية «هارون الرشيد»،
79
وفي 6 / 4 / 1886 مسرحية «عفة النفس»،
80
وفي 13 / 4 / 1886 مسرحية «دليلة المحتالة»،
81
وفي 20 / 4 / 1886 مسرحية «الحكيم الجاهل»،
82
وفي 24 / 4 / 1886 مسرحية «الفرج بعد الضيق»، وقد حضرها وزير فرنسا،
83
وآخر مسرحية مثلتها الفرقة في هذا الموسم كانت «هارون الرشيد» في 1 / 5 / 1886، وقد حضرها الخديو،
84
وخصص دخلها لمنفعة الممثلين.
85
وتبدأ الفرقة بعد ذلك رحلتها - في العام التالي - بالتمثيل في مسرح البوليتياما بالإسكندرية كما كانت في بدايتها، وكان ممثلها الأول في هذا الموسم الشيخ سلامة حجازي، فمثلت في 5 / 1 / 1887 مسرحية «زنوبيا ملكة تدمر»،
86
وفي 12 / 1 / 1887 مسرحية «عشق الأقدمين وشفق الأبناء بالوالدين»،
87
وفي 20 / 1 / 1887 مسرحية «أبو الحسن المغفل»،
88
وفي 24 / 1 / 1887 مسرحية «عفة النفس» أو «فيدر»، وخصص دخلها للشيخ سلامة،
89
وفي 27 / 1 / 1887 مسرحية «محاسن الصدف». بالإضافة إلى جوق إيطالي لتقديم بعض الألعاب بعد المسرحية.
90
وفي 31 / 1 / 1887 مسرحية «حفظ الوداد»،
91
وفي 3 / 2 / 1887 مسرحية «المريض الوهمي»،
92
وفي 10 / 2 / 1887 مسرحية «عائدة»، وفي 13 / 2 / 1887 مثلت الفرقة عدة فصول من بعض المسرحيات.
93
وفي 17 / 2 / 1887 مسرحية «شارلمان»، وهي آخر مسرحية للفرقة على مسرح البوليتياما بالإسكندرية.
94
ووصلت فرقة القرداحي بمصاحبة ممثلها ومطربها الأول الشيخ سلامة حجازي إلى القاهرة في آخر فبراير 1887 لتقدم عروضها على خشبة الأوبرا الخديوية، بناء على طلب القرداحي في مذكرته السابقة، وموافقة الخديو عليها. فمثلت الفرقة عدة مسرحيات، منها: مسرحية «تليماك» في 3 / 3 / 1887 التي أبدع فيها الممثلان أحمد أبو العدل ومحمد عزت، وفي 5 / 3 / 1887 مسرحية «محاسن الصدف وبدائع التحف»، وفي 6 / 3 / 1887 مسرحية «الساحر الهندي»،
95
وفي 11 / 3 / 1887 مسرحية «عائدة».
96
وفي 26 / 3 / 1887 مسرحية «أبو الحسن المغفل»، وفي 27 / 3 / 1887 مسرحية «أستير»،
97
وفي 29 / 3 / 1887 مسرحية «هارون الرشيد»، وفي 31 / 3 / 1887 مسرحية «شارلمان».
98
وفي أبريل مثلت الفرقة مسرحية «عائدة» في 2 / 4 / 1887،
99
ومسرحية «عفة النفس» في 3 / 4 / 1887.
100
ومن الواضح أن نشاط الفرقة في ذلك الموسم لم يكن على غرار الموسم السابق بالنسبة لعروضها في الأوبرا، فتكبدت عدة خسائر متلاحقة؛ مما جعل عبد الرحمن رشدي ناظر الأشغال يكتب مذكرة إلى رئيس مجلس النظار في 21 / 4 / 1887 قال فيها: «إن سليمان أفندي قرداحي مدير الجوق العربي لتمثيل الروايات بالأوبره الكبرى الخديوية يبذل الآن من الجهد قصاراه ومن الكد غايته في تشييد دعائم فن جليل المبدأ بحسب من أنفع الأمور لهذا القطر ألا وهو فن تمثيل الروايات على اختلاف مغزاها وتغاير معناها، وذلك باللغة العربية الشريفة تفكيها لأهلها وتنزيلا لذويها. ولا يخفى ما في مباشرة هذا المشروع للوصول إلى الحجة المقصودة منه من المتاعب والمصاعب، ولا سيما وأن اللغة العربية قليلة المادة في الروايات ضيقة الأطراف في التأليف التمثيلية أصلية كانت أو منقولة عن اللغات الأجنبية. على أن هذه الصعوبات لم تكن لتخيف الأفندي المذكور أو تعيقه عن اطراد المبدأ المراد فإنه جمع من الروايات خيرتها وانتقى لتمثيلها مشخصين يوقعون التمثيل على موضوع الرواية التي يلقونها. ومذ أجازت الحكومة هذه السنة التمثيل في الأوبره الكبرى الخديوية خلال شهري مارس وأبريل لم يأل جهدا عن بذل ما في وسعه للتوصل إلى إتمام المشروع الذي صمم عليه، حتى شهد فضلاء القوم الذين واظبوا على الحضور لاستماع التمثيل بما لهذا الفن من الفائدة والأهمية العظمى.
وقد أعرب الجناب الخديوي المعظم عن ارتياحه إلى ترقية ونجاح فن التمثيل العربي عموما وتقدم جوق قرداحي أفندي فيه خصوصا. وقد رأت هذه النظارة أيضا أن هذا الفن جليل يستحق التفات الحكومة إلى أمر نجاحه وتنشيط ذويه ومساعدتهم.
هذا ومن حيث إن الجمهور لم يلب دعوة سليمان أفندي قرداحي على حسب المرغوب ، وكان الذين حضروا تمثيل رواياته قليلين ومدخوله بالنتيجة طفيفا؛ حتى أصبح لذلك حريا بالمساعدة والتنشيط فيجب على الحكومة أن تجعل له مبلغا من النقود يمكنه على الأقل من القيام بمصاريف جوقه التي تكبدها مدة شهري التمثيل المذكورين. لكن الحالة المالية لا تسمح الآن بمثل هذه المساعدة، غير أن في فصل 6 قسم 3 من ميزانية هذه النظارة مبلغ أربعمائة جنيه قيمة مصاريف إنارة الأوبره بالغاز في الشهرين الأخيرين (وهما يناير وفبراير) من التزام الخواجات بوني وسوسكينو، وهذا المبلغ أصبح اليوم وفرا في الميزانية لداعي إبطال التمثيل في هذين الشهرين، فهذه النظارة ترجو من المجلس بناء على ما ذكر أن يصرح لها بصرف المبلغ المرقوم لسليمان أفندي قرداحي؛ تنشيطا له وجزاء على ما تحمله من الأتعاب والمشقات لتوسيع نطاق تمثيل الروايات باللغة العربية في مدينة القاهرة، الأمر الذي هو شديد الأهمية وكبير الفائدة للقوم.»
101
ومن المؤكد أن مجلس النظار لم يوافق على هذا الاقتراح، بدليل أن القرداحي لم يستطع دفع أجور الممثلين، فأقام حفلة مسرحية أخيرة بالأوبرا في 27 / 4 / 1887 خصص دخلها لبعض الممثلين، كما تبرع المطرب عبده الحامولي بالغناء فيها بين الفصول من أجل زيادة الدخل.
102
هذا بالإضافة إلى توقف نشاط الفرقة حتى نهاية العام التالي عام 1888، عندما بدأت الفرقة بعرض أعمالها بمسرح زيزينيا، وكانت بداية ضعيفة لا تتناسب مع شهرتها السابقة؛ مما جعل جريدة القاهرة في 19 / 11 / 1888 تنتقد أحد عروض هذه البداية قائلة: «بلغنا عن ثقة عدم انتظام الرواية التي قدمت مساء أمس في تياترو زيزينيا تحت إدارة الخواجة سليمان القرداحي؛ لأن الخلل الذي تخللها من كل جهاتها كان مخجلا بل فاضحا، ولولا وجود حضرة المنشد المتفنن الشيخ سلامة حجازي ... لكانت تلك الليلة الليلاء عبارة عن مأتم.»
103
ووصل الأمر بالفرقة التي كانت تحظى بعناية الخديو والوزراء، فيدافعون عنها ويعضدونها بالمال، ويعطونها امتياز الأوبرا الذي كان حلما للفرق العربية في يوم من الأيام إلى أن تعرض أعمالها في الإسكندرية ضمن حفلات بعض الجمعيات، كجمعية الروم الكاثوليك في 1 / 2 / 1889.
104
وأمام هذا الانهيار رحلت الفرقة إلى العاصمة لعلها تجد ما يقوي من عزمها، فتواصل رسالتها الفنية. ووصلت الفرقة إلى القاهرة بعد أن ضمت إليها المطربة ألمظ، وعرضت بعض المسرحيات في أغسطس 1889،
105
ومن المؤكد أن الفشل لازم الفرقة أيضا مما جعلها تتوقف لمدة ثلاث سنوات، أو على الأقل كانت تجوب فيها الأقاليم؛
106
لأننا لم نقرأ عنها أية أخبار، حتى عادت هذه الأخبار مرة أخرى في الصحف اليومية، وبالأخص في عام 1892 لتتحدث عن نشاط الفرقة في الأقاليم، ونعلم منها أن الفرقة تعرض أعمالها في المنصورة في أبريل 1892،
107
ومنها إلى طنطا، فالمنصورة أيضا حيث مثلت مسرحية «الأمير حسن» بمسرح التفريح في 28 / 4 / 1892.
108
واستمرت الرحلة في أقاليم مصر بعد ذلك لمدة شهرين، فأخبرتنا الصحف أن القرداحي سيشكل فرقة جديدة بالاشتراك مع سليمان الحداد للتمثيل في أقاليم مصر.
109
ومن المؤكد أن هذا المشروع لم يتم لأن الأخبار انقطعت، وعادت مرة أخرى في مايو 1893 لتخبرنا بأن فرقة القرداحي وحدها - بدون الحداد - قد تكونت من جديد وستتخذ من محل معرض مدام ونتر أمام محل بيع وتبادل العملات النقدية «السكاتنج رنج» بالأزبكية مسرحا لها.
110
ومن الملاحظ أن مسرح القرداحي الجديد لم يتخذ اسم معرض مدام ونتر، بقدر اتخاذه لاسم «السكاتنج رنج» ليطلق عليه.
وبدأت فرقة القرداحي بداية قوية على هذا المسرح، فشهدت في مواسمها الأولى نجاحا لم تشهده في تاريخها السابق أو اللاحق، فبدأت بتمثيل مسرحية «هملت» في 24 / 6 / 1893، ومسرحية «مونتجمري» في 25 / 6 / 1893،
111
ومسرحية «المريض الوهمي» في 28 / 6 / 1893، ومسرحية «أستير» في 29 / 6 / 1893،
112
ومسرحية «القائد المغربي» في 1 / 7 / 1893،
113
ومسرحية «فيدر» في 4 / 7 / 1893،
114
ومسرحية «هملت» في 6 / 7 / 1893،
115
ومسرحية «أنس الجليس» في 7 / 7 / 1893، ومسرحية «اللصوص» مع فصول مطربة على تخت أحمد فريد في 8 / 7 / 1893،
116
ومسرحية «تليماك» في 13 / 7 / 1893،
117
ومسرحية «القائد المغربي» في 15 / 7 / 1893،
118
ومسرحية «حلم الملوك» في 20 / 7 / 1893،
119
ومسرحية «أستير» في 22 / 7 / 1893،
120
ومسرحية «الفرج بعد الضيق» في 25 / 7 / 1893،
121
ومسرحية «الأمير حسن» في 27 / 7 / 1893،
122
ومسرحية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» في 29 / 7 / 1893.
123
واستمرت الفرقة في نشاطها الناجح طوال الشهور التالية، فأعادت تمثيل المسرحيات السابقة، مع بعض العروض الجديدة كمسرحية «شهداء الغرام» في 8 / 8 / 1893،
124
ومسرحية «ثورة القيصر» في 10 / 8 / 1893،
125
ومسرحية «الانتقام الدموي» في 20 / 8 / 1893،
126
ومسرحية «أوغسطس قيصر» في 29 / 8 / 1893،
127
ومسرحية «حبيس الظلم» في 31 / 8 / 1893،
128
ومسرحية «دليلة المحتالة» في 5 / 9 / 1893،
129
ومسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في 14 / 9 / 1893.
130
وأمام هذا النجاح سافرت الفرقة في نهاية سبتمبر 1893 إلى الإسكندرية لتعرض على مسرح البراديزو أعمالها الفنية، فمثلت في 23 / 9 / 1893 مسرحية «هملت»،
131
وفي اليوم التالي مسرحية «مونتجمري».
132
ثم عادت الفرقة إلى القاهرة ومثلت على مسرح حلوان مسرحية «أبو الحسن المغفل» في 14 / 10 / 1893.
133
ثم انتقلت الفرقة في نهاية نوفمبر 1893 إلى أقاليم مصر في رحلة فنية طويلة، بدأتها بطنطا ومثلت فيها عدة مسرحيات، أخبرتنا بها جريدة المقطم في 27 / 11 / 1893 قائلة: «لم يسبق للناس إقبالهم على الملاهي لمشاهدة تمثيل الروايات العربية كإقبالهم في هذه الأيام على جوق حضرة البارع سليمان أفندي قرداحي مدير الجوق العربي الوطني، فقد حضر إلى بندرنا منذ أيام لتمثيل عشر روايات إجابة لرغبة الأهالي واتخذ له محلا في أحسن بقعة من المدينة وهي مقابل الكبري الخشب إلى الجهة البحرية. وقد نظمت تنظيما حسنا. وشرع في التمثيل منذ الخميس الماضي مساء، ومثل رواية صلاح الدين مع قلب الأسد فأجاد الممثلون كل الإجادة وصفق لهم الحضور تصفيقا متواليا، وألقى حضرة الممثل البارع سليمان أفندي حداد خطبة تناسب المقام ختمها بالدعاء للجناب الخديوي، ثم تلاه حضرة الأصولي البارع داود أفندي عمون المحامي وارتجل خطبة وجيزة أيضا. ومثل الجوق في مساء أمس رواية هملت للشاعر الإنكليزي المشهور، وقد مثل حضرة مدير الجوق أهم أدوارها فأجاد كثيرا. وضاق المحل بالحضور على سعته. وسيمثل مساء الغد رواية أستير الشهيرة. والمأمول أن الناس يقبلون عليها إقبالهم على الروايتين السابقتين.»
134
ومع بداية عام 1894 تركت الفرقة طنطا إلى أقاليم أخرى كالمنصورة والمحلة الكبرى
135
والزقازيق
136
فمثلت بها عدة مسرحيات. وفي نهاية عام 1894 أعطت الحكومة لسليمان القرداحي قطعة أرض بجوار شاطئ الإسكندرية، وتحديدا بجوار هيئة البريد بالمنشية، ليقيم عليها مسرحا. وبالفعل تم ذلك وأطلق على هذا المسرح «مسرح القرداحي»، وبدأت الفرقة تعرض عليه، وكانت أول العروض مسرحية «أوتلو» في أول نوفمبر 1894،
137
ثم أتبعتها بمسرحية «الصراف المنتقم» في 3 / 1 / 1895.
138
ومما لا شك فيه أن الفرقة لاقت نجاحا كبيرا على هذا المسرح، بدليل ما ذكرته مجلة الهلال في 1 / 2 / 1895 عندما قالت: «ذكرنا في الهلال الماضي ما أنبأنا به حضرة وكيلنا بالإسكندرية عن إتقان هذا الجوق، ويسرنا الآن أن الجناب العالي قد اختاره للتمثيل بسراي القبة في ليالي الأفراح التي يحييها الجناب الخديوي احتفالا بزفاف عصمتلو دولتلو شقيقة سموه فتهنئة بهذا الالتفات.»
139
وظل القرداحي يمثل على مسرحه بالإسكندرية
140
حتى أواخر أبريل 1895، عندما انتقل بفرقته إلى القاهرة ليمثل في المسرح الوطني بشارع الباب البحري بالأزبكية عدة مسرحيات، منها: مسرحية «ربيع بن زيد المكدم» في 18 / 4 / 1895،
141
ومسرحية «جنرال فينسيا» في 23 / 4 / 1895 بطولة المطرب حسن صالح.
142
ثم عاد مرة أخرى في أوائل عام 1896 إلى مسرحه بالإسكندرية فمثل فيه مسرحية «العاشق المفلس» في 25 / 1 / 1896.
143
وكانت مسرحية «محمد علي باشا» من أهم مسرحياته في هذا الوقت، وقالت عنها جريدة السرور
144
في 28 / 3 / 1896: «كانت ليلة الجمعة من هذا الأسبوع من الليالي الزاهرة في مرسح حضرة الأديب البارع سليمان أفندي قرداحي؛ حيث قام جوقه النشيط بتمثيل رواية هي من اللطف بمكان، مثل بها الطهر والعفاف والأمانة والإخلاص والعدل والحلم والرحمة والإنصاف والشجاعة ومعالي الهمم وسامي المدارك والكرم والسخاء ... إلى غير ذلك من مكافأة الخادم الأمين وجزاء ما يستحقه الخائن الكافر بنعمة مولاه، وكيف لا وهي رواية المغفور له محمد علي باشا رأس العائلة العلوية الكريمة وتأليف الفاضل زين أفندي زين ... وقد أظهر ممثليها من الرشاقة وحسن الإلقاء ورخامة الصوت ولطف الأزياء ما تطاولت لمرآهم الأعناق.»
145
ويعود القرداحي مرة أخرى إلى رحلاته المسرحية في الأقاليم، فيمثل ببني سويف مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في 21 / 9 / 1896،
146
وببنها عدة مسرحيات مختلفة لمدة خمسة عشر يوما في فبراير 1898،
147
وكذلك بمنيا القمح،
148
والمحلة الكبرى.
149
وظلت هذه الرحلة الإقليمية في نجاح كبير بسبب ضم القرداحي للممثلة لبيبة ماللي إلى فرقته،
150
حتى يوليو 1899، فعاد إلى القاهرة.
وعندما عاد القرداحي إلى القاهرة بدأ يمثل على مسرح القباني بالعتبة، عدة مسرحيات لاقت بعض النجاح بسبب شهرة الممثلتين ألمظ ولبيبة. وكان التمثيل أسبوعيا في أيام الأحد والإثنين والأربعاء والجمعة. وأول مسرحية عرضها كانت مسرحية «الخائن سيده» في 1 / 8 / 1899.
151
ثم أعاد تمثيل مسرحياته السابقة، بالإضافة إلى عروض جديدة كمسرحية «انتصار المؤمنين على عبدة الأصنام» في 8 / 8 / 1899،
152
ومسرحية «التاجر التونسي» في 10 / 8 / 1899،
153
ومسرحية «انتصار اليهود على هامان الجحود» في 12 / 8 / 1899.
154
وفي نهاية أغسطس عاد - بعد رحلة فنية قصيرة - إلى مسرحه بالإسكندرية،
155
ثم عاد مرة أخرى لمسرح القباني،
156
واستمر يعرض مسرحياته فيه حتى أوائل نوفمبر عام 1899.
157
وفي نوفمبر 1899 تحقق المشروع القديم، بين القرداحي وسليمان الحداد في تكوين فرقة مشتركة بينهما بالإضافة إلى الممثلين إسكندر صقيلي، وسليم عطا الله، وأمين بهجت، وأحمد عبد الفتاح، والشيخ علي إسماعيل ابن أخت سلامة حجازي، ورحمين بيبس. وأطلقوا على هذه الفرقة «الجوق المنتخب». ومثلت الفرقة بتكوينها الجديد عروضها على مسرح القرداحي بالإسكندرية الذي أصبح اسمه «مسرح الابتهاج». وأول عرض لهذه الفرقة كان مسرحية «حمدان» في 4 / 11 / 1899،
158
ثم توالت العروض بعد ذلك، مثل مسرحية «أوتلو» في 9 / 11 / 1899،
159
ومسرحية «الأسد المتملق» في 18 / 11 / 1899،
160
ومسرحية «عائدة» في 26 / 11 / 1899،
161
وأخيرا مسرحية «شارلمان ملك فرنسا وإمبراطور ألمانيا» في 7 / 12 / 1899.
162
وكانت هذه الليلة آخر عرض مسرحي لهذا الجوق المنتخب على الإطلاق. فقد انفصل الحداد عن القرداحي، الذي عاد يدير فرقته بنفسه دون مساعدة من أحد.
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين، بدأت أخبار فرقة القرداحي تتقلص في الصحف اليومية، وأصبحنا نتابعها في ندرة كبيرة بين الحين والآخر، وبالأخص بعد أن هدمت الحكومة مسرح القرداحي بالإسكندرية لتوسيع الكورنيش في عام 1900.
163
فنجد الفرقة تمثل في بورسعيد مسرحية «أوتلو» بطولة ألمظ وأحمد زكي في عام 1901،
164
ويعيد القرداحي تمثيلها مع مسرحيات أخرى في مسرح إسكندر فرح بالقاهرة بعد أن ضم إليه المطرب محمد الكسار في عام 1905.
165
ويعود في أعوام 1906، و1907، و1908 إلى رحلاته الإقليمية بعد أن ضم إليه الممثلين الهزليين أحمد فهيم الفار، ومحمد ناجي لتقديم الفصول المضحكة،
166
فقدم - على سبيل المثال - مسرحيات «ابنة حارس الصيد» و«مطامع النساء» في أسيوط في أبريل ومايو 1906،
167
و«غرام وانتقام» في الزقازيق يوم 29 / 7 / 1907،
168
وعدة مسرحيات في بني سويف عام 1908.
169
وقبيل وفاته - في عام 1909 - بقليل سافر في رحلة فنية إلى بلاد المغرب العربي، فأنعم عليه بنيشان في تونس، قالت عنه جريدة الوطن في 5 / 2 / 1909: «أنعم سمو باي تونس بنيشان الافتخار من الدرجة الثانية على حضرة النشيط سليمان أفندي قرداحي مدير الجوق المصري، وكان قد قام هناك بتمثيل بعض الروايات الشهيرة فسر منها سمو الباي أيما سرور، وفضلا عن ذلك فإن المجلس البلدي هناك منحه مبلغ عشرة آلاف فرنك، وكفى بذلك شهادة على براعة القرداحي أفندي من جهة وعلى تعضيد حكومة تونس لهذا الفن الجميل من جهة أخرى.»
ويقول محمد شكري عن سليمان القرداحي: «كان رحمه الله نشيطا جدا في مهنته ويتكل دائما على نفسه. وكان يجيد في التراجيدي إجادة أعطته شهرة كبيرة في التمثيل، وقد مثل أمام الخديو توفيق عدة روايات فنال عطفه ورضاه وأهداه دبوس على شكل طغراء كان يتقلده عندما كان يريد مقابلة المديرين ليساعدوه في إحياء حفلاته بالمديريات والمراكز، وقد سافر إلى البلاد التونسية ومثل أمام الباي فنال استحسانه وأنعم عليه بنيشان من درجة أفسيه. وكان تمثيله رحمه الله كثير الشبه جدا بتمثيل الأستاذ جورج أفندي أبيض.»
170
ويقول عنه أيضا عمر وصفي: «كانت سلطة القرداحي على المترجم عظيمة، بل سلطته على مؤلف الرواية أعظم إذ كان يحذف من الرواية ما يشاء ويضيف إليها ما يشاء ويغير ويبدل من مواقفها ما يشاء، فكانت تخرج الرواية من يد المترجم وإذا بها غيرها في يد مدير الفرقة. ولم يكن القرداحي يعرف الإعلانات التي نراها الآن ... بل كل إعلانه ينحصر في طائف ينادي في الشوارع يحمل جرسا وخلفه غلام يحمل إعلانا مكتوبا باليد وعليه اسم الرواية.»
171 (3) فرقة القباني
ولد القباني بدمشق عام 1842، ولما شب كلفه والي دمشق صبحي باشا بتأليف فرقة مسرحية، فقام بالعمل على خير وجه، ولاقت هذه الفرقة التي كانت تضم جورج ميرزا وإسكندر فرح،
172
نجاحا كبيرا. ولكن بعض مشايخ الشام «قدموا تقريرا إلى دار خلافة الإسلام، قالوا فيه: إن وجود التمثيل في البلاد السورية مما تعافه النفوس الأبية، وتراه على الناس خطبا جليلا، ورزءا ثقيلا؛ لاستلزامه وجود القيان، ينشدن البديع من الألحان بأصوات توقظ أعين اللذات في أفئدة من حضر من الفتيان والفتيات، فيمثل على مرأى الناظرين ومسمع من المتفرجين أحوال العشاق وما يجدونه من اللذة في طيب الوصل بعد الفراق، فتطبع في الذهن سطور الصبابة والجنون وتميل بالنفس إلى أنواع الغرام والشجون، والتشبه بأهل الخلاعة والمجون. فكم بسببه قامت حرب الغيرة بين العواذل والعشاق وسفك الدماء البريئة وأراق! وكم سلب قلب عابد وفتن عقل ناسك وحل عقد زاهد! كذا قد يرى الإنسان فيه من اللهو. وأحاديث اللغو ما يذهب بفكره ويضل الطير عن وكره حتى إذا ما ارتكبت النفس أعظم الموبقات واجترمت أنكر المحرمات وابتذلت الخدور ونفقت سوق الفحش والفجور وذهب المال وساء الحال، لا ينفع من ثم التلافي بعد التلاف، ولا يرد السهم إلى القوس وقد خرق الشغاف. ومثلوا بالتمثيل زاعمين أنه أس كل رذيلة وفعل وبيل.»
173
ولكن عمر وصفي - أحد ممثلي فرقة القباني - سرد لنا هذا الأمر برواية مختلفة في الشكل، متفقة في المضمون، قائلا: «فقد ذهبت النساء إلى رجال الشريعة يشكون أزواجهن؛ لأنهم يتغيبون عن البيت ... واشتكى أصحاب العمل من أن العمال أخذوا يهملون في العمل ويتغيبون عن المصانع لمشاهدة التمثيل ... وزادت الشكوى فاجتمع علماء المدينة وأرسلوا منهم وفدا إلى الوالي مدحت باشا ليأمر بمنع التمثيل والقضاء على كل هذه الشكاوى. ولكن الوالي وهو الذي حث وساعد على تأسيس هذه الفرقة لم يستمع إلى كلامهم ولم يعره التفاتا. رأى العلماء بعد ذلك أن لا مناص لهم من الالتجاء إلى السلطان لينقذهم من ذلك الخطر المداهم فأوفدوا إمام الأئمة إلى إسطنبول لرفع الشكوى إلى الأعتاب السلطانية. ووصل الشيخ إلى إسطنبول ولكنه لم يتجه بشكواه إلى القصر السلطاني بل انتهز فرصة صلاة السلطان في أحد المساجد في يوم الجمعة فدخل مع المصلين، ولم تكد تنته الصلاة حتى سمع الناس رجلا يبكي ويولول ويصيح: انقذوا الشام ... أدركوا دمشق، أنقذوا إخوانكم المسلمين من الفسق والفجور! وقبض طبعا على الرجل فورا، وأخذ إلى مركز البوليس للتحقيق معه فأخذ يبث شكواه ويصف ما آلت إليه دمشق من الانحطاط الخلقي مهولا في ذلك ما أمكن. وكان من الطبيعي أن يسأل من أمر ذلك الرجل الذي أزعج السلطان بصياحه في المسجد، فعرضت شكواه على السلطان فأصدر أمرا بمنع التمثيل في دمشق.»
174
وأخيرا تم منع القباني من التمثيل في الشام، فأرسل إلى سعد حلابو - أحد أعيان الإسكندرية، وخال والد الفنان زكي طليمات - يستشيره في أمر الحضور إلى مصر لمزاولة التمثيل المسرحي، فأبرق إليه بسرعة الحضور.
175
ووصلت فرقة القباني إلى الإسكندرية في يونيو 1884، ومن أعضائها توفيق دمشقية، وخليل مرشاف، ومحمد مهدوجاد. وأخبرتنا جريدة الأهرام بأمر وصول هذه الفرقة قائلة في 23 / 6 / 1884: «قدم إلى ثغرنا من القطر السوري جوق من الممثلين للروايات العربية، مدير أعماله حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل قباني الدمشقي الكاتب المشهور والشاعر المفلق. وقد التزم العمل في قهوة الدانوب التي بجانب قهوة سليمان بك رحمي. والجوق مؤلف من مهرة الممثلين في ضروب التمثيل وأساليبه وبينهم زمرة من المنشدين والمطربين تروق لسماعهم الآذان. وأول رواية سيمثلها «أنس الجليس».»
وقال عن وصول الفرقة أيضا أحمد شفيق باشا في 26 / 6 / 1884: «قدمت إلى الإسكندرية يومئذ فرقة تمثيل عربية برئاسة الشيخ خليل القباني، فذهبت في ليلة 26 يونيو إلى المسرح وكانت الرواية «نكران الجميل» فأعجبني التمثيل واغطبت بالأخص لأن فرقة عربية تعنى بهذا الفن الجميل.»
176
القباني.
وبعد نجاح الفرقة في عروضها بمقهى الدانوب، واصلت نفس النجاح بمسرح زيزينيا، فمثلت فيه مسرحية «على الباغي تدور الدوائر» في يوليو 1884،
177
ومسرحية «أنس الجليس» في نفس الشهر،
178
ومسرحية «الأمير محمود وزهر الرياض» في أغسطس 1884، وفي نفس الشهر أيضا مسرحية «عنترة العبسي»،
179
التي كانت آخر مسرحية تمثلها الفرقة بزيزينيا في ذلك الوقت، قبل أن تبدأ تمثيلها بمقهى حمام الدانوب مرة أخرى، عندما مثلت فيه مسرحية «عائدة» في 8 / 10 / 1884،
180
ومسرحية «حمزة المحتال» في 3 / 11 / 1884.
181
وفي نهاية عام 1884 تقدم القباني وعبده الحامولي بطلب لنظارة الأشغال لاستغلال الأوبرا في بداية عام 1885، وعلى الرغم من موافقة النظارة على ذلك،
182
إلا أن الدلائل أثبتت أن القباني لم يمثل في الأوبرا،
183
بل مثل على مسرح حديقة الأزبكية عدة مسرحيات منها مسرحية «ولادة» في 13 / 1 / 1885.
184
وبعد عدة رحلات في أقاليم مصر وفي الشام، عاد مرة أخرى في نهاية عام 1885، إلى مسرح حديقة الأزبكية.
وبعد عدة عروض تلقى القباني نقدا لاذعا من جريدة الزمان في أكثر من مقال ، عندما قالت الجريدة في 22 / 12 / 1885 تحت عنوان «التشخيص العربي في تياترو الجنينة»: «صمتنا عن هذا التشخيص مدة طويلة من الزمن وغضينا الطرف ساكتين عن القذى إلى أن طفح الكيل وعم الويل وأصبح الكلام فرضا واجبا وشرح الحالة خدمة وطنية. إذ من المعلوم أن التياترو والتشخيص ما جعل إلا لتهذيب الأخلاق وتحسين الطباع وترقي الناس إلى درجة الكمال ... ولكن من سوء الحظ رأينا التشخيص العربي في تياترو جنينة الأزبكية جاريا على ما يفسد الآداب ويهتك حرمتها وينزع من القلوب تلك المبادئ الشريفة التي استغرق غرسها السنين الطوال ... وقد رأينا أول أمس ما تقشعر منه الأبدان؛ إذ كان رجال حالقون شواربهم ولحاهم وواقفين موقف النساء، وسمعنا البعض يصرخ من اللوجات يا قلبي يا روحي وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تقال في محفل أدبي. فكيف بالله يرجى الإصلاح من منبع الفساد؟! وكيف يؤمل ترقية الآداب من عمل ليس إلا قلة حياء وبيع ماء الوجه؟! ويا ليت أصحابنا اقتصروا على ملابس النساء أو على حركات الفاضلات النازلات في مقام التشخيص! بل رأينا منهم من التهتك وخلع العذار والإفراط في الغنج وعدم المبالاة بالأدب ما ألجأنا إلى أن نحرم حضور الناس في تشخيصهم. على أن هؤلاء المشخصين ليسوا بمصريين بل هم من بعض المطرودين من سوريا؛ لأن حضرة والي الشام لما رأى منهم هذه الأحوال وعرف عواقبها منعهم من التشخيص وشدد عليهم اللوم لدخولهم في صنف النساء مع أنهم رجال. فإذا كانت سوريا التي هي دون مصر في العمار والنجاح قد خشيت أن تفسد آدابها بواسطة هؤلاء الناس فليست مصر أحق وأولى بأن تحفظ نفسها من ذلك؟ خصوصا وأن الشريعة الإسلامية الشريفة لا تجوز النظر إلى وجه الأمرد الذي يخشى منه الفتنة بل إن هؤلاء الأشخاص مرد صناعة لا مرد طبيعية، يأتون من التهتك ما تستقبحه بنات الهوى ... ولكن حيث إن التمثيل على هذه الحال فلنا الثقة التامة بأن سعادة محافظ عاصمتنا الهمام نصير الأدب والمحافظ على فوائده لم يشاهد ما هو جار في هذا التياترو، وإلا لكان ينفي المشخصين من أول وهلة؛ حرصا على الفوائد التي تبثها المدارس وغيرها من الموضوعات التهذيبية. ولأجل ذلك نظهر ثقتنا بأنه يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع هذا التمثيل بالكلية، فإن الحرية واجبة ولكن قلة الحياء تشوه وجهها، وإن دام هذا التمثيل تضيع ثمرات التهذيب والاستقامة واحترام الأدب التي تغرسها حكومتنا السنية في عقول أبناء الوطن الكرام، ويحتقرنا الخاص والعام ونصبح أضحوكة بين الأنام ... ولا شك أن ما حصل في دمشق الشام سيحصل في مصر القاهرة؛ لأن حكومتنا السنية من أحرص الحكومات على تقدم أولادها إلى الآداب والمعارف والعلوم والابتعاد عن المنكرات ...»
185
وواصلت الجريدة هجومها بعد ذلك على فرقة القباني، فقالت في 26 / 12 / 1885، تحت عنوان «تياترو جنينة الأزبكية»: «... قد انبعث ذميم الأخلاق من هذه العصابة التي طوحت بها الأرياح الدمشقية نفيا للأقذار من أوديتها إلى هنا، حتى إنه في العام الماضي قامت على شاكلتهم بعض أبناء إحدى المدارس، ففطنت الحكومة لهذا الأمر وعاقبت ناظر تلك المدرسة ... ونحن نحن المصريين لا نرضى بأن يقام لدينا سفهاء البلاد الذين أخلاقهم كالجرب السريع العدوى، وهل في شرعة الإنصاف أن تقوم في بلادنا أمة طردت من بلادها لما نجم عنها الضرر العمومي زيادة عما يشوه وجه الشريعة الغراء ... وها نحن نستنهض همة نظارة الأشغال مؤملين منها أن أناسا مثل هؤلاء القوم يناقضون بأعمالهم آراء حكومتنا السنية وأعمالها بما يحاولونه من فساد الأخلاق والانحراف عن الطريق السوي.»
186
الممثل محمد بهجت.
ومن الغريب أن نفس الجريدة مدحت الفرقة بعد ذلك عندما بدأت التمثيل في الأوبرا في مارس 1886، كما طالعتنا الجريدة بأول قائمة كاملة لأعضاء فرقة القباني، وهم: أحمد أبو العدل، ومحمد عبد العزيز، وعلي عبد الوهاب، وإبراهيم أحمد، ودرويش البشبيشي، وأحمد المغربل، وعمر فائق، ويوسف فهمي، وإبراهيم رحمي، وعبد الخالق فكري، وحسن محمد، وعلي حسنين، وحسين أحمد، ومصطفى المحلاوي، والسيد الطنطاوي، ومحمد بهجت.
187
وتلقى الفرقة بعد ذلك فشلا ملحوظا بسبب قلة عدد الحاضرين من الجمهور؛ مما أدى إلى انقطاع أخبارها لأكثر من ثلاث سنوات، بسبب رحلاتها الإقليمية والشامية. وكان القباني «بصيرا، واسع الحيلة العقلية، موفقا بطبعه لإدارة المراسح. كان إذا رأى في الجمهور فتورا، ترك التمثيل وعاد إلى بلده ثم رجع، وما زال يغيب ويحضر وهو في كل آن يدخل شيئا من وسائل الإغراء للجمهور.»
188
وعادت أخبار الفرقة مرة أخرى في نهاية عام 1889، وكانت عودتها قوية، لدرجة أنها شهدت نجاحا كبيرا، لوجود المطربة ليلى بين أعضاء الفرقة، وهذا النجاح يؤكده ما قدمته الفرقة من عروض مسرحية، مثل: مسرحية «أنس الجليس» في 7 / 12 / 1889،
189
ومسرحية «عائدة» في 4 / 1 / 1890،
190
ومسرحية «الصيانة والخيانة» في 6 / 1 / 1890، ومسرحية «ولادة بنت المستكفي» في 10 / 1 / 1890،
191
ومسرحية «الخل الوفي» في 11 / 1 / 1890،
192
ومسرحية «قوت القلوب» في نهاية يناير.
193
وفي أبريل 1890 ذهبت الفرقة لتقديم عروضها في المنيا بعد أن ضمت إلى أعضائها الممثلتين الشقيقتين مريم ولبيبة سماط، فمثلت عدة مسرحيات، منها: مسرحية «قوت القلوب» في 16 / 4 / 1890،
194
ومسرحية «أنس الجليس» في 21 / 4 / 1890،
195
ومسرحية «مي» في 5 / 5 / 1890 التي كانت آخر العروض في المنيا، ورحلت الفرقة بعد ذلك إلى الفيوم،
196
فمثلت بها عدة روايات أيضا، منها: مسرحية «عنترة» في 4 / 6 / 1890،
197
ومسرحية «ولادة بنت المستكفي» في اليوم التالي.
198
وبعد انقطاع كبير دام أربع سنوات، عاد مرة أخرى القباني إلى القاهرة، ووصفت جريدة المقطم هذه العودة في 20 / 10 / 1894 قائلة: «حضر إلى العاصمة منذ مدة حضرة الأديب المتفنن أبي خليل أفندي القباني، وشرع في تأليف جوق لتمثيل الروايات، اختاره من نخبة الممثلين والممثلات، وأعد له عدة من الروايات البديعة، ووجه عنايته إلى ضبط ألحانها وتحسين مشاهدها ووقائعها على نمط يشوق الخاطر ويقر الناظر. وسيشرع في التمثيل بعد خمسة عشر يوما، وتكون فاتحة تمثيله في مدينة طنطا حيث يقضي نحو شهر من الزمان ثم يعود إلى العاصمة ويمثل رواياته فيها. هذا وإن ما عهد في حضرة أبي خليل أفندي المشار إليه من طول الباع في هذا الفن الجميل بعد مزاولته له مدة طويلة بين مصر والشام يضمن له النجاح والفلاح.»
199
وتنقطع الأخبار مرة أخرى، وتعود في نوفمبر 1896 لتخبرنا بأن القباني حضر إلى الإسكندرية ليمثل على مسرح القرداحي.
200
ومن عروضه على هذا المسرح، مسرحية «الكوكايين » في 27 / 11 / 1896،
201
ومسرحية «الخل الوفي» في 1 / 12 / 1896،
202
ومسرحية «السلطان حسن» مع الفصل المضحك «الفيلسوف الغيور» في 13 / 12 / 1896،
203
ومسرحية «أسد الشرى» في 27 / 12 / 1896.
204
في ذلك الوقت كان عبد الرازق بك عنايت يباشر العمل على قدم وساق، لإنشاء مسرح القباني بسوق الخضار بالعتبة. ويخبرنا محمود تيمور عن هذا المسرح قائلا: «لم يكن هذا المسرح يومئذ إلا أشبه شيء بملعب شعبي (سيرك) قوامه أخشاب وخيام. أما المناظر فكانت بالغة البساطة، لا تعدو ستائر لكل منها لون واحد، وكان الرجل يتفنن في عرضها بحسب كل منظر، فإن كان قصر الخلافة فالستارة خضراء، وإن كان العرس فالستارة حمراء، وإن كان البحر فالستارة زرقاء، وإن كان السجن فالستارة سوداء، ولعل هذا أول الغيث في استخدام الإيحاء والرمز على منصة التمثيل.»
205
تم افتتاح مسرح القباني بالعتبة في 28 / 1 / 1897 بمسرحية «الملك حسن».
206
وأخذ القباني يبادل بينه وبين مسرح حلوان في عروضه المسرحية، فنجده في 29 / 1 / 1897 يمثل مسرحية «أسد الشرى» بحلوان، ثم مسرحية «عنترة» في اليوم التالي بمسرحه بالعتبة،
207
الذي خصه بأكبر كم من مسرحياته لوجود غناء عبده الحامولي بين الفصول، مثل: مسرحية «أنس الجليس» في 8 / 2 / 1897،
208
و«ناكر الجميل» في 9 / 2 / 1897،
209
و«جميل وجميلة» في 17 / 2 / 1897، و«أسد الشرى» في 18 / 2 / 1897،
210
و«عنترة» في 27 / 2 / 1897،
211
و«الحاكم بأمر الله العباسي» في 9 / 3 / 1897،
212
و«الانتقام» في 3 / 4 / 1897،
213
و«عائدة» في 8 / 4 / 1897،
214
و«ولادة» في 15 / 4 / 1897،
215
و«عظة الملوك» في 3 / 5 / 1897.
216
وكانت آخر مسرحية قدمها القباني على مسرحه بالعتبة قبل سفره إلى سوريا، مسرحية «ولادة»، وتخبرنا بذلك جريدة المؤيد في 3 / 5 / 1897 قائلة: «يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «ولادة بنت المستكفي» ويجعلها وداع تمثيله في العاصمة الآن حتى يذهب إلى سوريا ويزيد في استعداد جوقه للشتاء المقبل، وقد خصص إيراد هذه الليلة للممثلين.»
217
وقبل سفر القباني إلى سوريا قام بتأجير مسرحه إلى بعض الفرق الأكروباتية، وفرق الفصول الهزلية. فمثلا نجد المصارع ناجي كوتاليانوس يعرض ألعاب الحواة وألعاب القوى على هذا المسرح،
218
وكذلك المصارع بنايوتي كوتاليانو الذي حمل مدفعين وأطلقهما في آن واحد.
219
ثم يأتي الجوق الدمشقي ليمثل بعض فصوله الهزلية، مثل «الخاطبين» و «الوابور»
220
بما يتخللها من تمثيل بانتومايم وموسيقى ورقص شرقي.
221
وعاد القباني مرة أخرى إلى مسرحه، فتخبرنا بهذه العودة جريدة المقطم قائلة في 28 / 8 / 1897: «يشرع جوق حضرة الأديب المتفنن أبي خليل القباني في تمثيل رواياته هذا المساء في مرسحه الجديد بين محطة الترامواي العمومية وسوق الخضار الجديد، فيمثل رواية الملك «إسكندر الكبير الملقب بذي القرنين» ثم يوالي التمثيل بعد ذلك ليالي الإثنين والأربعاء والجمعة من كل أسبوع وقد أحضر جوقا من المطربات السوريات ليشنف الآذان بالألحان الشجية في ختام كل رواية، فعسى أن يجد من إقبال الجمهور على رواياته ما يزيد إتقان هذا الفن وتحسينه حتى يبلغ في الشرق الشأو الذي بلغه في الغرب.»
222
وواصلت الفرقة بعد ذلك نجاحها في العروض المسرحية بفضل وجود المطربة ملكة سرور التي كانت تختتم العرض بفصل غنائي مطرب، فمثلت الفرقة في 2 / 9 / 1897 مسرحية «ولادة»،
223
وفي 7 / 9 / 1897 «أنس الجليس»،
224
وفي 9 / 9 / 1897 «أسد الشرى»، وفي 10 / 9 / 1897 «شيرين بنت الملك كسرى»،
225
وفي 11 / 9 / 1897 «المعتمد بن عباد»،
226
وفي 13 / 9 / 1897 «الحاكم بأمر الله»،
227
وفي 14 / 9 / 1897 «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»،
228
وفي 16 / 9 / 1897 «عنترة»،
229
وفي 18 / 9 / 1897 «السلطان حسن»،
230
وفي 21 / 9 / 1897 «الملك إسكندر المقدوني»،
231
وفي 23 / 9 / 1897 «الأمير محمود»،
232
وفي 25 / 9 / 1897 «الكوكايين».
233
واستمرت الفرقة في عروضها بنجاح باهر سواء في مسرحها بالعتبة، أو في مسرح حلوان حتى 7 / 5 / 1899، وذلك بعد انضمام الأخوات مريم وهيلانة وحنينة سماط مرة أخرى.
234
ومن العروض الجديدة مسرحية «لباب الغرام» في 6 / 11 / 1897،
235
و«ناكر الجميل» في 9 / 11 / 1897،
236
و«جميل وجميلة» في 16 / 11 / 1897،
237
و«الوالدين والولدين» في 17 / 11 / 1897،
238
و«قوت القلوب مع غانم بن أيوب» في 28 / 1 / 1898،
239
و«اللقاء المأنوس في حرب البسوس» في 20 / 3 / 1898،
240
و«البخيل» في 2 / 4 / 1898،
241
و«الأمير محمود نجل شاه العجم» في 30 / 6 / 1898، و«مكايد الغرام» في 15 / 9 / 1898،
242
و«لوسيا» في 20 / 10 / 1898، و«عفيفة» في 14 / 1 / 1899،
243
و«هارون الرشيد وخليفة الصياد» في 2 / 3 / 1899،
244
و«روبرت وألبرت» في 22 / 3 / 1899.
245
وغابت الفرقة بعد هذا النجاح لمدة سبعة أشهر، استغل منها القرداحي عدة أيام فمثل على مسرحها بعض المسرحيات،
246
حتى عادت مرة أخرى في نهاية عام 1899، وعن هذه العودة قالت جريدة الأخبار في 5 / 12 / 1899: «عاد إلى هذه العاصمة حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني كي يدير جوقا جديدا من أحسن الممثلين وأبرع الممثلات، نخص منهن بالذكر حضرة الممثلة البارعة المشهورة بحسن التمثيل ورخامة الصوت الست لبيبة ماللي وشقيقتها مريم، وحضرة المتفننة المشهورة بحسن الإلقاء والإيماء الست مريم سماط وشقيقتها حنينة، وغيرهن من الفتيات اللواتي خدمن هذا الفن الجليل أعواما عديدة. أما الروايات التي تمثل فأكثرها حديثة العهد وهي لأشهر المؤلفين. وقد تعهد حضرته أن يأخذ من القديم أحسنه ومن الحديث أجمله مما يروق للجمهور سماعه ويحلو لهم رؤيته. وهي فرصة ثمينة للجمهور حيث يشنفون آذانهم بأرخم الأصوات في محل أدبي ويشاهدون تمثيلا بديعا بما يضاعف سرورهم.»
247
مريم سماط.
بدأت الفرقة نهاية نشاطها المسرحي على الإطلاق في إقليم المنيا مع بداية عام 1900، فمثلت عدة مسرحيات،
248
كانت آخر مسرحيات يقوم بها القباني وفرقته في مصر، كما كانت الرحلة إلى المنيا آخر الرحلات الفنية؛ وذلك بسبب احتراق مسرح القباني في 18 / 5 / 1900. وعن هذه النهاية تقول مريم سماط - إحدى ممثلات فرقة القباني - في 31 / 7 / 1915: «... قمنا إلى المنيا بعد ستة شهور، وكان المرحوم عنايت بك قد أحيل في ذلك الوقت إلى المعاش فجال معنا جولة «مباركة»، إلا أنه لم يكمل حظنا؛ إذ جاءنا خبر احتراق التياترو بمناظره، فرجع عنايت بك فوجده رمادا، فعدنا إلى القاهرة. وانحل الجوق لأنه لم يجد مرسحا معدا للتمثيل وسافر القباني إلى سوريا
249
وكان قد أصابه خصاصة وإدقاع فباع منزله، وكان منزلا كبيرا في الشام، فلما استقر به المقام عطفت الهيئة الحاكمة عليه وردت إليه ثروته وعينت له راتبا يقوم بأوده حتى مات يبكيه الأدب والموسيقى والتمثيل.»
250
في 19 / 12 / 1902.
ويقول كامل الخلعي عن القباني: «ولطالما سمعته يقول: التمثيل جلاء البصائر، ومرآة الغابر، ظاهره ترجمة أحوال وسير، وباطنه مواعظ وعبر. فيه من الحكم البالغة والآيات الدامغة ما يطلق اللسان ويشجع الجبان. ويصفي الأذهان ويرغب في اكتساب الفضيلة ويفتح باب الحيلة ويرفع لواء الهمم ويحركها إلى مسابقة الأمم ويبعث على الحزم والكرم. يلطف الطباع ويشنف الأسماع. وهو أقرب وسيلة لتهذيب الأخلاق ومعرفة طرق السياسة وذريعة لاجتناء ثمرة الآداب والكياسة. هذا إذا تدرج فيه من ذكر الأحوال إلى ضرب الأمثال ومن بيان المنهاج إلى الاستنتاج؛ ليرتدع الغر عن غيه وينزجر، ويجد العبرة في غيره فيعتبر.»
251 (4) جوق السرور
ظهر هذا الجوق في منطقة البلد الجديدة بحي بولاق الشعبي بالقاهرة قبل عام 1887. وهذا الحي كان مشهورا بوجود الحانات والمواخير والمقاهي الشعبية. وكان ميخائيل جرجس يملك فيه حانة مشهورة بتختها الموسيقي، فزين له أخوه، المدرس بمدرسة الأقباط، مرقص جرجس - الذي كان يهوى التأليف والتمثيل - أن يؤلف فرقة مسرحية تدر عليه مكسبا ماديا كبيرا. فوافق ميخائيل وأنشأ الفرقة بمساعدة أخيه، وبنى في بولاق مسرحا خشبيا.
252
وأطلق على هذه الفرقة طوال تاريخها عدة أسماء، منها: جوق السرور، وجمعية السرور، والجوق الوطني.
بدأ إقبال الجمهور يزداد على هذه الفرقة منذ بدايتها؛ لأن الساحة الفنية كانت خالية من الفرق العربية الصغرى، وكانت الفرقة العربية الكبرى الوحيدة التي تشغل هذه الساحة، هي فرقة سليمان القرداحي. ووصل النجاح بجوق السرور في بداية عهده بأن مثل أولى مسرحياته على مسرح حديقة الأزبكية. وتخبرنا بهذا جريدة القاهرة في 28 / 2 / 1887 قائلة: «في مساء يوم الخميس ... تشخص في تياترو حديقة الأزبكية رواية «بختنصر» الشهير ملك الفرس، وهي رواية تاريخية أدبية ذات أربعة فصول من إنشاء مرقص أفندي جرجس، خوجة بمدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، كل فصل منها يشتمل على منظرين ويليها فصل بانطوميم مضحك للغاية ...»
253
وتظل الفرقة تمثل بين الحين والآخر في مسرح حديقة الأزبكية حتى يونيو 1888، عندما مثلت مسرحية «عواقب الأمور في حكم القدر والمقدور» من تأليف مرقص جرجس في 2 / 6 / 1888.
254
وكانت هذه آخر مسرحية لهذا الجوق في ذلك الوقت قبل أن تنقطع أخباره، التي تعود في منتصف عام 1889 فتخبرنا بأن جوق السرور يمثل في صعيد مصر عدة حفلات مسرحية في ملوي وديروط وسوهاج.
255
وفي عام 1890 كان الجوق يمثل في أماكن متفرقة من أقاليم مصر، حتى عاد إلى القاهرة فمثل مسرحية «ناكر الجميل» في 27 / 4 / 1890، ومسرحية «الهوى العذري» في اليوم التالي، وذلك على مسرحه الخشبي ببولاق.
256
وفي أوائل عام 1891 نقل ميخائيل جرجس نشاطه المسرحي إلى مسرح آخر، تخبرنا به جريدة المقطم في 30 / 1 / 1891 قائلة: «لا يزال حضرة الأديب ميخائيل أفندي جرجس مدير الجوق الوطني يمثل رواياته الأدبية، وقد نقل محل التمثيل إلى الألدرادو بسكة الرويعي وراء الأوتل دوربان، فمن شاء استماع الروايات العربية واغتنام فرص الأنس والسرور فليذهب إلى الألدرادو المذكور.»
257
وعلى مسرح الألدورادو مثلت الفرقة مسرحية «قوت القلوب» وأعقبتها بألعاب بهلوانية، وأحد الفصول المضحكة في 8 / 2 / 1891.
258
ومن الواضح أن جوق السرور لاقى نجاحا كبيرا؛ مما جعل مديره ميخائيل جرجس يستأجر مسرحا جديدا وينشر إعلانا بذلك في جريدة المقطم تحت عنوان «إعلان جمعية السرور الوطنية» في 18 / 2 / 1891، قال فيه: «إن فن التشخيص قد ازدهى في هذه الأيام وصار له المقام الأول بين الهيئة الاجتماعية، ودليل ذلك إقبال العموم على المراسح واستماع الروايات الأدبية ... ولما كنت من الذين خدموا هذا الفن مدة من الزمن، وقمت بتشخيص روايات كثيرة في القاهرة والأرياف حائزا من كرم المولى على رضا العموم، وهو أمر أعده أكبر تعزية لي، فاقتضى من ثم أن أقابل معروفهم بإتقان حالة جوقنا إلى حد يضاعف سرورهم ويزيد حبورهم، وإجابة لطلب كثيرين قد اتخذنا محلا جديدا حسن الغاية في النصرية بجوار منزل سعادة قاسم باشا أمام مدرسة المبتديان، لتشخيص كثير من الروايات التي شخصت والتي لم تشخص إلى الآن ...»
259
وافتتح جوق السرور هذا المسرح في 18 / 2 / 1891 بإحدى المسرحيات، وقام ببطولتها الممثل مصطفى علي، والممثلة لطيفة عبد الله، ثم اختتمها بفصل راقص وآخر مضحك.
260
ثم توالت العروض بعد ذلك، ومنها مسرحية «يوسف الصديق» في 20 / 2 / 1891.
261
وبعد أقل من شهر واحد استأجر الجوق مسرحا جديدا قالت عنه جريدة الوطن في 7 / 3 / 1891: «إن حضرة مرقص أفندي جرجس مدير الجوق الوطني الحر قد استأجر محل تياترو لكسمبرج الكائن بشارع كلوت بك تجاه قهوة اللوفر؛ لأجل أن يشخص فيه روايات أدبية مدة شهر رمضان المكرم سنة 1308. فنتمنى له النجاح.»
262
وبدأ الجوق في عروضه الرمضانية، فمثل أول رمضان مسرحية «يوسف الصديق» بطولة المطربة ليلى،
263
ثم مسرحية «هارون الرشيد» في 10 / 4 / 1891،
264
و«الخل الوفي» في 13 / 4 / 1891.
265
وبسبب النجاح المتلاحق لجوق السرور، نراه يستأجر أكثر من مسرح في آن واحد، ويمثل على هذه المسارح في صورة تبادلية. والدليل على ذلك أنه استأجر مسرحا جديدا بباب الشعرية أنبأتنا به جريدة المقطم في 18 / 4 / 1891، قائلة: «في هذا المساء تمثل جمعية السرور برئاسة مديرها حضرة ميخائيل أفندي جرجس رواية «حب الوطن» ومحل التشخيص في باب الشعرية أمام الملاحة بسوق الجراية؛ ولأجل ذلك اقتضى نشر هذا الإعلان.»
266
وعلى مسرح باب الشعرية مثل الجوق مسرحية «بختنصر» في 22 / 4 / 1891،
267
ثم مثل على مسرح لكسمبرج مسرحية «ناكر الجميل» في اليوم التالي،
268
وعاد إلى مسرح باب الشعرية فمثل فيه إحدى مسرحياته في 24 / 4 / 1891.
269
وفي يوليو 1891 بدأ الجوق رحلة إقليمية مسرحية إلى الصعيد، بدأها في أبي تيج فمثل فيها عدة مسرحيات، ثم انتقل إلى سوهاج لعرض عدة مسرحيات أيضا.
270
بعد ذلك ذهب إلى طنطا فمثل بها مسرحية «بلقيس» في 24 / 7 / 1891، ومسرحية «الصياد» في اليوم التالي.
271
وظلت الفرقة تجوب الأقاليم حتى مارس 1892، عندما ذهبت إلى الفيوم فمثلت بها مسرحية «عائدة» في 23 / 3 / 1892، بطولة الممثل محمود رحمي، والممثلة لطيفة.
272
ومسرحية «المعتمد بن عباد» في 26 / 4 / 1892.
273
وظل جوق السرور يجوب الأقاليم حتى يونيو 1893 عندما مثل عدة مسرحيات بالمنيا، منها: مسرحية «ميتريدات» ومسرحية «جنيعياف»، ثم أعاد عرض هذه المسرحيات بعد ذلك في سوهاج.
274
وصل جوق السرور إلى القاهرة في أواخر عام 1893، بعد رحلته الإقليمية، وكعادته استأجر مسرحا جديدا، وهو الملهى الوطني أمام السكاتنج رنج - مسرح القرداحي - بالقرب من الباب البحري لحديقة الأزبكية، وبدأ التمثيل فيه بمسرحية «الأمير محمود» في 15 / 10 / 1893،
275
بطولة المطرب الشيخ إبراهيم أحمد، وأعقبها بفصول سيماوية من الخواجا بروجري.
276
ثم توالت العروض على هذا المسرح من قبل الجوق، فمثل في 19 / 10 / 1893 مسرحية «أحوال العشاق»،
277
وفي 21 / 10 / 1893 مسرحية «عائدة» التي كانت فاتحة تقليد جديد لأسلوب اليانصيب على أرقام التذاكر، وكان السحب في هذه الليلة على خاتم ألماس،
278
وفي 24 / 10 / 1893 مسرحية «عواقب الأمور»، واليانصيب على خاتم زمرد،
279
وفي 26 / 10 / 1893 مسرحية «الأمير أبي العلاء» واليانصيب على قرط ذهبي وساعة،
280
وفي 28 / 10 / 1893 مسرحية «تليماك» واليانصيب على خاتم وسوارين من الذهب،
281
وفي 2 / 11 / 1893 «إظهار الحق»،
282
وفي 3 / 11 / 1893 «كليوباترا»،
283
وفي 7 / 12 / 1893 «انتصار المؤمنين واجتماع المحبين»،
284
وفي 10 / 12 / 1893 «القائد المغربي».
285
وفي أوائل عام 1894 استأجر الجوق قاعة كونيليانو بالإسكندرية ومثل بها مسرحية «كرم العرب» في 9 / 3 / 1894، ومسرحية «بلقيس» في 11 / 3 / 1894،
286
و«الأمير الحسن» في 14 / 3 / 1894، و«الملكة كليوباترا» في 15 / 3 / 1894، و«أوتلو» بطولة علي عبد الله في 17 / 3 / 1894،
287
و«الفتاة المفقودة» في 19 / 3 / 1894،
288
و«العلم المتكلم» في 29 / 3 / 1894.
289
وفي 24 / 3 / 1894، كتب أحمد قمحة من الإسكندرية، مادحا هذا الجوق قائلا: «... أراني في غنى عن إطالة الكلام في فن التشخيص من حيث هو، ولكنني أحببت إبداء ما يختلج بفؤادي من عوامل السرور وعواطف الانشراح من الإتقان المحسوس والتقدم السريع الذي قد ناله الجوق الوطني الذي يديره حضرة ميخائيل أفندي جرجس، فإنه والحق يقال قد بلغ شأوا عظيما في مضمار التمثيل يستحق من أجله الشكر الوافر. وبحسن اجتهاد المدير واستعداد المشخصين قد حصل هذا الجوق على معظم شروط النجاح، فترى البراعة في الإلقاء والحماس في العمل والرشاقة في الحركات، يقوم كل واحد منهم بتأدية ما عليه من مجموع الأعمال بما يدهش الأبصار. وإني فيما أقول لست مخبرا عن رواية بل عن مشاهدة، فقد حضرت غير مرة في قاعة كونيليانو حيث يشتغل هذا الجوق فرأيت كما رأى غيري من الحضور ما يسر الناظر ويشرح الخاطر، سواء كان من جهة تمثيل الروايات أو من قبيل الفصل المضحك الذي يلي كل رواية. والأمل وطيد في نوال هذا الجوق مع الزمن لتمام الإتقان، بحيث يكون يمنه تعالى مضارعا للأجواق الأوروباوية وما ذلك على الله بعزيز ... (أحمد قمحة)، الإسكندرية في 24 مارس سنة 1894.
290
وفي 2 / 4 / 1894 تطالعنا جريدة المقطم بخبر تقول فيه: «لا يزال جوق جمعية السرور يمثل رواياته في مرسح كونليانو وأهل الإسكندرية يزدادون إقبالا عليه لما رأوه من حسن تمثيله وبراعة ممثليه حتى ترى قاعة المرسح في كل مرة غاصة بالحضور. ولما كانت لجنة المعرض قررت إعطاء المرسح الذي أنشئ ضمن بناء المعرض لجوق عربي في يوم الجمعة والأحد من كل أسبوع فقد قدم مدير هذا الجوق طلبا للجنة المشار إليها فأحلته محلة القبول والمظنون أنها ستقرر إعطاء المرسح لهذا الجوق وقد علمت أن مدير الجوق طلب أيضا أن يؤذن له من قبل اللجنة في إجراء ألعاب أخرى وطنية أدبية غير التمثيل والمأمول أن يجاب طلبه.»
291
وفي أغسطس 1894 عاد الجوق إلى المسرح الوطني أمام السكاتنج رنج، مرة أخرى فمثل فيه مسرحية «نبوخذ نصر ملك بابل» في 4 / 8 / 1894.
292
وفي نهاية العام ذهب الجوق في رحلة فنية إقليمية إلى بني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا.
293
فمثل - على سبيل المثال - ببني سويف مسرحية «أوتلو» في 23 / 12 / 1894.
294
وتنقطع أخبار هذا الجوق حتى تعود في أول عام 1896، عندما مثل في المنصورة مسرحية «شهداء الغرام» في 8 / 1 / 1896،
295
ومسرحية «كليوباترا» في 16 / 1 / 1896، ومسرحية «يوسف الصديق» في 26 / 1 / 1896.
296
ثم مثل الجوق بعد ذلك بالمنوفية مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في 1 / 3 / 1896،
297
ومسرحية «شهداء الغرام» في 3 / 3 / 1896، ومسرحية «كليوباترا» في 4 / 3 / 1896.
298
وفي أكتوبر 1896 عاد الجوق إلى القاهرة، وقام ميخائيل جرجس بتجديد مسرحه الخشبي القديم ببولاق وأطلق عليه مسرح الكوكب العباسي، وكان يقع في شارع أبي العلا بجوار الوابور الفرنسي. وبدأ الجوق التمثيل بهذا المسرح في 18 / 10 / 1896 بمسرحية «صلاح الدين الأيوبي مع ريكاردوس قلب الأسد».
299
ثم توالت العروض فمثل في 20 / 10 / 1896 «أنس الجليس»،
300
وفي 22 / 10 / 1896 «محاسن الصدف»، وفي 24 / 10 / 1896 «شهداء الغرام»،
301
وفي 28 / 10 / 1896 «هارون الرشيد»، وفي 29 / 10 / 1896 «حفظ الوداد»،
302
وفي 1 / 11 / 1896 «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» بطولة المطرب الشيخ درويش مصطفى الإسكندراني،
303
وفي 3 / 11 / 1896 «عائدة»،
304
وفي 12 / 11 / 1896 مسرحية «بديع الزمان» تأليف نقولا بدران.
305
وفي يناير 1897 ذهب الجوق إلى المنصورة فمثل فيها عدة مسرحيات، منها: «نابليون بونابرت»،
306
و«عنترة» و«يوسف الصديق».
307
وفي أبريل مثل بالفيوم.
308
وفي يونيو مثل بالمنيا،
309
وفي سبتمبر مثل بأسيوط مسرحيات «السيد» و«صلاح الدين الأيوبي» و«شهداء الغرام» و«الملك العادل».
310
وفي فبراير 1898 مثل بقنا.
311
وفي يوليو عاد إلى القاهرة ومثل على مسرح شارع عبد العزيز - مسرح إسكندر فرح وسينما أوليمبيا الآن - مسرحية «أسر الأمير محمود» في 9 / 7 / 1898.
312
وفي نهاية يوليو 1899 ذهب جوق السرور إلى الصعيد في رحلة مسرحية، كانت آخر عهدنا به. ففي ملوي مثل «السلطان صلاح الدين الأيوبي» في 27 / 7 / 1899، و«السيد» في اليوم التالي.
313
ثم سافر إلى سوهاج ومثل آخر مسرحياته على الإطلاق في 29 / 10 / 1899، وكانت مسرحية «صلاح الدين الأيوبي».
314 (5) فرقة إسكندر فرح
أجمعت معظم المراجع على أن إسكندر فرح بدأ نشاطه المسرحي في الشام، عندما كون القباني فرقته المسرحية هناك، وكان إسكندر يعاونه في تدريب الممثلين. وعندما حضرت الفرقة إلى مصر عام 1884 كان إسكندر فرح يقوم بالمهام الإدارية فيها.
315
إسكندر فرح.
انفصل إسكندر عن فرقة القباني في منتصف عام 1888، وبدأ يمارس التمثيل بفرقة صغيرة، وكان يقحم نفسه وفرقته ضمن الجمعيات التمثيلية الشهيرة؛ لأن اسم إسكندر فرح كان مجهولا تماما في ذلك الوقت. ففي 16 / 6 / 1888 قالت جريدة الوطن: «بلغنا أن رجلا يقال له إسكندر فرح شرع في تشخيص رواية «النجاة في الصدق» بتياترو حديقة الأزبكية، وذلك في مساء الإثنين 11 يونيو سنة 1888 تحت عنوان جمعية المساعي الخيرية. وحيث إن العنوان المذكور هو عنوان الجمعية الخيرية القبطية، وكان من عاداتها أن تتخذ ليلة خيرية في كل عام بتياترو الأوبرا، وقد عدلت عن ذلك في هذه السنة لمناسبة وفاة المغفور له عريان بك تادرس، وانتحال إسكندر فرح الموما إليه يعد اختلاسا لحقوق الغير؛ فقد لزمنا التنبيه على ذلك رفعا للالتباس.»
316
وبعد عام تقريبا أصبح جوق إسكندر فرح من الأجواق المعتمدة، التي تجوب الأقاليم وتمثل في ليالي الجمعيات الخيرية. وكان من أعمدة هذا الجوق سلامة حجازي والممثلة ميليا. وأول إشارة لجوق إسكندر فرح، ولنشاطه الفني نقلتها إلينا جريدة مصر
317
في 22 / 5 / 1889 قائلة: «مثل جوق إسكندر أفندي فرح ليلة الأحد رواية «البرج الهائل» الشهيرة التي قدمتها جمعية منتزه النفوس الخيرية الأدبية، فحضر التمثيل كثيرون من الأدباء والفضلاء يتقدمهم أصحاب السعادة مدير الفيوم وباسيلي بك تادرس ومجدي بك القاضيين بمحكمة الاستئناف الأهلية، وأحسن رجال الجوق التمثيل، وخصوصا حضرة الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي والست ميليا البارعة فإنهما أطربا وأعجبا حتى صفق لهم الحضور مرارا وخرجوا مسرورين شاكرين.»
318
سلامة حجازي.
وقيمة هذه الإشارة تتمثل في أنها توثق وتؤرخ للبداية الحقيقية لفرقة إسكندر فرح، التي بدأت في عام 1889، لا عام 1891 كما قالت بعض المراجع. كما أن هذه الإشارة أيضا تثبت أن سلامة حجازي بدأ التمثيل مع إسكندر منذ بداية فرقته في عام 1889، لا في أكتوبر 1891.
319
وفي عام 1891، وبعد رحلات إقليمية فنية كون إسكندر فرقة جديدة وبنى مسرحا متواضعا في شارع عبد العزيز بالعتبة
320 - مكانه الآن سينما أوليمبيا - الذي شهد أمجاد هذه الفرقة بعد ذلك. وعن هذه البداية القوية، تقول جريدة المقطم في 19 / 4 / 1891: «لقد نظم حضرة الأديب إسكندر أفندي فرح جوقا جديدا لتمثيل الروايات، واختار له جماعة من أشهر الممثلين المطربين وأعد كثيرا من الروايات الجديدة الشائقة واختار لتمثيل أهم أدوارها بعض الممثلات الشهيرات والمطربات المبدعات، وقد شيد ملعبا جديدا ليعرض رواياته فيه في أول شارع عبد العزيز، وسيشرع في التمثيل في أواخر هذا الأسبوع ويداوم التمثيل في كل ليلة إلى آخر شهر رمضان. وقد عني بإعداد كل ما يشوق الخاطر ويسر الناظر.»
321
وتم افتتاح هذا المسرح بعرض مسرحية «عائدة» في مايو 1891،
322
وكان افتتاحا مؤقتا؛ لأن معمار المسرح لم يتم إعداده بصورة كاملة. لذلك تركة إسكندر بعض الوقت حتى يستكمل، وعرضت فرقته عدة مسرحيات في مسرح حديقة الأزبكية، ومنها: مسرحية «أبو الحسن المغفل» في 5 / 6 / 1891، و«أبو العلا» في 7 / 6 / 1891، و«ملتقى الخليفتين» في 9 / 6 / 1891،
323
و«قوت القلوب» في 11 / 6 / 1891.
324
وفي أكتوبر 1891 انتهت جميع التجهيزات في مسرح شارع عبد العزيز، وخصوصا ألواج الحريم المغطاة، وحدد أيام التمثيل من كل أسبوع، وهي: السبت والأحد والثلاثاء والخميس. كما أضاف إسكندر فرح بعض الأعضاء لفرقته مثل سليمان الحداد، كما اختار مسرحيات أجنبية معربة جديدة ليفتتح بها هذا المسرح.
325
وبالفعل تم الافتتاح في 2 / 11 / 1891 بمسرحية «أفيجيني» أو «الرجاء بعد اليأس»، بطولة سلامة حجازي وسليمان الحداد، وقام بين الفصول المحامي إسماعيل عاصم فألقى خطبة عن فوائد التمثيل.
326
وتوالت العروض بعد ذلك في هذا المسرح فمثلت الفرقة مسرحية «شقاء المحبين» في 6 / 11 / 1891، و«حفظ الوداد» في اليوم التالي،
327
و«الخلين الوفيين» في 14 / 11 / 1891.
328
وفي نهاية نوفمبر 1891 انتقل إسكندر فرح بفرقته إلى مسرح كازينو حلوان، فمثل به عدة مسرحيات حضر معظمها الخديو، ومنها: «الرجاء بعد اليأس» في 29 / 11 / 1891،
329
التي خطب قبل عرضها المؤلف نجيب الحداد - ابن الممثل سليمان الحداد - واختتمت بفصل مضحك،
330
ومن عروض حلوان أيضا مسرحية «محاسن الصدف» في 13 / 12 / 1891،
331
و «أبو الحسن المغفل» في 20 / 12 / 1891.
332
ومع بداية عام 1892 انتقلت الفرقة إلى الإسكندرية لعرض عدة مسرحيات، وعن هذا الأمر قالت جريدة الأهرام في 26 / 1 / 1892: «حضر إلى الثغر الأديب إسكندر أفندي فرح مدير الجوق العربي الوطني قادما من مصر لإعداد عدة ليال يمثل فيها عندنا خيرة الروايات وأتقنها مما اشتهر به جوقه في العاصمة، وحاز لأجله إقبال العموم. وسيقوم بأهم هذه الأدوار وأعظم أدوارها حضرة المطرب المنشد المشهور الشيخ سلامة حجازي والممثل البارع سليمان الحداد، ولا شك أن إقبال العموم على الاشتراك في هذه الليالي متى ظهرت أوراقها قريبا سيكون عاما شاملا لما اشتهر به هذا الجوق من الإتقان واستكمال المعدات ولاشتياق الإسكندريين إلى جوق عربي منظم يذكرهم سابق التمثيل الذي كادوا ينسونه لطول العهد به.»
333
وبدأت ليالي الجوق بمسرح زيزينيا في 11 / 2 / 1892 بمسرحية «الرجاء بعد اليأس»،
334
وفي 13 / 2 / 1892 «الظلوم»،
335
وفي 15 / 2 / 1892 «مي وهوراس»،
336
وفي 18 / 2 / 1892 «ميتريدات»،
337
وفي 20 / 2 / 1892 «عائدة»،
338
وفي 21 / 2 / 1892 «هارون الرشيد»، وفي 23 / 2 / 1892 «أوتلو».
339
وبعد انتهاء الليالي المخصصة للفرقة في مسرح زيزينيا، عرضت عروضا أخرى بمسرح البوليتياما بالعطارين بالإسكندرية،
340
ومنها مسرحية «شارلمان» في 29 / 2 / 1892، التي اختتمتها المطربة السويسية بالغناء، وخصص دخلها لسليمان الحداد معلم التمثيل بالفرقة.
341
ومسرحية «ملتقى الخليفتين» في 2 / 3 / 1892،
342
وآخر عرض مسرحي بالإسكندرية من قبل الفرقة، كان لمسرحية «شهداء الغرام» على مسرح البوليتياما في 3 / 3 / 1892، وخصص دخلها لسلامة حجازي.
343
وبعد هذه الرحلة ذهبت الفرقة إلى المنصورة.
344
عادت الفرقة من الأقاليم إلى القاهرة في يونيو 1892، وبدأت تعيد مجدها الأول على مسرح شارع عبد العزيز، فقدمت إعادة لمسرحياتها القديمة، وأضافت إليها مسرحيات جديدة، منها: «العلم المتكلم» في 14 / 7 / 1892،
345
و«غرائب الصدف» في 28 / 7 / 1892،
346
و«تليماك» في 25 / 8 / 1892،
347
و«عنترة» في 16 / 8 / 1892،
348
و«الخليفة والصياد» في 23 / 8 / 1892،
349
و«حمدان» في 15 / 9 / 1892، و«زنوبيا» في 17 / 9 / 1892.
350
توقفت الفرقة بضعة أيام بسبب الاحتفال بخطبة إسكندر فرح على السيدة زاهية حاتم في 22 / 9 / 1892،
351
واستأنفت عملها في منتصف أكتوبر بقيادة الممثلين: سلامة حجازي، وعلي وهبي، وعزت، ولبيبة ومريم ماللي، بمسرح شارع عبد العزيز. فمثلت - بالإضافة إلى ما سبق - مسرحيات جديدة، منها: مسرحية «أنس الجليس» في 17 / 11 / 1892.
352
وفي بداية عام 1893 مدح عبد الله النديم فرقة إسكندر فرح مدحا كبيرا في مجلة الأستاذ، تحت عنوان «فريق التمثيل العربي»، ولفت نظر نظارة الأشغال وعلي مبارك باشا إلى قيمة هذه الفرقة؛ مما يجعلها جديرة بالتمثيل في الأوبرا الخديوية.
353
كما مدح أيضا أعضاء الفرقة، ومنهم: سلامة حجازي، وأحمد أبو العدل، وحسين الإنبابي.
354
بدأت بعد ذلك الفرقة في التمثيل بمسرح كازينو حلوان، منذ أواخر يناير 1893، فمثلت مسرحية «حمدان» في 29 / 1 / 1893،
355
و«أنس الجليس» في 7 / 2 / 1893.
356
ثم توقفت الفرقة لبضعة أيام بسبب زواج مديرها إسكندر فرح من السيدة زاهية الذي تم في 8 / 2 / 1893،
357
واستأنفت عملها بحلوان بعرض مسرحية «محاسن الصدف» في 12 / 2 / 1893.
358
ثم توالت العروض بحلوان حتى يوم 4 / 3 / 1893.
359
فعادت الفرقة إلى مقرها الأساسي بمسرح شارع عبد العزيز، فمثلت عدة مسرحيات، منها مسرحية «تليماك» في 19 / 3 / 1893،
360
ومسرحية «ولادة بنت المستكفي» في 25 / 3 / 1893.
361
وفي أول أبريل حدث أمر مهم في تاريخ المسرح المصري على الإطلاق، فقد ألف
362
المحامي إسماعيل عاصم أول مسرحية مصرية باللغة الفصحى شعرا ونثرا، وهي «هناء المحبين»،
363
وخص بها فرقة إسكندر فرح دون باقي الفرق، بل وتوصل بما له من نفوذ إلى أن الفرقة تمثلها بالأوبرا الخديوية، وكانت هذه المرة الأولى التي تمثل فيها فرقة إسكندر فرح في الأوبرا. ووصل اهتمام المؤلف بهذه المسرحية إلى أن مثل فيها أحد الأدوار، وكان بذلك أول محام مصري يعتلي خشبة المسرح كهاو. ولأهمية هذه المسرحية حضرها الخديو وكبار رجال الدولة. وتم تمثيلها في 8 / 4 / 1893، وإعادة تمثيلها في 27 / 4 / 1893.
364
وبعد هذا الحدث سافرت الفرقة إلى الإسكندرية ومثلت عدة حفلات بمسرح زيزينيا، منها «أنس الجليس» في 5 / 5 / 1893، وعرضت في نهايتها الفصل المضحك «البخيل والسكران».
365
إسماعيل عاصم مع نجله علي عاصم.
توقفت الفرقة لمدة خمسة أشهر، وعادت بإعداد جديد أخبرتنا به جريدة المقطم في 2 / 10 / 1893 قائلة: «عزم حضرة الأديب إسكندر أفندي فرح على إعادة التمثيل في العاصمة بعد أن زاد في تنظيم جوقه وضم إليه من الممثلين والممثلات البارعين ما يضمن له الفوز والنجاح، وقد انضم إلى جوقه أيضا حضرة المطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي، واختار كثيرا من الروايات العربية الجديدة التي تروق الناظر وتشوق الخاطر. وسيبتدئ بالتمثيل في 15 الجاري في الملعب الجديد الذي أنشئ حديثا في شارع عبد العزيز مكان الملعب القديم، وقد بذل العناية في إتقانه وتنظيمه، فجاء ملعبا فسيحا توفرت فيه أسباب الراحة والنظام.»
366
وبهذا التنظيم والإعداد الجديد والجيد عرضت الفرقة مجموعة كبيرة من المسرحيات، وخصصت بعضها لمسرح حلوان. ومنها في الفترة من 7 / 11 / 1893 إلى 20 / 1 / 1894: «عجائب الأقدار» و«شهداء الغرام» و«الظلوم» و«الرجاء بعد اليأس» و«أنس الجليس» و«هناء المحبين» و«حمدان» و«أبو الحسن المغفل» و«محاسن الصدف» و«مي» و«خليفة الصياد» و«الاتفاق الغريب» و«الغيرة الوطنية».
367
وفي أبريل 1894 حصل إسكندر فرح على ترخيص بالتمثيل في الأوبرا لعدة أيام بدأت في 4 / 4 / 1894 بمسرحية «حفظ الوداد»،
368
وانتهت في 12 / 4 / 1894 بمسرحية «حسن العواقب» لإسماعيل عاصم.
369
ثم حصل على أيام أخرى في نفس الشهر بدأت في 19 / 4 / 1894 بمسرحية «الغيرة الوطنية»،
370
وانتهت في 28 / 4 / 1894 بمسرحية «صلاح الدين الأيوبي مع ريكارديس قلب الأسد».
371
عادت الفرقة من بعد التمثيل في الأوبرا إلى مسرحها بشارع عبد العزيز في أول مايو 1894،
372
ومثلت به عدة مسرحيات، ثم سافرت إلى الإسكندرية للعرض على مسرح زيزينيا.
373
وعادت إلى القاهرة مرة أخرى فمثلت بشارع عبد العزيز مسرحية «الاتفاق الغريب» في 19 / 6 / 1894.
374
كما مثلت عدة مسرحيات جديدة بالإضافة إلى عروضها السابقة، ومنها: مسرحية «مناهج الرشاد» تأليف إبراهيم نجيب في 24 / 6 / 1894،
375
وآخر مسرحية على هذا المسرح في تلك الفترة كانت «روميو وجوليت» في 19 / 7 / 1894.
376
سافرت الفرقة في رحلة فنية إلى أقاليم مصر في أغسطس 1894، ومثلت بطنطا والمنصورة والمحلة الكبرى،
377
وعادت إلى مسرح عبد العزيز في سبتمبر ومثلت مجموعة من المسرحيات بدأتها في 12 / 9 / 1894 حتى آخر عرض في 3 / 10 / 1894،
378
بعدها مباشرة سافرت الفرقة إلى أسيوط بناء على دعوة من أعيانها، فمثلت على مسرح المحروسة مسرحية «شهامة العرب» في 15 / 11 / 1894،
379
و«حيل الرجال» في 20 / 11 / 1894،
380
وعادت الفرقة وبدأت تمثيلها بالقاهرة في مسرح شارع عبد العزيز ومسرح حلوان مجموعة من المسرحيات حتى نهاية عام 1894.
381
وطوال شهر أبريل 1895 عرضت الفرقة في الأوبرا الخديوية مجموعة من المسرحيات، منها: «شهامة العرب» و«صدق الإخاء» و«تليماك» و«أنس الجليس» و«عظة الملوك».
382
وفي مايو عادت إلى مسرحها فعرضت عليه بعض المسرحيات، من أهمها مسرحية «مدهشات القدر» تأليف حسن الطويراني في 11 / 5 / 1895، وخصص دخلها لسليم إلياس فرح شقيق إسكندر.
383
وفي يونيو سافرت الفرقة إلى الزقازيق في رحلة فنية،
384
وعادت منها في يوليو ومثلت على مسرح شارع عبد العزيز مسرحية «الاتفاق الغريب» في 5 / 7 / 1895،
385
واستمرت الفرقة في إعادة العروض السابقة على مسرحها الشهير، ولم تقدم حتى نهاية هذا العام إلا مسرحية جديدة واحدة هي «السر المكنون».
386
ومع بداية عام 1896 بدت القصور الخديوية في أجمل زينتها للاحتفال بزواج نعمت هانم شقيقة الخديو، وكانت لفرقة إسكندر فرح الشرف دون باقي الفرق في تقديم عروضها على مسرح خاص بني لهذه المناسبة في قصر القبة. ومثلت الفرقة مسرحيات «أنس الجليس» و«أبو الحسن المغفل» مع فصول مضحكة منها فصل «نسيم».
387
ويعتبر عام 1896 عام مسرح شارع عبد العزيز، فقد مثلت عليه الفرقة جميع عروضها السابقة والجديدة،
388
بلا انقطاع إلا في أيام معدودة مثلت بها في مسرح حلوان، وأيام أخرى في الإسكندرية والمنصورة.
ومن العروض الجديدة التي مثلتها فرقة إسكندر فرح في عام 1896، مسرحية «أبو جعفر المنصور» في 11 / 2 / 1896،
389
و«مطامع النساء» في 16 / 5 / 1896،
390
و«ولادة بنت المستكفي» في 26 / 5 / 1896،
391
و«المهدي وفتح السودان» في 29 / 9 / 1896، و«مظالم الآباء» في 15 / 12 / 1896.
392
ورحلة الفرقة إلى الإسكندرية في هذا العام كانت في أغسطس، ومثلت فيها مسرحية «صدق الإخاء» بدعوة من جمعية المنهل العذب، ليخصص دخلها لمنكوبي وباء الكوليرا،
393
و«مطامع النساء» و«أبو جعفر المنصور» و«السر المكنون».
394
والرحلة الإقليمية الثانية كانت إلى المنصورة، ومثلت فيها الفرقة مسرحية «صدق الإخاء» في 24 / 11 / 1896.
395
ولم يتغير بروجرام فرقة إسكندر فرح في عام 1897 عما كان عليه في العام السابق، فقد مثلت الفرقة دون انقطاع معظم عروضها على مسرح شارع عبد العزيز،
396
مع السفر إلى أقاليم مصر وبالأخص المنصورة والإسكندرية في بعض الأيام ، وأيام أخرى في الأوبرا الخديوية. كما شهد عام 1897 بعض العروض الجديدة، بجانب عروض الفرقة من المسرحيات السابقة.
أما بخصوص الرحلات الإقليمية في عام 1897 فكانت في المنصورة، عندما مثلت الفرقة على مسرح التفريح في فبراير مسرحية «صلاح الدين الأيوبي».
397
وفي الإسكندرية على مسرح عباس في مايو مثلت الفرقة عدة مسرحيات، منها: «حفظ الوداد» و«شهداء الغرام» و«أبو الحسن المغفل» و«السر المكنون» و«عظة الملوك».
398
ومسرحيات أخرى في المنيا وأسيوط طوال شهر سبتمبر.
399
أما العروض المسرحية الجديدة في هذا العام، فكانت مسرحية «ضرر الضرتين» في 19 / 1 / 1897،
400
ومسرحية «الأفريقية» تعريب يوسف حبيش، صاحب القاموس العربي الفرنسي، وداود بركات محرر جريدة الأخبار في 23 / 4 / 1897،
401
ومسرحية «ثارات العرب» لنجيب الحداد في 27 / 11 / 1897،
402
وأخيرا مسرحية «غانية الأندلس» في 13 / 12 / 1897.
403
وفي نهاية هذا العام قرظت بعض الصحف فرقة إسكندر فرح لما ظهر منها من تقدم ونجاح. ففي 7 / 11 / 1897، قالت جريدة الكمال تحت عنوان «التمثيل في مصر»: «لا تعجب إذا أظهر جوق حضرة الفاضل إسكندر أفندي فرح في تمثيله العجائب والغرائب وكثر الازدحام على أبوابه، فإن من حضر ليلة الأربعاء والجمعة الماضيتين وشاهد بعيني رأسه في أولاهما رواية «صلاح الدين الأيوبي» لا بد أن يكون اندهش من أمرين؛ الأول: من جودة ملابس الجوق، والثاني: من التمثيل. أما الأول فنشكر عليه مدير الجوق. وأما الثاني فنشكر عليه حضرة الفاضل البارع الشيخ سلامة حجازي الذي سار بهذا الجوق شوطا بعيدا. وإذا أردنا أن نثني على مشخصي رواية «صلاح الدين» في تلك الليلة، وأردنا أن نعدد أسماءهم لاحتجنا لجريدة من الجرائد التي تحب أن تملأ صفحاتها بكل كلام. ولكن جريدة الكمال مع وفرة موادها تثني على حضرة الشيخ سلامة وعلى الست لبيبة وحسين أفندي حسني صاحب دور صلاح الدين الأيوبي وأحمد أفندي فهيم صاحب دور قلب الأسد فإنهم أجادوا الإجادة المطلوبة. وفي ثانيتها رواية «السيد» أو الغرام والانتقام وهي الرواية التي يجل قدرها كل عارف باللغة الفرنساوية، وقد ترجمها إلى اللغة العربية حضرة الرصيف المفضال نجيب أفندي حداد أحد أصحاب جريدة «لسان العرب» الغراء ، وشخصها جوق حضرة إسكندر أفندي فرح لأول مرة وقد حازت الاستحسان العام وازدحم المرسح ازدحاما عظيما حتى إن ثمن اللوج كان يساوى ماية غرش صاغ والكرسي عشرون غرشا صاغا. وقد صفق الناس تصفيقا حادا لحضرة المعجب المشخص المتفنن الشيخ سلامة حجازي وللسيدة لبيبة ولحضرة علي أفندي وهبي لزيادة سرورهم ...»
404
نجيب الحداد.
ويأتي عام 1898 وفرقة إسكندر فرح في نجاح مستمر، بنفس الأسلوب التي سارت عليه في عامي 1896، 1897؛ أي مواصلة العروض على مسرح شارع عبد العزيز، مع تخصيص بعض الليالي لمسرح كازينو حلوان، والأوبرا، ومسرح حديقة الأزبكية.
405
هذا بالإضافة إلى الرحلات الإقليمية القليلة، لأن نجاحها كان مستمرا في العاصمة. ومن الجدير بالذكر أن الفرقة لم تضف الجديد من العروض المسرحية في هذا العام، بل ظلت في إعادة عروضها القديمة.
ففي الأوبرا عرضت الفرقة في هذا العام مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في 21 / 3 / 1898،
406
ومسرحية «غانية الأندلس» في 29 / 4 / 1898.
407
وعلى مسرح حديقة الأزبكية عرضت مسرحية «أنس الجليس».
408
أما رحلات الفرقة خارج القاهرة فكانت إلى الإسكندرية ومثلت على مسرح عباس «غانية الأندلس» و«ثارات العرب» في فبراير 1898.
409
وعلى مسرح التفريح بالمنصورة: «غرام وانتقام» و«صدق الإخاء» في مارس،
410
وفي طنطا «السيد» و«غرام وانتقام» في أبريل،
411
وفي أسيوط «صدق الإخاء» و«صلاح الدين» و«شهداء الغرام» و«مطامع النساء».
412
ومن أهم الأحداث التي تعرضت لها فرقة إسكندر فرح في هذا العام، ما أشيع عن توقف الممثلة لبيبة ماللي عن التمثيل، أو انتقالها إلى فرقة القرداحي. وفي ذلك تقول جريدة الأخبار في 6 / 5 / 1898: «مثل جوق الخواجة إسكندر فرح في تياترو الأوبرا ليلة أمس رواية أجاد الشيخ سلامة بألحانها كعادته وأجادت الست لبيبة بتمثيلها كعادتها. والست لبيبة ودعت المرسح بهذه الليلة الأخيرة؛ لأنها على ما بلغنا قد طلقت التمثيل بتاتا، فخسارة التمثيل العربي إذن كبيرة! ولجوق الخواجة إسكندر فرح في كل سنة هزة، ففي العام الماضي هدده الشيخ سلامة بتركه
413
وفي هذا العام تركته الست لبيبة، ولربما تكلمنا عن التمثيل العربي وأبدينا خوفنا من اضمحلاله في عدد آت.»
414
كما قالت نفس الجريدة في 21 / 9 / 1898: «نذكر أن الست لبيبة تكذب ما قيل عن اتفاقها مع قرداحي أفندي على أن تنخرط في سلك ممثلات جوقه، والكل يودون أن تظل الست لبيبة شيمان السيد ، فالحق يقال إنها ليس أحسن منها في دورها وليس دور أحسن لها منه.»
415
وأخيرا تقول الجريدة في 27 / 9 / 1898: «يمثل جوق حضرة الفاضل إسكندر أفندي فرح يوم الخميس القابل رواية صدق الإخاء، وقد عادت فانتظمت في سلك الجوق الممثلة البارعة الست لبيبة فأصبح الجوق أحسن إتقانا في هذا العام عن مثله في العام الماضي.»
416
وجاء عام 1899، آخر أعوام القرن التاسع عشر، وفرقة إسكندر فرح في ازدهار كبير.
417
فواصلت عروضها بمسرحها في شارع عبد العزيز، مع إقامة بعض العروض بالأوبرا والأقاليم، مع عدم تقديم أية مسرحية جديدة، بل اكتفت الفرقة بإعادة العروض القديمة السابقة. ففي الأوبرا مثلت حفلة واحدة طوال هذا العام من خلال جمعيتي المساعي الخيرية والتوفيق القبطية في 19 / 3 / 1899، وخصص دخلها لمدارس جمعية التوفيق.
418
ومن الجدير بالذكر أن الفرقة اتبعت أسلوبا جديدا في جذب الجمهور إليها بوضع تقليد اليانصيب على أرقام التذاكر، كما كان يفعل جوق السرور.
419
أما رحلات الفرقة إلى أقاليم مصر، فكانت إلى أسيوط في يونيو 1899، حيث مثلت «البرج الهائل» و«شهداء الغرام» و«غانية الأندلس» و«حمدان» و«صلاح الدين الأيوبي»،
420
ثم إلى المنيا والزقازيق في أغسطس وسبتمبر 1899، ومثلت عدة عروض فيهما، مثل «محاسن الصدف» و«غرام وانتقام» و«غانية الأندلس» و«مطامع النساء».
421
ومن أهم أحداث عام 1899 في حياة الفرقة إعادة بناء مسرح شارع عبد العزيز. ففي 11 / 8 / 1899، قالت جريدة الأخبار: «لا يألو جهدا حضرة الفاضل إسكندر أفندي فرح في إتقان المرسح الذي يمثل فيه جوقه في شارع عبد العزيز، وقد علمنا أنه عزم على هدم المرسح الحالي وتشييده من جديد بالحجر والطوب على هندسة المراسح الأوروبية، فلا يدخل فصل الشتاء إلا ويكون مرسحه قد تم بناؤه وأصبح لائقا بإقبال العائلات والوجهاء. وهي خطوة تذكر لهذا المجتهد الفاضل.»
وقالت نفس الجريدة في 27 / 10 / 1899 تحت عنوان «مرسح جديد»: «ذكرنا في أعداد مضت أن حضرة إسكندر أفندي فرح مدير الجوق العربي المصري قد شرع في إصلاح مرسح عبد العزيز وترميمه وجعله لائقا لاستقبال العائلات وكرام القوم. وقد شاهدنا أمس هذه الإصلاحات، فصح لنا القول بعد الاطلاع عليها أن حضرة المدير الفاضل قد أنشأ مرسحا جديدا لا أنه أصلح ورمم. فإنه قد هدم البناية القديمة بأكملها وأنشأها على أساسات جديدة وهندسة اقتدى بها بهندسة الأوبرا الخديوية. واشترى المخازن الواقعة أمام المرسح على الشارع وسيشرع في هدمها، ويجعل المدخل الأكبر في محلها. وأوصى على فرش جميل من القطيفة في فيينا، وسيصل إلى مصر في أوائل الشهر القادم. وجعل التنوير كله بالكهربائية بفوانيس مختلفة الألوان. أما القاعة العمومية فتسع 360 كرسيا، وقد أكثر من الشبابيك والمنافذ مراعاة للقواعد الصحية، وسيفرغ منه في النصف الأول من الشهر القادم ويبتدئ بالتمثيل فيه.»
انتهى القرن التاسع عشر، بعد أن حفرت فرقة إسكندر فرح بصمة واضحة في تاريخه. ويمكننا القول بأنها الفرقة الوحيدة في هذا القرن التي استطاعت أن تستمر طوال هذه السنوات بنجاح كبير. ومن المؤكد أن هذا النجاح كان بسبب وجود سلامة حجازي في هذه الفرقة، التي لولاه ما صمدت ولا استمرت. والدليل على ذلك أن هذه الفرقة استمرت في نجاحها حتى عام 1905، عندما انفصل عنها سلامة حجازي
422
وكون لنفسه فرقة مستقلة. وبانسحاب سلامة انسحب النجاح من إسكندر فرح وبدأ يكتب نهاية فرقته.
هذه النهاية بدأت في فبراير 1905 عندما قالت جريدة المؤيد في 12 / 2 / 1905 تحت عنوان «الجوق الجديد للشيخ سلامة حجازي»: «شكل حضرة الممثل الماهر الشيخ سلامة حجازي جوقة تمثيل تحت رئاسته وإدارته بعدما انفصل من حضرة إسكندر فرح. واستأجر لذلك تياترو حديقة الأزبكية، واستعد له من الملابس الجديدة البديعة وكل الأدوات التي كانت تنقص الجوق الآخر. وسيبدأ هذا الجوق بتمثيل رواية «صلاح الدين الأيوبي» مساء الخميس المقبل الموافق 16 الجاري. ونحن نتمنى لهذا الجوق النجاح والفلاح.»
سلامة حجازي وسط أعضاء فرقته أثناء تمثيل مسرحية «شهداء الغرام».
وبعد شهور قليلة لم يستطع إسكندر فرح الصمود فيها أمام نجاح فرقة سلامة حجازي، فحاول أن يجد بديل هذا الشيخ في فرقته، فتوصل أخيرا لهذا البديل، وكان الشيخ أحمد الشامي. وفي أول عروض الشامي مع الفرقة قالت عنه جريدة مصر في 18 / 8 / 1905: «إذا مات عبده [أي عبده الحامولي] ومات عثمان [أي محمد عثمان] وذهب عصر الغناء بذهابهما فقد سمع أهالي العاصمة بالأمس في التياترو المصري مغنيا جديدا ومطربا متفننا أعاد دولة الطرب الذاهبة كما أعاد إلى الأسماع صوت عبده وصوت عثمان؛ هو حضرة المطرب المبدع والموسيقي المتفنن الشيخ أحمد الشامي، الذي مثل دور العاشق في رواية «تنازع الغرام» فأجاد وأحسن، وأنشد الأبيات والأدوار فأطرب وأبدع حتى قال الناس ليس بعد هذا المغني من مثيل في هذه الديار! هذا هو المطرب الجديد الذي ظهر في العاصمة أمس فكان بلبلا مطربا وسوف يكون له من الأهمية بين الناس ما كان لعبده في سابق زمانه.»
الشيخ أحمد الشامي.
ولكن هذا المطرب الجديد، والبديل عن الشيخ سلامة في فرقة إسكندر فرح، لم يستطع أن يرتقي بالفرقة كما ارتقى بها سلامة؛ مما جعل إسكندر فرح يزيد من جرعة الطرب في العروض، لعلها تساعد أحمد الشامي في الوصول إلى جذب الجمهور كما كان في عهد سلامة حجازي. ومن ذلك الإعلان الذي نشر - واستمر في النشر - من قبل جريدة المقطم في 26 / 3 / 1907، قائلة فيه: «يمثل هذا المساء جوق مصر العربي بإدارة حضرة إسكندر أفندي فرح في تياترو شارع عبد العزيز رواية «عبرة الأبكار»، ويطرب الشيخ أحمد الشامي الجمهور بصوته الرخيم أثناء التمثيل، بالإضافة إلى جوق الطرب المسمى الأوركسترا الوطني.»
423
وبكل أسف ... فشل أحمد الشامي أن يكون بديلا للشيخ سلامة؛ مما أدى إلى توقف الفرقة فترة طويلة، حتى أعاد إسكندر فرح تكوينها مرة أخرى في عام 1909. وأخبرتنا بذلك جريدة المقطم قائلة في 6 / 2 / 1909: «عاد حضرة الفاضل إسكندر أفندي فرح إلى مزاولة فن التمثيل بعدما انتقى جوقا من خيرة الممثلات والممثلين الذين مارسوا هذا الفن، وقد أخذ على نفسه أن يجعل جوقه يمثل للجمهور الروايات المهذبة للأخلاق، وسيمثل غدا رواية «حارس الصيد» في التياترو المصري بشارع عبد العزيز.»
424
ويلاحظ القارئ أن الإعلان خلا تماما من ذكر أحمد الشامي؛ لأنه في ذلك الوقت كان قد كون فرقة مستقلة وانفصل عن إسكندر، كما فعل من قبله الشيخ سلامة.
425
وظلت فرقة إسكندر فرح في هبوط مستمر حتى كانت نهايتها بنهاية حياة مؤسسها إسكندر فرح في أغسطس عام 1916، وهو تاريخ وفاته.
426
وقبل الحديث عن الأجواق العربية المغمورة، يجب علينا أن نتوقف عند شخصية فريدة ساهمت بمالها ومجهودها في إثراء الحركة المسرحية، وبالأخص إقامة وتدعيم الفرق المسرحية الكبرى، وتشييد أكبر المسارح في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وهي شخصية عبد الرازق عنايت. (6) عبد الرازق بك عنايت
تقول المراجع الحديثة
427
عن عبد الرازق عنايت، إنه أحد شهداء التمثيل ورافعي مناره؛ لأنه من طليعة من نهضوا بالتمثيل المسرحي في مصر، في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين. فقد كان رحمه الله على قدر كبير من العلم والثروة. ومن جهوده في خدمة التمثيل المسرحي، أنه شيد بماله الخاص مسرح القباني بالعتبة الذي شهد مجد فرقة القباني طوال عهدها في القرن الماضي. ولما احترق المسرح وبعد موت القباني، تولى عنايت أمر الفرقة وسار معها شوطا كبيرا لتكملة مشوار الرسالة الفنية المسرحية.
عبد الرازق بك عنايت.
ولم تتوقف جهود عنايت عند مساعدة القباني فقط، بل كان مديرا ماليا لفرقة سليمان القرداحي، وضم إليها بعض ممثلي القباني، ونخبة من هواة مصر المشهورين، أمثال: محمد بهجت وعبد المجيد شكري والمطرب إبراهيم سامي. وسافر عنايت بك على رأس هذه الفرقة في رحلة فنية إلى سوريا بدعوة من أحد أثريائها. ولكن سرعان ما تخلى عن مساعدتها بسبب جشع سليمان القرداحي.
كريمة الشيخ سلامة حجازي.
وعندما انفصل الشيخ سلامة حجازي عن فرقة إسكندر فرح عام 1905، بادر عنايت بمده بالمال اللازم لاستئجار مسرح فردي وتجديده، وأطلق عليه دار التمثيل العربي. وواصل عنايت بعد ذلك جهوده في تنشيط المسرح بعد مرض الشيخ سلامة في عام 1909؛ إذ كون فرقة جديدة من أعضاء فرقة الشيخ برئاسة عبد الله عكاشة. ووصلت الروابط الحميمة بين عنايت والشيخ سلامة إلى درجة المصاهرة، عندما تزوج محمد فؤاد - الاسم مركب - الابن الأكبر لعنايت بك، بابنة الشيخ سلامة حجازي. فاختطفها الموت وهي عروس لم تبلغ من العمر سوى عشرين سنة، بعد أن تركت طفلة صغيرة.
محمد فؤاد وابنته حفيدة الشيخ سلامة حجازي.
وبعد ذلك ألف عنايت بك فرقة كبرى لجورج أبيض بعد عودته لأول مرة من أوروبا، لكنه بعد ذلك توقف عن تمويلها لما منيت به من خسائر عندما مثلت مسرحيات كوميدية في موسمها الثاني. وأخيرا ألف عنايت بك فرقة كبرى أيضا لعبد الله عكاشة وإخوته، واستأجر لها دار التمثيل العربي، بعد أن أعاد تشييده عام 1914، وكان يشتغل بها الشيخ سلامة حجازي في بعض الليالي الخصوصية مجاملة لصهره.
وأمام الكساد الذي لاقته الفرق الكبرى قام عنايت بك في عام 1915 بمحاولة جادة لدعم نشاطها، عن طريق توحيدها في فرقة كبرى ضمت فرق جورج أبيض وسلامة حجازي وعبد الله عكاشة، وسار بها إلى الشام لإحياء موسم الصيف. ورغم ما حققته من نجاح دب الشقاق بين أقطابها الثلاثة فاستقل كل منهم بممثليه، وعادت الفرق الثلاث تمارس نشاطها في مصر. لكن عنايت خص فرقة عكاشة بماله وجهوده، ولم تطل رعايته للفرقة لوفاته في نفس العام.
هذه هي المعلومات المتاحة - من خلال المراجع الحديثة - عن هذا الرجل، الذي ضحى بماله وحياته من أجل تنشيط الفن المسرحي في مصر. وعلى الرغم من ذلك فهناك جانب مجهول تماما عن حياة هذا الرجل، وأيضا عن حياة أسرته بعد وفاته، لم يتحدث عنه أي إنسان، ولم نجده في أي مرجع قبل كتابنا هذا. والشق المجهول في حياة هذا الرجل حصلنا عليه من خلال ملفات دار المحفوظات العمومية بالقلعة.
428
وهذه الملفات بها حياة أخرى عن عبد الرازق عنايت، نلخصها فيما يلي:
اسمه الحقيقي «عناني عبد الرازق»، ولد في 17 / 8 / 1851.
429
وعندما التحق بمدرسة المبتديان «كجاويش» ضمن طلاب البلوك السابع بها في 22 / 10 / 1866 غير اسمه إلى عبد الرازق عنايت، وتخرج في هذه المدرسة في 11 / 3 / 1866. ثم التحق بالمدرسة التجهيزية في اليوم التالي؛ أي في 12 / 3 / 1866 حتى تخرج فيها في 3 / 2 / 1868، فالتحق بالمهندسخانة في 5 / 2 / 1868 كأونباشي بها حتى 4 / 4 / 1871.
تقلد بعد ذلك فيما بين 5 / 4 / 1871 و21 / 6 / 1899 عدة مناصب وظيفية، منها: معاون بالرصدخانة كرصيد فلكي، ومفتش بنظارة المعارف، وأخيرا مأمور إدارة تفتيش الوادي، حتى أحيل على المعاش في 20 / 6 / 1899. كما تم الإنعام عليه بالرتبة الثالثة (البكوية) في 26 / 4 / 1896.
وضمن وثائق ملف عبد الرازق عنايت، توجد وثيقة موقعة من علي باشا مبارك ناظر المعارف في 18 / 11 / 1889، تفيد نقله من وظيفته بالرصدخانة إلى وظيفة مأمور إدارة مدرسة دار العلوم، بالإضافة إلى قيامه بمهمة تدريس مادة القسموغرافية بها.
وفي 7 / 1 / 1915 توفي عنايت بك ببيته بشارع الألفي قسم الخليفة، تاركا زوجتين؛ الأولى: شفيقة هانم، وأولاده منها: «حسن ومحمد فؤاد وسنية وسعاد ونصر»، والزوجة الأخرى: زنوبة هانم، وأولاده منها: «تفيدة ومحمود». وبعد الوفاة وجدنا ثلاث وثائق في ملفين باسم الورثة.
الوثيقة الأولى:
بعنوان «طلب معاش أو مكافأة العائلات» في 23 / 1 / 1915، وبها الآتي: «أنا الموقع أدناه أقر أن المرحوم عبد الرازق عنايت الذي كان مأمور تفتيش الوادي بالأشغال، وأخيرا من أرباب المعاشات توفي يوم 7 / 1 / 1915 وكان مرتبا له معاش شهري قدره 24,666 جنيها، ومدة خدمته 33 سنة و7 شهور و25 يوم بمقتضى أحكام المادة الأولى من قانون سعيد باشا. وبناء عليه تستحق ورثته معاشا شهريا بمبلغ 12,333 جنيها قيمة نصف المعاش اعتبارا من 8 / 1 / 1915. وأسماء الورثة: الست شفيقة أرملته معاشها 1,541 جنيه، ويقطع في حالة زواجها أو بلوغ ابنها سن 15 سنة أو زواج بنتها. محمد عبد الرازق ابنه منها معاشه 5,396 جنيهات ويقطع يوم 25 / 11 / 1925 تاريخ بلوغه سن 15 سنة. سنية بنته منها معاش 2,698 جنيه ويقطع في حالة زواجها. سعاد ابنته منها معاش 2,698 جنيه ويقطع في حالة زواجها. ومحمد عبد الرازق ولد في 26 / 11 / 1910، وسنية في 1 / 12 / 1906، وسعاد في 14 / 10 / 1914، وحسن في 13 / 4 / 1897 وهو طالب بمدرسة الزراعة. والست زنوبة أرملة عبد الرازق عنايت غير مستحقة للمعاش لبلوغ ابنها سن 15 سنة ولزواج ابنتها قبل وفاة والدها. ومحمد فؤاد عنايت عمره 35 سنة وموظف مأمور قسم محرم بك بالإسكندرية. الست تفيدة ابنة عبد الرازق عنايت ومتزوجة قبل وفاة الوالد. ومنزل الورثة في 23 بالصليبية شارع الألفي قسم الخليفة.»
الوثيقة الثانية:
كانت في 21 / 4 / 1915 وبها الآتي: «صاحب السعادة مدير عموم الحسابات المصرية: لما نظر المجلس الحسبي بجلسة يوم 18 أبريل الجاري في مكاتبتي المالية في 28 مارس و11 أبريل الخاصة أولاهما بمبلغ 11,727 جنيها قيمة ما خص محمد وسعاد وسنية القصر أولاد المرحوم عبد الرازق عنايت من متأخر معاش والدهم. والثانية بشأن مبلغ 10,792 جنيهات المعاش الشهري الذي ترتب لهم. قرر التصريح بصرف ما خص القصر المذكورين في متأخر معاش والدهم إلى والدتهم الست شفيقة بنت حسين الوصية عليهم. مع صرف 7,792 جنيهات شهريا من معاشهم إلى الوصية أيضا اعتبارا من أول أبريل الجاري، وحجز الثلاث جنيهات الباقية شهريا وتعليتها بالأمانات على ذمتهم باعتبار جنيه لكل منهم. أما معاش المدة من 8 / 1 / 1915 تاريخ ربطه لغاية آخر مارس 1915 فيعلى بالأمانات على ذمتهم أيضا، فاقتضى تحريره لسعادتكم تبليغا بما ذكر. (توقيع وكيل الورثة في 21 / 4 / 1915).»
الوثيقة الثالثة:
كانت في 10 / 3 / 1946، وهي مذكرة مرفوعة إلى مجلس الوزراء، بها الآتي: «كان المرحوم عبد الرازق عنايت أفندي موظفا بوزارة الأشغال العمومية وأحيل على المعاش في 21 / 6 / 1899 بعد أن بلغت مدة خدمته 33 سنة و7 أشهر و15 يوما. وكانت ماهيته الأخيرة 37 جنيها واستحق معاشا شهريا قدره 24,666 جنيها طبقا لقانون المعاشات المعروف بقانون سعيد باشا. وتوفي في 7 / 1 / 1915 عن الورثة الآتي بيانهم. ووزع نصف معاش المورث عليهم طبقا للشريعة الغراء كما قضى بذلك القانون المعاملين به: 1,541 جنيه الست شفيقة الأرملة، وقطع عنها في 16 / 7 / 1940 تاريخ زواج صغرى بناتها سعاد. 5,396 جنيهات محمد عبد الرازق عنايت ابنه، وقطع عنه في 25 / 11 / 1925 لبلوغه سن 15 سنة. 2,698 لسنية ابنته، وقطع عنها في 25 / 6 / 1926 لزواجها. 2,698 لسعاد ابنته، وقطع عنها في 16 / 7 / 1940 لزواجها. منحت السيدة سنية إعانة مالية قدرها خمسون جنيها في مايو 1927 بمناسبة قطع معاشها للزواج. ومنحت السيدة سعاد إعانة مالية قدرها خمسون جنيها في 30 / 8 / 1940 بمناسبة قطع معاشها للزواج. وبمناسبة قطع معاش الأرملة في اليوم الذي قطع فيه معاش ابنتها السيدة سعاد أي في 16 / 7 / 1940 منحت إعانة مالية قدرها خمسون جنيها في ديسمبر 1942 تصرف على أقساط شهرية كل قسط 1,500 جنيه، وانتهى آخر قسط في سبتمبر 1945. قدمت الأرملة طلبا تقول فيه إن هذه الإعانة وهي مورد رزقها الذي كانت تعتمد عليه قد انقطع عنها، وهي تلتمس النظر في تقدير معاش لها يتناسب مع حالة الغلاء الفاحش، لا سيما وأنها طاعنة في السن ومريضة بضغط الدم وتصلب الشرايين ؛ مما يكلفها نفقات كبيرة ومما تضطر معه إلى الاستدانة وهي فقيرة وليس لها مورد رزق تستطيع الاعتماد عليه. وتضيف إلى ذلك أن معاش الورثة قد آل بأكمله إلى الخزانة. وهي تلتمس منحها فوق المعاش إعانة تمكنها من تسديد ديونها. وقد بحثت اللجنة المالية هذا الطلب ورأت الموافقة على ترتيب معاش استثنائي قدره ثلاثة جنيهات من تاريخ موافقة مجلس الوزراء لأرملة المرحوم عبد الرازق عنايت أفندي (توقيع إسماعيل صدقي في 10 / 3 / 1946).»
وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 27 / 3 / 1946 على رأي اللجنة المبين في هذه المذكرة. وهكذا كانت حالة أرملة الثري عبد الرازق عنايت، الذي ضحى بماله في سبيل إثراء الحركة المسرحية في مصر. فهذا الرجل شيد أهم وأكبر المسارح المصرية كمسرح القباني بالعتبة ومسرح دار التمثيل العربي، وكان ينفق بسخاء في تكوين الفرق المسرحية. وبعد ذهاب الرجل وكذلك ذهاب ماله، أصبحت أرملته تقتات ثمن الخبز والدواء.
الفرق المسرحية الصغرى
(1) الأجواق العربية (1-1) جوق سليمان الحداد
يقول توفيق حبيب عن سليمان الحداد في عام 1928: إنه «ممثل كبير. اشتغل مع الخياط والقرداحي وإسكندر فرح وشارك عبد الرازق بك عنايت، ثم مثل مع جورج أبيض؛ فهو الممثل الوحيد الذي خدم التمثيل العربي منذ نشأته الأولى حتى عهده الأخير. وتوفي منذ زمن قريب. كان الحداد أديبا ألمعيا، واسع الاطلاع محبا للتمثيل الطبيعي في اللغة العربية والفرنسوية. وقد دفعه غرامه بالتمثيل إلى ترك وظيفته بالحكومة المصرية مرتين. وإليه يعزى الفضل في ترقية لغة الروايات في جوقة إسكندر أفندي فرح. ثم ألف جوقة خاصة لذاته وانتقى كبار الممثلين المشهورين في ذلك العصر، ومنهم الأفندية: علي وهبي، وعمر وصفي، ونسيب حداد، ومحمد رياض حمودة، ورحمين بيبس، والسيدة مريم سماط، ومحمد مصطفى، وسيد أحمد. وأعد للتمثيل عدة روايات عني بترجمتها عن اللغة الفرنسوية ترجمة صحيحة ... واتخذ دارا خشبية للتمثيل في وجه البركة، فلم يجد ما كان يؤمل من الإقبال لكثرة ما كان يحيط بمرسحه من قهوات الرقص وتوفر ما فيها من الأسباب الداعية إلى الانصراف عن التمثيل الراقي؛ فسافر إلى بورسعيد ومنها إلى الزقازيق. ورأى المرحوم عبد الرازق بك عنايت «الشريك المالي للقرداحي» أن الخرج يربو كثيرا على الدخل؛ فصفى الشركة، وشارك المرحوم أبا خليل القباني ومده بالمال، فانضمت جوقة الحداد كلها إلى أبي خليل. ومما يذكره الممثلون الذين اشتغلوا مع الحداد في هذا الحين أنه كان بارا بهم، يكرمهم ويعتني بأمرهم كأنهم من أفراد عائلته. فكانوا يحبونه ويعملون في خدمته بإخلاص. ومما يذكرونه أيضا أنه لم يكن مكتفيا بإدارة الجوقة وتدريب أفرادها بل كان يشتغل ممثلا وله أدوار مشهورة.»
1
ويؤكد المؤلف المسرحي محمود واصف، أن الفضل في دخول سلامة حجازي مجال الفن المسرحي يعود إلى سليمان الحداد، وفي ذلك يقول: «قامت فئة من الشبان بإدارة الفاضل سليمان أفندي الحداد وشخصوا رواية «مي وهوراس» في تياترو زيزينيا بالإسكندرية، وكان أهم الأدوار فيها لحضرة المشخص البارع والموسيقي المتفنن الشيخ سلامة حجازي، وهي المرة الأولى لدخوله في هذا الفن الجليل.»
2
سليمان الحداد.
ويقول عنه د. نجم: إنه «انتقل بأسرته من لبنان إلى الإسكندرية سنة 1873 بناء على دعوة تلقاها من بطريرك الروم الكاثوليك، وعاصر نشاط الفرق الشامية الوافدة وشارك فيه، إذ عمل مع الخياط والقباني والقرداحي. وفي سنة 1887 ألف جوقا خاصا به دعاه «الجوق الوطني المصري»، ظل قائما عليه حتى سنة 1906.»
3
وإذا تتبعنا نشاط فرقة سليمان الحداد، سنجدها بدأت في عام 1881، لا عام 1887 كما قال د. نجم! وأول إشارة عن هذه الفرقة تنقلها إلينا جريدة الأهرام قائلة في 24 / 8 / 1881: «في مساء السبت تشخص في تياترو زيزينيا رواية «الغيور» بإدارة حضرة الشاب البارع جدا في هذا الفن سليمان أفندي حداد. وأما أوراق الدخول فتباع عند حبيب أفندي غرزوزي وأمام البورصة وعلى باب التياترو، والمرجو أن يتقدم الجمهور للحضور.»
4
ومن الجدير بالذكر أن فرقة الحداد لم تكن من الفرق المستمرة، بل كانت من الفرق المغمورة التي تظهر وتختفي. فبعد عام 1881، ظهرت مرة أخرى في عامي 1887، 1888. أما سليمان الحداد فكان يعمل عند توقف فرقته كممثل في الفرق الأخرى. ففي بداية فرقة إسكندر فرح عام 1891، وجدنا الحداد أحد أعمدتها الأساسية بعد سلامة حجازي. ومن العروض التي مثل فيها وأجاد، عرض مسرحية «شقاء المحبين» في 5 / 11 / 1891،
5
وجميع عروض فرقة إسكندر فرح في رحلتها إلى الإسكندرية في يناير 1892.
6
وفي يونيو 1892 فكر القرداحي في ضم الحداد إلى فرقته كشريك أساسي، ولكن هذا الحلم لم يتحقق في حينه. وفي عام 1893 كون الحداد فرقة أخرى مثل بها عدة مسرحيات بالأوبرا الخديوية، منها: «صلاح الدين الأيوبي» و«حمدان» و«شهداء الغرام» و«عائدة».
7
وفي عام 1894 ألف الحداد فرقة جديدة، قالت عنها جريدة المقطم في 19 / 6 / 1894: «يمثل الجوق الجديد الذي ألفه حضرة الأديب البارع سليمان أفندي حداد لتمثيل الروايات العربية أول رواية من رواياته هذا المساء في التياترو الوطني الجديد قرب الجران بار أما الرواية التي سيمثلها فهي رواية القرصان (لصوص البحر) بقلم حضرة الشيخ يوسف حبيش الرئيس الثاني لقلم الترجمة في الدومنين. وهي من الروايات البديعة التي لم يسبق تمثيلها في اللغة العربية، تبدأ في مدينة باريس وتنتهي في بلاد المكسيك بأمريكا، وتخللها كثير من الوقائع الغريبة والمشاهد الطبيعية التي تروق الناظر وتشوق الحاضر. وقد جاء حضرة مدير الجوق بأشهر الممثلين والممثلات، وبلغنا أن الناس أقبلوا عليه إقبالا عظيما حتى كاد الملعب يضيق بهم على سعته فنرجو له مزيد التقدم والنجاح، ونحث الجمهور على زيادة الإقبال عليه؛ تنشيطا لهذا الجوق العربي وإحياء لهذا الفن الأدبي.»
8
ويعتبر عام 1894 من أهم أعوام فرقة الحداد؛ حيث ظلت تمثل طوال هذا العام، دون انقطاع، ومن عروضها: «شجاع فينيسيا» في 21 / 6 / 1894،
9
و«السلطان صلاح الدين» في 23 / 6 / 1894،
10
و«أستير» في 26 / 6 / 1894،
11
و«شقاء المحبين» في 28 / 6 / 1894،
12
و«روميو وجوليت» في 28 / 6 / 1894،
13
و«مكايد النساء» في 6 / 7 / 1894.
14
وفي هذا العام أيضا قامت الفرقة برحلة إقليمية فنية إلى بورسعيد، وعادت منها لمواصلة عروضها في القاهرة في سبتمبر 1894، بمسرحية «حلم الملوك» في 2 / 9 / 1894.
15
وفي نهاية عام 1894، وبعد النجاح الساحق للفرقة، تقدم سليمان الحداد بمذكرة إلى نظارة الأشغال، ومنها إلى اللجنة المالية بمجلس النظار، لإعطائه إعانة مالية لتمثيل عدة روايات عربية بالأوبرا الخديوية، ولكن اللجنة رفضت طلبه في 5 / 1 / 1895.
16
وتتوقف أخبار فرقة الحداد بعد ذلك حتى عام 1899، عندما قام بتكوين فرقة جديدة بالاشتراك مع سليمان القرداحي، وأطلق على هذه الفرقة «الجوق المنتخب». ومثل هذا الجوق على مسرح القرداحي بالإسكندرية عدة مسرحيات، منها: «حمدان» في 4 / 11 / 1899،
17
و«أوتلو» في 9 / 11 / 1899،
18
و«الأسد المتملق» في 18 / 11 / 1899،
19
و«عائدة» في 26 / 11 / 1899،
20
و«شارلمان» في 7 / 12 / 1899.
21
وكانت هذه العروض آخر العروض في القرن التاسع عشر، التي شارك فيها الحداد كشريك في فرقة مسرحية عربية.
أما نشاطه بعد ذلك فلم يتوقف. وأول إشارة عنه في عام 1900، أخبرتنا بها جريدة المقطم، قائلة في 11 / 9 / 1900: «ليلة الأمس أحل كثيرون من الأدباء «خواطر المقطم السانحة» عن التمثيل العربي محلها من الاعتبار، وقد رأى بعض أدباء الثغر أن تأخذوا بما فيها من الحض على ترقية التمثيل الشرقي فألفوا جمعية لا أدل على غايتها من اسمها «جمعية مرقاة التمثيل»، والكتاب يقرأ من عنوانه. وهي جمعية مؤلفة من الأدباء غواة هذا الفن برئاسة الممثل الشرقي الشهير سليمان أفندي حداد. وقد كانت ليلة الأمس ميعاد تمثيلها لروايتها الأولى، فغص المرسح العباسي بالمشاهدين يتقدمهم سعادة محافظنا الفاضل الذي يبذل كل سعي وجهد لعضد الجمعيات الوطنية الأدبية. أما الرواية التي اختيرت للتمثيل فهي رواية «السر الهائل» لحامل لواء الحرية والمساواة والإخاء، فيلسوف المدنية والعمران فولتير، معربة بلغة فصيحة ومرصعة هنا وهناك بأشعار عربية رقيقة جادت بها قريحة العرب فقيد الأدب المرحوم نجيب الحداد. وما ارتفع الستار حتى شخصت الأنظار إلى الممثلين وقد كان أكثر ما استرعى أسماعهم واستدعى إعجابهم ممثلي دور الملك والملكة وعاشقها فقد أجادوا إلقاء وإيماء.»
22
ويتوقف الحداد عن نشاط الفرق المسرحية بعد ذلك، حتى يعود إليه في عام 1906، فيكون فرقة مسرحية تمثل العديد من المسرحيات، مثل: «حمدان».
23
ويكون فرقة أخرى هزلية في العام التالي 1907 مع الممثل عزيز عيد، وتمثل هذه الفرقة مسرحيات: «ضربة المقرعة» و «ومباغتات الطلاق».
24
واستمرت هذه الفرقة بضعة أيام قليلة انسحب الحداد بعدها مباشرة من هذه الفرقة الهزلية. فكيف يمثل الكوميديا المبتذلة ويلقي النكات والكلمات الخارجة لإضحاك الجمهور، بعد أن كان يمثل روائع تراجيديا المسرحيات العالمية ويبكي الجمهور ؟! فترك الحداد هذا الابتذال واكتفى بدور معلم التمثيل والإلقاء المسرحي لممثلي الفرق. وكانت فرقة جورج أبيض آخر فرقة عمل بها كمعلم للتمثيل والإلقاء في عام 1912، ولكنه تركها بعد أن شعر بأن هناك من يريد احتلال مكانه. فترك مكانه راضيا بما قدمه في سبيل الفن المسرحي، ليلحق بابنه نجيب الحداد في دار البقاء. (1-2) جوق الكمال
يديره علي حمدي، وظهر نشاطه عام 1891. وكان يمثل مسرحيات الفرق الكبرى، كما كان يتجول في الأقاليم. واستمر هذا النشاط حتى عام 1892.
25
ومن إشارات الصحف عنه، إشارة جريدة المقطم في 8 / 4 / 1891، عندما قالت: «مثل جوق الكمال الوطني بإدارة علي أفندي حمدي أمس وما قبله روايتي «الملكة بلقيس» و«قوت القلوب» فأجاد الممثلون والممثلات وسر الحضور وصفقوا استحسانا، وسيمثلون في هذه الليلة رواية «يوسف الصديق».»
26 (1-3) الجوق الشرقي
هو من الأجواق قصيرة العمر، حيث مارس التمثيل المسرحي لمدة شهرين فقط، يونيو ويوليو 1891، ولكن شهرته جاءت بسبب مديره أحمد أبو العدل الممثل المشهور في أكبر الفرق المسرحية في هذا القرن. ومن المؤكد أن أبا العدل قام بتكوين هذا الجوق في فترة خلافه مع أحد الأجواق الكبرى أو انقطاعه عنه. وقد مثل الجوق الشرقي في مدة تواجده على مسرح شارع عبد العزيز - مسرح إسكندر فرح - عدة مسرحيات، منها: «قوت القلوب» في 11 / 6 / 1891،
27
و«عائدة» في 26 / 6 / 1891،
28
و«خليفة الصياد وهارون الرشيد» في 2 / 7 / 1891.
29 (1-4) جوق فارس صادق
من الأجواق المغمورة المجهولة، فلم نعلم عنه أي شيء سوى بعض الإشارات القليلة في الصحف المصرية، ومنها ما قالته جريدة السرور عن تكوين هذا الجوق في 9 / 3 / 1892: «صمم الجوق العربي الأدبي تحت رياسة حضرة الشاب الأديب فارس أفندي صادق على تقديم جملة روايات في تياترو البوليتياما وسيخصص إيرادها للجمعيات الخيرية، جزاه الله ورفأه عن الإحسان خيرا.»
30
وأيضا قول نفس الجريدة في 31 / 3 / 1892 تحت عنوان «رواية عايدة»: «في 2 أبريل القادم سيمثل في تياترو البوليتياما الجوق الأدبي الوطني المؤلف من أبدع المشخصين والمشخصات، تحت إدارة حضرة الأديب الحاذق فارس أفندي صادق، هذه الرواية المشهورة بانسجام عباراتها ولطافة مناظرها وبديع معناها وموضوعها. وقد بلغنا أن الجوق المومأ إليه سيستمر على التمثيل إذا صادف من جمهور الوجهاء ونصراء الآداب إقبالا وقبولا، فنرجو له نجاح الغاية والأمل وفلاح القصد والعمل، ثم نستنهض همم الألباء ونستلفتها إلى الأخذ بناصر هذا الجوق الأدبي الجديد؛ تنشيطا لهذا الفن المفيد اللطيف ونحثهم على الاكتتاب في الليالي التي عزم الجوق على إحيائها في ثغرنا تعميما للفائدة المقصودة من تشخيص الروايات.»
31 (1-5) جوق الاتحاد
كون هذا الجوق الأستاذ داود سليمان، وظهر في الإسكندرية حوالي منتصف سنة 1894، وكان يغادرها إلى مدن الأرياف. واستمر نشاطه حتى سنة 1896.
32
ومن أعضائه: المطربة كوكب، والممثل مصطفى علي، وحسين الإنبابي. ومن أعماله الفنية: عرض مسرحية «غرام الملوك» بمسرح حمام الدانوب في 20 / 4 / 1894، وفي اليوم التالي عرض مسرحية «الأمير يحيى» المعروفة بحب الوطن،
33
وفي 26 / 4 / 1894 مثل «الأمير محمود»، وفي 28 / 4 / 1894 «محاسن الصدف»، واختتمها بفصل مضحك بعنوان «من جاءني بالليل»،
34
وفي 5 / 5 / 1894 «يوسف الصديق».
35
وآخر إشارة عن هذا الجوق كانت نقدا لاذعا من الناقد الفني لجريدة السرور في 31 / 10 / 1895، قال فيه تحت عنوان «فن التمثيل في الثغر الإسكندري»: «لم يخطر على البال معاودة البحث والتنقيب في هذا الفن الخطير لولا ما رأيت من بعض المتطفلين عليه أمورا تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها الحكيم. حدث بالأمس أنني سمعت خبرا مآله حضور جوقة جديدة إلى هذا الثغر لتحيي ليلة واحدة في قاعة كونيليانو بتمثيل رواية الملك الظاهر ببرص [بيبرس]. فظننت لأول وهلة أن هذه الليلة ستكون أبدع ما مثل في لغتنا العربية، أو بالأحرى تكون بديعة. ولما علمت بأن هذا الجوق قد صار له مدة مديدة يوالي التمثيل في سائر القطر المصري، وقد حضر اليوم إلى ثغرنا، وتكبد مشقة السفر ومصاريفه، ليقدم ليلة واحدة فقط، أخذتني الحمية لأشاهد تمثيله. وما استتب لي المقام حتى رأيت من ممثليه أمورا لم أرها من سواهم. وكيفية ذلك أن الرواية المذكورة تعد من الطبقة الأولى في عالم الرواية التشخيصية، ولكنك لم تر ممثلا من هؤلاء قادرا على القيام بدور، حتى خيل للحاضرين أنهم في مجتمع يتلو عليهم رجال هذه الرواية. والأغرب من هذا وذاك أن أغلاط النحو لديهم من أهم الشروط التي لا تقوم الرواية بدونها. وما انتهت الرواية حتى فرغ صبر الحاضرين وملوا من الانتظار. ثم ارتفع الستار فقام في المرسح أحد الممثلين بقده الذي يخجل البان، وتلا أبياتا والروح تردد بين صدره وقلبه والزفرات تتصاعد من الحاضرين، لم يراع بها قواعد اللغة الشريفة. وارفض القوم قبل انتهاء الفصل المضحك الذي قيل عنه. ولما علمت اسم مدير هذا الجوق الزاهر بتأخره إلى الوراء قلت مع القائل:
ومذ أصبحت أذنابنا وهي أرؤس
عذوة بحكم الطبع نمشي إلى الورا
ومديره داود أفندي سليمان الذي أقام مدة في هذا الثغر منذ عام يوالي إحياء التمثيل في عدة مراسح على طريقة أحسن وأفضل وأنظم من جوقه هذا. ولكن له عذر في الخبرة لأنه يجهل هذا الفن، وتقدمه متوفر في اجتهاد رجاله، فليصبر إلى المنتهى. ولم أقصد في هذا المقام التصدي لهذا المدير أو لذاك الجوق بل أرجو رجال الأحكام أن تمنع من كان نظيره من معاطاة هذا الفن الجليل، لأنه ومن شاكله قد أوصلوا التمثيل إلى حالة دونها خلع برقع الحياء. وأشكر في موضوعي هذا لأعضاء جمعية الابتهاج الأدبي ورئيسها المجتهدين في إعلاء شأن هذا الفن الجليل. فقد نشأت هذه الجمعية وقامت على هذا المبدأ حتى أمكنها في برهة قصيرة أن تحرز مقاما يجعلها في مقدمة القائمين في هذا الباب، فنرجو لها النجاح الأوفر من صميم الفؤاد (أحد الأدباء).»
36 (1-6) جوق إبراهيم حجازي
كان يطلق على جوق إبراهيم حجازي اسم «جوق شبان مصر الوطني»، وهو من الأجواق المتجولة، وظل يعرض مسرحياته في الأقاليم منذ أواخر القرن التاسع عشر، حتى أوائل القرن العشرين. فنجده يعرض بالمنصورة في عام 1896 عدة مسرحيات منها «الظاهر بيبرس».
37
وفي سبتمبر 1896 عرض مسرحيات: «حسن العواقب» و «صدق الإخاء» و«غرام الملوك» بمنيا القمح.
38
وفي أكتوبر 1897 مثل الجوق برشيد عدة مسرحيات، قالت عنها جريدة مصر في 6 / 10 / 1897: «كانت الليلة الماضية موعد إحياء الليلة الأولى للاحتفال بتشخيص العشر ليالي التي عزمت الجمعية بإحيائها في البندر ؛ إعانة للمصابين بالحريق، فغص المسرح على سعته بكل كبير ووجيه وموظف، يتقدم الجميع حضرة المأمور وعدد عديد من الفضلاء والنبلاء. ثم بدأ جوق شبان مصر الوطني بإدارة إبراهيم أفندي حجازي في التشخيص بين هتاف السرور وضجيج الاستحسان، ثم قام حضرة الشيخ إبراهيم أحمد وألقى خطابا أنيقا امتدح فيه أعمال الجمعية، ثم بدأ تمثيل رواية «الملك صلاح الدين يوسف الأيوبي». وكانت المناظر مبهجة فأجاد الممثلون في سبك العبارات وتمثيل الوقائع حتى صفق لهم الحضور مرارا واستعادوهم تكرارا، ولا سيما حضرة الشيخ إبراهيم أحمد الذي قام بتمثيل أهم أدوارها. وظل القوم يقابلون الممثلين بالتصفيق إلى أن أتت الساعة الثانية بعد منتصف الليل فتم التمثيل واختتم بمثل ما بدأ من الأدعية، ثم خرج الكل وعلامات السرور واضحة. وفي الليلة التالية قام هذا الجوق بتشخيص رواية «محاسن الصدف» فحازت إقبال الجمهور. فنحث أولى الجود والكرم بالإقبال لسماع الروايات التالية والأخذ بناصر الساعين في الأعمال الخيرية، جعل الله أيام فاعلي المبرات سرورا وحبورا.»
39
وفي ديسمبر 1897، ذهب الجوق إلى النجيلة ومثل بها عدة مسرحيات،
40
ثم مثل بعدها في الأقصر مسرحية «يوسف الصديق»،
41
وعرض في قنا مسرحية «كليوباترا» في أبريل 1900.
42
وفي عام 1906 مثل الجوق في ملوي مسرحيتين،
43
ثم ذهب بعدها إلى نجع حمادي ومثل بها أيضا.
44
وظلت هذه الفرقة تعمل في فترات متقطعة حتى عام 1915. وكانت تتكون من: حسن صالح، وأحمد عبد الباقي، وأديل زوجة حجازي وأختها زاهية، وماري وماتيلدة، وعبد الخالق خليفة، وحسن فريد، وصالح إبراهيم، وعلي حلمي، وانضم للفرقة الممثل التونسي أحمد توليمان.
ويروي المطرب عبد العزيز الجاهلي في ذكرياته وصفا لفرقة إبراهيم حجازي التي عمل بها فترتين، فيقول: «عندما عدت إلى الفرقة، وجدت أنها تقدمت عن ذي قبل؛ فقد كانت في سنواتها الأولى تدخل كل وكالة وتقيم بها منصة متواضعة، يسدل عليها ستارة، ويوضع لوجان لجلوس الأكابر. كانت الستائر والملابس بسيطة وبالفرقة مجموعة من الملحنين الصغار؛ أي المبتدئين، وكان يضمهم من جمعيات تمثيلية. لكنني ألفيت الفرقة في هذه المرة وقد انتظمت أحوالها، والتحق بها ممثلون من فرق القرداحي والقباني وإسكندر فرح وغيرها. وكانوا زملاء لي في فرق أخرى.»
45 (1-7) جوق بولس قرداحي
يعتبر جوق بولس قرداحي من الأجواق المجهولة - تماما - فلم يتحدث عنه أي مرجع أو كتاب من قبل. وهذا الجوق من الأجواق التي كانت تجوب الأقاليم في القرن التاسع عشر، ولم نجد له أية إشارة تدل على قيامه بالتمثيل في القاهرة. وأول إشارة عنه كانت في 7 / 12 / 1896، عندما مثل مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في المنصورة.
46
وقد ظل الجوق بالمنصورة لعدة أشهر فمثل بها عدة مسرحيات، منها: «شهداء الغرام» و«السيد» و«محمد علي باشا» و«ربيعة بن زيد المكدم» و«أستير».
47
وكانت آخر عروض الجوق بالمنصورة في 26 / 12 / 1896،
48
ولم نسمع عنه بعد ذلك. (1-8) الجوق الشامي
ألف نقولا مصابني هذا الجوق بالشام، وأتى به إلى مصر في مارس 1896،
49
وقالت جريدة المقطم عنه في 26 / 3 / 1896: «قدم العاصمة الجوق الشامي الجديد بإدارة حضرة الأديب نقولا أفندي مصابني؛ وذلك لإحياء بعض ليال من الروايات الهزلية (بانطوميم)، ولا شك أن أهالي العاصمة سيقبلون على حضور التمثيل نظرا لما هو عليه هذا الجوق من التفنن والمهارة.»
50
وكان يطلق على هذا الجوق اسم «الجوق الشامي» أو «الجوق الدمشقي». ومن أهم الأعضاء فيه: الممثل كامل الأوصاف، وجرجي مصابني، ونمر شيحة، والسيدة نظيرة. وهذا الجوق كان يختص بأمور فنية خاصة، بخلاف الفرق السابقة، التي تختص بتمثيل المسرحيات، ومنها تمثيل الفصول المضحكة، وفصول البانتومايم، والرقص الشامي «الدبكة»، وبعض الألعاب المسلية. وكان يعرض برامجه على أكبر المسارح في هذا القرن.
ففي 29 / 3 / 1896 مثل الجوق فصلين مضحكين، هما: «الأخ الخائن» و«الدب» على مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز،
51
وفي 30 / 3 / 1896 فصل «القهوجي» وآخر بانتومايم، مع رقص دمشقي، وفي 8 / 4 / 1896 قام الجوق بألعاب مضحكة مع بعض ألعاب السيف،
52
وفي 11 / 4 / 1896 مثل فصل «الوزير الخائن».
53
وفي يونيو 1896 قام برحلة فنية إلى أقاليم مصر، فقدم بها بعض فصوله المضحكة،
54
وعندما عاد من رحلته مثل فصل «الجزائر» في 27 / 6 / 1896.
55
وفي يوليو 1896 قام الجوق برحلة فنية أخرى إلى الإسكندرية، ومثل على مسارحها، مثل الدانوب ومسرح القرداحي، عدة فصول مضحكة، منها: «أصلان بك» و«اللوكاندة» و«الدب»، وعاد من الإسكندرية في أواخر أكتوبر 1896.
56
وفي مارس 1897 تولى الممثل كامل الأوصاف إدارة الجوق، وأصبح الجوق يعرف باسم جوق كامل. وبدأ تمثيل فصوله بمسرح شارع عبد العزيز، فمثل في 4 / 3 / 1897 فصل «الطبيب واللوكاندة»،
57
ثم انتقل الجوق إلى مسرح القباني وعرض عليه عدة فصول منها: «الخاطبين» و«الوابور».
58
ومع بداية عام 1898 طور كامل من جوقه ولاقى نجاحا كبيرا، بعد أن عرض فصوله في عدة مسارح، منها: مسرح إسكندر فرح، ومسرح السكاتنج رنج، ومسرح ألف ليلة وليلة. ومن فصوله في هذا العام «الطبيب والمريضة».
59
ووصل هذا النجاح حتى نهاية القرن التاسع عشر.
60
وإليك أحد أمثلة إعلانات الصحف عن هذا الجوق في نهاية القرن التاسع عشر:
قالت جريدة الأخبار في 10 / 8 / 1899، تحت عنوان «التمثيل والألعاب الشامية»: «يمثل في هذه الليلة الجوق الدمشقي بتياترو السكاتنج رنج بأول شارع باب الجنينة البحري فصلين مضحكين جدا، ويبتدئ في الساعة السابعة والنصف مساء. ويقوم بأهم الأدوار حضرة رئيس الجوق المشخص المشهور المعروف بكامل الأوصاف وحضرة الممثلة الأولى الست نظيرة. وقد نالوا بحسن إلقائهم وغرابة نكتهم استحسان الجمهور، وخصوصا حضرة جرجس أفندي مصابني بما يبديه من مهارة في لعب السيف المذهل ورقص الدبكة.»
61 (2) بعض الأجواق الأجنبية (2-1) الجوق التركي
هو نموذج من الفرق المسرحية التركية التي كانت تزور مصر في القرن التاسع عشر، وهو ليس من الأجواق المستمرة أو المحددة، ولكن أية فرقة تركية تحضر إلى مصر كان يطلق عليها الجوق التركي. ومن هذه الفرق، فرقة حضرت إلى الإسكندرية ومثلت بها مسرحية «ليلة بدجي خورخور أغا» في 27 / 4 / 1885،
62
وفرقة أخرى جاءت إلى الإسكندرية أيضا بقيادة الممثل بنليان في مارس 1888، ومثلت رواية «جيروفليه جيروفلا» في 27 / 3 / 1888، و«الزيبك» في 29 / 3 / 1888، و«البلبيجي خوخور أغا» في 31 / 3 / 1888.
63
وفي عام 1891 قالت جريدة المقطم عن آخر الفرق التركية في هذا القرن، في 3 / 10 / 1891: «علمنا أن حضرة خليل أفندي كنعان سيحضر جوقا تركيا من أحسن أجواق الأستانة لتمثيل ما شاق وراق من الروايات التركية في الملعب الجديد الذي أنشأه الخواجة سوارس في حلوان مدة الشتاء المقبل، وسيتساهل حضرة الخواجة سوارس بعض التساهل في أجرة الانتقال إلى حلوان لحضور التمثيل. فنرجو أن يصادف توفيقا ونجاحا في هذا المشروع المفيد.»
64 (2-2) جوق مناسة
من الأجواق الأجنبية التي حضرت إلى مصر في يناير 1886، ومثلت في مسرح زيزينيا بالإسكندرية وفي مسرح البوليتياما بالقاهرة. ولم تمكث إلا أياما قليلة، ومثلت فيها عدة روايات، منها: «بارب بلو» في 5 / 1 / 1886، و«ترافيانا» في 9 / 1 / 1886،
65
و«له دروادي سنيور» في 22 / 1 / 1886،
66
و«ريجوليتو» في 27 / 1 / 1886.
67 (2-3) الجوق الإيطالي
حضرت إلى مصر أجواق إيطالية كثيرة في القرن التاسع عشر، ومثلت في الأوبرا الخديوية، وهذه الأجواق هي الأجواق الكبرى. أما الأجواق الإيطالية الصغرى - المتجولة - فكانت تحضر إلى مصر وتمثل في المسارح الأخرى بخلاف الأوبرا. فنجد منها فرقة مثلت على مسرح حديقة الأزبكية رواية «أنيلا دي ماسيمو» في 9 / 7 / 1887، واختتمتها بفصل مضحك بعنوان «أنا في انتظار العروسة»،
68
وجوق آخر مثل بزيزينيا رواية «كليوباترا ملكة مصر» في 8 / 1 / 1890 بطولة مدام البونورة روز،
69
وجوق ثالث جاء من نابولي ومثل على مسرح السكاتنج رنج في أكتوبر 1892.
70
وتتوالى بعد ذلك الأجواق الإيطالية المتجولة في الحضور إلى مصر والتمثيل في مسارحها، مثل مسرح قهوة جنينة السلطان، ومسرح عدن، ومسرح كازينو حلوان، ومسرح البراديزو.
71 (2-4) جوق كوكلن
من الأجواق الفرنسية التي حضرت إلى مصر في عام 1888، بإدارة المسيو كوكلن الممثل الفرنسي، ومثل بالأوبرا الخديوية بعد أن قدم عدة عروض بالأستانة.
72
وكان الخديو وكبار رجال الدولة يحضرون تمثيله في الأوبرا.
73
وبعد حفلات الأوبرا سافر الجوق إلى الإسكندرية وقدم بمسرح زيزينيا عدة مسرحيات، قالت عنها جريدة الأهرام في 1 / 2 / 1888: «قدم إلى ثغرنا أمس من العاصمة جوق حضرة المسيو كوكلن الشهير، ثم مثل مساء ذلك اليوم في تياترو زيزينيا رواية «الدون سزار» فكان الملعب غاصا بجمهور المتفرجين، يتقدمهم سعادة المحافظ وعزتلو وكيله وحضرات قناصل الدول وأعيان الثغر وكباره وجم غفير من الناس حتى لم يبق محل فارغ على الإطلاق. ثم بدأ ذلك الممثل المشهور فأثر في القلوب كل التأثير، حتى كأنه يتلاعب بها في حركات يديه بين الحزن والفرح والانقباض والانبساط. وما عسانا نصف عن إجادة هذا الرجل الحاذق وفنون تمثيله وبدائع آياته! وقصارى القول أنه رجل المراسح وفرد الروايات، وقد كثر له تصفيق الاستحسان والاستعادة وأهدي إليه إكليل كبير من الزهور العطرة دل على ارتياح الناس إليه وإلى سائر أعضاء الجوق، ثم خرج الناس وقد أخذهم من العجب أكثر مما أخذهم من الطرب. وهو سيمثل في هذه الليلة رواية «الباريزيان» المشهورة، فالأمل أن يكون إقبال الناس عليها شديدا؛ استمتاعا بليالي هذا المشخص المشهور.»
وبعد رحلة الإسكندرية عاد الجوق مرة أخرى في فبراير 1888 إلى الأوبرا الخديوية.
74
وفي أبريل 1888 تقدمت نظارة الأشغال بمذكرة إلى مجلس النظار قالت فيها: «إن المسيو تيودور جلازز مدير جوقة المسيو كوكلن المتجولة يلتمس امتياز تياترو الأوبرا الخديوية مع التنوير بالغاز ليقدم فيه عشر روايات تقوم بتمثيلها مدام سارة برنار وجوقها، وذلك في شهر يناير 1889. فنظرا للنجاح البين الذي صادف المسيو كوكلن ولما لمدام سارة برنار من الشهرة العظيمة بفن تمثيل الروايات فمن رأي لجنة التياترات أن يجاب طلب المسيو تيودور المذكور. فبناء على ما تقدم تعرض نظارة الأشغال العمومية على المجلس رأي لجنة التياترات وتلتمس منه معرفة ما إذا كان يستحسن أن يصرح لمدام سارة برنار أن تمثل العشر روايات المذكورة، وأن تكون مصاريف التنوير بالعشر الليالي على الحكومة (توقيع ناظر الأشغال العمومية عبد الرحمن رشدي في 7 / 4 / 1888).»
75
وتمت الموافقة، بدليل أقوال الصحف عن وصول سارة برنار، ومنها جريدة الأهرام في 28 / 4 / 1888، عندما قالت: «ألمعنا فيما سبق إلى أن في عزم سارة برنار أشهر المشخصات والمغنيات في أوروبا المجيء إلى القطر المصري لتمثيل بعض الروايات في مرسح الأوبرا الخديوية في العاصمة، ونزيد على ذلك الآن أن حكومتنا قد رخصت لها بتمثيل عشر روايات في مدى شهري ديسمبر وجنايو [يناير] القادمين وأنها ستمثل أيضا عشر روايات في تياترو زيزينيا بالثغر، وقد عينت حضرة المسيو سوسكينو لجمع الاكتتابات ممن يريدون حضور الليالي المومأ إليها.»
76
بعد ذلك لم نسمع عن جوق كوكلن أي شيء، مع ملاحظة أن في عام 1905 ظهرت إشارات أخرى في بعض الصحف عن جوق كوكلن الصغير، وهو غير كوكلن الكبير الذي تحدثنا عنه؛ مما أدى إلى وقوع بعض النقاد في خطأ الخلط بينهما.
77
ومن هذه الإشارات قول جريدة المقطم في 8 / 4 / 1905: «مثل جوق المسيو كوكلن الصغير أمس في الأوبرا الخديوية رواية «روسل الصغير» فأجاد الممثلون في تمثيل أدوارهم وسيمثل هذا المساء رواية «فيدر».»
78 (2-5) الجوق الفرنسي
حضر هذا الجوق إلى الإسكندرية بإدارة المسيو شارل ديلير، والممثلة ماركورين، ومثل بمسرح زيزينيا عدة مسرحيات في أوائل عام 1890، ومنها «الفافوريت» في 2 / 3 / 1890، و«كارمن» في 2 / 3 / 1890، و«مينيون» في 6 / 3 / 1890.
79
وفي أواخر مارس 1890 حضر إلى القاهرة ومثل بالأوبرا الخديوية.
80
وفي عام 1892 عاد هذا الجوق بإدارة المسيو أولمان ومثل بالإسكندرية في مسرح زيزينيا رواية «كارمن» في 3 / 3 / 1892،
81
ورواية «بارييه دي سيفيل» في 5 / 3 / 1892، بطولة الآنسة فيليس أرنو، ورواية «كافاليري روستيك» في اليوم التالي،
82
ورواية «لوسيا دي لاميرمور» في 8 / 3 / 1892، ورواية «حلم في ليلة صيف» في اليوم التالي أيضا،
83
ورواية «شفالير روستيك» و«المتر دي شابيل» في 10 / 3 / 1892،
84
ورواية «مانون» في 15 / 3 / 1892،
85
ورواية «أرناني» في 17 / 3 / 1892.
86
وآخر إشارة لهذا الجوق بإدارة جديدة كانت في 30 / 6 / 1892، عندما قالت جريدة السرور: تحت عنوان «تياترو قهوة البارادي»: «لا يخفى ما لهذه القهوة الجامعة من الشهرة والنظام والإتقان وحسن الخدمة؛ حيث استحضرت جوقا فرنساويا مؤلفا من أبدع المشخصين والمشخصات نخص بالذكر منهما السيد والسيدة فرنويليه بإدارة المسيو شوب الذي تعهد بتقديم روايتين في كل أسبوع فضلا عن تمثيل بعض أدوار هزلية ورقصية معروفة بالبانتوميم والكراتباليه في كل ليلة، وسيقدم أيضا في يوم السبت القادم مساء رواية غنائية - أو «أوبريت» - ذات فصل واحد تأليف أو اقتباس التي أخذت شهرة عظيمة في باريس. أما أسعار الدخول فغرشين صاغ والمشروب كالعادة. فنحث أصحاب الذوق السليم ومحبي الآداب والأنس والصفا على اغتنام فرصة وجود هذا الجوق البارع في هذا النادي الجميل.»
87 (3) الجمعيات المسرحية
كثرت الجمعيات العربية والأجنبية المهتمة بالتمثيل المسرحي في القرن التاسع عشر بصورة كبيرة نفتقدها في زمننا الحالي. وهذه الجمعيات كانت النواة الأولى لظهور الفرق الكبرى، وظهور الممثلين الكبار ممن تحملوا أعباء الفن المسرحي في القرن الماضي. وتتنوع هذه الجمعيات في شكلها وعملها بين الأدبي والفني والعلمي والديني والخيري، والتواجد وعدم التواجد.
فعلى سبيل المثال هناك جمعيات كثيرة لم تعلن عن اسمها، مثل إشارة جريدة الأهرام في 27 / 1 / 1886، عندما قالت: «تألفت في ثغرنا جمعية إفرنجية للطرب وضرب الموسيقى وتمثيل الروايات وغيرها، وستبدأ عملها مساء غد في قاعة أستوراري فتشخص رواية «أيل جبرانتي وسبونسابيلي»، ويتخلل فصولها ضرب الموسيقى والإنشاد، ثم يعقبها مرقص؛ فنحث الجمهور على الحضور.» وهذه الإشارة لم توضح اسم أو هوية هذه الجمعية؛ لذلك سنقصر حديثنا عن الجمعيات المعروفة، أو التي لها هوية مسجلة. (3-1) جمعية التوفيق الخيري
تكونت هذه الجمعية في عام 1886 برئاسة الأمير محمد علي، ومقبل بك رئيس مجلس إدارتها، ومقرها كان في باب اللوق. وكانت تقيم بعض الحفلات المسرحية والغنائية من أجل الأعمال الخيرية. ففي 7 / 3 / 1886 أقامت حفلة غنائية في الأوبرا للمطرب عبده الحامولي وللمطربة ليلى الشامية من أجل فقراء مدارس التوفيق من الطلبة.
88
وفي 5 / 3 / 1886 قالت جريدة الأهرام، تحت عنوان «جمعية التوفيق الخيري»: «في ليلة الثلاثاء التالية ليوم الإثنين 15 مارس ستجري الجمعية في تياترو الأوبرا الخديوية رواية عربية تياترية غرامية من أحسن الروايات المنتخبة، وهي رواية «حفظ الوداد» يقوم بها أحسن المشخصين والمشخصات، وهي ذات مناظر جميلة وتشتمل على فصول بديعة ورقص وأغان وآلات بمعرفة أشخاص منتخبين من ذوي الأصوات الحسان بين الجنسين، تحت إدارة سليمان أفندي القرداحي وملاحظة مجلس الإدارة. ويتبعها فصل مضحك؛ رواية «السكران»، يقوم به محيي الدين أفندي، ويوجد فيه تخت آلات. ويتخلل فصول الرواية السالف ذكرها تخت آلات عربي مركب من أشهر أرباب فن الموسيقى بالقطر المصري وأحسن وأطرب المغنيين، بعضهم من المشهورين وغواة الفن الذين تكرموا بالخدمة مجانا. وستوضح أسماء جميع من ذكروا بإعلانات مخصوصة تنشر قريبا، ومن أراد أخذ تذاكر فعليه أن يتوجه أو يرسل أحدا لمجلس إدارة الجمعية بباب اللوق.»
وقد حضر هذه المسرحية الخديو ورجال دولته مثل الغازي أحمد مختار باشا المرخص العالي العثماني، وسر هنري درامندولف المرخص العالي الإنجليزي، ومعظم النظار ونواب الدول الأجنبية .
89 (3-2) جمعية المساعي الخيرية
تأسست هذه الجمعية قبل عام 1886، وكانت تهتم بالتمثيل المسرحي، فمثلت بالأوبرا مسرحية «بطرس الأكبر قيصر الروس» في 5 / 5 / 1886 تحت إدارة وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقايين،
90
ومثلت مسرحية أخرى بالأوبرا في 6 / 4 / 1887 بالاشتراك مع جمعية الروم الكاثوليك الملكية،
91
وفي 28 / 5 / 1888 مثلت إحدى المسرحيات بمسرح حديقة الأزبكية، وخصصت إيرادها لطبع كتاب «عقد الدرر في مصر وتاريخها المختصر»،
92
وفي 20 / 2 / 1890 مثلت بالأوبرا رواية «نبوخذ نصر الأول»،
93
وفي 20 / 3 / 1896 مثلت بالأوبرا مسرحية «أنس الجليس» بطولة سلامة حجازي،
94
وفي 23 / 4 / 1897 مثلت مسرحية «الأفريقية»،
95
وفي 24 / 2 / 1899 مثلت بالأوبرا مسرحية «محاسن الصدف»،
96
وفي 5 / 4 / 1899 مثلت مسرحية «السيد» بالأوبرا أيضا.
97 (3-3) جمعية اقتباس الآداب
لا نعلم عنها أي شيء سوى إشارة جريدة الأهرام في 8 / 3 / 1887، عندما قالت: «شخصت أمس رواية «عائدة» على نفقة جمعية اقتباس الآداب فتقاطرت أولو المبرات أفواجا، وازدحمت الأقدام وشرف النادي كل من سعادة إلياس باشا حسين وسعد الدين باشا. وريثما ارتفع الستار وقف حضرة الشاب النبيه عبد الله أفندي عميرة وألقى خطابا أنيقا جمع ما رق وطاب، واختتمه بقصيدة رائعة المعنى شائقة المبنى مدح فيها سعادة سعد الدين باشا. ثم ابتدئ بالتشخيص فكان بغاية الإتقان والترتيب والموسيقى تصدح بألحانها الشجية والقوم مسرورون، يرددون آيات الثناء على من هزتهم الغيرة الإنسانية إلى اتخاذ هذه الطريقة الأدبية لعضد المحتاجين ونخص منهم بالذكر عزتلو مصطفى بك عبد الرازق فأية بذل من السعي والجهد ما دعا الألسنة أن تكرر الثناء على مروءته وشهامته.»
98 (3-4) الجمعية المارونية الخيرية
تأسست هذه الجمعية قبل عام 1887، وبدأت التمثيل المسرحي من أجل الأعمال الخيرية في 9 / 3 / 1887 برواية «عائدة» بالأوبرا،
99
التي مثلت بها أيضا مسرحية «أوتلو» في 24 / 3 / 1889.
100
وتوالت الحفلات المسرحية لهذه الجمعية بالأوبرا، فمثلت «أنس الجليس» في 10 / 3 / 1893،
101
ورواية من قبل فرقة سليمان القرداحي مع غناء عبده الحامولي في 16 / 4 / 1895،
102
ومسرحية «هارون الرشيد» من قبل فرقة إسكندر فرح في 20 / 3 / 1896،
103
وحفلة طرب من قبل عبده الحامولي على تخت محمد العقاد في 19 / 4 / 1898.
104
وكانت آخر حفلات هذه الجمعية في القرن التاسع عشر حفلة يوم 24 / 3 / 1899، وقدم فيها إسكندر فرح إحدى مسرحياته، أما الغناء فكان من حظ المطربة ملكة سرور.
105 (3-5) جمعية الأرمن الخيرية
لها إشارتان من قبل جريدة القاهرة؛ الأولى: في 19 / 3 / 1887 تحت عنوان «جمعية الأرمن الخيرية»، وقالت فيها: «في مساء الخميس الماضي اتخذ في الأوبرا الخديوية باللو لجمعية الأرمن الخيرية، حضره جناب الخديوي المعظم ورجاله الفخام ونواب الدول الأجنبية الكرام وكثير من أعيان الأهالي ذوي الوجاهة والاحترام.»
106
والثانية: في 11 / 4 / 1889، وقالت الجريدة تحت عنوان «الأوبرا الخديوية: رواية مسن أو نباش»: «في مساء السبت القادم ليلة الأحد 14 أبريل الجاري ستشخص على ذمة جمعية الأرمن الخيرية رواية تركية اللغة بديعة الأسلوب في تياترو الأوبرا الخديوية، وهذه الرواية تشتمل على خمسة فصول بديعة المناظر رائعة الوضع، وسيقوم بتشخيصها شبان الأرمن الذين انبعثت فيهم روح الحمية لتعضيد هذا المشروع الخيري بمساعدة المطربة الشهيرة في هذا الجوق. ويلي هذه الرواية التاريخية الجديرة بالإقبال عليها لاجتلاء المسرات وارتياح النفوس فصل مضحك ...»
107 (3-6) جمعية المعارف الأدبية
تعتبر هذه الجمعية أول هيئة لهواة المسرح في مصر برئاسة محمود رفقي عام 1886، وكانت تعرف بنادي المعارف. والغرض منها إدخال العنصر المصري في المسرح، وترك الطريقة التي سار عليها النقاش والقرداحي والخياط وغيرهم. ونجح هذا النادي في هذين الغرضين وبزغت من سمائه أبطال المسرح المصري الأول، واضطرت الفرق العاملة إلى الاستعانة بأعضائه البارزين.
108
ومن أعضاء هذه الجمعية الكاتب المسرحي جرجس مرقس الرشيدي، الذي قال في مقدمة مسرحيته المطبوعة عام 1897 «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»: «... ولما كنت ممن فطر على تلقي هذا الفن وقد مارسته علما وعملا ورسما وصناعة من سنة 1885م في بدء جمعية المعارف الأدبية بمصر، التي لا تزال ترفل في بحبوحة التقدم إلى الآن، وقد كنت أحد مؤسسيها وقد مارست على غيرها من مراسح التمثيل. قد حدا بي حادي الأمل لأن أضع هذه الرواية المسماة باللقاء المأنوس في حرب البسوس.»
109
وأول إشارة عن هذه الجمعية نجدها في جريدة القاهرة في 3 / 11 / 1886، عندما قالت تحت عنوان «البوليتياما»: «في ليلة 5 نوفمبر الجاري تمثل في تياترو البوليتياما رواية بديعة، وهي رواية تاريخية أدبية تحتوي على كثير من الفصول اللطيفة والتمثيلات الظريفة، وسيباشر التشخيص جوق لطيف من أبرع المشخصين تحت رئاسة الأديب البارع محمود أفندي رفقي، فنحث الجمهور للحضور في هذه الليلة إذ يجدون من الأنغام الشجية والتمثيلات اللطيفة ما يسرهم.»
110
ثم استمر نشاط هذه الجمعية في نجاح كبير، ففي عام 1887، مثلت رواية «النجاة في الصدق» بالأوبرا في 30 / 3 / 1887، وخصص دخلها لمدرسة النجاح التوفيقية، وحضرها الخديو وكبار رجال دولته،
111
كما مثلت رواية «تأثير العشق على الملكة بلقيس» في 10 / 11 / 1887.
112
ومنذ عام 1893 أصبح لهذه الجمعية نشاط مسرحي منظم، أخبرتنا به جريدة الرأي العام في 12 / 8 / 1893، قائلة تحت عنوان «التشخيص العربي»: «قد عزمت جمعية المعارف الأدبية المعروفة بإتقان هذا الفن على إعادة التمثيل في المرسح الجديد الكائن بجوار الجراند بار وستمثل رواية «أبي الحسن المغفل» مساء الأحد في 13 الجاري، وستوالي التشخيص مرتين كل شهر. فنرجو الأدباء أن يقبلوا عليها كما عودوها، ولا شك في أنهم سيسرون بما يرون.»
113
وتوالت بعد ذلك العروض المسرحية، ومنها: «انتصار قدماء المصريين» بالأوبرا في 30 / 4 / 1897،
114
و«غرائب الانتصار» بمسرح القباني في 19 / 8 / 1897.
115
وآخر إشارة عن هذه الجمعية أخبرتنا بها جريدة مصر في 14 / 11 / 1900، قائلة: «أرسلت إلينا جمعية المعارف الأدبية الخيرية المؤسسة في هذه العاصمة نسخة من قانونها ظهر منه أنها أنشئت من أربع عشرة سنة وأن غرضها ينحصر في ثلاثة أمور: الاشتغال بفن التمثيل والسعي في ترقيته وإبلاغه المنزلة التي بلغها بين الإفرنج، ثم التناظر في مباحث أدبية وعلمية وتاريخية والأمر الثالث وهو الأهم مد يد المعونة إلى الفقراء واليتامى والمعوزين. وهي فوق ذلك تقدم الروايات مجانا في المراسح؛ خدمة للجمعيات الخيرية الأخرى.»
116 (3-7) جمعية الاتحاد الأخوي
من الجمعيات الخيرية المهتمة بالتمثيل المسرحي، وأول مسرحية مثلتها بالأوبرا كانت «إظهار الحق» في 13 / 4 / 1887.
117
ثم توالت العروض، ومنها: «عواقب الغدر ومحاسن الصبر» في 22 / 9 / 1896،
118
و«السلطان سليم» بالمنيا في 17 / 7 / 1897.
119
وآخر إشارة عن هذه الجمعية كانت في 16 / 9 / 1897، وقالت فيها جريدة المقطم: «علمنا أن جمعية الاتحاد أعلنت أنها عزمت على تمثيل رواية «أدهم باشا» بطل تساليا في المنصورة هذا المساء. وقد كنا نفضل أن تلك الجمعية تختار غير هذه الرواية للتمثيل، لا لأننا نكره إعلاء شأن أدهم باشا، فإن المقطم طالما تغنى بمدحه واعترف بفضله؛ بل لأن تمثيل تلك الرواية يهيج الخواطر ويكدر الصفاء كما حدث في بعض الأمكنة. ولهذا وددنا لو أن ممثلي هذه الرواية مثلوا غيرها أو حذفوا ما يكدر الصفاء منها.»
120 (3-8) جمعية النجاح التوفيقي
لم نجد لها إلا إشارة واحدة في 26 / 2 / 1888، قالت فيها جريدة القاهرة: «في مساء الخميس الآتي - أعني ليلة الجمعة - تشخص رواية «غائلة الغدر وعاقبة الصبر» من طرف جمعية النجاح التوفيقي، وذلك في تياترو الأوبرا الخديوية، يحضرها كثير من الذوات والأعيان أهل البر والإحسان.»
121 (3-9) الجمعيات الإيطالية
كانت هذه الجمعيات قليلة بالمقارنة بينها وبين الفرق المتجولة، والإشارات عنها قليلة، ومنها ما أخبرتنا به جريدة القاهرة في 6 / 3 / 1888 قائلة: «في ليلة 8 مارس الجاري تحتفل الجمعية الخيرية الطليانية بإقامة باللو في القهوة الكبيرة المعروفة بالهمبرة في مصر. وقد شرع أمس في تعليق فروع النخيل والرايات الطليانية على واجهات المحل ...»
122
وأيضا ما قالته نفس الجريدة في 23 / 1 / 1889، تحت عنوان «ليلة تشخيصية في الأوبرا الخديوية»: «علمنا أن جمعية الإحسان الإيتالية في القاهرة قدمت إلى نظارة الأشغال العمومية بطلب الرخصة بإحياء ليلة تشخيص في الأوبرا الخديوية، وسيخصص الإيراد لصندوق الجمعية، فأجابها سعادة الناظر إلى ذلك وعين لهم ليلة 15 فبراير القادم.»
123 (3-10) جمعية الروم الكاثوليك
وجدنا لها إشارتين؛ الأولى في 23 / 2 / 1889، وقالت فيها جريدة القاهرة تحت عنوان «جمعية الروم الكاثوليك الخيرية»: «ستحيي هذه الجمعية ليلة الخميس 28 الجاري في تياترو الأوبرا الخديوية بتمثيل أجمل الروايات وأبهجها فصول طرب، وتجتمع فيها أصداء الأنس والصفاء. وقد كلفت بذلك العالمة ليلى وحضرة الشيخ سلامة حجازي، وكلاهما مشهوران برخامة الصوت وحسن الإيقاع وتشييد معاهد السرور، فأملنا إقبال أهل الإحسان ورجال البر إلى أخذ أوراق دعوة هذه الليلة البهيجة لأن دخلها مخصص لمساعدة المحتاجين من الطائفة المذكورة. ولا يزال الإحسان مرفوع الأعلام في ظل الحضرة الخديوية الفخيمة أعزها الله.»
124
والثانية كانت في 27 / 12 / 1899، وقالت فيها جريدة المؤيد: «عزمت الجمعية الخيرية لطائفة الروم الكاثوليك بمصر على تقديم رواية أفرنكية في تياترو الأوبره الخديوية تحت رعاية الجناب العالي الخديوي في مساء الأحد الموافق 14 يناير المقبل، سيقوم بتشخيصها أحد الأجواق الشهيرة بمصر وسيخصص دخلها لإعانة فقراء الطائفة وإعانة المحتاجين منهم، فلا شك أن الإقبال على ابتياع تذاكرها سيكون عظيما تعضيدا للمشروعات الخيرية.»
125 (3-11) جمعية روضة الآداب
إشارتها الوحيدة كانت في 27 / 3 / 1889، وقالت فيها جريدة القاهرة تحت عنوان «جمعية روضة الآداب»: «سارت هذه الجمعية في سبيل التقدم القصد وطريق الفلاح، فلم يطل عليها العهد حتى أخذت بناصية الفوز وظهرت آثارها. ولقد أتانا من أبناء المنصورة أنها عازمة على تشخيص رواية من قلم حضرة الفتى الأديب الذكي الفؤاد المتوقد الذهن طاهر أفندي عميرة. ولم نعجب من إقامة مكاتبنا عن ارتياح الأهالي إلى الأخذ بناصر هذه الجمعية وعما يظهرون من الاستعداد التام لمقابلة هذه الرواية بالإقبال عليها؛ فإن عهدنا بحضرة ناسج بردها وناظم عقدها صواغ ملائد ونظام فرائد. ونحن نثني على حضرته جزيل الثناء ونتمنى لهذه ولروضة الآداب الأنيقة لا يزال مدى التقدم فوقها منهلا بعون الله ومدده.»
126
وبعض المراجع تقول إنها مثلت عدة مسرحيات في نفس العام، منها: «تسلية القلوب في ميروب» و«الفوز السعيد» و«نتيجة العفاف».
127 (3-12) جمعية الكمال
لها إشارتان مفيدتان، الأولى عن بداية تكوينها، والثانية عن نشاطها الفني بعد ذلك. فالأولى تخبرنا بها مجلة الأستاذ في 22 / 11 / 1892، قائلة تحت عنوان «جمعية الكمال بأسيوط»: «وردت لنا هذه الرسالة بهذا العنوان من وكيلنا بأسيوط، قال أيده الله تعالى: لا يخفى أنه كان بأسيوط كثير من الصنائع وقد ماتت بالمصنوعات الأجنبية؛ نظرا لاغترار الناس ببهجتها ورونقها من غير نظر في متانتها وقوتها، وما يترتب عليها من فقر كثير من الوطنيين. ولما رأى أرباب الصنائع ضعف صناعتهم وتأخرها، اجتمع فريق منهم تحت رئاسة الفاضل السيد حسن سليمان واتخذوا لهم محلا يجتمعون فيه، وصاروا يجتمعون كل ليلة ويغلقون الأبواب عليهم ولا يمكنون أحدا من الوصول إليهم كائنا من كان. ثم ظهر الأمر بعد سنتين أنهم يصنعون سيوفا وبنادق وملابس مختلفة وأدوات خشبية مختلفة الصور، بحيث كل من مر عليهم يقول إن هنا ورشة تشتغل أصنافا صناعية. فكانوا يقضون جانبا من الليل في هذا العمل وفي النهار لا ينقطع أحد منهم عن عمله المعتاد. ثم ظهر أنهم يقرءون كتبا ويحفظون عبارات منها، فكلما مر الإنسان على واحد منهم وهو في دكانه نهارا وجده يقرأ بجد واجتهاد. فاختلفت ظنون الناس فيهم؛ فمنهم من يقول إنهم من الماسون ومنهم من يقول إنهم يشتغلون بضاعتهم ليلا ويبيعونها نهارا، ومنهم ومنهم، حتى قضوا تحت ستر الخفاء ثلاث سنين. ثم انكشف الأمر عن عصابة حبست نفسها هذه المدة الطويلة لمطالعة كتب الأخبار والروايات وتعلم فن التشخيص والتمثيل. وكلما استحسنوا رواية رتبوها ووزعوها عليهم وحفظوها وأعدوا ما يلزم لها من الأدوات، من غير أن يشتروا شيئا من الخارج، حتى تم تثقيفهم وتمرينهم وظهر أمرهم للناس. فصاروا يذهبون للتفرج عليهم وهم في أشغالهم الليلية فيجدون النجارين والحدادين والفنداقلية والنحاسين والخياطين والكندرجية والنقاشين وصانعي الشعور وغير ذلك. ولما علم مشربهم واجتهادهم فيما هم فيه دعاهم إلى منزله حضرة الهمام الكامل محمود بك خشبة، ودعا كثيرا من الأعيان وفي مقدمتهم سعادة المدير وحضرة الفاضل رئيس محكمة أسيوط الأهلية، فشخصوا بحضورهم رواية «المعتمد بن عباد». وابتدءوا الاحتفال بتلحين السلام الخديوي، وقد بهروا العقول بما أبدوه من حسن التشخيص ولطف التلحين. حتى كأنهم تربوا في هذا الفن فامتدحهم سعادة الهمام الفاضل مديرنا سعد الدين باشا وحثهم على مداومة العمل. فاتخذوا لهم محلا يشخصون فيه من أول جمادى الأولى، وحبذا لو اقتدى الناس بمثل هؤلاء واجتمعوا لإحياء صناعة أو اتخاذ حرفة غير ما كانوا فيه من خدمة أو صنعة؛ فرارا من الفاقة وإظهارا لاقتدار الشرقيين على الأعمال ومجاراة للأوروباويين في تفننهم واشتغالهم بكل نافع مفيد.»
128
والإشارة الثانية كانت في 4 / 6 / 1893، وقالت فيها جريدة المؤيد: «مثل جوق جمعية الكمال الوطنية الأسيوطية ثلاث روايات أظهر فيها من كمال الإتقان وبراعة التمثيل ما أدهش الجمهور. أما الروايات فهي: «متريدات»، «ناكر الجميل»، «خليفة الصياد مع هارون الرشيد». وفي الليلة الأولى قام حضرة الشيخ محمد جودة وألقى خطابة أنيقة افتتحها بالدعاء للحضرة الخديوية ووزرائها الكرام وأثنى على سعادة المفضال سعد الدين باشا مدير الغربية لما لسعادته من الأيادي البيضاء والمساعي المشكورة في تعضيد هذه الجمعية حين كان مديرا لأسيوط، كما أثنى أيضا على سعادة أحمد بك جودت مدير سوهاج وعلى حضرات جميع الأعيان والوجوه الذين أخذوا بناصر هذا الجوق.»
129 (3-13) جمعيتا المسامرة والفتوح
جاءت إشارتها الوحيدة في 28 / 3 / 1893 من قبل مجلة الأستاذ، عندما قالت: «جمعيتا المسامرة والفتوح الخيرية هما جمعيتان تشخيصيتان، يؤسس الأولى حضرات: محمود أفندي حمدي ومصطفى أفندي العوامري وصالح أفندي فهمي ومحمد أفندي منجي. وهي تشخص مقامات الحريري بصفة مقبولة لدى الأذواق باعثة إلى التهذيب، خصوصا للوعظ الذي يقوم بأهم أدواره حضرة الأديب صالح أفندي فهمي، فإنه يؤثر في القلوب ويبعث المتفرجين إلى ترك الرذيلة ولزوم الفضيلة. وكلهم من الشبان المتخرجين في المعارف القائمين بنشر الآداب. ويؤسس الثانية حضرات مصطفى أفندي كامل وزايد أفندي إبراهيم وأمين أفندي فهمي وحافظ أفندي بيومي، والرئيس هو مصطفى أفندي كامل. وهي تشخص الروايات المقبولة؛ شخصت رواية «الملكة بلقيس» في تياترو البراديزو، فخرج الناس شاكرين فضلها متشكرين لحضرات أعضائها، حيث أبدوا من إتقان التشخيص وحسن التمثيل ما دعا الناس إلى الثناء عليهم. وعلاوة على ذلك فإنها جمعية خيرية تدرس العلوم والمعارف، لها مدرسة في كوم الشقافة وعازمة على تأسيس مدرسة أخرى في قسم القباري. أيد الله أعمال هاتين الجمعيتين بالفوز والنجاح.»
130 (3-14) جمعية الإشراق المنير
لها إشارة واحدة في 18 / 1 / 1894 أخبرتنا بها جريدة الأهرام قائلة: «تحتفل جمعية الإشراق المنير في مساء الإثنين الواقع في 22 الجاري في قاعة كونيليانو بتمثيل رواية «كليوباترا» الحسنة المناظر والحوادث، وسيقوم بتمثيلها حضرات أعضاء الجمعية، ويخصص دخلها لعمل الإحسان والبر. وإن ما عهدناه من استكمال معداتها أحسن توزيع أدوارها ومهارة ممثليها في أدوارهم التي سيقوم بأهمها حضرة البارع المنشد علي أفندي راشد أحد أعضاء الجمعية؛ نؤمل معه إقبال الأدباء عليها مساعدة للإحسان وتمتعا بفوائد هذا الفن. وتباع تذاكر الدخول في مكتبة الغرزوزي ومدرسة الأستاذ المنير وعلى شباك المرسح ليلة التمثيل. ونحن نشكر هذه الجمعية على غيرتها ونرجو لها التوفيق والأجر .»
131 (3-15) جمعية الترقي الأدبي
تكونت بالإسكندرية في عام 1894، وبدأت نشاطها المسرحي بتمثيل مسرحية «كليوباترا» بمسرح كونيليانو في 23 / 1 / 1894.
132
وتوالت العروض بعد ذلك، فمثل أعضاء الجمعية مسرحية «أفنان الطرب في عجائب العجب وشجاعة العرب» لعلي ضيف القباني بتياترو زيزينيا في 9 / 12 / 1894،
133
وقد تكرر تمثيلها عدة مرات.
134 (3-16) جمعية الصدق العباسي
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة الأهرام في 6 / 3 / 1894، قائلة: «تحيي جمعية الصدق العباسي مساء الغد ليلة في ملعب زيزينيا تمثل فيها رواية «الصدق بالنجاة» المعروفة برواية «هارون الرشيد مع غانم بن أيوب»، وهي ذات خمسة فصول، ويليها فصل طرب ينشد فيه حضرة الشيخ علي سويلم المطرب المشهور فنحن نحث الجميع للإقبال على هذه الليلة.»
135 (3-17) جمعية التعاون الخيري الإسلامي
لها إشارتان؛ الأولى في 5 / 5 / 1894، وقالت فيها جريدة المقطم: «أجيز لجمعية التعاون الخيري الإسلامي تمثيل رواية «حسن العواقب» تأليف حضرة إسماعيل بك عاصم في الأوبره الخديوية يوم الأربعاء القادم مساء، وهذه فرصة يحسن بمحبي الاستحسان اغتنامها.»
136
والثانية في 28 / 3 / 1898، وقالت فيها جريدة المقطم أيضا: «تمثل جمعية التعاون الخيري رواية «متريدات» الشهيرة ب «لباب الغرام» ليلة الثلاثاء في 4 أبريل القادم بالكلوب في مدينة الزقازيق، ويخصص دخلها بإنشاء مدرسة تكون تحت رعاية تلك الجمعية.»
137 (3-18) جمعية الابتهاج الأدبي
تكونت في عام 1894، وقال عنها جرجي زيدان: «أنشئت في الإسكندرية عام 1894، ألفها مستخدمو البوسطة المصرية برئاسة سليم عطا الله، وموضوعها منع أعضائها من تمضية ساعات الفراغ في أماكن اللهو، وأن يجمعوا نقودا يؤلفون بها فرقة تمثل روايات أدبية يحضرها عائلات الأعضاء فقط، فلا يمضي شهر دون أن يمثلوا رواية. وقد ظلت أعواما عدة، ورئيسها الآن صاحب فرقة للتمثيل في الإسكندرية.»
138
وإشارة تكوينها أخبرتنا بها جريدة السرور في 20 / 9 / 1894، قائلة: «تألفت في الثغر جمعية أدبية تحت لقب شركة الابتهاج الأدبي، وهي مؤلفة من نخبة شبان الثغر. وكانت باكورة أعمالها الاهتمام بتقديم رواية بديعة للمشتركين فيها وذويهم ليس إلا، ولا تلبث أن تقدمها في مرسح القرداحي. فنرجو لهذه الجمعية التقدم والنجاح.»
139
ومثلت هذه الجمعية باكورة نشاطها المسرحي في مسرح القرداحي بالإسكندرية بمسرحية «غرائب الصدف» تأليف إبراهيم ثروت، وخصص دخلها لمنكوبي الزلزال.
140
وتوالت العروض بعد ذلك، فمثلت الجمعية مسرحية «عائدة» في 10 / 12 / 1894،
141
و«أندروماك» في 14 / 1 / 1895،
142
و«شارلمان» في 13 / 2 / 1895.
143
وبعد أن لاقت الجمعية النجاح الكبير، تركت مسرح القرداحي الصغير إلى مسرح منفراتو المعروف بمسرح عباس حلمي لسعته الكبيرة،
144
ومثلت به مسرحية «المظلوم» في 25 / 9 / 1895،
145
و«مغائر الجن» في 30 / 10 / 1895،
146
و«أوتلو» في 19 / 11 / 1895،
147
و«الأخ الغادر والابن الثائر» أو «هملت» في 22 / 12 / 1895،
148
و«الخليفة والصياد» في 26 / 1 / 1896،
149
و«الصراف المنتقم» في 25 / 3 / 1896،
150
و«صلاح الدين الأيوبي» في 30 / 3 / 1896،
151
و«عائدة» في 6 / 7 / 1896،
152
و«عاقبة الحسد» في 15 / 7 / 1896،
153
و«هارون الرشيد» في فبراير 1897.
154
وفي ديسمبر 1899 تقلد رئاستها علي غاربو،
155
ومثلت مسرحية «غرام الملوك» بالمسرح العباسي بالإسكندرية في 9 / 12 / 1899.
156
وآخر إشارة لهذه الجمعية في نهاية القرن التاسع عشر، كانت في 16 / 12 / 1899،
157
وقالت فيها جريدة السلام: «أصدرت جمعية الابتهاج الأدبي قانونا لمن يريد الاشتراك متضمنا تسعة بنود غاية في الارتباط، وستقوم بتمثيل رواياتها بتياترو عباس كل شهر، واختيارها تياترو عباس ليس إلا من الإقبال عليها واستشعارها بالتقدم المحسوس خلافا لما أذاعه محبو الأجواق. أما مرسح الابتهاج (القرداحي) فمعد لكل ما يطلب منه بغاية التساهل، وقد فتحت قهوته وأحضر فيها من رائق نفيس خدمة ومشربا.»
158 (3-19) جمعية التوفيق القبطية
تأسست في عام 1891 برئاسة إبراهيم منصور، ولا تزال حتى الآن في مقرها المركزي بالفجالة، ولها عدة فروع في جميع أنحاء مصر. ومن اهتماماتها العديدة إقامة الاحتفالات المسرحية والفنية. ففي 13 / 2 / 1895 مثل فرع الجمعية بالإسكندرية في مسرح القرداحي مسرحية «أوتلو»، وفصلين من مسرحية «الصراف المنتقم»،
159
وفي 15 / 5 / 1897 مثل فرع الجمعية بالفيوم إحدى المسرحيات،
160
وفي 10 / 9 / 1897 مثلت الجمعية المركزية بالقاهرة مسرحية عن موضوع الشورى، بمناسبة افتتاح مدرسة التوفيق للبنات بالفجالة.
161
وفي 18 / 2 / 1898 مثل فرع الجمعية بالإسكندرية مسرحية «السيد» بالمسرح العباسي.
162
وفي 10 / 9 / 1898 احتفلت الجمعية المركزية بعيد النيروز بسراي السلحدار بالفجالة، فمثلت مسرحية «انتصار الآداب والعلوم»، وألقى أخنوخ فانوس خطبة عن «كيف تسترد مصر مجدها؟»
163
وآخر احتفالات فرع الجمعية بالإسكندرية كان في 31 / 1 / 1899 بتمثيل مسرحية «الاتفاق الغريب» بالمسرح العباسي بطولة سلامة حجازي.
164
وإذا كنا قد تحدثنا - فيما سبق - عن النشاط المسرحي لجمعيتي المساعي، والتوفيق القبطية بصورة منفصلة ، إلا أنهما اشتركتا في فترات كثيرة في إقامة الحفلات المسرحية، تحت اسم «جمعية المساعي والتوفيق». وهذه الجمعية المشتركة مثلت في 26 / 1 / 1896 مسرحية «السر المكنون» بطولة سلامة حجازي،
165
وفي 19 / 3 / 1897 أقامت الجمعية حفلة غناء لعبده الحامولي على تخت محمد العقاد بالأوبرا، وفي 25 / 3 / 1897 مثلت مسرحية «محاسن الصدف»،
166
وفي 31 / 3 / 1898 أقامت بالأوبرا حفلة خيرية مثل بها إسكندر فرح إحدى رواياته،
167
وأقامت ليلة مشابهة في 19 / 3 / 1899، ومثلت بها مسرحية «عائدة».
168
وهناك العديد من الجمعيات القبطية التي مارست الفن المسرحي، بخلاف جمعيتي المساعي والتوفيق. والإشارات الدالة على ذلك عديدة، نقتطع منها هاتين الإشارتين؛ الأولى في 5 / 4 / 1887 تحت عنوان «رواية عجائب القدر»، وفيها قالت جريدة القاهرة: «وهي الرواية التي سيجرى تشخيصها في مساء غد الأربعاء في تياترو الأوبرا الخديوي على ذمة الجمعيتين الخيريتين لطائفتي الأقباط الأرثوذكس والروم الكثوليك، وستكون بحوله تعالى في غاية الإتقان تمتاز على سواها بمزايا حسان؛ إذ لا يخفى أن لمنشئها حضرة وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقايين اليد الطولى في فن التشخيص وهو صاحب روايتي «بطرس الأكبر» و«يوسف الصديق» وغيرهما. فنستنهض الهمم إلى الاشتراك في هذه الليلة ليروا من المناظر الجميلة والمحاسن الجليلة ما لا يخرج عن الأصل، بل يوافق الذوق التاريخي في كل فصل ...»
169
والإشارة الأخرى كانت في 15 / 9 / 1897، وقالت فيها جريدة مصر: «تشخص الجمعية القبطية الخيرية بالزقازيق رواية «حسام الدين الأندلسي» في الكلوب مساء الأحد 19 الجاري ويخصص إيرادها لمساعدة المدرسة وتنشيط التلامذة، فنرجو الإقبال عليها لغايتها الممدوحة.»
170 (3-20) جمعية الإخلاص
يقول عنها جرجي زيدان: «تأسست في الإسكندرية عام 1895 برئاسة محمد طاهر، اشتغلت مدة ثم انضمت إلى جمعية العروة الوثقى.»
171
ولهذه الجمعية إشارة واحدة في 31 / 10 / 1895، ذكرتها جريدة السرور قائلة: «ستمثل جمعية الإخلاص في مساء السبت القادم الواقع في 9 نوفمبر رواية «خاتم العقيق» لحضرة مؤلفها الفاضل عبد القادر أفندي سري ناظر مدرسة الجمعية المذكورة فنحث حضرات الجمهور على اغتنام هذه الفرصة وابتياع أوراق الدخول قبل نفادها؛ لأنه على ما بلغنا أن الرواية على غاية من الدقة والإتقان، وقد أحضرت الجمعية تخت محمد أفندي عثمان المطرب الشهير لأجل إتمام نظام تلك الليلة الحافلة.»
172 (3-21) جمعية الاتفاق
تكونت هذه الجمعية في الإسكندرية عام 1896، ومثلت عدة مسرحيات أخبرتنا بها جريدة لسان العرب قائلة: «علمنا أن جمعية الاتفاق عندنا تستعد لرواية «المهدي» الجديدة التي ستمثلها في الشهر القادم، وهي تدرس في هذه الأثناء رواية جديدة أيضا عنوانها «الشجاع الجبان» مقتطفة من رواية «حديث الليلة» التي كانت تنشر في هذه الجريدة عند أول صدورها، وهي رواية كثيرة المناظر غريبة الموضوع تستحق الإقبال الكثير، ولا سيما مع هذا الجوق المتقن الكامل المعدات الذي سيقوم بتمثيلها ولا شك أحسن قيام.»
173
وفي 11 / 4 / 1896، مثلت الجمعية بتياترو عباس رواية «بطل فلورنسا» واختتمتها بفصل مضحك بعنوان «الفيلسوف والغيور»،
174
كما مثلت رواية «السيد» في 18 / 4 / 1896.
175 (3-22) الجمعيات السورية
كانت توجد في مصر بكثرة، في القرن التاسع عشر، ومن اهتماماتها التمثيل المسرحي. ومن هذه الجمعيات الجمعية الخيرية السورية التي مثلت بالأوبرا يوم 9 / 4 / 1896،
176
وهي تختلف عن الجمعية السورية الخيرية برئاسة الزند ورئيس لجنتها إسكندر شلهوب، التي مثلت بالأوبرا عدة حفلات في أبريل، ومايو 1897، ومنها مسرحية «أسد الشرى» في 27 / 4 / 1897.
177
وفي أغسطس 1897 تكونت جمعية الأحوال الشرقية السورية، ومثلت مجموعة من المسرحيات، منها: «شيرين بنت الملك كسرى أنو شروان» في 10 / 9 / 1897،
178
و«بديع الزمان» في 11 / 9 / 1897.
179
وفي عام 1898 تكونت الجمعية الخيرية المصرية السورية للروم الأرثوذكس في مصر، وقالت عنها مجلة الهلال في 15 / 3 / 1898: «تجدد انتخاب أعضاء هذه الجمعية لسنتها الحاضرة كجاري العادة فوقع الانتخاب على الأفاضل إدوارد بك إلياس الرئيس وحنا بك عرقجي نائب الرئيس وحبيب أفندي دبانة أمين صندوق وإسكندر أفندي أبو شعر كاتم السر والخواجة نعمان الخوري كاتب الحسابات. وأما الأعضاء الباقون فهم حضرات جبرائيل أفندي حداد وإلياس بك حموي والخواجات ميخائيل ميداني وجبران خوري حداد وسليم ظريفة. وأول مشروع باشرته إحياء ليلة تمثيل في الأوبرا الخديوية مساء الإثنين 21 مارس الجاري يشخص فيها جوق حضرة أفندي إسكندر فرح الشهير رواية «صلاح الدين الأيوبي». وستطرب الحضور الست ملكة سرور في الفترات بين الفصول. فنثني على غيرة هذه الجمعية ونشاط أعضائها ونرجو الانتفاع بخدمتهم.»
180
ومثلت هذه الجمعية بعد ذلك عدة مسرحيات، منها مسرحية «السيد»، وقالت عنها جريدة المقطم في 3 / 3 / 1899: «تحتفل الجمعية الخيرية المصرية السورية للروم الأرثوذكس بإحياء ليلة خيرية يوم الأربعاء في 5 أبريل مساء في الأوبرا الخديوية، فتمثل رواية «السيد» الشهيرة بجمال مشاهدها ووقائعها، ويقوم الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي بتمثيل أهم أدوارها فيطرب الحاضرين بنغماته الشجية، وتغني حضرة المطربة مريم مراد في خلال الفصول وفي ختام الرواية فتشنف الآذان بشجي الألحان. وقد صرفت العناية إلى توفير أسباب الأنس والسرور في تلك الليلة فنحض محبي الخير وأهل البر والإحسان أن يقبلوا على شراء أوراقها؛ تنشيطا للمساعي الخيرية ورأفة بالفقراء والمساكين واغتناما لأوقات الأنس والسرور.»
181 (3-23) جمعية السراج المنير
تكونت بالإسكندرية قبل عام 1896، ومثلت بالمسرح العباسي رواية «الشيخ علي الكاتب» من تأليف علي عزوز أحد أعضاء الجمعية في 10 / 5 / 1896،
182
ومثلت رواية «محاسن الزهور» تأليف محمد عزوز في 2 / 10 / 1896،
183
ومسرحية «بلوغ الأمل» في 5 / 2 / 1897.
184
وآخر إشارة لهذه الجمعية كانت في 18 / 1 / 1898، وقال فيها مراسل جريدة المقطم بالإسكندرية: «كانت جمعية السراج المنير قد عزمت على تمثيل رواية «أدهم باشا» في المرسح العباسي مساء أمس، ولما كانت تلك الرواية تشتمل على أمور ليس من الحكمة إظهارها في مثل هذا الحين بعد أن انتهت الحرب وأوشكت العلائق السياسية أن تعود إلى مجراها الأول، فقد ارتأى سعادة محافظنا الفاضل وجناب حكمدارنا النشيط أن يعترضا على تمثيلها، فدعا سعادة المحافظ أعضاء جمعية السراج المنير وأبان لهم أن الحكومة لا تبيح لهم تمثيل الرواية المذكورة فطلبوا من سعادته أن يأذن لهم في استحضار جوق إسكندر أفندي فرح ليمثل رواية من رواياته؛ لأنهم لم يكونوا عالمين أن الحكومة تمنعهم من تمثيل رواية «أدهم باشا»، ولأنهم باعوا التذاكر كلها فتداول سعادته مع حضرة الحكمدار وقرر أيهما أن لا يرخص للجمعية بتمثيل أي رواية كانت في ليلة أمس؛ دفعا للالتباس إذ ربما يتوهم البعض أن الرواية التي مثلت هي رواية «أدهم باشا» لا سواها، فأجابوا طلبه بالقبول بعد أن أكدوا لسعادته بأنهم لا يقصدون مس عواطف النزلاء اليونانيين وقد اتفقوا مع جوق حضرة الأديب إسكندر أفندي فرح على تمثيل رواية من رواياته البديعة مساء السبت القادم.»
185 (3-24) شركة التمثيل الأدبي
كونها سليم عطا الله بالإسكندرية عندما كان موظفا بهيئة البريد، وبعد أن ترك جمعية الابتهاج الأدبي. ومثلت هذه الشركة رواية «شهداء الغرام» في 25 / 5 / 1896،
186
و«شارلمان» في يوليو 1896،
187
و«أوتلو» في 8 / 8 / 1896، بمسرح عباس،
188
و«الظلوم» في 1 / 10 / 1896.
189
وفي آخر أكتوبر 1896 أشيع بأن الشركة اندمجت مع جمعية الترقي الأدبي، وتوضح جريدة المقطم هذا الأمر في 28 / 10 / 1896 قائلة: «كتبت إلينا شركة التمثيل الأدبي في الإسكندرية تقول إن جمعية الترقي الأدبي مثلت يوم مساء الإثنين رواية «أفنان الطرب» في المرسح العباسي، فوقف حضرة إسماعيل بك عاصم في أثناء ذلك وحض على الاتحاد، وقال إن شركة التمثيل الأدبي اندرجت تحت جمعية الابتهاج الأدبي وقد اعترضت الشركة على ذلك وقالت إنها لا تزال مستقلة وساعية في إعلاء شأن التمثيل وإن كان أحد أعضائها قد استقال من منصبه وانضم إلى جمعية الابتهاج الأدبي.»
190
وواصلت شركة التمثيل عروضها، فمثلت مسرحية «أندروماك» في 21 / 12 / 1896 بمسرح عباس حلمي،
191
وفي مارس 1897 نعلم أن رئاسة الشركة تركها سليم عطا الله، وتقلدها توفيق أنجلو، الذي تركها بدوره إلى سابا عازرا.
192
وبعد ذلك مثلت الشركة رواية «عاقبة الغدر» في 5 / 4 / 1897.
193
وكانت آخر مسرحياتها في نهاية القرن التاسع عشر مسرحية «عاقبة الأمور» بالمسرح العباسي بالإسكندرية في 9 / 1 / 1898.
194 (3-25) جمعية المنهل العذب
تكونت هذه الجمعية على أثر نكبة أهالي الإسكندرية بوباء الكوليرا في عام 1896. وتخبرنا بذلك جريدة مصر في 6 / 7 / 1896 قائلة: «يرتاح عامل الخير إلى مساعدة إخوانه وأبناء بلدته الفقراء، وخصوصا الذين قد أصيبوا بنكبة من نكبات الزمن فتدفعه الشهامة والنخوة إلى طرق باب المساعدة، ولا شك أن جمعية المنهل العذب التي ستحيي ليلة السبت 11 الجاري لمساعدة المصابين بالكوليرا والخواجات الذين أقفلت كتاتيبهم الأهلية ستلقى من سكان الثغر إقبالا عظيما لما هو معروف عنها من عمل الخير، ولا سيما وقد انتقت رواية من أحسن الروايات التمثيلية وهي رواية «صدق الإخاء» تأليف عزتلو إسماعيل بك عاصم يقوم بتشخيصها جوق الأديب إسكندر أفندي فرح الشهير، وقد جعلت هذه الليلة تحت رعاية الجناب العالي.»
195
وهذه الجمعية كثرت أقوال الصحف عنها في هذه الفترة، من أجل هذه الليلة فقط، دون أن نسمع عنها بعد ذلك.
196 (3-26) جمعية زهرة العلوم الأدبية
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة المقطم في 11 / 7 / 1896، قائلة: «مثلت أمس جمعية زهرة العلوم الأدبية رواية «يوسف الصديق» فأجاد الممثلون كل الإجادة لا سيما حضرة محمد أفندي مصطفى المغربي رئيس الجمعية، فخرج الحضور يرددون عبارات الشكر والثناء ويتمنون لهذه الجمعية كل تقدم ونجاح.»
197 (3-27) جمعية الوفاق الأدبي
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة السرور في 14 / 7 / 1896، قائلة: «ستمثل جمعية الوفاق الأدبي بدمنهور بحيرة في مساء الخميس ليلة الجمعة الموافق 16 الجاري رواية «عود الصفا» ذات خمسة فصول، بقلم حضرة الأديب إبراهيم أفندي حسين أحد طلاب المدرسة الحربية. فنحث الجمهور على معاضدة هذه الجمعية ونتمنى لها نجاحا وفلاحا.»
198 (3-28) جمعية شمس المعارف
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة الأهالي في 10 / 9 / 1896، قائلة: «تحتفل جمعية «شمس المعارف» بثغر الإسكندرية بليلة خيرية يقوم فيها أعضاؤها بتشخيص رواية وضعت حديثا لعنتر بن شداد على نسق وأسلوب في غاية الرقة والانسجام والبهجة وحسن المناظر. وقد خصصت صافي إيرادتها لعائلتين من العائلات الكريمة بالثغر قد أخنى عليهما الدهر فلم يبق لهما رجالا غير أهل البر والإحسان. أما التشخيص فبالتياترو العباسي. والأسعار زهيدة جدا للغاية وفي هذا للمحسنين تمام الكفاية.»
199 (3-29) جمعية الرشاد الأدبي
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة مصر في 25 / 9 / 1896، قائلة: «احتفلت أمس جمعية الرشاد الأدبي بالليلة الخيرية ... بتياترو حديقة الأزبكية، فقام أعضاء هذه الجمعية بتشخيص رواية «غادة فرانسا» فأجادوا وأفادوا، وكان الحضور عديدين وقد خرجوا وهم يثنون على حضرات هؤلاء الأعضاء ويمتدحون سعيهم المشكور.»
200 (3-30) جمعية ثمرة الائتلاف
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة الأهالي في 1 / 10 / 1896، من خلال وكيلها بطنطا قائلة: «تألفت لجنة من الشبان الوطنيين فأسست جمعية تحت عنوان «ثمرة الائتلاف» من أهم مباحثها تمثيل الروايات الأدبية في المدن وتخصيص دخلها للتلامذة المعوزين من الذين صادر الدهر بوفاة والديهم. وهم تحت رياسة الشاب الأديب إسكندر أفندي سعد، وستمثل عندنا في طنطا رواية أدبية تسمى «حسن الغاية». فنحث الجمهور لمشاهدتها من جهة، ومن جهة أخرى لتعضيد مشروعهم الأدبي.»
201 (3-31) جمعية الألفة الأدبية
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة الشرق في 10 / 10 / 1896، قائلة تحت عنوان «التمثيل العربي»: «شخصت جمعية الألفة الأدبية يوم الإثنين الماضي رواية «الظالم والمظلوم» بتياترو شارع عبد العزيز، وقد كان المكان غاصا بجمهور الحاضرين، وفي ختام التمثيل قام بعض المدعوين فألقوا الخطب المفيدة في الحث على تعضيد الجمعيات التمثيلية والأخذ بناصرها؛ قياما بواجب الخدمة الوطنية وتنشيطا للمشروعات العمومية.»
202 (3-32) جمعية المطالعين الأرمنية
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة المقطم في 11 / 2 / 1897، قائلة: «تمثل جمعية المطالعين الأرمنية غدا رواية «الرجل الذي وجهه من الشمع» باللغة التركية في الأوبرا الخديوية وتجعل دخلها لإعانة تلامذتها الفقراء، والرواية بديعة الفصول والغاية منها خيرية، فنحث محبي الخير والأدب على حضورها.»
203 (3-33) جمعية ماري منصور
لها إشارتان، الأولى في 6 / 7 / 1897، وقالت فيها جريدة الإخلاص: «أعلنت جمعية النهضة الوطنية التابعة لجمعية ماري منصور الخيرية تحت رئاسة جناب وكيل بوستتنا أنها عزمت على تشخيص روايتين؛ الأولى في ليلة 9 الجاري وهي رواية «إسكندر»، والثانية ليلة 11 الجاري وهي رواية «الحجاج» وسنفيدكم بما يتم بعد.»
204
والإشارة الثانية كانت في 7 / 5 / 1900، وقالت فيها جريدة مصر: «شرعت جمعية ماري منصور الخيرية بالمنيا بكتابة تقرير عن أعمالها وسحب يانصيب وتشخيص رواية صغيرة بقاعة امتحان مدرسة الآباء اليسوعيين، تمثل يوم الجمعة 11 الجاري الساعة 8 والدقيقة 30 صباحا.»
205 (3-34) جمعية زهرة الآداب
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة المقطم في 3 / 9 / 1897، قائلة: «أتانا من جمعية زهرة الآداب في دمنهور أن أعضاءها عازمون على تمثيل رواية «أندروماك» الشهيرة في تلك المدينة مساء الخميس الآتي الموافق 9 الجاري في وابور جناب الوجيه الخواجة خليل عزب.»
206 (3-35) جمعية نخبة العصر
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة المقطم في 3 / 11 / 1897، قائلة: «يمثل أعضاء جمعية نخبة العصر رواية «بطل مكدونية إسكندر ذي القرنين» في تياترو عبد العزيز مساء الجمعة القادم الساعة 8 ونصف إفرنجية وتختم بفصل مضحك يقوم به كامل أفندي المشهور.»
207 (3-36) جمعية نزهة العائلات
تكونت بالإسكندرية في عام 1897، ومثلت مسرحية «حمدان» على مسرح البراديزو في 5 / 12 / 1897،
208
وكانت المسرحية السابعة في عمر الجمعية الفني.
209
كما مثلت مسرحية «يهوديت» على مسرح الحمراء في 19 / 2 / 1898.
210
وتؤكد بعض المراجع أن هذه الجمعية مثلت خلاف ما سبق عدة مسرحيات، منها: «شارلمان» و«هملت» و«الظلوم» و«صلاح الدين» و«شهيدة العفاف» و«هارون الرشيد».
211 (3-37) جمعية المنهج القويم
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة المقطم في 5 / 1 / 1898، قائلة: «أعلنت جمعية المنهج القويم في الإسكندرية أنها ستمثل مساء السبت القادم الساعة 8 إفرنجية مساء رواية «الغيرة الدينية والمدافعة الوطنية» في تياترو عدن تجاه قهوة الرصيف في شارع البورصة القديمة وهي رواية لم تمثل قبلا، ويعقبها فصل مضحك وهو فصل «الفيلسوف والغيور» فنمتنى لها الإقبال.»
212 (3-38) الجمعيات الإسرائيلية
كانت الجمعيات الإسرائيلية توجد بكثرة في مصر في القرن الماضي، ومن اهتماماتها التمثيل المسرحي. وأهم جمعية كانت «الجمعية الخيرية الإسرائيلية»، التي مثلت مسرحية «غرام وانتقام» بمسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز في 9 / 1 / 1898،
213
كما أقامت حفلة خيرية بالأوبرا في 15 / 2 / 1899 لمساعدة المدارس الإسرائيلية المجانية،
214
قالت عنها جريدة المقطم في 16 / 2 / 1899: «احتفلت الجمعية الخيرية الإسرائيلية البارحة بليلة أنس في الأوبرا الخديوية فصدحت الموسيقى بالألحان الشجية ومثل الجوق الإيطالي رواية «لابوهيم» فأجاد الممثلون في التمثيل والغناء، وامتلأت الكراسي واللوجات بجمهور الحاضرين الذين ذهبوا إليها حبا بعمل الخير وعضد المدارس الخيرية الإسرائيلية. وكان حضرة قطاوي بك والخواجة جرين والخواجة ليفي يقابلون الجمهور بالترحاب. وبعد نصف الليل انصرف الجميع وهم يثنون على القائمين بمهام تلك الليلة.»
215
ومن الجمعيات الإسرائيلية المهتمة بالتمثيل المسرحي أيضا، جمعية الإسرائيليين الخيرية، التي مثلت إحدى المسرحيات باللغة العربية، وفيها غنى المطرب عبده الحامولي في 23 / 3 / 1887، وخصص دخلها لمدرسة الطائفة الإسرائيلية.
216
أما جمعية الاتحاد الإسرائيلي فأقامت حفلة مسرحية بقاعة سانتي بالأزبكية في 6 / 11 / 1897.
217
ومن الجمعيات أيضا، جمعية ليب إيحاد، التي قالت عن إحدى حفلاتها جريدة المقطم في 24 / 12 / 1897: «احتفلت البارحة جمعية ليب إيحاد الإسرائيلية الخيرية في تياترو كازينو حلوان احتفالها الذي أشير إليه في المقطم قبلا، فغص المكان بالقادمين من مصر والمقيمين في حلوان وكان حضرات الأفاضل روفائيل أفندي كوهين رئيس الجمعية وعمدتها وأعضاؤها يقابلون الجميع بالأنس والترحيب. وعند الساعة التاسعة حضر مطرب الشرق المبدع وبلبل الأفراح في مصر عبده أفندي الحمولي وتخت المهذب البارع محمد أفندي العقاد المشهور وفيه حضرات المطربين أحمد أفندي حسنين ومحمود أفندي الكمركجي ومحمد أفندي السبع وغيرهم من المطربين.»
218
وآخر هذه الجمعيات، جمعية الآداب الإسرائيلية التي مثلت مسرحية «الرجاء بعد اليأس» بمسرح القرداحي في 1 / 1 / 1899.
219 (3-39) جمعية الروم الكاثوليك
بدأت هذه الجمعية نشاطها الفني المسرحي في أوائل عام 1898 فقط. فمثلت رواية «بارييه دي سفيل» بالأوبرا في 16 / 1 / 1898،
220
ورواية «صلاح الدين الأيوبي» بالأوبرا أيضا في 21 / 3 / 1898.
221
وآخر إشارة عن هذه الجمعية في القرن التاسع عشر كانت في 23 / 3 / 1898، وقالت فيها جريدة المقطم: «تحتفل الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك مساء يوم الخميس القادم بإحياء ليلة باهرة في مرسح زيزينيا، يمثل فيها الجوق الإيطالي رواية من نخبة رواياته وتكون تلك الليلة فريدة في بابها لما تعودناه من أريحية أعيان طائفة الروم الكاثوليك.»
222 (3-40) جمعية محب الفقير
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة مصر في 11 / 3 / 1898، قائلة: «بلغ إيراد الليلة الخيرية التي أحيتها «جمعية محب الفقير» اليونانية أول أمس في مرسح زيزينيا بالإسكندرية ستمائة جنيه. وكانت الليلة حافلة غاصة بالوجوه والأعيان مثلت فيها رواية «الحمامتين» بجوق الأوبرا الإيطالي حيث أبدع وأطرب.»
223 (3-41) الجمعية الاقتصادية الحديثة
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة المقطم في 18 / 3 / 1898، قائلة: «تمثل الجمعية الاقتصادية الحديثة مساء الأحد القادم رواية «الاستقامة» في التياترو المصري، وهي رواية جديدة لم تمثل قبلا، وفيها أربعة فصول وثمانية مناظر جميلة فنحث الأدباء على حضورها لما فيها من الفوائد.»
224
وتم تمثيل هذه المسرحية في مسرح شارع عبد العزيز - مسرح إسكندر فرح أو التياترو المصري - في 20 / 3 / 1898.
225 (3-42) جمعية الجامعة
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة الأخبار في 12 / 7 / 1898، قائلة: «مثلت جمعية الجامعة في ليلة 10 يوليو رواية أدبية في كازينو حلوان باللغة الفرنسية فسر الحاضرون كثيرا من أعضاء هذه الجمعية وأثنوا عليهم ثناء طيبا. وامتاز بحسن التمثيل حضرة البارعة المدموازيل أنورين سلفن . أما هذه الجمعية فإنها حديثة النشأة، وغايتها مساعدة الفقراء والأعمال الخيرية.»
226 (3-43) جمعية مشارقة التمدن
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة السرور في 17 / 7 / 1898، قائلة: «يسوءنا أن نرى بعض الصبيان يتطاولون على مس كرامة فن التمثيل، فقد علمنا أن بعضهم ألف جمعية تحت عنوان مشارقة التمدن وقام أعضاؤها الوطنيون بتمثيل رواية دينية تتعلق بالديانة المسيحية مع الرومان، ولكنهم لم يوفوا بوعدهم أيضا؛ لأنهم لم يمثلوا منها غير الفصل الأول فقط ثم منع التمثيل بناء على أمر صاحب المرسح لتأخر الجمعية عن تسديد أجرة الليلة.»
227 (3-44) جمعية الرابطة الأخوية
إشارتها الوحيدة نقلتها إلينا جريدة مصر في 13 / 12 / 1898، قائلة: «بعونه تعالى قد عزمت جمعية الرابطة الأخوية على إحياء ليلة خيرية في تياترو حديقة الأزبكية في مساء الأربعاء 28 ديسمبر 1898 الساعة 8 أفرنكي مساء يخصص دخلها للأعمال الخيرية المفيدة ويشخص فيها رواية «الاتفاق الغريب» بواسطة جوق حضرة الأديب إسكندر أفندي فرح وسيقوم بأهم أدوارها حضرة المطرب الشيخ سلامة حجازي والتذاكر تباع بدكان دميان أفندي زكي التاجر أمام شرم الفجالة القديم وعند إدارة الجمعية وعلى أبواب الجنينة ليلة التشخيص فنحث العموم على الاشتراك في هذه الليلة الخيرية المفيدة.»
228 (3-45) جمعية النشأة القبطية
لها إشارتان، الأولى في 9 / 4 / 1899، وقالت فيها جريدة المؤيد: «ستحيي جمعية النشأة القبطية ليلة خيرية مساء يوم الإثنين الموافق 17 الجاري في الأوبره الخديوية تشخص فيها رواية «بطرس الأكبر» تحت رعاية سعادة الفاضل ماهر باشا محافظ العاصمة حيث يخصص إيراد هذه الليلة لإنشاء مدرسة لتربية البنات.»
229
والإشارة الثانية كانت في 25 / 4 / 1900، وقالت فيها جريدة مصر: «ستحيي جمعية النشأة القبطية بمصر ليلة خيرية حيث تحتفل بها في تياترو الأوبرا الخديوية بتشخيص رواية «البرج الهائل» الشهيرة، وذلك بواسطة جوق الأديب إسكندر أفندي فرح.»
230 (3-46) جمعية الفوائد الوطنية
لها إشارتان، الأولى في 26 / 8 / 1899، وقالت فيها جريدة مصر: «عزمت جمعية الفوائد الوطنية على تمثيل رواية أدبية غرامية في منتصف الشهر القادم تسمى «شقاء وهناء» ألفها أحد أعضائها حضرة جرجس أفندي طنوس، وقام بتعليم تمثيلها حضرة الأديب حبيب أفندي إبراهيم. وما يعلم في هذين الأديبين من الذكاء والنشاط يجعل الأمل عظيما في أن روايتهما هذه ستصادف إقبالا كثيرا.»
231
والإشارة الثانية كانت في 26 / 8 / 1899 أيضا وقالت فيها جريدة الأخبار: «وضع حضرة الأديب جورج أفندي طنوس رواية تمثيلية غرامية عنوانها «شقاء وهناء» وستمثلها جمعية الفوائد الوطنية في مرسح السكاتنج رنج في منتصف الشهر القادم. فنثني على همة المؤلف الأديب وغيرة الجمعية المشار إليها.»
232 (3-47) جمعية التمثيل الأدبي
إشارتها الوحيدة كانت في 9 / 11 / 1899، وقالت فيها جريدة المؤيد: «دعت جمعية التمثيل الأدبي بالإسكندرية حضرة الفاضل عزتلو إسماعيل بك عاصم لحضور تمثيل رواية «هناء المحبين» مساء السبت المقبل، وقد أجاب حضرته هذه الدعوة وعزم على إلقاء خطبة أنيقة خلال تشخيص الرواية في التمثيل وعلاقته بتربية النفس وتهذيب الأخلاق.»
233 (3-48) جمعية الفوائد الأدبية
لها إشارة واحدة في 2 / 12 / 1899، قالت فيها جريدة الأخبار: «تمثل جمعية الفوائد الأدبية في هذا المساء رواية «العاشق المفلس» في مرسح أبي خليل القباني ويمثل في أهم أدوار هذه الرواية حضرة المطرب الشهير أنطون أفندي المصري والشقيقتان البارعتان ألمظ وإبريز المشهورتان في الجمال وحسن التمثيل.»
234
المسرح المدرسي
(1) البداية
يعتقد القارئ أن النشاط المسرحي للمدارس في مصر، بدأ في عام 1936 عندما اعترفت به وزارة المعارف فأنشأت له تفتيشا خاصا بقيادة زكي طليمات، الذي كان أول مفتش للتمثيل بوزارة المعارف العمومية. والحقيقة أن النشاط المسرحي للمدارس في مصر كان أسبق من هذا التاريخ، وبالأخص نشاط المدرسة السعيدية، والتوفيقية، والخديوية في عشرينيات القرن العشرين.
1
ولا أظن أن باحثا من قبل استطاع أن يصل في تأريخه لهذا النشاط أبعد من ذلك، غير د. محمد يوسف نجم.
2
وإذا كنا - فيما سبق - استطعنا أن نؤرخ لبدايات المنشآت التمثيلية بالأزبكية، مثل السيرك وملعب الخيول والأوبرا، من خلال مجلة «وادي النيل»، فعن طريق هذه المجلة أيضا استطعنا أن نحصل على أهم وثيقة لأول نشاط مسرحي مدرسي في مصر عام 1870. وهذه الوثيقة عبارة عن تغطية شاملة لأول مسرحية مدرسية تمثل من قبل طلاب مدرسة العمليات أي مدرسة الصنائع والفنون «مدرسة الهندسة»، مع ذكر أسماء الطلاب، الذي يعتبر أول قائمة لممثلين مصريين هواة في تاريخ المسرح المصري.
قالت مجلة وادي النيل في 18 / 11 / 1870، تحت عنوان «امتحان تلامذة مدرسة العمليات المصرية»: وبعد انتهاء الامتحان «... ازداد أهل المجلس استغرابا وانبساطا واشتدوا عجبا ونشاطا بما حصل بعد تناول الطعام المعتاد في مثل هذا اليوم لسائر المدعوين والمعلمين والتلامذة المتعلمين من تصوير كوميدية؛ أي لعبة تخليعية مضحكة من نوع الألعاب التياترية في خمسة فصول تسمى باسم «أدونيس» أو «الشاب العاقل المجتهد في تحصيل العلم الكامل» كان قد ألفها من قبل وأحفظها للتلامذة باللغة الفرنساوية المعلم لويز معلم هذه اللغة المشهور في المدرسة المذكورة، فقام بتصويرها وحسن إلقائها وتقريرها كل واحد منهم فيما نيط منها لعهدته وأحيل على فطانته مع غاية الاتقان والسعد، وذلك كما لا يخفى هو من قبيل الهزل المراد به الجد حيث كان جل القصد من ذلك ليس هو اللهو واللعب أو التمويه والكذب بل القصد به هو تمرين حافظة التلامذة وتعريفهم بقيمة التعليم وتوقيفهم على ثمرة تحصيل الفنون والعلوم. ولعمري إن تصوير هذه اللعبة وإن كانت ليست من حيث القيمة الأدبية الأوروبية وتفنن المعاني العربية من بدائع موليير أو حسن صنايع البهاء زهير، وكان اللعب بها في صحن المدرسة على مجرد ترابيزة صغيرة مستظرفة وضع عليها عدة حانوت حلاق من غير أبهة ولا زخرفة، كما هو شأن تصوير مثل هذه الألعاب الجاري تصويرها في العادة بالتياترات المستعدة المعتادة، غير أنها كانت آخذة بالفؤاد عند ذوي الألباب وأنفذ للمراد في جملة الألعاب من مثل تصوير لعبة مزين إشبيلية أو قصة حلاق بغداد. وسنعود إن شاء الله تعالى على زيادة تعريف هذه اللعبة النفيسة وتوصيفها وتوقيف العامة على تفاصيل وكيفية تصويرها وتصريفها.»
3
وبالفعل رجعت المجلة إلى تكملة الموضوع في 5 / 12 / 1870، بصورة مطولة، يهمنا منها بعض الأمور، مثل اسم المدرس لويس فاروجيه مؤلف المسرحية، وأن تمثيل المسرحية بالمدرسة كان في يوم 15 / 11 / 1870. وعندما تطرقت المجلة لوصف فصول المسرحية، مع سرد شخصياتها، وخلاصة مغزاها، قالت: كان «تصوير اللعب في أول فصل بحانوت حلاق، وفي الثاني بحجرة من خان، وفي الثالث بمحل مرسوم بالأشجار من بستان. وهذه قائمة الأشخاص اللاعبين مع من قام مقامهم من التلامذة النائبين، وهم: قيصر الحلاق: محمد فهيم أفندي، أدونيس (شاب مملوك محسوب قيصر): محمد رشاد أفندي، الموسيو دوشارم (سياح فرانساوي): أحمد شوقي، الموسيو مونفرو (رفيق طريق للسياح المذكور): أحمد عبد الوهاب أنسي أفندي، جيفار (صديق قيصر الحلاق): نيازي أفندي، ريزينيه (رفيق أدونيس): نديم أفندي، بومبه (ترجمان): محمد وهبي أفندي، شارلوت (ولد بونفور): محمد فاضل أفندي، كرونتار (صديق دوشارم): شاكر أفندي، وكلهم أدى وظيفته على أحسن وجه وأتقن، كأنهم من أرباب الفن. وحاصل نتيجة ذلك كله وغاية معناه ونهاية حكمته ومغزاه هو أنه بواسطة الشغل والاجتهاد مع العقل والاستعداد يتوصل الإنسان لغاية بلوغ المراد، ويتحصل عاجلا أو آجلا إلى ما هو له من الحال الصالحة أمل.»
4
وإذا كانت بداية المسرح المدرسي جاءت بعد عام واحد من افتتاح الأوبرا، إلا أن النشاط المسرحي المدرسي استمر طوال القرن التاسع عشر، بصورة تفوق ما نشاهده الآن في مسارح مدارسنا، إن وجدت هذه المسارح، بعد تقنينها، ووضع الإدارات المختلفة في خدمتها. (2) نشاط المسرح المدرسي
وأخبار النشاط المدرسي المسرحي في القرن التاسع عشر كثيرة، ومنها على سبيل المثال: البرنامج المسرحي لمدرسة دير السانطة بالإسكندرية، عندما مثلت عدة مسرحيات في 6 / 8 / 1879، وجعلت الحضور مجانا.
5
وفي أبريل 1886 مثلت المدارس الخيرية الأدبية لطائفة الروم الكاثوليك، عدة مسرحيات في بعض مدارسها، مثل مدرسة شبرا التي مثلت رواية «أنطيوخس الملك»،
6
وفي 21 / 4 / 1886 مثلت المدرسة الكلية بمصر رواية «ثمرة الصبر» تأليف إسكندر مرجان بالأوبرا الخديوية.
7
وفي 24 / 2 / 1887 تقدم ناظر الأشغال العمومية بمذكرة إلى رئيس مجلس النظار، بخصوص طلبات المدارس لحجز دار الأوبرا الخديوية لحفلاتها المسرحية، ومنها المدرسة الإسرائيلية في 24 / 3 / 1887.
8
وفي 30 / 3 / 1887 مثلت مدرسة النجاح التوفيقية رواية «النجاة في الصدق» بالأوبرا،
9
وفي 2 / 4 / 1887 مثلت المدرسة السورية بمصر رواية «عاقبة الخيانة» على مسرح البوليتياما،
10
وفي 12 / 8 / 1887 مثلت المدرسة الكلية البطريكية رواية باللغة الفرنسية،
11
وفي 11 / 2 / 1888 مثل طلاب المدرسة السورية بمصر رواية برئاسة رئيس المدرسة إبراهيم عبد المسيح،
12
وفي 3 / 4 / 1888 مثلت المدرسة الفرنسية بالزقازيق مسرحية «يوسف الحسن» تأليف نجيب قطيني المدرس بالمدرسة،
13
وفي 12 / 4 / 1888 مثلت المدرسة الحرة بكوم حمادة رواية «سيدنا معاوية مع عبد الملك بن مروان» ومسرحية «سيدنا عمر مع الأعرابي القاتل وضامنه أبي ذر»،
14
وفي 5 / 11 / 1888 مثلت المدرسة القبطية الأرثوذكسية بالمنيا رواية «الابن الشاطر».
15
وفي 23 / 7 / 1890 مثلت المدرسة الأميرية بالفيوم رواية أدبية من تأليف علي حمدي المدرس بالمدرسة،
16
وفي 1 / 8 / 1890 مثلت مدرسة الأميريكان للبنات بالإسكندرية رواية «المريض الوهمي»،
17
وفي 11 / 8 / 1890 مثلت المدرسة الأهلية بباب البحر رواية أدبية تبين الفرق بين العلم والجهل،
18
وفي 17 / 8 / 1890 مثلت مدرسة العلوم الثانوية عدة روايات عربية وأجنبية،
19
وفي 10 / 7 / 1891 مثلت المدرسة الأميرية بالفيوم رواية أدبية تدور حول الحث على التعليم.
20
وفي 16 / 9 / 1891 وصفت جريدة المقطم احتفال مدرسة البنات بشبرا قائلة: «احتفل أمس بتوزيع الجوائز في مدرسة البنات التي مديرها حضرة السيدة كاستانيولي في قصور بوغوص بشبرا على المستحقات من التلامذة، وقد حضر هذا الاحتفال جمهور غفير من كبار الموظفين والأدباء والأعيان. ومثلت رواية بديعة باللغة الفرنسوية، وقد أجادت الممثلات في التمثيل كل الإجادة ثم تليت ملحة باللغة العربية وتلتها محاورة باللغة العربية أيضا فضحك لها الحاضرون وسروا مزيد السرور. ثم وزعت الجوائز على المستحقات، وكان في جملة اللواتي أحرزت السبق في نيل الجوائز السيدات: تريزة صواف وأليز عيروط وإملي وإيليز صيداوي وغيرهن من التلميذات النجيبات. ثم ختمت الحفلة وانصرف المدعون يشكرون حضرة مديرة المدرسة ويثنون على حسن عنايتها واجتهادها.»
21
وفي 30 / 11 / 1891 تخبرنا جريدة المؤيد عن أول فريق مسرحي محترف من التلميذات، قائلة: «أمس تألفت جوقة من تلميذات مدرسة البنات الفرنساوية إدارة الست بريولي روه التي أسست منذ ثلاث سنوات على جسر شبرا، ومثلن رواية أدبية بتياترو حديقة الأزبكية وألقين عدة مقالات بالعربية والفرنساوية والطليانية؛ فأعجب الحاضرون بحسن إلقائهن مع صغر سنهن، حيث الكل بين الثامنة والعاشرة من العمر.»
22
وفي 16 / 11 / 1893 مثلت مدرسة الآداب العلمية بالقللي رواية «الملك فيخوس» أحد ملوك الدولة الثانية المصرية،
23
وفي 24 / 1 / 1896 مثلت مدرسة الآباء اليسوعيين بالفجالة رواية «أخو الخنساء»،
24
وفي 24 / 1 / 1897 مثلت مدرسة الجزويت رواية «الأخدود»،
25
وفي 12 / 8 / 1897 مثلت مدرسة النجاح القبطية بالمنصورة رواية «ناكر الجميل»،
26
وفي 26 / 8 / 1897 مثلت مدرسة الروضة بأسيوط برئاسة ناظر المدرسة جرجس بياضي رواية «غرائب الاتفاق»،
27
وفي 10 / 9 / 1897 مثلت مدرسة النور العباسي بمنيا القمح إحدى الروايات الأدبية،
28
وفي 24 / 9 / 1897 مثلت مدرسة الاجتهاد الوطنية ببولاق رواية «الوالدين والولدين» على مسرح القباني.
29
وفي 7 / 4 / 1899 مثلت مدرسة الأقباط بشبلنجة رواية «صدق الإخاء»،
30
وفي 6 / 5 / 1899 مثلت المدرسة العثمانية للبنات رواية من تأليف فؤاد كامل مدرس اللغة الفرنسية بالمدرسة،
31
وفي 25 / 7 / 1899 مثلت مدرسة الآباء اليسوعيين بالمنيا رواية «صدقيا ملك إسرائيل»،
32
وفي 15 / 10 / 1899 كانت آخر حفلة مدرسية مسرحية في القرن التاسع عشر، من قبل مدرسة الأقباط بقنا حيث مثلت رواية «إسكندر ذي القرنين».
33
وإذا كنا فيما سبق تحدثنا عن بداية نشاط المسرح المدرسي، مع نماذج من هذا النشاط طوال القرن التاسع عشر، إلا أن هناك ثلاثة أمور يجب الوقوف عليها لأهميتها في هذا الموضوع؛ الأول: يتعلق بنشاط عبد الله النديم في النشاط المدرسي المسرحي، والثاني: يتعلق بنشاط مدرسة الفرير، والأخير: يتعلق بنشاط مدرسة العائلة المقدسة أيضا. (3) عبد الله النديم
يعد عبد الله النديم من رواد المسرح المدرسي في مصر. فقد بدأ نشاطه في هذا المجال في عام 1879 عندما كان مدير مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية، فكون من الطلاب جماعات للخطابة والتمثيل. وكتب مسرحيتين مشهورتين، هما: «العرب» و«الوطن وطالع التوفيق». وكان يقصد من كتابتهما تدريب الطلاب على أساليب الخطابة. ولم يكتف هذا الرائد بالتدريب النظري، بل درب الطلاب التدريب العملي عليهما، بأن مثل معهم المسرحية الثانية على مسرح تياترو زيزينيا بالإسكندرية عام 1881. وقد نجحت المسرحية نجاحا منقطع النظير بالنسبة لهدفها الحقيقي. فقد كان لها في نفوس الشعب تأثير كبير بعد أن نبهت الأفكار وفتحت الأنظار. فقد نقد فيها النديم العيوب الاجتماعية والسياسية، ووصف ما كانت عليه البلاد من فوضى واضطراب.
وأعلن النديم في مجلته «التنكيت والتبكيت» عن تمثيل مسرحية «الوطن وطالع التوفيق» قائلا في 10 / 7 / 1881 تحت عنوان «إعلان إلى أبناء وطننا ومحبي التقدم والعمران»: «عزمنا - والعون على الله تعالى - تمثيل رواية «الوطن وطالع التوفيق» بتياترو زيزينيا مساء يوم الخميس 17 شعبان سنة 98 مع ليلة الجمعة، وهي الرواية التي جعلتها تذكارا لجلوس مولانا الخديوي - حفظه الله - فإني صورت فيها حالتنا وما كنا فيه من الذل والإهانة، وما تحملناه من المظالم والمغارم، ثم تخلصت بجلوس مولانا الخديو ومساعدة وزرائه الكرام على أفكاره الحسنة ومقاصده الخيرية، وما يعانيه رجاله من الاشتغال بحفظ الأمة وصيانة الوطن، وما تنورت به الأفكار حتى اهتدت لفتح الجمعيات التي بها تكثر المعارف وتعود ثروة البلاد. وهي تشخص بتلامذة المدرسة ليرى الناظر ما وصل إليه أبناؤنا من القوة التي بها يقفون في المحافل العظيمة يشخصون ما لا يقوم به إلا العظيم من الرجال ...»
34
عبد الله النديم.
ومن الجدير بالذكر أن تمثيل هذه المسرحية كان حدثا فريدا في ذلك الوقت، تحدثت به الصحف المصرية، ومنها جريدة الأهرام في 16 / 7 / 1881 قائلة تحت عنوان «رواية الوطن وطالع التوفيق»: «في الليلة الفائتة ازدان تياترو زيزينيا بتشريف رجال ثغرنا الكرام لحضور تشخيص هذه الرواية البديعة من تلامذة مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية تحت إدارة حضرة الفاضل الأديب زميلنا عبد الله أفندي النديم. ولا سبيل لأن نعلن عما كان من حسن الإتقان وجودة التشخيص وبديع الإلقاء، فإن ذلك لا يحتاج إلى إعلان. ولقد أجاد حضرة المدير المذكور إجادة استدعت الألسنة إلى الثناء عليه، وحبذا ما صرح به من إيجاب اللوم على من لم يطردوا الحقوق المتبادلة والتقدم إلى المساعدة في سبيل الأعمال العائدة بالنفع العميم على الوطن ورجاله. وإننا في كل حال نشكر اهتمامه واجتهاده ونمدح نشاط الجمعية، وهمم التلامذة وندعو لوطننا العزيز بالتقدم والفلاح في ظل الجناب التوفيق ورجاله الكرام.»
35
وعلى الرغم من أن هذه مسرحية غير مطبوعة، بل ومفقودة أيضا - وكذلك مسرحية العرب - إلا أننا حصلنا على بعض أجزاء منها نشرت في عام 1927. ولأهمية هذه الأجزاء نثبتها هنا، لما لها من دلالات فنية وسياسية واجتماعية تعكس لنا فكر النديم في ذلك الوقت، كما تعكس أيضا فكر الطلاب أمام واقعهم الاقتصادي والسياسي. (3-1) منتخبات من رواية «الوطن»
36
أبو دعموم :
الله يرحم أبوك هو عندكم شيء من اللي عندنا! خد على صابعك خد: أدحنا متحرحرين يا أخي من المال والمقابلة والسدس ومصاريف الري والسهوم والمصلح والشخصية وعوايد البهايم والأغنام والنخيل والدخولية.
أبو الزلفى :
لأ وفاتك يا خي عادة الحكيم والمهندس والمزين والمشدات والطوافة وقواسة المدير وخدمينه وسنوات ناظر القسم وخدمينه والعونة والصخرة وطلوع البهايم للشفلك والبنات للقطن والولاد لتنقية الرز والبهايم للشيل والحطب للوابورات وعليقة خيل القواسة وتبنهم.
أبو دعموم :
لا، ولا تنساش شيخ البلد، واخد البهايم في غيطه والنسوان في دواره والأولاد تجري وراه ويروح يداين من الخواجات، ويجي يقول هاتوا يا فلاحين! وأولاده دايرة ترقع في أصداغنا، وخدمينه بتلطش فينا ونسوانه بتسفخ لنسواننا.
أبو الزلفى :
لا وخد عندك يبقى الإنسان طالع في المصلحة والمشد ينادي يقول: المدير عاوز ميت فرخة! ويوم يقول: غربلوله أردبين غلة! ويوم يقول: عاوز بهيمة حلابة! ويوم يقول: عاوز بلاصين سمن! ودا كله يلمه شيخ البلد. وشوف بقى يما يوديه.
أبو دعموم :
لا ونسيت يا خي نزلة المساحة علينا كل ساعة، والتاني يقول: أنتم عندكم زيادة، والبحر خلف لكم جزيرة. ويمسك قصبته ويدور يتنطط في الغيطان ولا ينكشح عنا إلا لما يأخذ له سبعين ثمانين ريال.
أبو الزلفى :
لا، وفتنا الداهية التقيلة، اللي هو الصريف لما يفضل يديله الواحد يوم اثنين جنيه، ويوم عشرة ريال، ويوم تلاتين بريزه، ويوم عشر خرديات، ويوم ميت قرش. ويجي آخر السنة يقول له وصلني منك سبعين قرش وفاضل عليك عشرة جنيه وإن اتكلم الواحد منا يشكمه شيخ البلد ويقول له: عقلك ولا حساب القلم؟!
أبو دعموم :
لا وفات يا خي رمي الكتاكيت على ... وفلوس الصفصاف وليف الوسية ومقطفه وحباله وخشبته وشيء مظروط.
أبو الزلفى :
وفاتك يا خي ضرب الطوب للشفلك وتين الخلط وحطب الحريق وأجرة النفر السهران وعشا البياتة وأجرة الغفير وأجرة الحمير للشيل ونفر العملية وأجرة البنا وأجرة النجار وطلوع الحجر من المراكب ودق الحمرة.
أبو دعموم :
وفاتك يا خي لما واحد يهج ويرمي طينه على البلد، ولا واحد يخرب ويوزع دينه على البلد، والإعانة ونفر القسم وعشا الغفرا في البحر. (3-2) نموذج شعري من رواية «الوطن»
إحدى القصائد التي يستثير النديم بها الهمم ويوجه فيها القول إلى الخديو توفيق لإقصاء الوزراء وحاشية السوء التي كانت تناهض الحركة الوطنية:
لو أننا مثل أهل الأرض في همم
ما قام يندبنا أحيا مغنينا ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
قل للنفوس التي ماتت بلا أجل
أين القلوب التي كانت تجارينا؟
نمشي حفاة على شوك القتاد فلا
يؤذي النفوس وكان الخز يؤذينا
أستودع الله قوما كان طبعهم
يبدي لك الحالتين: البأس واللينا
شدوا الجياد وجابوا كل بادية
كي يعمروها فعموا الأرض تمدينا
وسيروا الحق في الآفاق أجمعها
فاستحسنتهم ونادتهم سلاطينا
واستخلفونا فكنا شر من ورثوا
إذ لم نحافظ على ملك بأيدينا
ماذا ترى في إناس لو تقربهم
إلى العلا بعدوا مما يرقينا
ما خالفوك ولكن خالفوا شرقا
لم يعرفوا قدره ممن يولينا
فاجمع من القوم من ترضى خلائقه
واجعل لكل من الأعضا قوانينا
وشدد الأمر حتى لا يضيع سدى
واجعل زمامك فيه العدل واللينا
وطهر القطر ممن طبعه شره
وخائن يحرق المأوى ويشوينا
وكن لأهل الوفا حصنا وملتجأ
وكن لأهل الهوى سيفا وسكينا (4) مدارس الفرير
تعتبر مدارس الفرير بفروعها وجمعياتها المنتشرة في مصر، من أهم المدارس التي مارست النشاط المسرحي في القرن التاسع عشر. ففي 26 / 1 / 1890 مثلت جمعية تلامذة مدرسة الفرير القدماء رواية هزلية فرنسية في ساحة المدرسة،
37
وفي 22 / 12 / 1893 مثلت شركة التلامذة المتخرجين في مدرسة الفرير رواية «الملك والوزير والحشاش والظريف»، ثم فصلا مضحكا بعنوان «الأدباتي» بالأوبرا الخديوية،
38
وفي 16 / 2 / 1894 مثلت جمعية المتخرجين بمدرسة الفرير إحدى الروايات بالأوبرا الخديوية أيضا،
39
كما مثلت نفس الجمعية في 21 / 4 / 1896 رواية «محاسن الصدف» بالأوبرا،
40
ومثلت في 28 / 4 / 1897 بالأوبرا أيضا رواية خصص دخلها لمساعدة فقراء المدرسة المجانية،
41
وفي 24 / 4 / 1898 مثل طلاب مدرسة الفرير بالمنصورة رواية فرنسية بمسرح التفريح.
42
وآخر حفلة لهذه المدارس كانت في 2 / 6 / 1899، وقالت عنها جريدة مصر: «ازدحم تياترو حديقة الأزبكية مساء الجمعة الماضية بالأدباء والفضلاء لحضور رواية «لافيل ده ثامبور ماجور» التي قدمتها جمعية التلامذة المتخرجين من مدارس الفرير، وخصص دخلها لمساعدة التلامذة الذين يتعلمون مجانا فيها، وقد قام رجال الجوق الإيطالي بتمثيل هذه الرواية تمثيلا أعجب الحضور. وأطلق حضرات أعضاء لجنة الجمعية سربا من الحمام الأبيض فطار في المرسح كأنه يحمل شكرا منهم للممثلين ولجميع الحاضرين. ثم شنفت الست ملكة سرور الآذان بصوتها الرخيم وقدمت إليها سلة من الزهور؛ دليلا على الاستحسان، فتناولتها شاكرة. وقد انصرف الحضور يشكرون لحضرات أعضاء الجمعية.»
43 (5) مدرسة العائلة المقدسة
بدأت هذه المدرسة نشاطها المسرحي بتمثيل مسرحية «أخو الخنساء» في 24 / 1 / 1896، من تأليف الأب أ. رباط اليسوعي مدرس اللغة العربية بالمدرسة.
44
وفي 24 / 1 / 1897 مثلت مسرحية «أصحاب الأخدود» وقالت عنها جريدة المقطم: «احتفلت مدرسة العائلة المقدسة في العاصمة أمس بعيد المدرسة السنوي، فتصدر الحفلة صاحب السعادة فخري باشا ناظر المعارف والأشغال العمومية، وكان عن يمينه صاحب السعادة عياني باشا. وحضرها جناب المسيو برتران من قبل فرنسا والكونت زلوسكي وكثيرون غيرهم من الكبار والوجهاء. فمثل التلامذة أعضاء المحفل الملقب بمحفل شهداء نجران رواية كانوا قد ألفوها بالاشتراك تحت إدارة حضرة مدير المدرسة، وهي رواية «أصحاب الأخدود» أخذوها عن بعض كتاب العرب، مثل ابن الأثير والرازي، وقسموها إلى ثلاثة فصول؛ الأول: موضوعه نجران أيام الجاهلية، والثاني: الحرب، والثالث، الاستشهاد. فأجاد الممثلون كل الإجادة. وكانت الموسيقى العربية تتخلل الفصول. وانصرف الحضور وهم يثنون على حضرة مدير المدرسة ويدعون للمدرسة بالتقدم والفلاح.»
45
وفي 12 / 6 / 1898 أقامت المدرسة ليلة تمثيلية على مسرح كازينو حلوان،
46
وآخر أخبار نشاط هذه المدرسة أخبرتنا بها جريدة المقطم في 22 / 7 / 1898، قائلة: «احتفلت أمس مدرسة العائلة المقدسة بتوزيع الجوائز على مستحقيها من تلامذتها بحضور المسيو بيير ليفيفر بونتاليس متولي أعمال الوكالة الفرنسوية وجمهور غفير من الأدباء والوجهاء فمثلت رواية وصدحت الموسيقى بالأنغام المطربة وتليت الأناشيد الشجية ثم وزعت الجوائز على مستحقيها وانصرف الحاضرون وهم يمدحون تقدم هذه المدرسة وانتظامها ويرجون دوام النجاح والفلاح.»
47
النقد المسرحي
صدر في مصر كتاب - منذ فترة قريبة - للدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، بعنوان «النقد المسرحي في مصر» من عام 1876 إلى عام 1923. وهذا الكتاب به مجهود كبير، فيما يتعلق بالنقد المسرحي في أوائل القرن العشرين، ولكن صاحبه أخفق وقصر في تقديره وحديثه عن النقد المسرحي في القرن التاسع عشر .
فقد قسم د. الحجاجي فترة بحثه في الكتاب، إلى فترات يهمنا منها الفترة الأولى، التي تبدأ من 1870 إلى 1905، وهي نفس فترة تاريخ المسرح في كتابنا؛ أي القرن التاسع عشر على وجه التقريب. وهذه الفترة التي أطلق عليها د. الحجاجي «فترة النشأة» لم يجد بها نقدا فنيا يذكر حتى عام 1898. ويفسر ذلك بقوله: «إذ إن كل ما كتب عن المسرح قبل ذلك لا يعدو أن يكون كتابات للدعاية عنه بالتقريظ ... فإنني لم أجد كلمة واحدة حتى سنة 1898 تحاول أن توقف من المسرح، أو تطالب بمصادرته.»
1
ثم يتحامل د. الحجاجي على هذه الفترة، زاعما أن النقد المسرحي التطبيقي لم يبدأ إلا في سبتمبر 1898 بمقالة عن مسرحية «روميو وجوليت» لأمين الريحاني في جريدة الثريا.
2
وفي موضع آخر يقول: «فإذا تأملنا ما كتب حتى سنة 1880 لا يطالعنا غير عبارات متكررة بأن الممثلين أجادوا في تمثيلهم، وأنهم يسيرون في طريق الكمال؛ لأن كل مبتدئ ضعيف.»
3
ويقول أيضا: «إن ما بيدنا من كتابات حول المسرح حتى سنة 1915 في كل من: الأهرام والمؤيد والمقطم والجوائب والظاهر والإكسبريس والوطن والمحروسة، وما بقي من صحف ضاعت معظم أعدادها مثل: التجارة ومصر والأستاذ والرواي،
4
لم تكن كتابات نقدية وإنما كانت مجرد تأملات لا يدفعها علم أو فهم لطبيعة المسرح.»
5
وعن النقد الفني في هذه الفترة، يقول: «وقد حددنا بداية النقد النظري والتطبيقي بعام 1898؛ لأننا لم نجد قبل هذا التاريخ نقدا نظريا صرفا، ولا نقدا تطبيقيا متمثلا للقيم الفنية، فكل ما كتب عن المسرح قبل ذلك لا يعدو أن يكون مجرد حديث للدعاية عنه، أو خبرا من الأخبار تكتبه الصحف بجانب ما تكتبه عن حوادث المجتمع اليومية.»
6
وهذا التحامل من قبل د. الحجاجي على النقد المسرحي في القرن التاسع عشر، راجع إلى سببين؛ الأول: كثرة الدوريات وما فيها من نقد مسرحي في أوائل القرن العشرين، في مقابل ندرة الدوريات وقلة ما فيها من نقد مسرحي في القرن التاسع عشر، من وجهة نظر د. الحجاجي. والسبب الآخر: يتمثل في اعتماده على دوريات قليلة جدا بالنسبة إلى موضوعه الخطير، بل إنه تغافل عن أهم الدوريات في القرن ال 19، بما فيها من مقالات نقدية تفند رأيه، وتأتي بعكس ما ذهب إليه، مثل: «وادي النيل، الحقوق، الراوي، السرور، الإخلاص، مصر، الكمال، البصير ، الصادق، السلام». فهذه الدوريات بما فيها من مقالات تتحدث عن النقد الفني والتطبيقي والنظري، بفهم وعلم كامل عن طبيعة المسرح، تغافل عنها د. الحجاجي، أو لم يطلع عليها!
ففي 28 / 2 / 1870 نشر الأديب محمد أنسي في مجلة «وادي النيل» - وهو ابن عبد الله أبو السعود صاحب المجلة - مقالا نقديا
7
عن عرض مسرحية «سميراميس» بالأوبرا الخديوية. وفي هذا المقال نجده يتحدث بفهم ووعي لطبيعة المسرح، عندما تحدث عن أهمية وجود المسرح في مصر، وأمله في تعريب العروض التي تمثل بالأوبرا قائلا: «إن ذوقية الملاعب التياترية قد أخذت في الانتشار بالديار المصرية في هذه الحقبة العصرية، وهي بدعة حسنة وطريقة للتربية العمومية مستحسنة من حيث ما يترتب عليها من تفتيق الأذهان وتصوير أحوال الإنسان للعيان حتى تكتسب فضائلها وتجتنب رذائلها، إلى غير ذلك من الفوائد الجميلة والعوائد الجليلة. ويا ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية؛ فإنها من جملة المواد الأهلية التي أعانت على تمدين البلاد الأوروبية وساعدت على تحسين أحوالهم المحلية.»
8
وبعد أن ينتهي من عرضه ونقده للمسرحية، يقول عن مغزى المسرحية: إنه «يظهر للعيان صور الشهوات كأنها مشاهدات؛ ومعنى ذلك كله تقبيح القبائح وتنقيح النصائح من أن الغدر مآله ذميم والانقياد للهوى مرتعه وخيم وأن القاتل لا بد وأن يقتل والظالم وإن أمهل لا يهمل.»
9
وفي 4 / 3 / 1870 كتبت نفس المجلة مقالا نقديا أكبر من السابق، عن عرض مسرحية «فوست» بالأوبرا، وسنحاول أن نجتزئ منه عدة مواضع لندلل بها على فهم النقاد لطبيعة المسرح. قالت المجلة: «التياترو ... هو عبارة عن تصوير بعض الحوادث التاريخية والوقايع الزمنية مع تخلله بالألحان الموسيقية فهو يجمع بهذه الطريقة التفننية بين لذات الحواس الظاهرية والباطنية، وبيان ذلك بالنسبة للعبة التياترية المشهورة باسم «فوست» ... ولا ينبغي أن يتوهم أن اقتصاصها هو مجرد حكاية وقائع الرجل المنفسد الأخلاق المسمى فوست وقصة مصائب الفتاة المسكينة المسماة باسم مرجريته هذه كما يحكي لنا قصاصنا حكاية ألف ليلة وليلة أو سيرة عنترة بن شداد مثلا، بل هي حكاية بطريقة شعرية عجيبة، وكيفية سحرية غريبة على لسان فوست ذاته؛ بحيث يقص بنفسه قصة ما أصابه من العشق والغرام واعتراه فيه من خيبة الأمل والآلام. وتقص مرجريته بذاتها أولا قصة ما كان قائما بها من صفات العفة وبساطة الأخلاق ثم كيفية وقوعها بإغواء الشيطان في شرك الفساد والنفاق ... وكل ذلك يتراءى للعيون على مثال عجيب ومنوال غريب جدا بحيث يتصور للناظر أنه عين اليقين. وبينما البصر يتلذذ برؤية مجموع تصوير هذه الهيئات التي تتعاقب صورها وتتوالى مناظرها على ميدان اللعب بحيث يشاهد كلما انكشف الستار منظرا جديدا وملعبا مفيدا وتتلذذ الآذان بما يتخلل ذلك بواسطة طقم الموسيقى من بديع الأنغام والألحان؛ إذ تمتلئ القلوب بالشفقة على حال مرجريته المسكينة وتشتد من الغضب والنفور من الشيطان الغرور، ويعترينا حينئذ من الحزن والانقباض كما لو اعترانا بعض الأمراض أو حصل لنا مصاب في بعض الأقارب والأحباب سواء بسواء، ومتى رجعنا إلى منازلنا من بعد رؤية هذه المناظر العجيبة ومشاهدة هذه الملاعب الغريبة نقول في أنفسنا: إن العلم ولو بلغ من الاتساع فإنه يضر بصاحبه إذا لم يكن مصحوبا بالدين، وإن الأولى بالإنسان أن يبقى بحالة الجهل من أن يتحلى كمثل فوست هذا بقلائد العرفان إذا كانت قد أودت به وأدته للوقوع في النيران، ويرينا الاعتبار بمصائب مرجريته هذه ما قد يحصل لبعض البنات البريات في العشائر والفامليات ذوات البيوتات من الوقوع في مثل هذه المصيبة الخطيرة ... فنعتبر بتلك الآثار أجمل الاعتبار، ونستنتج من ذلك أنه يجب أن يكون مطمح الأنظار في تربية البنات ما أمكن هو حسم مادة هاتين الرذيلتين اللتين تكونان غالبا هما السبب في سقوطهن في مهاوي الإغواء وإيقاعهن في أشد البلوى؛ وهما: شدة الميل للزهو والبهرجة، وحب الزينة المبهجة.»
10
وفي 1 / 4 / 1888 كتبت جريدة «الراوي» مقالا نقديا تطبيقيا عن عرض مسرحية «عائدة»، قالت فيه: «... أسير بالقارئ إلى زيزينيا لأمثل لأبصاره مثال «عائدة» ... لأريه كيف كانت حالة جوقتنا العربية، فيحكم على باكورة أعمالها التي بدلا من أن تكون زاهرة زاهية كانت ذابلة مظلمة. فأين محاسن الإلقاء وأين غرائب الحركات؟ أين بدائع التمثيل وباهر الأصوات؟ وأين عجائب الألحان وأين ... عفوك يا راداميس إنني لا أعرض ها هنا بك ولا أروم بالجوقة التي علمتها شرا، إنما أنا مذكركم بالغلط، مراجع عليكم النقص في هذا الفن عسى تفيد الذكرى وينفع الانتقاد. فقد رأيت عائدتكم لا تحسن الإلقاء وابنة فرعونكم تخاف أن تشير بيدها فيتحرك ساكن الهواء وملككم على رأسه التاج وفي يده الصولجان ومن حوله العساكر والجنود، وهو مع ذلك مرتج الصوت مرتجف الركب يكاد يأخذه الإغماء! فأين صولة الملوك وأين أبهة الملك ... يا لخسارة هذا الفن أن يتداوله بيننا من لا يقدر على القيام به! ويا لعارنا إذا رأى الأجنبي ملك مصر الظافر وجنوده الباسلة تمثلهم قوم لا يشابهونهم إلا ملبسا وعدة ... ولست في موقف المنتقد لأبين العيوب دون أن أذكر المحاسن، فقد رأيت في الجوق ثلاثة يجمل بهم اسم الممثل ... لم أر لسواهم حسنة، فقد كانوا لروحها جسما ولقلبها قالبا.»
11
وفي 1 / 6 / 1888 كتبت مجلة «الراوي» أيضا مقالا عن معنى النقد المسرحي، تحت عنوان «الانتقاد» - لأن بعض الجرائد هاجمتها بسبب المقال السابق - قالت فيه: «... علمتني التجارب أن الانتقاد مرقاة الكمال وأنه الواسطة الوحيدة لاطراح رداء الجهل؛ ولذلك نرى أمم المدنية وشعوب الحضارة ورجال الأدب وأهل العلم معتمدين عليه يخصصون له ساعات برمتها ويصرفون عليه من أوقاتهم الثمينة ما يضنون به على سواه من أعمال الأدب وأشغال الصناعة والعلم. ولعمر الحق إن البلاد التي نتمثل بها في دقة الصنائع وتقدم المعارف وانتشار الآداب ونحاول التشبه بها في المدنية والحضارة والحرية والمساواة لم تصل إلى الدرجة التي نراها فيها ولم تبلغ المنزلة التي بلغتها إلا بالانتقاد. فكم بينهم من عالم! وكم من كاتب وخطيب وشاعر وصانع برع في عمله وحذق في مهنته ونبغ في عمله وأصبح في مقام تخفض له الرءوس والهام، وما كان تقدمه وفلاحه إلا بما يراه من نقد العارفين ويؤخذ عليه من الخطأ والغلط الذي أتاه وهو غير عالم به! وكيف يرجى تقويم أود وإصلاح خطأ وفاعله لا يدري به ولا يعرف إلا أنه مصيب في قوله محسن في عمله؟ أيهبط عليه وحي من السماء أم يجيئه ملك ليبين له موضع الغلط ومحل الهفوة فيسعى في إصلاحهما؟! أم حظرت علينا كلمة الحرية وحكم علينا بالخمول حتى لا تقوم للعرب قائمة ولا ينهض للغتهم ساقط ... كيف لا تترك مؤلفا ولا عملا دون أن تنتقده وتظهر غثه من سمينه سالكة في ذلك مسلك الجد طالبة كمال العمل؟! فإذا كان أهل تلك البلاد وهي في زهوة المدنية وقمة الحضارة ويانع العلم وباهى الآداب والتقدم والنجاح تطلب المزيد وتشكو القصور والإهمال والفتور فماذا نقول نحن؟! وبأي كلام بقي قومنا يخاطبون؟! تلك حزازة صدر أودعتها القرطاس مستلفتا إليها أنظار الأدباء ليمعنوا فيها النظر حتى إذا رأوني مصيبا يعملوا بالانتقاد عملا يكفل لنا الإصلاح والفلاح.»
12
وفي 1 / 7 / 1888 نشرت مجلة «الراوي» مقالا جديدا من مقالاتها النقدية، تحت عنوان «التمثيل» قالت فيه: «... نجيء الآن بهذه الأسطر ... وهي عبارة عن رأي لنا في التمثيل اقتبسناه بطول التجربة والاختبار ... نقول: إن الروايات مرآة الأخلاق تنعكس بها أشعة عادات الأقوام الغابرين وتظهر على وجهها عوائد القوم الحاضرين، فتظهر للرائي في شكل من التمثيل لا يظنه إلا واقعة جارية تحت أبصاره. والناظر إلى مشهد تمثل به أشخاص عديدون يميل بالطبع إلى الصالح منهم وينفر من رجال السوء؛ فيكتسب الحسن من خصال البعض ويصحبه وينظر إلى القبيح من أفعالهم فيتجنبه. فلذلك يجب في الروايات مهما كان مغزاها ومبناها أن يكثر فيها الحث على العمل الجيد والحذر من الدنيئات، وأن تختم بخذل اللئيم الخسيس والظالم المعتدي والمتكبر الجائر والمرائي المخادع والغادر الخائن والنمام الواشي ... وإظهار شأن الفاضل العفيف المحسن الباسل المقدام ورفعه إلى منزلة تثير الغيرة في نفوس الناظرين؛ فتتولد في صدورهم الرغبة في محاكاة أفعاله واتباع خطة سيره.
ولما كانت الروايات مقصود بها تهذيب الطباع وتثقيف الأخلاق وإفادة الناظرين كان لا بد فيها من براعة الإنشاء وحسن النسق في التأليف وإيراد حوادثها بكلام فصيح وتعبير رشيق يؤثر في النفوس ويكون له في قلوب السامعين وقع حسن. ويجب مع ذلك أن تخلو الرواية من الألفاظ البذيئة والتعبيرات السفيهة، وأن يحافظ فيها على الآداب وقواعد التهذيب؛ لكي تتم بها الفائدة. ولسنا ننكر أن الروايات التمثيلية مطلوب فيها شيء آخر وهو تسلية الخواطر وإبهاج العين والناظر وتشنيف الآذان ولهو البال. وبالنتيجة فإن هناك غاية أخرى غير الاستفادة، فهي قضاء ساعة طرب وسرور. فإذا لم تكن الجوقة الممثلة مستعدة كامل الاستعداد من حيث الأهلية للتمثيل والعلم بمواقع التأثير، مع لمحة جمال على وجوه الممثلات ورخامة صوت وحسن غناء في أفواه المغنين والمغنيات لم تف بالغرض المقصود ولم تأت بالغاية المرغوبة.»
13
أما نقد النصوص المسرحية، فكان له نصيب أيضا من مقالات مجلة «الراوي»، عندما قالت في 1 / 9 / 1888، تحت عنوان «رواية عواقب الأمور في الحسد والغرور»: «هذا عنوان كتيب ليوسف أفندي جورجي المحامي أمام المحاكم الأهلية، لفقه قصة لا يعرف أولها من آخرها، وأصدرها في ثوب من اللغة خلقة اتسعت فيه الخروق حتى عجزت عنها إبرة الرافئ. وإنا نأخذ على حضرة الكاتب تعرضه للتأليف دون أن يكون على استعداد لشيء من أنواع الإنشاء، فإنك ترى الرواية مشحونة بالأغلاط المتنوعة الأشكال حتى تكاد لا تخلو فيها عبارة من التشويش والغلط. فنحن وإن نكن نثني على همته ونشكر له سعيه في طريق الأدب إلا أننا ننصح له أن يقرأ أولا قواعد اللغة ويطالع كتب الإنشاء فتحسن عبارته وتسلم جملته، ثم يكتب ويؤلف.
هذه كلمة نسوقها على سبيل التذكير والنصح راجين من صاحب الرواية غض الطرف عما رميناه به، فما هو إلا صادر عن إخلاص نية وصدق خدمة للآداب وذويها والله المستعان. وما نخص بهذا القول رواية جناب المحامي، فقط بل نوجهه على حد مثل من يخاطب الجارة لتسمع الكنة، فلقد اطلعنا عند أحد الأصدقاء على كتاب ضخم الحجم كبير القطع عنوانه رواية «زنوبيا» نموذج السيدات فخبط في كتابته خبط عشواء وجاء فيه بعبارات مشوشة مشحونة بالأغلاط وحشاه من الألفاظ العامية ما جعلنا نظن عند أول وهلة أنه قصد به تسلية سائقي المركبات وأمثالهم من أولاد الطرق والشوارع. ولكنا لما رأيناه يستبيح الكتاب عذرا في تطفله على مائدة التأليف وعفوا عما ربما يقع له فيه من الهفوات، علمنا أن صاحبنا ممن يحسبون التأليف جمع كلمات إن طابقت قواعد اللغة أم خالفتها. ثم رأينا له في ختام كتابه الذي جعل ثمنه الزهيد ثلاثة فرنكات إعلانا عن رغبته في طبع كتاب آخر من مثله، وأنه لا يضعف همته ما قد يراه من انتقاد البعض على عمله أو عدم استحسانهم له.»
14
وتتوالى المقالات النقدية المسرحية بعد ذلك في شتى الأمور، ففي 1 / 12 / 1888 نجد مجلة «الراوي» تقول تحت عنوان «التمثيل»: «... إن للنظام والتدريب تعلقا عظيما في شأن إتقان التمثيل، وهذا الأمر متوقف على دراية وخبرة مدير الجوق، فإذا لم يكن هذا المدير ممن يحسنون التمثيل ويعرفون بمواقع الإجادة والغلط فلا يتم للممثلين إتقان ولا يسيرون في طريق الكمال. وبقي أمر خطير عليه وحده يتوقف إتقان العمل ... الموسيقى التي ترافق نقراتها نغمات المغنين فتعينهم على حسن العمل وتوقع في نفوس السامعين طربا ورهبة يتمان حركات الممثل ويكملان معنى كلامه ... ثم إن اختلاط مواضيع الروايات عندنا لعثرة في سبيل مهارة الممثل، فإن الرواية العربية الواحدة تجمع بين المضحكة والمحزنة والنثرية والشعرية والغنائية والجدية والهزلية إلى آخر ما هنالك من أنواع الروايات التمثيلية التي لا يمكن قط لفرد أن يتقن ألعابها كلها ... فلو جهد كتابنا المشتغلون بخدمة الأدب في حصر موضوع الروايات وتقسيم أنواعها وترتيبها على نظام روايات الإفرنج وجعل ممثلين مخصوصين لكل ضرب ... لصحت عندنا الحالة ... فلقد ثبت إذن أن أمورا ستة [مطلوبة] لمن يطلب الإصلاح في فن التمثيل ... فأولها: حسن الوضع من حيث الإنشاء والتبويب. وثانيها: خلو الروايات من الألفاظ البذيئة مع المحافظة على الآداب وقواعد التهذيب. وثالثها: جمال الوجوه وحسن الأصوات. ورابعها: الموسيقى. وخامسها: حصر الأنواع. وسادسها: حصر الممثل.»
15
وفي 10 / 5 / 1894 قالت جريدة المقطم، تحت عنوان «كلمة في التمثيل العربي»: «... أما صناعة التمثيل فلم تزل منحطة عندنا بالنسبة إلى ارتقائها عند الأوروبيين، لا لعيب في اللغة العربية ولا لقصور في واضعي الروايات؛ بل لأن الذين يبرعون في صناعة التمثيل نفسه قلائل جدا في كل مكان، وهم من النوابغ الذين يعدون على الأصابع كالنوابغ في الغناء والنظم والتصوير. وهؤلاء النوابغ إن وجدوا عندنا لا ينتظمون في سلك الممثلين رجالا كانوا أو نساء، ما لم يروا التمثيل مرفوع المنزلة كثير الربح ... فمتى صار للتمثيل عندنا هذه المنزلة أقبل عليه كل من فيه الملكة الطبيعية لإتقانه. إلا أن التمثيل لا ينال هذه المنزلة ما لم يوفق أولا بأناس من هؤلاء النوابغ يرضون بما فيه من الضعة ويعلون مناره بأنفسهم ويدرسون قواعده في أشهر دور التمثيل، حتى يبتدئوا من حيث وصل الأوروبيون لا من حيث ابتدءوا منذ مائة عام.»
16
وعن عرض مسرحية «حسن العواقب»، قالت الجريدة أيضا: «... إن هذه الرواية جمعت أشتات الحكم والمواعظ ورقيق الأشعار وبليغ الأمثال، وذلك كله مما أعاره الحاضرون سمعا وقدروه قدره. وحبذا لو نقح بعض الكلام الذي قاله غضوب على أثر رميه سعادا بالرصاص حتى لا تخجل العذراء من تلاوته كله على مسمع من أبيها وأمها! وحبذا أيضا لو ملحت الرواية بفصل هزلي وزيد فيها الغناء ولو في دار الحريم! وهي فيما سوى ذلك من أفضل الروايات التمثيلية التي سمعناها، فلمؤلفها مزيد الشكر. هذا من قبيل الرواية نفسها، أما الممثلون فالوالي والأمير طاهر وزوجته وابنته والأمير سعيد وعليهم ما دار أكثر التمثيل أجادوا غاية الإجادة. والوالي رزين حكيم برعيته شأنه شأن ولاة المشرق المشهورين بالعدل والدعة، وحبذا لو زاد صرامة في معاملة القائد فإن ذلك أوفى إلى العدل. والأمير طاهر همام مقدام، وهو روح الراوية وبيت قصيدتها، وقد مثل استبداد المشارقة في بيوتهم كما مثل الوالي عدلهم في رعايتهم. وزوجته أبدت من الحكمة والرصانة وحسن النظر في العواقب من المجاهرة بالرأي مع الحشمة والدعة ما مدحها عليه الحضور. وكذا الأمير سعيد والسيدة سعاد فإنهما عمدا الرواية والمعتمد فيما فيها من الغناء والطرب وبث لواعج الوجد والهيام وإظهار العفة والبسالة والإقدام، وقد أجادا فيما مثلاه غاية الإجادة ...»
17
وفي 19 / 5 / 1894 قالت جريدة المقطم، تحت عنوان «التمثيل والمراسح لأحد وجهاء البحيرة»: «... وإذا قابلنا فن التمثيل عندهم [أي في أوروبا] وفن التمثيل عندنا وجدنا بونا عظيما؛ لأننا إذا ترجمنا رواية من رواياتهم اجتهدنا في مسخها لا نسخها، وحولنا معناها الأصلي والقصد الجليل الذي وضعت لأجله وضمناها أبياتا شعرية لا معنى لها ونكاتا هزلية ولو كانت من نوع الروايات المحزنة، وغضضنا الطرف عن تضمينها الآداب والحكم التي تهذب الأخلاق وتؤسس المبادئ الصحيحة في العقول. وإذا دخلنا مرسحا أوروبيا رأينا الحضور فيه شاخص الأبصار منتبهين إلى كل ما يقال، فيستحسنون الحسن ويستنكرون القبيح. وبخلاف ذلك مراسحنا الشرقية؛ فهي عبارة عن مجتمعات لقضاء الوقت سدى، ولا يقصدها إلا من أحب أن يمتع طرفه بما حوله أو يشنف آذانه بسماع الأغاني العشقية والنكات الهزلية. فإن بكى الممثل وانتحب ضحكوا وقهقهوا وإن كره الحياة وانتحر صفقوا وهللوا ...»
18
وفي الفترة من 18 / 10 / 1894 إلى 3 / 1 / 1895 كتب توفيق عزوز بجريدة السرور مجموعة مقالات تحت عنوان «فن التشخيص في مصر»، قال فيها: «... أما فن التشخيص فيمتاز عن غيره ... بعدة مزايا ... أولا: بالنظر لما له من الوقع الحسن والتأثير الكبير في النفوس ... ثانيا: لتعميم فايدته على عموم الناس من عام وخاص ودان وقاص. وليس يخفى أن عامة الأفراد في كل أمة هم في الغالب أكثر من الخاصة ولا شك أنهم هم الأحوج إلى تدميث الأخلاق وتقويم السلوك أكثر من غيرهم إن لم أقل دون سواهم، فأنى لمثل هؤلاء القوم أن يتثقفوا ويتهذبوا مع جهلهم بالقراءة والكتابة وعدم إمكانهم فهم كلام خطيب مصقع ... ثالثا: لأنه لا يورث الملل والكلل شأن غيره من الوسائل الأخرى كمطالعة الكتب المطنبة أو سماع الخطب المسهبة ... رابعا: لأنه سريع النفع وشيك الفائدة مضمون النتيجة ... ولكنني أقول ... إن مداومة الحضور إلى مراسح التشخيص بضع دفعات متواليات مدة ليست بمديدة وسماع بعض روايات ليست بعيدة يكفي للقيام بهذا التغيير الخطير أعظم قيام. خامسا: يمتاز فن التشخيص أيضا ... بمزيد الهمة ألا وهي بأن وقايع رواياته ومناظرها شديدة الرسوخ في الذهن بمعنى أنها لا تبرح من مخيلة الناظر ولا تغادر ذاكرة السامع ... ولذا ترى أن أهم المسائل التاريخية الكثيرة الوقائع البطيئة الحفظ السريعة النسيان إذا شخصت في المرسح بمرأى وعلى مسمع من الناس يتذكرونها برمتها ولو بعد حين. سادسا: يمتاز فن التشخيص أيضا عن سواه، لأن فيه نوع من الاقتصاد في النفقات؛ إذ إن من رام أن يتعلم التاريخ برمته يتكلف مئونة جلب الكتب والأساتذة ... وكل هذه أمور تحتاج إلى مبالغ طائلة ... ولكن من رام حضور مرسح تشخيص لا يصرف إلا دريهمات معدودة تقوم مقام كل ذلك. سابعا: أنه يوفر للإنسان جانبا من الصحة والوقت اللذين هما أثمن كل ثمين ... (عيوب مراسحنا التشخيصية) ... وتلك العيوب في حوزتها تنقسم إلى قسمين: عيوب تنسب لواضعي الروايات التشخيصية ومؤلفيها، وعيوب تنسب لمشخصيها ومعلميها. وأكبر العيوب التي يرتكبها مؤلفو الروايات التشخيصية هو وضع رواياتهم في قالب لا يفيد البسطاء الذين هم أحوج الناس إلى الاستفادة ... وهناك عيب آخر يرتكبه أولئك المؤلفون وهو أنهم يدخلون في رواياتهم مسائل خرافية لا حقيقة لها ربما رسخت في أذهان البسطاء وظنوها حقائق لا ريب فيها ... من هذا القبيل رواية «محاسن الصدف» و«أنس الجليس» و«هناء المحبين» ... ومن أكبر العيوب أيضا ترجمة الروايات الإفرنجية؛ لأن عوايد أهالي تلك البلاد تخالف عوايدنا فما يفيدهم ... لا يفيدنا ... أما عيوب المراسح نفسها فهي؛ أولا عدم وجود روايات كافية في كل مرسح ... وهناك عيب آخر وهو عدم جعل الملابس التشخيصية من جنس وقايع الرواية؛ فبينما تكون وقايع الرواية فرنساوية وإنكليزية ترى الملابس عربية أو تركية ...»
19
وفي 17 / 1 / 1898 كتبت جريدة البصير مقالا تحت عنوان «عود إلى التمثيل»، تحدثت فيه عن أسباب تأخر الفن المسرحي في مصر، ومن هذه الأسباب: الحكومة والفرق العربية ومؤلفو المسرحيات، فقالت في ذلك: «... أما الحكومة فلأنها أعطت هذا الفن الجليل كل الإهمال، وشحت على أربابه بقليل من كثير مما تنفق على الأجواق الأوروبية، فهي بذلك ملومة كل اللوم بل لا أستحي إذا قلت إن عملها هذا يشينها ويحط كرامتها في أعين أبنائها فضلا عن الأجانب. وأما الأجواق العربية فلأن غالب الممثلين فيها من طبقة لا يفهمون معنى ما يحفظون فلذلك يجيء تمثيلهم ناقصا؛ ولأن كثيرا من الروايات التي يمثلونها مكتوب على نسق المقالات لا نسق الروايات فتراها منسوجة بالسجع البارد المتكلف الذي يبعد التمثيل عن الشكل الطبيعي ويضيع تأثيره المقصود؛ ولأن مديري هذه الأجواق أكثرهم ممن لم يأخذوا هذا الفن عن أصله بل اكتفوا بمزاولته بأنفسهم. والذي يسمعني أقول أجواق ومديرون يحسب أن بلادنا ملأى بهم! والحقيقة أن الموجود لدينا منهم ثلاثة أجواق: الجوق العربي المصري لإسكندر أفندي فرح، وجوق الشيخ أبي خليل القباني وجوق قرداحي أفندي. أما جوق قرداحي أفندي فمتجول في الأرياف ولا أعرفه وما شهدت تمثيله مرة لأذكره بالحسنة أم بالسيئة. وأما جوق الشيخ أبي خليل فقد اشتهر بوجود السيدة ملكة سرور المطربة فيه أكثر من اشتهاره بالتمثيل. ولا أقصد بذلك الحط من مقام هذا الفاضل فإني والله يعلم أحبه لأدبه ودماثة خلقه وأعتبره لما أرى من اجتهاده وسعيه الدائم مع تقدم سنه في خدمة هذا الفن، ولا أنكر أن كثيرا من رواياته حسن المغازي أدبي النتائج، كان يمكن أن يؤثر في المشاهد التأثير المطلوب من اتباع الفضيلة واجتناب الرذيلة لولا ما أنكره عليه من ضياع الفصاحة في أكثر هذه الروايات؛ فإنها مكتوبة بالعبارة الضعيفة والسجع المتكلف، ولا يخفى أن اللغة لها التأثير الأول على النفس، فلا تفعل حكمة باهرة في عبارة نافرة ولا يؤثر الوعظ الشائق إلا في اللفظ الجزل الرائق، وفي قوله إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا خير شاهد على ما نقول. أما جوق فرح أفندي فشهرته في أمرين: جودة الروايات، وبراعة الممثلين. ومرجع هذين الأمرين إلى شخصين هما: الشيخ نجيب الحداد أحسن المؤلفين في هذا الفن عندنا، والشيخ سلامة حجازي أبرع الممثلين وأفضل الموسيقيين فيه ...»
20
وفي 27 / 1 / 1898 استكملت جريدة البصير مقالها السابق، قائلة تحت عنوان «التمثيل»: «لقد ارتكبت في الكلام عن التمثيل وسبب تأخره وانحطاطه عندنا خطأ كبيرا؛ إذ عزوت ذلك إلى أسباب ثلاثة هي: الحكومة والأجواق العربية والمؤلفون، ونسيت أهم هذه الأسباب وأحقها بالذكر وهو الشعب. وأريد بالشعب الوسط والعامة منه ... فإن هؤلاء هم الشعب كله وهم الذين يرقون بلادهم وينشئون مجدهم ويحيون معالمهم، وهم الذين يوجدون في الشعب كتبة وعلماء وشعراء ومخترعين ومكتشفين وقادة أفكار وقادة حروب ورجال همة وأرباب عزيمة ... إذن الشعب أهم أسباب تأخر التمثيل ... أريد بالشعب الوسط والعامة منه فهؤلاء أحبابنا وإخواننا وعليهم معتمدنا وفيهم تحقيق آمالنا، وإن كان القسم العظيم منهم تائها في ميدان اللهو ونزق الشبيبة مقبلا على محال البطالة وحانات الخمور وأندية اللعب مدفوعا إلى ذلك بعامل الشباب ... وهذا هو أكبر سبب في بقاء التمثيل على حاله من التقهقر والضعف فإنما قوام الأجواق بالحضور من هذا الشعب الذين يكثرون التردد عليها، ولو عمت هذه الرغبة الشعب كله أو نصفه أو ربعه لكفى ذلك لعمران أجواقنا وغناها، فنتج عن ذلك إتقانها فجودة الروايات فجودة المؤلفين، وعقب ذلك نهضة أدبية في الشعب ...
إن معظم الشعب جاهل قدر الروايات التمثيلية، وجهله هذا هو أحد أركان تأخر هذا الفن الشريف، فلو أبدى الشعب رغبة وتشوقا إلى حضور الروايات لترتب على ذلك نجاح التمثيل فنجاح الأجواق فنجاح المؤلفين، ولا يمضي زمن حتى يكون لنا من أرباب هذا الفن عدد نفاخر به ونباري سوانا من الأمم ... فاليونان يفتخرون بهوميروس وأوربيدس وسواهما أكثر من افتخارهم بذي القرنين الكبير. وتعتز فرنسا بكورنيل وراسين وفولتير وهيكو وغيرهم من فحول الكتاب والشعراء أكثر من اعتزازها بكوندي ونابليون. وتفتخر إنكلترا بشكسبير وحده أكثر من افتخارها بنلسون وغيره من مشاهير القواد، وأعظم من افتخارها بالملكة فيكتوريا العظيمة. بل إن هذه الملكة نفسها تعظم هذا الشاعر وتعيد مع الأمة في عيده العظيم ... فلا يطلب منا إلا الإقبال على حضور هذه الروايات وتشجيع مؤلفيها وتنشيطهم حتى إذا رأى الغرب أن في الشرق نورا يضيء من أدمغة المؤلفين وأفواه الممثلين ذكر الشعب الشرقي بالمديح والثناء، فوقف الغربي من الشرقي موقف الرجل من الرجل لا موقف الشيخ من الغلام.»
21
وفي 1 / 8 / 1898 قال نقولا الحداد في جريدة الثريا تحت عنوان «التمثيل وفلسفة تأثيره»: «... ما التمثيل إلا معرض تستعرض فيه العواطف والفضائل والرذائل والعوائد والأخلاق، فكما يبتهج الناظر باستعراض المناظر الجميلة هكذا تبتهج النفس باستعراض العواطف الواضحة في صور الملامح البدنية. ولا يخفى أن العواطف تتفاهم بلغة الملامح، فبقدر ما يجيد الممثلون في إظهار إحساسهم وانفعالاتهم المقتضية أدوارهم يتأثر المشاهدون وتتحرك عواطفهم تبعا لملامح الممثلين. فالتأثير من التمثيل غير متناه لأن الإجادة فيه غير متناهية أيضا؛ ولهذا لا نعجب إذا رأينا الحضور في الملعب يذرفون الدمع مدرارا إشفاقا على الممثل إذ يمثل دورا محزنا، أو يطفرون فرحا مع الممثل إذا كان فرحا مسرورا؛ لأن العواطف تحاكي نظراءها ... وهنا مهارة الممثلين إذ إنهم يلعبون بعواطف الحضور ... والعجيب أن الأجواق المتقنة لهذا الفن تفعل في النفوس ما لا تستطيع فعله الحوادث الحقيقية؛ أي إنه كثيرا ما يؤثر تمثيل رواية ما بالحضور تأثيرا لا تؤثره حوادثها لو جرت فعلا. ولهذا يعتبر أن للتمثيل قوة فعالة في تغيير الأخلاق تبعا لغايته ...
ولا ريب في أن القارئ يزداد عجبا على عجب إذا قلت إن السر في تأثير التمثيل إنما هو «التمثيل»، ولكيلا يتسرع بالتهكم قائلا «وفسر الماء بعد الجهد بالماء» أقول: إن المراد بلفظ التمثيل الأخير إنما هو المجاز توسعا وأعني أن السبب في تأثير التمثيل كونه شيئا مجازيا لا حقيقيا لاعتبار أن المجاز أوقع من الحقيقة، ولإيضاح ذلك أقول: إن ألذ ما ترتاح إليه النفس وتتحرك له العواطف هو الفنون الجميلة وأساس أكثرها «المجاز» أو تقليد الحقيقة أو تمثيلها، وهو السبب في جمالها. فالتصوير والرسم إنما هما تقليد الحقيقة أو تمثيلها. والشعر مداره على المجاز الذي هو استعارة أجزاء حقائق لتمثيل شيء موهوم ممكن أو مستحيل، وهذا التمثيل هو مجاز أو تقليد للحقيقة ... احتمال أن يكون المجاز أكمل من الحقيقة والتقليد أتقن من الشيء الأصلي والاصطناعي أتم من الطبيعي؛ لأن الممثل أو المقلد أو المصطنع يجمع كل المحاسن ويغفل كل العيوب ...
إن الرواية التمثيلية تكون مجموع وقائع مستغربة ومعجبة بيد أنها غير مستحيلة الحدوث فيفعمها المؤلف من المصادفات والنوادر والاتفاقات الممكنة التي لم يسمع وقوع مثلها، ويجمع فيها كثيرا من الحوادث المهمة والمؤثرة مغفلا الوقائع الزهيدة التي لا قيمة ولا تأثير لها، ثم يرتبها ترتيبا ملائما ذا وقع حسن فتأتي معجبة ومدهشة من طبعها. ولذلك يكون للرواية الاختراعية مزية على قصة الحادثة الحقيقية بأنها جامعة للحوادث الغريبة وخالية من الوقائع التافهة.
نقولا الحداد.
ومهما كانت الحوادث الحقيقية نادرة ومستغربة ومدهشة فالراوي يقدر أن يتفنن في وضع الرواية حتى تفوق الحادثة الحقيقية كمالا وجمالا وتأثيرا. ثم إن أحاديث الرواية تمتاز بفصاحة لغتها وبلاغتها وتوفر العبارات المؤثرة فيها والأفكار الفلسفية والحكمية السامية والنكات اللطيفة ونحو ذلك مما يخلو بالكلية من الحادث الحقيقي ... ثم إن للممثلين العمل الأهم في قوة التأثير، والماهرون منهم يفوقون بإتقان تمثيل أدوارهم الأشخاص الحقيقيين الذين جرت الحوادث معهم فعلا؛ وذلك لأن الممثل يتمرن على تمثيل دوره حسب مقتضاه حتى تصبح ملامحه وحركاته البدنية طوع إرادته، فيمثل دوره على أتم ما يمكن بدون تكلف أو تصنع حتى يفوق شخص الحادث الحقيقي في إظهار عواطفه والتعبير عن حاساته وانفعالاته النفسانية ... وللمشهد عمل في التأثير إذ يكون مطابقا لوقائع الرواية فتتغير مظاهره بتغير الدور. ومثله الملابس أيضا إذ توافق أحوال الرواية وزي العصر والبلاد اللذين تنسب إليهما. وإذا استوفى التمثيل جميع هذه الكماليات المتقدمة تعاضدت كلها على تصوير الحادث المقصود بأكمل ما يكون وتناصرت على إظهار القصد المراد وتعبير المعنى المقصود تعبيرا تفهمه القلوب فتحرك به عواطف الحضور، وذلك هو سر تأثير التمثيل.»
22
وفي 2 / 8 / 1899 قالت جريدة مصر: «... حضرنا أمس تمثيل رواية «أوتلو» التي وضعها شكسبير الشاعر الإنكليزي الطائر الصيت في مرسح العتبة الخضراء، يمثلها جوق حضرة الممثل البارع سليمان أفندي القرداحي، فعرفنا من تفنن أوتلو في إلقائه وتمثيله ومن إحسان يعقوب في تحايله أن التمثيل العربي قد يمكن أن يبلغ يوما من الأيام الدرجة التي يناظر بها التمثيل الإفرنجي ، بالنظر إلى استعداد المشتغلين بهذا الفن وقابليتهم للتقدم والارتقاء ولقلة مؤلفي الروايات في الشرق قياسا على فقر الأجواق العربية. وعدم وجود شعب ينشط هذا الفن الجميل ويرقيه تجد الروايات التمثيلية قليلة لا تتجاوز الطيبة منها اثنتين أو ثلاثا. ولخوف أصحاب الأجواق أن يمل تمثيل رواية تجدهم يبدلون أسماءها، كما اضطر ممثل «أوتلو» أمس أن يلقب هذه الرواية التي طبقت شهرتها الآفاق بأم العجائب والغرائب أو رواية «الخائن سيده»، وهذا لا يمكن تلافيه إلا بتقدم هذا الفن وغناه الذي يحمل كتاب العربية بعدئذ على الانصراف إليه بمؤلفاتهم وبنات أفكارهم ...»
23
نماذج من المسرحيات العربية
مسرحية «شارلمان»
الفصل الثالث
شارلمان :
جرال قد كشف لنا السكسوني الأمر ... إن التوفيق خالفك وأنت في أول الرجاء، وكان ينقص مجدك يا جرال الصبر والاحتمال. وإني قد عرفت الأمر منذ أمس ووازنت بين الجريمة والاستحقاق فرأيت أن إحساناتك رجحت سيئات أبيك. وكفاك فخرا أنك أعدت مجد فرنسا وأدركت ثار رولان الذي رأيته أنا تحت ظلال الأشجار الضخمة في ساحة رونسفو، فضممته وهو ملطخ بدمه وأقسمت أن أبكيه ما حييت. ثم طلبت حسامه فلم أجده واشتد علي ذلك؛ لأن رولان كان قد عهد أن يدفن سيفه معه. وقد استولى عليه العدو وأعيانا تخليصه، ولك وحدك الفضل في استرجاعه، وسيعود هذا الحسام في ضريحه. فافخر إذن أيها الهمام وتبوأ المنزلة التي أنت لها أهل بين أولادي. وأنت يا ابنتي يا برت أصيلة المجد تكلمي فذلك حق لك!
برت :
وما الداعي إلى ذلك يا سيدي، كلمة واحدة تكفي: الهيكل معد وأنا مستعدة. هلم جرال هلم! لماذا تخفض رأسك؟ لا، لماذا تحول نظرك جرال؟ ما هذا السكوت؟ أعندك في ودادي ريب؟ أتريد أن أرفع صوتي مصرحة؟ سيدي، أنا أحب جرال بمقدار ما أجله وقد زدت فيه حبا؛ لأن هذه النائبة التي حلت به لم تنقص من عزمه. فهلم الآن يا جرال.
شارلمان :
هلم جرال واقتبل يد برت ثانية!
جرال :
سيدي إني شاكر لك في نفسي ولكني أرفض هذه النعمة الأخيرة.
برت :
يا رباه ... جرال!
جرال :
اسمحي أن أبسط سريرتي لديك في حضرة الملك. نعم يا سيدي، إني لا أكون مستحقا لهذه النعمة الجسيمة إن لم أرفضها. فإني اسمع في نفسي هذا الصوت الذي لا يكذب: أنا ابن الذنوب لا ابن التوبة، وأحب أن يكون القصاص أكبر من الذنب. وأن يقاص الابن البريء نفسه ليكون العفو عن الأب أحق. وخير لي أن أجرح بيدي قلبي، وإن لم أفعل يقال إني لم أكفر ذنوب أبي، كما أن أبي يهاجر وأنا أرافقه، ومن العدل أن نكون دائما معا.
فليعتبر من كان ذا نظر
ولينتبه من نومه من رقد
ومن له وسوس إبليس من
يعذر فلينظر بعقبى الولد
إن ذنوب الوالدين إلى
أبنائهم تنقل يا ذا الرشد
برت :
أنت راحل يا جرال؟
جرال :
نعم برت.
برت :
آه إن كنت تحبني لا تكن قاسيا.
جرال :
أنا لا أجسر أن أحبك.
برت :
وأنا جرال ... أنا ... ما ذنبي لتعاملني بهذه القساوة؟
جرال :
ما خصمنا إلا القدر.
برت :
لا تجاره على ظلمه واحرص على السعادة!
جرال :
أيحلو لك خجلي؟
برت :
انظر إلى المستقبل.
جرال :
الماضي نصب عيني.
برت :
ما من ينظر إليه غيرك! ألا يكفيك عفو الملك؟ أم تريد أن تسمع صوت أبي من أعماق قبره أو من أعالي مقامه في السماء مصرحا بالعفو والرضا! أستحلفك يا جرال باسم أبي رولان!
جرال :
اخفضي صوتك أو يسمعك أبي كانلون.
برت (ساقطة بين ذراعي تابعتها) :
آه، قطع الرجاء.
من لم يذق في الناس كأس فراق
لم يدر كيف مصارع العشاق
قد كان كأس الفراق بقية
فشربت وحدي كل ذاك الباقي
يا من يلوم على الأسى إن الهوى
يومان: يوم نوى ويوم تلاقي
وافى النوى فجرت بوادر أدمعي
ومن الوداع فضيحة المشتاق
لا تحسبوا دمعا جرى من أدمعي
هذا فؤادي سال من آماقي
جرال :
سيدي خذ بيدي فبكاؤها أعياني. كنت آملا أن أنال ابنة رولان وأما الآن فهذا الأمل قد كرهني بنفسي لكوني ابن ... يا رباه! لا لا، هذا لا يكون، اليوم تراني بعين الشفقة، ولكن غدا!
شارلمان :
أصبت يا جرال، إني لا ألومك على هذه الشهامة، ولكن هذا قضائي الملكي النهائي. أمس سلمتك جوليس لتسترجع درندال، واليوم أصنع فوق ذلك؛ فإن بسالتك تقتضي جزاء أعظم، فأريد أن يكون درندال لك. ولو كان رولان حيا لسلمك إياه، فهو ظمآن لورود دم الأعداء، فأنت أهل له. فاسقه نهلته من دمهم، حتى إذا بلغت فيه منانا وطردت به عدونا من المغرب إلى المشرق تعيده إلى قبر رولان.
جرال :
نعم إلى قبره إلى أكتينا، ثم أذهب لألتقي المنية في مكان أقصى.
برت :
وإذا باعدتك المنية؟
جرال :
أجد في طلبها حتى أدركها.
برت (بعد سكوت طويل) :
مناسب، كن كما شئت فإن من تحبك تماثلك، وقد خلق الله قلبينا متشابهين وهو وحده يجمع بينهما. أستودعك الله يا جرال!
شارلمان :
أيها الأمراء والأبطال اخفضوا رءوسكم لديه فهو أعظم منا. «تمت» .
1
مسرحية «مدهشات القدر»
الفصل الخامس
الأمير :
سبحان من يرث الأرض ومن عليها! يولي ويعزل ويعز ويذل بيده الخير وهو على كل شيء قدير. هذه نتيجة سوء استعمال النعم ... ليأتي شمس الدين فقد تم الأمر. (يذهب البعض لإحضاره.)
شمس الدين :
السلام على الأمير.
الأمير (يقوم لملاقاته) :
وعليكم السلام (يجلس ويجلسون)
أيها الأمير، الدنيا أدوار، لك دور وعليك مثله، وعلى الباغي تدور الدوائر. يلزمك أن تسلم سيفك للغالب.
شمس الدين (يقوم وينزع السيف ويقدمه للأمير) :
هذا سيف عدوك مسلم إليك.
الأمير :
إنما يسلم المغلوب للغالب، فلتسلم سيفك للأمير حازم.
شمس الدين (لحازم) :
بالأمس كنت أميرك آمرك في هذا المكان، واليوم أسيرك مغلوبك فيه يقدم لك السيف.
حازم (لشمس الدين) :
نعم، ذلك كان حيث كنت أنا الغريب وأنت الأمير، أما اليوم فأنا حازم وأنت الخائن. أمهلك الله وما أهملك فرد الحق لأهله ورد الفرع لأصله وجازى كل ذي فعل بفعله.
الأمير (لحازم) :
عنك يا حازم كفاك أخذ السيف فاجلسا.
حازم وشمس الدين :
أمرك (يجلسان) .
الأمير :
يا شمس الدين، ماذا فعلت بمولاك الأمير أرسلان؟
شمس الدين (لنفسه) :
ويلاه! ذهب المال والملك وهذه مقدمة ذهاب الحياة (للأمير)
لا أعلم شيئا جرى عليه إلا أنه ترك أهله وسافر، ثم بلغنا أنه توفي إلى رحمة الله. وتزوجت أهله فبقيت معي نحو سنة واختارها الله، ولي منها بنتها أمل.
الأمير :
ليس الأمر كذلك، بل أنت دسست عليه فقتلته غيلة في طريقه، وورثته في ملكه وماله وحرمه وقتلتها تسميما ليخلص لك كل شيء. فعلت كل ذلك فاعترف!
شمس الدين :
إذا كانت الغاية قتلي فلا حاجة للاحتجاج. وإذا كان القصد الوصول إلى الحقيقة فالواجب البحث عن الثبوت.
الأمير :
لتحضر الأميرة والمربية.
حازم :
أمرك المطاع (يذهب) .
الأمير :
أولى لك الاعتراف والقتل من أن تذوق مر العذاب.
شمس الدين :
أيها الأمير! افعل ما بدا لك فالخطب يسير.
حازم :
ها هما يا مولاي.
الأمير (لأمل) :
اجلسي يا صاحبة الدم، (لأمينة)
ماذا تشهدين على شمس الدين وما فعله مع مولاه أرسلان؟
أمينة :
الذي أشهد به أن شمس الدين دس على الأمير والأميرة فقتلهما وفرق من كان من خدمهما وأهلك البعض، وما عشت إلا بالكتمان والمداراة كل هذا الزمان.
الأمير (لشمس الدين) :
ماذا تقول في هذا الكلام؟
شمس الدين :
ما هذا العدل، أتقتلني بنصف شهادة؟
الأمير :
لقد ظننت أن التعالي علمك شيئا من شيم الأعالي فإذا به لم يزل ثوبا عارية تنتزعه بلا تكلف. ولهذا كنت أكتفي منك بالكلام فإذا بك تزاحم العوام. فقم يا شيخ السوء مقام الخادم! (ينظر إلى بعض الجند)
أقيموا هذا. (الجند يتبادرون فيقيمونه.)
الأمير (للجند) :
لينزع ما عليه من زي الأمراء. (الجند ينزعونه.)
الأمير :
الآن تستنطقك السياط.
همام :
أيها المولى الأمير، أشهد أن شمس الدين قتل الأمير أرسلان بيد والد الأمير سعيد هذا.
سعيد (للأمير رحيم) :
الحق أقول إن والدي قتل الأمير أرسلان بأمر شمس الدين.
الأمير (لشمس الدين) :
هذان من شيعتك وقد شهدا عليك، فماذا تقول؟
شمس الدين :
الآن حصحص الحق اعلم أيها الأمير أنني قتلت أرسلان وغلبته على ملكه وماله وجاهه وحليلته ثم قتلتها، واتخذت أبا سعيد هذا سكين الذبح ثم قتلته هو، وهذا (مشيرا لسعيد)
الجبان لا يدري. فافعل ما تريد.
سعيد :
أيها الظالم الغاشم قتلت أبي وقتلته وتركتني أعترف بفضلك طول هذه السنين.
الأمير :
لا عذر لمن أقر، خذوه فاقتلوه وعجلوا به إلى سقر وبئس المقر!
سعيد (للأمير رحيم) :
مولاي، إن دم الخائن لا يؤخذ في دم الطاهر البريء، فمرني أن أكون القاتل لهذا الخائن ثم أقتل. (لأمل)
أيتها الأميرة اشفعي لي عند الأمير بأن أقتل شمس الدين ثم أقتل! (لحازم)
أيها الأمير المحسود عندي اتخذني سكين ذبح هذا الوجود النجس ثم خذوا ما شئتم من حياتي.
الأمير (لسعيد) :
كن سيافه وخذ لنفسك حظها، فنحن لا نطلب بدمنا من خادم خائن.
سعيد (لشمس الدين) (يتقدم ويمسك شمس الدين ليقتله) :
استعد إلى النار.
شمس الدين (لسعيد) :
أما كان غيرك أولى بهذا منك؟
سعيد (لشمس الدين) :
الدم حي يا ظالم، قمت تذكرني بحق إحسان بعد هذا الامتهان! لا لا.
لا تنس بالإحسان سيئة مضت
فالكلب بالإحسان ينسى السيئة (ثم يضربه بالسيف فيموت لوقته.)
الأمير (للجند) :
خذوا هذا الجسد الخبيث! (لحازم)
يا حازم ويا أمل وأنت يا ثابت إن الله مكن لنا من عدونا وأقدرنا عليه، والقدرة نعمة شكرها العفو عن العاجز، وهؤلاء مأجورون فلا تسرفوا في القتل والظلم؛ إن الله لا يحب المسرفين. واشكروا الله إذ جعلكم الغالبين ولو شاء لسلطهم عليكم فاعفوا واصفحوا إن الله يجزي المحسنين.
2
مسرحية «عظة الملوك»
الفصل السادس (تفتح الستار عن ساحة يعد فيها الجلادون آلات العذاب.)
ملك :
سوف تجلى بالانتقام همومي
وأنال المنى بقتل غريمي
أي نعم فليمت بآلات فتك
مثلما قد أزال عني نعيمي
وسوف تظهر الآن هذه الآلات عجائب أعمالها في الخناس. اسحقوه عما قليل أيها الجلادون سحقا، وأمطري عليه أيتها السماء من سحب غضبك زفتا وكبريتا ونارا، واجعلي له في وهدة جهنم مقاما (يدخل أرتانيس) .
أرتانيس :
أبكي على ولدي بدمع جاري
لكن دمعي ليس يطفئ ناري
قتل الشقي ولدي بغير جناية
والآن خذ مولاي منه بثاري
قتل الخناس ولدي من غير جرم ولا ذنب فأورثني نكدا وأضرم في قلبي من الحزن لهبا.
ملك :
خفف همومك يا رئيسا واصطبر
ودع البكا يا سيد الأحبار
فالآن نرباس الشقي ينال ما
تبغي بحد الصارم البتار
أرتانيس :
إن نرباس دون جرم رماني
بسهام الضنى فشكت فؤادي
يا رجائي وبغيتي ومرادي
لك أمري مسلم وقيادي
ملك :
تفضل وأعد الآن حفلة الإعدام حسبما تقتضيه القوانين والأحكام. ستأخذ بثأرك وتطفئ نار الحزن المضمرة في فؤادك ... ها هم الجند قادمون به لهذا المقام. (يؤتى بنرباس مكبلا بالقيود)
اقترب أيها الخائن الماكر، اقترب أيها المخادع.
نرباس :
رويدك أيها الظالم! أي فعل أتيته يستوجب كل هذا القصاص؟! أخدمتي للوطن أو مدافعتي عن الملك في الغارات والحروب؟! أبهذه الخيانة تعاملني على إخلاصي لك؟!
ملك :
لقد اجترمت واجترحت ومكرت وما استفتحت. سأجازيك على سوء مكرك، وتلاقي عاقبة فعلك. اقترب من الساعة التي تزهق الأرواح وترهق الأشباح، فلا يحوم عليك متأسف ولا يندم متلهف. ادن من سرادق المنون الذي يجري فيه دمك كسيحون وجيحون.
نرباس :
لك الله ما هذي الفعال فإنها
تبوء بما يجزي الظلوم لدى الحشر!
أهذا جزائي منك حين أقمتني
لصد الأعادي بالصفاح وبالسمر
بنيت لكم بيتا بحد مهندي
وشيدته من فوق أجنحة النسر
فجر واحتكم واظلم فموعدنا غدا
وإن غدا يأتيك بالويل لو تدري
أرتانيس :
قتلت وحيدي يا شقي وهذه
عواقب من يفري على الناس بالغدر (ويخرج.)
نرباس :
قتلت ظلوما رام قتلي تعمدا
وقابلت فعل الشر يا صاح بالشر
وأنت أيها الملك إذا رمت الإصرار، فلا يقر لك قرار ولا يطيب لك من تبكيت ضميرك عيش لا بالليل ولا بالنهار. ثم إن التي تظنها زوجتي لم تكن إلا أنوش ذات دين وأمانة، تجتنبك وتجتنب الخيانة. فكيف تسلم بنفسها إليك، وقد عاهدت الله شرفا بأن قلبها لا يميل عن العفاف؟!
ملك :
آتوني بالأسيرة وبخادمتها حالا. سوف آمر بقتلها بعد أن أجرعك كأس الردى.
نرباس :
وسوف تصبح مبئوسا على ندم
تبكي الدجى وتنادي آه وا تعسي! (يؤتى بزعفران وأنوش.)
ملك :
ويل لك يا خائنة! كيف كنت تخدعيني بدموعك؟! وقد تيقنت الآن أنني كنت مغدورا بحبي لك بين صبغة حنجور وتزجيج حواجب وتكحيل عيون. سأجازيك الآن على إعراضك، وبحد هذه الآلات أقابلك على وقاحتك.
زعفران :
عفوا يا سيدي فهذه المعشوقة.
ملك :
اقبضوا على هذه الخائنة، وأنت اذهبي حالا من أمامي. ومن ذلك يتضح أنني لم أكن أبدا تائها في غرامي. (يرجع أرتانيس يتبعه كهنة الموت رافعين راية مكتوب عليها: الموت. وكهنة الحياة رافعين أيضا راية مكتوب عليها: الحياة)
انطق يا حبر الأحبار كالمعتاد بالحكم القاضي على المجرمين بالإعدام. (بلحن):
كهنة الموت :
نحن زمر الهول والموت الزؤام
قد رفعنا راية فيها الحمام
من رفعنا راية الموت له
بعد حكم الحبر يلقى هوله
كهنة الحياة :
نحن للبشرى ورمز للنجاة
قد رفعنا راية فيها الحياة
راية بيضاء عنوان السرور
من رفعناها له يلقى الحبور
حبر :
حكمنا، فلترفع راية الموت ولتخفض راية الحياة! (الكل بلحن واحد راكعين.)
الكهنة :
يا مالكا للنواصي، من طائع وعاص، نج من القصاص، من جاء بالإخلاص، أجر من الجحيم، من حرها العظيم، من هولها المقيم، من خطبها الجسيم. (بينما الكل ينشدون يقدم اثنان من الكهنة سراجين إلى حبر الأحبار فيطفئهما شيئا فشيئا في الماء؛ دلالة على أن روحين نفذ فيهما القضاء.)
أنوش :
أشهد على باسط الأرض ورافع السماء أنني بريئة من كل ذنب نسب إلي.
نرباس :
هذا صوت أنوش.
أنوش :
آه نرباس!
نرباس :
يا إلهي، زوجتي!
أنوش :
زوجي حبيبي.
نرباس :
هذا ما كنت أخشاه.
ملك :
أبعدوهما عن بعضهما واقتلوهما.
أنوش :
ألا أيها الفظ الظلوم المغفل
أفق عن فعال الظلم إن كنت تعقل
أفق قد أفاق الظالمون وإنما
تماديك في الظلم الضلال المضلل
سلا كل ذي ظلم عن الظلم وارعوى
وأنت بفعل الظالمين موكل
نرباس :
أتقصد قتلي دون ذنب جنيته
ولم تدر ماذا تلتقي حين أقتل
أهذا جزائي منك من بعد نصرتي
ومنحك مجدا فضله ليس يجهل؟!
وخوض غمار الموت والموت عابس
ونار الردى في ساحة الحرب تشعل
فجر واحتكم واظلم فموعدنا غدا
لدى حاكم عدل يقول ويفعل
ملك :
اقتلوه واقتلوها ولا تبقوا عليهما (بينما السياف يرفع يده لتنفيذ الحكم يسمع صوت رعد شديد ثم يدخل الجيش والشعب هائجين وفي المقدمة طيفور) .
طيفور :
ردوا علينا قائدنا. الويل الويل لمن يجسر أن يوصل إليه أقل أذى (وتظهر وقتئذ الطبيعة) .
الطبيعة :
ألا خائضا بحر المعاصي
ألا احذر يوم يؤخذ بالنواصي
ملأت الشرق طغيانا وجهلا
فمهلا أيها المغرور مهلا
الجميع (نشيد) :
أمرك الفعال يا ذات السنا ... إلخ
الطبيعة :
فيروزاد فيروزاد، ما هذه الفعال أيها الظالم؟ أهذا هو العدل الذي أمرتك بالحكم به؟ أهذه هي الأخلاق الحميدة التي أمرتك بالتحلي بها؟ أهذه هي المحبة التي أمرتك ببثها؟ هل فقدت رشدك حتى لم تعد تميز بين النافع والضار؟ ونبذت ظهريا كل وصاياي وضربت عن العدل صفحا؟ فأي جزاء تستحق الآن فضلا عن عقاب الآخرة أيها الظالم!
ملك :
مهلا مهلا أيتها الطبيعة.
الطبيعة :
فكيف ترى أحكم في العباد
ظلوما قد أضل عن الرشاد
إن الخطر المحدق بك عظيم ولكن عفو الله قريب وهو غفور رحيم، هذا إن عملت بالعدل في رعيتك. فهل تعد الآن وعدا صادقا مقدسا أنك لا تعود إلى هذه الأعمال.
ملك :
نعم نعم.
سلوت عن المظالم والعناد
وملت عن التهتك للرشاد
ولست أعود في إعطا قيادي
إلى نشر الغواية والفساد
بغير الرفق لن أسلك طريقا
وغير العدل لن أحكم بلادي
وإذ آليت لا ينفك دأبي
رعاية أمر ملكي بالسداد
الطبيعة :
بماذا تؤكد صدق هذا المقال؟
ملك :
أؤكده بما أبدي لديك
من الحزن المفطر للفؤاد
وأرسل من دموع العين مزنا
فتطفئ نار ظلم في اتقاد
وأكسر كل آلات أعدت
لتعذيب الكمي حامي البلاد
الطبيعة :
هذا هو جل مرادي.
الجميع :
أمرك الفعال يا ذات السنا
نافذ في الكون من فضل الحكيم
فامنحينا حكمة تبدي لنا
نعمة منها الصراط المستقيم (ينزل الستار على الطبيعة.)
ملك :
الآن عرفت الحقيقة، فشكرا لك يا باسط البسيطة. فهيا أيها الجلادون واكسروا هذه الآلات، وفكوا هذه المشنقة. واطفوا هذه النار أيها الكهنة، فاليوم يوم مهرجان لا يوم عذاب. اليوم نادوا بالأمان أيها القواد . ولترفع المظالم عن العباد ولتنزع من الصدور كل أرجاس ووسواس. فأنا أرد لكم القائد نرباس (تخرج كهنة الموت) .
كهنة الحياة :
نحن للبشرى ورمز للنجاة
قد رفعنا راية فيها الحياة
راية بيضاء عنوان السرور
من رفعناها له يلقى الحبور
ملك :
اسمح لي يا أطهر الناس وأنت اسمحي لي يا ملاكا بريئا من العيوب والأدناس. اسمح لي أن أفك بيدي هذه القيود التي قيدتكما بها ظلما وعدوانا. وتجاوز عما كان مني واقبل عذري وكن وزيري الأول وحاميتي ومن عليه في مملكتي المعول، وشاركني في حكمي وأزل معي المظالم والعلل وساعدني على سد الخلل. وأنتم يا قوم انهضوا جميعكم. وأنت يا بهروز أقم مع المطربين الأفراح للاحتفال بيوم فرح ومهرجان؛ تذكارا لخلاص القائد نرباس. (وتختم الرواية بمهرجان.)
3
مسرحية «مطامع النساء»
الفصل السادس
الجزء الأول (كترين - كاهن) (برج لندره ... ظلمة حالكة.)
كترين :
أهذي حياتي؟! بئس عمري وأيامي
عذاب هموم في عذوبة أوهام
وما هي لذات الحياة وكلها
بكور خطوب أو أصائل أسقام
الكاهن :
قد أمرت من المجلس العالي بتبليغ الملكة الحكم الصارم القاضي بإعدامها، فساعدني اللهم على أداء هذه المهمة وألهمها في هذه الساعة الباقية من حياتها صبرا جميلا! (لكترين)
السلام عليك يا بنيتي.
كترين :
السلام عليك يا أبتي.
الكاهن :
الحكم يا كترين لعلام الغيوب، واعلمي أن هذه الدار دار زوال، فتجلدي ولا تيأسي من رحمة الله وأصغي لما صدر به حكم المجلس العالي.
كترين :
ويلاه يا ربي! حكم؟! آه، وما هي نتيجته يا ترى؟
الكاهن :
هاك مآله حرفيا: «حكم صادر من مجلس برلمان إنجلترا الأعلى بتاريخ 9 فبراير سنة 1542 بسراي ويت هول الساعة الرابعة والدقيقة عشرين مساء. اطلعنا على الشكوى المقدمة لنا من جلالة الملك في 7 فبراير الجاري، وبناء على الشواهد والأدلة التي بنيت عليها قد اتضح لمجلس البرلمان ثبوت تهمة الخيانة والغدر على الملكة كترين. وعليه، فقد قرر المجلس الحكم على المتهمة وعلى شريكها الغائب والمجهول بالإعدام قتلا في ساحة لندرة العمومية الساعة السادسة مساء.»
كترين (تقع) :
ربي خذ بناصري.
الكاهن :
فاعتصمي يا بنيتي بالصبر الجميل، ولا تقنطي من رحمة الله إن الله غفور رحيم (يخرج) .
كترين :
أواه! جرى إذن المقدور ونفذ القضاء ... آه، تبا لحياة كان كل الشقاء ذخيرة لي في مستقبلها. ويلاه ما أسهل الموت قولا وأصعبه فعلا! (سكوت. يدق جرس الساعة دون أن تعد ثم تعي على نفسها وتقول بلهفة) ... ثلاثة ... أربعة ... خمسة ... ساعة واحدة وأمسي في عداد الأموات. آه أسفي عليك يا كترين فسيضمك القبر بعد ساعة! يا من كنت منتظرة عمرا مديدا ... لهفي على شبابك يا كترين فسيواريه التراب! وقد كنت منتظرة مستقبلا نيرا وعيشا سعيدا ... فموتي الآن وأنت في الثامنة عشر من عمرك فما هو إلا نتيجة أعمالك، وويل لك من هول الآخرة ... أواه! قلبان طاهران نقيان انقادا إلي فخدعتهما بغروري فأنا أشقى الناس وأكفر خلق الله بنعمة ربي. ويلي من هول الآخرة ... (يدخل السياف ويركع أمامها) .
الجزء الثاني (كترين - السياف)
السياف :
أعرفت من أنا يا مولاتي؟
كترين : ... أنت ... أنت ... (تحول وجهها عنه) .
السياف :
نعم ... نعم أنا هو.
كترين :
ولما راكع؟
السياف :
لألتمس منك السماح حسب عوائدنا.
كترين :
عجائب! تلتمس السماح على أمر ثم تقدم على فعله.
السياف :
نعم، هذه عوائدنا.
كترين (تنظر الخاتم الذي بأنملها) :
ولكن قل لي بحقك ألا تجد حالتك هائلة مبغوضة مرذولة من الجميع.
السياف :
أشد بغضا مما تظنين.
كترين :
فلما إذن اخترتها؟
السياف :
لأن أجدادي أورثتها لأبي وأبي أورثنيها.
كترين :
وهل أنت السياف الوحيد في لندرة؟
السياف :
الوحيد.
كترين :
وإذا هجرت لندرة من يخلفك في هذا المنصب؟
السياف :
يصبح خاليا.
كترين :
تضطر الحكومة إذن أن تحضر سياف مدينة كاليه.
السياف :
لا شك.
كترين (لنفسها) :
وفي هذه الأثناء يمكني أن أرى الملك ويحدث الإله أمرا لم يكن في الحسبان. (نحوه)
ينبغي عليك يا صديقي أن تهجر لندرة.
السياف :
أمر محال.
كترين :
ولما؟ لا مستحيل مع الإرادة.
السياف :
ومن يعيش امرأتي وأولادي؟
كترين :
وإذا كنت أصيركم أغنياء، أنت وأولادك!
السياف :
أغنياء! أغنياء!
كترين :
نعم ... نعم ... كم تدفع لك الحكومة سنويا؟
السياف :
خمسماية شلن.
كترين :
أتنظر هذا الخاتم؟
السياف :
أنظره، نعم.
كترين :
فهو يساوي مبلغ ثلاثين ألف شلن. وهو مال يلزمك لأن تتحصل عليه خمسين عاما. فهو لك وملكك إذا أردت.
السياف :
لي! ولكن ... وما أفعل مقابل ذلك.
كترين :
أن تهرب، وهذا كل ما أطلبه منك. نعم ... لا أطلب منك خلاصي. فإن هذا ليس بمقدرتك كما أن نفسي لا تساعدني على الهرب. ولكن أنت ... ما من أحد يترقب أعمالك. فانتهز هذه الفرصة واهرب فالوقت ثمين.
السياف :
ولكن ألا تعلمين أن هذا الخاتم يخصني دون أن أقدم على هذا الأمر الخطير وأنني الوريث الوحيد لكل ملبوسات من أقتله بأمر الحكومة.
كترين :
ولكن ألا تعلم أنه يمكنني أن أهبه لإحدى نسائي؟
السياف :
ولكن ألا تعلمين أنك لن تنظريهن بعد؟
كترين :
أولا تعلم أنه يمكنني أن أرميه وأنادي أنه نصيب من يلتقطه؟
السياف (بنزق) :
عي لنفسك أيتها الملكة ولا تكوني سببا لتهييج غضبي، فتيقني أن فعلك هذا مخالف لعوائدنا. ولا تعلمي أخيرا أنه يمكنني أن أخطفه منك وآخذه بالقوة قهرا؟
كترين (تضع الخاتم في فمها) :
اخطفه إذن!
السياف :
والله لا بد ولا مناص من أخذه. فإما أن تسلميني إياه وإما أن تستعدي لفقد نفسك. فاختاري ما يحلو.
كترين :
أرني ذلك إن كنت رجلا.
السياف :
دعينا من هذا الكلام يا مولاتي. وهل حقيقة هذا الخاتم يساوي ثلاثين ألف شلن.
كترين :
نعم ثلاثين ألف شلن.
السياف :
أتقسمين لي بذلك؟
كترين :
إي وربك.
السياف :
أعطني إذن إياه وأسافر للحال ... هاتي!
كترين :
وعلى أي شيء تقسم لي بدورك أنك تسافر؟
السياف :
أقسم لك بأكبر أولادي ... بحياتي بشبابي ب ...
كترين :
لا بل أقسم لي على هذه الكتب المقدسة ...
السياف :
أقسم لك بهذه الكتب المقدسة الطاهرة أنه حالما يصلني هذا الخاتم أهجر لندرة وسكانها.
كترين :
هذا هو ... قم ... ارحل (تخرجه بقوة) .
الجزء الثالث (كترين - رئيس الأساقفة)
كترين : ... بزغت لي شمس الرجاء وانتشر ضياء الفرج، فساعديني الآن أيتها التقادير على نوال مرادي، فالظروف تضطرني السعي لآخر نسمة من حياتي ... ولكن، بأية طريقة وبأي سبيل ... بالمكر والخبث والخداع، هو مسلك به بدأت، ومن أجله نزعت جلباب الحياء والوقار ولقيت الرذيلة والهوان فلست أحيد عنه الآن ... (لرئيس الأساقفة)
أرأيت السياف ذاهبا، أليس يا أبتي؟
الكاهن :
نعم، ولكنه ليرجع في الحال.
كترين :
ليرجع ... وهل هو الذي قال؟
الكاهن :
لم يقل لي شيئا. ولكن لم يبق لك غير نصف ساعة من الزمن.
كترين :
نصف ساعة ... ولكنه لا يعلم كيف انقلب الأمر ... ألتمس منك يا سيدي أن تأخذني لأرى الملك!
الكاهن :
أنا؟! ألا تعلمين أنه بعد بضع دقائق ...
كترين :
وإذا كان عوض بضع دقائق يتبقى لي عدة أيام؟
الكاهن :
ولكن تنفيذ الحكم محدد الساعة السادسة.
كترين :
وإذا كان بدل الساعة السادسة يلغى هذا التنفيذ ولا يعمل به؟
الكاهن :
ومن يؤخر تنفيذه والسياف لهذا الأمر بالاستعداد.
كترين :
وإذا كانت المتهمة تنتظر السياف للتنفيذ ولا يأتي؟
الكاهن :
لا أفهم لك كلاما.
كترين :
سأبسط لك إذن حقيقة الأمر، وتيقن أن ما أقوله هو أول اعتراف بذنوبي والإله محرم عليكم إفشاء كل سر ... (بصوت منخفض)
لا ينفذ أمر بدون منفذ، فالمنفذ هرب حينما رأيته خارجا. نعم هرب مغادرا لندرة على وعد منه أن لا يرجع إليها ثانيا.
الكاهن :
ما أعجب ما تقولين!
كترين :
لا شيء يورث العجب يا سيدي نظرا للحالة التي أنا فيها ... ولكن، ماذا نسمع؟
الكاهن :
هذه غوغاء الشعب، فقد أخذوا يفدون إلى ساحة المدينة.
كترين :
خذني إذن بحقك يا أبتي لأرى الملك. (يدخل حارس وينظر بعجب واندهاش في أنحاء السجن ويخرج مرددا)
يا للعجب ... ليس ... هنا ... عفوا يا مولاتي ...
كترين :
وما تريد؟ (بفرح)
أترى يا أبتي إنه لم يجد الذي يبحث عليه ... فقد قام بوعده.
الكاهن :
هو الإله الذي يساعدك يا بنيتي (يسمع صوت نفير) .
كترين :
وما هذا أيضا؟
الكاهن (متحسرا) :
لا أعلم.
منادي :
أيها الشعب، قد غاب بغتة سياف المملكة حينما حانت ساعة تنفيذ الحكم على الملكة. ولعدم رغبة الحكومة في تأجيله فهي تقدم مبلغ خمسماية شلن لمن يقدم على تنفيذ هذا الحكم وله أن يتنكر إذا شاء. وهي خدمة جليلة تستحق الشكر بكل لسان.
كترين :
أسمعت يا أبتي؟ وهل يوجد قلب قاس ليقوم بهذا العمل الفظيع؟
الكاهن :
عسى يا بنيتي!
كترين :
إذن لا بد أن أذهب وأرى الملك، ولكن بأي كلام أخاطبه؟ أرشدني بالله يا أبتي فقد ضاع رشدي ... ولكن هل تظن أن أحدا يقدم على هذه المأمورية؟ فقلبي يحدثني ... آه ربي ربي!
الكاهن :
هيا يا بنيتي إذا أردت الذهاب!
كترين :
هيا يا أبتي ... (ولا تكاد تسير قليلا حتى يفاجئهما السياف فترجع بخوف ووجل) .
الجزء الخامس (المتقدمون - أتلود متنكرا بهيئة سياف)
كترين :
ويلي الأقدار تعاندني! فقد علا نجم نحوسي، وخاب لي كل رجاء ...
السياف :
هل أنت بالاستعداد أيتها الملكة؟
كترين :
ويلي ... ويلي!
الكاهن :
إذن استعيني يا بنيتي بالله وكفى به وكيلا. وإنه وإن كانت خطاياك كثيرة وذنوبك عظيمة، ولكن رحمة الله أكبر وأعظم. فتضرعي إليه بقلب منسحق وباسمه تعالى أكشف عنك ضبابات اللعنة وأحلك من خطاياك وأوزارك (تخرج مع الكاهن والسياف) .
سجان :
رحماك اللهم! لقد صببت عليها من صوت رجزك وحملتها من أليم العذاب ما لا تطيق، فارمها الآن بنظرة منك والحظها بعين عنايتك. وعسى الأحزان التي صادفتها في حياتها تكون كفارة عن ذنوبها ...
الجزء السادس (ساحة لندرة: الملك - هيئة المملكة - مجلس البرلمان - حرس - السياف - كترين راكعة وبجانبها رئيس الأساقفة)
الكاتب : «بناء على الحكم الصادر من مجلس برلمان إنجلترا الأعلى بجلسته المنعقدة في 9 فبراير سنة 1542 بسراي ويت هول بخصوص الشكوى المقامة من جلالة الملك هنري الثامن ضد الملكة كترين، وبناء على ثبوت الخيانة على الملكة المذكورة؛ فقد صدر الحكم عليها وعلى شريكها الغائب والمجهول بالإعدام قتلا في ساحة لندرة العمومية الساعة السادسة مساء.»
الملك :
هل لكم أن تبدوا شيئا يا حضرات الأعضاء؟
الأعضاء :
كلا.
الملك :
إذن، نفذ الحكم أيها السياف.
السياف (يهمس في أذنها) :
اعلمي يا غادرة أن سيافك ... لا ... بل المنتقم لنفسه منك، هو من سلم لك قلبه فخنتيه، وأودع كفك حياته فازدريتيه.
كترين :
آه ... أنت أتلود!
السياف :
نعم نعم، إني الآن أقطع عنقك باليد التي كانت تحب أن تقطع فداء عن قلامة ظفر من أظافرك. فاستعدي لشرب هذا الكأس وأنت في زهرة الصبا ... (الساعة تضرب)
ولتقتل أطماعك الباطلة وحبك لذاتك ... (الساعة السادسة)
موتي بحسراتك ... (صراخ عظيم من الشعب) .
السياف (بعد أن يضرب) :
بشراي! ليس لي ما أشكو بعد أن فزت بالانتقام.
الملك :
الجزاء الحق من جنس العمل.
الجميع :
الجزاء الحق من جنس العمل.
السياف :
والآن أيها السادة قد كان ما كان ونفذ الحكم على الخائنة بالإعدام. ولكن أين شريكها؟ هل من العدل أن يبقى حيا يتمتع بنعيم الحياة؟ أين هو؟ أين هو؟ هو أنا ... (يرفع النقاب. دهشة عامة. صراخ من الشعب) .
الملك (بغضب) :
ويكم! اقبضوا عليه (تتقدم الجند) .
أتلود :
حذار أحدا أن يتقدم.
الملك :
بل دعوني أروي بدمه غليلي.
الكاهن (وقد كان يتأمل بإمعان في أتلود) :
تمهل يا مولاي! فهو اللورد أتلود.
الجميع :
اللورد أتلود!
الملك :
اللورد أتلود؟!
أتلود :
أي نعم أتلود، ولا تستغرب يا مولاي ما ترى لأن غدر الزمان أجبرني أن أشهر عن نفسي الموت وأنا باق في قيد الحياة، ثم أن أتنكر بهذا المنظر القبيح حتى يتسنى لي الانتقام من هذه الخائنة الغادرة؛ لأنها امرأتي ...
الملك :
امرأتك؟!
الجميع :
امرأته ... امرأته!
أتلود :
أي نعم، واسأل جلالتكم الشيخ فلمنك يخبركم بحقيقة الحال. أما الآن، فحكم مجلس البرلمان إذا أردت لن يقضي أبدا علي. ولكن هل من العدل أن أبقى حيا بعد كل هذه الأعمال؟ لا لا، الموت أفضل وأوقى ... (يهم برفع الخنجر فتبادر مرجريت وتقبض على يده) .
الجزء السابع (المتقدمون - البرنس مرجريت)
مرجريت :
لا لا، لا تنتهي حياتك أو تنتهي بحياتين!
أتلود :
مرجريت، آه!
مرجريت :
نعم، المنسحقة القلب المنكسرة الخاطر التي فدتك بكل موجود ولم تفدها يا قاسيا بشيء من الوجود. أنقذك من الموت مرتين فلا أحظى منك يا ظالما إلا بالصد والإعراض، أواه يا للشقاء.
الملك :
ويلاه ماذا أسمع وماذا أرى!
مرجريت :
أخي عذرا ومغفرة، واعلم أنني إذا أحببت الحياة فما هو إلا لأكون دعامة راحته وركن سعادته، فإما أن أعيش وإياه تحت سقف واحد ، أو أن أنضم وإياه في لحد واحد.
أتلود :
حاشا لله ما أنت بشرا إن أنت إلا ملك كريم! فعفوا عفوا إن ذنبي إليك لعظيم.
الملك :
طيبي يا شقيقتي نفسا وقري عينا، فقد عاد إليك من فقدت، فإن اقترانكما مقسوم من القدر، وما جمعه الله لا يفرقه بشر. وأهنئ الآن نفسي ثم أهنئكم يا رجال مملكتي، يعود إلينا صديقنا اللورد أتلود بعد أن كنا يأسنا من غالي حياته. فإلي الآن أيها اللورد لأقبلك بين عينيك. وها يد شقيقتي البرنسس مرجريت أقدمها لك فلتكن لك عروسا. واعلم أنها قاست من حبك أمورا لا تطاق ورأت من العذاب لبعدك ما لا تحتمله الجبال، فكن نحوها عادلا، واقضيا حياتكما الآن في رياض الهناء بسلام وطائر المسرة والأفراح يشدو بأطيب الأنغام. (تمت)
4
المصادر والمراجع
(1) المخطوطات
دار المحفوظات العمومية بالقلعة، قلم الوزارات، ملف باسم «ألفونسو جراناتو» تحت رقم 24774، محفظة رقم 1030.
دار المحفوظات العمومية بالقلعة، قلم الوزارات، ملف باسم «باولينو درانيت» تحت رقم 7085، محفظة رقم 275.
دار المحفوظات العمومية بالقلعة، قلم الوزارات، ملف باسم «عبد الرازق عنايت» تحت رقم 20302، محفظة رقم 720.
دار المحفوظات العمومية بالقلعة، قلم الوزارات، ملف باسم «ورثة عبد الرازق عنايت» تحت رقم 54592، محفظة رقم 5243.
دار المحفوظات العمومية بالقلعة، قلم الوزارات، ملف باسم «ورثة عبد الرازق عنايت» تحت رقم 26116، محفظة رقم 1144.
دار الوثائق القومية، درج رقم 416، تركيبة رقم 9.
دار الوثائق القومية، دفاتر المعية السنية، دفتر رقم س1 / 1 / 39.
دار الوثائق القومية، دفاتر المعية السنية، دفتر رقم س1 / 1 / 41.
دار الوثائق القومية، محافظ مجلس الوزراء، محفظة رقم 1، ملف الأوسمة والنياشين، وثيقة رقم 54 / 60.
دار الوثائق القومية، محافظ مجلس الوزراء، نظارة الأشغال، محفظة رقم 1 / 2. (2) المصادر
أحمد شفيق باشا، «مذكراتي في نصف قرن»، الجزء الأول، 1934.
أديب إسحاق، مسرحية «شارلمان»، مكتبة نخلة قلفاط، مطبعة السلام بشارع كلوت بك بمصر، 1898.
بشارة كنعان، مسرحية «مطامع النساء» أو «كترين هوار»، مطبعة النيل، د.ت.
توفيق كنعان، مسرحية «عظة الملوك»، مطبعة التمدن، 1321ه.
جرجس مرقس الرشيدي، مسرحية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، مطبعة جريدة السرور، 1897.
حسن حسني الطويراني، مسرحية «مدهشات القدر»، المطبعة العمومية، 1899.
سليم خليل النقاش، مسرحية «عائدة»، المطبعة السورية، بيروت، ط1، 1875.
سليم خليل النقاش، مسرحية «مي»، المطبعة الكلية، بيروت، ط1، 1875.
علي مبارك، «علم الدين»، الجزء الثاني، مطبعة جريدة المحروسة بالإسكندرية، 1882.
كامل الخلعي، «كتاب الموسيقى الشرقي»، مطبعة التقدم، 1904.
مارون النقاش، «أرزة لبنان»، المطبعة العمومية، بيروت، 1869.
محمد عبده، «مذكرات الإمام محمد عبده»، كتاب الهلال، عدد 507، مارس 1993.
محمود واصف، «عجائب الأقدار»، مطبعة عبد الغني شهاب الكتبي بالأزهر، 1895.
محمود واصف، مسرحية «عجائب الأقدار»، مطبعة ترك، 1895.
يعقوب صنوع، «البدائع المعرضية بباريس البهية»، باريس، 1899.
يعقوب صنوع، «موليير مصر وما يقاسيه»، المطبعة الأدبية، بيروت، 1912. (3) المراجع
د. إبراهيم عبده، «أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر»، مكتبة الآداب، 1953.
د. إبراهيم عبده، «تطور الصحافة المصرية وأثرها في النهضتين الفكرية والاجتماعية»، مطبعة التوكل، ط1، 1944.
أحمد حسين الطماوي، «جرجي زيدان»، سلسلة نقاد الأدب، عدد 11، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992.
أحمد شفيق باشا، «مذكراتي في نصف قرن»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995.
د. أحمد شمس الدين الحجاجي، «النقد المسرحي في مصر»، سلسلة كتابات نقدية، عدد 17، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.
إدوارد وليم لين، «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم»، مكتبة مدبولي، 1991.
إلياس الأيوبي، «تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا»، مطبعة دار الكتب، 1923.
بدون، «الدليل الفني»، الجزء الأول، 1945.
تمارا ألكساندروفنا بوتيتسيفا، «ألف عام وعام على المسرح العربي»، ترجمة توفيق المؤذن، دار الفارابي، بيروت، ط2، 1990.
جاك تاجر، «حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر»، دار المعارف، 1945.
جاك تاجر وجورج جندي، «إسماعيل كما تصوره الوثائق الرسمية»، مطبعة دار الكتب المصرية، 1947.
جرجي زيدان، «تاريخ آداب اللغة العربية»، الجزء الرابع، دار الهلال، 1911.
جورج طنوس، «الشيخ سلامة حجازي وما قيل في تأبينه»، مكتبة المؤيد، شركة مطبعة الرغائب، 1917.
رفاعة الطهطاوي، «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1993.
سليمان حسن القباني، «بغية الممثلين»، مطبعة جرجي غرزوزي بالإسكندرية، 1912.
سمير عوض، «قاموس المسرح» (القسم العربي)، إشراف د. فاطمة موسى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1996.
صلاح الدين البستاني، «صحف بونابرت في مصر»، دار العرب للبستاني، 1971.
عبد الرحمن الجبرتي، «تاريخ الجبرتي»، الجزء الثالث، مطبعة الأنوار المحمدية، 1986.
عبد الرحمن الرافعي، «عصر إسماعيل»، الجزء الأول، مكتبة النهضة المصرية، ط1، 1932.
د. عبد اللطيف حمزة، «أدب المقالة الصحفية في مصر»، الهيئة المصرية العامة للكتاب (طبعة مصورة من طبعة عام 1959).
فؤاد رشيد، «تاريخ المسرح العربي»، سلسلة كتب للجميع، عدد 149، فبراير 1960.
فليب دي طرازي، «تاريخ الصحافة العربية»، المطبعة الأدبية، بيروت، 1913.
كامل الخلعي، «كتاب الموسيقى الشرقي»، مطبعة التقدم، 1904.
محمد تيمور، «حياتنا التمثيلية»، الجزء الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973.
محمد سيد كيلاني، «في ربوع الأزبكية»، دار العرب للبستاني، ط1، 1958.
محمد شكري، «مجموعة تياترو»، مطبعة الرغائب، 1925.
د. محمد يوسف نجم، «المسرح العربي، دراسات ونصوص: نجيب حداد»، دار الثقافة، بيروت، 1966.
محمد يوسف نجم، «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، دار بيروت للطباعة والنشر، 1956.
د. محمود نجيب أبو الليل، «الصحافة الفرنسية في مصر منذ نشأتها حتى نهاية الثورة العرابية»، ط1، 1953.
د. نجوى عانوس، «مسرح يعقوب صنوع»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984.
يعقوب لنداو، «دراسات في المسرح والسينما عند العرب»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972. (4) الدوريات
الآداب: أعداد مختلفة في عامي 1887، 1888.
أبو نظارة: صحف يعقوب صنوع في مصر وباريس فيما بين عامي 1878، 1899.
الاتحاد المصري: أعداد مختلفة في عام 1890.
الأخبار: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1897، 1916.
الإخلاص: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1895، 1897.
الأدب والتمثيل: الجزء الأول في أبريل 1916.
الأستاذ: أعداد مختلفة في عامي 1892، 1893.
الأهالي: أعداد مختلفة في عامي 1896، 1897.
الأهرام: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1876، 1894. وعدد تذكاري عام 1950.
البصير: أعداد مختلفة في عام 1898.
التجارة: أعداد مختلفة في عام 1879.
التنكيت والتبكيت: عدد في عام 1881.
الثريا: عدد في عام 1898.
الجنان: أعداد مختلفة في عام 1875.
الجوائب: أعداد مختلفة في عامي 1868، 1869.
الحقوق: أعداد مختلفة في عام 1886.
الراوي: أعداد مختلفة في عام 1888.
الرأي العام: أعداد مختلفة في عام 1893.
الرشاد: عدد في عام 1894.
روز اليوسف: أعداد مختلفة في عام 1926.
روضة المدارس المصرية: أعداد مختلفة في أعوام 1870، 1871، 1876.
الرياض المصرية: عدد في عام 1889.
الزمان: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1882، 1886.
الستار: أعداد مختلفة في عامي 1927، 1928.
السرور: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1892، 1898.
السلام: أعداد مختلفة في عام 1899.
الشتاء: عدد في عام 1906.
الشرق: أعداد مختلفة في عام 1869.
الصادق: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1886، 1898.
الفلاح، أعداد مختلفة في عام 1891.
القاهرة: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1886، 1890.
الكتاب: عدد يناير 1951.
الكمال: أعداد مختلفة في عام 1897.
لسان العرب: أعداد مختلفة في عام 1896.
اللطائف: عدد في عام 1889.
المؤيد: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1889، 1899.
مصر: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1896، 1908.
المصور: أعداد مختلفة في عام 1938.
المقطم: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1890، 1907.
المنبر: عدد 1112 في عام 1917.
المجلة: عدد 51، مارس 1961.
المنصف: عدد 3، 1899.
النيل: عدد 258 في عام 1892.
الهلال: أعداد مختلفة في أعوام 1895، 1896، 1897، 1898، 1933.
وادي النيل: أعداد مختلفة في أعوام 1869، 1870، 1871.
الوطن: أعداد مختلفة فيما بين عامي 1887، 1891.
الوقائع المصرية: أعداد مختلفة في أعوام 1869، 1871، 1877، 1878.
Shafi da ba'a sani ba