ذكر استتصال شافة النوبة
كان قد وفد على مولانا السلطان شكندة ابن عم داود ملك النوبة م تظلما منه ، وزعم ان الملك كان له وأنه تغلب عليه ، ووافق ذلك غرضا في نفس السلطان االمك الظاهر ؛ فإن داود كان قد أغار على سرح عيذاب في سنة احدى وسبعين وقتل من فيها من التجار ونهب آموالهم . فلما استقر ركاب مولانا السلطان بالقلعة المحروسة بعد عوده من دمشق تقدم إلى الأمير شمس الدين اق سنقر الفارقاني وإلى االأمير عز الدين أيبك المعروف بالأفرم بالمسير إلى النوبة وأصحبهما ثلاثماية فارسا وشكندة ، وامرهما أنهما إذا فتحا البلاد يسلمانها إليه على أن يكون النصف والربع له والربع [ خالصا] للسلطان . فخرجوا يوم الإثنين مستهل شعبان فوصلوا إلى دنقلة في الثالث عشر من شوال . ولما خيموا بفنائها خرج إليهم ملكها ا/ داود وأخوه جنكو ومن عندهما من عساكرهما على النجب الصهب ، وبايليهم الحراب وليس عليهم ما يقي عنهم السهام غير أكسية سود تسمى التكاديك ، وناوشوهم القتال فلم يلبثوا أن انهزموا وقتل منهم ما لا يحصى وأسر أكثر مما قتل ، حتى بيعوا ، فيمن يزيد ، بثلاثة دراهم الرأس ، وأبقي منهم زهاء آلف نفس ليراهم السلطان فينشرح بهم صدره ويتواطى على شكر ما أنعم عليه سره وجهره ، وانهزم داود فيمن انهزم وقطع النيل بأمه وأخته إلى البر الغربي ثم هرب في أثناء الليل إلى بعض الحصون ، فبلغ خبره الأمير شمس الدين والأمير عز الدين فركبا ومن معهما من العساكر وسارا في طلبه ثلاثة أيامجدين . فلما أحس بهما ترك أمه وأخته وابنة آخيه جنكو ونجا بنفسه وابنه ، فأخذا حريمه ورجعا إلى دنقلة ، فأقاما بها إلى أن ملكوا بها شكندة ورتبا على كل بالغ من البلاد دينارا [ في السنة] جزية ، وأن يحمل إلى السلطان في كل سنة من الهجن ومن ابقر ومن العبيد ، وقررا مع أشي وهو صاحب بلاد الجبل ، وكان مباينا لداود ، ان تكون دو وإبريم وهما قلعتان حصينتان قريبتا من آسوان ، بينهما وبينها سبعة ايام، خاصا لمولانا السلطان وفوضا إليه أمر نيابة السلطنة فيهما ، وشرطا له أنه متى قصده عدو نجدته العساكر السلطانية . ثم عادا الأميران إلى القاهرة فاجتمعا بالسلطان في اخامس ذي الحجة ومعهما أخو الملك داود أسيرا ، فشكر سعيهما وخلع عليهما وحبس أخا داود في بعض أبرجة القلعة المنصورة . ثم وصل بعد ذلك بأيام أم داود وأخته وابنة آخيه فحبسوا ، ثم وصل السبي فبيع بماية وعشرين آلف درهم ، وتقدم مرسوم مولانا السلطان بأن لا يباع منهم شيء على نصراني ولا يهودي وأن لا يفرق بين الآباء والأولاد . وكانت المرأة منهم تباع ومعها أولادها كثروا أو قلوا صغارا أو كبارا . ولما هرب الملك داود قصد صاحب الأبواب وهو ملك من ملوك النوبة له ناحية وجند ، فحمله الخوف من مولانا السلطان ان يظهر عنه أنه أجار عدوه ، فقبض عليه وسيره إلى مولانا السلطان ، فوصل إلى مصر في قبضة الأسر يوم الثلاثاء ثالني المحرم من سنة خمس وسبعين وستمائة ، فحبس في بعض أبرجة القلعة وتقدم امر السلطان إلى المولى الصاحب الوزير بهاء الدين في استخدامه عمالا على ما يستخرج من الجزية والخراج في دنقلة وأعمالها ، وأن يحمل إليها من قوص الصناع والفلاحين والبياعين .
Shafi 129