Tarihin Ka'idodin Tattalin Arziki
محاضرات في تاريخ المبادئ الاقتصادية والنظامات الأوروبية
Nau'ikan
ولا شك في أن مالتوس يحارب سائر وسائل منع النسل الأخرى مثل «الإسقاط الاغتصابي»، وقتل الأطفال، ووأد البنات، وإجراء عمليات البتر المؤدية لوجود الخصيان، واكتفاء جنس بأفراده، كل هذا نفاها وأنكرها وحرمها.
ولكنه في بعض النبذ من كتابه أشار إلى إمكان قضاء الحاجات بدون الوقوع في خطر من الأخطار السالفة، وقد مهد مثل هذا القول السبيل لخلفائه الذين ادعوا باطلا بأنه كان ينصح باستعمال الوسائل الصناعية، التي يتمكن بها الناس من شهواتهم بدون معاناة الحمل والولادة والتربية.
وقد قال كثير من الاقتصاديين الذين اشتهروا بالدفاع عن مالتوس أن مبادئه أدت إلى تقوية الأسرة؛ لأنها هي الوسيلة الوحيدة في عدم نمو النسل نموا زائدا، وكانت مبادئه كذلك حجة على القائلين بالارتباط الحر أو العلاقة اللازوجية؛ لأن مثل هذا النظام ومثل الكوميونزم؛ أي الحياة المشتركة يؤدي إلى ازدياد النسل لعدم مسئولية الوالدين عن النسل الذي يولد من علاقتهم.
على أنه منذ عهد مالتوس إلى الآن لم نر في العالم بلادا اشتكت من زيادة النسل، ولكن يرد على هذا بأن الأمم التي نما سكانها نموا عظيما قد هاجر أبناؤها إلى بلاد غنية سموها بالمستعمرات يستغلون ثروتها ويستنزفون أرزاقها. كما أن الأمم التي منحت أراضي واسعة مثل أمة الولايات المتحدة، التي قتل أسلافها أمة الهنود الحمر؛ ليتسع لهم مجال العيش سعت في فناء أهل البلاد.
ولا يخفى عليكم أن الأمتين اليونانية والرومانية كانت تعتقد بأن التناسل واجب على كل وطني نحو المدنية، وعلى كل متدين نحو الأرباب كما أن الأشراف في كل زمان يعتقدون بأن وجود نسل يرثهم، ويحفظ اسمهم كأعظم فخر لهم .
كذلك في الزمن الحاضر يعتقد العمال أن وجود الأطفال يعود على الأسرة بعد زمن قليل بمحصول أتعابهم، كل هذا عدا عن الفطرة الإنسانية التي جعلت حب الأطفال عند الكبار حبا مقدسا، وكل هذه أسباب تدعو إلى زيادة النسل، ولكنها أسباب اجتماعية؛ ولذا فهي أسباب زائلة إذا فقدت الأمم عقيدتها، أو حب الوطن أو صلحت حال العمال، ولكن هناك قانون ثابت لا يتحول ولا يتغير؛ لأنه غريزي في الإنسان. وهذا القانون هو اندفاع الرجل نحو المرأة، فإن الطبيعة تدفعه بظواهر الحب، وحقيقة الأمر غايتها إبقاء النسل، فجاء الإنسان أشد منها مكرا بتمكنه من شهواته، وعدم الوقوع في المسئولية. ولذا أصبحت مخاوف مالتوس بدون أهمية، بل أصبح أعداء مالتوس يقولون بأن مبدأه المسمى بالامتناع الأدبي
moral restraint
خال عن الآداب، ومخالف لها؛ لأنه يشجع مفاسد اجتماعية كثيرة، ولأنه مخالف لنظام الطبيعة، وقد زاد بعضهم في القول فقال إن الحرمان من الزواج أشد ألما من الحرمان من الطعام وهذا قول مبالغ فيه.
وكذلك مالتوس لم يحرم سعادة الحب والأسرة، إلا على الفقراء وحدهم الذين يطالبهم مالتوس بالعفة وبالصوم والامتناع؛ لأنه يجوز لهم أن يتمتعوا بملاذ الحياة الدنيا ما لم يستطيعوا أن ينفقوا على أسرة.
وقد أثبت الخبرة فساد قوانين مالتوس، ونحمد الله على ذلك؛ لأن صحتها والعمل بها كانت تؤدي بالعالم إلى الوقوع في مصائب جمة تتعلق بالآداب وبالعيشة القومية.
Shafi da ba'a sani ba