Tarihin Ka'idodin Tattalin Arziki
محاضرات في تاريخ المبادئ الاقتصادية والنظامات الأوروبية
Nau'ikan
فريق العمال غير المخرجين.
وهو يعد الأعمال غير المخرجة تلك الأعمال التي تزول بعد تمامها، ولا يبقى لها أقل أثر مثل أعمال الخدم المنزلية، ولا تدهشوا إذا ذكرت لكم أنه يعد من الأعمال غير المخرجة أعمال القضاة والمحامين والمعلمين والأطباء، وسائر الصناعات الحرة. ولعلكم فطنتم أن هذا التقسيم قد سرى إليه من تأثير الفيزوقراطيين، بل إنه يسمي تعاليمهم أقرب تعاليم إلى الحقيقة.
وقد شاع رأي بين بعض الاقتصاديين قائل بأن آدم سميث هو أول الاقتصاديين الصناعيين؛ أي الذين قالوا بأهمية الصناعة على الزراعة، وبذلك يقارنون بين آدم سميث وبين الفيزوقراطيين، ويدعون بأنه مخالف لهم على خط مستقيم؛ لأن الفيزوقراطيين معروفون بأنهم حماة الزراعة، فيكون سميث زعيم حماة الصناعة. وهذا الرأي مردود؛ لأن الثروة الصناعية ابتدأت في وقت ظهور كتاب سميث، كما أننا عند مطالعة الدروس التي كان يلقيها في مدرسة جلاسجو الجامعة عام 1759، لا يمكننا أن نجد أقل علاقة بين أفكاره الجوهرية، وبين الأفكار التي دعت لظهور الصناعات الإنجليزية.
إن آدم سميث لم يختلف كثيرا في بعض المسائل المهمة عن الفيزوقراطيين، فإنه يوجه انتقادا مرا وسخرية مؤلمة نحو التجار والصناع، تذكرنا بانتقادات الفيزوقراطيين، ومع ذلك هو يدافع بقوة عن أصحاب الأملاك العقارية وعن العمال.
وإذا ورد ذكر العمال وأرباب الأموال أمام سميث؛ فإنه لا يتردد لحظة في إظهار عطفه على العمال، وهو كذلك يقول برفع أجور العمال؛ لأن الأجور المرتفعة تنفع الهيئة الاجتماعية بأسرها، لأن أغلبية الأمة من الأجراء، ولا يمكن لأية هيئة اجتماعية أن تكون سعيدة ما دام أغلب أعضائها فقراء وبائسين. وهو يرد على القائلين بأن الأجور المرتفعة ترفع قيمة نفقات الحياة بأن مكاسب أرباب الأموال الباهظة ترفع قيمة نفقات الحياة أكثر.
ومن الغريب أن آدم سميث قد تنبأ بما سوف يقوم بين العمال، وأرباب الأموال من الخلاف، فأشار على الطرفين بطريقة تريحهم إذا استحكم الخلف، وهذه الطريقة هي التحكيم، يقول آدم سميث: كلما قام خلاف بين العمال وأرباب الأموال، وقام القضاة بفصل هذا الخلاف كان مرشدوهم هم أرباب الأموال، فيجورون على الدوام على العمال، وبناء على ذلك ينبغي لنا أن نعتبر الحكم عادلا كلما كان في مصلحة العمال، ولكن إذا كان الحكم في جانب أرباب الأعمال، فيمكننا أن نشك في رأي المحكمين.
أما حب آدم سميث للزراعة، فيماثل حب الفيزوقراطيين لها، وهو يقول عنها إنها أصعب الفنون والصنائع ما عدا الفنون الجميلة، والفنون الحرة (القضاء والتعليم)، وهو ينصح لأصحاب الأموال والأعمال أن يضعوا أموالهم بحسب ما يقضيه القانون الطبيعي؛ أي أولا في الزراعة، وثانيا في الصناعة، وثالثا في التجارة الخارجية.
ومما يدهشنا في مبادئ سميث أنه رغما عن نظرية تقسيم الأعمال التي وضعها نراه إذا تكلم عن الزراعة لا يقدر، أو لا يريد أن يساويها بمصادر الثروة الأخرى، بل هو يضعها على رأس سائر الفنون، وهذا لا شك راجع إلى تأثير الفيزوقراطيين، وقد امتاز آدم سميث عدا عن تقسيم العمل بمبدأين آخرين: الأول رأيه في طبيعة الأشياء، ورأيه الثاني في حسن الظن بالأشياء.
ونقصد برأيه في طبيعة الأشياء قوله بأن النظامات الاقتصادية لا تأتي بعد تدبير إنما هي تأتي بطبيعتها عفوا وبدون تعليل، ونقصد بحسن ظنه بالأشياء رأيه القائل: بأن كل النظامات الاقتصادية والاجتماعية ترمي إلى غايات حميدة.
إن آدم سميث كان يظن أنه متى أثبت أن وجود النظامات الاقتصادية أمر طبيعي، أمكنه في الوقت نفسه أن يثبت اتجاهها في سبيل الخير الإنساني. وأنتم ترون أن هذا غلط واضح من الأستاذ العظيم؛ لأن إثبات صدور أمر من الطبيعة أمر، وإثبات اتجاه هذا الأمر نحو الخير أمر ثان، ولكن آدم سميث ما كان يفصل بينهما، ولكن العلماء الاقتصاديين الذين جاءوا بعده اتخذوا الرأي الأول؛ أي وجود النظامات الاقتصادية بطبيعتها، ورفضوا الرأي الثاني؛ أي اتجاه تلك النظامات نحو الخير العام.
Shafi da ba'a sani ba