Tarihin Hauka
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Nau'ikan
دور الاحتجاز الجبري تتسلم الراية
سرعان ما رأت السلطة الملكية الحاكمة (أي الدولة) أن الحاجة أصبحت ملحة لإيجاد بدائل للاحتجاز. وهو ما قاد في «القطاع العام» إلى إنشاء مستودعات للتسول، في أواخر حكم الملك لويس الخامس عشر، كامتداد مباشر للمشفى العام. وسنتناول هذه النقطة بالتفصيل لاحقا. أما بالنسبة إلى «القطاع الخاص»، فقد تسلمت دور الاحتجاز الجبري الراية. منذ بداية القرن السابع عشر، بدأت العائلات، ولكن بأعداد قليلة، في إرسال أبنائها أو بناتها السيئي السلوك أو المنحلين أخلاقيا إلى هذه الدور بغية إصلاحهم، كما كان يرسل إليها أيضا الأزواج السيئون السكارى، وذوو السلوك العنيف، والمبذرون، والزوجات السيئات الفاسقات، والأرامل ممن لا يزلن في ريعان شبابهن واللائي يتعرضن لإغراءات قد تؤدي إلى تورطهن في زيجات غير موفقة، والجانحون المستترون الذين على وشك الوقوع في يد العدالة مما سيتسبب في إلحاق الخزي والعار بأهلهم، وأخيرا المجانين. وهذا هو المكان الذي كان ينبغي، طوال عهد النظام القديم، البحث فيه عن المجانين، بدلا من المشفى العام حيث لا يوجد إلا المعوزون وفقا لتعريف الكلمة. يذكر أن المشافي العامة المنتشرة في أرجاء المملكة هي أبعد ما يكون عن أن تشكل أماكن ضخمة للاحتجاز؛ فهي لم تكن تحوى في أواخر القرن السابع عشر إلا 5٪ من الحمقى، وذلك قبل أن تصل هذه النسبة بشكل استثنائي إلى 10٪ في باريس في أواخر القرن الثامن عشر (مقابل نسب ضئيلة في الأقاليم)، بالإضافة إلى الأبراج المشيدة فوق الأسوار والسراديب، والتي كانت لا تزال تعد أماكن احتجاز لبعض المجانين منذ القرون الوسطى. تلك حقيقة واقعة، ولا سيما أن دور الاحتجاز الجبري هي التي تمثل الجزء المغمور من الجبل الجليدي، في حين تمثل مؤسستا سالبيتريير وبيستر الجزء الظاهر والخداع منه. اختلفت الإجراءات المتبعة في منازل الاحتجاز الجبري، أو الإصلاحيات، عن سواها؛ إذ كان يتعين على العائلة أن تتقدم بطلب مفصل لالتماس قبول الحالة مرفق بتعهد بدفع نفقات الإقامة.
وكان الخطاب المختوم الذي يحمل أمرا ملكيا استبداديا هو الوثيقة القانونية اللازمة لوضع الشخص في إحدى دور الاحتجاز الجبري. إن الأمر الملكي،
1
بوصفه إجراء معقدا يعبر عن الإرادة الشخصية للملك، لا ينحصر في كونه مجرد أسطورة سوداء تداولتها الألسن. كانت هذه الأوامر الملكية مقتصرة في بداية الأمر على المبادرات التي يطلقها الملك وحده، ثم شاع استخدامها أكثر فأكثر في عهد لويس الرابع عشر، وازدهرت بشكل مذهل في القرن الثامن عشر حين اعتاد القائد العام لشرطة باريس (الذي جعل من هذه الأوامر الملكية «ملاذا اعتياديا لضعفه») ومن بعده حكام الأقاليم؛ اللجوء إليها لاستصدار أوامر من قصر فرساي (بمعنى مقر الإدارة المركزية وليس بمفهوم قرارات مبنية على «إرادة ورغبة» الملك) باعتقال أحد «المرشحين» للإصلاح. ولكن، وراء مظاهر النفوذ المتعددة هذه، كانت العائلات في الواقع هي التي تظهر طوال القرن الثامن عشر باعتبارها المطالب الرئيس بإصدار الأوامر الملكية (في أكثر من 90٪ من الحالات). فعلى سبيل المثال، في منطقة كاين الإدارية (التي تمثل حاليا إقليم المانش والنصف الغربي من إقليم كالفادوس)، تقدر نسبة الملفات التي صدر بشأنها أوامر ملكية خلال القرن الثامن عشر بناء على طلب إحدى الجهات التي تتمتع بالنفوذ (الملك، أو الوزراء، أو الكنيسة) 2,2٪ من إجمالي الملفات البالغ عددها 1723، بينما صدرت جميع الأوامر الملكية الأخرى في باقي الحالات بناء على مبادرات فردية تقدمت بها العائلات في أغلب الأحيان والمجتمعات السكانية في أحيان أخرى.
يرجع نجاح الأمر الملكي إلى سرعته وفي الوقت نفسه إلى سريته. فالعائلات التي كانت تسعى للحصول عليه، يحركها دائما حالة طارئة ورغبة ملحة في إنقاذ الموقف؛ إذ تكون هذه العائلات، على حد قولها، في كل مرة، على شفا تجرع مرارة الخزي والعار: «سيادة الملك، أسرة محترمة من مدينة ليزيو، يتهددها كل يوم خطر الخزي والعار الذي قد يلحق بها بسبب أحد الرعايا المنحرفين، تلتمس شرف الاستظلال بحمايتكم.»
طلبات الاعتقال
في هذه الدوامة الجديدة، التي تلت دوامة المشفى العام، سوف يتم ابتلاع الحمقى غير المعوزين وغير المشردين، بعبارة أخرى الغالبية العظمى من المجانين. ومع ظهور منازل الاحتجاز الجبري، برزت إمكانية جديدة لإيواء المجانين. وعلى الرغم من ذلك، لم يكن ممكنا أن يكون هناك في ذهن مقدمي الطلبات، بل وفي ذهن السلطات العامة أيضا، أدنى خلط بين «المرشحين» للتأديب والإصلاح الذين يعدون عناصر سيئة يلومها المجتمع، والحمقى، الذين ينظر إليهم كمرضى يشفق عليهم المجتمع. هذا يعني أنه، فيما يتعلق بهذه الفئة الأخيرة، كان يجري التعامل بحذر شديد وإظهار قدر كبير من التيقظ حيال مقدمي الطلبات.
يجب أن تكون العريضة المرفوعة للحصول على أمر ملكي بسبب الجنون - والمقدمة إلى حاكم المنطقة الإدارية أو إلى وزير الديوان الملكي - مفصلة وجماعية. فنجد على سبيل المثال أحد الآباء يقوم بسرد السلوكيات العنيفة التي صدرت عن ابنه ذي الخمسة والعشرين عاما، وتهديداته بالموت. ولا بد من وجود ما لا يقل عن اثني عشر توقيعا، من ضمنها توقيعات الأقرباء، أسفل العريضة. ثم يشهد كاهن الأبرشية بخط يده على أن الشخص المعني مصاب ب «اختلال عقلي يصحبه هياج». ونادرا ما كان يتم إرفاق شهادات طبية بهذا الطلب؛ نظرا لأن الأمر لم يكن يتعلق بالتشخيص وإنما بالتصرفات والأفعال. نستشهد على سبيل المثال في هذا الصدد بإحدى الوقائع حين اجتمع سكان بلدية لينتو، بمنطقة روان الإدارية، في الكنيسة يوم الأحد الموافق 19 نوفمبر 1786 عقب صلاة القداس للاتفاق على بنود عريضة مرفوعة للحصول على أمر ملكي ضد المدعوة ماري برونيه، إحدى رعايا الأبرشية. نقتبس بعض العبارات الواردة في نص العريضة على النحو التالي: «لقد أصابها جنون يجعلنا نخشى على حياتها وعلى السلامة العامة. لقد ألقت بنفسها أكثر من مرة في النهر وحاولت أكثر من مرة إضرام النيران في المباني التابعة للأبرشية المذكورة.»
يسعى مقدمو الطلب للحصول على محضر إثبات حالة؛ ولذا نجد أن الألفاظ المستخدمة تدل على حالة جنون بين، بدءا بكلمة «جنون» ومشتقاتها المختلفة («خطير»، «نوبات») وأيضا «بله، وخرف، وخرف يرافقه هيجان، وهياج، واستلاب واختلال عقلي، والإصابة بفتنة تطير الصواب، وفقدان الرشد، وفقدان تام للقوى العقلية». نقرأ في موضع آخر العبارات التالية: «رأسه (الشخص المجنون) غير متزن تماما؛ مما يجعل التعرف عليه سهلا للناظرين.» من الجدير بالذكر أن المصطلحات الطبية الكلاسيكية مثل الهوس، والملنخوليا، والتهاب الدماغ المسبب لجنون الهياج، و«الاهتياج الرحمي»؛ كانت شديدة الندرة ولم تذكر إلا في فترة لاحقة، بالإضافة إلى أنها لم تكن متطابقة مع أي تشخيص سريري محدد.
Shafi da ba'a sani ba