Tarihin Hauka
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Nau'ikan
اللائي يتملك الشيطان جسدهن، أو يبدون كما لو أنه يستحوذ عليهن،
يحركن أجسامهن ورءوسهن بصورة رهيبة،
ويفعلن ما تقوله أولئك العرافات العجائز، [...]
وحين أراهن يصرخن بشكل مخيف،
وحين تنقلب أعينهن ويظهر بياضها،
يقشعر بدني كله، ولا أدري ما أقول.
ولكن حين أرى راهبا يتحدث باللاتينية،
يتحسس بطونهن من أعلى ومن أسفل ويمس حلمات أثدائهن،
يذهب عني ذلك الرعب، وأجد نفسي مضطرا للضحك.
وبالطبع، حرق العديد من المجانين، سواء أكانوا مصابين بالسوداوية أم لا، في المحارق التابعة لمحاكم التفتيش. فلا يوجد ما هو أسهل من طرح مثل ذلك السؤال على المجنون: «هل صحيح أنك قد أبرمت اتفاقا مع الشيطان؟» «نعم.» وقد عمل أحد الأطباء المعاصرين، وهو الطبيب جون وير (1515-1588)، على محاربة هذا «الفكر الأوحد» بجدارة، ولا سيما أنه كان يؤمن ، بالطبع، بوجود الشيطان بما أنه مؤمن بالله. كان هذا الطبيب تلميذا لكورنيليوس أجريبا، الذي لم يكن يخشى توجيه انتقادات شديدة للمحققين بمحاكم التفتيش، واصفا إياهم ب «النسور المتعطشة للدماء»، التي تهاجم «نساء القرية المسكينات»، وتنتزع منهن - تحت التعذيب - اعترافات بممارسة السحر والشعوذة («تفاهة العلوم» 1530). وقد برهن وير على تلقيه تعليما جيدا على أيدي أكفاء وعلى سيره على خطى معلمه حين نشر في عام 1566 كتابا باللغة اللاتينية بعنوان: «قصص، ومجادلات وخطب عن أوهام وخدع ودجل الشياطين والسحرة الأدنياء، والمشعوذات والمفسدين، وعن المسحورين والمصابين بمس شيطاني وشفاء هؤلاء، إضافة إلى العقاب الذي يستحقه السحرة والمفسدون والمشعوذات». بالطبع، العنوان طويل، ولكن الكاتب وفى بوعوده؛ فقد فند وير بالتفصيل ما ورد في كتاب «مطرقة الساحرات»، وميز بين السحرة «الحقيقيين»، الذين يعقدون اتفاقا مع الشيطان بمحض إرادتهم واختيارهم، والمصابين بالسوداوية، الذين يقعون فريسة للشيطان بغير إرادتهم: «لأن الشيطان يندمج بكل سرور مع المزاج السوداوي؛ إذ يجده مناسبا للغاية لتنفيذ عمليات التضليل والتدجيل الخاصة به، وهو السبب الذي دفع القديس جيروم إلى القول بأن السوداوية هي المناخ الملائم للشيطان.» (وبأسلوب أكثر إيحائية، يقول مؤلف آخر، وهو جاك فونتين: إن الشيطان يحب التمرغ في الطبائع الفاسدة مثلما تعشق الخنازير التمرغ في الوحل.) «يستطرد وير قائلا إنه على الرغم من ذلك، ليس كل المصابين بالسوداوية معذبين من قبل الشيطان، بل على العكس، ما يحدث عادة هو أن جميع المصابين بمس شيطاني يصبحون كئيبين ويصابون بالسوداوية.» خلاصة القول: الشيطان والجنون شيئان منفصلان؛ فالممسوس الذي يتملكه الشيطان لا يعد مجنونا بالمعنى الطبي. لقد قام جون بودين، رجل القانون الشهير ومؤلف كتاب «الهوس الشيطاني للسحرة»، الذي نشر في عام 1580، بتفنيد ودحض تلك النظريات التي أثيرت في هذا الجدال بشكل عنيف، ورفض أن يعترف بتمتع جون وير بأي مهارة أو كفاءة، واصفا إياه ب «طبيب بسيط من راينلاند.» إذا كان العمل الشجاع الذي قدمه وير لم يؤد فيما بعد إلى تقليل عدد المحارق، فإنه لا يمكن إنكار حقيقة أن هذا الطبيب، سواء أكان بسيطا أم لا، قد ندد «بالظلمات [التي] كانت تلف متاهة الأسحار»، وهي متاهة ضل فيها المحققون أنفسهم.
Shafi da ba'a sani ba