Tarihin Hauka
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Nau'ikan
قبل تفكيكه، كان للمصحة النفسية «الكاملة» بريق كبير في العقد الذي تلا الحرب العالمية الثانية، في وقت ظهور طب نفسي جديد يرغب في الابتعاد عن الطب العقلي (كما رأينا مع إي وبونافيه ولوجيان). من الآن فصاعدا أصبح الاهتمام يدور حول المصحة. في عالم الطب النفسي الفرنسي أولا، كان التيار الماركسي يغلب على تيار فرويد الذي اعتبر أنه يشجع على الفردية ويحمل طابعا برجوازيا. أصبح الأمر يدور أكثر حول الطب النفسي الاجتماعي. وبدأ الحديث عن «العلاج الاجتماعي» (محاولة للتشجيع على الاندماج والتآلف مع قيود الحياة داخل المجتمع)؛ ونتيجة لذلك، أصبحنا نتحدث عن الأصل الاجتماعي للاضطرابات العقلية. درس لويس لوجيان «العصاب الذي يصيب العاملين بالتليفونات» (باستخدام ملاحظات في وقت الدليل الموحد)، أو أيضا «الأعراض النفسية المرضية التي قد تصيب الخادمات اللاتي يقمن بكل الأعمال، ويعشن في وضع غريب في عائلة ليست عائلتهن ويعتمدن عليها تماما دون أي تعويض كالأطفال، في حين أنه يتوجب عليهن إطعام العائلة، وهي المهمة التي من المفترض أن يتولاها الآباء.»
7
ويعيد كتاب «عصر المناضلين» (جاك هوشمان) تعريف العلاج المعنوي الجديد الذي اتخذ اسم «العلاج النفسي المؤسسي». ولقد ظهر المصطلح للمرة الأولى عام 1952 بناء على اقتراح من جورج دوميزن (1912-1979). ويعد هذا الطبيب النفسي - كبير الأطباء بمستشفى البيت الأبيض من عام 1951 حتى 1952 قبل تعيينه سكرتيرا عاما لنقابة الأطباء النفسيين لاستقبال حالات الاحتجاز بمصحة سانت آن - أحد أهم الفاعلين في حركة الإصلاح الفرنسية لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد رسالة مميزة عام 1935 كرسها لدراسة وضع العاملين من الممرضين في مصحات الأمراض العقلية، أنشأ عام 1949 - بالتعاون مع جيرمان لوجيان - دورات التدريب والتأهيل الأولى للممرضين في مجال الطب النفسي. وقد انخرط أحد المتدربين معه - فيليب بوميل - عام 1960 في مغامرة أول مركز طبي للصحة العقلية، في التقسيم الثالث عشر بباريس على هيئة جمعية تطوعية طبقا لقانون 1901.
كانت هذه الحركة المفعمة بالحيوية (بل إنه كانت هناك مجلة للعلاج النفسي المؤسسي) مليئة بالآمال التي فجرتها حركة التحرير، وكانت تهدف إلى «استخدام الحياة وسط الجماعة لمساعدة المرضى على استعادة العلاقات الاجتماعية، والتواصل الفعال مع الواقع الذي حرمهم منه المرض والعزلة» (جاك هوشمان). أخذ الاضطراب الذي يظهر في المحيط الاجتماعي في الاعتبار أكثر من الذي يؤثر على الحياة النفسية للمريض فحسب. ولهذا الغرض، كان لا بد من تغيير العلاقة بين المريض والمعالج داخل المصحات النفسية، أو بالأحرى «وحدة العلاج» كلها «بفريقها» لما هو أبعد من جدران المصحة العقلية عن طريق مضاعفة لقاءات المعالجين بعضهم ببعض، ولقاءات المعالجين بالمرضى. في البداية، تعددت الطرق المتبعة واختلفت بين بريطانيا؛ حيث انحصر التركيز في النموذج النفسي الاجتماعي لإدارة النزاعات بين فريق العمل (ماكسويل جونز)، وفرنسا؛ حيث فرض الطب النفسي ذاته كأداة علاجية جماعية في الستينيات، ومن ثم أصبح حتى للممرضين وظيفة نفسية علاجية. إلا أنه في البداية في فرنسا، لم يقترب أحد من المصحة، فكان الهدف الأول هو الاستعاضة عن «صحة العزل» المفضلة لدى إسكيرول ب «صحة الحرية».
بلغت هذه الثورة العميقة في طريقة النظر وعلاج الجنون حتى التشكيك في مفهوم المرض العقلي ذاته، بكل ما يحمله المصطلح من تعبيرات مطلقة. وفي هذا الصدد، لعب النموذج الأمريكي في فترة ما بين الحربين - الذي اعتمدته أوروبا منذ عام 1945 - دورا هاما: النظرية السلوكية في البداية، والتي تتمحور حول طريقة تفاعل المريض ورد فعله على موقف معين. وهكذا، أصبحنا نتحدث عن «ردود فعل فصامية» أكثر من الحديث عن الفصام نفسه. ثم تلته نظرية التعددية بين الطب النفسي والأنثروبولوجيا، والتي تهدف إلى دراسة التجربة الفردية اعتمادا على الأبنية الاجتماعية، ولا سيما العائلية (إيه كاردنيه). ويتكامل في هذا الطب النفسي الاجتماعي والتحليل النفسي والطب النفسي؛ لدرجة أنها أصبحت تشكل منهجا واحدا كما في الولايات المتحدة الأمريكية.
بصورة أقل براجماتية، لم تكن فرنسا تنوي أن تحرم نفسها من متعة مناقشة الأفكار كما يبين لنا عمل هنري إي، الذي أدرك خلال عقد ما بعد الحرب العالمية الثانية خطر تفكك الطب النفسي. واعترض هذا الطبيب «غير المنحاز» على جاك لاكان - المدافع عن أطروحة الأصل النفسي للجنون (خطاب حول السببية النفسية) - وأيضا على العديد من الأطباء النفسيين في ذلك العصر، الذين يؤيدون النظريات القائلة بالأصل النفسي للمرض العقلي. ويرد إي على لاكان بأنه لا يمكن خلط العقل والجنون، ويرد على الآخرين بأن مفهوم الاندماج في مجموعة لا يمكن أن يكون معيارا للصحة العقلية.
8
إلا أن إي يجمع هذه الإسهامات في طريقة تجميعية لتكامل وتفكك الحياة النفسية. فهو وريث نظريات أستاذه هنري كلود (1869-1945)، الذي كان يحمل هو ذاته صبغة نظريات علم الأعصاب لجاكسون، والتي تقول بأن الأعراض المرضية تظهر بتفكك المراكز «التي تتحكم فيها وتنظم وظائف المخ بنوع من التجانس.» وبالطريقة نفسها، وضع إي نظرية نفسية مرضية تؤدي إلى اعتبار المرض العقلي كدرجات مختلفة لتفكك النشاط النفسي تخضع لعملية عضوية مشابهة للنوم الذي يطلق العنان للأحلام . وتقدم نظرية «الحركة العضوية» - ظهرت لأول مرة عام 1936 وتطورت على مدار عقود ما بعد الحرب - رؤية «ديناميكية وجدلية للعلاقات بين ما هو نفسي وما هو معنوي»؛ مما يفترض أن «أي صورة نفسية مرضية تقتضي لتكوينها اضطرابا عضويا أساسيا يصحبه بالضرورة بنية نفسية معينة تمثل قاعدته الوجودية كما في علم الظواهر.»
9
وتعد بالفعل هذه المحاولة لتجاوز التناقض بين الأصل النفسي والأصل العضوي للمرض العقلي «أيديولوجية صراع أكثر منها مذهبا علميا. فهي تتيح تبرير استقلالية الطب النفسي كعلم التفككات العامة والوظيفية للوعي، بالمقارنة مع علم الأعصاب الذي هو علم التفككات الموضعية نتيجة إصابة. كما تحدد أيضا مجال الأطباء النفسيين، الذي هو المرض ذاته - الذي يختلف بوضوح عن التغيرات البسيطة في المعايير - لتبعده بذلك عن أطماع علماء النفس وعلماء الاجتماع والمحللين النفسيين غير الأطباء.»
Shafi da ba'a sani ba