Tarihin Hauka
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Nau'ikan
83
كان من الممكن تصور أن المريض المحتجز يخضع أو يطبق عليه إحدى هذه الوسائل العلاجية فقط تبعا لحالته أو لرأي الطبيب، إلا أن كثرة أنواع وطرق العلاج الموجهة المريض نفسه إنما هي شيء يدعو للعجب، وخاصة إذا كان المريض مصنفا كقابل للعلاج وليس حالة ميئوسا منها. فمع مريض الهوس يستخدم: العزل والحمامات الفاترة والباردة والأدوية المسببة للنزيف والمسببة للقيء والملينات والأفيون ونبات كف الثعلب والبوروم ونظام تغذية معين. ولمريض السوداوية: الحمامات بكافة أشكالها والاحتكاكات والأدوية المهيجة والمسببة للقيء ووسائل التسلية والتمارين، بينما يستخدم مع مريض الصرع: البوروم والبربيتورات وثقوب الجمجمة، بل وحتى بعض أنواع السموم. ولعلاج مريض الهستيريا: اللعبة الكبرى: تيار مجلفن وعلاج بالمعادن (وضع قطعة معدنية على الجلد) ومضادات التشنج والعلاج بالمياه للتسكين والتنويم المغناطيسي والأدوية المقوية والتمارين البدنية والأدوية المهيجة والمخدرة ... باختصار كل شيء تقريبا.
تختلف هذه الوسائل بالطبع تبعا لزمن الاحتجاز؛ فعلاج هذا المريض ذي الثلاثة والثلاثين عاما - المحتجز في بون سوفو عام 1848 (والذي بدأت هلوسته في وقت حصار مدينة روان) وشخصت حالته «بهوس مستمر وشديد مع حالات هياج شديدة ومتواصلة» - استلزم استخدام الأدوية المسيلة للدورة الدموية العامة والموضعية والملينات والحمامات اليومية ونبات كف الثعلب «بجرعات عالية ومستمرة لفترات طويلة». ولكن لم يفلح شيء منها في تهدئته. فعزل، وبعد مضي شهر، خضع لعملية وضع فتيلة في الرقبة (قطعة من القطن تمرر تحت الجلد لتشكل منفذا؛ أي إنها جرح صناعي يسبب تقيحا موضعيا). مرت ثلاثة أشهر، والهياج مستمر، فوصف له علاج زئبقي، ولكن دون تحسن. وأخيرا توفي المريض بسبب الكوليرا في يوليو 1849 قبل أن يتمكنوا من تجربة علاج آخر أو استبعاده.
في نهاية عهد الإمبراطورية الثانية، روى محتجز سابق في مذكراته: «أعترف أن الجميع يقبلون، بل ويباركون، تلك الأساليب الوحشية التي تدعي حب البشر، مثلما يقبلون ويباركون الأعمال الوحشية اللازمة للجراحة بنية فعل الخير، ولكني أضع لهذه الأشياء شرطا واضحا؛ وهو أن يكون هناك يقين أو على الأقل احتمالية للشفاء بعد تطبيقها.» وبالنسبة إلى الأطباء، يوجه لهم جراسونيه - مريض محتجز سابقا - هذه الكلمة في النهاية: «كلما ازدادت مهارتهم، ازداد خوفي منهم!»
84
احتجاز المجانين
على الرغم من التعدد المذهل لأساليب علاج الجنون، فإن الأمر كان يقتصر في القرن الذهبي لطب الأمراض العقلية على احتجاز المجانين وليس علاجهم كمرضى؛ أي إبعادهم عن الآخرين وحمايتهم من أنفسهم. ففي الحياة اليومية للمرضى المحتجزين، نجد أول شيء الحراس. هم دائما هناك أول الموجودين بل وأحيانا الوحيدون الذين يتوسطون العلاقة بين المريض والجهاز الطبي والإداري ، وفي يدهم القدرة البسيطة والرهيبة على تخفيف أو تغليظ اللائحة والعمل و«الالتزام المعنوي»؛ ولذلك يأتي الحارس في مرتبة قبل الطبيب، وأحيانا أعلى منه.
يتحكم الحراس - كما رأينا - في كل لحظة من لحظات الحياة اليومية داخل المصحة؛ فيستيقظون قبل المرضى بوقت طويل، ويخلدون للنوم بعدهم. هم من يقع على عاتقهم احترام جدول المواعيد المقدس، ورعاية النظافة واللياقة داخل المصحة وتهدئة الخلافات ومنع المشاجرات. يجب ألا يغيب مريض واحد عن عيني حارسه. وفي كل لحظة يجب توقع أي حركة فجائية، ويتعين على الحارس مواجهتها. وتذكر اللوائح العديدة المخصصة للحراس أنهم «ليسوا بخدم، وليسوا بسجانين»، وإن كانوا يمارسون هذه الأدوار إلى جانب وظيفتهم كممرضين (لم يظهر المصطلح نفسه إلا في العقدين الأول والثاني من القرن العشرين).
حتى العقود الأولى من القرن العشرين، كان للحراس سمعة سيئة لدى الإدارة والجهاز الطبي. والدليل على ذلك كثرة العقوبات التي كانوا يهددون بها. فعند أقل خطأ، كانوا يعاقبون، إذا نسي أحدهم مثلا إغلاق أحد الأبواب الكثيرة بالمفتاح داخل المنطقة، أو إذا سار أحدهم في مكان ما داخل المصحة غير مصرح له بالتجول فيه. وهناك أيضا حالات من الفصل الفوري ودون تعويض في حالة: سب أو تعنيف أو ضرب مريض، أو سرقة شيء، أو السكر، أو «الثورة ضد السلطة»، أو التشجيع على أي مراسلات، أو تجارة غير قانونية، أو الخروج دون إذن خاصة أثناء الليل. وفي تقريره المرفوع إلى محافظ سير عام 1893، ينتقد كبير الأطباء بمصحة منطقة بورج «طاقم الإشراف» بلهجة قاسية، منددا بعدم كفايتهم عدديا وقلة كفاءتهم مهنيا. «وينقسم الحراس إلى أربع فئات: المتسكعين داخل المصحة والمتشردين والأشرار واللصوص والسكارى والمهملين - ولا أريد أيا من هؤلاء بأي ثمن - ثم من هم أقل مستوى وهم غير مستقرين ولا تتناسب كفاءاتهم مع ادعاءاتهم، وهناك أيضا الطموحون الذين يقبلون على مضض وظيفتهم كحراس في انتظار وظيفة جديرة بقيمتهم، وأخيرا عمال مزارع دون مهارة أو عمال مفصولون من المصانع الخاصة والورش العسكرية بسبب سنهم أو عجزهم. وهؤلاء هم الأفضل، فعادة ما يكونون مسالمين وأمناء، وخاصة المزارعين منهم، يبقون في المصحة ويتعلقون بها أحيانا، إلا أن جهلهم وكسلهم وذكاءهم يفوق كل خيال.»
85
Shafi da ba'a sani ba