Tarihin Hauka
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Nau'ikan
عانى هؤلاء المرضى طويلا من الصدمة النفسية لأولى ساعات الاحتجاز. ربما تكون هذه هي اللحظة الأسوأ حين يكتشف المريض المرضى الآخرين. ويستشعر الفزع من رؤية الناس تعامله كمجنون، بل وحين يكتشف نوعا ما جنونه بالفعل؛ كل شيء يشكل ضربا من الرعب: أصوات المفاتيح والأقفال والصراخ والحبس. ويكتب كاهن محتجز في مصحة بون سوفور في عام 1854: «يعذبني ما أراه كل يوم وتؤرقني بشدة الصرخات التي أسمعها. ماذا أفعل وسط هذه الضجة وهذا الصخب؟» أما عن مريض آخر أعيد احتجازه: «فأكثر ما يخشاه هو أن يوضع مع المرضى التعساء المصابين بالهذيان ويسبون أثناء نوباتهم ... إلخ.»
لا يعتقد الكثير من المرضى أنهم مجانين، ويتساءلون عن سبب وجودهم في المصحة؛ «لأن مصحات الأمراض العقلية ليست مصممة لتضم من لديهم وعي كامل بما يفعلونه.»
33 «أعيش بين ما يقرب من مائة رجل، بعضهم بله تماما وآخرون مجانين يصرخون ويومئون ويصيحون، إنه جحيم يصيب بالجنون الشخص السليم. أنا لا أنتمي إلى هنا.»
34
ولكن الأمر هنا لا يتعلق إلا بالمحتجزين الذين لديهم القدرة على إدراك ما يحدث حولهم. فهناك الكثيرون يصلون في حالة من الهذيان الكامل مثلما توضح محاضر استقبالهم: «لا أخشى شيئا من أعلى، فأنا أمتلك أوامر البركة واللعنة.» وهناك مريض آخر يظن نفسه «الإله، ابن الله الأبدي وشقيق المسيح.» كان يسير عاريا في طرقات بايو، إلى أن قابله شرطيان . ويصل مرضى آخرون في حالة مفزعة: «جاء أحدهم عاريا لا يغطي جسده بالكاد إلا بقايا ملابس، ولحيته غير مهذبة تصل حتى بطنه، وشعره مفرط الطول في حالة فوضى كاملة يغطيه كمعطف. كان يعيش منذ فترة طويلة في العراء، فارا من الأماكن المأهولة بالبشر.»
35
وقد يأتي مرضى مغطون بالكدمات. كان هناك مرضى مصابون بهياج يجرى تقييدهم حتى تمزق القيود جلدهم؛ وهو الأمر الذي كان يسارع أطباء استقبال المرضى بتسجيله بوعي كامل لإخلاء أي مسئولية عن المصحة. وتجدر الإشارة إلى أن أطباء الأمراض العقلية لم يكونوا يرون في جميع الداخلين مرضى بالفعل: «يبدو هذا الشاب متشردا وقحا وكسولا ذا هيئة قذرة، ولكن صحته النفسية سليمة.»
وبعد ملاحظة شكلية، يدخل المرضى إلى المنطقة التي يحددها لهم الطبيب. في عام 1879 في مصحة بون سوفور (تضم حينها 1129 مريضا)، كانت النساء الأكثر عددا، حتى بلغ عددهن ستمائة وستا وستين مريضة. وكان الجناح الكبير المسمى نوتردام يضم أربعمائة وثلاثا وعشرين مريضة وإحدى وعشرين راهبة، موزعات على ما لا يقل عن عشر مناطق: الهادئات (ثلاثة أقسام) والمصابات بشبه هياج، والمصابات بهياج كامل وخرف، والثائرات، والمريضات بالصرع، ومن في مرحلة النقاهة، والمريضات (قسم التمريض)، والعاجزات والأطفال. بينما حاول جناحا النزلاء إدخال تصنيف يقتصر على الهادئات والمصابات بشبه هياج، والمصابات بهياج كامل. بالنسبة إلى الرجال؛ الذين بلغ عددهم أربعمائة وثلاثة وستين بالإضافة إلى اثنين وخمسين حارسا وست وعشرين راهبة، فإلى جانب جناحي النزلاء، كان التقسيم كما هو مع زيادة منطقة واحدة للمصابين بالهياج وأخرى للتمريض تضم العاجزين والمرضى.
تمتلك كل منطقة ساحة أو فناء (ساحة محاطة بممرات مفتوحة). قد تكون هذه الساحة أو الساحات صغيرة. وهناك يكون المكان الذي تتبدى فيه مظاهر الجنون. «خلف الممرض، اجتزت ممرات وساحات أكثر كآبة وإهمالا من تلك التي أودعت فيها. قبع فيها بقايا البشر يئنون ويومئون ويصطدمون في تحركاتهم الفوضوية. جلس اثنان أو ثلاثة على مقاعد بعيون ثابتة وذهن شارد يتفوهون بصوت أجش بعبارات ناقصة تصاحبها حركات غير مفهومة. وفي أحد أركان التقسيم الرابع ، لم نستطع المرور بسبب شجار نشب بين المرضى والممرضين. كان أحد المرضى قد تشاجر مع آخر، ورقد على الأرض في حالة من اللاوعي، بينما اختفى خصمه. وخلفه هرع ثمانية رجال ليقيدوه بسترة المجانين.»
36 «للوهلة الأولى، نعرف في أي منطقة نحن بمجرد دخول الساحات، فلا داعي لسؤال الحارس عما إذا كنا في منطقة المرضى المسالمين أو المصابين بالهياج؛ فالحديقة وحدها مؤشر كاف. فالحديقة المخصصة للمجانين المسالمين تكون نظيفة، ذات حشائش خضراء لا تدوسها أقدام المتنزهين [...] يتحدث فيها المرضى فيما بينهم ويقرئون ويحيون من يمر، أما تلك المخصصة للمصابين بشبه هياج، فتكون نصف مزروعة وتندر بها الورود؛ حيث يتمرغ المرضى على العشب. أما بالنسبة إلى المصابين بهياج كامل، فتكون الفوضى هي السائدة في الحديقة؛ فتنتشر الرمال العالقة بأقدامهم في الممرات، وتتقاطع على الحشائش ممرات رسمتها أقدام المرضى المصابين بهوس السير من الصباح إلى المساء، دائما على الخط نفسه، مثل الحيوانات المفترسة حبيسة الأقفاص. بينما تأخذ بعضهم البلاغة، فيمضون يتحدثون بطريقة مسرحية ويكررون العبارات نفسها دون توقف. ويسير آخرون خافضي الرءوس في حالة من التعاسة وأيديهم معقودة على صدورهم بفعل سترة المجانين.»
Shafi da ba'a sani ba