129

Tarihin Hauka

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Nau'ikan

حفلة راقصة للمريضات عقليا

على خلاف النظام الصارم للحياة اليومية في المصحة، وفيما قد يبدو كصدى بعيد لأعياد المجانين في العصور الوسطى، كان إقامة حفلة راقصة للمريضات عقليا تبدو كنوع من الترويح السريالي عن النفس؛ حيث يكون الجنون هو محور الاحتفال. وتبين لنا بعض الرسومات من نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر «الحفل المقام للمريضات المصابات بالهستيريا في مصحة سالبيتريير». وفي إحداها، تظهر مريضة كبيرة مصابة بهستيريا شديدة وهي تلوح بما يشبه عصا الطبلة الكبيرة وتفتتح بقوة عرض الحفل التنكري. وفي رسم آخر، تظهر بداية الحفلة في جو من البهجة والنظام. وفي الخلفية ، تقف الحارسات بقبعاتهن وملابسهن البيضاء ليرقبن القاعة، إلى جانب الأطباء بزيهم الأبيض فوق ستراتهم. وفي المقدمة، على اليمين نلحظ، بصعوبة، حارستين تصطحبان مريضة في حالة هياج شديد، وإن ظلت متماسكة مكتفية بتسديد ضرباتها إليهما.

كل هذا قد يكون موضوعا للوحات تصويرية متعارف عليها، إلا أن الأمر ليس كذلك. ففي عام 1812، أقيم حفل للمرضى بمصحة شارنتون انتقدته مذكرة دعوى قضائية في ذلك الوقت بشدة:

22 «أما بالنسبة إلى الحفل الذي يعقد كل خميس، فإنه ضرب من المبالغة لا يضاهيها شيء [...] ففي المصحة - التي يجب فيها إضعاف الأهواء التي سببت المرض - لا يتورع من هناك عن إذكائها بالجمع بين الجنسين وتحت تأثير الموسيقى والرقص والتلامس والأوضاع المختلفة ... إلخ! ومن يقمن بالرقص هن النساء الأكثر استثارة من الناحية العصبية وخاصة المريضات بالهيستريا والهوس الجنسي!» على العكس الحفل المقام في سالبيتريير لأفراد الجنس الواحد، يجمع شارنتون باستخفاف بين الرجال والنساء. في عام 1900، يذكر مدير المصحة أن هذه الحفلات قد استمرت فيقول: «سيصدم الغريب من الزي الرائع ومن التنسيق الشديد للراقصات والفرسان. وباستثناء حالات نادرة ترجع إلى نوبات مفاجئة، يدور كل شيء بالشكل الأمثل.»

23

لا يرى الجميع الأمر بتلك النظرة المثالية نفسها: «تجلس سيدة على البيانو تحرك أصابعها بطريقة تشبه تلغراف «شاب»، وتعزف رقصة البولكا، بينما أخذ عدد قليل من المخبولين يدورون بوتيرة واحدة [...] فكان مشهدا مثيرا للشفقة أكثر من كونه حفلا، كان حفلا كئيبا. يظل بعض ممن يرقصون الفالس يقفزون بصورة رهيبة، وفي كل لفة، يرتطم فكا أحدهما محدثا صوتا تعسا. بينما يحرك آخر من اليمين إلى اليسار عينيه التائهتين، موجها في ذات الوقت «لامرأته» عبارات رقيقة، بل وقد تكون غزلية [...] وعلى الضوء المرتعش الباهت لقناديل الغاز الرديئة، تكتسي القاعة بجو كئيب. ولقد لاحظت أنه كلما ازداد اضطراب عقل المريض، ازداد استمتاعه بالحفل. في حين تستحوذ على المصابين بالخرف السلمي - وهم الأكثر عددا في القاعة - حالة من الكآبة تشق على النفس رؤيتها. وتمكث غالبية المريضات في صمت، جالسات في صفين وكأنهن في قداس. قد تتمتم بعضهن بصوت خافت بعبارات كالصلوات. أما من يرقصن فيبدو عليهن التيه، ويوحي شكلهن بوضعهن المقلق.»

24

ويتذكر ماكسيم دي كامب هو الآخر حفلا للمريضات بمصحة سالبيتريير: «مرة أخرى حضرت حفلا تنكريا للمريضات عقليا، حيث فتح له متجر الملابس، وتنكرت كل منهن على ذوقها في زي ماركيزة أو بائعة حليب أو مهرجة. عادة ما يكون جنون النساء أكثر إثارة من جنون الرجال، الذين يصبحون أكثر عنفا أو انغلاقا، يفكرون حتى في ظل غياب عقلهم. أما النساء، وهن الأكثر انفتاحا فالواحدة منهن تبالغ في دورها، تتحدث وتومئ وتروي قصصا، وكأنها تفتح منذ الوهلة الأولى أبواب كل خبايا وأسرار جنونها. وأذكر في تلك الليلة رؤيتي لعجوز حدباء؛ كانت تذهب وتجيء تعاني بوضوح من فرط النشاط الجنسي، فكانت تحوم حول رجلين أو ثلاثة كانوا هناك، وتمد يديها النحيفتين ناحيتهم بتعبير يائس. كان الأمر يسير على ما يرام مع باقي المريضات، كانت إحداهن تدق على البيانو، بينما أخذت ترقص الفتيات القائمات على الخدمة مع المريضات بنظام وضعته بتدقيق إحدى المريضات التي ألبسوها قبعة ذات ريشة كرمز للقيادة. وكانت شديدة الفخر بالمهام الموكلة إليها وبقبعتها البيضاء، وكانت تجول منظمة أي مكان في حاجة إليها.»

25

قدمت بعض العائلات شكوى - مثل زوجة أحد المرضى - عند قراءة الجريدة المحلية عام 1892: «يذكر المقال أنه بمناسبة الرابع عشر من يوليو، سينظم حفل للمرضى والمريضات عقليا، للترفيه عن بعض المرضى المميزين، وهم بالتأكيد أكثر رقيا وبالتأكيد الأكثر جنونا بين نزلاء المصحة. وأنت تدرك يا سيدي مدى ألمي بل وغضبي عند قراءة هذا المقال؛ حيث إن زوجي نزيل في تلك المصحة للأمراض العقلية. إني أعترض بشدة على كل من يريدون أن يجعلوا من هؤلاء التعساء، ومن زوجي على الأخص، أضحوكة ومحطا لسخريتهم؛ ومن ثم أرفض بشدة أن يكون زوجي ضمن الحاضرين لهذا الحفل الشنيع ...»

Shafi da ba'a sani ba