Tarihin Hauka
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Nau'ikan
كان مشروعا ضخما، على عكس مشاريع هدم أي مشفى قديم: ألفا مريض موزعون على خمس خدمات طبية كبرى (ثلاث للنساء واثنتين للرجال)، بمعدل طبيب واحد لكل أربعمائة مريض، في بداية القرن العشرين. وتؤكد الخطة العامة للمشروع الاتجاه الجديد لدمج المناطق المختلفة داخل المصحة وليس ربطها فحسب بعضها ببعض في إطار مشهد منظم، خاصة وأن التصميم الإجمالي للمشروع ظل يحاكي التصميمات التقليدية المماثلة. وجرى تمديد المحور المركزي للمباني - على غرار البيت الأبيض الذي بني قبل بضع سنوات في عام 1900 - من خلال إضافة منحدرين يتيحان - دون فصل الجنسين بجدار مانع - «مراقبة المرضى من كل الجوانب لمنع اختلاط الجنسين». إلا أن الجدار الخارجي كان أمرا لا غنى عنه.
وخصصت لكل من الخدمات الخمس الكبرى ثمانية أجنحة يختلف تصميمها المعماري وفقا للفروق الطبية المخصصة لها، تفصلها مساحات وأشجار ومشهد لا يحده أسوار أو واجهات أخرى. أنشئ الجناح الأول الذي يضم خمسين مريضا في الدور الأرضي، وخصص للاستقبال والملاحظة المستمرة (بعد فصل هذين العنصرين). وتم الاحتفاظ بغرف العزل للداخلين. ويمتلك كل من هذين القسمين صالة للطعام وصالة اجتماعات وقاعة استقبال، بينما تم تخصيص الجناح الثاني - الذي يضم خمسين مريضا ويمكن عند الضرورة إضافة طابق إليه - مقرا لجهاز التمريض. ويمتلك الجناح الثالث، الذي يضم ثلاثين مريضا، طابقا خصص للمصابين بالوهن العصبي الواعين والذين يعانون من وجودهم مع مرضى آخرين مصابين بالهذيان. والجناح الرابع مخصص لخمسين مريضا ممن في مرحلة النقاهة، وهناك يتبع «نظام أكثر حرية يقترب من الحياة العادية ويسمح بالحكم على قدرة المريض على الخروج». أما الجناح الخامس، فيضم أيضا طابقا يحتوي على خمسين مريضا من العاملين والمرضى الهادئين. والسادس، وله طابق أرضي، يضم المرضى الضعفاء والمصابين بالخرف كل في قسم مختلف. وتصل قدرته الاستيعابية إلى مائة مريض. كلما زاد عدد المهاجع، زادت القدرة على وضع تصنيف محدد (مثلا تخصيص مهجع للمصابين بالخرف والهياج). ويختص الجناح السابع - مع إمكانية إضافة طابق - بالمرضى شبه المصابين بالهياج. وفيه أيضا تقسم أماكن الإقامة الليلية إلى الحد الأقصى بغية تجنب انتقال «عدوى الهياج بين المرضى». وأخيرا، يأتي الجناح الثامن وبه طابق وقسمان، ويضم ستين مريضا كلهم ممن هم في حالة هياج. ويسمح وجود العديد من الغرف المجاورة للمهجع القيام بتقسيمات داخلية. لم يعد هناك منطقة مركزية للزنازين، وإنما غرف للعزل داخل كل جناح يوجد بها أيضا قاعة للطعام ودورات مياه غير مركزية.
إلا أنه كان من الصعب اتخاذ قرار بالتخلص من الجناح الفخم «المقدس» المخصص للعلاج بالمياه، الذي خضع - مثله مثل قاعة الاحتفالات - لنظام دقيق وفصل مشدد بين الجنسين. وضعت قاعة الاحتفالات بالقرب من مدخل المصحة؛ لكي يصل للمرضى الجدد الإيحاء بأن «أبواب المصحة ليست هي بأبواب الجحيم»، وأيضا حتى إذا ما دعيت إحدى العائلات لا يكون عليها الدخول إلى مناطق محظورة.
إذن في النهاية لم يتم إنشاء هذه المصحة السابعة في السين - على غرار المشروع الذي قدمه الطبيبان راينييه ولوزييه
32
عام 1935 - فيجب أن نرى في ذلك مدى البؤس الأبدي للميزانية المخصصة لهذا الأمر، وليس التخلي عن المبادئ المعمارية التي تظل - على الرغم من كل شيء - الأساس الملموس لطب النفس العقلي. ويعد الدليل على ذلك أنه بمجرد صدور نظرية جديدة خاصة بالمشفى- القرية ذات الأجنحة المنتشرة المتعارضة مع فكرة «المشفى-الثكنة» (وهي أكثر تماثلا وجمالا للنظر عن الأخيرة)؛ ظهرت للنور عقيدة معمارية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين؛ وهي المصحة المقسمة إلى مناطق. فيعاب على المصحة-القرية تبعثر المباني وانتشارها؛ مما يعقد عملية المراقبة والإدارة ويطيل من كافة دوائر النظام الذي يظل مركزيا في النهاية. في المصحة المقسمة إلى مناطق، يمكن التمييز في البداية بين المنطقة الطبية التي تشكل الخدمة المغلقة الخاضعة لأحكام قانون عام 1838. وتنقسم هذه المنطقة إلى قسمين: قسم مخصص للعلاج وللتمريض، وقسم آخر كمأوى للحالات المزمنة والخرفين والمرضى بالصرع؛ أي إن الهدف هو الفصل الجذري بين الحالات القابلة للشفاء والحالات الميئوس منها (الأمر الذي كان مرفوضا قبل ذلك). أما المنطقة الثانية، وتختلف تماما عن الأولى، فهي تختص بالخدمات المفتوحة (التي لا تخضع لقوانين 1893 و1905): الأطفال وضعاف العقول والمسنون والمصابون بالصرع غير الجنوني والمرضى النفسيون غير المختلين والمصابون بالوهن العصبي ... من المقرر أيضا أن ينشأ في هذه المنطقة مصحة للأمراض النفسية. وإلى جانب هاتين المنطقتين الكبيرتين، توجد أيضا مناطق أقل مساحة: مناطق صغيرة للخدمات الخاصة (أطفال غير طبيعيين، خدمات أمنية للمرضى ذوي النزعات الإجرامية أو المنحرفين)، ومناطق للخدمات الطبية الملحقة (جراحة، دار حضانة ... إلخ)، ومنطقة للإقامة (لذوي المنح المتوسطة، وانتهت فكرة الإقامة في الأكواخ)، ومنطقة إدارية بالطبع، وفي النهاية، «منطقة خاصة لتجميع الخدمات الاقتصادية» (ورش صناعية، منتجات زراعية) بالقرب من مناطق العمال. كان تخفيض المساحة هائلا: 11 ونصف هكتار لكل مائة مريض؛ أي إن عدم كفاية الميزانية كانت لها الكلمة الأخيرة مرة أخرى.
في الواقع، قبيل الحرب العالمية الثانية، استمرت غلبة فكرة مصحة الأمراض العقلية المغلقة - التي أصبحت على مر السنين المشفى القديم - في كافة أرجاء فرنسا تقريبا. ويبدو أن كل هذا التقدم المؤسسي والمعماري - الذي لم تتحقق الاستفادة منه مطلقا - قد أضفى عليها بصورة مفارقة نوعا من الشرعية: لكونها المصحة بمعناها المعروف؛ أي المصحة التي نحتاج إليها.
الفصل الثالث
جدران المصحة
كما جاء في التقارير الرسمية والصحافة المحافظة في عهد حكومة يوليو الملكية والإمبراطورية الثانية، وجد المرضى عقليا أخيرا في مصحة الأمراض العقلية - الذي طالما أراده مؤسسو الطب النفسي - الرعاية الجيدة التي طالما افتقدوها. كان ذلك هو عصر الحكايات المبهرة التي كان يعدها الزائرون للبلد التي بها تلك المصحة. ويكتب أحد الزائرين: «قمنا بزيارات طويلة لكل من مصحة بيستر وسالبيتريير.»
Shafi da ba'a sani ba