Tarihin Israiliyawa

Shahin Makarius d. 1328 AH
95

Tarihin Israiliyawa

تاريخ الإسرائيليين

Nau'ikan

كتب يوسيفوس ترجمة حياته بنفسه ودون في كتابه حرب اليهود أخباره وأعماله مسهبا فيها، فلم يبق لأحد مجالا إلى البحث للوقوف على ما له علاقة بسيرته.

ولد هذا الرجل العظيم في السنة الأولى من ملك كاموس قيصر «كاليفولا»، أي: سنة 37 أو 38 للميلاد، ويؤخذ من كتابه أنه عريق في الحسب والنسب يمتد تاريخ عائلته إلى زمن بعيد، واسم أبيه متياس، وقد كان في أعلى درجات الكهنوت وأمه من آل حشمناي الذين تولوا الملك ورئاسة الكهنوت معا، فهو إذن يوسف بن متياس، وليس ابن كوريون كما قال ابن خلدون، فأضل كثيرين من الباحثين، ولم يذكر في كتب التاريخ إلا باسم يوسيفوس وعرف بهذا الاسم أيضا، ويقال: إنه كان في أيام يوسيفوس رجل آخر بهذا الاسم، وكان شاغلا مركزا مهما في الحكومة.

وكان في صغره قوي الذاكرة متوقد الذهن تلوح عليه مخايل النجابة والذكاء، ولم يبلغ الرابعة عشرة من عمره حتى برع في كثير من العلوم التي كانت معروفة في عصره، واشتهر بين قومه بالهمة وأصالة الفكر فصار الكهنة ووجوه أورشليم يستشيرونه في جلائل الأمور، ويرجعون إليه في تفسير المسائل الشرعية العويصة، ولا يخلو هذا القول من الإغراق والمبالغة، ولكن يوسيفوس يبالغ في الكلام عن نفسه مبالغة تثبت ما قيل عنه، ولما بلغ السادسة عشرة جعل يدرس مذاهب اليهود الشائعة في ذاك الأوان، واختار منها مذهب الفريسيين وتمذهب به.

وذاع بين قومه أنه مخلص لوطنه يريد الخير لبني جنسه، ولنا على ذلك أدلة ساطعة وشواهد قاطعة لا تفند ولا تنقض، فمن ذلك أنه قصد رومية متحملا مشاق السفر وغير مبال بأخطار الطريق سعيا في تخليص الكهنة الذين قبض عليهم والي اليهودية وكبلهم بالقيود، وقد غرقت السفينة به ونجا مع بعض الركاب فركب سفينة أخرى وبلغ رومية، وما زال يسعى ويجد حتى توصل إلى مقابلة بوبيا زوجة نيرون القيصر، فتوسطت له في إطلاق سراح الكهنة وأعطته هدايا وتحفا نفيسة.

ولما رجع إلى وطنه ورأى اليهود مستظهرين على الرومانيين يتشاورون في نبذ سلطتهم لما أنزلوه بهم من الظلم والجور نهاهم عن فعلهم، وأنذرهم بوبيل العقبى إذا ثابروا على خطتهم؛ لأن الرومانيين كانوا أناسا أقوياء متدربين على الفنون الحربية، وأجزل من اليهود عددا وعددا فلم يصغوا إلى كلامه والاهتداء بنصحه وإرشاده، وخشي أنهم يحسبونه للأعداء أو مشاركا إذا زاد في تحذيرهم، فهرب إلى دار الهيكل الداخلية، ثم استظهر العصاة على قائد الرومانيين وهزموه شر هزيمة فشقت البلاد كلها عصا الطاعة وأقام الشعب يوسيفوس واليا على الجليل، فكان أول ما فكر فيه جمع كلمة قومه؛ ليكونوا يدا واحدة في اتحادهم، وسعى جهده في توثيق عرى التواد والإخاء ليعود إلى البلاد استقلالها وتتحسن أحوالها، ورأى ورأيه الموفق إلى الصواب والخير أن البلاد لا تتقدم إلا برفع منار العدل ومعاملة أهلها بالسواء، فاختار سبعين رجلا من الوجهاء النافذي الكلمة الحسني السيرة، فأشركهم معه في السلطة وأقامهم حكاما على الجليل، وعين سبعة قضاة في كل مدينة للفصل في المشكلات، وأمر أن ترفع إليه الدعاوى الكبيرة لينظر فيها هو والسبعون شيخا.

ولما استوثق له الأمر وعين الحكام وسن القوانين أعمل فكره في صيانة البلاد وصد هجمات الأعداء عنها، ودفع تيار طمعهم فيها؛ لأنه كان معتقدا أن الرومانيين يتأهبون سرا لاسترجاعها على حين غرة، وكانت باكورة أعماله بناءه أسوارا عظيمة حول المدن الكبيرة وإنشاء الحصون والمعاقل المنيعة، وانتقى من أشداء الرجال مائة ألف ونظمهم جيشا وسلحهم ودربهم على الفنون الحربية، وعلمهم كيف يستعملون البوق ويزحفون ويهجمون ويتقهقرون، وأقام عليهم رؤساء وقوادا إلى غير ذلك من الفنون الحربية، وكان يشجعهم ويشدد عزائمهم، ويقول لهم: إن الرومانيين من أشد الناس بأسا وأصعبهم مراسا، وأنهم لا يصدون هجماتهم عن البلاد، ويأمنون عن العباد إلا إذا مهروا في فنون الحرب، وفرقهم بعد ذلك فرقا على المدن للدفاع عنها إذا استوجبت الحال، ومن كلامه المأثور أن الجندي لا يتغلب على غيره إلا إذا كان شجاعا باسلا كبير النفس، حسن الأخلاق، وأنه لا يرجى تقدم ولا فلاح لمن كان فاسد السيرة والسريرة؛ لأنه يفقد الشجاعة الأدبية، ومن كان جبانا في نفسه فلا تنفعه قوة بدنه وعضلاته؛ لأنه يحجم عن القتال مثل أضعف الناس.

وقام له أعداء أقوياء دبروا الحيل ودسوا الدسائس للتمثيل به، مدفوعين إلى ذلك بما طبعوا عليه من الحسد والخساسة، وقد كادوا له المكايد الكثيرة، ولكنه نجا منها بحزمه وثباته، ومن هؤلاء الأعداء يوحنا بن لاوي ويشوع بن صفياس حاكم طبرية، قال يوسيفوس: «وكان يشوع بن صفياس رجلا شريرا مفسدا، فأخذ شريعة موسى بيده، ونادى أهل طريخية قائلا: إن لم تكرهوا يوسيفوس من قبل أنفسكم فاكرهوه لأنه أساء إلى شريعتكم، وأوقعوا به العقاب الذي يستحقه. ثم أخذ بعض الرجال المسلحين وأسرع إلى البيت الذي كنت فيه ليقتلني وكنت مستغرقا في النوم من شدة التعب، لا أعي على شيء، ولكن سمعان الذي كان قائما على حراستي رآهم آتين فأيقظني وأخبرني بالخطر المحدق بي، وطلب مني أن أسمح له ليقتلني فأموت موت الأبطال قبل أن يقبض علي أعدائي ويقتلوني بأيديهم، أو يضطروني أن أقتل نفسي بيدي، أما أنا فسلمت أمري لله ولبست جبة سوداء، وخرجت في طريق آخر وأتيت ساحة المدينة، حيث كان الشعب مجتمعا وطرحت نفسي على الأرض وبللت التراب بدموعي، حتى إذا رأيت أمارات الشفقة والحنو على وجوههم عزمت أن أوقع فيهم الشقاق قبلما يرجع الرجال المسلحون الذين مضوا إلى بيتي ليوقعوا بي، فقلت لهم: هبوا أني مذنب كما تقولون، ولكن اسمعوا حتى أخبركم لماذا حفظت المال المنهوب، ثم اقتلوني إن أردتم (وكان بعض من اليهود قد هجموا على امرأة بطليموس وعلى اليهودية، وسلبوا ما كان معها من الجواهر والنقود وأتوا بها إلى يوسيفوس، فلم يسمح لهم بأخذها وحفظها عنده لردها لأصحابها قائلا: إن الشريعة لا تجيز لنا سلب الأعداء، وكانت غايته أن يصطلح مع الرومانيين إذا وجد سبيلا إلى ذلك، فأخذها يشوع خصمه حجة عليه)، ولم أتم كلامي حتى عاد الرجال الذين ذهبوا إلى بيتي، فهجموا علي يريدون قتلي إلا أن الشعب منعهم من ذلك، فامتنعوا حاسبين أنني إذا أخبرتهم بحفظي المال المنهوب لأرده إلى الوالي ثبتت لهم خيانتي فيسمحون بقتلي، فلما سكتوا كلهم وقفت وقلت: يا أبناء وطني لست ممن يكره الموت إذا أستحقه عدلا، ولكنني أريد أن أخبركم بحقيقة هذا الأمر قبل أن أموت، فإني أعلم أنكم ترحبون بالغرباء؛ ولذلك كثر النزلاء في مدينتكم وجاءوكم ليشاركوكم في السراء والضراء، فعزمت أن أبني بهذا المال سورا حول مدينتكم؛ ولذلك أراكم غضابا علي. ولما قلت ذلك جعلوا يشكرونني ويشجعونني إلا أن أولئك اللصوص الذين قصدوا الإيقاع بي خافوا أن أعود فأنتقم منهم، فاختاروا ستمائة رجل مدجج بالسلاح وتبعوني إلى بيتي عازمين أن يحرقوه بي، وبلغني ذلك فرأيت أنه لا يليق أن أهرب من وجههم، وقلت: إن الحزم أولى في هذه الحال، فأمرت أن تقفل أبواب البيت وصعدت إلى غرفة عالية، وخاطبت الجمع منها قائلا: أرسلوا إلي واحدا منكم لأدفع إليه المال الذي تطلبونه فلا يبقى داع لهذا السخط، فأرسلوا رجلا من أشدهم بأسا ، فلما مثل بين يدي أمرت به أن يجلد ثم قطعت يده وعلقتها في عنقه وأرجعته إليهم على هذه الصورة، فلما رأوه خافوا وحسبوا أني لم أفعل ذلك إلا وعندي جيش أقوى منهم، وأني أعاقبهم مثله إذا قبضت عليهم، فأركنوا إلى الفرار.»

ولم يكتف خصومه بما فعلوا، بل أعادوا الكرة عليه وأخذوا يغرون اليهود للانتقام منه، وادعوا أنه رجل ساحر استخدمه الرومانيون لقضاء مآربهم وتنفيذ غايتهم، فنصح لهم وأقنعهم بالبراهين القوية أنهم مغرورون، فالواجب أن لا يصغوا إلى كلام المفسدين، ولكن أعداءه لم ينفكوا عن إيغار الصدور وتلفيق الدسائس والوشايات ضده، وما زالوا يسعون ويهيجون حتى قام أهل طبرية عليه وكادوا يقتلونه لو لم ينج من بين أيديهم بحيلة عجيبة، وأخذ يبحث بعد ذلك عن مثير هذه الفتنة حتى عثر عليه وأمره بقطع يده فقطعها.

ولما بلغ القيصر نيرون أن اليهود هزموا عسكره، وألقوا بهم الويل والنكال وقتلوا منهم عددا كبيرا أرغى وأزبد، ولكنه أخفى غيظه وغضبه وأظهر الصبر والجلد، ونسب ما لحق بجيوشه من الفشل إلى إهمال القواد وعدم تبصرهم، وجعل يفكر في أخذ ثأره وكبح جماحهم وإخضاعهم لسلطته، ويسعى في تعبية الجيوش وإعداد المعدات اللازمة، وانتخب لذلك أشهر قواد عصره المدعو أسبسيانوس (أوفسبسيان)، وهو رجل قضى عمره في الحروب والغزوات حنكته أهوال المعارك حتى صار قائدا خبيرا بعيد النظر ملما بالفنون الحربية كلها، وقد حفظ القيصر أبناء هذا القائد رهائن عنده خوفا من أن يغدره.

وبعد أن جمع أسبسيانوس الجنود الرومانية سافر لساعته عن طريق الدردنيل ومر بأنطاكية، وكان الملك أغريباس الثاني في انتظاره هناك مع جنوده فرحلوا سوية إلى عكاء، ولما وصلوها وجدوا كثيرين من اليهود الذين لم يشتركوا في الثورة، بل بقوا خاضعين للرومانيين، ثم جاء ابنه تيطس، وجاءت جنود كثيرة من الشام وبلاد العرب حتى بلغ عدد جنوده ستين ألفا.

Shafi da ba'a sani ba