136

Tarihin Israiliyawa

تاريخ الإسرائيليين

Nau'ikan

وقد اشتهر ما بين نوابغ الإسرائيليين كثيرون لم تساعدنا الأحوال على نشر شيء من تراجمهم؛ ولذلك نشير إلى بعضهم مثل حضرة الخواجه إيلي كورييل في بنك الأنجلو، والخواجه بخور نجار في البنك الأهلي، والمسيو شبتاي، والمسيو لوساتو في البنك المصري ، والمسيو كاتسينيو في البنك العثماني، وأصحاب المحلات الشهيرة والأعيان كالخواجات إفرايم ليفي وبلاتشي ومراتشي وروصانو وفيكتور عمار وإلكسندر داليكو وإخوان زجدون ونجار وعفيف وموسى ونسيم جرين وإخوان سبيعو، وإخوان أشير، وحضرة الدكتور شمعون مويال، وقرينته الفاضلة السيدة إستير وغيرهم، وعسى أن نتوفق في المستقبل إلى الكتابة عنهم بما يخلد لهم الذكر الجميل، ويجعل للآخرين غيرة للاقتداء بأعمالهم.

الفصل الرابع عشر

في الأمة الإسرائيلية

مر على الأمة الإسرائيلية أدهار طويلة، وهي تضرب في أنحاء الأرض هائمة على وجهها لا يستقر لها قرار، ولا يهدأ لها بال من شدة ما انتابها من نوازل الأقدار التي هدمت أركان عزها، وقوضت دعائم مجدها ، وذهبت بدولتها الرفيعة الشأن حتى تفرق شمل اليهود في جميع الأمصار، ولكنها كانت مع كل ذلك على رغم الدهر دائبة في لم شعثها وجمع كلمتها وضم جامعتها، تدافع عن كيانها بالصبر وثبات الجأش، والرضوخ لأحكام الأقدار، فلا تقعد عن عمل يلوح لها فيه بارقة أمل للوصول إلى غايتها الشريفة، ولا تألو جهدا في كل ما يئول إلى خيرها ونفعها، شأن الأمم الحية النامية التي لا تمل من مقاومة العقبات وإزالة العثرات، ولا تكل من مقارعة الحوادث والنكبات، فهي نابغة سائر الأمم على الإطلاق بما خصها الله من الذكاء وصدق العزيمة الذي حفظت به حياتها كل هذه الأدهار الطويلة، وهي لا جامعة لها تجمعها، ولا وطن لها يضمها، ولا راية تظللها، ولا ملك يدير شئونها، ولا دولة تدافع عن حقوقها، ولا حكومة تعطف عليها، ولا شعب يميل إلى مؤاساتها، بل كانت منفردة في جهادها، وحيدة في سعيها واجتهادها، وكانت الأمم تمقتها وتخفض من شأنها، وتغض من كرامتها، وتنظر إليها بعين الازدراء، وتعامل أفرادها معاملة الأذلاء، وهي لا ذنب لها سوى ما اشتهر عنها من الذكاء النادر المثال والدهاء البعيد المنال، وهما الخلتان العظيمتان اللتان عرفت بهما هذه الأمة الكريمة، واستطاعت أن تحافظ بهما على وجودها كل هذه المدة الطويلة.

وكأن الأمم في العصور الماضية أكبرت ذكاء هذه الأمة وهالها شدة محبة أفرادها بعضهم لبعض، واقتدارها على انتهاز الفرص المقوية لحياتها على ما هي عليه من الضعف وتشتيت الشمل، فانقلبت عليها بالحسد والغيرة، وجعلت ترميها بالتهم الشنيعة وتعاملها بالاضطهاد والعنف، وتشيع عنها الأخبار المهيجة للخواطر والأفكار، وتلفق الإشاعات والأكاذيب والمفتريات، وكان الجهل ضاربا أطنابه في تلك العصور المظلمة، فكان الناس يتلقون تلك الإشاعات وينزلونها منازل الحقائق الراهنة، ويتحدثون بها في الأندية والمجتمعات، ويبالغون في تنميق أحاديثهم عنها ويضيفون إليها ما شاءوا من الأكاذيب والمفتريات، ومن ثم أخذت تلك الأوهام ترسخ في العقول وتوغر الصدور حتى قامت قيامة الدنيا على هذه الأمة، وأخذ الجهلاء الأغبياء يصبون عليها من صواعق غضبهم وحقدهم وانتقامهم ما لو صب على جبال راسخة لدكها وغادرها هباء منثورا، ولكنها كانت تتلقى كل ذلك بالصبر وتتقيه بالمهاجرة والرحيل من أرض إلى أخرى، متخذة من ذكائها نبراسا ينير ظلمات حياتها المدلهمة.

ترحل عن بلاد فيها ضيم

وخل الدار تنعى من بناها

فإنك واجد أرضا بأرض

ونفسك لم تجد نفسا سواها

فمن تلك الإشاعات والمفتريات تهمة وقعت على هذه الأمة ظلما وعدوانا وأوغرت صدور جهلاء الأمم عليها، وزادت بغضهم لها وكراهتهم بها، وهي أن اليهود يذبحون أطفال النصارى ويستنزفون دماءهم ويمزجونه بالخمير، ولعل هذه التهمة الفظيعة كانت السبب الأقوى فيما انتابهم من أنواع المظالم والمغارم، وقد يكفي لنفي هذه التهمة أن الأمة الإسرائيلية اشتهرت شهرة عظيمة بالمحافظة على معتقداتها الدينية، واتباع ما جاء في كتبها الإلهية من تحريم الدم وغيره من المحرمات، كما علمت من الفصول المتقدمة في هذا الكتاب، وليس تحت السماء شعب حافظ على قوانين دينه مثل هذا الشعب، فكيف يعقل أنه يقدم على إهراق الدماء البريئة وله من زواجر كتبه المنزلة ما يمنعه عن ذلك وينذره بسوء المصير، ولكن أبى الدهر إلا أن تتسلط الأوهام على العقول الضعيفة حتى في إبان تلقيها للحقائق، فإنك لا تجد عاقلا يتجاسر على إثبات هذه التهمة الفظيعة التي طواها التمدن في سجل الخرافات القديمة، ونادى العلم ببطلانها مرارا عديدة.

Shafi da ba'a sani ba