فلما كان بالليل ركب عد العزيز بن قيس فرسه ولبس سلاحه- وهو عم أبى محرز القاضى- يريد توديع حنظلة، فلما صار بقصر الماء سمع من خلفه وقع حوافر دابة، فراعه ذلك ووقف للدفاع عن نفسه مستعدا، فإذا هو عمر بن غانم، فسأل بعضهما عن بعض وتساءلا وتوجها حتى لحقا حنظلة، فراعه وقع حوافر دوابهما وظن أن عبد الرحمن وجه فى طلبه خيلا، فلما وصلا إليه سر بهما، وجزاهما خيرا، وسألاه أن يصحباه، فأبى من ذلك كراهة أن يحالفهما إلى أهلهما مكروه من عبد الرحمن، فودعاه وانصرفا إلى القيروان، فبلغ ذلك عبد الرحمن فبعث إليهما وقال: «خالفتما أمرى وارتكبتما نهيى» فذكرا أنه أحسن صحبتهما وأولاهما جميلا، فبعث إليهما وعفا عنهما، وقبل عذرهما وسالهما أن يتوليا من أمره ما كان يتوليان من حنظلة، ورغب فى وفائهما، فكان عمر بن غانم على حجابته، وعبد العزيز بن قيس على شرطته، فلما قفل حنظلة، إلى المشرق دعا، وكان مستجابا، فقال: «اللهم لا تهن عبد الرحمن هذا الملك ولا أهله وأسفك دماء هم بأيديهم، وابعث عليهم شرار خلقك» ودعا على أهل إفريقية فوقع الوباء والطاعون، فأقام بإفريقية سبع سنين، لا يكاد يرتفع إلا وقتا فى الصيف ووقتا فى الشتاء.
ولما ولى عبد الرحمن ثار عليه جماعة من العرب والبربر، ثم ثار عليه عروة بن الزبير الصدفى، واستولى على تونس، ثم ثار عليه عرب الساحل وقام ابن عطاف الأسدى حتى نزل بطساس، وهرب البربر من الجبال، وثار ثابت الصنهاجى بباجة، فأخذها. فدعا عبد الرحمن أخاه إلياس، فقال له: «امض فى ستمائة فارس حتى تمر بعسكر ابن عطاف الأزدى، فإذا تراءت له خيلك فأظهر أنك تزهق عنه إلى تونس حتى إذا انتهيت إلى موضع كذا وكذا، فقف حتى يأتيك جاسوس أدسه فى عسكر ابن عطاف، فخرج إلياس ودعا عبد الرحمن برجل، فأعطاه أطمارا وأعطاه كتابا ، وقال له: امض حتى تدخل عسكر ابن عطاف، فإذا أشرف عليهم إلياس ورأيتهم تداعوا بالسلاح فأقم فيهم، فإذا زهق إلياس عنهم ووضعوا السلاح وتمحقوا، تسلل حتى تأتى إلياس فى مكان كذا وكذا، فقد أمرته أن يقف لك هنالك، فمضى الرجل حتى دخل عسكر ابن عطاف، فلما طلع إلياس عليهم
Shafi 73