هذا ومات السلطان سليم في 22 سبتمبر 1520 فلم يقم في السلطنة أكثر من ثماني سنوات، ولو طالت مدة هذا الرجل العظيم على كرسي هذه السلطنة العظمى لما عرف أحد أية درجة من الشوكة والبسطة كانت تنتهي السلطنة العثمانية؟
وجاء في «شذرات الذهب» عن السلطان سليم ما يأتي:
وفي سنة ست وعشرين وتسع مئة توفي السلطان سليم بن أبي يزيد بن محمد السلطان المفخم والخاقان المعظم، سليم خان بن عثمان تاسع ملوك بني عثمان، هو من بيت رفع الله على قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية، ومن قوم أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من الاستيلاء على المدائن الإيمانية رفعوا عماد الاسم، وأعلنوا منارة وتواصوا باتباع السنة المطهرة وعرفوا للشرع الشريف مقداره، وصاحب الترجمة منهم هو الذي ملك بلاد العرب، واستخلصها من أيدي الشراكسة بعدما شتت جمعهم، فانفلوا عن مليكهم وجدوا في الهرب : ولد ب أماسية في سنة اثنتين وسبعين وثمان مئة وجلس على تخت السلطنة وعمره ست وأربعون سنة بعد أن خلع والده نفسه عن السلطنة وسلمها إليه، وكان السلطان سليم ملكها قهارا، وسلطانا جبارا قوي البطش، كثير السفك، شديد التوجه إلى أهل النجدة والبأس، عظيم التجسس عن أخبار الناس، وربما غير لباسه وتجسس ليلا ونهارا وكان شديد اليقظة والتحفظ بحسب مطالعة التواريخ وأخبار الملوك، وله نظم بالفارسية والرومية والعربية، منه ما ذكر القطب الهندي المكي أنه رآه بخطه في الكشك الذي بني له بروضة المقياس بمصر ونصه:
الملك لله من يظفر بنيل غنى
يردده قسرا ويضمن عنده الدركا
لو كان لي أو لغيري قيد أنملة
فوق التراب لكان الأمر مشتركا
قال الشيخ مرعى الحنبلي في كتابه «نزهة الناظرين» وفي أيامه تزايد ظهور شأن إسماعيل شاه، واستولى على سائر ملوك العجم، وملك خراسان وأذربيجان وتبريز، وبغداد وعراق العجم، وقهر ملوكهم، وقتل عساكرهم، بحيث قتل ما يزيد على ألف ألف! وكان عسكره يسجدون له، ويأتمرون بأمره وكان يدعى الربوية، وقتل العلماء وأحرق كتبهم ونبش قبور المشايخ من أهل السنة وأخرج عظامهم وأحرقها. وكان إن قتل أميرا أباح زوجته وأمواله لشخص آخر، فلما بلغ السلطان سليم ذلك تحركت همته لقتاله وعد ذلك من أفضل الجهاد، فالتقى معه بقرب تبريز بعسكر جرار، وكانت وقعة عظيمة، فانهزم جيش إسماعيل شاه واستولى سليم على خيامه وأعطى الرعية الأمان، ثم أراد الإقامة بالعجم للتمكن من الاستيلاء عليها، فما أمكنه ذلك لشدة القحط بحيث بيعت العليقة بمئة درهم والرغيف بمئة درهم، وسببه تخلف قوافل الميرة التي كان أعدها السلطان سليم، وما وجد في تبريز شيئا، لأن إسماعيل شاه عند انهزامه أمر بإحراق أجران الحب فاضطر سليم للعودة إلى بلاد الروم.
وفي أيامه كانت وقعة الغوري، وذلك أن سليم لما رجع من غزو إسماعيل شاه تفحص عن سبب انقطاع قوافل الميرة عنه فأخبر أن سببه سلطان مصر قانصوه الغوري، فإنه كان بينه وبين إسماعيل شاه محبة ومراسلات وهدايا، فلما تحقق سليم ذلك صم على قتال الغوري أولا، ثم بعده يتوجه لقتال إسماعيل شاه ثانيا، فتوجه بعسكره إلى جهة حلب سنة اثنتين وعشرين كما تقدم، فخرج الغوري بعساكر عظيمة لقتاله، ووقع المصاف بمرج دابق شمالي حلب، ورمى عسكر سليم عسكر الغوري بالبندق ولم يكن في عسكري الغوري شيء منه، فوقعت الهزيمة على عسكر الغوري بعد أن كانت النصرة له أولا، ثم فقد تحت سنابك الخيل وكان ذلك بمخاطرة خير بك والغزالي، بعد أن عهد إليهما السلطان سليم بتوليتهما مصر والشام.
ثم بعد الوقعة أخليا له حلب لأنهما معه في الباطن فأقبل سليم إلى حلب فخرجوا للقائه يطلبون الأمان ومعهم المصاحف يتلون جهارا
Shafi da ba'a sani ba