ثم قررت الدول توكيل إنجلترا والروسيا بإيجاد طريقة حل للمشكلة اليونانية، ووافقت النمسا وبروسيا، وفرنسا على ذلك فلما خاطبت إنجلترا والروسيا الباب العالي بشأن حرب اليونان أجاب بأن السلطان لن يقبل تدخل الأجانب بينه وبين رعيته، ولن يجاوب على اقتراحات كهذه.
فمنذ ذلك اتفقت الدول الثلاث في 6يوليو سنة 1827 على أن تفصل بلاد اليونان عن تركيا فصلا إداريا وتجعلها إمارة مستقلة داخليا، وعليها أن تؤدي جزية الدولة العثمانية فأجاب الباب العالي كالأول بالرفض البات، فأمرت الدول الثلاث أساطيلها بمنع الجيوش العثمانية من الحركات العسكرية فأبلغ أمراء البحر الإنذار اللازم إلى إبراهيم، وهو تعهد لهم بأن يتوقف عن كل حركة إلى ما بعد ورود الجواب من السلطان ومن محمد على. فأما اليونان فلم يتقيدوا بإنذار الدول الذي كان موجها إليهم أيضا، وهاجموا بقوتهم البحرية أسطولا صغيرا كان في ميسولونكي فأحرقوه.
فثار غضب إبراهيم باشا وأرسل إلى أمراء البحر بأنه لا يمكنه أن يبقي مكتوف اليد بإزاء اعتداء الثوار، وكان إبراهيم قد جاءه الأمر من الأستانة بعدم توقيف القتال فكرر قواد الأساطيل الثلاث إنذار إبراهيم بإرجاع الأسطول العثماني إلى الدردنيل والأسطول المصري إلى الإسكندرية، وبإخلاء بلاد المور.
وكان إبراهيم باشا غائبا فأجيبوا بأن هذا البلاغ سيرسل إليه، فاجتمعت الأساطيل الثلاثة في مياه نافارين وكان الأسطول العثماني ثمانين قطعة مصطفا صفين على شكل هلال؛ ولم يكن الفريقين نيه القتال، ولكن بطري قالقضاء والقدر انطلقت رصاصة من جهة الأسطول العثماني فأصابت رجلا إنجليزيا من نواب المجلس البريطاني، فقابل ذلك ربان السفينة الإنجليزية التي وقع فيها هذا الحادث بإطلاق الرصاص المتوالي، ثم أن الإنجليز أرسلوا إلى محرم بك قائد الأسطول المصري يقولن له أنهم حاضرون لتجنب الحرب إذا توقف العثمانيون عن إطلاق النار، ولكن في ذلك الوقت أصابت رصاصة أخرى جنديا إنجليزيا فقتلته، ويقول الإفرنج إن هذه الرصاصة جاءت من بارجه الأميرال التركي فنشبت الحرب واستمرت المعركة خمس ساعات إلى المساء فلم يبق من الأسطول العثماني سوي خمس عشرة سفينة، ولما بلغ الخير إبراهيم باشا تلقاه بسكون جاش وأعلن أنه يقتل كل من أرد الاعتداء على مسيحي ووصل الخبر إلى الأستانة فأبلغ الصدر الأعظم سفراء الدول الثالث الاقتراحات الآتية: -
الأول عدم التدخل في قضية اليونان، والثاني دفع غرامة عن السفن الحربية العثمانية التي احترقت في مينا نافارين، هذا مع اعتذار الدول للدولة فأجاب سفراء الدول الثلاث بأن دولهم قطعت علاقاتها مع تركيا، وبرحوا الأستانة.
فأعلن السلطان محمود الجهاد باسم الدين الإسلامي، وحرض المؤمنين على القتال فأعلنت الروسيا الحرب على الدولة على حين أن الدولة كانت محقت أوجاق الانكشارية فبقيت بدون جيش تقريبا، ولما حصلت معركة نافار بن تجددت آمال اليونان وزحفوا للقتال من كل صوب إلا أن الأتراك حفظوا مراكزهم في نافارين ومودون، وباتراس وكورون وأما إبراهيم فسحب أسطوله وعاد إلى الإسكندرية بموجب عقد هدنة ولم يترك سوي أثني عشر ألف جندي في بعض القلاع.
وفي 16نوفمبر سنة 1828 انعقد في لوندرة مؤتمر دولي لأدل تحديد المملكة اليونانية التي قررت الدولة تأسيسها واتفقوا على أن يجعلوا لها ملكا مسيحيا تحت حماية الدول الثلاث، وجعلوا للدولة على هذه الإمارة اليونانية جزية سنوية نصف مليون قرش، وكذلك قرروا التعويض على المسلمين الذين أجلاهم الأورام عن بلادهم، وبعثت الدول إلى السلطان لينيب عنه مندوبا في المؤتمر فرفض السلطان هذا الطلب، واستؤنفت الحرب في بلاد اليونان ولكن الروسيا أغارت على بلاد الدولة عبرت جيوشها نهر البروت واحتلت الفلاح ومولدافيا ثم حاصر الروس قلعة سيلسترية وأحاطوا ببرايلة على نهر الطونة وكان السر عسكر حسين باشا في قلعة «شملة» وكان يوسف باشا في «فارنة» فالروس الذين أمام سيلسترية انهزموا عنها، ولكن برايلة سقطت في أيديهم، وجاء القيصر نقولا الأول بنفسه إلى ساحة الحرب، وضيق الروس الحصار على سيلسترية وفارنة وهاجموا شملة واسكي استانبول ولكنهم فشلوا وبينما العثمانيون يدافعون الروس أحسن دفاع إذ باع يوسف باشا قائد موقع ثارنة قلعة هذه المدينة من الروس وقبض على ذلك ثلاث مئة من الأتراك بالقلعة وأبو تسيلمها برغم الأمر الصادر من يوسف باشا، وبعد أخذ ورد ارتضي القيصر بأن يخرجوا بأسلحتهم ويلتحقوا بالعساكر العثمانية.
وأما في آسيا فقد ظهر الروس على العثمانيين وأخذوا قارص واردهان وغيرها وتولي الصدارة في استانبول رشيد باشا فاتح ميسولونكي وأثينا، فزحف إلى البلقان وناجز الحرب الجنرال «روت» فحف الكونت ديابتش القائد الكبير للجيش الرومسي لمعاونة الجنرال روت وهزموا الصدر الأعظم في 11 يونية سنة 1829 ثم استولي الروس على سيلسترية فاعتصم الصدر الأعظم وليثوا يزحفون إلى أدرنة، فاستسلمت البلدة لهم بدون قتلا، واحتل الروس» فرق كليسة» و«ديموطقة» وغيرها.
وأما من جهة آسيا فاستولي الروس على أرضروم، وكانوا سائرين إلى الأمام.
وأما في بلاد اليونان فإشتدت عزائم الأروام وإسترجعوا كل المواقع التي خلت منهم .
Shafi da ba'a sani ba