Thaiss »، حيث فقد العثمانيون ثلاثين ألف مقاتل منهم عشرة آلاف غرقوا في النهر وقتل الصدر الأعظم، وفر السلطان ودخل العدو بلاد بوسنة، وذلك سنة 1697، فعاد الخطر فأحدق بالسلطنة، وعول السلطان على وزير جديد من آل كوبرلي وهو الكوبرلي حسين باشا، وكانت الخزانة فارغة فجاء الكوبرلي هذا ورمم الأحوال وحشد جيشا عهد بقيادته إلى دالتبان باشا وسرحه إلى بوسنة، فأجبر النمسويين على الانكفاء إلى الوراء، فعبروا نهر الساف، وكان لويس الرابع عشر يغري تركيا بمتابعة القتال، ويتعهد لها بواسطة سفيره الماركيز دوفريول بأنه لا يصلح النمسا إلا إذا استرجعت تركيا بلاد المجر وجميع البلدان التي فقدتها، ولكن سياسة النمسا تغلبت في ذلك الحين، وقيل إن الذهب لعب دوره في هذه المسألة، وانعقد الصلح بين تركيا والنمسا على شرط ترك الأولى للثانية جميع المجر وترانسلفانيا، وسميت هذه المعاهدة بمعاهدة كارلوفيتس وتاريخ انعقادها 26 يناير سنة 1699، وبموجبها تقررت الهدنة بين الدولتين إلى مدة خمس وعشرين سنة وصار نهر الساف ونهر أنة فاصلا بين تركيا والنمسا، واسترجعت بولونيا كامينيك وفادوليه وأوكرانية وبقيت أزوف للروسيا، وصارت بلاد المورة وجميع دلماسيه إلى جمهورية البندقية وألغيت جميع الجزى التي كانت تدفعها الدول المسيحية إلى الدولة العثمانية.
ومعاهدة كارلوفيتس هذه كانت إلى ذلك العهد أعظم ضربة على السلطنة العثمانية، فتراجع الأتراك عن بولونيا والمجر إلى ما وراء نهر الدنيستر والساف والأنة، وظهر للجميع الضعف الذي كان قد بدأ يعمل عمله في سلطنة آل عثمان.
وكان الخلل عاما جميع فروع الإدارة، وكانت الفتن مشتعلة على حدود إيران وفي القريم وفي أفريقيا وفي بلاد العرب، فقام الكويرلي حسين الذي اقتفى أثر عمه برأب الصدوع وسد الفتوق، وأعفى أهل بوسنة والبانات مما كانوا يؤدونه باسم الجيش، وترك لأهل الرومللي مليونا ونصف مليون من متأخر الضرائب، وأصدر أوامر في جميع السلطنة بأن جميع المأمورين يجب أن يكونوا علماء وأن يحفظوا القرآن وقواعد الدين، وشدد في انتخاب المدرسين ووضع الإدارة وقيادة الجيش تحت رقابة شديدة، وأصلح الأمور المالية، وسن قانونا للبحرية وبنى المساجد والمدارس والأسواق والثكن العسكرية، ورمم أسوار بلغراد وتمشوار ونيش وشحنها بالأقوات، ونظر في أحوال المسيحيين من الرعايا فعاملهم على قدم المساواة مع المسلمين، ولكن هذه الإصلاحات كلها لم تقع بدون مقاومة، فتألب على الصدر الأعظم حزب ممن كانوا يعيشون بالغلول من أموال الدولة وأخذوا يدسون الدسائس حوله وحول أعوانه، إلى أن اضطروه إلى الاستقالة، وكان أصيب بمرض عضال وفي 5 سبتمبر 1702 بعث إلى السلطان بختم الصدارة، ومات بعد ذلك بسبعة عشر يوما وفقدت الدولة به رجلا عظيما ممن أخروا أجل سقوطها نظير سائر آل الكوبرلي.
وقد أحدث موت الكوبرلي هذا فتوقا جديدة في السلطنة، وتولى الصدارة دالتبان باشا وكان مغرما بالحرب يريد نقض المعاهدة التي انعقدت مع النمسا، إلا أنه لم يطل أمره وقتل، قيل بدسائس بعض العلماء، فتولى الصدارة «نامي محمد باشا» فأراد أن يحذو حذو الكوبرلي في الإصلاح فأثار عليه المشايخ جيش الانكشارية، وانتهى الأمر بخلع السلطان مصطفى الثاني، ومبايعة أخيه أحمد الثالث.
السلطان أحمد الثالث
وفي أول الأمر اضطر السلطان الجديد إلى إرضاء الثوار وقتل المفتي فيض الله أفندي بفتوى من خلفه محمد أفندي، وهو حادث لم يسبق له مثيل، غير أن السلطان بعد أن تمكنت أقدامه في السلطنة عاد فأخذ ينكل بزعماء الثورة، فقتل منهم وغرب وعهد بالوزارة إلى صهره المسمى داماد حسن باشا، فسار بالمملكة سيرة حسنة وثارت في أيامه بلاد الكرج فدوخها واعتنى بتأمين قافلة الحج من الشام إلى مكة، وبنى مدارس وأنشأ دار صنعه بحرية.
وفي أيام الثالث كان لويس الرابع عشر قد خاض الحرب المسماة بحرب الوراثة في إسبانيا، فعرض بواسطة سفيره على تركيا أن تدخل في حرب مع النمسا وتسترجع ما فقدته، ولكن حزب السلام كان في تركيا غالبا فرفض السلطان طلب ملك فرنسا، وكانت الروسيا قد نجمت قرونها إذ ذاك، فانتهزت فرصة اشتغال الدول الغربية بالحرب وخلا لها الجو ورأت تركيا وقد مالت إلى الدعة، فجعلت تتأهب لقتالها، وتركيا كانت لا تحفل بما تفعله الروسيا بقيادة بطرس الأكبر، وكان كارلوس الثاني عشر قد خشي مغبة قوة الروسيا فحمل عليها وطلب معاونة السلطان فوعدوه بإرسال خان القريم لمعاونته، فاعتمد على هذا الوعد وأوغل في أرض الروسيا بستة عشر ألف مقاتل لا غير فأنكسر، والتجأ إلى بندر ضمن الحدود العثمانية، وحاول أن يجر العثمانيين إلى محاربة الروسيا فلم يفلح، وذلك لأن نعمان باشا الكوبرلي الصدر الأعظم كان يكره دخول الدولة في الحرب، وكان هذا الكوبرلي نظير أسلافه في العدل إلا أنه كان ينقصه علو أفكارهم، فسقط أخيرا، وكان أكثر السبب في سقوطه مشرفا له، لأنه عارض السلطان في إسرافه، وأبى أن يجعل معاشات الانكشارية من طرق غير شرعية، فقال له السلطان: إن سلفك شورولي كان يجد طرقا لتأديته رواتب العساكر، فأجابه الكوبرلي: لي الفخر بأن أجهل مثل هذه الطرق. فعزله السلطان وولى مكانه محمد باشا البلطجي الذي أعلن الحرب على الروسيا وتولى بنفسه قيادة الجيوش.
وكان بطرس الأكبر يؤمل أن المسيحيين في السلطنة العثمانية يرفعون لواء الثورة فلم يتحرك منهم أحد، وسار البلطجي بمئتي ألف مقاتل من الترك والتتار وأحاطوا بجيش بطرس الأكبر على ضفاف نهر البروت، وأوشك بطرس وجيشه أن يقعوا في الأسر، وكانت الروسيا لو أسروا ستسقط من عداد الدول، فبادرت كاترينا بدهائها لتلافي الخطب ودخلت في المذاكرة مع الصدر الأعظم وعززت الكلام بهدايا فاخرة قدمتها له، وانعقدت معاهدة فالكسن وذلك سنة 1711، وبموجبها تعهد قيصر الروسيا بإعادة قلعة آزوف ويهدم القلاع التي بناها في تلك البلاد، وبعدم التدخل في أمور القوزاق، فكانت هذه المعاهدة مفيدة لتركيا، إلا أنها كانت أفيد جدا لروسيا، لأنها أنقذت القيصر من الأسر، وثار غضب ملك السويد ووبخ البلطجي على عدم أسره بطرس الأكبر، فأجابه البلطجي جوابا باردا وهو أنه لو أسر بطرس لبقيت بلاد الروس بدون رئيس، فهذا الكرم كان بغير محله، بل كان نوعا من الخبال، وجاء الكونت بونيا ثوفسكي سفير السويد وعرض القضية للسلطان وعضده خان القريم دولة غرائي، فغضب السلطان على البلطجي وعزله ونفاه. على أن خلفه يوسف باشا لم يكن أيضا مغرما بالحرب، فعقد متاركة مع الروسيا إلى مدة 35 سنة، وصدر الأمر لكارلوس الثاني عشر بأن يعود إلى بلاده، وكان كارلوس جبارا عنيدا فأبى أن يمتثل الأمر وبقي معلقا أمله بجر العثمانيين إلى محاربة الروسيا، فالتزمت الدولة أن تعالج إخراجه من أرضها بالقوة فعصى الأمر، فساقوا إليه عشرين ألف عسكري من التتار وستة آلاف من الترك، فحاول مقاومة هذا الجيش بثلاث مئة من رجاله ولكن العثمانيين لم يريدوا أن يغدروا بنزيلهم وصبروا عليه حتى رجع إلى السويد من نفسه بعد أن أقام سنتين في تركيا.
وفي تلك المدة استفادت الدولة من الهدنة مع الروسيا وطردت البنادقة من جميع بلاد الموره، ومن بعض البلاد التي كانت باقية لهم في كريت، ولكن جزيرة كورفو امتنعت على العثمانين، فالتجأت البندقية إلى النمسا، وكان قائد جيوشها أوجين دوسافوي الشهير فأعلن الحرب على تركيا وهزم الجيش العثماني في بترفاردين، وذلك في 5 أغسطس سنة 1716، وقتل الصدر الأعظم في الوقعة واستولى النمساويون على «تمشوار» وحاصروا «بلغراد»، فزحف الصدر الأعظم الجديد خليل باشا لنجدة بلغراد فانكسر أيضا، فالتزمت الدولة أن تعقد الصلح مع النمسا وأخلت لها تمشوار وبلغراد وقسما من بلاد الصرب ومن بلاد الفلاخ، ورجع بطرس الأكبر فاستفاد من هزيمة تركيا هذه، وأخل بالمعاهدة التي كان عقدها معه البلطجي، فتجددت معاهدة أخرى وأقنعت الروسيا عدوتها تركيا بالاتحاد معها على قضية النظام الإرثي في مملكة بولونيا، وغفلت تركيا عن كون بولونيا حصنا حصينا لها فسايرت الروسيا.
وتولى الصدارة إبراهيم باشا فقام يحارب العجم وأثار السنية الذين في بلادها فانتهز بطرس الأكبر الفرصة وأغار على الطاغستان وسواحل بحر الخرز، فأرسل خان القريم ينذر الدولة بسوء المصير، فزحفت الجيوش العثمانية على أرمينية وكرجستان وكادت الحرب تقع بينها وبين الروس، فخاف بطرس الأكبر أن تدور عليه الدائرة هذه المرة أيضا، فوسط فرنسا بينه وبين الدولة، فسعى دوبوا سفير فرنسا في إرضاء الفريقين وذلك من أملاك العجم.
Shafi da ba'a sani ba