Tarihin Ibn Khaldun

Shakib Arslan d. 1368 AH
104

Tarihin Ibn Khaldun

تاريخ ابن خلدون

Nau'ikan

ثم إن فرنسيس الأول تخلص من أسره بموجب معاهدة مجريط، ولكنه لم يعدل عن خطته من جهة محالفة السلطان سليمان وكتب إليه يشكره قائلا له: إننا مغتبطون بما نراه من كرم أخلاقك، وما وعدتنا به من المساعدة في حالتنا الحرجة ... إلخ، ثم أخذ فرنسيس الأول يجتهد في إقناع شعبه بأن تقربه إلى العثمانيين يكون وسيلة لنشر نفوذ فرنسا في الشرق، ومحافظتها على المسيحيين الذين هناك، وقد حصل بالفعل على امتيازات عديدة للفرنسيس بموجب الخط الشريف السلطاني المؤرخ في 20 سبتمبر سنة 1528، فإن السلطان سمح للفرنسيس والكتالان أن يجولوا في مصر ويتجروا كما يشاءون، وأنهم في الخصومات التي بينهم يراجعون قناصلهم فيما عدا الدم، إذ يبقى الحكم فيه لقضاء الشرع، وأذن للفرنسيس والكتالان بإنفاذ وصاياهم وأن القناصل يحررون التركات، وغير ذلك من الامتيازات التي تساهل فيها السلطان ليتخذ من فرنسا ردءا ضد ألمانية.

ثم إنه جرى كلام بين فرنسا والسلطان بموجبه يتولى أحد أولاد ملك فرنسا على عرش المجر، وكانت الحرب قد اشتعلت بين المجر والعثمانيين، فكان العثمانيون من جهة ومعهم الأمير «سابوليا الترانسلفاني» المولى من قبلهم على المجر والمجر والنمسويون من جهة أخرى، فانكسر سابوليا ودخل فرديناند أخو شارلكان إلى بودابست، فزحف الجيش الإسلامي بقيادة إبراهيم باشا وكان الجيش مئتين وخمسين ألف مقاتل، فدخل العثمانيون بودابست وأعادوا سابوليا إلى الملك وجاء أمير البغدان وخضع للسلطان، وسار السلطان سليمان في شهر سبتمبر سنة 1529 إلى فيينا يحاصرها ومعه مئة وعشرون ألف مقاتل، وأربع مئة مدفع ولاقاه في نهر الطونة ثمان مئة قلع، ولم يكن في فيينا أكثر من ستة عشر ألف مقاتل، واثنين وسبعين مدفعا، ولم تكن الأسوار متينة، ولكن خوف الألمان على بلادهم بعث فيهم حمية خارقة للعادة فصدوا هجمات العثمانيين كلها، ويقال إن السلطان خسر في هذا الحصار أربعين ألف جندي، واضطر إلى الرجوع خائبا، وهي أول خيبة عرفتها جيوش سليمان القانوني.

ولما رجع السلطان إلى بودابست توج سابوليا ملكا على المجر، وكان فرديناند أخو شارلكان يسعى في استمالة إبراهيم باشا حتى يقنع السلطان بقبوله ملكا محل سابوليا، فعرض على إبراهيم باشا الرشوة فلم يجبه إلى شيء، وبقيت الحرب تشتعل، وفي سنة 1532 استولى العثمانيون على غون

Guns

بعد حصار شديد، ثم بثوا الغارات في إستيريا من بلاد النمسا وحصلت هناك معارك كانت فيها الحرب سجالا، وجاء أمير البحر «أندري دوريا» المشهور فعاش في بلاد اليونان، واستولى على الحصون التي كان بناها السلطان بايزيد على جوانب خليج ليبانت، ثم حصلت متاركة بين السلطان وبين شارلكان أراد السلطان خلالها أن يتفرغ لمحاربة العجم، وذهب إبراهيم باشا على رأس جيش جرار فاستولى على تبريز، ولكنه عامل الأهالي بالرفق، وزحف السلطان بنفسه واستولى على بغداد ورجع ظافرا بعد أن غاب أربعة أشهر.

وفي ذلك الوقت اشتهر في البحر المتوسط «أندري دوريا» أمير الأساطيل المسيحية وبمقابلته «خير الدين بربروس» أمير الأساطيل الإسلامية، وكان هذا في مبدأ أمره هو وأخوه عروج من متلصصة البحر ثم دخلا في خدمة السلطان محمد الحفصي صاحب تونس، ومن هناك امتدت سلطتهما على سواحل الجزائر، وقتل عروج في حرب بينه وبين الإسبانيول على تلمسان، فانفرد بالأمر أخوه خير الدين وسماه السلطان أمير البحر سنة 1533، وأخذ يعيث في البحر المتوسط، ويغزو سواحل إيطاليا، ثم استولى على تونس فاضطر شارلكان إلى غزو تونس وأخذها عنوة. وأطلق فيها خمسين ألف أسير مسيحي وأعاد سلطانها مولاي الحسين على شرط أن يؤدي له الإتاوة وأن تبقى هناك حامية إسبانيولية.

ثم إن فرنسيس الأول أرسل إلى السلطان سليمان يعرض عليه المحالفة مع معاهدة تجارية، على أن سليمان وفرانسيس يحاربان شارلكان إذا كان شارلكان يمتنع عن إعادة دوقية ميلانو، وجنوة وبلاد فلاندر إلى فرنسا، وطلب من السلطان سليمان أن يقرضه مليونا من الذهب حتى يقوم بنفقات الحرب اللازمة، وكذلك كان من جملة الاقتراحات أن يغزو خير الدين جزيرة صقلية، ومملكة نابولي وجزيرة سردينية، وكان المتولي لهذه المهمة الوزير الفرنسي «جان دولا فوره

Jean dela Foreat »، فانعقدت معاهدة تتضمن حرية التجارة بين المملكتين العثمانية والفرنسية برا وبحرا، وأن تكون الدعاوى بين الفرنسيس جزائية كانت أو حقوقية متعلقة بقناصل فرنسا، وإذا وقعت جناية من فرنسي فلا يساق كسائر الناس إلى الحبس، بل لا بد أن يساق إلى الباب العالي، وأن تجار الفرنسيس لا يؤدون إلا خمسة في المئة عن بضائعهم وأن الإفرنج من غير الفرنسيس كالإنجليز، والكتلان والصقليين، والجنوية، ممن ليست بينهم وبين الدولة العثمانية معاهدات إذا سافروا تحت العلم الفرنسي يتمتعون بالحقوق التي يتمتع بها الفرنسيس، ولكن برغم الحرية الدينية التي يكفلها السلطان لرعايا فرنسا لا يحق أن يملك الفرنسيس ولا تملك الكنائس اللاتينية عقارات في بلاد الإسلام، وكذلك الفرنسي الذي يتزوج بمسيحية عثمانية تكون أولاده من رعايا السلطان، وتضمن الاتفاق تحالفا عسكريا في الهجوم والدفاع، فالسلطان تعهد بمهاجمة مملكة المجر ومملكة نابولي، والملك فرنسيس تعهد بشن الغارة على بلاد لومبارديا، وجرى الاتفاق على أن المدن الإيطالية التي يستولى عليها الأسطول العثماني يكون للأتراك حق انتهابها وسوق أهلها أسرى، ولكن ملكية هذه المدن تعود إلى ملك فرنسا، ولما انعقدت هذه المعاهدة كانت اليد الطولى في عقدها لإبراهيم باشا الصدر الأعظم، ويقال إنه جعل توقيعه في ذيل هذه المعاهدة باسم «سر عسكر سلطان» فغاظ ذلك السلطان سليمان وأساء فيه الظن، وفي 5 مارس 1536 ذهب إبراهيم باشا إلى السراي بحسب عادته فقبض عليه وخنق وتولى مكانه إياس باشا الأرناءوطي، وكان السلطان سليمان والملك فرنسيس اتفقا على إدخال جمهورية البندقية في هذه المعاهدة، فأبى البنادقة أن يدخلوا في هذا العقد، فغزاهم السلطان بأسطول يبلغ مئة شراع فاجتاح سواحلهم ورجع بعشرة آلاف أسير، واستولى على جزر الأرخبيل اليوناني.

وجاء أمير البحر أندري دوريا قائد أساطيل شارلكان لينازل الأسطول الإسلامي فدارت الدائرة على أندري دوريا، وذلك في واقعة بريفيزا التي وقعت في سبتمبر 1538، وفي السنة التالية حشد السلطان مئة ألف مقاتل في ألبانيا ناويا شن الغارة على إيطاليا، وجاء خير الدين بربروس بسبعين بارجة حربية، فأنزل عساكره في مدينة أوترانت وانتظر السلطان من ملك فرنسا أن يزحف على شمالي إيطاليا ويرسل أسطوله لمعاونة الأسطول العثماني، فلما انتشر هذا الخبر في الأمم النصرانية قامت له وقعدت ولم يجرأ فرنسيس على الإتيان بحركة، بل اشترط لأجل الهجوم على مملكة بيمون أن يخرج الأتراك من إيطاليا وعقد معاهداته من شارلكان، فلم يقع ذلك عند السلطان سليمان موقعا حسنا لكنه اجتنب أن يخرق عهده لملك فرنسا، واستمرت الحرب بين السلطان وبين شارلكان ومعه البنادقة وكانت الحرب بين السلطان والبنادقة سجالا، إلا أن البنادقة اضطروا أخيرا إلى طلب الصلح وتركوا جميع جزر الأرخبيل الرومي وتخلوا عن دالماسيا ودفعوا غرامة حربية للسلطان ثلاث مئة ألف دوكة، وفي ذلك الوقت مات إياس باشا بالطاعون وكان أرناءوطيا في الأصل من عائلة كاثوليكية وكان ممدوح السيرة ، فتولى مكانه لطفي باشا وكان أرناءوطيا أيضا، وكان السلطان أزوجه بشقيقته، واشتعلت الحرب في بلاد المجر بين العثمانيين والنمساويين وثار أمير البغدان متفقا مع النمسا فولى السلطان أخاه مكانه، وفي أثناء هذه الحرب مات سابوليا ملك المجر من قبل السلطان سليمان فتولت الأمر امرأته إيزابيلا، فزحف جيش النمسا لحصار بودابست فاستصرخت الملكة إيزابيلا السلطان سليمان فزحف بنفسه، وجاءوا للسلطان بابن سابوليا وهو طفل عمره سنة، وإذا بالانكشارية دخلوا بغتة إلى بود وتحولت هذه البلدة من بلدة مجرية إلى بلدة إسلامية، فاعتذر السلطان للملكة إيزابيلا بأن مقصده بذلك تأمين بلاد المجر من عائلة النمسا وأنه متى بلغ ابنها رشده يسلمه مدينة بود.

وكان «رنسون

Shafi da ba'a sani ba