Tarihin Yakin Balkan Na Farko
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Nau'ikan
دولة الأمير محمد علي باشا (رئيس جمعية الهلال الأحمر).
وخليق بالمصنف أن يعترف هنا بأن المسلمين بمصر لم يأتوا ما يوجب الانتقاد من الوجهة المشار إليها، بل اتبعوا نهج الحكمة والتبصر في إظهار شعورهم، وفي طريقة إعانتهم للسلطنة فوفقوا بين مصريتهم وعاطفتهم الطبيعية.
أسباب الفشل العثماني
أركان الحرب ثلاثة: حسن التأهب، وحسن الإدارة، وحسن التنفيذ. ونقصان واحد منها يكفي على الغالب لإحداث فشل عظيم كما قرر الأساتذة الحربيون، فكيف لا يفشل إذن الجيش العثماني والأركان الثلاثة تكاد تكون مفقودة عنده؟
كان التأهب قبل الحرب عدما أو شبه عدم، وحسبنا برهانا دامغا على هذا القول أن الميرة والذخيرة والطرق والمعدات الحربية والمخترعات العلمية وتدريب الرديف، وسائر ما يجب إعداده للجيش قبل الأيام العصيبة كان مختلا أو معدوما، قال المستر أشمد برتليت مراسل الديلي تلغراف الحربي الذي كان مرافقا للجيش العثماني: «إن ولاة الأمور الحربيين في الأستانة حاولوا أن يخدعوا العالم بأسره آملين أن تعوضهم شجاعة الجندي التركي من كل شيء، لكني ما وصلت إلى حيث كانت الجنود العثمانية حتى سقطت غشاوة الوهم عن بصري. أجل، إن الجندي التركي ما زال باسلا شجاعا كما كان في سالف الزمن، ولولا صبره العجيب في معمعان الحرب ما بقيت معركة لوله بورغاز ثلاثة أيام، فلا يجب إذن أن تلقى التبعة على هذا الجندي، بل يجب أن توضع على رءوس كبار الموظفين الذين انتفخوا بالكبرياء والخيلاء، واحتقروا أمم البلقان، وظنوا أن العدد العظيم المكتوب على الورق موجود حقيقة لديهم، وليس في وسعي أن أبسط للقارئ فكرة تدله على متسع الخدعة الغريبة التي خدعنا بها في مسألة الجيش العثماني، وإني لمقتنع كل الاقتناع بأنه لو كان الجندي التركي يحصل كل يوم على قطعة بقسماط لما تقهقر أمام العدو المهاجم، فإن الجوع هو الذي قهره.»
ثم تناول بجارح القول أركان حرب الجيش العثماني والقواد العثمانيين وولاة الأمور، وذكر أنهم لم ينظموا إدارة الميرة والذخيرة بل تركوا أربعة فيالق بين مخالب الجوع الذي كان ينهش في أحشائها، وقذفوا بضحاياهم إلى المجزرة قبل الأهبة، فكان الجندي جائعا عاريا وموقنا أن من يجرح في المعركة يبيت نصيبه من الحياة ضئيلا جدا؛ لنقص المستشفيات الحربية وقلة الأطباء والأدوية، وكانوا يرسلون البطاريات إلى مواقع الحرب ولا يلحقون بها المقدار اللازم من القنابل لقتال بضع ساعات، ولا يعينون لها الاحتياطي اللازم على مسافة طويلة، فنشأ عن هذا الخلل أن الجيش كان يفقد مدافعه في اليوم التالي.
وقال المراسل نفسه: إنهم جاءوا بفلاحين جهلاء من الأناضول وألفوا منهم آلايات كاملة، ثم ساقوهم إلى الأستانة حيث ألبسوهم الملابس العسكرية وأعطوهم بنادق موزر - وكثيرون منهم لم يروها في حياتهم - وبعد استعراضهم وعدهم أرسلوهم إلى ساحات القتال، ووصفوهم بهذه العبارة المنتفخة «مشاتنا الذين لا يغلبون».
وروى الموسيو ستفان لوزان رئيس تحرير الماتن أن ضابطا من الملحقين العسكريين ذهب إلى جهة سراي، ثم اضطر إلى الرجوع مع تيار المهاجرين، ولما التقى به بعد رجوعه قال له ذاك الضابط ما فحواه: «كانت حياتي منوطة بساقي حصاني وما ذقت في أربع وعشرين ساعة إلا قطعتين من الشكولاتة، وكنت أحفظ في جيبي كسرة من الخبز كذخيرة احتياطية لأصعب الأوقات، فلما أشرق النهار وقفت والتعب آخذ مني أشد مأخذ، وأخرجت قطعة الخبز من جيبي، وبينما كنت مستعدا لالتقامها وقع نظري في أحد جانبي الطريق على جريح ممتقع اللون كالجثث المطروحة في السهول. ولما رآني وقف ومد إلي يدين داميتين على شكل هائل كمن يتضرع إلي أن أسد رمقه، فأثر هذا المنظر تأثيرا شديدا في نفسي، وسقطت قطعة الخبز من يدي فالتقطها الجريح والتهمها وهي ملطخة بالدم والوحل.»
وذكر الكاتب نفسه أنه زار مستشفى بيرا الفرنساوي حيث كانت جماعة من الراهبات الفرنساويات يخدمن الجرحى العثمانيين، فسأل الجرحى: «هل كنتم تتألمون؟» فكانوا يجيبون كلهم على التقريب هذا الجواب المحزن: «نعم، ولكن ألمنا لم يكن من الجروح ولا من التعب ولا من البرد، بل كان على الأخص من شدة الجوع.» وحدث مرة أن إحدى الراهبات سمعت هذا الجواب، فقالت للكاتب: إن كلمة «اكمك» (أي الخبز) لا تفارق أفواههم، ولما كنت أضع لهم ميزان الحرارة لأعرف درجتها كانوا يقولون: «إننا نفضل أن تعطينا قطعة من الخبز.»
ونقل عن جميل بك قائد إحدى الفرق أنه استل سيفه وهجم نحو شرذمة من الجنود الهاربين، وسألهم «لماذا تهربون؟» فأجابوا قائلين: «لأنا لا نجد خبزا.»
Shafi da ba'a sani ba