Tarihin Yakin Balkan Na Farko
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Nau'ikan
ويؤخذ من أقوال مراسلي الجرائد الذين حضروا حرب البلقان أن المناظر الهائلة التي رأوها لم يسبق لها نظير، فقد كانت المدافع تحصد فرقا بأسرها في بضع ساعات فتتراكم الجثث هنا وهناك وتسيل الدماء جداول بل أنهرا، وكأنما أولئك المراسلون لا يكفيهم أن يقاسوا تلك المصاعب العاتية ويروا تلك المناظر التي تقذي العيون وتفطر القلوب حتى يروا في بعض الأحيان مصاعب أخرى من إخوانهم وزملائهم. فقد حدث في حرب الصين أن المراسلين الأميركيين بعد أن أرسلوا تلغرافاتهم قطعوا الأسلاك التلغرافية، فتأخرت تلغرافات المراسلين الأوروبيين ريثما أصلحت تلك الأسلاك، ولكن الجرائد الحرة قبحت عملهم؛ لأنه لا يدل على براعة معجبة، فقد كان يكفيهم أنهم سبقوا غيرهم في إرسال التلغرافات.
أما البراعة الصحافية التي حيرت السياسيين ورمت العلة في قلب بسمرك، فهي التي أبداها المستر بلويتز مراسل التيمس أيام مؤتمر برلين. فإن هذا الصحافي الطائر الصيت كان يرسل إلى جريدته كل ما جرى في ذاك المؤتمر العظيم يوما فيوما، حتى تميز البرنس بسمرك غيظا وملأ جهات القصر الذي كان يعقد فيه المؤتمر عيونا وجواسيس، وكان يذهب بنفسه فيرفع كل ستار ليرى هل اختبأ أحد وراءه، وكان عند جلوس المندوبين يضرب بكعب رجله تحت الطاولة؛ لأن بعضهم أذاع في ذاك الوقت أن أحد لصوص الأخبار كان يختبئ تحتها. أما ما قيل من أن المستر بلويتز نفسه كان يختبئ هناك فهو قول لا يعول عليه؛ لأن الرجل كان عظيم البنية كثير السمن.
وعلى الرغم من تلك الاحتياطات بقي ذاك المراسل الكبير يرسل إلى جريدته نتيجة المباحث اليومية في المؤتمر، حتى ختمها بعمله الشهير وهو إرسال معاهدة برلين إلى التيمس قبل أن تصل إلى الحكومات نفسها، فكيف كان يفعل؟
قال الموسيو جورج ميشيل: «إن صديقا قديما لذاك المراسل خبرني مع التحفظ أنه «اشترى» عضوا من أعضاء المؤتمر، وهذا الخبر لا يقبل التصديق لأول وهلة، ولكن من يتذكر ثروة التيمس الطائلة وبراعة مراسلها الهائلة ثم يتذكر من جهة أخرى أن بعض أعضاء الحكومات البلقانية كان فقيرا، يجد الأمر ممكنا.»
وقيل: إن البرنس بسمرك بقي بعد المؤتمر مهتما اهتماما شديدا بمعرفة الوسيلة التي توسل بها مراسل التيمس، وكان يعرف أنه يحب الحسان فأرسل إليه جاسوسة أجنبية جميلة لتتعشى معه، ولما ظنت أن الفرصة موافقة لسؤاله عن السر حاولت استطلاعه، ولكن الموسيو بلويتز لحظ من جهة أن في المحل مرآة مكسورة وظن أن وراءها أحدا، وكان من جهة أخرى يعرف استخدام النساء في التجسس، فالتفت إلى الجاسوسة الحسناء وقال لها: «أيتها العزيزة لا يمكني أن أخفي عنك شيئا فاعلمي أني حصلت على أخباري من البرنس بسمرك نفسه ...»
وروى أن البرنس دي بسمرك صار يبغض الصحافيين بغضا شديدا من أجله، ولكن هذا البغض لم يكن ليمنعه من اللياذ بهم في ترويج الأفكار السياسية والمشروعات الاقتصادية التي كان يراها مفيدة لألمانيا. •••
وليس بمنتقد على كبار السياسيين ولا سيما قواد الجيوش أن يكون خوفهم كبيرا من الصحافيين في بعض المواقف الحرجة، فإن الصحافة على كونها قوة كبيرة محترمة في أوروبا لا يستطيع أقطاب السياسة وأمراء الجيوش أن يدخلوا أصحابها في جميع مجالسهم، أو يوقفوهم على سرائرهم حين تكون المسألة لدى وطنهم مسألة موت أو حياة؛ لأن من يفكر في الحالة النفسية التي طبع عليها الصحافي الحقيقي، ويعلم أن له من نفسه دافعا قويا إلى التنقيب عن الأخبار، ووصف المشاهد، وانتقاد الأمور أو استحسانها، وأن هذا الدافع كثيرا ما يشتد إلى حد لا يمكن معه كتمان ما حرم نشره، يعلم أيضا أن السياسي الذي يمهد السبيل لاتفاق أو محالفة دولية، والقائد الذي يضع خطة حربية ربما كان علم العدو بها مجلبة لفشل جيشه، لا يمكن لومه إذا بالغ في التكتم كما فعل اليابانيون وأخذ عنهم البلغاريون.
تصور مثلا أن القواد البلغاريين الذين كان لديهم أربعة وثمانون مراسلا حربيا على رواية الموسيو رينيه بيو مراسل التان الحربي، والذين كانت مصلحتهم الحيوية تقضي - كما اشتهر - بأن يضربوا ضربة سريعة قبل أن يتم حشد الجيش العثماني - تصور أن هؤلاء القواد سمحوا للمراسلين أن يفعلوا ما فعلوه في حرب السبعين بين الفرنساويين والألمانيين، فهل كان في وسعهم أن يبقوا خطتهم سرية، ويسيروا عليها بتلك السرعة التي بدت منهم أمام الجيش العثماني الشرقي؟ إن الجواب لا يحتمل التردد.
على أن الصحافي من جهة أخرى يلزمه أن يقوم بواجبه ويرضي جريدته وقراءه، والصحافة دولة في دولة عند الغربيين فلا مندوحة عن التوفيق بين المهنة الصحافية والمصلحة الكبرى المعرضة للخطر، ولا وسيلة إلى هذا التوفيق إلا بقبول الصحافيين في الحروب وتقييدهم بشروط، وإذا أراد المطالع أن يعرف مبلغ الصعوبة التي يقاسونها في إرسال الأخبار، فليقرأ هذا الأمر الذي أصدره رئيس أركان حرب الجيش البلغاري:
إلى المراسلين الحربيين
Shafi da ba'a sani ba