Tarihin Yakin Balkan Na Farko
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Nau'ikan
5
أورطتان من الجنود البلغارية نحو موقع قرق كليسا، ثم زحف القسم الذي كان في أقصى الميسرة فجاءت تلك الهجمة البلغارية سببا في رعب غريب لا يسهل تصديقه عن الجيش العثماني الذي كتب تاريخ مجده بدمه. وكان من نتائج ذاك الرعب أن الفصائل العثمانية أخذت تطلق الرصاص بعضها على بعض في إحدى الجهات، ثم تقهقرت لا تلوي على شيء إلى جهة بابا اسكي بيكار حصار، بدلا من أن ترجع إلى الحصون والمعاقل التي كانت هناك، وذهب بعضها إلى قرق كليسا نفسها فأسهب وأغرب في وصف الفشل حتى سرت عدوى الرعب إلى بقية الجنود التي كانت في الموقع فأسرعت إلى اللحاق به.
وروى الكولونل بوكابيل الفرنساوي والماجور فون هوشوختر أن العثمانيين هم الذين هجموا، خلافا لرأي محمود مختار باشا الذي كان يعتقد - على رواية الماجور المذكور - أن الجنود لم تكن أهلا للهجوم، ولا سيما أن عددا من الضباط والجنود الذين قدموا في ذاك اليوم لم يكونوا يعرفون شيئا من جهات قرق كليسا، ولما دوى المدفع وصفر الرصاص تقهقرت مقدمة البلغاريين فتبعهم العثمانيون، وإنهم لكذلك إذا بالبلغاريين يكشفون عن خنادق مملوءة بمدافع الميتراليوز والمشاة، فانخلعت قلوب الرديف العثماني رعبا من تلك المفاجأة وعمد إلى الفرار. وإنه ليشق علينا وايم الحق أن نذكر هذا الحادث الأليم، بيد أن خدمة الحقيقة فوق كل شيء، ثم إن القواد والوزراء العثمانيين أنفسهم لم ينكروا ذاك الرعب الغريب، قال الموسيو ستفان لوزان رئيس تحرير الماتين الذي كان وقتئذ في الأستانة:
كنت أتعشى مساء ذاك اليوم (أي بعد سقوط قرق كليسا) عند وزير الخارجية العثمانية، وإني لا أزال أتمثله نصب عيني وهو داخل إلى ردهة الاستقبال أصفر اللون كالح الوجه، وأسمعه يقول لنا بصوت خافت: «لقد وقع حادث ليس له نظير في تاريخنا ... وقع أن جنودنا تركت قرق كليسا من شدة الرعب ...» ثم قص علينا تفصيل الحادث، وذكر أن التلغرافات المتقطعة الدالة على شدة الهلع ترد تباعا منذ أربع وعشرين ساعة على أركان الحرب، ومنها ما يفيد أن فرسان البلغار هجموا على قرق كليسا مع أن البلغار لم يكن عندهم فرسان، ومنها ما يدل على أن الخسارة عظيمة مع أن الإحصاء الرسمي الذي أرسل إلى الأستانة يدل على أنها لم تزد عن مائة رجل بين قتيل وجريح، ثم قال الوزير بصوت منخفض: «كان عندنا كثيرون من أصل بلغاري أو يوناني في صفوف الجيش ... والضباط قليلون جدا ...»
وكتب مراسل الجورنال الحربي في وصف ذاك الهلع: «أنه لما ظهر الهاربون استولى الرعب على متصرف قرق كليسا وأهلها فلاذوا بالفرار، وقصد الأهالي والجنود محطة السكة الحديدية وهجموا على قطر كان مستعدا للسفر، ثم حدث اصطدام فخرج القطر عن الخط على مسافة كيلومتر من المحطة، فترك الهاربون القطر ومشوا بضع عشرة ساعة حتى وصلوا إلى بابا أسكي حيث وجدوا القطر الذي أقلهم إلى لوله بورغاز.»
ثم وقع هناك أيضا حادث موجب للأسف، وهو أن جنود لوله بورغاز أبصروا الفرسان المتقهقرين فظنوهم من فرسان البلغار وأخذوا يطلقون عليهم نارا حامية، وما أدركوا خطأهم إلا بعد أن غطت الأشلاء الجسر القائم عند مدخل المدينة.
على أن الله أراد أن يحفظ أساس السمعة الطيبة للجندي العثماني، فجعل يظهر بين تلك المشاهد الأليمة العظيمة مشاهد تعزي الأمة العثمانية بعض التعزية في إبان خطبها الجلل، فمنها أن البطل حلمي بك الذي كان يقود فرقة من الميمنة جاهد جهادا عجبا، وكان كلما رأى أحد الجنود يريد اللحاق بالهاربين يرميه بالرصاص، حتى تمكن من إيقاف الميسرة البلغارية التي كانت تجهل ما حدث ليلا.
ولما رأى حلمي بك أن البلغاريين كادوا يحيطون بجناحي فرقته، ترك موقعه نحو الظهر، فبطلت كل مقاومة أمام البلغاريين هناك وغنموا ما بقي وما تركته الجنود على الطريق من المدافع والذخائر وغيرها.
وليس من العدل أن نغفل هنا ما رآه الموسيو ريني بيو، وهو أن فريقا من الجنود العثمانية أبى عليه شرفه العسكري أن يترك مدافعه وذخائره في تلك الساعة الهائلة، ولكن الطرق التي كانت على أسوأ حال، أبطلت ذاك الجهد الشريف.
وقع هذا الخطب لشؤم طالع الأمة العثمانية، والبلغاريون يعتقدون أن الجنود العثمانية رجعت إلى مواقعها وستدافع أشد دفاع، وما علموا إلا في اليوم التالي ما جرى لحامية قرق كليسا؛ لذلك لم يتمكنوا من مطاردتها ساعة الهلع، بل اكتفوا رغم إرادتهم بالمؤن والذخائر، وبالأزهار التي قدمتها لهم بعض النساء البلغاريات ... •••
Shafi da ba'a sani ba