Tarihin Yakin Balkan Na Farko
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Nau'ikan
غير أن تلك القوات الجميلة لم تكن إلا على الورق. والصحيح أن نظام 1909 أضر بالجيش العثماني بدلا من أن ينفعه ويعزز جانبه، وليس ضرره بناشئ عن فساد النظام نفسه بل عن سبب آخر، هو أن كل نظام يدخل على جيش - كما يقول الاختصاصيون - يدع هذا الجيش ضعيفا غير متماسك الأجزاء إلى أن يتم، وكل دولة تدور بها الأخطار مثل تركيا لا يجوز لها أن تهدم نظام جيشها دفعة واحدة لتقيم مقامه نظاما آخر، بل يجدر بها لتأمن الخطر أن تغير ذاك النظام شيئا فشيئا حتى لا يتزعزع بنيان قواتها الحربية فيطمع فيها العدو الساهر، كما فعلت روسيا مع تركيا نفسها سنة 1820، وكما فعلت الممالك البلقانية في هذا الزمن، ولقد أظهر الكتاب الحربيون ومن جملتهم الموسيو وجنر أن الحرب البلقانية نشبت ونظام الجيش العثماني لم يكمل، والرديف لم يتمرن، وبعض القواد لم يتعودوا تحريك الجنود الجرارة في ساحات القتال، وعدد الضباط اللازم لم يتم، فإن الجيش كان يحتاج إلى 5000 ضابط كما قال فخامة مختار باشا الغازي في حديث، وزد على ذاك كله أن السكك الحديدية لم تكن تنقل العدد الذي كان يرجى نقله.
وكان من نكد الدنيا وسوء الطالع على تركيا أن أولياء الأمور قد اقترفوا خطأ كبيرا في أوائل شهر سبتمبر؛ أي قبل إعلان الحرب بنحو شهر ونصف، وذاك أنهم صرفوا الرديف الذي كان تحت الهلال، فجاء صرفه في الوقت الذي يجب فيه تعزيزه وتقويته. وفي منتصف الشهر المذكور صرفت أيضا طبقة من الجيش العامل، وفي 23 منه عادت تركيا تعبئ عشر فرق من الرديف على حدود البلغار والصرب بحجة أنها تنوي تمرينهم، ولكن تعبئتها كانت بطيئة صعبة، ولما هبت الممالك المتحالفة إلى التعبئة العامة بعد بضعة أيام لم يكن لدى وزارة الحربية العثمانية وقت كاف للتعبئة التامة وحشد الفيالق في الوقت الموافق لها.
وليس من خدمة الحقيقة والتاريخ أن نهمل هنا خطأ آخر ارتكبته الحكومة العثمانية: وهو تجنيدها لرعاياها البلغاريين والصربيين واليونانيين، فإنها ظنت - وما أبعد ظنها عن الصواب - أن وضعهم في مقدمة ألوف من المسلمين يضطرهم إلى إطلاق النار على أعداء الدولة، ولكنهم كانوا يطلقون رصاصهم في الفضاء كما قال غير واحد منهم، ولما لاحت بارقة النصر في جانب إخوانهم في الجنسية والدين طاروا إليهم ورموا طرابيشهم ووضعوا القبعات على رءوسهم، ولا عجب ولا غرابة فيما فعلوا بل العجيب الغريب أن يصدقوا تركيا قولا أو عملا، وكل من يفكر في تاريخهم وأحوالهم يعلم أن «عثمانيتهم» اسم بلا مسمى، وأن كل فريق منهم يحن إلى الدولة التي من دمه وأصله، فالبلغاري يميل إلى البلغار، والصربي إلى الصرب، واليوناني إلى اليونان، ولو بذلت تركيا في سبيل راحتهم دم القلب وسواد العين، لما فضلوها على دولهم الأصلية، بعكس ما نظنه في بقية المسيحيين العثمانيين الذين لا دولة لهم من جنسهم، فإنهم وإن كانوا يذكرون الماضي والقلب حزين، يجدون من مصلحتهم أن يمتزجوا بالدولة العثمانية، وليس في الدنيا أقوى من المصلحة على التوفيق، ولكن رأس الشروط لحملهم على الصفاء لها هو إقامة الحق وتأييد العدل، وأقرب البراهين التي نقدمها على إمكان خدمتهم للوطن العثماني هو أن معظم جنود الأرمن أبلوا بلاء حسنا في القتال، وما عدد الذين حذوا حذو البلقانيين المسيحيين في الهرب والخيانة إلا قليل جدا، ولما قامت إحدى الجرائد تطعن عليهم كتب المرحوم ناظم باشا كتابا إلى جرائد الأستانة مدح فيه الجنود الآرمنية، واعترف بحسن خدمتها في المعارك وأمل أن يكون لها مستقبل حسن في الجيش العثماني. •••
ويجدر بنا أن نختم هذا الفصل بأهم ما كتبه الماجور فون هوشوختر الألماني (الذي كان أحد أساتذة الجنود العثمانية) في شأن الخلل قبل الحرب، قال: إن حكومة الأستانة لم تكن تجهل أن الحرب إذا نشبت بين تركيا والبلغار ستكون في جهات أدرنه، وأن البلغاريين يتأهبون لها، ومع ذاك كله فإنها لم تزد هناك الخطوط الحديدية، ولم تصلح الطرق ولم تنشئ الجسور، ولم تعتقد أخيرا أن كفة الحرب أرجح من كفة السلم، بدليل أنها أطلقت سراح الرديف قبل إعلان الحرب بقليل، فضعفت القوة التي بقيت إلى حد أن طوابير كثيرة نزل عدد الواحد منها إلى 350 رجلا، ولما عادت الحكومة فأمرت بالتعبئة وجدت نفسها عاجزة عن لحاق العدو في هذا سبيل، وما تمت تعبئة جيشها إلا بإبطاء لا يتصور.
وكانت دوائر النظارات مختلة، ثم جاءتها الأعمال الكثيرة قبل إعلان الحرب فازداد الخلل، وربما كان التنافس في مسألة القيادة بين ناظم باشا وعبد الله باشا من أسباب الشؤم على الجيش العثماني؛ لأن نقل الأوامر تأخر كثيرا بسبب ذاك التنافس.
وكان خط السكك الحديد الشرقية وحيدا، ليس معه إلا بعض خطوط لنقل العدة والأمتعة، وعدد الأرصفة غير كاف، ولقد أظهر الموظفون إخلاصا تاما في عملهم لكنهم ما لبثوا أن رزحوا تحت أعباء المتاعب.
وزد على ذاك كله أن آلات السكك الحديدية أهملت بلا تنظيف، فما انقضت مدة من الزمن حتى أصبحت غير صالحة، ثم إن المياه لم تكن كافية، واشتداد تيار الناس من أهالي وجنود أدى إلى اختلال عظيم؛ حتى إن القطارات العديدة كانت تقضي عدة أيام في اجتياز 50 أو 60 كيلومترا.
أما الجنود - وهنا أريد الجيش العامل - فقد كانت جيدة ومجهزة تجهيزا حسنا ومتعلمة تعليما كافيا، وأما الرديف فقد كان جاهلا للتعليم العسكري؛ لأن العدد المتعلم منه فني بجهات اليمن وحوران وألبانيا وطرابلس، ومع ذاك كله فإن الجيش العثماني لو كان فيه عدد كاف من الضباط المتعلمين لما بلغت به الحالة من الخطر إلى تلك الدرجة، ولكن القواد المتفوقين لا تجدهم بين كبار الضباط العثمانيين وهؤلاء لا يخالطون الضباط الشبان.
ولما وصل الرديف كان منظره حسنا إلى حد ما، ولكنه كان تعبا من طول شقة السفر، سيء الطعام سيء الإدارة، وبعضه من ذوي العاهات، والجندي القديم الذي كان في العهد الحميدي لا يعرف اليوم كيف يطلق الرصاصة، وكثير من أولئك الجنود لم يتعود إلا استعمال البندقيات التي تحشى من فوهتها، وكانت البطاريات حسنة لكنها محتاجة إلى الخيل، وما حصلوا عليه منها كان ضعيفا.
وكانت معدات النقل التي رأيتها حسنة لكنها قليلة، والعربات غير متينة، على أنني لم أر مطابخ نقالة ولا أفرانا حربية. فقد كان من الواجب على الحكومة أن تهتم بها وتودع مقادير عظيمة من المئونة في جهات المعارك، أما ترتيب إدارة الذخيرة كما نفهمه نحن فلم يكن مضمونا، مع أن الواجب كان يقضي على ولاة الأمور بأن يتوقعوا سوء حالة السكة الحديدية، ويعدوا عربات للنقل غير التي تجرها الجواميس، وبأن يعينوا لأقسام إدارة الميرة والذخيرة موظفين أكفاء مسئولين، فقد رأيت بعيني أن المدافع كانت محتاجة إلى الذخيرة في جميع المعارك، وأن الذخيرة كانت موضوعة وراء الجيش.
Shafi da ba'a sani ba