Tarihin Yakin Balkan Na Farko
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Nau'ikan
كانت المعاهدات التي تقدمت معاهدة برلين تقضي باحترام السلطة السلطانية السامية، أما معاهدة برلين فإنها بالعكس وضعت السلطنة العثمانية تحت وصاية أوروبا وأجازت تصدي الدول العظمى للشئون العثمانية، كما تشهد المادة الثالثة والعشرون التي ذكرنا معناها فيما سبق. ثم قررت منح البلغار استقلالا إداريا كاملا وأوجبت على الحكومة العثمانية أن تعترف باستقلال الجبل الأسود، إلى آخر ما يراه المطلع على تلك المعاهدة المؤلفة من أربع وستين مادة، فبعد أن كنا نرى الدول متفقة في المعاهدات السابقة على اجتناب كل مداخلة في شئون الدولة العثمانية صرنا نراها بفضل تلك المعاهدة متفقة على المداخلة.
وليس بخاف أن رأس الشروط في السلطة الدولية المعترف بها لكل دولة مستقلة هو أن لا تتداخل دولة أخرى في شئونها الداخلية؛ لأن هذا التصدي لها يمس حريتها الداخلية الحرية المطلقة التي تعد أساسا لكل سلطة دولية.
على أن المصالح التي تعد العامل الأعظم في السياسة كثيرا ما دفعت الدول إلى الشذوذ عن تلك القاعدة، فرأيناها تارة تنصر الملوك على الأمم وتسير الجنود لتأييدهم، كما فعلت فرنسا يوم أرسلت جيشا إلى إسبانيا لتعيد السلطة إلى الملك فردينان السابع، وتارة تنصر الأمم على ذوي العروش كما فعلت الدول الموقعة على معاهدة برلين.
وإذا كانت معاهدة برلين لم تدع روسيا تنشئ بلغاريا عظيمة كما طلبت في معاهدة سان استفانو، فإنها تركت مواضع كثيرة للخلل السياسي، ودواع جمة للطمع، ثم نامت الدول الواضعة لتلك المعاهدة عن صيانتها، فنشأ عن هذا كله أن الإمارة البلغارية ضمت إليها الرومللي الشرقية سنة 1885 ثم أعلنت استقلالها وارتقاءها من إمارة إلى مملكة سنة 1908، فهتكت حرمة تلك المعاهدة مرتين، ثم ضمت النمسا البوسنة والهرسك إلى أملاكها من جهة أخرى فهتكت حرمتها أيضا.
وما زالت دول البلقان منذ سنة 1878 تطلب زيادة على ما ربحت من تلك المعاهدة، وقام الخلاف بينها على الأراضي العثمانية المطموع فيها، وصارت كل دولة منها تنازع الأخرى أشد المنازعة حتى اصطبغت هضاب مقدونيا بدماء البلغاريين والصربيين واليونانيين والرومانيين. ولسنا نغالي إذا قلنا إن الدول العظمى التي وضعت تلك المعاهدة كانت شريكة في الجنايات التي اقترفت؛ لأنها جعلت معاهدتها دواء وقتيا وحلت المشكلة حلا نصفيا، قال الموسيو شوبلييه في تاريخه «المسألة الشرقية بعد مؤتمر برلين»: إن هذا المؤتمر زاد ضعف تركيا واشتياق رعاياها إلى الاستقلال كما زاد قوة أعدائها في البلقان.
فكل من يتنزه عن الغرض يحكم إذن بأن شطرا من تبعة تلك الفوضى يلقى على تركيا؛ لأنها أغفلت الإصلاح فوسعت أبواب الشكوى وأقامت لخصومها الحجة عليها، وبأن الشطر الثاني هو نصيب الدول العظمى التي وضعت معاهدة برلين، ونصيب الدول البلقانية التي ملئت البلقان من الدسائس والسعايات والمنازعات بلوغا إلى أغراضها وتحقيقا لمرادها.
على أن تلك السعايات والمنازعات لم يكن من شأنها أن تجعل الإصلاح مستحيلا على الدولة العلية بل كان من نتائجها أن تجعله صعبا جدا، وأول دليل على تحسين الحال لم يكن ضربا من المحال أن العصابات المختلفة أخذت تسلم سلاحها إلى ولاة الأمور ابتهاجا بالدستور العثماني، فلما كان ما كان من أمر هذا الدستور، وشبت الحرب بين إيطاليا والدولة العلية وثبت لساسة الدول البلقانية ما قام في الأستانة من الخلل الذي هو أبو المفاسد عادت الفوضى، ثم تناست الدول البلقانية عداوتها لتتحالف على «العدو العام» كما تقول جرائدها.
تحالف دول البلقان وكيف كان
ما كان يدور في خلد أحد، ولا يمر على مرآة الخيال أن اليونانيين الذين كانت عصاباتهم في مقدونيا تحرق القرى البلغارية وتمثل بأهلها تمثيلا، وأن البلغاريين الذين ما وجدت عصاباتهم يونانيا إلا جندلته قتيلا، يمكنهم أن يكونوا حلفاء في السراء والضراء، على أن المصلحة تفعل العجائب وهي التي أرتنا أعجوبة ذاك التحالف الذي كانت أوروبا نفسها تحسبه مستحيلا.
وليس بين أيدينا من الجرائد الأوروبية التي طالعناها منذ نشوب الحرب إلى اليوم، ولا من الكتب الستة التي ظهرت حتى الآن في موضوعنا ما هو أجدر بالمطالعة من الفصل الذي أنشأه الموسيو ريني بيو مراسل التان الحربي، الذي زار عاصمة الصرب وعاصمة البلغار وحادث كبار ساستها قبل أن سافر إلى ساحة القتال، وإليك صفوة ما قال:
Shafi da ba'a sani ba