Tarihin Yakin Balkan Na Farko
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Nau'ikan
أما الجبل الأسود الذي لا تزيد مساحته عن 9080 كيلومترا مربعا فهو يطمع في توسيع ملكه منذ عهد بعيد، ولا يرى مجالا لتوسيعه إلا بأخذ جانب من بلاد الدولة التي كان تاريخها سلسلة حروب دموية بينه وبينها. وأخص ما يطمع فيه أشقودره وما جاورها، وهو يعتمد على مساعدة روسيا التي طالما نفحته بالهدايا الكثيرة وأعطته بعض مطالبه في معاهدة سان استفانو التي ذهبت بها معاهدة برلين، ولعله يعتمد بعض الاعتماد على إيطاليا لأن ملكها صهره. •••
على أن الطمع الذي جاش في صدور اليونانيين والبلغاريين والصربيين ولد فيما بينهم من الضغائن والأحقاد بعد معاهدة برلين ما كاد يضارع حقدهم القديم على الدولة العلية، وكان معظم التنازع بينهم في الولايات المعروفة باسم مقدونيا.
أخذ كل فريق يعزز قومه هناك وينفق من دمه وماله في سبيل نفوذه الأدبي والسياسي، فانقسم مسيحيو مقدونيا إلى يونانيين وبلغاريين وصربيين وفلاخ، وأخذ كل قسم منهم يتلع عنقه إلى غايته ويؤيد نفوذ دولته التي كانت تحركه وتحرضه، فانتفعت تركيا إلى حد ما، من ذاك التنازع وأمنت اجتماع تلك الأقوام يدا واحدة، ولكنها كانت مهددة من جهة أخرى بعقارب الدسائس التي سعت إليها من الأمم البلقانية المستقلة، والتي كانت برهانا دامغا على طمع تلك الأمم الصغيرة في تركيا أوروبا.
وكان اليونانيون والبلغاريون والصربيون مقتنعين بأن مطامعهم مبنية على حقوق تاريخية وجنسية، ولكن المؤرخين المنصفين يرون أن بناء مطامعهم على التاريخ لا يمكن الاعتداد به؛ لأن مقدونيا وقعت على التوالي تحت سلطان الرومانيين واليونانيين والصربيين والأتراك. ولا يغلو من يقول: إن هذا التنازع الشديد الذي حمل العصابات اليونانية والبلغارية والصربية على ارتكاب أعظم الفظائع، كان من جملة عقبات الإصلاح. (3) السبب الثالث
هو السياسة الدولية ولا سيما السياسة الروسية التي تطمح إلى ضفاف البوسفور، وعاصمة البيزنطيين، ومدينة الذهب، والموقع الذي قال فيه نابليون: «إن من يملكه يصبح سيد العالم»، وإليك البيان، قال الأستاذ شوبلييه في تاريخه: «المسألة الشرقية بعد معاهدة برلين» إن روسيا تحسب نفسها وارثة الإمبراطورية البيزنطية، وسياستها لا تتغير لأنها مبنية على الروح المخامرة للشعب الروسي، فإذا كانت الحكومة الروسية تكف إلى أجل عن العمل لبلوغ الغاية التي عينها لها السلف، فإن الأمة الروسية لا تعدل عن طلب تلك الغاية، ولا تلبث أن تدعو حكومتها إلى التقدم نحوها.
ثم قال أيضا: إن الروسيين يريدون الأستانة، وهم لا يريدونها عاصمة روسيا بل يريدونها عاصمة الاتحاد الصقلبي (السلافي)؛ ليقيم فيها رئيس المذهب الأرثوذكسي ويجمع حوله جميع صقالبة البلقان، غير أنه لما فشلت روسيا في تأليف الجامعة الصقلبية أخذت تبدو لأوروبا في مظهر من عدل عن فتح أية بلاد عثمانية.
ولما انتصرت في حرب 1877 عاد أنصار الجامعة الصقلبية في روسيا فجددوا آمالهم وتوهموا أن صقالبة البلقان وصقالبة النمسا سينضمون إلى روسيا، ولكن السياسة الدولية لم تبق مجالا كبيرا لتلك الآمال بعد معاهدة برلين.
بقيت آمال روسيا تشرق وتغرب، حتى رأت دول البلقان تعقد التحالف على تركيا فأيدتهم، أجل ليس لدينا من البراهين الدامغة ما يدلنا على أن ذاك التحالف هو صنيعة روسيا كما قرأنا في بعض الجرائد الأوروبية، بيد أن الأمر الذي لا جدل فيه هو أن إضعاف تركيا منطبق على مصالح روسيا ومعزز لآمالها القديمة، وأنها رئيسة الصقالبة فلا يمكنها أن تهملهم، ولا يمكنهم أن يخوضوا معمعان حرب هائلة قبل أن يثقوا بأنها لا تخذلهم في الأيام السوداء، وهم يعلمون من جهة أخرى أن الدول التي وضعت معاهدة برلين لم تسهر على حرمتها، بل تركت بلغاريا تخترقها بأخذ الرومللي الشرقية، ثم سمحت للنمسا بأن تضم البوسنة والهرسك إلى أملاكها، فقام في أنفسهم أن الدول إذا كانت لا ترضى بحل تركيا فجأة مخافة أن تقوم مشاكل عظيمة، فإنها لا تأبى أن تؤكل في أوروبا كالخرشوفة ورقة فورقة. قال المؤرخ شوبلبيه: «إن الدول لا تريد أن تفني تركيا بصدمة واحدة، ولكنها لم تعارض حتى الآن في تقسيمها شيئا فشيئا، فإن غرض الدول على ما يظهر هو أن تؤخر سقوطها لا أن تنقذها.»
عرف المتحالفون ذاك كله فأمنوا خسارة أي شبر من أرضهم، وتأكدوا أنهم إذا انتصروا على تركيا كانت غنيمتهم كبيرة، وإذا فشلوا فإن بلادهم تبقى لهم فأقدموا على الحرب بقلوب كبيرة وعزائم شديدة.
ولا يدحض هذا القول أن روسيا والنمسا سعتا بالأصالة عن نفسيهما والنيابة عن سائر الدول العظمى في سبيل منع الحرب، وأنهما نصحتا لحكومات البلقان بوجوب العدول عن العدوان، فإن البلقانيين كانوا يعلمون كنه سياسة الدول ويثقون بأن روسيا - كما قدمنا - لا يمكنها عند الضرورة أن تنبذ تقاليدها أو تعرض عن الرأي العام في إمبراطوريتها، ولقد أصابوا الغرض فإن روسيا لم تحجم عن تجنيد جيشها حين أخذت النمسا تهدد الصرب كما سترى في باب آخر، وأن فرح الشعب الروسي بانتصار البلقانيين بلغ حدا قصيا. وإذا أراد القارئ دليلا على شعور الروس، فحسبنا أن نقدم لهم خبرا ورد ونحن شارعون في طبع هذا الكتاب، وهو أن خبر سقوط أدرنه وصل بطرسبرج والموسيو دانيف مندوب البلغار في مؤتمر لندن جالس في الدوما (مجلس النواب)، فهتف حينئذ نواب الروس هتاف الفرح والابتهاج، وحملوا الموسيو دانيف والمعتمد البلغاري في عاصمة روسيا وأخذوا يغنون وينشدون.
Shafi da ba'a sani ba