291

وبقي التدوين يتطور ويتقدم ، كما هو الحال في كل عمل يبرز الى الوجود ، ثم ينمو على مرور الزمن ، حتى جاء دور العباسيين ، فقام العلماء بجمعه مرتبا على أبواب الفقه وفصوله. وكثر المؤلفون في ذلك الدور ، واتخذ التأليف شكلا لم يكن معروفا قبل ذلك العصر (1).

وقد هب العلماء في العصر العباسي ، الى تهذيب ما كتب في عصر التدوين الأول ، وتدوين ما بقي محفوظا في الصدور ، فرتبوه وبوبوه ، وصنفوه كتبا. وقد بذل المنصور في هذا السبيل ، الأموال الطائلة ، وحث العلماء على بذل الجهد في ذلك ، وأشار على مالك أن يضع كتابه (الموطأ)، فألفه (سنة 147 ه).

لقد بلغ المنصور في عنايته بتدوين الفقه والحديث وجميع السنن ، حدا لم يعرف عن أحد ممن سبقه أو جاء بعده. ولقد قيل له : هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال : بقيت خصلة واحدة ، أتمنى ان أصل إليها ، هي ان اقعد في مصطبة ، وحولي أصحاب الحديث (2).

وتلك ظاهرة غريبة من أبي جعفر المنصور ، لا تنسجم مع سيرته وسياسته ، سياسة البطش وقتل الأبرياء وإراقة الدماء ، من العلويين والمتشيعين لهم ، تلك السياسة التي أنست الناس ظلم الأمويين واستهتارهم بالمقدسات الإسلامية.

لقد أراد المنصور أن يصرف أنظار العلماء ورجال الفكر عن سياسته

Shafi 292