Tarihin Tunanin Larabawa
تاريخ الفكر العربي
Nau'ikan
وكنت أود ألا يغرب عن بال الفاضل حينما كتب مقالاته أن كل شيء في هذا الكون نسبي كما يقولون ، وأن إرسال أحكام كهذه مطلقة لا يخلو من الشطط دائما؛ مثاله أن لدي من «خلط» علماء يونان في كثير من العلوم ما يملأ مجلدا ضخما، وعلى العكس لدي أقوال كثيرة لعلماء أوروبيين عظام يثبتون بها أن كذا وكذا من مؤلفات العرب فيها ما يدهش من الأفكار العلمية المبنية على استقراء وتجارب مجردة عن كل وهم سابق، فهل يجب أن نستنتج من ذلك قاعدة مطلقة تكون معاكسة لما قرره الكاتب المحترم في مقالاته؟ أو هل يجب أن نجاري بعض العلماء الأوروبيين فنحكم على كل من تقدمنا ونقول أن الأسلوب اليقيني لم ينشأ إلا البارحة؟ لست أرى هذا ولا ذاك؛ أي لست ممن يرتئون وضع قواعد مطلقة في أمور كهذه، فاليونان ساروا في بعض أبحاثهم العلمية على الأسلوب اليقيني وحادوا عنه في بعض آخر.
وكذا أجدادنا العرب، وقد يكون اليونانيون أقرب إلى الأسلوب اليقيني من العرب إجمالا، ولم يتفرد العرب أو الإسلام باتباع الأسلوب الغيبي، فلا غضاضة إذن عليهم، بل على العكس كانت علومهم المستمدة من علوم اليونان والفرس والهنود منارا ينير باقي الأقوام في هاتيك العصور المظلمة مهما كان فيها من الحشو الذي لا تقره عقولنا اليوم، أقول: عقولنا اليوم وأنا على يقين من أنه سيأتي حين من الدهر يرى أبناء المستقبل فيه أننا نسير الآن على غير هدى في كثير من تجاربنا العلمية، وأننا نخبط خبط عشواء في قواعد مادية أوصلنا إليها الاستقراء العلمي المحض، وسببه التباس كثير من الغوامض علينا مما سيتبين في المستقبل القريب أو البعيد.
أتذكر أنني عندما كنت أدرس في أوروبا ضحكت بضع مرات مع معلمي من أنفسنا على أثر إخفاقنا في تجارب كنا نجربها في النبات والحشرات، ولكم ظن العلماء أن أسلوبهم في تجاربهم العلمية سيوصلهم إلى الغاية بلا ريب فأخفقوا وتخبطوا تخبطا ضحكوا منه هم أنفسهم أو ضحك غيرهم منه فيما بعد، ولا يجوز برأيي الحكم على العرب وحدهم بأنهم أصحاب أسلوب غيبي حكما مطلقا مهما كان في كتبهم من الأمور التي هي أقرب إلى الشعوذة والتنجيم منها إلى الحقائق الراهنة، فالعرب وهم تلامذة اليونانيين قام فيهم عدد غير قليل ممن اتبعوا الأسلوب اليقيني فأثبتوا حقائق ستظل فخرا لهم إلى الأبد، وخلاصة الرأي أنه يجب أن نقول بأن العرب كانوا كاليونانيين والرومانيين يتبعون الأسلوب الغيبي في بعض أبحاثهم، واليقيني في بعض آخر، ومن البديهي أننا لا نعني الفلسفة وحدها بل جميع العلوم والفنون التي كانت معروفة.
وإما أن نحكم على الأقوام الغابرة جميعا حكما صارما فنقول: إنهم أصحاب أسلوب غيبي على الإطلاق، وإن الأسلوب اليقيني لم يوجد إلا في عهد إسحق نيوتن وده كارت أو أقرب من ذلك؛ أي في عهد أوغست كونت، وفي الحالة الثانية يشمل الحكم اليونانيين بلا ريب، أما إذا خصصنا العرب بالحكم دون اليونانيين والأقوام القديمة فلا يفسر ذلك إلا بأن الشعوبية شر بلوى أصابت العرب منذ سادوا إلى اليوم.
حول أسلوب الفكر العلمي
8
سيدي الأستاذ محرر المقتطف
قرأت للأستاذ الشهابي نبذة قصيرة في باب المراسلة والمناظرة أدلى فيها برأي في أسلوب الفكر العلمي قال فيه بأنه كان من الواجب علي أن أذكر أن كل شيء في العالم نسبي، وأحب لو أني لاحظت هذه الحقيقة قبل أن أحكم حكما مطلقا في مسألة نسبية، ولست أدري كيف تكون مسألة نسبية تلك التي تتناول الحكم في طابع من المدنية صبغ به عصر من عصور التاريخ؟ فإذا قلنا مثلا بأن العصر الحديث هو عصر الإنتاج الميكانيكي، فهل يدل ذلك على أنه عصر عدم كل أنواع الإنتاج حتى الإنتاج العقلي؟ كلا بل معناه أن طابع المدنية الحديثة هو الإنتاج الميكانيكي، أليس ذلك حكما مطلقا؟ أليس هو حكما صحيحا؟ وإذا قلنا بأن أسلوب العرب العلمي قد طبع بطابع الغيب، فليس معنى هذا أنهم عدموا كل قوة على اتباع أسلوب الشهادة، ولكن معناه أن الأسلوب الغيبي شاع حينئذ، فأصبح للعرب طابعا.
على أن لنا على هذا الرأي برهانا آخر، وهو برهان تاريخي، فإن الثابت أن وراثة العرب العلمية قد انتقلت إليهم من طريق مدرسة الإسكندرية أكثر من انتقالها إليهم من أي طريق آخر، لا في الفلسفة وحدها، بل في الطب والكيمياء، وعنها أخذ العرب تلك الأساليب الغيبية التي خلطت بين الطب والفلك، وبين الفلك والكيمياء، فهم في الواقع ورثة فورفويوس الصوري في المنطق، وأخلاف ابن ناعمة في الإلهيات، أو بالأحرى خلفاء أفلوطين الإسكندري الذي ترجم عنه ابن ناعمة كتاب الإيثولوجيا، وتلاميذ الإسكندر الأفروديسي في الفلسفة وفي القول بحياة الأفلاك السماوية، والعقل الفاعل والعقل المنفعل، إلى غير ذلك من الأشياء المبهمة الغامضة التي لا مبعث لها إلا قوة التصور وحدها، ولا منبت لها إلا الأسلوب الغيبي.
ثم نعود بعد ذلك إلى اليونان، وأظن أن الأستاذ لا ينكر أن كل كتاب العصر الحديث منهم الأعلام جومبرتز ووندلبند وماهافي وجلبرت موري وأردمان وزيللر وهوفدنج قد أجمعوا على أن الشعب اليوناني القديم أقدر شعب حملته الأرض وأظلته السماء من حيث القدرة على التفكير العلمي وعلى الحليل والنقد.
Shafi da ba'a sani ba