الفلسفة عن الدين، فتكون هناك فلسفة إلحادية، وتكون فلسفة تتحدث عن الروحانية والمسيحية ولا تعني سوى مجرد عاطفة دينية، وتكون فلسفة تشيد بالعلم الآلي وتحصر مجالها على قدر مجاله؛ أو تجتمع هذه الوجهات المختلفة في بعض المذاهب مع تفاوت بينها؛ وتظل الأجيال إلى الآن حائرة مترددة، تعتنق المذاهب وتخلعها الواحد بعد الآخر، وتستبدل نظامًا من الحياة بنظام.
٢ - أدوار الفلسفة الحديثة:
هذه المذاهب من الكثرة والتشعُّب بحيث يتعذر التمهيد لها والإشارة إليها بشيء من الدقة في مقدمة عامة. فنقتصر هنا على تعريف مجمل بأبواب الكتاب وهي ستة، يدور الباب الأول على عصر النهضة، أي: القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وهو عصر جديد، ولكن فيه شيئًا غير قليل من القديم: فيه أتباع لأفلاطون يستمدون منه أسباب دين طبيعي؛ وفيه رشديون يذيعون الإلحاد تحت ستار دراسة أرسطو وابن رشد؛ وفيه علماء يحاولون استكناه أسرار الطبيعة بالسحر والتنجيم؛ وآخرون يضعون أسس العلم الحديث في الرياضيات والفلك والطبيعيات؛ وفيه نقاد يتشككون في أصول الأخلاق ومبادئ المعرفة؛ وفيه فلاسفة تضطرب في عقولهم جميع هاته الميول، فيخرجون مذاهب غامضة مختلطة. ولكن ما إن يجيء القرن السابع عشر، وهو موضوع الباب الثاني، حتى تهدأ الثورة، ويبدو ميل إلى الإنشاء بعد الهدم، فتزدهر نهضة دينية، وبخاصة في فرنسا، وتظهر أمهات المذاهب الحديثة، في مقدمتها مذهب ديكارت الذي يزعم إقامة فلسفة مسيحية ويستمد عناصرها من القديس أوغسطين والقديس أنسلم ودونس سكوت، ولكنه يبث فيها روحًا مغايرة للدين؛ ويتفلسف على أثره مالبرانش وبسكال وسبينوزا وليبنتز، فيبين كل منهم على وجهة ستتكرر في الأجيال التالية، بينما يضع هوبس وفرنسيس بيكون ولوك فلسفة واقعية تنكر الميتافيزيقا وتستمسك بالتجربة. فيكون لهذه الفلسفة الإنجليزية تأثير كبير على القرن الثامن عشر، موضوع الباب الثالث، يلح فيها الإنجليز، وأشهرهم هيوم؛ ويصطنعها الفرنسيون، فيرد كوندياك المعرفة بأسرها إلى الإحساس، وينقد فولتير وروسو وأضراب لهما كثيرون أصول الدين والاجتماع ويبددون
1 / 8