Tarihin Falsafan Musulunci
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Nau'ikan
في الفلسفة الإسلامية ثلاثة أسماء تعلو على ما عداها علو قمم حملايا والجبل الأبيض على قلل الجبال الصغرى، هذه الأسماء هي ابن سينا والغزالي وابن رشد: أما ابن سينا فهو أعلى فلاسفة الشرق الإسلامي كعبا وأوسعهم رأيا وأطولهم نفسا وأرحبهم فكرا. والغزالي باقعتهم وداهيتهم ومقدمهم؛ لأنه أقدرهم بحثا وأبعدهم نظرا وأعمقهم فكرا وأطولهم باعا وأبلغهم يراعا، وقد كان من حظه أنه أدرك قبل سواه استحالة الوصول إلى الحقيقة بطريقة العقل، وقد جاءت فلسفة كانط الألماني بعده بعدة قرون تؤيد رأيه. فلما وقر في نفس الغزالي عجز العقل البشري عن الوصول إلى الحقيقة بطريق البحث الفكري، تصوف ظنا منه أن طريق الصوفية أقرب الطرق للوصول، وكان من نتائج هذا التحول الطبيعي في عقل جبار كعقله أنه بدأ يهدم آراء الفلاسفة، فألف كتاب تهافت الفلاسفة ضد آراء ابن سينا، وحاول هدم «مبدأ العلة»، فالغزالي سبق كانط في القول باستحالة وصول العقل إلى الحقيقة، وأقول إنه سبق أيضا هيوم الأيقوسي الذي كان جاحدا ومعطلا، وكان لآرائه بعض الأثر في ذهن كانط، والفرق بينهما أن هيوم وضع مبدأ اليأس على أساس الفوضى، ولكن كانط وضعه على أساس المنطق والنظام.
الغزالي أنكر قدر العلم وحط من قيمته، ونهى عنه لقلة نفعه. وأنكر قوة العقل وأثبت عجزه فسبق في ذلك حكيمين من أكبر حكماء أوروبا الحديثة، وهما هيوم وكانط، ثم أخذ يبحث عن طريق للوصول إلى الحقيقة، فاهتدى إلى مذهب الافتطار، وهو المذهب الذي يقول به الآن في فرنسا الفيلسوف برجسون، هذان هما العالمان اللذان ظهرا في الشرق: ابن سينا والغزالي، وثالثهما ابن رشد، وقد ظهر فضله في أمور كثيرة، منها أن الفلسفة كانت منذ القدم تشمل نظريتين عظيمتين في تعليل الكون وتفسيره وحقيقة السبب الأول وتحديده. النظرية الأولى: تقول بحرية علة العلل، وبأن لها مميزات تحددها وتعينها، وأن للعناية ما لها من القدرة في تدبير العالم، وتشرح سبب خلق الكون وغايته ونهايته، وتقول بأن النفس الإنسانية كان مادي خالد. والنظرية الثانية: تقول بأن المادة أزلية، وأن أصل الحياة جرثومة تتطور بفعل قوتها الكامنة، وأن علة العلل غير محدودة، وأن للطبيعة قوانين لا بد من نفوذها، وأن الضرورة من قوانين الكون، وأن للعقل وجودا غير مستقل. وقد كان من نصيب فلاسفة الإسلام أن انتحلوا النظرية الثانية.
وكان الفضل في إظهارها وتفسيرها ودعمها لابن رشد أكثر من غيره، وهو كما أسلفنا ثالث العلمين ابن سينا والغزالي، وإذا أمعنا النظر في المذهبين السالفين نرى أن أولهما مذهب الخلق، وثانيهما مذهب التطور والارتقاء. وكان من حسن الحظ أن ابن رشد دحض نظرية الخلق ونقضها وأيد نظرية التطور وقال بها، ومن مستلزماتها القول بأزلية المادة وضرورتها، وأنها أصل الكائنات، وأنها «لا بد منها ولا غنى عنها».
أما عن تدبير الكون بالنسبة لعلة العلل فقد قال ابن رشد: «إن حكم الكون يشبه حكم المدينة، فالحاكم هو المصدر الأعلى لكل ما ينفذ، ولكن جزئيات حوادثها وتفاصيلها لا تصدر عنه مباشرة ولا يتحتم علمه بها.»
ويعتبر ابن رشد السماء كائنا حيا مكونا من عدة أجرام لها أنظمة خاصة بها في حياتها ودوراتها وتأثيرها في بعضها البعض وفي الإنسان، وهذا كله مستفاد من الكتاب الثاني عشر من بعد الطبيعة لأرسطو، ونظرية ابن رشد في العقل الإنساني هي خلاصة الكتاب الثالث من كتاب الروح، مضافا إليها مزيج من التصوف والتوفيق والتقريب التي يمتاز بها حكماء الإسلام. (33) مذهبه في العقل
غير أن ابن رشد امتاز بمذهبه في العقل، وقد قال فيه قولا اهتز له علماء اللاهوت في القرن الثالث عشر المسيحي، فإنه لما أخذ يشرح رأي أرسطو في العقل الفعال أو المؤثر والعقل المتأثر أو المتلقي، بدأ بالرد على آراء الشراح السالفين وفندها وزيفها، وقرر أنه استخرج رأي أرسطو على حقيقته دونهم، وأنهم لم يدركوه ولم يبلغوا شأوه، وهاك رأيه ملخصا بإيجاز عن مقالته «في النفس» المحفوظة بدار الكتب الوطنية بباريس: إن القوة التي تتلقى المعقولات لا تتأثر بها ولا تنفعل بتأثير، سوى تأثير الإدراك، وهذه القوة تعادل قوة الشيء المدرك ويمكن تصورها بطريق القياس. وقوة المعقولات كالحس للمحسوسات مع فارق وهو أن القوة التي تتأثر بالمحسوسات تخالطها نوعا.
أما قوة المعقولات فخالصة مطلقا شريفة بذاتها منزهة عن الاختلاط بالصورة، ومما لا بد من بيانه أن هذه القوة وهي العقل الهيولي، لما كانت تدرك كافة المعقولات وتلم بجميع الصور، فلا يجوز أن تمازج الصور والأشكال؛ لئلا تمنعها إحدى الصور التي تخالطها عن إدراك غيرها من الصور، أو يؤدي التمازج إلى تغير الصور المدركة، فإذا تغيرت تلك الصور اضطرب التعقل، وفقد العقل الهيولي قوته التي أصلها إدراك الصور على حقيقتها، وتحولت طبيعته وهي الإلمام بالأشكال بغير تغير طبيعتها.
لهذا تقضي الضرورة ببقاء العقل قوة قائمة خالصة من شوائب الاختلاط طاهرة من أدران الامتزاج بالأشكال. فإذا تقرر ذلك، ثبت أن طبيعة العقل لا تكون إلا سجية بسيطة غير مركبة، وما العقل بعنصر محتاج إلى الترتيب، إنما هو الترتيب بذاته والنظام بعينه. والعقل في القوة يقابله العقل الهيولي، والهيولي إما مكون من مادة مصورة وإما بسيط فهو المادة الأولى.
هذا هو معنى العقل المتأثر الذي وضعه أرسطو وشرحه إسكندر فردوسي، ثم أخذ ابن رشد يشرح تفسير تمستيس ومرجعه أن العقل أو الهيولي لا يخالط قوى النفس الأخرى، وهو عبارة عن استعداد ذي مادة منفصلة عما عداها من القوى، ويقول ابن رشد إن العقل سجية أو استعداد بغير صور هيولية، وهو كذلك مادة منفصلة محلاة بهذا الاستعداد؛ لأن الاستعداد القائم بالإنسان يجوز اتصاله بالمادة المنفصلة لأنها لاصقة بالإنسان، أما الاستعداد فليس ملازما لطبيعة المادة المنفصلة كما ظن الشراح، وليست استعدادا صافيا كما ظن إسكندر بمفرده.
ومما يدل على أن الاستعداد ليس خالصا بذاته كون العقل الهيولي يدرك هذا الاستعداد بدون صور مع إدراك الصور، فيتحتم حينئذ أن يدرك اللاوجود، حيث يمكنه إدراك ذاته بغير صور، وينتج عن هذا أن القوة التي تدرك هذا الاستعداد والصور التي تطرأ عليه تكون حتما خارجة عنه، ويظهر من هذا جليا أن العقل الهيولي هو شيء مركب ومكون من الاستعداد القائم بالإنسان، ومن عقل يضيف ذاته إلى هذا الاستعداد ويبقى مستعدا بالقوة لا بالفعل، وهذا العقل هو العقل الفعال بذاته، وما دام فعالا بالقوة فهو عاجز عن إدراك ذاته، وقادر على إدراك ما عداه؛ أي الموجودات الهيولية، وإذا ما انفصل عن الاستعداد صار عقلا بالفعل مدركا ذاته دون ما كان خارجا عنه من الهيوليات، ولما كان في النفس وظيفتان: الأولى صنع الصور المعقولة، والثانية تلقيها، فما دام العقل يصنع صورا معقولة فهو عقل فعال، وما دام يتلقاها فهو متأثر، وما هاتان الوظيفتان المتعددتان في الظاهر إلا وظيفة واحدة في الحقيقة.
Shafi da ba'a sani ba