Tarihin Falsafan Musulunci
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Nau'ikan
السبب في عدم اشتهاره عند المسلمين كما يجب وسرعة انحلال الفلسفة واندثار معالم الحكمة بعده؛ يرجعان إلى عدم انتشار كتبه في الأقطار؛ لأنها لم تخرج من الأندلس التي لم يطل عهد الدول الإسلامية فيها، وقد أمر بعده المتعصب الجهول زيمنينز بإحراق المخطوطات العربية، وذلك بعد الفتح المسيحي وزوال دولة الموحدين، فأحرقت في ساحة غرناطة ثمانون ألف نسخة من الكتب العربية، ولا شك في أن جميع مؤلفات ابن رشد قد التهمتها نيران التعصب الأوروبي في تلك الحريقة العظمى.
وكل ما بقي للعالم من مؤلفات ابن رشد مكتوب بخط مغربي، مما يدل على أنه منقول من الكتب الأصيلة في الأندلس ونقل إلى أفريقيا ومراكش قبل تلك النكبة. أما الكتب العربية الموجودة في مكتبة اسكوريال فليست من أثار عرب الأندلس، إنما من أسلاب السفن التي كان يأسرها قرصان الإسبان من المغاربة، ومع ذلك فلم تنج تلك الكتب المغتصبة من اللهب، فقد أحرقت مرتين في مفتتح القرن السابع عشر وقبيل ختامه (1611 و1671م.) فتلف أكثر من نصفها.
وعدا الكتب القليلة الموجودة باسكوريال فله كتب عربية بمكتبة أوفيتشي بفلورنسا، وهي شرح وسط لكتاب الكون، وصغير للبلاغة والشعر، وشرح كامل لكتب المنطق وبعض كتبه الطبية في مكتبة باريس الوطنية وليدن واسكوريال. وكتبه العربية نادرة جدا، ولكنها كثيرة الانتشار بالعبرية واللاتينية، ولم ينشر بالعربية لابن رشد كتاب قبل أواسط القرن التاسع عشر (1859)؛ أي بعد موته بستة قرون ونصف، والفضل في ذلك للعالم الألماني مولر الذي تقدم غيره في نشر فصل المقال. والفضل في نشر كتبه باللاتينية في القرن الخامس عشر لمدن البندقية وبادوا ثم بولونيا وروما ونابولي بإيطاليا، ثم ليون بفرنسا، وقد كثر الإقبال عليها في السادس عشر، ثم نامت في السابع عشر، ثم نسيت بتاتا، وكان هذا آخر عهد ابن رشد بالشهرة في الغرب. (32) مذهب ابن رشد
إن تعاليم ابن رشد تشبه بصفة عامة تعاليم أسلافه ومعاصريه من فلاسفة العرب. وهذه التعاليم ذاتها لا تخرج عن فلسفة أرسطو، مضافا إليها نظريات من الأفلاطونية المستحدثة، وقد امتاز فلاسفة العرب بأن أضافوا إلى تعاليم أرسطو نظرية عقول الدوائر أو الكريات الكائنة بين المتحرك الأول وبين العالم، وانتحلوا فكرة «الانبثاق العام»، والمقصود بها أن الكائنات جمعيها انبثقت وصدرت عن الله؛ أي إنه تعالى هو مصدر خلق الكائنات والمقصود من القول بهذه النظرية اتصال الحركة من المحرك الأول بما هو قريب منه من الكريات ومنها إلى ما هو أدنى من سائر أجزاء الكون، وهكذا إلى العالم الأرضي.
وإنما التجأ فلاسفة العرب إلى هذا المذهب «الانبثاقي» ليطهروا تعليم أرسطو من مذهب الثنوية؛ أي اشتراك القوة والمادة في خلق العالم، وليملئوا الفراغ الفاصل بين القوة القائمة بذاتها أو القوة المحض وبين المادة الأولى. ولا يخفى أن الثنوية الأرسطية غايتها تعليل العالم بفرض وجود عنصرين مطلقين في ذاتهما مستقلين عن بعضهما منفصلين تمام الانفصال؛ وهما الروح أو القوة والمادة. ولما كان التوحيد أولى فرائض الإسلام، وكان أرسطو هو الفيلسوف الوحيد الذي انتحل المسلمون تعليمه، وكان تحوير تعليمه أهون عليهم وأسهل لديهم من الانحراف عن العقيدة الدينية، انتحلوا مذهب «الانبثاق العام» وأحلوه محل الثنوية الأرسطية، على ما فيه من مخالفة جوهرية لبقية تعاليم أرسطو.
وقد سار ابن رشد على هذا الدرب الذي سار عليه من قبل الفارابي وابن سينا؛ لأجل ما تقدم صار مذهب ابن رشد علما على مذاهب فلاسفة العرب الذين اهتدوا بأرسطو وتبعوا مدرسته، ويجوز أن يطلق عليهم تجاوزا اسم «المشائين في العرب»، فمذهب ابن رشد يجمع مذاهبهم ويوفق بين أرائهم ويلم شعث تعليمهم. وقد صار اسمه اسما للفلسفة العربية؛ لأنه لم يشتغل واحد من فلاسفة العرب بغير تعاليم أرسطو، ومن حسن حظه أنه جاء متأخرا وقد ألم بمؤلفات المتقدمين منهم وذكرهم وروى عنهم وقرظ بعضهم وانتقد البعض الآخر؛ فنتج عن ذلك أن امتزجت أفكارهم بأفكاره، واختلطت آثارهم بآثاره، فنسب إليه المؤرخون في الشرق والغرب آراء الذين سبقوه مثل ابن سينا والفارابي.
على أن العدل يقضي بالقول بأن فضل ابن رشد لا يربو على فضلهم إلا في أنه أسهب في شرح أقوالهم، على أن ابن رشد لم يكن ناقلا وشارحا ومقلدا فقط كما يذهب إليه بعض المؤرخين، بل كان أيضا واضعا ومبتدعا ومجددا، ومثله في الابتداع والتجديد في أثناء الشرح والتفسير مثل غيره من فلاسفة العرب، فإنهم لم يقنعوا بشرح أرسطو بغير نقص أو ازدياد، إنما اتخذوا شرح مذهبه وسيلة لبيان مذاهبهم.
ومن ينعم النظر في كتب العرب التي جعلوها شرحا لفلسفة اليونان، يستطع استخلاص فلسفة عربية إسلامية قائمة بذاتها، ممتازة بعناصر فكرية خاصة بها، ومغايرة في مجموعها للفلسفة المعروفة لعهدهم والمعمول بها بين أهل الرأي. وهذه الفلسفة العربية الإسلامية الخاصة ظاهرة آثارها بجلاء في مذاهب الفرق المعتزلة والقدرية والجبرية والصفاتية والباطنية والأشعرية وفي علوم الكلام. ويظهر هذا من مراجعة أمثال كتاب الملل والنحل والفرق بين الفرق، ولكن العرب لم يطلقوا على مباحث هذه الفرق اسم الفلسفة لأسباب يطول شرحها، وليس هنا مقام الكلام فيها، إنما قصروا اسم الفلسفة في عرفهم على فلسفة الأقدمين، وأطلقوا اسم الفيلسوف على من ينقطع لدرسها وفحصها وشرحها. إذا تقرر ذلك وضح لنا أن ما يعرف بالفلسفة العربية هو في الحقيقة جزء محدود جدا من الحركة الفكرية في الإسلام.
وقد اختلف الناس في أي الوصفين أفضل الفلسفة العربية أو الفلسفة الإسلامية، ولكل من منتحلي أحد الوصفين حجج وقرائن، أما نحن فنفضل وصف الفلسفة الإسلامية؛ لأن أبحاثنا في الكندي والفارابي دلت على أن الفضل في انتحال الفلسفة اليونانية راجع للعباسيين، وهم من سلالة فارسية ؛ أي من شعب آري من هنود أوروبا. وإن كانت الفلسفة بعيدة عن العرب وغريبة عنهم بوصف كونهم شعبا ساميا، فما هي بالغريبة عن الإسلام بوصف كونه مجموعة عقائد وجدانية وقواعد عقلية وأنظمة اجتماعية ومبادئ مدنية.
على أن هذا التمييز لا يضير العرب في شيء ولا يقلل من قدرهم، فإن العباسيين لولا الإسلام ما اتجه نظرهم نحو الفلسفة اليونانية، وأول فلاسفة الإسلام عربي صميم وهو الكندي، والإسلام ذاته مصدره نبي عربي نشأ وترعرع ودعا لدينه في البلاد العربية، فمثل الفلسفة الإسلامية كمثل كتاب ذي جزأين: الأول مصدره الشرق، وقد دونه الكندي والفارابي وابن سينا؛ والثاني مصدره الغرب، ومؤلفوه ابن باجه وابن طفيل وابن رشد. والناظر في فلسفة ابن رشد يرى أنها لا تختلف في جوهرها عن فلسفة ابن باجه وابن طفيل. وهذان الحكيمان قد أكملا وأتما في الغرب ما بدأ به الثلاثة الأول في الشرق.
Shafi da ba'a sani ba