Tarihin Falsafan Musulunci
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Nau'ikan
3
بين كتب أبي حامد التي ذكرناها في ترجمته كتاب «المضنون به على غير أهله»، وقد وصفه بعض كتاب الإفرنج بأنه اعتراف الغزالي تشبيها له باعتراف جان جاك روسو، على أن هناك فرقا جوهريا بين الكتابين، فجان جاك روسو دون اعترافه شاملا لجميع شئون حياته المادية والمعنوية والعقلية، ولكن الشيخ الغزالي جعل هذا الاعتراف قاصرا على حياته العقلية والقلبية، وهو رسالة إلى صديق له وصفه بأنه أخوه وجعل هذا الكتاب جوابا على سؤال توجه إليه من هذا الأخ، فقال في استهلاله: «فقد سألتني أيها الأخ أن أبث إليك غاية العلوم وأسرارها، وأحكي لك ما قاسيته في استخلاص الحق من بين اضطراب الفرق مع تباين المسالك والطرق، وما استجرأت عليه من الارتفاع عن حضيض التقليد إلى يفاع الاستبصار، وما احتويته ثانيا من طرق أهل التعليم القاصرين لدرك الحق على تقليد الإمام، وما ازدريته ثالثا من طرق التفلسف، وما ارتضيته آخرا من طريق التصوف، وما انحل إلي في تضاعيف تفتيشي عن أقاويل الخلق من لباب الحق، وما صرفني عن نشر العلم ببغداد مع كثرة الطلبة، وما دعاني إلى معاودتي بنيسابور بعد طول المدة.»
والظاهر من هذه النبذة الافتتاحية أن الغزالي قاسى كثيرا في استخلاص الحق، وأنه ازدرى الفلسفة وارتضى التصوف وهذا هو مفتاح حياته العقلية، وظاهر من اعتراف الغزالي أنه كان في عنفوان شبابه منذ راهق البلوغ قبل بلوغ العشرين، إلى أن أناف على الخمسين أي قبيل موته بخمس سنين، لأنه توفي في نصف العقد السادس، يحاول أن يستكشف أسرار كل طائفة بحرية مطلقة لا فرق في ذلك بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع ، فجمع في بحثه بين درس الفيلسوف ليقف على كنه فلسفته، والمتكلم ليجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، والصوفي ليحرص على العثور على سر صفوته، وأيضا الزنديق المعطل والملحد الجاحد ليتجسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته.
4
وهذه حرية في البحث واستقصاء في الدرس يدلان على سعة صدره وسمو فكره، إذ لا يمكن للمحقق أن يستوعب سبل الحقيقة بغير الجمع بين سائر مظاهرها مما يقال للشيء وعليه، كما كان شأن «قانت» في كتابه الجليل «نقد العقل الصحيح أو العقل الصراح».
وقد كان هذا الشيخ الجليل الغزالي في تعطش إلى درك حقائق الأمور من أول أمره وريعان عمره، وكان البحث وراء الحقيقة غريزة وفطرة وضعتا في جبلته. ومما يجدر بالنظر في نفسية هذا الفيلسوف أنه ما زال هذا دأبه وديدنه حتى انحلت عنه رابطة التقليد وانكسرت على العقائد الموروثة، لأن مطلوبه كان العلم بحقائق الأمور، ومن أمثاله التي ضربها في رفعة قدر العلم في نظره أنه إذا علم أن العشرة أكثر من الثلاثة، فلو قال له قائل: لا بل الثلاثة أكثر بدليل أني أقلب هذه العصا ثعبانا. وقلبها وشاهد ذلك منه، لن يشك بسبب هذه المعجزة أو الكرامة أو الحيلة السحرية في معرفته أن العشرة أكثر من الثلاثة، ولم يحصل له منه إلا التعجب من قدرة هذا الذي قلب العصا ثعبانا، فأما الشك فيما علم فلا، ثم ثبت له أن كل ما لا يعلمه على هذا الوجه ولا يتأكده على هذا النوع اليقيني فهو علم لا ثقة له به ولا أمان معه، وكل علم لا أمان معه فليس بعلم يقيني.
5
والغريب في أمر هذا الفيلسوف أنه سلك سبيل الفلسفة الحسية قبل (دافيد هيوم) الإنجليزي بستة أو سبعة قرون، وإذا علمنا أن دافيد هيوم كان له أعظم فضل في تنمية فكر «عمانوائيل قانت» الألماني الذي أقر في كتابه بأن هيوم هو الذي أيقظه من غفلته، لعلمنا مقدار عقل الفيلسوف الغزالي بالنسبة لهؤلاء المحدثين الأمجاد من أهل أوروبا، فإن الغزالي فتش عن العلوم فوجد نفسه عاطلا من علم موصوف بهذه الصفة إلا في الحسيات والضروريات، فقال الآن بعد حصول اليأس لا مطمع في اقتباس المشكلات إلا من الجليات وهي الحسيات والضروريات، فلا بد من إحكامها أولا ليتبين أن ثقته بالمحسوسات وأمانه من الغلط في الضروريات من جنس أمانه الذي كان من قبل في التقليديات.
6
ولما وصل إلى الفلسفة، قال إن الدهريين أول الفلاسفة الأقدمين، وإنهم جحدوا الصانع المدبر العالم القادر، وزعموا أن العالم لم يزل موجودا كذلك بنفسه لا بصانع ولم يزل الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان كذلك كان وكذلك يكون أبدا.
Shafi da ba'a sani ba